جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج4 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 4 ص : 773
و هؤلاء عصاة فهم أسوأ حالا منها « أولئك هم الغافلون » عن آياتي و حججي و عن الاستدلال و الاعتبار بتدبرها و التفكر فيها دون البهائم التي هي مسخرة مصرفة و قيل الغافلون عما يحل بهم في الآخرة من العذاب « و لله الأسماء الحسنى » أخبر سبحانه أن له الأسماء الحسنى لحسن معانيها مثل الجواد و الرحيم و الرازق و الكريم و يقال إن جميع أسمائه داخلة فيه و إنها كلها حسنة متضمنة لمعان حسنة فمنها ما يرجع إلى صفات ذاته كالعالم و القادر و الحي و الآلة و القديم و السميع و البصير و منها ما هي صفات فعله كالخالق و الرزاق و المبدع و المحيي و المميت و منها ما يفيد التنزيه و نفي صفات النقص عنه كالغني و الواحد و القدوس و نحو ذلك و قيل المراد بالحسنى ما مالت إليه النفوس من ذكر العفو و الرحمة دون السخط و النقمة « فادعوه بها » أي بهذه الأسماء الحسنى و دعاؤه بها أن يقال يا الله يا رحمن يا رحيم يا خالق السموات و الأرض و كل اسم لله سبحانه فهو صفة مفيدة لأن اللقب لا يجوز عليه فإنه بمنزلة الإشارة إلى الحاضر و قد ورد في الحديث أن لله تسعة و تسعين اسما مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر أورده مسلم في الصحيح « و ذروا الذين يلحدون في أسمائه » أي دعوا الذين يعدلون بأسماء الله تعالى عما هي عليه فيسمون بها أصنامهم و يغيرونها بالزيادة و النقصان فاشتقوا اللات من الله و العزى من العزيز و منات من المنان عن ابن عباس و مجاهد و قيل إن معنى يلحدون في أسمائه يصفونه بما لا يليق به و يسمونه بما لا يجوز تسميته به و هذا الوجه أعم فائدة و يدخل فيه قول الجبائي أراد تسميتهم المسيح بأنه ابن الله و في هذا دلالة على أنه لا يجوز أن يسمى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه « سيجزون ما كانوا يعملون » في الآخرة و قيل في الدنيا و الآخرة « و ممن خلقنا أمة يهدون بالحق » أخبر سبحانه من جملة من خلقه جماعة و عصبة يدعون الناس إلى توحيد الله تعالى و إلى دينه و هو الحق يرشدونهم إليه « و به يعدلون » أي و بالحق يحكمون و روى ابن جريج عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال هي لأمتي بالحق يأخذون و بالحق يعطون و قد أعطي القوم بين أيديكم مثلها « و من قوم موسى أمة يهدون بالحق و به يعدلون » و قال الربيع بن أنس قرأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية فقال إن من أمتي قوما على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم و روى العياشي بإسناده عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال و الذي نفسي بيده لتفترقن هذه الأمة على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة « و ممن خلقنا أمة يهدون بالحق و به يعدلون » فهذه التي تنجو و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا نحن هم .

النظم

قيل في وجه اتصال هذه الآية بما قبلها وجهان ( أحدهما ) أنه لما بين في
مجمع البيان ج : 4 ص : 774
الآية المتقدمة حال قوم من الكفار يغفلون عن الحق بين في هذه الآية أن من جملة ما خلق من يهدي إلى دينه بالحق و يحكم بالعدل و الآخر أنه يتصل بقوله « ذرأنا » فكأنه قال خلقنا قوما صفتهم كذا و كذا و قوما صفتهم كذا .
وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا سنَستَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْث لا يَعْلَمُونَ(182) وَ أُمْلى لَهُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ(183) أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبهِم مِّن جِنَّة إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُّبِينٌ(184) أَ وَ لَمْ يَنظرُوا فى مَلَكُوتِ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شىْء وَ أَنْ عَسى أَن يَكُونَ قَدِ اقْترَب أَجَلُهُمْ فَبِأَى حَدِيثِ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(185) مَن يُضلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِى لَهُ وَ يَذَرُهُمْ فى طغْيَنهِمْ يَعْمَهُونَ(186)

القراءة

قرأ أهل العراق « و يذرهم » بالياء و الجزم كوفي غير عاصم و الباقون و نذرهم بالنون و الرفع .

الحجة

من قرأ بالنون فالتقدير و إنا نذرهم و من قرأ بالياء رده إلى اسم الله تعالى أي و هو يذرهم و يكون مقطوعا عن الأول على الوجهين و لم يكن جوابا و من جزمه فإنه عطفه على موضع الفاء و ما بعده من قوله « فلا هادي له » و مثله في الحمل على الموضع قوله فأصدق و أكن لأنه لو لم يلحق الفاء لقيل لو لا أخرتني أصدق لأن معنى لو لا أخرتني أخرني أصدق و مثله قول الشاعر :
إني سلكت فإنني لك ناصح
و على انتقاصك في الحياة و ازدد و قول أبي داود :
فأبلوني بليتكم لعلي
أصالحكم و أستدرج نويا
مجمع البيان ج : 4 ص : 775
حمل أستدرج على موضع الفاء المحذوفة من قوله فلعلي أصالحكم و موضعه جزم .

اللغة

الاستدراج أصله من الدرجة و هو أن يؤخذ قليلا قليلا و لا يباغت كما يرتقي الراقي الدرجة فيتدرج شيئا بعد شيء حتى يصل إلى العلو و قيل أصله من الدرج الذي يطوي فكأنه يطوي منزلة بعد منزلة كما يطوي الدرج و يقال درج القوم إذا مات بعضهم في إثر بعض و الإملاء التأخير و الإمهال من الملي يقال مضى عليه ملي من الدهر و ملاوة من الدهر بضم الميم و فتحها و كسرها أي قطعة منه و أصل الإملاء الاستمرار على العمل من غير لبث من أمليت الكتاب و منه الملاة للفلاة ذات الحر و السراب لاستطالة المكث فيه و المتين القوي و الشديد و أصله من المتن و هو اللحم الغليظ الذي عن جانب الصلب و هما متنان و الكيد و المكر واحد و الجنة الجنون و أصله الستر و الملكوت هو الملك الأعظم للمالك الذي ليس بمملوك .

المعنى

لما ذكر سبحانه المؤمنين بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) الهادين بالحق ذكر بعده المكذبين ب آياته فقال « و الذين كذبوا ب آياتنا » التي هي القرآن و المعجزات الدالة على صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كفروا بها « سنستدرجهم من حيث لا يعلمون » إلى الهلكة حتى يقعوا فيه بغتة كما قال سبحانه بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها و قال فيأتيهم بغتة و هم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون و قيل يجوز أن يريد عذاب الآخرة أي نقربهم إليه درجة درجة إلى أن يقعوا فيه و قيل هو من المدرجة و هي الطريق و درج إذا مشى سريعا أي سنأخذهم من حيث لا يعلمون أي طريق سلكوا فإن الطريق كلها علي و مرجع الجميع إلي و لا يغبني غالب و لا يسبقني سابق و لا يفوتني هارب و قيل أنه من الدرج أي سنطويهم في الهلاك و نرفعهم عن وجه الأرض يقال طويت فلانا و طويت أمر فلان إذا تركته و هجرته و قيل معناه كلما جددوا خطيئة جددنا لهم نعمة عن الضحاك و لا يصح قول من قال إن معناه نستدرجهم إلى الكفر و الضلال لأن الآية وردت في الكفار و تضمنت أنه يستدرجهم في المستقبل فإن السين تختص المستقبل و لأنه جعل الاستدراج جزاء على كفرهم و عقوبة فلا بد من أن يريد معنى آخر غير الكفر و قوله « و أملي لهم » معناه و أمهلهم و لا أعاجلهم بالعقوبة فإنهم لا يفوتونني و لا يفوتني عذابهم « إن كيدي متين » أي عذابي قوي منيع لا يمنعه مانع و لا يدفعه دافع و سماه كيدا لنزوله بهم من حيث لا يشعرون و قيل أراد أن جزاء كيدهم متين و القول هو الأول « أ و لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة » معناه أ و لم يتفكروا هؤلاء الكفار المكذبون بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و بنبوته في
مجمع البيان ج : 4 ص : 776
أقواله و أفعاله فيعلموا أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس بمجنون إذ ليس في أقواله و أفعاله ما يدل على الجنون و تم الكلام عند قوله « أ و لم يتفكروا » ثم ابتدأ فقال « ما بصاحبهم من جنة » أي ليس به جنون و ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) صعد الصفا و كان يدعو قريشا فخذا فخذا إلى توحيد الله و يخوفهم عذاب الله فقال المشركون إن صاحبهم قد جن بات ليلا يصوت إلى الصباح فأنزل الله هذه الآية عن الحسن و قتادة « إن هو إلا نذير مبين » أي ما هو إلا معلم موضع المخافة ليتقى و لموضع الأمن ليجتبى و معنى مبين بين أمره و قيل مبين لهم عن الله أمره فيهم ثم قال « أ و لم ينظروا » معناه أ و لم يتفكروا « في ملكوت السماوات و الأرض » و عجيب صنعهما فينظروا فيها نظر المستدل المعتبر فيعترفوا بأن لهما خالقا مالكا و يستدلوا بذلك عليه « و ما خلق الله من شيء » أي و ينظروا فيما خلق الله من أصناف خلقه فيعلموا بذلك أنه سبحانه خالق جميع الأجسام فإن في كل شيء خلق الله عز و جل دلالة واضحة على إثباته و توحيده « و أن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم » أي أو لم يتفكروا و ينظروا في أن عسى أن يكون قد قرب أجلهم و هو أجل موتهم فيدعوهم ذلك إلى أن يحتاطوا لدينهم و لأنفسهم مما يصيرون إليه بعد الموت من أمور الآخرة و يزهدوا في الدنيا و فيما يطلبونه من فخرها و شرفها و عزها و معناه لعل أجلهم قريب و هم لا يعلمون « فبأي حديث بعده » أي بعد القرآن « يؤمنون » مع وضوح الدلالة على أنه كلام الله المعجز إذ لم يقدر أحد منهم أن يأتي بسورة مثله و سماه حديثا لأنه محدث غير قديم « من يضلل الله فلا هادي له » قد ذكرنا معناه « و نذرهم في طغيانهم يعمهون » معناه و نتركهم في ضلالتهم يتحيرون و العمة في القلب كالعمى في العين .
يَسئَلُونَك عَنِ الساعَةِ أَيَّانَ مُرْساهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبى لا يجَلِّيهَا لِوَقْتهَا إِلا هُوَ ثَقُلَت فى السمَوَتِ وَ الأَرْضِ لا تَأْتِيكمْ إِلا بَغْتَةً يَسئَلُونَك كَأَنَّك حَفِىُّ عَنهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(187)

اللغة

أيان معناه متى و هو سؤال عن الزمان على وجه الظرف للفعل قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 4 ص : 777

أيان تقضي حاجتي أيانا
أ ما ترى لنجحها إبانا و الساعة هاهنا الساعة التي يموت فيها الخلق و الإرساء الإثبات و مرسيها مثبتها و رسا الشيء يرسو فهو رأس إذا ثبت و أرساه غيره و الحفي المستقصي في السؤال و أحفى فلان بفلان في المسألة إذا أكثر عليه و ألح قال الأعشى :
فإن تسألي عني فيا رب سائل
حفي عن الأعشى به حيث أصعدا و منه أحفى شاربه إذا استقصى أخذه و حفيت الدابة تحفى حفى مقصورا إذا كثر عليها ألم المشي و الحفاء ممدودا المشي بغير نعل .

الإعراب

الكاف في « يسئلونك » المفعول الأول و « عن الساعة » في موضع المفعول الثاني و « أيان مرساها » يتعلق بمدلول السؤال و التقدير قائلين أيان مرساها .
مرساها في موضع رفع بالابتداء و أيان خبره و بغتة مصدر في موضع الحال من الضمير في تأتيكم .

النزول

قيل جاء قوم من اليهود فقالوا يا محمد أخبرنا عن الساعة متى هي إن كنت نبيا فنزلت الآية عن ابن عباس و قيل قالت قريش يا محمد متى الساعة فنزلت الآية عن قتادة و الحسن .

المعنى

لما تقدم الوعيد بالساعة سألوا عن وقتها فقال تعالى « يسألونك » يا محمد « عن الساعة » و هي الساعة التي يموت فيها الخلق عن الزجاج و قيل هي القيامة و هو وقت قيام الناس في الحشر عن أكثر المفسرين و قيل هو وقت فناء الخلق عن الجبائي « أيان مرساها » أي متى وقوعها و كونها عن الزجاج و قيل مرساها منتهاها عن ابن عباس و قبل قيامها عن قتادة و السدي « قل » يا محمد « إنما علمها عند ربي » أي إنما علم وقت قيامها و مجيئها عند الله تعالى لم يطلع عليه أحد من خلقه و إنما لم يخبر سبحانه بوقتها ليكون العباد على حذر منه فيكون ذلك أدعى لهم إلى الطاعة و أزجر عن المعصية « لا يجليها لوقتها إلا هو » أي لا يظهرها و لا يكشف عن علمها و لا يبين وقتها إلا هو فلا يعلم أحد سواه متى يكون قبل وقتها و قيل معناه لا يأتي بها إلا هو عن مجاهد « ثقلت في السماوات و الأرض » ذكر فيه وجوه ( أحدها ) ثقل علمها على أهل السماوات و الأرض لأن من خفي عليه علم شيء كان
مجمع البيان ج : 4 ص : 778
ثقيلا عليه عن السدي و غيره قال أبو علي الفارسي أصل هذا قولهم أحطت به علما أي ذل لي فصرت لعلمي به غالبا عليه فخف علي و لم يثقل كما يثقل ما لا تعلمه عليك ( و ثانيها ) أن معناه عظمت على أهل السماوات و الأرض صفتها لما يكون فيها من انتثار النجوم و تكوير الشمس و تسيير الجبال و غير ذلك عن الحسن و ابن جريج ( و ثالثها ) ثقل وقوعها على أهل السماوات و الأرض لعظمها و شدتها و لما فيها من المحاسبة و المجازاة عن الجبائي و أبي مسلم و جماعة ( و رابعها ) أن المراد نفس السماوات و الأرض أي لا تطيق السماوات و الأرض حملها لعظمها و شدتها عن قتادة و المعنى أنها لو كانت أحياء لثقل عليها تلك الأحوال من انفطار السماوات و انكدار النجوم و تسيير الجبال و غيرها « لا تأتيكم إلا بغتة » أي فجاة لتكون أعظم و أهول « يسألونك كأنك حفي عنها » معناه يسألونك عنها كأنك حفي بها أي عالم بها قد أكثرت المسألة عنها عن مجاهد و الضحاك و أصله من أحفيت في السؤال عن الشيء حتى علمته أي استقصيت فيه و روي عن ابن عباس أنه قرأ كأنك حفي بها فعلى هذا يكون الجار و المجرور الذي هو عنها محذوفا لدلالة الحال عليها كما يكون في التقدير الأول يكون الجار و المجرور الذي هو بها محذوفا للدلالة عليها أيضا أ لا ترى أنه إذا كان حفيا بها فلا بد أن يسأل عنها كما أنه إذا سأل عنها فليس ذلك إلا للحفاوة بها و قيل فيه معنى آخر و هو أن يكون تقديره يسألونك عنها كأنك حفي بهم أي بار بهم فرح بسؤالهم و الحفاوة في المسألة هي البشاشة بالمسئول عنه و قيل معناه كأنك معني بالسؤال عنها فسألت عنها حتى علمتها و على هذا فإن السؤال يوصل بعن فلما وضع قوله « حفي » موضع السؤال وصله بعن و تقديره كأنك حفي بالمسالة عنها أو تسأل عنها فتعلمها « قل » يا محمد « إنما علمها عند الله » لا يعلمها إلا هو و إنما أعاد سبحانه هذا القول لأنه وصله بقوله « و لكن أكثر الناس لا يعلمون » و قيل أراد بالأول علم وقت قيامها و بالثاني علم كيفيتها و هيأتها و تفصيل ما فيها عن الجبائي قال و هذا يدل على بطلان قول الرافضة أن الأئمة منصوص عليهم بأعيانهم إمام بعد إمام إلى يوم القيامة لأنه لو كان كذلك لوجب أن يعلم آخر الأئمة أن القيامة تقوم بعده و ذلك خلاف قوله « قل إنما علمها عند الله » و هذا ضعيف لأنه غير ممتنع أن يعلم آخر الأئمة أنه لا إمام بعده و إن لم يعلم وقت قيام الساعة لأنه لا يعلم وقت وفاته بعينه هذا إذا قيل إن الساعة وقت فناء الخلق أو موتهم و إذا قيل إن الساعة عبارة عن وقت الحشر فقد زالت الشبهة لأنه إذا علم أنه يفنى الخلق بعده لا يجب أن يعلم متى يحشر الخلق على أنه قد وردت الرواية أن التكليف يزول عند موت آخر الأئمة لظهور أشراط الساعة و أمارات قيامها نحو طلوع الشمس من
مجمع البيان ج : 4 ص : 779
مغربها و خروج الدابة و غير ذلك و مع هذا فيجوز أن لا يعلم وقت قيام الساعة .
قُل لا أَمْلِك لِنَفْسى نَفْعاً وَ لا ضراًّ إِلا مَا شاءَ اللَّهُ وَ لَوْ كُنت أَعْلَمُ الْغَيْب لاستَكثرْت مِنَ الْخَيرِ وَ مَا مَسنىَ السوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ(188)

النزول

قيل إن أهل مكة قالوا يا محمد أ لا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتريه فتربح فيه و بالأرض التي تريد أن تجدب فنرتحل منها إلى أرض قد أخصبت فأنزل الله هذه الآية .

المعنى

« قل » يا محمد « لا أملك لنفسي نفعا و لا ضرا إلا ما شاء الله » أن يملكني إياه فأملكه بتمليكه إياي « و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير » و هاهنا محذوف آخر و هو قوله و لا أعلم الغيب إلا ما شاء الله أن يعلمنيه و لو كنت أعلم الغيب لادخرت من السنة المخصبة للسنة المجدبة و لاشتريت وقت الرخص لأيام الغلاء و قيل معناه لاستكثرت من الأعمال الصالحة قبل اقتراب الأجل و لم أشتغل بغيرها و لاخترت الأفضل فالأفضل عن مجاهد و ابن جريج و قيل معناه لو كنت أعلم ما أسأل عنه من الغيب لاستكثرت من الخير أي لأجبت في كل ما أسأل عنه من الغيب في أمر الساعة و غيرها عن الزجاج « و ما مسني السوء » أي و ما أصابني الضر و الفقر و قيل معناه و ما بي جنون كما تزعمون فيكون ابتداء و قيل معناه و ما مسني التكذيب منكم لأني إذا كنت عالما بكل شيء أجبت عن كل ما أسأل عنه فتصدقونني و لا تكذبونني و قيل معناه و ما مسني سوء من جهة الأعداء لأني كنت أعلم ذلك فأتحرز منه « إن أنا إلا نذير » مخوف بالعذاب « و بشير » مبشر بالثواب « لقوم يؤمنون » خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بذلك كقوله « إنما تنذر من اتبع الذكر » و إن كان ينذر غيرهم أيضا و في قوله « إلا ما شاء الله » دلالة على فساد مذهب المجبرة لأن الأفعال كلها لو كانت مخلوقة لله لما صح الاستثناء منها لأن أحدا لا يملك عندهم شيئا و في قوله « و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير » دلالة على أن القدرة قبل الفعل لأنها لو كانت مع الفعل لما أمكنه الاستكثار من الخير إذا علم الغيب .

مجمع البيان ج : 4 ص : 780

النظم

وجه اتصال الآية بما قبلها أنه لما تقدم إجابة القوم بأنه لا يعلم الغيب عقبه بأن علم الغيب يختص به المالك للنفع و الضر و هو الله سبحانه عن أبي مسلم و قيل إن الآية في معنى جواب سؤالهم أيضا فكأنه قال إذا أنا لا أملك أن أسوق إلى نفسي نفعا و لا أن أدفع عنها ضرا فكيف أعلم الغيب .
* هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَحِدَة وَ جَعَلَ مِنهَا زَوْجَهَا لِيَسكُنَ إِلَيهَا فَلَمَّا تَغَشاهَا حَمَلَت حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّت بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئنْ ءَاتَيْتَنَا صلِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشكِرِينَ(189) فَلَمَّا ءَاتَاهُمَا صلِحاً جَعَلا لَهُ شرَكاءَ فِيمَا ءَاتَاهُمَا فَتَعَلى اللَّهُ عَمَّا يُشرِكُونَ(190) أَ يُشرِكُونَ مَا لا يخْلُقُ شيْئاً وَ هُمْ يخْلَقُونَ(191) وَ لا يَستَطِيعُونَ لهَُمْ نَصراً وَ لا أَنفُسهُمْ يَنصرُونَ(192) وَ إِن تَدْعُوهُمْ إِلى الهُْدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سوَاءٌ عَلَيْكمْ أَ دَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صمِتُونَ(193)

القراءة

قرأ أهل المدينة و أبو بكر شركا بكسر الشين و التنوين على المصدر لا على الجمع و هو قراءة الأعرج و عكرمة و الباقون « شركاء » بضم الشين و المد على الجمع و روي في الشواذ قراءة يحيى بن يعمر فمرت به خفيفة و قرأ نافع لا يتبعوكم و في الشعراء يتبعهم بالتخفيف و الباقون « يتبعوكم » بالتشديد .

الحجة

من قرأ شركا فإنه حذف المضاف و تقديره جعلا له ذا شرك أو ذوي شرك فالقراءتان على هذا يؤولان إلى معنى واحد فإن معنى جعلا له شركاء جعلا له ذوي شرك و الضمير في له يعود إلى اسم الله و من قرأ فمرت به خفيفة فإنه ينبغي أن يكون أصله التشديد كقراءة الجماعة إلا أنه حذفه تخفيفا لثقل التضعيف قالوا مست يده أي مسستها و قال أبو زيد :
مجمع البيان ج : 4 ص : 781

خلا إن العتاق من المطايا
أحسن به فهن إليه شوس أي أحسسن به و قيل أنه من المرية أي شكت أ حملت أم لا و عن الحسن شكت أ غلام أم جارية و روي أن عبد الله بن عمر قرأ فمارت به و هو من قولهم مار يمور إذا ذهب و جاء و قرأ ابن عباس فاستمرت به و معناه مرت به مكلفة نفسها ذلك لأن استفعل يأتي في أكثر الأمر بمعنى الطلب و من قرأ لا يتبعوكم فإنه في المعنى مثل القراءة الأخرى قال أبو زيد رأيت القوم فاتبعتهم اتباعا أي ذهبت معهم و اتبعتهم اتباعا إذا سبقوك فأسرعت نحوهم و تبعتهم مثل اتبعتهم في المعنى اتبعهم تبعا .

المعنى

لما تقدم ذكر الله تعالى ذكر عقيبه ما يدل على وحدانيته فقال « هو الذي خلقكم » و الخطاب لبني آدم « من نفس واحدة » يعني آدم (عليه السلام) « و جعل » أي و خلق « منها زوجها » يعني حواء « ليسكن » آدم « إليها » و يأنس بها « فلما تغشيها » أي فلما أصابها كما يصيب الرجل زوجته يعني وطأها و جامعها « حملت حملا خفيفا » و هو الماء الذي حصل في رحمها و كان خفيفا « فمرت به » أي استمرت بالحمل على الخفة تقوم و تقعد و تجيء و تذهب كما كانت من قبل لم يمنعها ذلك الحمل عن شيء من التصرف « فلما أثقلت » أي صارت ذات ثقل كما يقال أثمرت الشجرة صارت ذات ثمر و قيل معناه دخلت في الثقل كما يقال أصاف دخل في الصيف و أشتى دخل في الشتاء المعنى لما كبر الحمل في بطنها و تحرك و صارت ثقيلة به « دعوا الله ربهما » يعني آدم و حواء سألا الله تعالى عند كبر الولد في بطنها « لئن آتيتنا صالحا » أي أعطيتنا ولدا صالحا عن أبي مسلم و قيل نسلا صالحا أي معافى سليما صحيح الخلقة عن الجبائي و قيل بشرا سويا عن ابن عباس و قيل غلاما ذكرا عن الحسن « لنكونن من الشاكرين » لنعمتك علينا قال الجبائي و إنما قالا ذلك لأنهما أرادا أن يكون لهما أولاد يؤنسونهما في الموضع الذي كانا فيه لأنهما كانا فردين مستوحشين و كان إذا غاب أحدهما عن الآخر بقي الآخر مستوحشا بلا مؤنس و يحتمل أيضا أن يكون أراد بقوله « صالحا » مطيعا فاعلا للخير مصلحا غير مفسد « فلما آتاهما » الله « صالحا » كما التمساه « جعلا له شركاء فيما آتاهما » اختلف في من يرجع
مجمع البيان ج : 4 ص : 782
الضمير الذي في جعلا إليه على وجوه ( أحدها ) أنه يرجع إلى النسل الصالح أي المعافى في الخلق و البدن لا في الدين و إنما ثني لأن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا و أنثى يعني أن هذا النسل الذين هم ذكر و أنثى جعلا له شركاء فيما أعطاهما من النعمة فأضافا تلك النعم إلى الذين اتخذوهم آلهة مع الله تعالى من الأصنام و الأوثان عن الجبائي - ( و ثانيها ) - أنه يرجع إلى النفس و زوجها من ولد آدم لا إلى آدم و حواء عن الحسن و قتادة و هو قول الأصم قال و يكون المعنى في قوله « خلقكم من نفس واحدة » خلق كل واحد منكم من نفس واحدة و لكل نفس زوج هو منها أي من جنسها كما قال سبحانه « و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها » فلما تغشى كل نفس زوجها « حملت حملا خفيفا » و هو ماء الفحل « فلما أثقلت » بمصير ذلك الماء لحما و دما و عظما ( دعا الرجل و المرأة ربهما لئن آتيتنا صالحا ) أي ذكرا سويا « لنكونن من الشاكرين » و كانت عادتهم أن يئدوا البنات فلما أتاهما يعني الأب و الأم صالحا جعلا له شركاء فيما أتاهما لأنهم كانوا يسمون عبد العزى و عبد اللات و عبد مناف ثم رجعت الكناية إلى جميعهم في قوله « فتعالى الله عما يشركون » فالكناية في جميع ذلك غير متعلقة ب آدم و حواء و لو كانت متعلقة بهما لقال عما يشركان و قال أبو مسلم تقدير الآية هو الذي خلقكم و الخطاب لجميع الخلق من نفس واحدة يعني آدم و جعل من ذلك النفس زوجها و هي حواء ثم انقضى حديث آدم و حواء و خص بالذكر المشركين من أولاد آدم الذين سألوا ما سألوا و جعلوا له شركاء فيما آتاهم قال و يجوز أن يذكر العموم ثم يخص البعض بالذكر و مثله كثير في الكلام قال تعالى « هو الذي يسيركم في البر و البحر حتى إذا كنتم في الفلك و جرين بهم بريح طيبة » فخاطب الجماعة بالتسيير ثم خص راكب البحر بالذكر و كذلك هذه الآية أخبرت عن جملة البشر بأنهم مخلوقون من آدم و حواء ثم عاد الذكر إلى الذي سأل الله تعالى ما سأل فلما أعطاه إياه ادعى له شركاء في عطيته قال و جائز أن يكون عنى بقوله « هو الذي خلقكم من نفس واحدة » المشركين خصوصا إذا كان كل واحد من بني آدم مخلوقا من نفس واحدة و زوجها و ذكر قريبا من قول الأصم قال و قد يجيء مثله في التنزيل و غيره قال سبحانه « و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم » و المعنى فاجلدوا كل واحد منهم ( و ثالثها ) إن الضمير يرجع إلى آدم و حواء (عليهماالسلام) و يكون التقدير في قوله « جعلا له
مجمع البيان ج : 4 ص : 783
شركاء » جعل أولادهما له شركاء فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه فصار جعلا و هذا مثل قوله سبحانه « اتخذتم العجل » « و إذ قتلتم نفسا » و التقدير و إذ قتل أسلافكم نفسا و اتخذ أسلافكم العجل فحذف المضاف و على هذا الوجه تكون الكناية من أول الكلام إلى آخره راجعة إلى آدم و حواء و يقويه قوله سبحانه « فتعالى الله عما يشركون » ( و رابعها ) ما روت العامة أنه يرجع إلى آدم و حواء و أنهما جعلا لله شريكا في التسمية و ذلك أنهما أقاما زمانا لا يولد لهما فمر بهما إبليس و لم يعرفاه فشكوا إليه فقال لهما إن أصلحت حالكما حتى يولد لكما ولد أ تسميانه باسمي قالا نعم و ما اسمك قال الحرث فولد لهم فسمياه عبد الحرث ذكره ابن فضال و قيل إن حواء حملت أول ما حملت فأتاها إبليس في غير صورته فقال لها يا حواء ما يؤمنك أن تكون في بطنك بهيمة فقالت لآدم لقد أتاني آت فأخبرني أن الذي في بطني بهيمة و إني لأجد له ثقلا فلم يزالا في هم من ذلك ثم أتاها فقال إن سألت الله أن يجعله خلقا سويا مثلك و يسهل عليك خروجه أ تسميه عبد الحرث و لم يزل بها حتى غرها فسمته عبد الحرث برضاء آدم و كان اسم إبليس عند الملائكة الحارث و هذا الوجه بعيد تأباه العقول و تنكره فإن البراهين الساطعة التي لا يصح فيها الاحتمال و لا يتطرق إليها المجاز و الاتساع قد دلت على عصمة الأنبياء (عليهم السلام) فلا يجوز عليهم الشرك و المعاصي و طاعة الشيطان فلو لم نعلم تأويل الآية لعلمنا على الجملة أن لها وجها يطابق دلالة العقل فكيف و قد ذكرنا الوجوه الصحيحة الواضحة في ذلك على أن الرواية الواردة في ذلك قد طعن العلماء في سندها بما هو مذكور في مواضعه و لا نحتاج إلى إثباته فإن الآية تقتضي أنهم أشركوا الأصنام التي تخلق و لا تخلق لقوله « أ يشركون ما لا يخلق شيئا و هم يخلقون » و في خبرهم أنهما أشركا إبليس اللعين فيما ولد لهما بأن سموه عبد الحرث و ليس في ظاهر الآية لإبليس ذكر و حكى البلخي عن جماعة من العلماء أنهم قالوا لو صح الخبر لم يكن في ذلك إلا إشراكا في التسمية و ليس ذلك بكفر و لا معصية و اختاره الطبري و روي العياشي في تفسيره عنهم (عليهم السلام) أنه كان شركهما شرك طاعة و لم يكن شرك عبادة و قوله « أ يشركون ما لا يخلق شيئا و هم يخلقون » توبيخ و تعنيف للمشركين بأنهم يعبدون مع الله تعالى جمادا لا يخلق شيئا من الأجسام و لا ما يستحق به العبادة و هم مع ذلك مخلوقون محدثون و لهم خالق خلقهم و إن خرج الكلام مخرج الاستفهام و لفظة ما إنما تستعمل فيما لا يعقل فدل ذلك على أن المراد بقوله « جعلا له شركاء » أنهم أشركوا الأصنام مع الله تعالى لا ما ذكروه من إشراك إبليس و إنما قال و هم يخلقون على لفظ العقلاء و إن كانت الأصنام جمادا لأنه أراد به الأصنام
مجمع البيان ج : 4 ص : 784
و العابدين لها جميعا فغلب ما يعقل على ما لا يعقل و يجوز أن يكون على أنهم يعظمونها تعظيم من يعقل و يصورونها على صورة من يعقل فكني عنهم كما يكنى عن العقلاء كقوله و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين « و لا يستطيعون لهم نصرا و لا أنفسهم ينصرون » أي و يشركون به و يعبدون من لا يستطيع نصر عابديه و لا نصر نفسه بأن يدفع عن نفسه من أراد به الضر و من هذه صورته فهو في غاية العجز فكيف يكون إلها معبودا « و إن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم » قيل معناه و إن دعوتم الأصنام التي عبدوها إلى الهدى فإنها لا تقبل الهدى عن أبي علي الجبائي بين بذلك ضعف أمرها بأنها لا تهدي غيرها و لا تهتدي بأنفسها و إن دعيت إلى الهدى و قيل معناه إن دعوتم المشركين الذين أصروا على الكفر إلى دين الحق لم يؤمنوا و هو نظير قوله « سواء عليهم أ أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون » عن الحسن « سواء عليكم أ دعوتموهم أم أنتم صامتون » أي سواء عليكم دعاؤهم و السكوت عنهم و إنما قال « أم أنتم صامتون » و لم يقل أم صمتم فيكون في مقابل « أ دعوتموهم » ليفيد الماضي و الحال فإن المقابلة كانت تدل على الماضي فحسب و صورة اللفظ تدل على معنى الحال و مثل قول الشاعر :
سواء عليك الفقر أم بت ليلة
بأهل القباب من نمير بن عامر .
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَستَجِيبُوا لَكمْ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ(194) أَ لَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشونَ بهَا أَمْ لهَُمْ أَيْد يَبْطِشونَ بهَا أَمْ لَهُمْ أَعْينٌ يُبْصِرُونَ بهَا أَمْ لَهُمْ ءَاذَانٌ يَسمَعُونَ بهَا قُلِ ادْعُوا شرَكاءَكُمْ ثمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ(195)

القراءة

قرأ أبو جعفر وحده يبطشون هاهنا و في القصص و الدخان بضم الطاء و الباقون بكسرها و قرأ هشام و يعقوب كيدوني بياء في الوقف و الوصل و وافقهما أبو جعفر و أبو
مجمع البيان ج : 4 ص : 785
عمرو و إسماعيل في الوصل و الباقون بغير ياء في الحالين و قرأ تنظروني بالياء في الحالين يعقوب .

الحجة

بطش يبطش و يبطش و الكسر أفصح و قال أبو علي الفواصل من الكلام التام تجري مجرى القوافي لاجتماعهما في أن الفاصلة آخر الآية كما أن القافية آخر البيت و قد ألزموا في القوافي حذف هذه الآيات قال الأعشى :
فهل يمنعني ارتياد البلاد
من حذر الموت أن يأتين و الياء التي هي لام كذلك نحو قوله :
يلمس الأحلاس في منزله
بيديه كاليهودي المصل و من أثبت فلأن الأصل الإثبات .

المعنى

ثم أتم سبحانه الحجة على المشركين بقوله « إن الذين تدعون من دون الله » يعني الأصنام يريد تدعونهم آلهة « عباد أمثالكم » أي مخلوقة أمثالكم عن الحسن و قيل مملوكون أمثالكم عن الكلبي و قيل أمثالكم في التسخير أي أنهم مسخرون مذللون لأمر الله عن الأخفش و لما كانت الأصنام غير ممتنعة مما يريد الله بها كانت في معنى العباد فإن التعبيد التذليل و طريق معبد موطوء مسلوك و منه قوله « و تلك نعمة تمنها علي إن عبدت بني إسرائيل » أي ذللتهم و استخدمتهم ضروبا من الخدمة « فادعوهم » هذا الدعاء ليس الدعاء الأول و المراد به فادعوهم في مهماتكم و لكشف الأسواء عنكم « فليستجيبوا لكم » هذه لام الأمر على معنى التعجيز و التهجين كما قال هاتوا برهانكم « إن كنتم صادقين » قال ابن عباس معناه فاعبدوهم هل يثيبونكم أو يجاوزونكم إن كنتم صادقين إن لكم عندها منفعة و ثوابا أو شفاعة و نصرة ثم فضل سبحانه بني آدم عليهم فقال « أ لهم أرجل يمشون بها » أي لهؤلاء الأصنام أرجل يمشون بها في مصالحكم « أم لهم أيد يبطشون بها » أي يأخذون بها في الدفع عنكم و معنى البطش التناول و الأخذ بشدة « أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها » أي ليس لهم هذه الحواس و لكم هذه الحواس فأنتم أفضل منهم فلو دعوتم و عبدتم من له الحياة و منافعها للزمكم الذم و اللوم بذلك لأنها مخلوقة مربوبة فكيف تعبدون
مجمع البيان ج : 4 ص : 786
من أنتم أفضل منه ثم زاد سبحانه في تهجينهم فقال « قل » يا محمد « ادعوا شركاءكم » أي هذه الأوثان التي تزعمون أنها آلهة و تشركونها في أموالكم و تجعلون لها حظا من المواشي و غيرها و توجهون عبادتكم إليها إشراكا بالله لها « ثم كيدون » بأجمعكم « فلا تنظرون » أي لا تؤخروني و معناه أن معبودي ينصرني و يدفع كيد الكائدين عني و معبودكم لا يقدر على نصركم فإن قدرتم على ضر فاجتمعوا أنتم مع أصنامكم و تظاهروا على كيدي و لا تمهلوني في الكيد و الإضرار فإن معبودي يدفع كيدكم عني .
إِنَّ وَلِيِّىَ اللَّهُ الَّذِى نَزَّلَ الْكِتَب وَ هُوَ يَتَوَلى الصلِحِينَ(196) وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَستَطِيعُونَ نَصرَكمْ وَ لا أَنفُسهُمْ يَنصرُونَ(197) وَ إِن تَدْعُوهُمْ إِلى الهُْدَى لا يَسمَعُوا وَ تَرَاهُمْ يَنظرُونَ إِلَيْك وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ(198)

المعنى

ثم بين سبحانه بعد أن ناصر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و حافظه فأمره أن يقول للمشركين « إن وليي » أي ناصري و حافظي و دافع شركم عني « الله الذي نزل الكتاب » أي القرآن يؤيدني بنصره كما أنزله علي « و هو يتولى الصالحين » أي ينصر المطيعين له المجتنبين معاصيه تارة بالدفع عنهم و أخرى بالحجة « و الذين تدعون من دونه » آلهة « لا يستطيعون نصركم » أي لا يقدرون على أن ينصروكم و لا أن يدفعوا عنكم « و لا أنفسهم ينصرون » كرر هذا لأن ما تقدم فإنه على وجه التقريع و التوبيخ و ما ذكره هنا فإنه على وجه الفرق بين صفة من يجوز له العبادة و صفة من لا يجوز له العبادة فكأنه قال أن من أعبده ينصرني و من تعبدونه لا يقدر على نصركم و لا على نصر نفسه « و إن تدعوهم » يعني إن دعوتم هؤلاء الذين تعبدونهم من الأصنام « إلى الهدى » أي إلى الرشد و المنافع عن الجبائي و الفراء و قيل معناه و إن دعوتم المشركين إلى الدين عن الحسن « لا يسمعوا » أي لا يسمعوا دعاءكم « و تراهم » فاتحة أعينهم نحوكم على ما صورتموهم عليه من الصور
مجمع البيان ج : 4 ص : 787
و قال الجبائي جعل الله انفتاح عيونهم في مقابلتهم نظرا منهم إليهم مجازا لأن النظر تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئي طلبا لرؤيته و ذلك لا يتأتى في الجماد و يقال تناظر الحائطان إذا تقابلا و قيل معناه لا يقبلوا و منه سمع الله لمن حمده « و تراهم ينظرون إليك و هم لا يبصرون » الحجة يعني مشركي العرب عن الحسن و مجاهد و السدي .
خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِض عَنِ الجَْهِلِينَ(199) وَ إِمَّا يَنزَغَنَّك مِنَ الشيْطنِ نَزْغٌ فَاستَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سمِيعٌ عَلِيمٌ(200)

اللغة

قد مر ما قيل في العفو عند قوله « قل العفو » في سورة البقرة و العرف ضد النكر و مثله المعروف و العارفة و هو كل خصلة حميدة تعرف صوابها العقول و تطمئن إليها النفوس قال الشاعر :
لا يذهب العرف بين الله و الناس و النزغ الإزعاج بالإغراء و أكثر ما يكون ذلك عند الغضب و أصله الإزعاج بالحركة نزغه ينزغه نزغا و قيل النزغ الفساد و منه نزغ الشيطان بيني و بين إخوتي أي أفسد قال الزجاج النزغ أدنى حركة تكون و من الشيطان أدنى وسوسة .

المعنى

لما أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالدعاء إليه و تبليغ رسالته علمه محاسن الأفعال و مكارم الأخلاق و الخصال فقال « خذ العفو » أي خذ يا محمد ما عفا من أموال الناس أي ما فضل من النفقة و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يأخذ الفضل من أموالهم ليس فيها شيء موقت ثم نزلت آية الزكاة فصار منسوخا بها فإن هذه السورة مكية عن ابن عباس و السدي و الضحاك و قيل معناه خذ العفو من أخلاق الناس و أقبل الميسور منها عن مجاهد و الحسن و معناه أنه أمره بالتساهل و ترك الاستقصاء في القضاء و الاقتضاء و هذا يكون في الحقوق الواجبة لله و للناس و في غيرها و هو في معنى الخبر المرفوع أحب الله عبدا سمحا بائعا و مشتريا قاضيا و مقتضيا و قيل هو العفو في قبول العذر من المعتذر و ترك المؤاخذة بالإساءة و روي أنه لما نزلت هذه الآية سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) جبرائيل عن ذلك فقال لا أدري حتى أسأل العالم ثم أتاه فقال يا محمد إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك و تعطي من حرمك و تصل من قطعك « و أمر بالعرف » يعني بالمعروف و هو كل ما حسن في العقل فعله أو في الشرع و لم يكن منكرا و لا قبيحا عند العقلاء و قيل بكل خصلة
مجمع البيان ج : 4 ص : 788
حميدة « و أعرض عن الجاهلين » معناه و أعرض عنهم عند قيام الحجة عليهم و الإياس من قبولهم و لا تقابلهم بالسفه صيانة لقدرك فإن مجاوبة السفيه تضع عن القدر و لا يقال هذه الآية منسوخة ب آية القتال لأنها عامة خص عنها الكافر الذي يحب قتله بدليل .
قال ابن زيد لما نزلت هذه الآية قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كيف يا رب و الغضب فنزل قوله « و إما ينزغنك من الشيطان نزغ » و معناه يا محمد إن نالك من الشيطان وسوسة و نسخة في القلب بما يسول للإنسان معناه إن عرض لك من الشيطان عارض عن ابن عباس و قيل معناه و إن منعك الشيطان عن شيء مما أمرتك من هذه الأشياء « فاستعذ بالله » أي سل الله عز اسمه أن يعيذك منه « إنه سميع » للمسموعات « عليم » بالخفيات و قيل سميع لدعائك عليم بما عرض لك و قيل أن النزغ أول الوسوسة و المس لا يكون إلا بعد التمكن و لذلك فصل الله سبحانه بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و غيره فقال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و إما ينزغنك » و قال للناس إذا مسهم طائف من الشيطان .
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسهُمْ طئفٌ مِّنَ الشيْطنِ تَذَكرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ(201) وَ إِخْوَنُهُمْ يَمُدُّونهُمْ فى الْغَىِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ(202) وَ إِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِئَايَة قَالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلىَّ مِن رَّبى هَذَا بَصائرُ مِن رَّبِّكمْ وَ هُدًى وَ رَحْمَةٌ لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ(203)

القراءة

قرأ أهل البصرة و ابن كثير و الكسائي طيف بغير ألف و هو قراءة النخعي و الأسود بن زيد و قرأ الباقون « طائف » بالألف و قرأ أهل المدينة يمدونهم بضم الياء و كسر الميم و الباقون بفتح الياء و ضم الميم و في الشواذ عن الجحدري يمادونهم و عن عيسى بن عمر يقصرون بفتح الياء و ضم الصاد .

الحجة

الطيف مصدر طاف الخيال يطيف طيفا إذا ألم به في المنام فمعناه إذا مسهم خطرة من الشيطان و يكون الطائف بمعناه فطيف كالخطرة و طائف كالخاطر و الطيف
مجمع البيان ج : 4 ص : 789
أكثر قال :
ألا يا لقومي لطيف الخيال
أرق من نازح ذي دلال و قال الأعشى :
و تصبح عن غب السري و كأنما
ألم بها من طائف الجن أولق و قال أبو علي عامة ما جاء في التنزيل فيما يحمد و يستحب أمددت على أفعلت كقوله إنما نمدهم به من مال و بنين و أمددناهم بفاكهة و أ تمدونن بمال و ما كان بخلافه على مددت قال و يمدهم في طغيانهم فهذا يدل على أن الوجه فتح الياء كما ذهب إليه الأكثر و الوجه في قراءة من قرأ يمدونهم أنه مثل فبشرهم بعذاب أليم فسنيسره للعسرى و الله أعلم و يمادونهم يفاعلونهم منه أي يعاونونهم و قصر يقصر لغة في أقصر يقصر و يقال أقصر عنه إذا تركه عن قدرة و قصر عنه إذا ضعف عنه .

اللغة

الممسوس الذي به مس جن و الممسوس من المياه ما نالته الأيدي و الاجتباء افتعال من الجباية و نظيره الاصطفاء و هو استخلاص الشيء للنفس قال علي بن عيسى أصله الاستخراج و منه الجباية الخراج و قيل أصله الجمع من جبيت الماء في الحوض و الحوض جابية لجمعها الماء قال الفراء اجتبيت الكلام و اختلقته و ارتجلته إذا افتعلته من قبل نفسك قال أبو عبيدة و اخترعته مثل ذلك قال أبو زيد هذه الحروف تقولها العرب للكلام يبتدؤه الرجل لم يكن أعده قبل ذلك في نفسه و البصائر البراهين و الحجج جمع بصيرة و البصائر أيضا طرائق الدم قال الأشعر الجعفي :
راحوا بصائرهم على أكتافهم
و بصيرتي يعدو بها عتد و أي أو البصيرة الترس و جمعها بصائر قال الزجاج و جميع هذا معناه ظهور الشيء و تبيانه .

الإعراب

إذا الأولى ظرف زمان و يكون لها جواب بمنزلة الجزاء و إذا الثانية ظرف مكان بمعنى المفاجاة كقولك خرجت فإذا زيد .

المعنى

ثم ذكر سبحانه طريقة المتقين إذا عرضت لهم وساوس الشياطين فقال
مجمع البيان ج : 4 ص : 790
« إن الذين اتقوا » الله باجتناب معاصيه « إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا » قيل معناه إذا وسوس إليهم الشيطان و أغراهم بمعصيته تذكروا ما عليهم من العقاب بذلك فيجتنبونه و يتركونه و هو معنى قول ابن عباس و السدي و قال الحسن يعني إذا طاف عليهم الشيطان بوساوسه و قال سعيد بن جبير هو الرجل الذي يغضب الغضبة فيتذكر فيكظم غيظه و به قال مجاهد و روي عنه أيضا أنه قال هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيتركه و قيل طائف غضب و طيف جنون و قيل معناهما واحد « فإذا هم مبصرون » للرشد « و إخوانهم يمدونهم في الغي » معناه و إخوان المشركين من شياطين الجن و الإنس يمدونهم في الضلال و المعاصي أي يزيدونهم فيه و يزينون لهم ما هم فيه « ثم لا يقصرون » ثم لا يكفون يعني الشيطان عن استغوائهم و لا يرحمونهم عن مجاهد و قتادة و قيل معناه و إخوان الشياطين من الكفار يمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصر هؤلاء مع ذلك كما يقصر الذين اتقوا عن ابن عباس و السدي و الجبائي و قيل معناه ثم لا يقصر الشياطين عن إغوائهم و لا يقصرونهم عن ارتكاب الفواحش « و إذا لم تأتهم ب آية قالوا لو لا اجتبيتها » معناه أنك يا محمد إذا جئتهم ب آية كذبوا بها و إذا أبطأت عنهم يقترحونها و يقولون هلا جئتنا به من قبل نفسك فليس كل ما تقوله وحي من السماء عن قتادة و مجاهد و الزجاج و قيل معناه إذا لم تأتهم ب آية مقترحة قالوا هلا اخترتها من قبل نفسك فتسأل ربك أن يأتيك بها عن ابن عباس و الجبائي و أبي مسلم « قل » يا محمد لهم « إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي » أي لست آتي بالآيات من عندي و إنما يفعلها الله تعالى و يظهرها على حسب ما يعلم من المصلحة في ذلك لا بحسب اقتراح الخلق و إنما أتبع الوحي و لا أتعداه و ليس لي أن أسأله إنزال الآيات إلا بعد إذنه في السؤال « هذا بصائر من ربكم » هذا القرآن دلائل ظاهرة و حجج واضحة و براهين ساطعة من ربكم يبصر الإنسان بها أمور دينه « و هدى و رحمة » أي و دلالة تهدي إلى الرشد و نعمة في الدين و الدنيا « لقوم يؤمنون » خص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون بها دون غيرهم من الكفار و في هذه الآية دلالة على أن أفعال النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أقواله تابعة للوحي و أنه لا يجوز أن يعمل بالرأي و القياس .

النظم

قيل إن هذه الآية اتصلت بقوله « يسألونك عن الساعة » و تقديره و يسألونك عن الآيات فإذا لم تأتهم بها قالوا لو لا اجتبيتها عن أبي مسلم و قيل اتصلت بما قبلها من قوله « و إخوانهم يمدونهم » و معناه يبقون في الضلالة و إذا لم تأتهم ب آية يسألون عنها فقالوا كذا .

مجمع البيان ج : 4 ص : 791
وَ إِذَا قُرِىَ الْقُرْءَانُ فَاستَمِعُوا لَهُ وَ أَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(204) وَ اذْكُر رَّبَّك فى نَفْسِك تَضرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الاَصالِ وَ لا تَكُن مِّنَ الْغَفِلِينَ(205) إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّك لا يَستَكْبرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَ يُسبِّحُونَهُ وَ لَهُ يَسجُدُونَ (206)

اللغة

الإنصات السكوت مع استماع قال ابن الأعرابي نصت و أنصت و انتصت استمع الحديث و سكت و أنصته و أنصت له و أنصت الرجل سكت و أنصته غيره عن الأزهري و الآصال جمع أصل و أصل جمع أصيل فالآصال جمع الجمع و تصغيره أصيلان على إبدال النون و معناه العشيات و هو ما بين العصر إلى غروب الشمس .

الإعراب

« تضرعا و خيفة » مصدران وضعا موضع الحال أي متضرعين و خائفين و « دون الجهر » عطف عليه فيجب أن يكون في موضع الحال أي و غير رافعين أصواتكم حتى يبلغ حد الجهر .

المعنى

ثم أمر سبحانه بالاستماع للقرآن عند قراءته فقال « و إذا قرىء القرآن فاستمعوا له و أنصتوا » اختلف في الوقت المأمور بالإنصات للقرآن و الاستماع له فقيل إنه في الصلاة خاصة خلف الإمام الذي يؤتم به إذا سمعت قراءته عن ابن عباس و ابن مسعود و سعيد بن جبير و سعيد بن المسيب و مجاهد و الزهري و روي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام) قالوا و كان المسلمون يتكلمون في صلاتهم و يسلم بعضهم على بعض و إذا دخل داخل فقال لهم كم صليتم أجابوه فنهوا عن ذلك و أمروا بالاستماع و قيل أنه في الخطبة أمروا بالإنصات و الاستماع إلى الإمام يوم الجمعة عن عطا و عمرو بن دينار و زيد بن أسلم و قيل أنه في الخطبة و الصلاة جميعا عن الحسن و جماعة قال الشيخ أبو جعفر قدس الله روحه و أقوى الأقوال الأول لأنه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة القرآن إلا حالة قراءة الإمام في الصلاة فإن على المأموم الإنصات و الاستماع فأما خارج الصلاة فلا خلاف أن الإنصات و الاستماع غير واجب و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال يجب الإنصات للقرآن في الصلاة و غيرها
مجمع البيان ج : 4 ص : 792
قال و ذلك على وجه الاستحباب و في كتاب العياشي بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قرأ ابن الكوا خلف أمير المؤمنين (عليه السلام) لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين فأنصت له أمير المؤمنين (عليه السلام) و عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قلت له الرجل يقرأ القرآن أ يجب على من سمعه الإنصات له و الاستماع قال نعم إذا قرىء عندك القرآن وجب عليك الإنصات و الاستماع قال الزجاج و يجوز أن يكون فاستمعوا له و أنصتوا أي اعملوا بما فيه و لا تجاوزوا لأن معنى قول القائل سمع الله دعاءك أجاب الله دعاءك لأن الله سميع عليم و قال الجبائي أنها نزلت في ابتداء التبليغ ليعلموا أو يتفهموا و قال أحمد بن حنبل أجمعت الأمة على أنها نزلت في الصلاة « لعلكم ترحمون » أي لترحموا بذلك و باعتباركم به و اتعاظكم بمواعظه « و اذكر ربك في نفسك » خطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و المراد به عام و قيل هو خطاب لمستمع القرآن و المعنى و اذكر ربك في نفسك بالكلام من التسبيح و التهليل و التحميد و روى زرارة عن أحدهما (عليهماالسلام) قال معناه إذا كنت خلف الإمام تأتم به فأنصت و سبح في نفسك يعني فيما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة و قيل معناه و اذكر نعمة ربك بالتفكر في نفسك و قيل أراد أذكره في نفسك بصفاته العليا و أسمائه الحسنى « تضرعا و خيفة » يعني بتضرع و خوف يعني في الدعاء فإن الدعاء بالتضرع و الخوف من الله تعالى أقرب إلى الإجابة و إنما خص الذكر بالنفس لأنه أبعد من الرياء عن الجبائي « و دون الجهر من القول » معناه ارفعوا أصواتكم قليلا و لا تجهروا بها جهارا بليغا حتى يكون عدلا بين ذلك كما قال و لا تجهر بصلاتك و لا تخافت بها و قيل أنه أمر للإمام أن يرفع صوته في الصلاة بالقراءة مقدار ما يسمع من خلفه عن ابن عباس « بالغدو و الآصال » أي بالغدوات و العشيات عن قتادة و المراد به دوام الذكر و اتصاله و قيل إنما خص هذين الوقتين لأنهما حال فراغ القلب عن طلب المعاش فيكون الذكر فيهما ألصق بالقلب « و لا تكن من الغافلين » عما أمرتك به من الدعاء و الذكر و قيل إن الآية متوجهة إلى من أمر بالاستماع للقرآن و الإنصات و كانوا إذا سمعوا القرآن رفعوا أصواتهم بالدعاء عند ذكر الجنة أو النار عن ابن زيد و مجاهد و ابن جريج قال الجبائي و في الآية دليل على أن الذين يرفعون أصواتهم عند الدعاء و يجهرون به مخطئون و على خلاف الصواب ثم ذكر سبحانه ما يبعث إلى الذكر و يدعو إليه فقال « إن الذين عند ربك » و هم الملائكة عن الحسن و غيره « لا يستكبرون عن عبادته » معناه أنهم مع جلالة قدرهم و علو أمرهم يعبدون الله و يذكرونه و فائدته أنكم إن استكبرتم عن عبادته فمن هو أعظم حالا منكم
مجمع البيان ج : 4 ص : 793
لا يستكبر عنها و إنما قال عند ربك تشريفا للملائكة بإضافتهم إلى نفسه و لم يرد به قرب المكان تعالى الله عن ذلك و تقدس و قيل معناه أنهم في المكان الذي شرفه الله تعالى و لا يملك عليهم الحكم إلا الله تعالى بخلاف البشر كما يقال عند الأمير كذا و كذا من الجند و المراد أنهم في حكمه و تحت أمره و عند فلان كذا من المال و لا يراد به أن ذلك بحضرته و قال الزجاج من قرب من رحمة الله و فضله فهو عند الله أي هو قريب من فضله و إحسانه « و يسبحونه » أي ينزهونه عما لا يليق به « و له يسجدون » أي يخضعون و قيل يصلون و قيل يسجدون في الصلاة عن الحسن و لا خلاف أن هاهنا سجدة و هي أول سجدات القرآن و اختلف في سجدة التلاوة هل هي واجبة فعند أبي حنيفة واجبة و عند الشافعي سنة مؤكدة و إليه ذهب أصحابنا .

مجمع البيان ج : 4 ص : 794
(
8 ) سورة الأنفال مدنية و آياتها خمس و سبعون ( 75 )
هي مدنية عن ابن عباس و قتادة غير سبع آيات نزلت بمكة « و إذ يمكر بك الذين كفروا » إلى آخرهن و قيل نزلت بأسرها في غزاة بدر عن الحسن و عكرمة .

عدد آيها

هي سبعون و سبع آيات شامي و ست حجازي بصري و خمس كوفي

اختلافها

ثلاث آيات « ثم يغلبون » بصري شامي « مفعولا » الأول غير الكوفي « بنصره و بالمؤمنين » غير البصري .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال من قرأ سورة الأنفال و براءة فأنا شفيع له و شاهد يوم القيامة أنه بريء من النفاق و أعطي من الأجر بعدد كل منافق و منافقة في دار الدنيا عشر حسنات و محي عنه عشر سيئات و رفع له عشر درجات و كان العرش و حملته يصلون عليه أيام حياته في الدنيا و روى العياشي بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ الأنفال و براءة في كل شهر لم يدخله نفاق أبدا و كان من شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) حقا و يأكل يوم القيامة من موائد الجنة معهم حتى يفرغ الناس من الحساب و عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في سورة الأنفال جدع الأنوف
ت

فسيرها

لما قص الله سبحانه في سورة الأعراف قصص الأنبياء و ختمها بذكر نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) افتتح سورة الأنفال بذكره ثم ذكر ما جرى بينه و بين قومه فقال :
مجمع البيان ج : 4 ص : 795
سورة الأنفال
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَسئَلُونَك عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للَّهِ وَ الرَّسولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصلِحُوا ذَات بَيْنِكمْ وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(1)

القراءة

قرأ ابن مسعود و سعد بن أبي وقاص و علي بن الحسين و أبو جعفر بن محمد بن علي الباقر و زيد بن علي و جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) و طلحة بن مصرف يسألونك الأنفال .

الحجة

قال ابن جني هذه القراءة بالنصب مؤدية عن السبب للقراءة الأخرى التي هي « عن الأنفال » و ذلك أنهم إنما سألوه عنها تعرضا لطلبها و استعلاما لحالها هل يسوغ طلبها و هذه القراءة بالنصب أصرح بالتماس الأنفال و بيان عن الغرض في السؤال عنها فإن قلت هل يحسن حملها على حذف حرف الجر كأنه قال يسألونك عن الأنفال فلما حذف عن نصب المفعول كقوله :
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به قيل هذا شاذ إنما يحمله الشعر فأما القرآن فيختار له أفصح اللغات و إن كان قد جاء و اختار موسى قومه و اقعدوا لهم كل مرصد فإن الأظهر ما قدمناه .

اللغة

الأنفال جمع نفل و النفل الزيادة على الشيء يقال نفلتك كذا إذا زدته قال لبيد :
إن تقوى ربنا خير نفل
و بإذن الله ريثي و عجل و قيل النفل العطية و نفلتك أعطيتك و النافلة عطية التطوع من حيث لا يجب و منه نوافل الصلاة و النوفل الرجل الكثير العطية .

المعنى

« يسألونك » أي يسألك يا محمد جماعة من أصحابك « عن الأنفال » اختلف المفسرون في الأنفال هاهنا فقيل هي الغنائم التي غنمها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر و هو المروي عن عكرمة عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الضحاك و ابن زيد
مجمع البيان ج : 4 ص : 796
و قيل هي أنفال السرايا عن الحسن بن صالح بن حي و قيل هي ما شذ عن المشركين إلى المسلمين من عبد أو جارية من غير قتال أو ما أشبه ذلك عن عطا و قيل هو للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاصة يعمل به ما شاء و قيل هو ما سقط من المتاع بعد قسمته الغنائم من الغرس و الزرع و الرمح عن ابن عباس في رواية أخرى و روي عنه أيضا أنه سلب الرجل و فرسه ينفل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من شاء و قيل هي الخمس الذي جعله الله لأهل الخمس عن مجاهد في رواية أخرى و صحت الرواية عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا إن الأنفال كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال و كل أرض انجلى أهلها عنها بغير قتال و يسميها الفقهاء فيئا و ميراث من لا وارث له و قطائع الملوك إذا كانت في أيديهم من غير غصب و الآجام و بطون الأودية و الأرضون الموات و غير ذلك مما هو مذكور في مواضعه و قالا هي لله و للرسول و بعده لمن قام مقامه فيصرفه حيث شاء من مصالح نفسه ليس لأحد فيه شيء و قالا أن غنائم بدر كانت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاصة فسألوه أن يعطيهم و قد صح أن قراءة أهل البيت (عليهم السلام) يسألونك الأنفال فقال الله تعالى « قل » يا محمد « الأنفال لله و الرسول » و كذلك ابن مسعود و غيره إنما قرءوا كذلك على هذا التأويل فعلى هذا فقد اختلفوا في كيفية سؤالهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال هؤلاء إن أصحابه سألوه أن يقسم غنيمة بدر بينهم فأعلمهم الله سبحانه أن ذلك لله و لرسوله دونهم و ليس لهم في ذلك شيء و روي ذلك أيضا عن ابن عباس و ابن جريج و الضحاك و عكرمة و الحسن و اختاره الطبري و قالوا أن عن صلة و معناه يسألونك الأنفال أن تعطيهم و يؤيد هذا القول قوله « فاتقوا الله » إلى آخر الآية ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم هي منسوخة ب آية الغنيمة و هي قوله « و اعلموا أنما غنمتم من شيء » و قال بعضهم ليست بمنسوخة و هو الصحيح لأن النسخ يحتاج إلى دليل و لا تنافي بين هذه الآية و آية الخمس و قال آخرون أنهم سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن حكم الأنفال و علمها فقالوا لمن الأنفال و تقديره يسألونك عن الأنفال لمن هي و لهذا جاء الجواب بقوله « قل الأنفال لله و الرسول » و قال آخرون أنهم سألوه عن حال الغنائم و قسمتها و أنها حلال أم حرام كما كانت حراما على من قبلهم فبين لهم أنها حلال و اختلفوا أيضا في سبب سؤالهم فقال ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يوم بدر من جاء بكذا فله كذا و من جاء بأسير فله كذا فتسارع الشبان و بقي الشيوخ
 

<<        الفهرس        >>