( الصفحة 32 )
ولا يكفي الفصل بين زمان الحدوث وظرف العمل ، أم يكون مرادهم الحيث الإثباتي الذي مرجعه إلى لزوم وقوع النيّة في الليل ، ولازمه عدم الكفاية لو نوى عصر آخر شعبان لصوم الغد بعنوان رمضان فرضاً ، ونام إلى آخر النهار من يوم رمضان على خلاف ما في المتن وما قوّيناه .
والظاهر هو الأوّل ; لأ نّ المعتبر في العبادة استنادها إلى أمر الله تعالى ، مندون فرق بين العبادات الوجوديّة والعدميّة ، وقد ثبت ويثبت أ نّه لا يلزمالتوجّه التفصيلي إلى المفطرات الواقعيّة ، وإلاّ يلزم البطلان في كثير من المواردبل أكثرها .
نعم ، لازم ما ذكرنا عدم لزوم الحدوث في العبادات الوجوديّة مقارنة بها ، مع أ نّ المشهور على خلافه وإن التزموا بكفاية النيّة الارتكازيّة واستمرار النيّة حكماً بعد الحدوث كذلك ، لكن لقائل الاستشكال عليهم بعدم اللزوم في العبادات الوجوديّة أيضاً مع إحراز الاستناد وعدم كون الداعي إلى الإتيان بها إلاّ أمر الله تبارك وتعالى ، لكنّ الكلام فعلاً في الصوم الذي هو من الواجبات العدميّة ، والظاهر أ نّ نظر المشهور إلى الحيث المنفي وعدم لزوم المقارنة والاتّصال إلى طلوع الفجر . وعليه : فلا فرق بين كون الحدوث في الليل أو قبله، كما لا يخفى .
ثمّ إنّه حكي عن ابن أبي عقيل(1) ما حكي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) من أ نّه : لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل(2) وإن كان غير موجود في كتبنا الروائيّة، بل موجود في
- (1) حكى عنه في مختلف الشيعة 3: 253 مسألة 17.
(2) مستدرك الوسائل 7 : 316 ، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 2 ح 1، السنن الكبرى للبيهقي 6 : 189 ، باب الدخول في الصوم بالنيّة ح 8001 و 8003 و ص 215 باب نيّة الصيام للغد ح 8081 ، كنز العمّال 8 : 493 ح23789 ـ 23791.
( الصفحة 33 )
الكتب الفقهيّة (1) ، وظاهر هذا التعبير عدم كفاية المقارنة والاتّصال، وتعيّن كون النيّة في الصوم واقعة في الليل ، ولا أقلّ في النصف الآخر من الليل كما في المبيت بمنى ، حيث إنّه لا فرق فيه بين النصف الأوّل والنصف الأخير ، كما اخترناه في بحث الحجّ من هذا الشرح (2) .
وعليه : فمرجعه إلى ثبوت خصوصيّة في باب الصوم غير ثابتة في غيره من العبادات ولو كانت عدميّة ، وهل المراد ذلك ، أو أ نّ المراد هو الحيث المنفي الذي أشرنا إليه ; وهو عدم اعتبار الاتّصال والمقارنة لطلوع الفجر ; لما ذكرنا من التعسّر بل التعذّر وكفاية كون الحدوث من الليل وإن كان هناك فصل بين زمان الحدوث وبين الطلوع لكنّه باق ومستمرّ ارتكازاً. وعليه : فلا يكون للصوم خصوصيّة من بين العبادات موجبة لذلك؟ الظاهر هو الثاني ; لعدم الدليل على الأوّل ، وكون ابن أبي عقيل متفرّداً في كثير من الفتاوي لا يوجب حمل المقام عليه بعد إمكان كون المراد هو عدم جواز التأخير عن الطلوع مع التوجّه والالتفات، كسائر العبادات من دون فرق . هذا كلّه مع التوجّه والالتفات .
وأمّا إذا كان فوات النيّة في صورة عدم التوجّه، فلا إشكال في جواز التأخير عن الطلوع مع ثبوت العذر في الجملة ، وقد قام الدليل على أ نّ المسافر إذا رجع إلى وطنه قبل الزوال ولم يتحقّق منه الإفطار يجوز بل يجب عليه النيّة في رمضان ، وبعد ملاحظة أ نّ الحكم على خلاف القاعدة ; لأ نّ مقتضاها عدم خلوّ جزء من أجزاء النهار عن نيّة الصوم ، والمفروض تحققها قبيل الزوال لا عند طلوع الفجر ولا قبله
- (1) المعتبر 2 : 643 ، الانتصار : 181 ـ 182 ، مصباح الفقيه 14 ، كتاب الصوم : 310 .
(2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الحجّ 5 : 397 .
( الصفحة 34 )
بنحو ما عرفت ، فاللازم في إسراء الحكم على تقدير الجواز أن يدّعى إلغاء الخصوصيّة وأ نّه لا خصوصيّة للسفر ، بل الحكم المذكور إنّما هو لأجل كونه من الأعذار ، أو يدّعى الفحوى والأولويّة بلحاظ أ نّ المسافر الذي لم يكن يجب عليه الصوم; لظهور الآية (1) في أ نّ من كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيّام اُخر .
وظاهره تقسيم السنة من جهة الأيّام إلى شهر رمضان وغيره ، والمسافر لا يجب عليه الصوم إلاّ في أيّام اُخر فيما إذا وجب عليه النيّة لو رجع قبل الزوال ولم يتحقّق منه الإفطار ، فسائر ذوي الأعذار بطريق أولى، ولا أقلّ من دعوى إلغاء الخصوصيّة، سيّما بالإضافة إلى المريض المعطوف عليه المسافر في الآية التي عرفت .
وكيف كان ، فمقتضى الروايات الكثيرة الواردة في السفر أ نّ المسافر إذا رجع إلى وطنه ولم يفطر يمتدّ وقت النيّة في صومه إلى الزوال ، ومفادها وجوب ذلك عليه على خلاف القاعدة المقتضية ; لما ذكرنا من بطلان العبادة إذا كان جزء منها فاقداً للنيّة ، وقد وردت في الجهل مرسلة(2) عاميّة غير مذكورة في كتبنا الروائية دالّة على أنّ ليلة الشك أصبح الناس ، فجاء أعرابيّ فشهد برؤية الهلال ، فأمر (صلى الله عليه وآله) منادياً ينادي من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليمسك .
وهذه الرواية لا مجال للاعتماد عليها ; لأنّها مضافاً إلى الإرسال وكون الراوي عامّياً، لا دلالة فيها على كون الرجل الشاهد عادلاً ، فضلاً عن لزوم التعدّد في الشاهد ، بل الظاهر كونه مجهول الحال وأ نّ التنوين للتنكير ، مع أ نّه لم يقع التعرّض فيها للفرق بين ما قبل الزوال وما بعده ، مع أ نّ عدم الأكل أعمّ من تناول المفطر
- (1) سورة البقرة 2 : 184 .
(2) المعتبر 2: 646، الحدائق الناضرة 13: 19 ـ 20، مصباح الفقيه 14 ، كتاب الصوم : 314 .
( الصفحة 35 )
الآخر كالجماع مثلاً ، فتدبّر . مع ورودها في الجهل بالموضوع ; لأ نّ المفروض كون اليوم يوم الشك في أ نّه من شعبان أو رمضان ، فهل تمكن استفادة حكم المريض منها أو الجهل بالحكم أو زوال الحيض ومثله ؟ وأمّا ما حكي عن المحقّق الهمداني (قدس سره) من دعوى الانجبار بعمل المشهور(1) فهو غير تامّ بعد عدم إحراز استناد المشهور إلى مثلها، واحتمال استنادهم إلى الوجوه الاُخر التي مرّت الإشارة إليها .
ثمّ إنّه ربما يتمسّك للحكم في صورة الجهل والنسيان بحديث الرفع(2) المتضمّن لرفع ما لا يعلمون والخطأ والنسيان ، مع أ نّه من الواضح أ نّ الحديث دالّ على رفع الحكم ومسوق في مقام الامتنان ، والغرض إثبات الوجوب على ذوي الأعذار قبل الزوال على خلاف القاعدة، كما في المسافر على ما عرفت ، والامتنان لا يلائم ذلك .
ثمّ إنّ قوله في المتن : «نعم في جريان الحكم في مطلق الأعذار إشكال ، بل في المرض لا يخلو من إشكال وإن لا يخلو من قرب» إلاّ أنّه غير خال عن الإجمال والإبهام ; فإنّ الظاهر أنّ قوله: «في مطلق الأعذار إشكال » ، ناظر في نفسه إلى الأعذار غير المذكورة في كلامه من الجهل والنسيان والغفلة والمرض والسفر ، لكنّ التّرقّي عن ذلك بقوله : «بل في المرض لا يخلو من إشكال »، يشعر بل يدلّ على عدم كون المراد من المطلق ما ذكرنا .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الحكم جار بالإضافة إلى المسافر الذي رجع قبل الزوال ولم يتناول المفطر ، وهو على خلاف القاعدة المقتضية للبطلان على ما عرفت ، فاللازم الاقتصار عليها ما لم يكن هناك دليل، وقد مرّ عدمه .
- (1) مصباح الفقيه 14 : 314 .
(2) الفقيه 1 : 36 ح 132 ، الخصال : 417 ح 9 ، وعنهما وسائل الشيعة 8 : 249 ، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2 .
( الصفحة 36 )
القسم الثاني : الواجب غير المعيّن ، كالقضاء الذي لم يتضيّق وقته ونحو ذلك ، وفي المتن: أ نّه «يمتدّ محلّها اختياراً في غير المعيّن إلى الزوال» ، وقد فرّع عليه أ نّه «لو أصبح ناوياً للإفطار ولم يتناول مفطراً ، فبدا له قبل الزوال أن يصوم قضاء شهر رمضان أو كفّارة أو نذراً مطلقاً ، جاز وصحّ دون ما بعده ». ولا ينافي ذلك ما ذكرناه في النذر من عدم كونه منوّعاً لأقسام الصوم ، بل لا يكون هناك إلاّ وجوب الوفاء بالنذر ، وهو تكليف توصّلي لا تعبّدي ; لأ نّ الكلام هنا إنّما هو بالإضافة إلى نيّة الصوم الذي عرفت أ نّه أمر عبادي مفتقر إلى النيّة .
وليعلم أ نّه لا فرق في مقتضى القاعدة بين هذا القسم وبين القسم الأوّل ; فإنّ العبادة كما عرفت تحتاج إلى النيّة بالإضافة إلى جميع أجزائها ، ولا مجال للصحّة فيها في صورة خلوّ بعض الأجزاء من النيّة ولو لحظة ، إلاّ أ نّ النصّ والفتوى متطابقان على الصحّة في هذا القسم في صورة التأخير عن الطلوع ولو اختياراً ، غاية الأمر أ نّ المشهور ذهبوا إلى أنّ وقت النيّة في هذا القسم يمتدّ إلى الزوال ; أي لحظة قبله ، وحكي عن ابن الجنيد الامتداد إلى الغروب، كما في المندوب على ما يأتي ، واللازم ملاحظة الروايات من هذه الجهة ، وإلاّ فأصل جواز التأخير لا ارتياب فيه بالنظر إليها .
فنقول : هي كثيرة :
منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : قلت له : إنّ رجلاً أراد أن يصوم ارتفاع النهار، أيصوم ؟ قال : نعم(1) . ولا خفاء في انصرافها عن
- (1) الكافي 4 : 121 ح 1 ، وعنه وسائل الشيعة 10: 10 ، كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته ب 2 ح 1 و ص 19 ب 4 ح 13 .