جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج5 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 5 ص : 139
« لقوم يتقون » معاصي الله و يخافون عقابه و خصهم بالذكر لاختصاصهم بالانتفاع بها .
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَ رَضوا بِالحَْيَوةِ الدُّنْيَا وَ اطمَأَنُّوا بهَا وَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ ءَايَتِنَا غَفِلُونَ(7) أُولَئك مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ(8) إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ يهْدِيهِمْ رَبهُم بِإِيمَنهِمْ تَجْرِى مِن تحْتهِمُ الأَنْهَرُ فى جَنَّتِ النَّعِيمِ(9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سبْحَنَك اللَّهُمَّ وَ تحِيَّتهُمْ فِيهَا سلَمٌ وَ ءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَْمْدُ للَّهِ رَب الْعَلَمِينَ(10)

القراءة

في الشواذ قراءة ابن محيصن و يعقوب أن الحمد لله .

الحجة

و هذه القراءة تدل على أن قراءة الجماعة « أن الحمد لله » إنما هو على أن أن مخففة من الثقيلة كما في قوله :
في فتية كسيوف الهند قد علموا
أن هالك كل من يحفى و ينتعل فيكون على تقدير أنه الحمد لله و لا يجوز أن تكون أن هنا زائدة كما زيدت في قوله :
و يوما توفينا بوجه مقسم
كان ظبية تعطو إلي وارق السلم أي كظبية .

اللغة

الغفلة و السهو من النظائر و هو ذهاب المعنى عن النفس و نقيضه اليقظة
مجمع البيان ج : 5 ص : 140
و الدعوى قول يدعى به إلي أمر و التحية التكرمة بالحال الجليلة و لذلك يسمون الملك التحية قال :
من كل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية ) و هو مأخوذ من قولهم أحياك الله حياة طيبة .

المعنى

ثم إنه سبحانه أوعد الغافلين عن الأدلة المتقدمة المكذبين بالمعاد فقال « إن الذين لا يرجون لقاءنا » أي لقاء جزائنا و معناه لا يطمعون في ثوابنا و أضافه إلى نفسه تعظيما له و يحتمل أن يكون المعنى لا يخافون عقابنا كما يكون الرجاء بمعنى الخوف كما في قول الهذلي :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
و خالفها في بيت نوب عواسل جعل سبحانه ملاقاة ما لا يقدر عليه إلا هو ملاقاة له كما جعل إتيان ملائكته إتيانا له في قوله هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله تفخيما للأمر « و رضوا بالحياة الدنيا » أي متعوا بها و اختاروها فلا يعملون إلا لها و لا يجتهدون إلا لأجلها مع سرعة فنائها و لا يرجون ما وراءها « و اطمأنوا بها » أي و سكنوا إلى الدنيا بأنفسهم و ركنوا إليها بقلوبهم « و الذين هم عن آياتنا غافلون » أي ذاهبون عن تأملها فلا يعتبرون بها « أولئك مأواهم النار » أي مستقرهم النار « بما كانوا يكسبون » من المعاصي ثم وعد سبحانه المؤمنين بعد ما أوعد الكافرين فقال « إن الذين آمنوا » أي صدقوا بالله و رسله « و عملوا الصالحات » أي و أضافوا إلى ذلك الأعمال الصالحة « يهديهم ربهم بإيمانهم » إلى الجنة « تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم » أي تجري بين أيديهم الأنهار و هم يرونها من علو كما قال سبحانه قد جعل ربك تحتك سريا و معلوم أنه لم يجعل السري الذي هو الجدول تحتها و هي قاعدة عليه و إنما أراد أنه جعله بين يديها و قيل معناه من تحت بساتينهم و أسرتهم و قصورهم عن الجبائي و قوله « بإيمانهم » يعني به جزاء على إيمانهم « دعواهم فيها » أي دعاء المؤمنين في الجنة و ذكرهم فيها أن يقولوا « سبحانك اللهم » يقولون ذلك لا على وجه العبادة لأنه ليس هناك تكليف بل يلتذون بالتسبيح و قيل إنهم إذا مر بهم الطير في الهواء يشتهونه قالوا سبحانك اللهم فيأتيهم الطير فيقع مشويا بين أيديهم و إذا قضوا منه الشهوة قالوا الحمد لله رب العالمين فيطير الطير حيا كما كان فيكون مفتتح كلامهم في كل شيء التسبيح و مختتم كلامهم التحميد فيكون
مجمع البيان ج : 5 ص : 141
التسبيح في الجنة بدل التسمية في الدنيا عن ابن جريج « و تحيتهم فيها سلام » أي تحيتهم من الله سبحانه في الجنة سلام و قيل معناه تحية بعضهم لبعض فيها أو تحية الملائكة لهم فيها سلام يقولون سلام عليك أي سلمتم من الآفات و المكاره التي ابتلي بها أهل النار و قد ذكرنا معنى قوله « و آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين » و ليس المراد أن ذلك يكون آخر كلامهم حتى لا يتكلموا بعده بشيء بل المراد أنهم يجعلون هذا آخر كلامهم في كل ما ذكروه عن الحسن و الجبائي .
* وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشرَّ استِعْجَالَهُم بِالْخَيرِ لَقُضىَ إِلَيهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فى طغْيَنهِمْ يَعْمَهُونَ(11) وَ إِذَا مَس الانسنَ الضرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائماً فَلَمَّا كَشفْنَا عَنْهُ ضرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلى ضرّ مَّسهُ كَذَلِك زُيِّنَ لِلْمُسرِفِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(12)

القراءة

قرأ ابن عامر و يعقوب لقضى بفتح القاف أجلهم منصوب و الباقون « لقضي » على ما لم يسم فاعله « أجلهم » بالرفع .

الحجة

قال أبو علي اللام في قوله « لقضي إليهم » جواب لو في قوله « و لو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير » و المعنى و الله أعلم و لو يعجل الله للناس دعاء الشر أي ما يدعون به من الشر على أنفسهم في حال ضجر أو بطر استعجاله إياهم بدعاء الخير فأضاف المصدر إلى المفعول فحذف الفاعل كقوله تعالى لا يسأم الإنسان من دعاء الخير في حذف ضمير الفاعل و التقدير و لو يعجل الله للناس الشر استعجالا مثل استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم قال أبو عبيدة لقضي إليهم أجلهم معناه لفرغ من أجلهم و أنشد لأبي ذويب :
و عليهما مسرودتان قضاهما
داود أو صنع السوابغ تبع
مجمع البيان ج : 5 ص : 142
و مثل ما أنشده قول الآخر :
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها
بوائق في أكمامها لم تفتق و المعنى لفرغ من أجلهم و مدتهم المضروبة للحياة و إذا انتهت مدتهم المضروبة للحياة هلكوا و هذا قريب من قوله و يدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير و كان الإنسان عجولا و قالوا للميت مقضي كأنه قضى إذا مات و قضى فعل .
التقدير استوفى أجله و فرغ منه قال ذو الرمة :
إذا الشخص فيها هزه الآل أغمضت
عليه كإغماض المقضي هجولها المعنى أغمضت هجول هذه البلاد على الشخص الذي فيها فلم ير لغرقه في الآل كإغماض المقضي و هو الميت و أما ما يتعلق به الجار من قوله « لقضي إليهم » فكأنه لما كان معنى قضى فرغ و كان قولهم فرغ يتعدى بهذا الحرف في قوله :
الآن فقد فرغت إلى نمير
فهذا حين صرت لهم عذابا و في التنزيل سنفرغ لكم أيه الثقلان أمكن أن يكون الفعل يعدى باللام كما يعدى بالي و باللام في قوله بأن ربك أوحى لها فلما كان معنى قضى فرغ تعلق بها إلى كذلك تعلق بقضى و وجه قراءة ابن عامر لقضي إليهم أجلهم على إسناد الفعل إلى الفاعل أن الذكر قد تقدم في قوله « و لو يعجل الله للناس » فقال لقضي على هذا و من حجته في ذلك قوله ثم قضى أجلا و أجل مسمى عنده فهذا الأجل الذي في هذه الآية هو الأجل المضروب للمحيا كما أن الأجل في قوله « لقضي إليهم أجلهم » كذلك فكما أسند الفعل في الأجل المضروب للحياة إلى الفاعل في قوله ثم قضى أجلا عند الجميع كذلك أسنده ابن عامر في قوله لقضي إليهم أجلهم إلى الفاعل و لم يسنده إلى الفعل المبني للمفعول و يدل على أن الأجل في قوله ثم قضى أجلا أجل المحيا إن قوله و أجل مسمى عنده أجل البعث يبين ذلك قوله ثم أنتم تمترون أي أنتم أيها المشركون تشكون في البعث و من قرأ لقضي فبنى الفعل للمفعول به فلأنه في المعنى مثل قول من بنى الفعل للفاعل .

مجمع البيان ج : 5 ص : 143

الإعراب

قوله « لجنبه » في موضع نصب على الحال تقديره دعانا منبطحا لجنبه أو دعانا قائما و يجوز أن يكون تقديره إذا مس الإنسان الضر لجنبه أو مسه قاعدا أو مسه قائما دعانا و موضع الكاف من كذلك نصب على مفعول ما لم يسم فاعله أي زين للمسرفين عملهم مثل ذلك .

المعنى

ثم عاد الكلام إلى ذكر المائلين إلى الدنيا المطمئنين إليها الغافلين عن الآخرة فقال « و لو يعجل الله للناس الشر » أي إجابة دعوتهم في الشر إذا دعوا به على أنفسهم و أهاليهم عند الغيظ و الضجر و استعجلوه مثل قول الإنسان رفعني الله من بينكم و قوله لولده اللهم ألعنه و لا تبارك فيه « استعجالهم بالخير » أي كما يعجل لهم إجابة الدعوة بالخير إذا استعجلوها « لقضي إليهم أجلهم » أي لفرغ من إهلاكهم و لكن الله تعالى لا يعجل لهم الهلاك بل يمهلهم حتى يتوبوا و قيل معناه و لو يعجل الله للناس العقاب الذي استحقوه بالمعاصي كما يستعجلونهم خير الدنيا و ربما أجيبوا إلى ما سألوه إذا اقتضت المصلحة ذلك لفنوا لأن بنية الإنسان في الدنيا لا تحتمل عقاب الآخرة بل لا تحتمل ما دونه و الله سبحانه يوصله إليهم في وقته و سمي العقاب شرا من جهة المشقة و الأذى الذي فيه و فائدته أنه لو تعجلت العقاب لزال التكليف و لا يزول التكليف إلا بالموت و إذا عوجلوا بالموت لم يبق أحد « فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون » أي فندع الذين لا يخافون البعث و الحساب يتحيرون في كفرهم و عدولهم عن الحق إلى الباطل و تمردهم في الظلم .
و العمة شدة الحيرة ثم أخبر سبحانه عن قلة صبر الإنسان على الضرر و الشدائد فقال « و إذا مس الإنسان الضر » أي المشقة و البلاء و المحنة من محن الدنيا « دعانا لجنبه » أي دعانا لكشفه مضطجعا « أو قاعدا أو قائما » أي على أي حال كان عليها و اجتهد في الدعاء و سؤال العافية و ليس غرضه بذلك نيل ثواب الآخرة و إنما غرضه زوال ما هو من الألم و الشدة و قيل إن تقديره و إذا مس الإنسان الضر مضطجعا أو قاعدا أو قائما دعانا لكشفه و فيه تقديم و تأخير « فلما كشفنا عنه ضره » أي فلما أزلنا عنه ذلك الضرر و وهبنا له العافية « مر » أي استمر على طريقته الأولى معرضا عن شكرنا « كأن لم يدعنا إلى ضر مسه » أي كأن لم يدعنا قط لكشف ضره و لم يسألنا إزالة الألم عنه « كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون » أي كما زين لهم الشيطان و أقرانهم الغواة ترك الدعاء عند الرخاء زينوا للمسرفين أي للمشركين عملهم عن الحسن و يحتمل أن يكون زين المسرفون بعضهم لبعض و إن لم يضف التزيين إليهم فهو كقولهم فلان معجب بنفسه و قد حث الله سبحانه بهذه الآية الذين منحوا الرخاء بعد الشدة و العافية بعد البلية على أن يتذكروا حسن صنع الله إليهم و جزيل نعمته عليهم و يشكروه على ذلك
مجمع البيان ج : 5 ص : 144
و يسألوه إدامة ذلك لديهم و نبه بذلك على وجوب الصبر عند المحنة احتسابا للأجر و ابتغاء للثواب و الذخر .
وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظلَمُوا وَ جَاءَتهُمْ رُسلُهُم بِالْبَيِّنَتِ وَ مَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِك نجْزِى الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(13) ثمَّ جَعَلْنَكُمْ خَلَئف فى الأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظرَ كَيْف تَعْمَلُونَ(14)

اللغة

القرون جمع قرن و هو أهل عصر سموا بذلك لمقارنة بعضهم لبعض و منه قرن الشاة لمقارنته آخر بإزائه و القرن بكسر القاف هو المقاوم لقرينه في الشدة .

الإعراب

موضع كيف نصب بقوله « تعملون » و تقديره لننظر أ خيرا تعملون أم شرا و لا يجوز أن يكون معمول ننظر لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل في ما بعده .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عما نزل بالأمم الماضية من المثلات و حذر هذه الأمة عن مثل مصارعهم فقال « و لقد أهلكنا القرون من قبلكم » بأنواع العذاب « لما ظلموا » أنفسهم بأن أشركوا و عصوا « و جاءتهم رسلهم بالبينات » أي بالمعجزات الظاهرة و الدلالات الواضحة « و ما كانوا ليؤمنوا » هذا إخبار بأن هذه الأمم إنما أهلكوا لما كانوا في المعلوم أنهم لو بقوا لم يكونوا يؤمنون بالرسل الذين أتوهم و الكتب التي جاءوهم بها و استدل أبو علي الجبائي بهذا على أن تبقية الكافر واجبة إذا كان المعلوم من حاله أنه يؤمن فيما بعد « كذلك نجزي القوم المجرمين » أي كذلك نعذب القوم المشركين في المستقبل إذا لم يؤمنوا بعد قيام الحجة عليهم و علمنا أنهم لا يؤمنون و لا يصلحون « ثم جعلناكم » يا أمة محمد « خلائف في الأرض من بعدهم » أي من بعد القرون التي أهلكناهم و معناه أسكناكم الأرض خلفهم « لننظر كيف تعملون » أي لنرى عملكم أين يقع من عمل أولئك أ تقتدون بهم فتستحقون من العقاب مثل ما استحقوه أم تؤمنون فتستحقون الثواب و إنما قال لننظر ليدل على أنه سبحانه يعامل العبد معاملة المختبر الذي لا يعلم الشيء فيجازيه على ما يظهر منه دون ما قد علم أنه يفعله مظاهرة في العدل و النظر في الحقيقة لا يجوز على الله تعالى لأنه
مجمع البيان ج : 5 ص : 145
إنما يكون بالقلب و هو التفكر و بالعين و هو تقليب الحدقة نحو المرئي التماسا لرؤيته مع سلامة الحاسة و أحد هذين لا يجوز عليه سبحانه و إنما يستعمل ذلك في صفاته على وجه المجاز و الاتساع فإن النظر إنما هو لطلب العلم و هو سبحانه يعامل عباده معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم بحسبه .
وَ إِذَا تُتْلى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَت قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْءَان غَيرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لى أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاى نَفْسى إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلىَّ إِنى أَخَاف إِنْ عَصيْت رَبى عَذَاب يَوْم عَظِيم(15) قُل لَّوْ شاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكمْ وَ لا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْت فِيكمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ(16) فَمَنْ أَظلَمُ مِمَّنِ افْترَى عَلى اللَّهِ كذِباً أَوْ كَذَّب بِئَايَتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ(17)

القراءة

في رواية أبي ربيعة عن البزي عن ابن كثير و لأدراكم » فجعلها لاما دخلت على أدراكم و أمال في أدراكم و أدراك في جميع القرآن أبو عمرو و حمزة و الكسائي و خلف و روي في الشواذ عن ابن عباس و الحسن و لا أدريكم به .

الحجة

قال أبو علي حكى سيبويه دريته و دريت به و الأكثر في الاستعمال بالباء و يبين ذلك قوله « و لا أدراكم » و لو جاء على اللغة الأخرى لكان و لا أدراكموه و قال الدرية كالفطنة و الشعرة و هي مصادر يراد بها ضروب من العلم أما الدراية فكالهداية و الدلالة فكان الدراية التأني و التعمل لعلم الشيء و على هذا المعنى ما تصرف من هذه الكلمة أنشد أبو زيد :
فإن غزالك الذي كنت تدري
إذا شئت ليث خادر بين أشبل
مجمع البيان ج : 5 ص : 146
و تدري أي تختل و منه الدرية في قول أكثر الناس الخمل الذي يستتر به الصايد من الوحش كأنه يختل به و داريت الرجل لاينته و خاتلته و إذا كان الحرف على هذا فالداري في وصف القديم سبحانه لا يسوغ فأما قول الراجز :
لا هم لا أدري و أنت الداري ) فلا يكون حجة في جواز ذلك لأنه استجار ذلك لما تقدم من قوله لا أدري كما جاز فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه و إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم و أيضا فإن الأعراب يذكرون أشياء يمتنع جوازها كما قالوا :
لا هم أن كنت الذي بعهدي
و لم تغيرك الأمور بعدي و قال الآخر :
لو خافك الله عليه حرمه فأما الهمزة على ما حكي عن الحسن و غيره فلا وجه له لأن الدرء الدفع قال ابن جني يجوز أن يكون لها وجه و إن كان فيه ضعف صنعة و هو أن يكون أراد و لا أدريتكم به ثم قلبت الياء ألفا لانفتاح ما قبلها و إن كانت ساكنة كقولهم في ييأس يااس و في ييبس يابس و قال قطرب أن لغة عقيل في أعطيتك أن يقولوا أعطاتك ثم همز الألف على لغة من قال في الباز الباز و في العالم و الخاتم و النابل العالم و الخاتم و النابل و من قرأ و لا أدريكم به فمعناه و لا علمكم الله تعالى به فيكون نفيا للتلاوة و إثباتا للعلم و على قراءة الجماعة يكون نفيا للأمرين جميعا .

اللغة

التلقاء جهة مقابلة الشيء إلا أنه قد يستعمل ظرفا فيقال هو تلقاءه كما يقال هو حذاءه و قبالته و تجاهه و إزاءه و العمر بفتح العين و سكون الميم و العمر بضمهما البقاء و إذا استعمل في القسم فالفتح لا غير

النزول

قيل نزلت في خمسة نفر عبد الله بن أمية المخزومي و الوليد بن مغيرة و مكرز بن حفص و عمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري و العاص بن عامر بن هاشم قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ائت بقرآن ليس فيه ترك عبادة اللات و العزى و مناة و هبل و ليس فيه عيبها أو بدله تكلم به من تلقاء نفسك عن مقاتل و قيل نزلت في المستهزءين قالوا يا محمد ائت بقرآن غير هذا فيه ما نسلكه عن الكلبي .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن مشركي قريش فقال « و إذا تتلى عليهم آياتنا »
مجمع البيان ج : 5 ص : 147
المنزلة في القرآن « بينات » أي واضحات في الحلال و الحرام و سائر الشرائع و هي نصب على الحال « قال الذين لا يرجون لقاءنا » أي لا يؤمنون بالبعث و النشور فلا يخشون عقابنا و لا يطمعون في ثوابنا « ائت بقرآن غير هذا » الذي تتلوه علينا « أو بدله » فاجعله على خلاف ما تقرؤه و الفرق بينهما أن الإتيان بغيره قد يكون معه و تبديله لا يكون إلا برفعه و قيل معنى قوله « بدله » غير أحكامه من الحلال أو الحرام أرادوا بذلك زوال الخطر عنهم و سقوط الأمر منهم و أن يخلى بينهم و بين ما يريدونه « قل » يا محمد « ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي » أي من جهة نفسي و ناحية نفسي و لأنه معجز فلا أقدر على الإتيان بمثله « إن أتبع إلا ما يوحى إلى » أي ما أتبع إلا الذي أوحي إلى « إني أخاف إن عصيت ربي » في اتباع غيره « عذاب يوم عظيم » أي يوم القيامة و من استدل بهذه الآية على أن نسخ القرآن بالسنة لا يجوز فقد أبعد لأنه إذا نسخ القرآن بالسنة و ما يقوله النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإنه يقوله بالوحي من الله فلم ينسخ القرآن و لم يبدله من قبل نفسه بل يكون تبديله من قبل الله تعالى و لكن لا يكون قرآنا و يؤيد ذلك قوله « و ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى » « قل » يا محمد « لو شاء الله ما تلوته عليكم » معناه لو شاء الله ما تلوت هذا القرآن عليكم بأن كان لا ينزله علي « و لا أدراكم به » أي و لا أعلمكم الله به بأن لا ينزله علي فلا أقرؤه عليكم فلا تعلمونه « فقد لبثت فيكم عمرا من قبله » أي فقد مكثت و أقمت بينكم دهرا طويلا من قبل إنزال القرآن فلم أقرأه عليكم فلا تعلمونه و لا ادعيت نبوة حتى أكرمني الله تعالى به « أ فلا تعقلون » أي أ فلا تتفكرون فيه بعقولكم فتعلموا أن المصلحة فيما أنزله الله تعالى دون ما تقرءونه قال علي بن عيسى العقل هو العلم الذي يمكن به الاستدلال بالشاهد على الغائب و الناس يتفاضلون فيه بالأمر المتفاوت فبعضهم أعقل من بعض إذا كان أقدر على الاستدلال من بعض « فمن أظلم ممن افترى على الله » أي لا أحد أظلم ممن اخترع على الله « كذبا أو كذب ب آياته إنه لا يفلح المجرمون » أي المشركون عن الحسن فإن قيل أ ليس من ادعى الربوبية أعظم ظلما من المدعي للنبوة قلنا إن المراد بقوله « من افترى على الله كذبا » من كفر بالله تعالى فقد دخل فيه من ادعى الربوبية و غيره من أنواع الكفار فكأنه قال لا أحد أظلم من الكافر .

مجمع البيان ج : 5 ص : 148
وَ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضرُّهُمْ وَ لا يَنفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هَؤُلاءِ شفَعَؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فى السمَوَتِ وَ لا فى الأَرْضِ سبْحَنَهُ وَ تَعَلى عَمَّا يُشرِكُونَ(18) وَ مَا كانَ النَّاس إِلا أُمَّةً وَحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَ لَوْ لا كلِمَةٌ سبَقَت مِن رَّبِّك لَقُضىَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يخْتَلِفُونَ(19) وَ يَقُولُونَ لَوْ لا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْب للَّهِ فَانتَظِرُوا إِنى مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ(20)

القراءة

قرأ تشركون بالتاء أهل الكوفة غير عاصم و كذلك في النحل في موضعين و في الروم و الباقون كل ذلك بالياء .

الحجة

من قرأ بالتاء فلقوله « أ تنبئون الله » و من قرأ بالياء احتمل وجهين ( أحدهما ) على قل كأنه قيل له قل أنت سبحانه و تعالى عما يشركون و الوجه الآخر أن يكون هو سبحانه نزه نفسه عما أقروه فقال ذلك .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار فقال « و يعبدون من دون الله ما لا يضرهم و لا ينفعهم » أي و يعبد هؤلاء المشركون الأصنام التي لا يضرهم إن تركوا عبادتها و لا ينفعهم إن عبدوها فإن قيل كيف ذمهم على عبادة الصنم الذي لا ينفع و لا يضر مع أنه لو نفع و ضر لكان لا يجوز أيضا عبادته قلنا عبادة من لا يقدر على أصول النعم و إن قدر على النفع و الضر إذا كان قبيحا فمن لا يقدر على النفع و الضر أصلا من الجماد تكون عبادته أقبح و أشنع فلذلك خصه بالذكر « و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله » أخبر سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم قالوا إنا نعبد هذه الأصنام لتشفع لنا عند الله و إن الله أذن لنا في عبادتها و أنه سيشفعها فينا في الآخرة و توهموا أن عبادتها أشد في تعظيم الله سبحانه من قصده تعالى بالعبادة فجمعوا بين قبيح القول و قبيح الفعل و قبيح التوهم و قيل معناه هؤلاء شفعاؤنا في الدنيا لإصلاح معاشنا عن الحسن قال لأنهم كانوا يقرون بالبعث بدلالة قوله و أقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت « قل أ تنبئون الله بما لا يعلم في السماوات و لا في الأرض » أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يقول لهم على وجه الإلزام أ تخبرون الله بما لا يعلم من حسن عبادة الأصنام و كونها شافعة لأن ذلك لو كان صحيحا لكان
مجمع البيان ج : 5 ص : 149
تعالى به عالما ففي نفي علمه بذلك نفي المعلوم و معناه أنه ليس في السماوات و لا الأرض إله غير الله و لا أحد يشفع لكم يوم القيامة و قيل معناه أ تخبرون الله بشريك أو شفيع لا يعلم شيئا كما قال و يعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات و الأرض فكذلك وصفهم بأنهم لا يعلمون في السماوات و الأرض شيئا « سبحانه و تعالى عما يشركون » أي تنزه الله تعالى عن أن يكون له شريك في استحقاق العبادة « و ما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا » فيه أقوال ( أحدها ) أن الناس كانوا جميعا على الحق و على دين واحد فاختلفوا في الدين الذي كانوا مجتمعين عليه ثم قيل أنهم اختلفوا على عهد آدم و ولده عن ابن عباس و السدي و مجاهد و الجبائي و أبي مسلم ، و متى اختلفوا ؟ قيل عند قتل أحد ابنيه أخاه و قيل اختلفوا بعد موت آدم (عليه السلام) لأنهم كانوا على شرع واحد و دين واحد إلى زمن نوح و كانوا عشرة قرون ثم اختلفوا عن أبي روق و قيل كانوا على ملة الإسلام من لدن إبراهيم (عليه السلام) إلى أن غيره عمرو بن لحي و هو أول من غير دين إبراهيم و عبد الصنم في العرب عن عطاء و يدل على صحة هذه الأقوال قراءة عبد الله و ما كان الناس إلا أمة واحدة على هدى فاختلفوا عنه ( و ثانيها ) أن الناس كانوا أمة واحدة مجتمعة على الشرك و الكفر عن ابن عباس و الحسن و الكلبي و جماعة ثم اختلف هؤلاء فقيل كانت أمة كافرة على عهد إبراهيم ثم اختلفوا فتفرقوا فمنهم مؤمن و منهم كافر عن الكلبي و قيل كانت كذلك منذ وفاة آدم إلى زمن نوح عن الحسن و قيل أراد به العرب الذين كانوا قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإنهم كانوا مشركين إلى أن بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ف آمن به قوم و بقي آخرون على الشرك و سئل علي (عليه السلام) عن هذا فقيل كيف يجوز أن يطبق أهل عصر على الكفر حتى لا يوجد مؤمن يشهد عليهم و الله تعالى يقول فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد و أجيبوا عن ذلك بأنه يجوز أن يكون أهل كل عصر و إن لم يخل عن مؤمنين يشهدون عليهم فربما يقلون في عصر و إنما يتبع الاسم الأعم و على هذا يقال دار الإسلام و دار الكفر و في تفسير الحسن و ما كان الناس إلى مبعث نوح إلا ملة واحدة كافرة إلا الخاصة فإن الأرض لا تخلو من أن يكون لله تعالى فيها حجة ( و ثالثها ) إن الناس خلقوا على فطرة الإسلام ثم اختلفوا في الأديان « و لو لا كلمة سبقت من ربك » من أنه لا يعاجل العصاة بالعقوبة إنعاما عليهم في التأني بهم « لقضي بينهم » أي فصل بينهم « فيما فيه يختلفون » بأن يهلك العصاة و ينجي المؤمنين لكنه أخرهم إلى يوم القيامة تفضلا منه إليهم و زيادة في الإنعام عليهم ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار فقال « و يقولون لو لا أنزل عليه آية من ربه » أي هلا أنزل على محمد آية من ربه تضطر الخلق إلى المعرفة بصدقة فلا يحتاجون معها إلى النظر و الاستدلال
مجمع البيان ج : 5 ص : 150
و لم يطلبوا معجزة تدل على صدقه لأنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قد أتاهم بالمعجزات الدالة على نبوته و إنما لم يلجئهم الله إلى ما التمسوه لأن التكليف يمنع من الاضطرار إلى المعرفة فإن الغرض بالتكليف التعريض للثواب و لو كانت المعرفة ضرورة لما استحقوا ثوابا فكيف و كان يكون ذلك ناقضا للغرض « فقل إنما الغيب لله » معناه فقل يا محمد إن الذي يعلم الغيب و يعلم مصالح الأمور قبل كونها هو الله العالم لنفسه يعلم الأشياء قبل كونها و بعد كونها لا تخفى عليه خافية فيعلم ما في إنزاله صلاح فينزله و يعلم ما ليس في إنزاله صلاح فلا ينزله و لذلك لا يفعل الآية التي اقترحوها في هذا الوقت لما في ذلك من حسن تدبير « فانتظروا » أي فانتظروا عقاب الله تعالى بالقهر و القتل في الدنيا و العقاب في الآخرة « إني معكم من المنتظرين » لأن الله تعالى وعدني النصرة عليكم و قيل معناه فانتظروا إذلال الكافرين فإني منتظر إعزاز المؤمنين .
وَ إِذَا أَذَقْنَا النَّاس رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضرَّاءَ مَستهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فى ءَايَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ(21) هُوَ الَّذِى يُسيرُكمْ فى الْبرِّ وَ الْبَحْرِ حَتى إِذَا كُنتُمْ فى الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بهِمْ بِرِيح طيِّبَة وَ فَرِحُوا بهَا جَاءَتهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَ جَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كلِّ مَكان وَ ظنُّوا أَنهُمْ أُحِيط بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشكِرِينَ(22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فى الأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ يَأَيهَا النَّاس إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلى أَنفُسِكُم مَّتَعَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(23)

القراءة


قرأ روح و زيد عن يعقوب و سهل يمكرون بالياء و الباقون بالتاء و قرأ ينشركم
مجمع البيان ج : 5 ص : 151
بالنون و الشين من النشر أبو جعفر و ابن عامر و الباقون « يسيركم » بالسين و الياء من التسيير و قرأ حفص وحده « متاع » بالنصب و الباقون بالرفع .

الحجة

من قرأ يمكرون بالياء فلقوله « إذا لهم مكر في آياتنا » و من قرأ بالتاء فللخطاب أي قل لهم يا محمد إن رسل الله يكتبون ما تمكرون و من قرأ « يسيركم » يقويه قوله فامشوا في مناكبها و كلوا من رزقه و قوله قل سيروا في الأرض و يقال سار الدابة و سرته و سيرته قال :
فلا تجز عن من سنة أنت سرتها ) و قال لبيد :
فبنيان حرب أن تبوء بحربة
و قد يقبل الضيم الذليل المسير و من قرأ ينشركم فحجته قوله و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و قوله و ما بث فيهما من دابة و البث التفريق و النشر في المعنى و أما « متاع الحياة الدنيا » فقد قال الزجاج من رفع فعلى وجهين ( أحدهما ) أن يكون « متاع الحياة الدنيا » خبرا لقوله « بغيكم » ( و الآخر ) أن يكون خبر المبتدأ « على أنفسكم » و « متاع الحياة » على إضمار هو و من نصب فعلى المصدر أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا قال أبو علي قوله « على أنفسكم » يحتمل تأويلين ( أحدهما ) أن يكون متعلقا بالمصدر لأن فعله يتعدى بهذا الحرف أ لا ترى إلى قوله بغى بعضنا على بعض ثم بغي عليه و إذا كان الجار من صلة المصدر كان الخبر « متاع الحياة الدنيا » فيكون معناه بغى بعضكم على بعض متاع الحياة في الدنيا و ليس ما يقرب إلى الله و يجوز أن يكون متعلقا بمحذوف فيكون خبرا للمصدر و فيه ذكر يعود إليه فيكون كقولك الصلاة في المسجد فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل و مفعوله محذوفا و المعنى إنما بغى بعضكم على بعض بما يدل على أنفسكم و يكون كقوله و لا يحيق المكر السيىء إلا بأهله و من نصب احتمل النصب وجهين ( أحدهما ) أن يكون على من صلة المصدر و يكون الناصب لمتاع هو المصدر الذي هو البغي و يكون خبر المبتدأ محذوفا و حسن حذفه لطول الكلام و لأن بغيكم يدل على تبغون فيحسن الحذف لذلك و هذا الخبر لو أظهرته لكان يكون مكروه أو مذموم أو منهي عنه و نحو ذلك ( و الآخر ) أن يكون « على أنفسكم » خبر المبتدأ فيكون متاع منصوبا على وجهين ( أحدهما ) تمتعون متاعا فيدل انتصاب المصدر عليه ( و الآخر ) أن يضمر تبغون لأن ما يجري مجرى ذكره قد تقدم كأنه لو أظهره لكان تبغون متاع الحياة الدنيا فيكون مفعولا له
مجمع البيان ج : 5 ص : 152
و لا يجوز أن يتعلق المصدر بالمصدر في قوله « إنما بغيكم » و قد جعلت على خبرا لقوله « إنما بغيكم » لفصلك بين الصلة و الموصول .

اللغة

التسيير التحريك في جهة تمتد كالسير الممدود و البر الأرض الواسعة التي تقطع من بلد إلى بلد و منه البر لاتساع الخير به و البحر مستقر الماء الواسع حتى لا يرى من وسطه حافتاه و الفلك السفن و سميت فلكا لدورانها في الماء و أصله الدور و منه فلكة المغزل و تفلك ثدي الجارية إذا استدار و الفلك يكون جمعا و واحدا و هو هاهنا جمع و العاصف الريح الشديدة و عصفت الريح فهي عاصف و عاصفة قال :
حتى إذا عصفت ريح مزعزعة
فيها قطار و رعد صوته زجل

الإعراب

جواب إذا الأولى في إذا الثانية و إنما جعل إذا جوابا لكونها بمعنى الجملة لما فيها من معنى المفاجاة و هي ظرف مكان و هو كقوله « و إن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون » و معناه إن تصبهم سيئة قنطوا و إذا أذقنا الناس رحمة مكروا و جرين بهم ابتداء الكلام خطاب و بعد ذلك إخبار عن غائب لأن كل من أقام الغائب مقام من يخاطبه جاز له أن يرده إلى الغائب قال كثير :
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
لدينا و لا مقلية إن تقلت و قال عنترة :
شطت مزار العاشقين فأصبحت
عسرا علي طلابك ابنة مخرم و قوله « فلما أنجاهم إذا هم يبغون » المعنى فلما أنجاهم بغوا

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن ذميم فعالهم فقال « و إذا أذقنا الناس رحمة » يريد بالناس الكفار فهو عموم يراد به الخصوص « من بعد ضراء مستهم » أي راحة و رخاء بعد شدة و بلاء و حقيقة الذوق فيما له طعم يوجد إنما يكون طعمه بالفم و إنما قال أذقناهم الرحمة
مجمع البيان ج : 5 ص : 153
على طريق البلاغة لشدة إدراك الحاسة إياها « إذا لهم مكر في آياتنا » أي فهم يحتالون لدفع آياتنا بكل ما يجدون السبيل إليه من شبهة أو تخليط في مناظرة أو غير ذلك من الأمور الفاسدة و قال مجاهد مكرهم استهزاؤهم و تكذيبهم « قل » يا محمد لهم « الله أسرع مكرا » أي أقدر جزاء على المكر و معناه أن ما يأتيهم من العقاب أسرع مما أتوه من المكر أي أوقع في حقه و قيل أن مكره سبحانه إنزاله العقوبة بهم من حيث لا يشعرون « إن رسلنا » يعني الملائكة الحفظة « يكتبون ما تمكرون » أي ما تدبرون من سوء التدبير و في هذا غاية الزجر و التهديد من وجهين ( أحدهما ) أنه يحفظ مكرهم ( و الآخر ) أنه أقدر على جزائهم و أسرع فيه ثم امتن الله سبحانه على خلقه بأن عدد نعمه التي يفعلها بهم في كل حال فقال « هو الذي يسيركم في البر و البحر » أي يمكنكم من المسير في البر و البحر بما هيأ لكم من آلات السير و هي خلق الدواب و تسخيرها لكم لتركبوها في البر و تحملوا عليها أثقالكم و هيأ السفن في البحر و إرسال الرياح المختلفة التي تجري بالسفن في الجهات المختلفة « حتى إذا كنتم في الفلك » خص الخطاب براكب البحر أي إذا كنتم راكبي السفن في البحر « و جرين بهم » أي و جرت السفن بالناس لما ركبوها عدل عن الخطاب إلى الإخبار عن الغائب تصرفا في الكلام على أنه يجوز أن يكون خطابا لمن كان في تلك الحال و إخبارا لغيرهم من الناس « بريح طيبة » أي بريح لينة يستطيبونها « و فرحوا بها » أي سروا بتلك الريح لأنها تبلغهم مقصودهم عن أبي مسلم و قيل فرحوا بالسفينة حيث حملتهم و أمتعتهم « جاءتها ريح عاصف » أي جاءت للسفينة ريح عاصف شديدة الهبوب الهائلة « و جاءهم الموج من كل مكان » من البحر و الموج اضطراب البحر و معناه و جاء راكبي البحر الأمواج العظيمة من جميع الوجوه « و ظنوا أنهم أحيط بهم » أي أيقنوا أنهم دنوا من الهلاك و قيل غلب على ظنهم أنهم سيهلكون لما أحاط بهم من الأمواج « دعوا الله » عند هذه الشدائد و الأهوال و التجئوا إليه ليكشف ذلك عنهم « مخلصين له الدين » أي على وجه الإخلاص في الاعتقاد و لم يذكروا الأوثان و الأصنام لعلمهم بأنها لا تنفعهم هاهنا شيئا و قالوا « لئن أنجيتنا » يا رب « من هذه » الشدة « لنكونن من الشاكرين » أي من جملة من يشكرك على نعمك و قوله « جاءتها ريح عاصف » جواب قوله « إذا كنتم في الفلك » و قوله « دعوا الله » جواب قوله « و ظنوا أنهم أحيط بهم » « فلما أنجاهم » أي خلصهم الله تعالى من تلك المحن « إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق » أي يعملون فيها بالمعاصي و الفساد و يشتغلون بالظلم على الأنبياء و على المسلمين « يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا » أي بغي بعضكم على بعض و ما ينالونه به متاع في الدنيا و إنما تأتونه لحبكم
مجمع البيان ج : 5 ص : 154
العاجلة و إيثارها على ما يقرب إلى الله تعالى من الطاعات و قد مر بيانه قبل « ثم إلينا مرجعكم » في الآخرة « فننبئكم بما كنتم تعملون » أي نخبركم بأعمالكم لأنا أثبتناها عليكم و هي كلمة تهديد و وعيد .

النظم


قيل إنما اتصل قوله « هو الذي يسيركم » الآية بما قبله لأنه تفسير لبعض ما أجمل في الآية المتقدمة التي هي قوله « و إذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم » عن أبي مسلم و قيل إنه يتصل بما تقدم في السورة من دلائل التوحيد فكأنه قال إلهكم الذي جعل الشمس ضياء و القمر نورا و هو الذي يسيركم .
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَهُ مِنَ السمَاءِ فَاخْتَلَط بِهِ نَبَات الأَرْضِ مِمَّا يَأْكلُ النَّاس وَ الأَنْعَمُ حَتى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْض زُخْرُفَهَا وَ ازَّيَّنَت وَ ظنَّ أَهْلُهَا أَنهُمْ قَدِرُونَ عَلَيهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نهَاراً فَجَعَلْنَهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِك نُفَصلُ الاَيَتِ لِقَوْم يَتَفَكرُونَ(24) وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى دَارِ السلَمِ وَ يهْدِى مَن يَشاءُ إِلى صِرَط مُّستَقِيم(25)

القراءة

في الشواذ قراءة الأعرج و الشعبي و أبي العالية و نصر بن عاصم و الحسن بخلاف و أزينت و قراءة أبي عثمان و ازيانت .

الحجة

أما « ازينت » فأصله تزينت فأدغمت التاء في الزاي و سكنت الزاي فاجتلبت لها ألف الوصل و أما أزينت فإنه على أفعلت أي جاءت بالزينة و ازينت أجود في العربية لأن أزينت الأجود فيه أزانت مثل أقال و أباع و أما ازيأنت فوزنه افعالت و أصله ازيانت مثل إدهامت و اسوادت إلا أنه كره التقاء الساكنين فحركت الألف فانقلبت همزة كقول كثير :
و للأرض أما سودها فتجللت
بياضا و أما بيضها فادهامت
 

Back Index Next