جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج4 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان ج : 4 ص : 797
تحت الرايات فلما انقضى الحرب طلب الشبان ما كان قد نفلهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) به فقال الشيوخ كنا ردءا لكم و لو وقعت عليكم الهزيمة لرجعتم إلينا و جرى بين أبي اليسر بن عمرو الأنصاري أخي بني سلمة و بين سعد بن معاذ كلام فنزع الله تعالى الغنائم منهم و جعلها لرسوله يفعل بها ما يشاء فقسمها بينهم بالسوية و قال عبادة بن الصامت اختلفنا في النفل و ساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسوله فقسمه بيننا على السواء و كان ذلك في تقوى الله و طاعته و صلاح ذات البين و قال سعد بن أبي وقاص قتل أخي عمير يوم بدر فقتلت سعيد بن العاص بن أمية و أخذت سيفه و كان يسمى ذا الكتيفة فجئت به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و استوهبته منه فقال ليس هذا لي و لا لك اذهب فاطرحه في القبض فطرحت و رجعت و بي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي و أخذ سلبي و قلت عسى أن يعطي هذا لمن لم يبل بلائي فما جاوزت إلا قليلا حتى جاءني الرسول و قد أنزل الله « يسألونك » الآية فخفت أن يكون قد نزل في شيء فلما انتهيت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يا سعد إنك سألتني السيف و ليس لي و أنه قد صار لي فاذهب فخذه فهو لك و قال علي بن طلحة عن ابن عباس كانت الغنائم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاصة ليس لأحد فيها شيء و ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول فسألوا رسول الله أن يعطيهم منها فنزلت الآية و قال ابن جريج اختلف من شهد بدرا من المهاجرين و الأنصار في الغنيمة فكانوا ثلاثا فنزلت الآية و ملكها الله رسوله يقسمها كما أراه الله و قال مجاهد هي الخمس و ذلك أن المهاجرين قالوا لم يرفع منا هذا الخمس و لم يخرج منا فقال الله تعالى « قل الأنفال لله و الرسول » يقسمانها كما شاءا أو ينفلان منها ما شاءا أو يرضخان منها ما شاءا فاتقوا الله باتقاء معاصيه و اتباع ما يأمركم به و ما يأمركم به رسوله و احذروا مخالفة أمرهما « و أصلحوا ذات بينكم » و أي أصلحوا ما بينكم من الخصومة و المنازعة و قوله « ذات بينكم » كناية عن المنازعة و الخصومة و الذات هي الخلقة و البنية يقال فلان في ذاته صالح أي في خلقته و بنيته يعني أصلحوا نفس كل شيء بينكم أو أصلحوا حال كل نفس بينكم و قيل معناه و أصلحوا حقيقة وصلكم كقوله « لقد تقطع بينكم » أي وصلكم و المراد كونوا مجتمعين على ما أمر الله و رسوله و كذلك معنى اللهم أصلح ذات البين أي أصلح الحال التي بها يجتمع المسلمون عن الزجاج و هذا نهي من الله تعالى عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة يوم بدر عن ابن عباس و مجاهد و السدي « و أطيعوا الله و رسوله » أي أقبلوا ما أمرتم به في الغنائم و غيرها عن الزجاج و معناه و أطيعوهما فيما يأمرانكم به
مجمع البيان ج : 4 ص : 798
و ينهيانكم عنه « إن كنتم مؤمنين » مصدقين للرسول فيما يأتيكم به من قبل الله كما تدعون و في تفسير الكلبي أن الخمس لم يكن مشروعا يومئذ و إنما شرع يوم أحد و فيه أنه لما نزلت هذه الآية عرف المسلمين أنه لا حق لهم في الغنيمة و أنها لرسول الله فقالوا يا رسول الله سمعا و طاعة فاصنع ما شئت فنزل قوله « و اعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه » أي ما غنمتم بعد بدر و روي أن رسول الله قسم غنائم بدر عن بواء أي على سواء و لم يخمس .
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلُوبهُمْ وَ إِذَا تُلِيَت عَلَيهِمْ ءَايَتُهُ زَادَتهُمْ إِيمَناً وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكلُونَ(2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصلَوةَ وَ مِمَّا رَزَقْنَهُمْ يُنفِقُونَ(3) أُولَئك هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لهَُّمْ دَرَجَتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كرِيمٌ(4)

اللغة

الوجل و الخوف و الفزع واحد يقال وجل يوجل و ييجل و يأجل بالألف و ييجل أربع لغات حكاها سيبويه و أجودها يوجل قال الشاعر :
لعمرك ما أدري و إني لأوجل
على أينا تغدو المنية أول و التوكل هو الثقة بالله في كل ما يحتاج إليه يقال وكلت الأمر إلى فلان إذا جعلت إليه القيام به و الوكيل القائم بالأمر لغيره .

الإعراب

حقا منصوب بما دلت عليه الجملة التي هي قوله « أولئك هم المؤمنون » و المعنى أحق ذلك حقا .

المعنى

لما قال سبحانه إن كنتم مؤمنين بين صفة المؤمنين بقوله « إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم » أي خافت تعظيما له و ذلك إذا ذكر عندهم عقوبته و عدله و وعيده على المعاصي بالعقاب و اقتداره عليه فأما إذا ذكرت نعمة الله على عباده و إحسانه إليهم و فضله و رحمته عليهم و ثوابه على الطاعات اطمأنت قلوبهم و سكنت نفوسهم إلى عفو الله تعالى كما قال سبحانه « ألا بذكر الله تطمئن القلوب » فلا تنافي بين الآيتين إذ وردتا في حالتين و وجه آخر و هو أن المؤمن ينبغي أن يكون من صفته أنه إذا نظر في نعم الله عليه و مننه لديه و عظيم مغفرته و رحمته اطمأن قلبه و حسن بالله ظنه و إذا ذكر عظيم معاصيه
مجمع البيان ج : 4 ص : 799
بترك أوامره و ارتكاب نواهيه وجل قلبه و اضطربت نفسه و الوجل الخوف مع شدة الحزن و إنما يستعمل على الغالب في القلب « و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا » معناه و إذا قرىء عليهم القرآن زادتهم آياته تبصرة و يقينا على يقين عن الضحاك و قيل زادتهم تصديقا مع تصديقهم بما أنزل الله إليهم قبل ذلك عن ابن عباس و المعنى أنهم يصدقون بالأولى و الثانية و الثالثة و كل ما يأتي من عند الله فيزداد تصديقهم « و على ربهم يتوكلون » أي يفوضون أمورهم إلى الله فيما يخافونه من السوء في الدنيا و قيل فيما يرجونه من قبول أعمالهم في الآخرة « الذين يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون » قد مر تفسيره في سورة البقرة و إنما خص الصلاة و الزكاة بالذكر لعظم شأنهما و تأكد أمرهما و ليكون داعيا إلى المواظبة على فعلهما « أولئك هم المؤمنون حقا » أي هؤلاء المستجمعون لهذه الخصال و الحائزون لهذه الصفات هم الذين استحقوا هذا الاسم على الحقيقة « لهم درجات عند ربهم » يعني درجات الجنة يرتقونها بأعمالهم عن عطاء و قيل لهم أعمال رفيعة و فضائل استحقوها في أيام حياتهم عن مجاهد « و مغفرة » لذنوبهم « و رزق كريم » أي خطير كبير في الجنة و قيل كريم دائم كثير لا يشوبه ضرر و لا يعتريه كدر و لا يخاف عليه فناء و لا نقصان و لا حساب من قولهم فلان كريم إذا كانت أخلاقه محمودة و استدل من قال أن الإيمان يزيد و ينقص و أن أفعال الجوارح من الإيمان بهذه الآيات فقال أن الله تعالى نفى أن يكون المؤمن غير متصف بهذه الصفات بلفظة إنما فكأنه قال لا يكون أحد مؤمنا إلا أن يكون بهذه الصفات و الجواب عنه أن هذه الصفات خيار المؤمنين و أفاضلهم فكأنه قال إنما خيار المؤمنين من له هذه الأوصاف و ليس يمتنع أن يتفاضل المؤمنون في الطاعات و إن لم يتفاضلوا في الإيمان يدل على ذلك أن الإجماع حاصل على أن وجل القلب ليس بواجب و إنما هو من المندوبات و إن الصلاة قد تدخل فيها الفرائض و النوافل .
و الإنفاق كذلك فعلمنا أن الإشارة بالآية إلى خيار المؤمنين و أماثلهم فلا تدل إذا على أن من كان دونهم في المنزلة خارج عن الإيمان و قد قال ابن عباس أنه سبحانه أراد بذلك أن المنافق لا يدخل قلبه خشية الله عند ذكره و إن هذه الأوصاف المذكورة منتفية عنه .

مجمع البيان ج : 4 ص : 800
كَمَا أَخْرَجَك رَبُّك مِن بَيْتِك بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَرِهُونَ(5) يجَدِلُونَك فى الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَينَ كَأَنَّمَا يُساقُونَ إِلى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنظرُونَ(6) وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطائفَتَينِ أَنهَا لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيرَ ذَاتِ الشوْكةِ تَكُونُ لَكمْ وَ يُرِيدُ اللَّهُ أَن يحِقَّ الْحَقَّ بِكلِمَتِهِ وَ يَقْطعَ دَابِرَ الْكَفِرِينَ(7) لِيُحِقَّ الحَْقَّ وَ يُبْطِلَ الْبَطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ(8)

اللغة

المجادلة المنازعة الذي يفتل بها عن مذهب إلى مذهب سميت بذلك لشدته و أصل الجدل شدة الفتل و منه الأجدل الصقر لشدته و زمام جديل شديد الفتل و قيل أصله من الجدالة و هي الأرض يقال طعنه فجدله أي أوقعه على الأرض فكان المتجادلين يريد كل واحد منهما أن يرمي بخصمه إلى الأرض و السوق الحث على المسير و الشوكة الحد يقال ما أشد شوكة بني فلان و فلان شاك في السلاح و شائك و شاك من الشكة و شاك مخفف مثل قولهم كبش صاف كثير الصوف مثل صائف قال الشاعر :
فتوهموني أنني أنا ذاكم
شاك سلاحي في الحوادث معلم و أصله من الشوك و دابر الأمر آخره و دابر الرجل عقبه و الحق وقوع الشيء في موضعه الذي هو له فإذا اعتقد شيء بضرورة أو حجة فهو حق لأنه وقع موقعه الذي هو له و عكسه الباطل .

الإعراب

الكاف في قوله « كما أخرجك ربك » يتعلق بما دل عليه قوله « قل الأنفال لله و الرسول » لأن في هذا معنى نزعها من أيديهم بالحق كما أخرجك ربك من بيتك بالحق و قيل تقديره قل الأنفال ثابت لله و الرسول ثبوتا مثل ما أخرجك ربك أي هذا كائن لا محالة كما أن ذلك كان لا محالة و قيل إنه يتعلق بيجادلونك و تقديره يجادلونك بالحق كما كرهوا إخراجك من بيتك بالحق و قيل أنه يعمل فيه معنى الحق بتقدير هذا الذكر الحق كما أخرجك ربك من بيتك بالحق و قوله « أنها لكم » في موضع نصب على البدل من إحدى الطائفتين و تقديره يعدكم أن إحدى الطائفتين لكم و نظيره قوله « هل ينظرون إلا
مجمع البيان ج : 4 ص : 801
الساعة أن تأتيهم » .

المعنى

« كما أخرجك ربك من بيتك » يا محمد على التقدير الأول قل الأنفال لله ينزعها عنكم مع كراهتكم و مشقة ذلك عليكم لأنه أصلح لكم كما أخرجك ربك من بيتك مع كراهة فريق من المؤمنين ذلك لأن الخروج كان أصلح لكم من كونكم في بيتكم و المراد بالبيت هنا المدينة يعني خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) منها إلى بدر و يكون معنى أخرجك ربك دعاك إلى الخروج و أمرك به و حملك عليه كما يقال أضربت زيدا عمرا فضربه و أما على التقدير الثاني و هو أن يكون اتصاله بما بعده فيكون معناه يجادلونك في الحق كارهين له كما جادلوك يا محمد حين أخرجك ربك كارهين للخروج كرهوه كراهية طباع فقال بعضهم كيف نخرج و نحن قليل و العدو كثير و قال بعضهم كيف نخرج على عمياء لا ندري إلى العير نخرج أم إلى القتال فشبه جدالهم بخروجهم لأن القوم جادلوه بعد خروجهم كما جادلوه عند الخروج فقالوا هلا أخبرتنا بالقتال فكنا نستعد لذلك فهذا هو جدالهم على تأويل مجاهد و أما على التقدير الثالث فمعناه أن هذا خير لكم كما أن إخراجك من بيتك على كراهية جماعة منكم خير لكم و قريب منه ما جاء في حديث أبي حمزة الثمالي فالله ناصرك كما أخرجك من بيتك و قوله « بالحق » أي بالوحي و ذلك أن جبرائيل (عليه السلام) أتاه و أمره بالخروج و قيل معناه أخرجك و معك الحق و قيل معناه أخرجك بالحق الذي وجب عليك و هو الجهاد « و إن فريقا من المؤمنين » أي طائفة منهم « لكارهون » لذلك للمشقة التي لحقتهم « يجادلونك في الحق بعد ما تبين » معناه يجادلونك فيما دعوتهم إليه بعد ما عرفوا صحته و صدقك بما ظهر عليك من المعجزات و مجادلتهم قولهم هلا أخبرتنا بذلك و هم يعلمون أنك لا تأمرهم عن الله إلا بما هو حق و صواب و كانوا يجادلون فيه لشدته عليهم يطلبون بذلك رخصة لهم في التخلف عنه أو في تأخير الخروج إلى وقت آخر و قيل معناه يجادلونك في القتال يوم بدر بعد ما تبين صوابه و أنه مأمور به عن ابن عباس و قيل بعد ما تبين أنك يا محمد لا تصنع إلا ما أمرك الله به « كأنما يساقون إلى الموت و هم ينظرون » معناه كان هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدو لشدة القتال عليهم حيث لم يكونوا مستعدين له و لكراهتهم له من حيث الطبع كانوا بمنزلة من يساق إلى الموت و هم يرونه عيانا و ينظرون إليه و إلى أسبابه « و إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم » يعني و اذكروا و اشكروا الله إذ يعدكم الله إن إحدى الطائفتين لكم إما العير و إما النفير « و تودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم » أي تودون أن يكون لكم العير
مجمع البيان ج : 4 ص : 802
و صاحبها أبو سفيان بن حرب لئلا تلحقكم مشقة دون النفير و هو الجيش من قريش قال الحسن كان المسلمون يريدون العير و رسول الله يريد ذات الشوكة كنى بالشوكة عن الحرب لما في الحرب من الشدة عن قطرب و قيل ذات الشوكة ذات السلاح « و يريد الله أن يحق الحق بكلماته » معناه و الله أعلم بالمصالح منكم فأراد أن يظهر الحق بلطفه و يعز الإسلام و يظفركم على وجوه قريش و يهلكهم على أيديكم بكلماته السابقة و عداته في قوله و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون و إن جندنا لهم الغالبون و قوله ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون و قيل بكلماته أي بأمره لكم بالقتال « و يقطع دابر الكافرين » أي يستأصلهم فلا يبقي منهم أحدا يعني كفار العرب « ليحق الحق » أي إنما يفعل ذلك ليظهر الإسلام « و يبطل الباطل » أي الكفر بإهلاك أهله « و لو كره المجرمون » أي الكافرون و ذكر البلخي عن الحسن أن قوله « و إذ يعدكم الله » الآية نزلت قبل قوله « كما أخرجك ربك من بيتك بالحق » و هي في القراءة بعدها .

[ قصة غزاة بدر ]

قال أصحاب السير و ذكر أبو حمزة و علي بن إبراهيم في تفسيرهما دخل حديث بعضهم في بعض أقبل أبو سفيان بعير قريش من الشام و فيها أموالهم و هي اللطيمة و فيها أربعون راكبا من قريش فندب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أصحابه للخروج إليها ليأخذوها و قال لعل الله أن ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم و ثقل بعضهم و لم يظنوا أن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يلقي كيدا و لا حربا فخرجوا لا يريدون إلا أبا سفيان و الركب لا يرونها إلا غنيمة لهم فلما سمع أبو سفيان بمسير النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) استأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة و أمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم و يخبرهم أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد تعرض لغيرهم في أصحابه فخرج ضمضم سريعا إلى مكة و كانت عاتكة بنت عبد المطلب رأت فيما يرى النائم قبل مقدم ضمضم بن عمرو بثلاث ليال أن رجلا أقبل على بعير له ينادي يا آل غالب اغدوا إلى مصارعكم ثم وافى بجمله على أبي قبيس فأخذ حجرا فدهدهه من الجبل فما ترك دارا من دور قريش إلا أصابته منه فلذة فانتبهت فزعة من ذلك و أخبرت العباس بذلك فأخبر العباس عتبة بن ربيعة فقال عتبة هذه مصيبة تحدث في قريش و فشت الرؤيا فيهم و بلغ ذلك أبا جهل فقال هذه نبية ثانية في بني عبد المطلب و اللات و العزى لننظرن ثلاثة أيام فإن كان ما رأت حقا و إلا لنكتبن كتابا بيننا أنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالا و نساء من بني هاشم فلما كان اليوم الثالث أتاهم ضمضم يناديهم بأعلى الصوت يا آل غالب يا آل غالب اللطيمة اللطيمة العير العير أدركوا و ما أراكم تدركون أن محمدا و الصباة من أهل يثرب قد خرجوا
مجمع البيان ج : 4 ص : 803
يتعرضون لعيركم فتهياوا للخروج و ما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرج مالا لتجهيز الجيش و قالوا من لم يخرج نهدم داره و خرج معهم العباس بن عبد المطلب و نوفل بن الحرث بن عبد المطلب و عقيل بن أبي طالب و أخرجوا معهم القيان يضربون الدفوف و خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا فلما كان بقرب بدر أخذ عينا للقوم فأخبره بهم و في حديث أبي حمزة بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أيضا عينا له على العير اسمه عدي فلما قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره أين فارق العير نزل جبرائيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره بنفير المشركين من مكة فاستشار أصحابه في طلب العير و حرب النفير فقام أبو بكر فقال يا رسول الله إنها قريش و خيلاؤها ما آمنت منذ كفرت و لا ذلت منذ عزت و لم تخرج على هيئة الحرب و في حديث أبي حمزة قال أبو بكر أنا عالم بهذا الطريق فارق عدي العير بكذا و كذا و ساروا و سرنا فنحن و القوم على ماء بدر يوم كذا و كذا كانا فرسا رهان فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) اجلس فجلس ثم قام عمر بن الخطاب فقال مثل ذلك فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) اجلس فجلس ثم قام المقداد فقال يا رسول الله إنها قريش و خيلاؤها و قد آمنا بك و صدقنا و شهدنا أن ما جئت به حق و الله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا و شوك الهراس لخضناه معك و الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى (عليه السلام) اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون و لكنا نقول امض لأمر ربك فأنا معك مقاتلون فجزاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) خيرا على قوله ذاك ثم قال أشيروا علي أيها الناس و إنما يريد الأنصار لأن أكثر الناس منهم و لأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا إنا براء من ذمتك حتى تصل إلى دارنا ثم أنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع أبناءنا و نساءنا فكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) يتخوف أن لا يكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه بالمدينة من عدو أن ليس عليهم أن ينصروه خارج المدينة فقام سعد بن معاذ فقال بأبي أنت و أمي يا رسول الله كأنك أردتنا فقال نعم قال بأبي أنت و أمي يا رسول الله إنا قد آمنا بك و صدقناك و شهدنا أن ما جئت به حق من عند الله فمرنا بما شئت و خذ من أموالنا ما شئت و اترك منها ما شئت و الله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك و لعل الله عز و جل أن يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله ففرح بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قال سيروا على بركة الله فإن الله عز و جل قد وعدني إحدى الطائفتين و لن يخلف الله وعده و الله لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام و عتبة بن ربيعة و شيبة بن ربيعة و فلان
مجمع البيان ج : 4 ص : 804
و فلان و أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالرحيل و خرج إلى بدر و هو بئر و في حديث أبي حمزة الثمالي بدر رجل من جهينة و الماء ماؤه فإنما سمي الماء باسمه و أقبلت قريش و بعثوا عبيدها ليستقوا من الماء فأخذهم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قالوا لهم من أنتم قالوا نحن عبيد قريش قالوا فأين العير قالوا لا علم لنا بالعير فأقبلوا يضربونهم و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يصلي فانفتل من صلاته و قال إن صدقوكم ضربتموهم و إن كذبوكم تركتموهم فأتوه بهم فقال لهم من أنتم قالوا يا محمد نحن عبيد قريش قال كم القوم قالوا لا علم لنا بعددهم قال كم ينحرون في كل يوم من جزور قالوا تسعة إلى عشرة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) القوم تسعمائة إلى ألف رجل و أمر (صلى الله عليه وآله وسلّم) بهم فحبسوا و بلغ ذلك قريشا ففزعوا و ندموا على مسيرهم و لقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام فقال أ ما ترى هذا البغي و الله ما أبصر موضع قدمي خرجنا لنمنع عيرنا و قد أفلتت فجئنا بغيا و عدوانا و الله ما أفلح قوم بغوا قط و لوددت أن ما في العير من أموال بني عبد مناف ذهبت و لم نسر هذا المسير فقال له أبو البختري إنك سيد من سادات قريش فسر في الناس و تحمل العير التي أصابها محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أصحابه بنخلة و دم ابن الحضرمي فإنه حليفك فقال له علي ذلك و ما على أحد منا خلاف إلا ابن الحنظلية يعني أبا جهل فصر إليه و أعلمه أني حملت العير و دم ابن الحضرمي و هو حليفي و علي عقله قال فقصدت خباءه و أبلغته ذلك فقال أن عتبة يتعصب لمحمد فإنه من بني عبد مناف و ابنه معه يريد أن يخذل بين الناس لا و اللات و العزى حتى نقحم عليهم يثرب أو نأخذهم أسارى فندخلهم مكة و تتسامع العرب بذلك و كان أبو حذيفة بن عتبة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و كان أبو سفيان لما جاز بالعير بعث إلى قريش قد نجى الله عيركم فارجعوا و دعوا محمدا و العرب و ادفعوه بالراح ما اندفع و إن لم ترجعوا فردوا القيان فلحقهم الرسول في الجحفة فأراد عتبة أن يرجع فأبى أبو جهل و بنو مخزوم و ردوا القيان من الجحفة قال و فزع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما بلغهم كثرة قريش و استغاثوا و تضرعوا فأنزل الله سبحانه إذ تستغيثون ربكم و ما بعده .

مجمع البيان ج : 4 ص : 805
إِذْ تَستَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاستَجَاب لَكمْ أَنى مُمِدُّكُم بِأَلْف مِّنَ الْمَلَئكَةِ مُرْدِفِينَ(9) وَ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشرَى وَ لِتَطمَئنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَ مَا النَّصرُ إِلا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(10) إِذْ يُغَشيكُمُ النُّعَاس أَمَنَةً مِّنْهُ وَ يُنزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السمَاءِ مَاءً لِّيُطهِّرَكُم بِهِ وَ يُذْهِب عَنكمْ رِجْزَ الشيْطنِ وَ لِيرْبِط عَلى قُلُوبِكمْ وَ يُثَبِّت بِهِ الأَقْدَامَ(11) إِذْ يُوحِى رَبُّك إِلى الْمَلَئكَةِ أَنى مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا سأُلْقِى فى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْب فَاضرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَ اضرِبُوا مِنهُمْ كلَّ بَنَان(12) ذَلِك بِأَنَّهُمْ شاقُّوا اللَّهَ وَ رَسولَهُ وَ مَن يُشاقِقِ اللَّهَ وَ رَسولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شدِيدُ الْعِقَابِ(13) ذَلِكمْ فَذُوقُوهُ وَ أَنَّ لِلْكَفِرِينَ عَذَاب النَّارِ(14)

القراءة

قرأ أهل المدينة و يعقوب مردفين بفتح الدال و الباقون « مردفين » بكسر الدال و قرأ أهل المدينة يغشيكم بضم الياء و سكون الغين « النعاس » بالنصب و قرأ ابن كثير و أبو عمرو يغشاكم بالألف و فتح الياء النعاس بالرفع و الباقون « يغشيكم » بضم الياء و فتح الغين و التشديد « النعاس » بالنصب و في الشواذ قراءة الشعبي ما ليطهركم به ما بمعنى الذي .

الحجة

قال أبو علي مردفين يحتمل وجهين ( أحدهما ) أن يكون مردفين مثلهم كما قالوا أردفت زيدا خلفي فيكون في الآية المفعول الثاني محذوفا ( و الآخر ) أن يكونوا جاءوا خلفهم تقول العرب بنو فلان يردفوننا أي يجيؤون بعدنا و قال أبو عبيدة مردفين جاءوا بعد ، و ردفني و أردفني واحد قال الشاعر :
إذا الجوزاء أردفت الثريا
ظننت ب آل فاطمة الظنونا و هذا الوجه كأنه أبين لقوله « إذ تستغيثون ربكم » إلى قوله « مردفين » أي جائين بعد استغاثتكم ربكم و إمداده إياكم بهم فمردفين على هذا صفة لألف و قال الزجاج معناه يأتون فرقة بعد فرقة و مردفين على أردفوا الناس أي أنزلوا بعدهم فيجوز على هذا أن يكون حالا من الضمير المنصوب في ممدكم مردفين بألف من الملائكة و قرأ في الشواذ مردفين
مجمع البيان ج : 4 ص : 806
و مردفين و الأصل فيهما مرتدفين فأدغم التاء في الدال فلما التقى ساكنان حرك الراء لالتقاء الساكنين فضمت تارة اتباعا لضمة الميم و كسرت تارة لأن الساكن يحرك بالكسر و من قرأ يغشيكم و « يغشيكم » فلأنه أشبه بما بعده من قوله « و ينزل عليكم » فكما أنه مسند إلى اسم الله فكذلك يغشى و يغشى و من قرأ يغشاكم فإنه أسند الفعل إلى النعاس كما في قوله أمنة نعاسا يغشى ، و أغشى و غشى معناهما واحد و قد جاء بهما التنزيل قال سبحانه « فأغشيناهم » و قال فغشاها ما غشى و من قرأ ما ليطهركم به فإن ما هاهنا موصولة و صلتها حرف الجر بما بعده فكأنه قال ما للطهور كقولك كسوت الثوب الذي لدفع البرد و هذه اللام في قراءة الجماعة « ماء ليطهركم به » هي لام المفعول له و هي كقوله « إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله » و يتعلق بنفس الفعل و اللام التي في قراءة من قرأ ما ليطهركم به أي الذي للطهارة به فمتعلقة بمحذوف و فيها ضمير لتعلقها بالمحذوف .

اللغة

الرعب الخوف يقال رعبته أرعبته رعبا و رعبا و الرعب انزعاج النفس بتوقع المكروه و أصله التقطيع من قولهم رعبت السنام ترعيبا إذا قطعته مستطيلا فالرعب تقطع حال السرور بضده من انزعاج النفس بتوقع المكروه و رعب السيل فهو راعب إذا امتلأ منه الوادي لأنه انقطع إليه من كل جهة و البنان الأطراف من اليدين و الرجلين و الواحد بنانة و يقال للإصبع بنانة و أصله اللزوم و أصله من أبنت السحابة إبنانا إذا لزمت قال الشاعر :
ألا ليتني قطعت منه بنانه
و لاقيته في البيت يقظان خادرا الشقاق العصيان و أصله الانفصال يقال شقه فانشق و شاقه شقاقا إذا صار في شق عدوه عليه و منه اشتقاق الكلام لأنه انفصال الكلمة عما تحتمل في الأصل .

الإعراب

العامل في إذ من قوله « إذ تستغيثون » قوله و يبطل الباطل و قيل محذوف و تقديره و اذكروا إذ فعلى الوجه الأول يكون متصلا بما قبله و على الوجه الثاني يكون مستأنفا و الهاء في جعله عائدة إلى الأمداد لأنه معتمد الكلام و قيل عائدة إلى الخبر بالمدد لأن تقديم ذلك إليهم بشارة على الحقيقة و قيل عائدة إلى الإرداف و « أمنة » انتصب بأنه مفعول له و العامل فيه يغشى « إذ يوحي » في موضع نصب على معنى و ما جعله الله إلا بشرى في ذلك الوقت و يجوز أن يكون ذلك على تقدير و اذكروا إذ يغشيكم النعاس و إذ يوحي ، « ذلكم فذوقوه » تقديره
مجمع البيان ج : 4 ص : 807
لأمر ذلكم فيكون خبر مبتدإ محذوف فيكون كما قال الشاعر :
و قائلة خولان فانكح فتاتهم
و أكرومة الحيين خلو كما هيأ أي هذه خولان و يجوز أن يكون ذلكم منصوب الموضع فيكون مثل قولهم زيدا فاضربه منصوبا بفعل مضمر يفسره الظاهر و كم في ذلكم لا موضع له من الإعراب لأنه حرف الخطاب و « أن للكافرين » يحتمل أن يكون موضعه نصبا و جرا و رفعا فالرفع بالعطف على ذلكم فكأنه قال الأمر ذلكم و أن للكافرين عذاب النار مع ذا و النصب بالعطف على قوله إني معكم و معناه إذ يوحي ربكم أن للكافرين و الجر على أن يكون معطوفا على قوله بأنهم شاقوا الله و الرفع أليق بالظاهر و يشاقق بإظهار التضعيف مع الجزم لغة أهل الحجاز و غيرهم يدغم .

النزول

قال ابن عباس لما كان يوم بدر و اصطف القوم للقتال قال أبو جهل اللهم أولانا بالنصر فانصره و استغاث المسلمون فنزلت الملائكة و نزل قوله « إذ تستغيثون ربكم » إلى آخره و قيل إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما نظر إلى كثرة عدد المشركين و قلة عدد المسلمين استقبل القبلة و قال اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فما زال يهتف ربه مادا يديه حتى سقط رداؤه من منكبيه فأنزل الله تعالى « إذ تستغيثون ربكم » الآية عن عمر بن الخطاب و السدي و أبي صالح و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال و لما أمسى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و جنه الليل ألقى الله على أصحابه النعاس و كانوا قد نزلوا في موضع كثير الرمل لا يثبت فيه قدم فأنزل الله عليهم المطر رذاذا حتى لبد الأرض و ثبت أقدامهم و كان المطر على قريش مثل العزالي و ألقى الله في قلوبهم الرعب كما قال الله تعالى « سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب » .

المعنى

ثم ذكر سبحانه ما آتى المسلمين من النصر فقال « إذ تستغيثون ربكم » أي تستجيرون بربكم يوم بدر من أعدائكم و تسألونه النصر عليهم لقلتكم و كثرتهم فلم يكن لكم مفزع إلا التضرع إليه و الدعاء له في كشف الضر عنكم و الاستغاثة طلب المعونة و الغوث و قيل معناه تستنصرونه و الفرق بين المستنصر و المستجير أن المستنصر طالب الظفر
مجمع البيان ج : 4 ص : 808
و المستجير طالب الخلاص « فاستجاب لكم » و الاستجابة هي العطية على موافقة المسألة فمعناه فأغاثكم و أجاب دعاءكم « أني ممدكم » أي مرسل إليكم مددا لكم « بألف من الملائكة مردفين » أي متبعين ألفا آخر من الملائكة لأن مع كل واحد منهم ردفا له عن الجبائي و قيل معناه مترادفين متتابعين و كانوا ألفا بعضهم في إثر بعض عن ابن عباس و قتادة و السدي و قيل معناه بألف من الملائكة جاءوا على إثر المسلمين عن أبي حاتم « إلا بشرى و لتطمئن به قلوبكم » معناه و ما جعله الله الأمداد بالملائكة إلا بشرى لكم بالنصر و لتسكن به قلوبكم و تزول الوسوسة عنها و إلا فملك واحد كاف للتدمير عليهم كما فعل جبريل (عليه السلام) بقوم لوط فأهلكهم بريشة واحدة و اختلف في أن الملائكة هل قاتلت يوم بدر أم لا فقيل ما قاتلت و لكن شجعت و كثرت سواد المسلمين و بشرت بالنصر عن الجبائي و قيل إنها قاتلت قال مجاهد إنما أمدهم بألف مقاتل من الملائكة فأما ما قاله سبحانه في آل عمران بثلاثة آلاف و بخمسة آلاف فإنه للبشارة و قد ذكرنا هناك ما قيل فيه و روي عن ابن مسعود أنه سأله أبو جهل من أين كان يأتينا الضرب و لا نرى الشخص قال من قبل الملائكة فقال هم غلبونا لا أنتم و عن ابن عباس أن الملائكة قاتلت يوم بدر و قتلت « و ما النصر إلا من عند الله » معناه أنه لم يكن النصر من قبل الملائكة و إنما كان من قبل الله لأنهم عباده ينصر بهم من يشاء كما ينصر بغيرهم و يحتمل أن يكون المعنى ما النصر بكثرة العدد و لكن النصر من عند الله ينصر من يشاء قل العدد أم كثر « إن الله عزيز » لا يمنع عن مراده « حكيم » في أفعاله يجريها على ما تقتضيه الحكمة « إذ يغشيكم النعاس » قد ذكرنا تفسيره عند قوله ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا و النعاس أول النوم قبل أن يثقل « أمنة » أي أمانا « منه » أي من العدو و قيل من الله فإن الإنسان لا يأخذه النوم في حال الخوف ف آمنهم الله تعالى بزوال الرعب عن قلوبهم كما يقال الخوف مسهر و الأمن منيم و الأمنة الدعة التي تنافي المخافة و أيضا فإنه قواهم بالاستراحة على القتال من العدو « و ينزل عليكم من السماء ماء » أي مطرا « ليطهركم به » و ذلك لأن المسلمين قد سبقهم الكفار إلى الماء فنزلوا على كثيب رمل و أصبحوا محدثين و مجنبين و أصابهم الظمأ و وسوس إليهم الشيطان فقال إن عدوكم قد سبقكم إلى الماء و أنتم تصلون مع الجنابة و الحدث و تسوخ أقدامكم في الرمل فمطرهم الله حتى اغتسلوا به من الجنابة و تطهروا به من الحدث و تلبدت به أرضهم و أوحلت أرض عدوهم « و يذهب عنكم رجز الشيطان » أي وسوسته بما مضى ذكره عن ابن عباس و قيل معناه و يذهب عنكم وسوسته بقوله ليس لكم بهؤلاء طاقة عن ابن زيد و قيل معناه و يذهب عنكم
مجمع البيان ج : 4 ص : 809
الجنابة التي أصابتكم بالاحتلام « و ليربط على قلوبكم » أي و ليشد على قلوبكم و معناه يشجع قلوبكم و يزيدكم قوة قلب و سكون نفس و ثقة بالنصر « و يثبت به الأقدام » أي أقدامكم في الحرب بتلبد الرمل عن ابن عباس و مجاهد و جماعة و قيل بالصبر و قوة القلب عن أبي عبيدة و الهاء في به ترجع إلى الماء المنزل و قيل إلى ما تقدم من الربط على القلوب « إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم » يعني الملائكة الذين أمد بهم المسلمين أي أني معكم بالمعونة و النصرة كما يقال فلان مع فلان على فلان و الإيحاء إلقاء المعنى على النفس من وجه يخفى و قد يكون بنصب دليل يخفى إلا على من ألقى إليه من الملائكة « فثبتوا الذين آمنوا » يعني بشروهم بالنصر و كان الملك يسير أمام الصف في صورة الرجل و يقول أبشروا فإن الله ناصركم عن مقاتل و قيل معناه قاتلوا معهم المشركين عن الحسن و قبل ثبتوهم بأشياء تلقونها في قلوبهم يقوون بها عن الزجاج « سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب » أي الخوف من أوليائي « فاضربوا فوق الأعناق » يعني الرؤوس لأنها فوق الأعناق قال عطا يريد كل هامة و جمجمة و جائز أن يكون هذا أمرا للمؤمنين و جائز أن يكون أمرا للملائكة و هو الظاهر قال ابن الأنباري إن الملائكة حين أمرت بالقتال لم تعلم أين تقصد بالضرب من الناس فعلمهم الله تعالى « و اضربوا منهم كل بنان » يعني الأطراف من اليدين و الرجلين عن ابن عباس و ابن جريج و السدي و قيل يعني أطراف الأصابع اكتفى الله به عن جملة اليد و الرجل عن ابن الأنباري « ذلك بأنهم شاقوا الله و رسوله » معناه ذلك العذاب لهم و الأمر بضرب الأعناق و الأطراف و تمكين المسلمين منهم بسبب أنهم خالفوا الله و رسوله قال ابن عباس معناه حاربوا الله و رسوله ثم أوعد المخالف فقال « و من يشاقق الله و رسوله فإن الله شديد العقاب » في الدنيا بالإهلاك و في الآخرة بالتخليد في النار « ذلكم فذوقوه » أي هذا الذي أعددت لكم من الأمر و القتل في الدنيا فذوقوه عاجلا « و أن للكافرين » آجلا في المعاد « عذاب النار » قال الحسن ذلكم حكم الله فذوقوه في الدنيا و أن لكم و لسائر الكافرين في الآخرة عذاب النار و معناه كونوا للعذاب كالذائق للطعام و هو طالب إدراك الطعم بتناول السير بالفم لأن معظم العذاب بعده .

[ تمام القصة ]

و لما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر عبا أصحابه فكان في عسكره فرسان فرس للزبير بن
مجمع البيان ج : 4 ص : 810
العوام و فرس للمقداد بن الأسود و كان في عسكره سبعون جملا كانوا يتعاقبون عليها و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و علي بن أبي طالب (عليه السلام) و مرثد بن أبي مرثد الغنوي يتعاقبون على جمل لمرثد بن أبي مرثد و كان في عسكر قريش أربعمائة فرس و قيل مائتا فرس فلما نظرت قريش إلى قلة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال أبو جهل ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذا باليد فقال عتبة بن ربيعة أ ترى لهم كمينا أو مددا فبعثوا عمير بن وهب الجمحي و كان فارسا شجاعا فجال بفرسه حتى طاف على عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم رجع فقال ليس لهم كمين و لا مدد و لكن نواضح يثرب قد حملت الموت الناقع أ ما ترونهم خرسا لا يتكلمون و يتلمظون تلمظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلا سيوفهم و ما أراهم يولون حتى يقتلوا و لا يقتلون حتى يقتلوا بعددهم فارتئوا رأيكم فقال له أبو جهل كذبت و جنبت فأنزل الله تعالى « و إن جنحوا للسلم فاجنح لها » فبعث إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال يا معشر قريش إني أكره أن أبدأ بكم فخلوني و العرب و ارجعوا فقال عتبة ما رد هذا قوم قط فأفلحوا ثم ركب جملا له أحمر فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو يجول بين العسكرين و ينهى عن القتال فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن يك عند أحد خير فعند صاحب الجمل الأحمر و إن يطيعوه يرشدوا و خطب عتبة فقال في خطبته يا معشر قريش أطيعوني اليوم و اعصوني الدهر إن محمدا له إل و ذمة و هو ابن عمكم فخلوه و العرب فإن يك صادقا فأنتم أعلى عينا به و إن يك كاذبا كفتكم ذؤبان العرب أمره فغاظ أبا جهل قوله و قال له جنبت و انتفخ سحرك فقال يا مصفر استه مثلي يجبن و ستعلم قريش أينا ألأم و أجبن و أينا المفسد لقومه و لبس درعه و تقدم هو و أخوه شيبة و ابنه الوليد و قال يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش فبرز إليهم ثلاثة نفر من الأنصار و انتسبوا لهم فقالوا ارجعوا إنما نريد الأكفاء من قريش فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب و كان له يومئذ سبعون سنة فقال قم يا عبيدة و نظر إلى حمزة فقال قم يا عم ثم نظر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال قم يا علي و كان أصغر القوم فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم فقد جاءت قريش بخيلائها و فخرها تريد أن تطفىء نور الله و يأبى الله إلا أن يتم نوره ثم قال يا عبيدة عليك بعتبة بن ربيعة و قال لحمزة عليك بشيبة و قال لعلي (عليه السلام) عليك بالوليد فمروا حتى انتهوا إلى القوم فقالوا أكفاء كرام فحمل عبيدة على عتبة فضربه على رأسه ضربة فلقت هامته و ضرب عتبة عبيدة على ساقه فأطنها فسقطا جميعا و حمل شيبة على حمزة فتضاربا بالسيفين حتى انثلما
مجمع البيان ج : 4 ص : 811
و حمل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على الوليد فضربه على حبل عاتقه فأخرج السيف من إبطه قال علي لقد أخذ الوليد يمينه بيساره فضرب بها هامتي فظننت أن السماء وقعت على الأرض ثم اعتنق حمزة و شيبة فقال المسلمون يا علي أ ما ترى أن الكلب قد نهز عمك فحمل عليه علي (عليه السلام) ثم قال يا عم طأطىء رأسك و كان حمزة أطول من شيبة فأدخل حمزة رأسه في صدره فضربه علي فطرح نصفه ثم جاء إلى عتبة و به رمق فأجهز عليه و في رواية أخرى أنه برز حمزة لعتبة و برز عبيدة لشيبة و برز علي (عليه السلام) للوليد فقتل حمزة عتبة و قتل عبيدة شيبة و قتل علي (عليه السلام) الوليد فضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها فاستنفذه حمزة و علي و حمل عبيدة حمزة و علي حتى أتيا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاستعبر فقال يا رسول الله أ لست شهيدا قال بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي و قال أبو جهل لقريش لا تعجلوا و لا تبطروا كما بطر أبناء ربيعة عليكم بأهل يثرب فاجزروهم جزرا و عليكم بقريش فخذوهم أخذا حتى ندخلهم مكة فنعرفهم ضلالتهم التي هم عليها و جاء إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جشعم فقال لهم أنا جار لكم ادفعوا إلي رايتكم فدفعوا إليه راية الميسرة و كانت الراية مع بني عبد الدار فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال لأصحابه غضوا أبصاركم و عضوا على النواجذ و رفع يده فقال يا رب إن تهلك هذه العصابة لا تعبد ثم أصابه الغشي فسري عنه و هو يسلت العرق عن وجهه فقال هذا جبرائيل قد أتاكم بألف من الملائكة مردفين و روى أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال لقد رأينا يوم بدر أن أحدنا يشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه من جسده قبل أن يصل إليه السيف قال ابن عباس حدثني رجل من بني غفار قال أقبلت أنا و ابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر و نحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة فبينا نحن هناك إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها جمجمة الخيل فسمعت قائلا يقول أقدم حيزوم ثم قال فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه و أما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت و روى عكرمة عن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يوم بدر هذا جبرائيل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب أورده البخاري في الصحيح قال عكرمة قال أبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب و كان الإسلام قد دخلنا أهل البيت و أسلمت أم الفضل و أسلمت و كان العباس يهاب قومه و يكره أن يخالفهم و كان يكتم إسلامه و كان ذا مال كثير متفرق في قومه و كان أبو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر و بعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة و كذلك صنعوا لم
مجمع البيان ج : 4 ص : 812
يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلا فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كتبه الله و أخزاه و وجدنا في أنفسنا قوة و عزا قال و كنت رجلا ضعيفا و كنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم فو الله إني لجالس فيها أنحت القداح و عندي أم الفضل جالسة و قد سرنا ما جاءنا من الخبر إذا أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري فبينا هو جالس إذ قال الناس هذا أبو سفيان بن حرث بن عبد المطلب و قد قدم فقال أبو لهب هلم إلي يا ابن أخي فعندك الخبر فجلس إليه و الناس قيام عليه فقال يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس قال لا شيء و لله إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا و يأسروننا كيف شاءوا و أيم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء و الأرض ما تليق شيئا و لا يقوم لها شيء قال أبو رافع فرفعت طرف الحجرة بيدي ثم قلت تلك الملائكة قال فرفع أبو لهب يده و ضرب وجهي ضربة شديدة فثاورته و احتملني فضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني و كنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته ضربة فلقت رأسه شجة منكرة و قالت تستضعفه إن غاب عنه سيده فقام موليا ذليلا فو الله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتله و لقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثا ما يدفنانه حتى أنتن في بيته و كانت قريش تتقي العدسة كما يتقي الناس الطاعون حتى قال لهما رجل من قريش ويحكما أ لا تستحيان أن أباكما قد أنتن في بيته لا تغيبانه فقالا إنا نخشى هذه القرحة قال فانطلقا فإنا معكما فما غسلوه إلا قذفا بالماء عليه من بعيد ما يمسونه ثم احتملوه فدفنوه بأعلى مكة إلى جدار و قذفوا عليه بالحجارة حتى واروه و روى مقسم عن ابن عباس قال كان الذي أسر العباس أبا اليسر كعب بن عمرو أخا بني سلمة و كان أبو اليسر رجلا مجموعا و كان العباس رجلا جسيما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأبي اليسر كيف أسرت العباس يا أبا اليسر فقال يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك و لا بعده هيأته كذا و كذا فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لقد أعانك عليه ملك كريم .

مجمع البيان ج : 4 ص : 813
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ(15) وَ مَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئذ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِّقِتَال أَوْ مُتَحَيزاً إِلى فِئَة فَقَدْ بَاءَ بِغَضب مِّنَ اللَّهِ وَ مَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْس المَْصِيرُ(16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَ مَا رَمَيْت إِذْ رَمَيْت وَ لَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَ لِيُبْلىَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسناً إِنَّ اللَّهَ سمِيعٌ عَلِيمٌ(17)

اللغة

اللقاء الاجتماع على وجه المقاربة لأن الاجتماع قد يكون على غير وجه المقاربة فلا يكون لقاء كاجتماع الأعراض في المحل الواحد و الزحف الدنو قليلا قليلا و التزاحف التداني يقال زحف يزحف زحفا و أزحفت للقوم إذا دنوت لقتالهم و ثبت لهم قال الليث الزحف جماعة يزحفون إلى عدو لهم بمرة و جمعه زحوف و التولية جعل الشيء يلي غيره يقال ولاه دبره إذا جعله يليه فهو يتعدى إلى مفعولين و منه ولاه البلد من ولاية الإمارة و تولى هو إذا قبل الولاية و أولاه نعمة لأنه جعلها تليه و التحرف الزوال عن جهة الاستواء إلى جهة الحرف و منه الاحتراف و هو أن يقصد جهة الحرف لطلب الرزق و المحارف المحدود عن جهة الرزق إلى جهة الحرف و منه حروف الهجاء لأنها أطراف الكلمة كحرف الجبل و نحوه و التحيز طلب حيز يتمكن فيه و الحيز المكان الذي فيه الجوهر و الفئة القطعة من الناس و هي جماعة منقطعة عن غيرها و ذكر الفئة في هذا الموضع حسن جدا و هو من فأوت رأسه بالسيف إذا قطعته .

الإعراب

زحفا نصب على المصدر و هو في موضع الحال لأن معناه متزاحفين مجتمعين و متحرفا متحيزا منصوبان على الحال أيضا و يجوز أن يكون النصب فيهما على الاستثناء أي إلا أن يكون رجلا متحيزا أو أن يكون منفردا فينحاز ليكون مع المقاتلة و يومئذ يجوز إعرابه و بناؤه فالأعراب لأنه متمكن أضيف على تقدير الإضافة الحقيقية كقولك هذا يوم ذاك و أما البناء فلأنه أضيف إلى مبني إضافة غير حقيقية فأشبه الأسماء المركبة .

المعنى

لما أمد الله سبحانه المسلمين بالملائكة و وعدهم النصر و الظفر بالكفار نهاهم عقبيه عن الفرار فقال سبحانه « يا أيها الذين آمنوا » قيل أنه خطاب لأهل بدر و قيل هو عام « إذا لقيتم الذين كفروا زحفا » أي متدانين لقتالكم قال الزجاج معناه إذا واقفتموهم للقتال « فلا تولوهم الأدبار » يعني فلا تجعلوا ظهوركم مما يليهم أي فلا تنهزموا « و من يولهم يومئذ دبره » أي و من يجعل ظهره إليهم يوم القتال و وجهه إلى جهة الانهزام و أراد بقوله « يومئذ » ذلك الوقت و لم يرد به بياض النهار خاصة دون الليل « إلا متحرفا لقتال » أي إلا تاركا موقفا إلى موقف آخر أصلح للقتال من الأول عن الحسن و قيل معناه إلا منعطفا مستطردا كأنه
مجمع البيان ج : 4 ص : 814
يطلب عورة يمكنه أصابتها فيتحرف عن وجهه و يرى أنه يفر ثم يكر و الحرب كر و فر المسلمين يريدون العود إلى القتال ليستعين بهم « فقد باء بغضب من الله » أي احتمل غضب الله و استحقه و قيل رجع بغضب من الله « و مأواه جهنم » أي مرجعه إلى جهنم « و بئس المصير » و أكثر المفسرين على أن هذا الوعيد خاص بيوم بدر خاصة و لم يكن لهم يومئذ أن ينحازوا لأنه لم يكن يومئذ في الأرض فئة للمسلمين فأما بعد ذلك فإن المسلمين بعضهم فئة لبعض و هو قول أبي سعيد الخدري و ابن عباس في رواية الكلبي و الحسن و قتادة و الضحاك و وردت الرواية عن ابن عمر قال بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في سرية فلقوا العدو فجاض الناس جيضة و أتينا المدينة فتخبانا بها و قلنا يا رسول الله نحن الفرارون فقال بل أنتم العكارون و أنا فئتكم و قيل إنه عام في جميع الأوقات و إن من فر من الزحف إذا لم يزيدوا على ضعفي المسلمين لحقه الوعيد عن ابن عباس في رواية أخرى و هو قول الجبائي و أبي مسلم ثم نفى سبحانه أن يكون المسلمون قتلوا المشركين يوم بدر فقال « فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم » و إنما نفى الفعل عمن هو فعله على الحقيقة و نسبه إلى نفسه و ليس بفعل له من حيث كانت أفعاله تعالى كالسبب لهذا الفعل و المؤدي إليه من إقداره إياهم و معونته لهم و تشجيع قلوبهم و إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم و المشركين حتى قتلوا « و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى » خطاب للنبي ذكر جماعة من المفسرين كابن عباس و غيره أن جبرائيل (عليه السلام) قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر خذ قبضة من تراب فارمهم بها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لما التقى الجمعان لعلي أعطني قبضة من حصا الوادي فناوله كفا من حصا عليه تراب فرمى به في وجوه القوم و قال شاهت الوجوه فلم يبق مشرك إلا دخل في عينه و فمه و منخريه منها شيء ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم و يأسرونهم و كانت تلك الرمية سبب هزيمة القوم و قال قتادة و أنس ذكر لنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم و حصاة في ميسرة القوم و حصاة بين أظهرهم و قال شاهت الوجوه فانهزموا فعلى هذا إنما أضاف الرمي إلى نفسه لأنه لا يقدر أحد غيره على مثله فإنه من عجائب المعجزات « و ليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا » أي و لينعم عليهم به نعمة حسنة أي فعل ذلك إنعاما على المؤمنين و الضمير في منه راجع إلى النصر أي من ذلك النصر و يجوز أن يكون راجعا إلى الله تعالى « إن الله سميع » لدعائكم « عليم » بأفعالكم و ضمائركم و إنما
مجمع البيان ج : 4 ص : 815
يقال للنعمة بلاء كما يقال للمضرة بلاء لأن أصل البلاء ما يظهر به الأمر من الشكر و الصبر فيبتلي سبحانه عباده أي يختبرهم بالنعم ليظهر شكرهم عليها و بالمحن و الشدائد ليظهر عندها الصبر الموجب للأجر و البلاء الحسن هاهنا هو النصر و الغنيمة و الأجر و المثوبة .

النظم

و قيل في وجه اتصال هذه الآية بما قبلها وجهان ( أحدهما ) أنه سبحانه لما أمرهم بالقتال في الآية المتقدمة ذكر عقبيها أن ما كان من الفتح يوم بدر و قهر المشركين إنما كان بنصرته و معونته تذكير للنعمة عن أبي مسلم ( و الآخر ) أنهم لما أمروا بالقتال ثم كان بعضهم يقول أنا قتلت فلانا و أنا فعلت كذا نزلت الآية على وجه التنبيه لهم لئلا يعجبوا بأعمالهم .
ذَلِكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَفِرِينَ(18) إِن تَستَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكمُ الْفَتْحُ وَ إِن تَنتهُوا فَهُوَ خَيرٌ لَّكُمْ وَ إِن تَعُودُوا نَعُدْ وَ لَن تُغْنىَ عَنكمْ فِئَتُكُمْ شيْئاً وَ لَوْ كَثرَت وَ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ(19) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسولَهُ وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ أَنتُمْ تَسمَعُونَ(20) وَ لا تَكُونُوا كالَّذِينَ قَالُوا سمِعْنَا وَ هُمْ لا يَسمَعُونَ(21)

القراءة

قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو و يعقوب برواية روح موهن بالتشديد غير منون ، « كيد » بالجر على الإضافة و قرأ الباقون موهن بالتنوين و التخفيف ، كيد بالنصب و قرأ حفص عن عاصم « موهن » بالتخفيف ، كيد بالنصب و قرأ أهل المدينة و ابن عامر و حفص « و أن الله مع المؤمنين » بفتح الألف و الباقون بكسر الألف .

الحجة

من قرأ « موهن » فإنه من أوهنته أي جعلته واهنا و من شدد فإنه من وهنته كما يقال فرح و فرحته و كلاهما حسن و من قرأ و إن الله بكسر الهمزة فإنه قطعه مما قبله و يقويه
مجمع البيان ج : 4 ص : 816
أنهم زعموا أن في حرف عبد الله و الله مع المؤمنين و من فتح الهمزة فوجهه أن يكون على تقدير و لأن الله مع المؤمنين أي لذلك لن تغني عنكم فئتكم .

اللغة

الاستفتاح طلب الفتح و هو النصر الذي تفتح به بلاد العدو و الفتح أيضا الحكم و يقال للقاضي الفتاح و أصل الباب من الفتح الذي هو ضد الأغلاق و الانتهاء ترك الفعل لأجل النهي عنه يقال نهيته فانتهى و أمرته فائتمر .

الإعراب

ذلكم موضعه رفع و كذلك أن الله في موضع رفع و التقدير الأمر ذلكم و الأمر أن الله موهن و كذلك الوجه فيما تقدم من قوله « ذلكم فذوقوه و أن للكافرين عذاب النار » و من قال أن ذلكم مبتدأ و فذوقوه خبره فقد أخطأ لأن ما بعد الفاء لا يكون خبر المبتدأ و لا يجوز زيد فمنطلق و لا زيد فاضربه إلا أن تضمر هذا ، تريد هذا زيد فاضربه .

المعنى

« ذلكم » إشارة إلى بلاء المؤمنين خاطبهم سبحانه بعد أن أخبر عنهم و معناه الأمر ذلكم الإنعام أو ذلكم الذي ذكرت « و أن الله موهن كيد الكافرين » بإلقاء الرعب في قلوبهم و تفريق كلمتهم قال ابن عباس يقول إني قد أوهنت كيد عدوكم حتى قتلت جبابرتهم و أسرت أشرافهم « إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح » قيل أنه خطاب للمشركين فإن أبا جهل قال يوم بدر حين التقى الفئتان اللهم أقطعنا للرحم و أتانا بما لا نعرف فانصر عليه عن الحسن و مجاهد و الزهري و الضحاك و السدي و في حديث أبي حمزة قال أبو جهل اللهم ربنا ديننا القديم و دين محمد الحديث فأي الدينين كان أحب إليك و أرضى عندك فانصر أهله اليوم و على هذا فيكون معناه إن تستنصروا لأهدى الفئتين فقد جاءكم النصر أي نصر محمد و أصحابه و قيل أنه خطاب للمؤمنين عن عطا و أبي علي الجبائي و معناه أن تستنصروا على أعدائكم فقد جاءكم النصر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال الزجاج و يجوز أن يكون معناه أن تستحكموا و تستقضوا فقد جاءكم القضاء و الحكم من الله « و إن تنتهوا » أي تمتنعوا من الكفر و قتال الرسول و المؤمنين « فهو خير لكم و إن تعودوا نعد » معناه و أن تعودوا أيها المشركون إلى قتال المسلمين نعد بأن ننصرهم عليكم و نأمرهم بقتالكم « و لن تغني عنكم فئتكم شيئا » أي و لن تدفع عنكم جماعتكم شيئا « و لو كثرت و أن الله مع المؤمنين » بالنصر و الحفظ يمكنهم منكم و ينصرهم عليكم عن جماعة من المفسرين
مجمع البيان ج : 4 ص : 817
و قيل معناه و إن تنتهوا أيها المسلمون عما كان منكم في الغنائم و في الأسارى من مخالفة الرسول فهو خير لكم و إن تعودوا إلى ذلك الصنيع نعد إلى الإنكار عليكم و ترك نصرتكم و لن يغني عنكم حينئذ جمعكم شيئا إذ منعناكم النصر عن عطا و الجبائي ثم أمر سبحانه بالطاعة التي هي سبب النصرة فقال « يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و رسوله » خص المؤمنين بطاعة الله و رسوله و إن كانت واجبة على غيرهم أيضا لأنه لم يعتد بغيرهم لإعراضهم عما وجب عليهم و يجوز أن يكون إنما خصهم إجلالا لقدرهم و يدخل غيرهم فيه على طريق التبع « و لا تولوا عنه » أي و لا تعرضوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و أنتم تسمعون » دعاءه لكم و أمره و نهيه إياكم عن ابن عباس و قيل معناه و أنتم تسمعون الحجة الموجبة لطاعة الله و طاعة الرسول عن الحسن « و لا تكونوا كالذين قالوا سمعنا و هم لا يسمعون » في الكلام حذف و معناه و لا تكونوا كهم في قولهم هذا المنكر فحذف المنهي عنه لدلالة الحال عليه و في ذلك غاية البلاغة و معنى قولهم سمعنا و هم لا يسمعون أنهم سمعوه سماع عالم قابل له و ليسوا كذلك و السماع بمعنى القبول كما في قوله سمع الله لمن حمده و هؤلاء الكفار هم المنافقون عن ابن إسحاق و مقاتل و ابن جريج و الجبائي و قيل هم أهل الكتاب من اليهود و قريظة و النظير عن ابن عباس و الحسن و قيل أنهم مشركو العرب لأنهم قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا عن ابن زيد .
* إِنَّ شرَّ الدَّوَاب عِندَ اللَّهِ الصمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ(22) وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيراً لأَسمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّ هُم مُّعْرِضونَ(23)

اللغة

الشر إظهار السوء الذي يبلغ من صاحبه و هو نقيض الخير و قيل الشر الضرر القبيح و الخير النفع الحسن و قيل الشر الضرر الشديد و الخير النفع الكثير و هذا ليس بالوجه لأنه قد يكون ضررا ما لا يكون شرا بأن يعقب خيرا و أصل الشر الإظهار من قوله :
إذا قيل أي الناس شر قبيلة
أشارت كليب بالأكف الأصابع
مجمع البيان ج : 4 ص : 818
و الدواب جمع دابة و هي ما دب على وجه الأرض إلا أنه تختص في العرف بالخيل .

المعنى

ثم ذم سبحانه الكفار فقال « إن شر الدواب » أي شر من دب على وجه الأرض من الحيوان « عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون » يعني هؤلاء المشركين الذين لم ينتفعوا بما يسمعون من الحق و لا يتكلمون به و لا يعتقدونه و لا يقرون به فكأنهم صم بكم لا يتفكرون أيضا فيما يسمعون فكأنهم لم ينتفعوا بعقولهم أيضا و صاروا كالدواب و قال الباقر (عليه السلام) نزلت الآية في بني عبد الدار لم يكن أسلم منهم غير مصعب بن عمير و حليف لهم يقال له سويبط و قيل نزلت الآية في النضر بن الحارث بن كلدة من بني عبد الدار بن قصي « و لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم » معناه و لو علم الله فيهم قبولا للهدى و إقبالا على طلب الحق لأسمعهم ما يذهبون عن استماعه عن الحسن و قيل معناه لأسمعهم الجواب عن كل ما سألوا عنه عن الزجاج و قيل معناه لأسمعهم قول قصي بن كلاب فإنهم قالوا أحي لنا قصي إن كلاب ليشهد بنبوتك عن الجبائي « و لو أسمعهم لتولوا و هم معرضون » أي لأعرضوا و في هذا دلالة على أن الله تعالى لا يمنع أحدا من المكلفين اللطف و إنما لا يلطف لمن يعلم أنه لا ينتفع به .
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا استَجِيبُوا للَّهِ وَ لِلرَّسولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يحْيِيكمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يحُولُ بَينَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تحْشرُونَ(24) وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبنَّ الَّذِينَ ظلَمُوا مِنكُمْ خَاصةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شدِيدُ الْعِقَابِ(25)

القراءة

قرأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و زيد بن ثابت و أبو جعفر الباقر (عليه السلام) و الربيع بن أنس و أبو العالية لتصبن و القراءة المشهورة « لا تصيبن » .

الحجة

قال ابن جني معنى هاتين القراءتين ضدان كما ترى لأن إحداهما لتصيبن الذين ظلموا خاصة و الأخرى لا تصيبنهم و يمكن أن يكون حذفت الألف من لا تصيبن تخفيفا و اكتفي بالفتحة منها كما قالوا أم و الله ليكونن كذا فحذفوا ألف أما و ذهب أبو عثمان في قوله
مجمع البيان ج : 4 ص : 819
يا أبت بفتح التاء أنه أراد يا أبتا فحذف الألف تخفيفا فإن قلت فهل يجوز أن نحمله على أنه أراد لتصيبن ثم أشبع الفتحة فأنشأ عنها ألفا كقول عنترة :
ينباع من ذفري غضوب جسرة أراد ينبع و مثله قول ابن هرمة :
فأنت من الغوائل حين ترمي
و من ذم الرجال بمنتزاح أي بمنتزح قيل قوله تعالى فيما يليه « و اعلموا أن الله شديد العقاب » أشبه بما ذكرناه و أما الوجه في قوله « لا تصيبن » فقد قال الزجاج زعم بعض النحويين إن هذا الكلام جزاء خبر و فيه طرف من النهي فإذا قلت أنزل عن الدابة لا تطرحك أو لا تطرحنك فهذا جواب الأمر بلفظ النهي و المعنى أنزل أن تنزل عنه لا تطرحك فإذا أتيت بالنون الخفيفة أو الثقيلة كان أوكد للكلام و مثله قوله تعالى « يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان » و المعنى إن تدخلوا لا يحطمنكم و يجوز أن يكون نهيا بعد أمر فيكون المعنى اتقوا فتنة ثم نهى بعده فقال « لا تصيبن » الفتنة « الذين ظلموا » أي لا تتعرضن الذين ظلموا لما ينزل بهم معه العذاب و يكون بمعنى يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم أنها أمرت بالدخول ثم نهتهم أن يحطمنهم سليمان فقالت لا يحطمنكم سليمان و جنوده فلفظ النهي لسليمان و معناه للنمل كما تقول لا أرينك هاهنا قال أبو علي أنه حكى القول الأول على جهة احتمال الآية كاحتمالها للقول الثاني فأما القول الثاني فقول أبي الحسن و لا يصح عندنا إلا قول أبي الحسن لأن قوله « لا تصيبن » لا يخلو إما أن يكون جواب شرط و لا يجوز ذلك لأن دخول النون فيه يكون لضرورة الشعر كما أنشده سيبويه :
و مهما تشأ منه فزارة تمنعن و أما أن يكون نهيا بعد أمر فاستغنى عن استعمال حرف العطف معه لاتصال الجملة الثانية بالأولى كما مضى ذكر أمثاله من قوله « ثلاثة رابعهم كلبهم و أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون » و هذا هو الصحيح دون الأول قال و محال أن يكون جواب الأمر بلفظ النهي كما يستحيل أن يكون جواب الشرط بلفظ النهي لأن جواب الأمر في الحقيقة جواب الشرط و لا يجوز أيضا أن يكون اللفظ لفظ النهي و المعنى معنى الجزاء لأن الجزاء خبر فحكمه أن يكون على ألفاظ الأخبار و ألفاظ الأخبار لا تجيء على لفظ الأمر إلا فيما علمته من قولهم أكرم به و مما يدل على أنه ليس
مجمع البيان ج : 4 ص : 820
بجزاء دخول النون فيه و النون لا تدخل في الجزاء لما ذكرنا أنه خبر و لا يجوز دخول النون في الخبر إلا في ضرورة الشعر نحو :
ربما أوفيت في علم
ترفعن ثوبي شمالات .

المعنى

ثم أمر سبحانه بطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله و للرسول » أي أجيبوا الله و الرسول فيما يأمرانكم به فإجابة الله و الرسول طاعتهما فيما يدعوان إليه « إذا دعاكم لما يحييكم » قيل فيه أقوال ( أحدها ) إن معناه إذا دعاكم إلى الجهاد و اللام في معنى إلى قال القتيبي هو الشهادة فإن الشهداء أحياء عند الله تعالى و قال الجبائي أي دعاكم إلى إحياء أمركم و إعزاز دينكم بجهاد عدوكم مع نصر الله إياكم و هو معنى قول الفراء ( و ثانيها ) إن معناه إذا دعاكم إلى الإيمان فإنه حياة القلب و الكفر موته عن السدي و قيل إلى الحق عن مجاهد ( و ثالثها ) إن معناه إذا دعاكم إلى القرآن و العلم في الدين لأن الجهل موت و العلم حياة و القرآن سبب الحياة بالعلم و فيه النجاة و العصمة عن قتادة ( و رابعها ) إن معناه إذا دعاكم إلى الجنة لما فيها من الحياة الدائمة و نعيم الأبد عن أبي مسلم « و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه » أي يحول بين المرء و بين الانتفاع بقلبه بالموت فلا يمكنه استدراك ما فأت فبادروا إلى الطاعات قبل الحيلولة و دعوا التسويف عن الجبائي قال و فيه حث على الطاعة قبل حلول المانع و قيل معناه أنه سبحانه أقرب إليه من قلبه و هو نظير قوله و نحن أقرب إليه من حبل الوريد فإن الحائل بين الشيء و غيره أقرب إلى ذلك الشيء من ذلك الغير عن الحسن و قتادة قالا و فيه تحذير شديد و قيل معناه أنه سبحانه يملك تقليب القلوب من حال إلى حال كما جاء في الدعاء يا مقلب القلوب و الأبصار فكأنهم خافوا من القتال فأعلمهم سبحانه أنه يبدل خوفهم أمنا بأن يحول بينهم و بين ما يتفكرون فيه من أسباب الخوف و روى يونس بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال أنه يحول بين المرء و قلبه معناه لا يستيقن القلب أن الحق باطل أبدا و لا يستيقن القلب أن الباطل حق أبدا و روى هشام بن سالم عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال معناه يحول بينه و بين أن يعلم أن الباطل حق أوردهما العياشي في تفسيره و قال محمد بن إسحاق معناه لا يستطيع القلب أن يكتم الله شيئا و هذا في معنى قول الحسن « و أنه إليه تحشرون » معناه و اعلموا
 

<<        الفهرس        >>