( الصفحة 66 )
خصوصاً مع ملاحظة التعبير عنه بالجنابة المتحقّقة في الصورتين ، كما في رواية أبي سعيد القمّاط، أنّه سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح ؟ قال : لا شيء عليه ، وذلك أ نّ جنابته كانت في وقت حلال(1) .
ومن مثل هذه الرواية يستفاد أنّه لا خصوصيّة في الوطء قبلاً ، كما أنّه لا خصوصيّة لصورة الإنزال ; لعدم الفرق في الجنابة بين الصورتين ، كما أنّه يستفاد من هذا التعبير عدم الفرق بين أن يكون الصائم واطئاً أو موطوءاً ; لإطلاق السؤال وترك الاستفصال في الجواب .
الثالثة: ظاهر المتن التفصيل في مفطريّة الجماع بين صورة النسيان أو القهر الموجب لسلب الاختيار ، وبين فرض الإكراه ، فحكم بالعدم في الاُولى وبثبوت البطلان في الثانية . أمّا في القهر الموجب لسلب الاختيار ; لأنّ القهر الكذائي يوجب سلب الإسناد المعتبر في مفطريّة المفطر وإبطاله للصوم. وأمّا الفرق بين النسيان والإكراه مع اشتراكهما في حديث الرفع(2) المشتمل على رفع الاُمور التسعة المعروفة ، فهو أنّ الحديث المزبور لا يرفع الحكم الوضعي وهي المفطريّة ، غاية الأمر أنّه في صورة الإكراه غير البالغ حدّ القهر المذكور ، حيث إنّ إسناد الفعل إلى المكره ـ بالفتح ـ صحيح ، وهو فاعل له بالاختيار ، غاية الأمر عدم الحرمة بالإضافة إليه لصدوره كذلك ; لأجل عدم تحقّق التوعيد الذي وعد به ، فلا محالة المفطريّة باقية في هذه الصورة وإن كان الارتكاب جائزاً شرعاً .
وأمّا في صورة النسيان ، فلأ نّ الحكم ـ كما يأتي ـ مورده التعمّد ، وهو لا يجتمع
- (1) الفقيه 2 : 74 ح 322 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 57 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح1 .
(2) تقدّم في ص 37 .
( الصفحة 67 )
مع النسيان ، كما إذا جامع في حال النوم مثلاً .
ثمّ إنّه يتفرّع على هذه الجهة أنّه لو جامع نسياناً فتذكّر في الأثناء ، أو قهراً وارتفع القهر في الأثناء ، يجب عليه الإخراج فوراً ، وإن تراخى بطل صومه ; لأنّه مع التراخي يتحقّق عنوان المفطر ، ولا ملازمة بين الحدوث والدوام ، كما هو واضح ، كما أنّه يترتّب على ما ذكرنا أنّه لو قصد التفخيذ مثلاً فقط بدون قصد الدخول أصلاً ، ثمّ تحقّق الدخول لا يبطل صومه ; لعدم تعمّده في ذلك .
الرابعة : لو قصد الإدخال ولم يتحقّق فالظاهر أ نّ صحّة الصوم وبطلانه مبنيّان على أنّ نيّة القاطع مفطرة وإن لم يرتكبه، أو لا وقد مرّ سابقاً العدم ، إلاّ مع تعلّق القصد استقلالاً بالقطع ، فراجع .
الخامسة : أ نّه لا إشكال في تحقّق الجماع بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها مثلاً ، ونفى البعد في المتن عن إبطال مسمّى الدخول في المقطوع وإن لم يكن بمقدارها . هذا ، ولكن في العروة(1) : ويتحقّق بإدخال الحشفة أو مقدارها من مقطوعها ، فلا يبطل بأقلّ من ذلك ، بل لو دخل بجملته ملتوياً ولم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل وإن كان لو انتشر كان بمقدارها ، ومبنى المسألة هو أنّ الاعتبار بنفس الجنابة الموجبة للغسل ، وقد مرّ في بحث الأغسال أ نّ المحقّق للجنابة إنّما هو دخول الحشفة، فلا يجب الغسل بإدخال الأقلّ من ذلك، فلايبطل الصوم أيضاً ، وإن قلنا أنّ الاعتبار بعنوان الجماع ، أو إتيان النساء ، أو إتيان الأهل ، فالظاهر أنّها أعمّ.
والثمرة تظهر بالإضافة إلى مقطوع الحشفة . وأمّا بالنسبة إلى من لم تقطع حشفتهفلا شبهة ظاهراً في الاكتفاء بإيلاجها ، ويبقى الفرع المذكور في كلام السيّد (قدس سره) ،
- (1) العروة الوثقى 2 : 14 ـ 15 ، الأمر الثالث .
( الصفحة 68 )
الرابع : إنزال المني باستمناء ، أو ملامسة ، أو قُبلة ، أو تفخيذ ، أو نحو ذلك من الأفعال التي يُقصد بها حصوله ، بل لو لم يقصد حصوله وكان من عادته ذلك بالفعل المزبور ، فهو مبطل أيضاً . نعم ، لو سبقه المنيّ من دون إيجاد شيء يترتّب عليه حصوله ـ ولو من جهة عادته من دون قصد له ـ لم يكن مبطلاً 1 .
وهو أنّه لو دخل بجملته متلوياً ولم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل وإن كان لو انتشر كان بمقدارها(1) ، والظاهر البطلان في الفرع المذكور ; لأنّ المفروض فيه إدخال الذكر بأجمعه ، فهل يحتمل عدم الاكتفاء به وإن كان ملتوياً غير منتشر ؟
1ـ لا إشكال في مفطريّة الإنزال بأيّ سبب تحقّق ، وعلى أيّ فعل ترتّب إذا كان المقصود من إيجاده إنزال المني ، من دون فرق بين الأسباب المذكورة في المتن وغيرها حتى النظر إلى الأهل إذا قصد به ذلك وإن كان نادراً ، فما حكي عن بعض كالمحقّق(2) من عدم البأس بالنظر وإن أنزل ، محمول على عدم كون قصده من النظر الإنزال كما هو الغالب فيه ، وإلاّ فلا فرق بين النظر وغيره أصلاً . نعم ، قد عرفت أنّه لا يلزم في الجماع الإنزال ; لأنّه مفطر مستقلّ في مقابل الإنزال وغيره من المفطرات .
وكيف كان ، ففي الروايات الكثيرة الواردة في هذه المسألة غنى وكفاية ، مثل :
صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني؟ قال: عليه من الكفّارة مثل ما على الذي يجامع(3).
- (1) العروة الوثقى 2: 15 ذ الأمر الثالث.
(2) شرائع الإسلام 1: 192 .
(3) الكافي 4 : 102 ح 4 ، تهذيب الأحكام 4 : 206 ح 597 و ص 273 ح 826 ، الاسبتصار 2 : 81 ح 247 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 39 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 1.
( الصفحة 69 )
والظاهر أنّ قوله (عليه السلام) : «حتّى يمني» يكون المراد به صورة قصد الإمناء والإنزال لا خروج المني وإن لم يكن يترتب عليه نوعاً ، كما عرفت في مثال النظر ، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من الجواب ثبوت البطلان أيضاً للصوم لا مجرّد تحقّق الكفّارة . هذا ، وقد نقله في الوسائل في باب واحد مرّتين ، والظاهر الاتّحاد وعدم التعدّد كما نبّهنا عليه مراراً .
وموثقة سماعة المضمرة قال : سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل ؟ قال : عليه إطعام ستّين مسكيناً ، مدّ لكلّ مسكين (1) . والتعبير بالفاء في قوله «فأنزل » في السؤال ظاهر فيما ذكرنا من كون قصده من إدامة اللزوق الإنزال وتحقّقه ، كما أ نّ الحكم بثبوت الكفّارة ظاهر في البطلان على ما هو المتفاهم عند العرف .
وصحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه سئل عن رجل يمسّ من المرأة شيئاً أيفسد ذلك صومه أو ينقضه ؟ فقال : إنّ ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني(2) .
وغير ذلك من الروايات(3) التي يستفاد منها حكم المقام .
نعم ، في المتن أنّه لو لم يقصد من الفعل الإنزال أصلاً ولكن كان من عادته ذلك فهو أيضاً مبطل وإن لم يكن الإنزال مقصوداً له بنفسه ; لأنّ تعلّق القصد والاختيار بإيجاد الفعل الذي يترتّب عليه الإنزال قهراً مع التوجّه والالتفات إلى ذلك ، يوجب سوق القصد إلى الإنزال لا محالة ، فإذا علم أنّ لعبه بامرأته يوجب خروج المني
- (1) تهذيب الأحكام 4 : 320 ح 980 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 40، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 4 .
(2) الكافي 4 : 104 ح 1 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 97 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب33 ح1 .
(3) وسائل الشيعة 10 : 97 ب 33 .
( الصفحة 70 )
مسألة 3 : لا بأس بالاستبراء بالبول أو الخرطات لمن احتلم في النهار; وإن علم بخروج بقايا المنيّ الذي في المجرى إذا كان ذلك قبل الغُسل من الجنابة . وأمّا الاستبراء بعده فمع العلم بحدوث جنابة جديدة به فالأحوط تركه ، بل لايخلو لزومه من قوّة ، ولا يجب التحفّظ من خروج المنيّ بعد الإنزال إن استيقظ قبله ، خصوصاً مع الحرج والإضرار 1 .
عادة ويترتّب عليه الإنزال قهراً ، فإيجاده عن اختيار لا ينفك عن قصد الإنزال لا محالة . نعم ، لو سبقه المني من دون إيجاد شيء يترتّب عليه حصوله ولو من جهة عادته ولم يقصد الإنزال بوجه لم يكن مبطلاً ; لأنّ المفروض سبقة المني وعدم وجود القصد إلى حصوله من جهة العادة ، فالخروج حينئذ لا يستند إليه بوجه ، فلا يكون مبطلاً أصلاً .
ومن هنا لا يكون الاحتلام في النهار مبطلاً وإن علم أنّه لو نام احتلم، أو كان من عادته ذلك بعد النوم; لعدم كون الاحتلام محرّماً وعدم صدق الإسناد إليه بوجه وإن إحتاط السيّد في العروة استحباباً بالترك في الصورة المزبورة ، ولكنّه استظهر الجواز خصوصاً إذا كان الترك موجباً للحرج(1) .
1ـ من احتلم في النهار واستبرأ بالبول أو الخرطات ، فإن كان ذلك قبل الغسل للجنابة الحاصلة بالاحتلام فالظاهر أنّه لا مانع منه ; سواء علم بخروج بقايا المني الذي في المجرى أم لم يعلم بذلك . أمّا في صورة عدم العلم فواضح ; لعدم خروج المني منه على سبيل الجزم ، واللازم في المفطريّة الإحراز . وأمّا في صورة العلم ; فلأنّ المفروض أ نّ خروج البقايا قبل الغسل لايوجب جنابة جديدة ، ولا يجدي
- (1) العروة الوثقى 2 : 16 مسألة 2397 .