جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج5 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


مجمع البيان ج : 5 ص : 155

اللغة

الزخرف كمال حسن الشيء و يقال زخرفته أي حسنته و منه زخرفت الجنة لأهلها أي زينت بأحسن الألوان و غني بالمكان أقام به و المغاني المنازل قال النابغة :
غنيت بذلك إذ هم لك جيرة
منها بعطف رسالة و تودد و الدعاء طلب الفعل بما يقع لأجله و الداعي إلى الفعل خلاف الصارف عنه و الفرق بين الدعاء و الأمر أن في الأمر ترغيبا في الفعل و زجرا عن تركه و له صيغة تنبىء عنه و الدعاء ليس كذلك و كلاهما طلب و أيضا فإن الأمر يقتضي أن يكون المأمور دون الأمر في الرتبة و الدعاء يقتضي أن يكون فوقه .

المعنى

لما تقدم ما يوجب الترغيب في الآخرة و التزهيد في الدنيا عقبه سبحانه بذكر صفة الدارين فقال « إنما مثل الحياة الدنيا » أي صفة الحياة الدنيا أو شبه الحياة الدنيا في سرعة فنائها و زوالها « كماء أنزلناه من السماء » و هو المطر « فاختلط به » أي بذلك المطر « نبات الأرض » لأن المطر يدخل في خلل النبات فيختلط به و قيل معناه فاختلط بسببه بعض النبات بالبعض فاختلط ما يأكل الناس بما يأكل الأنعام و ما يقتات بما يتفكه ثم فصل ذلك فقال « مما يأكل الناس » كالحبوب و الثمار و البقول « و الأنعام » كالحشيش و سائر أنواع المراعي و قد قيل في المشبه و المشبه به في الآية أقوال ( أحدها ) أنه تعالى شبه الحياة الدنيا بالماء فيما يكون به من الانتفاع ثم الانقطاع ( و ثانيها ) أنه شبهها بالنبات على ما وصفه من الاغترار به ثم المصير إلى الزوال عن الجبائي و أبي مسلم ( و ثالثها ) أنه تعالى شبه الحياة الدنيا بحياة مقدرة على هذه الأوصاف « حتى إذا أخذت الأرض زخرفها » أي حسنها و بهجتها بأنواع الألوان و أجناس النبات و غير ذلك « و ازينت » أي تزينت في عين رائيها « و ظن أهلها » أي مالكها « أنهم قادرون عليها » أي على الانتفاع بها و معناه بلغت المبلغ الذي ظن أهلها أنهم يحصدونها و يقدرون على غلتها أو إدامتها « أتاها أمرنا ليلا أو نهارا » أي أتاها عذابنا من برد أو برد و قيل معناه أتاها حكمنا و قضاؤنا بإهلاكها و إتلافها « فجعلناها حصيدا » أي محصودة و معناها مقطوعة مقلوعة ذاهبة يابسة « كأن لم تغن بالأمس » أي كأن لم تقم على تلك الصفة بالأمس و معناه كأن لم تكن و لم توجد من قبل « كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون » أي مثل ذلك نميز الآيات لقوم يتفكرون فيها فيعتبرون بها و لما بين سبحانه أن الدنيا تنقطع و تفنى بالموت كما يفنى هذا النبات بفنون
مجمع البيان ج : 5 ص : 156
الآفات و نبه على التوقع لزوالها و التحرز عن الاغترار بأحوالها رغب عقيبه في الآخرة فقال « و الله يدعوا إلى دار السلام » قيل إن السلام و هو الله تعالى فإن الله تعالى يدعو إلى داره و داره الجنة عن الحسن و قتادة و قيل دار السلام الدار التي يسلم فيها من الآفات عن الجبائي و السلام و السلامة واحد مثل الرضاع و الرضاعة قال :
تحيا بالسلامة أم بكر
و هل لك بعد رهطك من سلام و قيل سميت الجنة دار السلام لأن أهلها يسلم بعضهم على بعض و الملائكة تسلم عليهم و يسلم ربهم عليهم فلا يسمعون إلا سلاما و لا يرون إلا سلاما و يعضده قوله « تحيتهم فيها سلام » و ما أشبهه « و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم » قيل يهدي من يشاء إلي الإيمان و الدين الحق بالتوفيق و التيسير و الألطاف و قال الجبائي يريد به نصب الأدلة لجميع المكلفين دون الأطفال و المجانين و قيل معناه يهدي من يشاء في الآخرة إلى طريق الجنة الذي يسلكه المؤمنون و يعدل عنه الكافرون إلى النار .
* لِّلَّذِينَ أَحْسنُوا الْحُسنى وَ زِيَادَةٌ وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَترٌ وَ لا ذِلَّةٌ أُولَئك أَصحَب الجَْنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ(26) وَ الَّذِينَ كَسبُوا السيِّئَاتِ جَزَاءُ سيِّئَةِ بِمِثْلِهَا وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لهَُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِم كَأَنَّمَا أُغْشِيَت وُجُوهُهُمْ قِطعاً مِّنَ الَّيْلِ مُظلِماً أُولَئك أَصحَب النَّارِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ(27)

القراءة

قرأ ابن كثير و الكسائي و يعقوب و سهل قطعا ساكنة الطاء و الباقون « قطعا » بفتحها .

الحجة

القطع جمع قطعة من الليل و القطع الجزء من الليل الذي فيه ظلمة .

اللغة

الرهق لحاق الأمر و منه راهق الغلام إذا لحق بالرجال و رهقه في الحرب أدركه قال الأزهري الرهق اسم من الإرهاق و هو أن يحمل الإنسان على ما لا يطيقه و منه سأرهقه
مجمع البيان ج : 5 ص : 157
صعودا و الكسب اجتلاب النفع و الجزاء المكافاة و القتر الغبار و القترة الغبرة و القتار الدخان و منه الإقتار في المعيشة .

الإعراب

« جزاء سيئة » في ارتفاعه وجهان ( أحدهما ) أن يكون مبتدأ و خبره بمثلها على زيادة الباء في قول أبي الحسن لأنه وجد في مكان آخر و جزاء سيئة سيئة مثلها و يجوز أن يكون الباء متعلقة بخبر محذوف تقديره جزاء سيئة كائن بمثلها كما تقول إنما أنا بك و أمري بيدك و ما أشبه ذلك ( و الآخر ) أن يكون فاعلا بإضمار فعل تقديره استقر لهم جزاء سيئة بمثلها ثم حذف استقر فبقي لهم جزاء سيئة بمثلها ثم حذف لهم لدلالة الكلام على أن هذا مستقر لهم و يجوز أن يكون « جزاء سيئة » مبتدأ و الخبر محذوف تقديره لهم جزاء سيئة بمثلها أو جزاء سيئة بمثلها كائن هذا قد أجازه أبو الفتح و قوله « و ترهقهم » عطف على كسبوا و جاز أن يفصل بينهما بقوله « جزاء سيئة بمثلها » لأنه من الاعتراض الذي يبين الأول و يسدده و يثبته مظلما قال أبو علي إن أجريته على قطع ساكنة الطاء فيحتمل نصبه على وجهين ( أحدهما ) أن يكون صفة لقطع على قياس قوله « و هذا كتاب أنزلناه مبارك » وصفت الكتاب بالمفرد بعد ما وصفته بالجملة و أجريته على النكرة ( و الآخر ) أن يكون حالا من الذكر الذي في الظرف يعني قوله « من الليل » و إن أجريته على قطع مفتوحة الطاء لم يكن صفة له و لا حالا من الذكر الذي في قوله « من الليل » و لكن يكون حالا من الليل و العامل في الحال ما يتعلق به من الليل و هو الفعل المختزل و مثل ذلك في إرادة الوصف بالسواد قول الشاعر :
و دوية مثل السماء اعتسفتها
و قد صبغ الليل الحصى بسواد أي سودتها الظلمة و قال غيره يجوز أن يكون مظلما صفة لقطع على قول الشاعر :
لو أن مدحة حتى تنشرن أحدا
أحيا أباكن يا ليلى الأماديح

المعنى

ثم بين سبحانه أهل دار السلام فقال « للذين أحسنوا الحسنى » و معناه للذين أحسنوا العمل و أطاعوا الله تعالى في الدنيا جزاء لهم على ذلك الحالة الحسنى و المنزلة الحسنى و هي الحالة الجامعة للذات و النعيم على أكمل ما يكون و أفضل ما يمكن و هو تأنيث الأحسن « و زيادة » ذكر في ذلك وجوه ( أحدها ) أن الحسنى الثواب المستحق
مجمع البيان ج : 5 ص : 158
و الزيادة التفضل على قدر المستحق على طاعاتهم من الثواب و هي المضاعفة المذكورة في قوله « فله عشر أمثالها » عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قتادة ( و ثانيها ) الزيادة هي إن ما أعطاهم الله تعالى من النعم في الدنيا لا يحاسبهم به في الآخرة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ( و ثالثها ) أن الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب عن علي (عليه السلام) و قيل الزيادة ما يأتيهم في كل وقت من فضل الله مجددا ( و رابعها ) أن الزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى و روي ذلك عن أبي بكر و أبي موسى الأشعري و غيرهما و قد بين الله سبحانه الزيادة في موضع آخر بقوله ليوفيهم أجورهم و يزيدهم من فضله « و لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلة » أي لا يلحق وجوههم سواد عن ابن عباس و قتادة و قيل غبار و لا ذلة أي هوان و قيل ك آبة و كسوف عن قتادة و روى الفضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما من عين ترقرقت بمائها إلا حرم الله ذلك الجسد على النار فإن فاضت من خشية الله لم يرهق ذلك الوجه قتر و لا ذلة « أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون » مر معناه « و الذين كسبوا السيئات » أي اكتسبوها و ارتكبوها « جزاء سيئة بمثلها » أي لهم جزاء كل سيئة بمثلها يعني يجزون بمثل أعمالهم أي قدر ما يستحق عليها من غير زيادة لأن الزيادة على قدر المستحق من العقاب ظلم و ليس كذلك الزيادة على قدر المستحق من الثواب لأن ذلك تفضل يحسن فعله ابتداء فالمثل هنا مقدار المستحق من غير زيادة و لا نقصان « و ترهقهم ذلة » أي يلحقهم هوان و ذل لأن العقاب يقارنه الإهانة و الإذلال « ما لهم من الله من عاصم » أي ما لهم من حافظ و مانع يدفع عقاب الله عنهم « كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما » أي كأنما ألبست وجوههم ظلمة الليل و المراد وصف وجوههم بالسواد كقوله سبحانه و يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة « أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون » ظاهر المراد .

مجمع البيان ج : 5 ص : 159
وَ يَوْمَ نحْشرُهُمْ جَمِيعاً ثمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشرَكُوا مَكانَكُمْ أَنتُمْ وَ شرَكاؤُكمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنهُمْ وَ قَالَ شرَكاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ(28) فَكَفَى بِاللَّهِ شهِيدَا بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَفِلِينَ(29) هُنَالِك تَبْلُوا كلُّ نَفْس مَّا أَسلَفَت وَ رُدُّوا إِلى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَ ضلَّ عَنهُم مَّا كانُوا يَفْترُونَ(30)

القراءة

قرأ تتلوا بالتاء أهل الكوفة غير عاصم و روح و زيد عن يعقوب و الباقون « تبلوا » بالباء .

الحجة

قال أبو علي من قرأ « تبلوا » فمعناه تختبر من قولهم البلاء ثم الثناء أي الاختبار للمثني عليه ينبغي أن يكون قبل الثناء ليكون الثناء عن علم بقدر ما يوجبه و معنى اختبارها ما أسلفت أنه إن قدم خيرا أو شرا جوزي عليه كما قال فمن يعمل مثقال ذرة إلى آخره و من عمل صالحا فلنفسه و غير ذلك من الآي و من قرأ تتلوا فإنه من التلاوة التي هي القراءة دليله قوله « فأولئك يقرءون كتابهم » و قوله « اقرأ كتابك » و يكون تتلو من قولهم تلا الفريضة النفل إذا أتبعها النفل قال :
على ظهر عادي كان أرومه
رجال يتلون الصلاة قيام فيكون المعنى تتبع كل نفس ما أسلفت من حسنة أو سيئة قال :
قد جعلت دلوي تستتليني
و لا أحب تبع القرين أي تستتبعني من ثقلها

اللغة

التزييل التفريق مأخوذة من قولهم زلت الشيء عن مكانه أزيله و زيلته للكثرة من هذا إذا نحيته عن مكانه و زايلت فلانا إذا فارقته هنالك أي في ذلك المكان و هو ظرف فهنا للقريب و هنالك للبعيد و هناك لما بينهما قال زهير :
هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا
و أن يسألوا يعطوا و إن ييسروا يغلوا و الإسلاف تقديم أمر لما بعده فمن أسلف الطاعة لله جوزي بالثواب و من أسلف المعصية جوزي بالعقاب .

مجمع البيان ج : 5 ص : 160

الإعراب

جميعا نصب على الحال مكانكم قال الزجاج هو منصوب على الأمر و المعنى انتظروا مكانكم حتى يفصل بينكم و العرب تتوعد فتقول مكانك و انتظرني و هي كلمة جرت على الوعيد و أقول أن الصحيح عند المحققين أن مكانك و دونك من أسماء الأفعال فيكون مكانكم هاهنا اسما لألزموا مبنيا على الفتح و ليس بمنصوب نصب الظروف و كم لا محل له من الإعراب إذ هو حرف الخطاب و أنتم رفع تأكيد للضمير في مكانكم و شركاؤكم عطف عليه و هذا كما تقول في قولهم عليك زيدا أن الكاف حرف الخطاب لا محل له من الإعراب و على هاهنا اسم الفعل و ليس بحرف و « كفى بالله شهيدا » قال الزجاج شهيدا منصوب على التمييز إن شئت و إن شئت على الحال .
إن كنا إن بمنزلة ما النفي أي ما كنا عن عبادتكم إلا غافلين قاله الزجاج و أقول الصحيح أن إن هذه هي المخففة من الثقيلة و إذا كانت مخففة من الثقيلة يلزمها اللام ليفرق بينها و بين النافية و التقدير إنا كنا عن عبادتكم غافلين و هنالك منصوب بتبلو إلا أنه غير متمكن و اللام زائدة كسرت لالتقاء الساكنين .

المعنى

و لما تقدم ذكر الجزاء بين سبحانه وقت الجزاء فقال « و يوم نحشرهم جميعا » أي نحشر الخلائق أجمعين أي نجمعهم من كل أوب إلى الموقف « ثم نقول للذين أشركوا » في عبادتهم مع الله غيره و في أموالهم فقالوا هذا لله و هذا لشركائنا « مكانكم أنتم و شركاؤكم » أي أثبتوا و الزموا مكانكم أنتم مع شركائكم يعني الأوثان فقد صحبتموهم في الدنيا فاصحبوهم في المحشر و قيل معناه أثبتوا حتى تسألوا كقوله « و قفوهم إنهم مسئولون » « فزيلنا بينهم » أي فميزنا و فرقنا بينهم في المسألة فسألنا المشركين على حدة لما عبدتم الأصنام و سألنا الأصنام على حدة لما عبدتم و بأي سبب عبدتم و هذا سؤال تقريع و تبكيت عن الحسن و مثله و إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت و قيل معناه فزيلنا بينهم و بين الأوثان فتبرأ منهم الشركاء و انقطعت أسبابهم « و قال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون » أي يحييهم الله و ينطقهم فقالوا ما كنا نشعر بأنكم إيانا تعبدون عن مجاهد و قيل إن شركاءهم من كانوا يعبدونهم من الشياطين و قيل هم الملائكة الذين كانوا يعبدونهم من دون الله و في كيفية جحدهم لعبادتهم إياه قولان ( أحدهما ) أنهم يقولون ذلك على وجه إهانتهم بالرد عليهم أي ما اعتذرنا بذلك لكم ( و الآخر ) إن المراد أنكم لم تعبدونا بأمرنا و دعائنا و لم يرد أنهم لم يعبدوهم أصلا لأن ذلك كذب لا يجوز أن يقع في الآخرة لكونهم ملجئين إلى ترك القبيح عن الجبائي و هذه الآية نظير قوله « إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا » الآية « فكفى بالله شهيدا » أي فاصلا للحكم « بيننا و بينكم » أيها المشركون « إن كنا عن عبادتكم لغافلين » مر معناه و هذا إذا كان المراد به الملائكة فإنهم عما ادعوه غافلون لأنهم
مجمع البيان ج : 5 ص : 161
لم يشعروا بذلك و لا أمروا به و إن كان المراد الأصنام فلم يكن لها حس و لا علم و هذا غاية في إلزام الحجة اختاروا للعبادة من لم يدعهم إليها و لم يشعر بها « هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت » أي في ذلك المكان و في تلك الحال و في ذلك الوقت تجرب و تعلم كل نفس ما قدمت من خير أو شر و ترى جزاءه على القراءة بالتاء معناه تقرأ كل نفس جزاء عملها و جزاء ما قدمته « و ردوا إلى الله مولاهم الحق » أي و ردوا إلى جزاء الله و إلى الموضع الذي لا يملك أحد فيه الحكم إلا الله الذي هو مالكهم و سيدهم و خالقهم و الحق صفة لله تعالى و هو القديم الدائم الذي لا يفنى و ما سواه يبطل و قيل الحق هو الذي يكون معنى اللفظ حاصلا له على الحقيقة فالله جل جلاله هو الحق لأن معنى الإلهية حاصل له على الحقيقة « و ضل عنهم ما كانوا يفترون » أي بطل و هلك عنهم ما كانوا يدعونه بافترائهم من الشركاء مع الله تعالى .
قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السمَاءِ وَ الأَرْضِ أَمَّن يَمْلِك السمْعَ وَ الأَبْصرَ وَ مَن يخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يخْرِجُ الْمَيِّت مِنَ الْحَىِّ وَ مَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَ فَلا تَتَّقُونَ(31) فَذَلِكمُ اللَّهُ رَبُّكمُ الحَْقُّ فَمَا ذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضلَلُ فَأَنى تُصرَفُونَ(32) كَذَلِك حَقَّت كلِمَت رَبِّك عَلى الَّذِينَ فَسقُوا أَنهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(33)

القراءة

قرأ أهل المدينة و ابن عامر كلمات هاهنا و في آخرها على الجمع و كذلك في سورة المؤمن و الباقون على التوحيد .

الحجة

قال أبو علي من قرأ على التوحيد احتمل وجهين ( أحدهما ) أن يكون جعل ما أوعد به الفاسقون كلمة و إن كانت في الحقيقة كلمات لأنهم قد يسمون القصيدة كلمة و الخطبة كلمة ( و الآخر ) أن يكون « كلمة ربك » التي يراد بها الجنس قد أوقعت على بعض الجنس كما أوقع اسم الجنس على بعضه في قوله « و إنكم لتمرون عليهم مصبحين
مجمع البيان ج : 5 ص : 162
و بالليل » و قول الشاعر :
ببطن شريان يعوي عنده الذيب فأما من جمع فإنه جعل الكلم التي توعدوا بها كل واحدة منها كلمة ثم جمع فقال « كلمات » و كلاهما وجه .

الإعراب

« كذلك حقت » الكاف في موضع نصب أي مثل أفعالهم جازاهم ربك و قوله « أنهم لا يؤمنون » بدل من كلمة ربك أي حقيق عليهم أنهم لا يؤمنون و يجوز أن يكون على تقدير حقت عليهم الكلمة لأنهم لا يؤمنون و يكون الكلمة ما وعدوا به من العقاب .

المعنى

ثم قرر سبحانه أدلة التوحيد و البعث عليهم فقال « قل » يا محمد لهؤلاء الكفار « من يرزقكم » أي من يخلق لكم الأرزاق « من السماء » بإنزال المطر و الغيث « و » من « الأرض » بإخراج النبات و أنواع الثمار و الرزق في اللغة هو العطاء الجاري يقال رزق السلطان الجند إلا أن كل رزق فإن الله هو الرزاق به لأنه لو لم يطلقه على يد ذلك الإنسان لم يجيء منه شيء فلا يطلق اسم الرزاق إلا على الله تعالى و يقيد في غيره كما لا يطلق اسم الرب إلا عليه و يقيد في غيره فيقال رب الدار و رب الضيعة و لا يجوز أن يخلق الله حيوانا يريد تبقيته إلا و يرزقه لأنه إذا أراد بقاءه فلا بد له من الغذاء « أمن يملك السمع و الأبصار » معناه أم من يملك أن يعطيكم الأسماع و الأبصار فيقويها و ينورها و لو شاء لسلب نورها و حسها « و من يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي » قيل معناه و من يخرج الإنسان من النطفة و النطفة من الإنسان و قيل معناه و من يخرج الحيوان من بطن أمه إذا ماتت أمه و يخرج غير التام و لا البالغ حد الكمال من الحي و قيل معناه و من يخرج المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن « و من يدبر الأمر » أي و من الذي يدبر جميع الأمور في السماء و الأرض على ما توجبه الحكمة « فسيقولون الله » أي فسيعترفون بأن الله تعالى يفعل هذه الأشياء و أن الأصنام لا تقدر عليها « فقل أ فلا تتقون » أي فقل لهم عند اعترافهم بذلك أ فلا تتقون عقابه في عبادة الأصنام و في الآية دلالة على التوحيد و على حسن المحاجة في الدين لأنه سبحانه حاج به المشركين و فيها دلالة على أنهم كانوا يقرون بالخالق و إن كانوا مشركين فإن جمهور العقلاء يقرون بالصانع سوى جماعة قليلة من ملحدة الفلاسفة و من أقر بالصانع على هذا صنفان موحد يعتقد أن الصانع واحد لا يستحق العبادة غيره و مشرك و هم ضربان
مجمع البيان ج : 5 ص : 163
فضرب جعلوا لله شريكا في ملكه يضاده و يناوئه و هم الثنوية و المجوس ثم اختلفوا فمنهم يثبت لله شريكا قديما كالمانوية و منهم من يثبت شريكا محدثا كالمجوس و ضرب آخر لا يجعل لله شريكا في حكمه و ملكه و لكن يجعل له شريكا في العبادة يكون متوسطا بينه و بين الصانع و هم أصحاب المتوسطات ثم اختلفوا فمنهم من جعل الوسائط من الأجسام العلوية كالنجوم و الشمس و القمر و منهم من جعل المتوسط من الأجسام السفلية كالأصنام و نحوها تعالى الله عما يقول الزائغون عن سبيله علوا كبيرا « فذلكم الله » ذلك إشارة إلى اسم الله تعالى الذي وصفه في الآية الأولى بأنه الذي يرزق الخلق و يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي و الكاف و الميم للمخاطبين و هم جميع الخلق أخبر سبحانه أن الذي يفعل هذه الأشياء « ربكم الحق » الذي خلقكم و معبودكم الذي له معنى الإلهية و يحق له العبادة دون غيره من الأصنام و الأوثان « فما ذا بعد الحق إلا الضلال » استفهام يراد به التقرير على موضع الحجة إذا لا يجد المجيب محيدا عن الإقرار به إلا بذكر ما لا يلتفت إليه و المراد به ليس بعد الذهاب عن الحق إلا الوقوع في الضلال لأنه ليس بينهما واسطة فإذا ثبت أن عبادة ما سواه باطل و ضلال « فإني تصرفون » أي فكيف تعدلون عن عبادته مع وضوح الدلالة على أنه لا معبود سواه « كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون » معناه أن الوعيد من الله تعالى للكفار بالنار في الصحة كالقول بأنه ليس بعد الحق إلا الضلال و قيل إن معناه مثل انصرافهم عن الإيمان وجبت العقوبة لهم أي جازاهم ربهم بمثل ما فعلوا من الانصراف و هذا في قوم علم الله تعالى أنهم لا يؤمنون و معناه سبق علم ربك في هؤلاء أنهم لا يؤمنون و قيل معنى قوله « أنهم لا يؤمنون » أو لأنهم لا يؤمنون أي وجبت العقوبة عليهم لذلك .

مجمع البيان ج : 5 ص : 164
قُلْ هَلْ مِن شرَكائكم مَّن يَبْدَؤُا الخَْلْقَ ثمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الخَْلْقَ ثمَّ يُعِيدُهُ فَأَنى تُؤْفَكُونَ(34) قُلْ هَلْ مِن شرَكائكم مَّن يهْدِى إِلى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يهْدِى لِلْحَقِّ أَ فَمَن يهْدِى إِلى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لا يهِدِّى إِلا أَن يهْدَى فَمَا لَكمْ كَيْف تحْكُمُونَ(35) وَ مَا يَتَّبِعُ أَكْثرُهُمْ إِلا ظناًّ إِنَّ الظنَّ لا يُغْنى مِنَ الحَْقِّ شيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ بِمَا يَفْعَلُونَ(36)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم « أمن لا يهدي » ساكنة الهاء خفيفة الدال و قرأ أهل المدينة غير ورش يهدي ساكنة الهاء مشددة الدال و قرأ أبو عمرو و ابن كثير و ابن عامر و روح و زيد عن يعقوب يهدي بفتح الياء و الهاء و تشديد الدال إلا أن أبا عمرو أشار إلى فتحة الهاء من غير إشباع و قرأ عاصم غير حماد و يحيي و رويس عن يعقوب « يهدي » بفتح الياء و كسر الهاء و تشديد الدال و قرأ حماد و يحيي عن أبي بكر عن عاصم يهدي بكسر الياء و الهاء و التشديد .

الحجة

قوله « يهدي » و يهدي و يهدي و يهدي أصل جميعها يهتدي يفتعل و إن اختلفت ألفاظها أدغموا التاء في الدال لمقاربتها لها فإنهما من حيز واحد ثم اختلفوا في تحريك الهاء فمن قرأ يهدي ألقى حركة الحرف المدغم و هو التاء على الهاء و من قرأ « يهدي » بكسر الهاء فإنه حرك الهاء بالكسر لالتقاء الساكنين و من سكن الهاء جمع بين الساكنين و من أشم الهاء و لم يسكن فالإشمام في حكم التحريك و من كسر الياء مع الهاء أتبع الياء ما بعدها من الكسرة و هو ردي لثقل الكسر في الياء .

الإعراب

قوله « فما لكم كيف تحكمون » ما مبتدأ و لكم خبره و كيف منصوب بقوله « تحكمون » « لا يغني من الحق شيئا » يجوز أن يكون قوله « شيئا » مفعول يغني و يجوز أن يكون في موضع مصدر أي لا يغني من الحق غناء و كذا قيل في قوله « لا تجزي نفس عن نفس شيئا » قالوا هو مفعول تجزي و قالوا هو مصدر أي جزاء و كذلك قوله « و لا تشركوا به شيئا » قالوا هو مفعول تشركوا و قالوا هو مصدر أي لا تشركوا به إشراكا و كذلك قوله « يعبدونني لا يشركون بي شيئا » .

المعنى

ثم احتج سبحانه عليهم في التوحيد باحتجاج آخر فقال « قل » يا محمد لهؤلاء المشركين « هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده » أي هل من هذه الأصنام التي جعلتموها شركاء لله في العبادة و قيل الذين جعلتموهم شركاء في أموالكم كما قال و هذا لشركائنا من يبدأ الخلق بالإنشاء بعد أن لم يكن و هو النشأة الأولى ثم يعيده في
مجمع البيان ج : 5 ص : 165
النشأة الثانية « قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده » معناه فإن قالوا ليس من شركائنا من يقدر عليه أو سكتوا فقل أنت لهم الله هو الذي يبدأ الخلق بأن ينشئه على غير مثال ثم يفنيه ثم يعيده يوم القيامة « فأنى تؤفكون » أي كيف تصرفون عن الحق و تقلبون عن الإيمان ثم استأنف الحجاج فقال سبحانه « قل » يا محمد « هل من شركائكم من يهدي إلى الحق » أي هل من هذه الأصنام من يهدي الناس إلى الرشد و ما فيه الصلاح و النجاة و الخير بدلالة ينصبها و حجة يظهرها فلا بد من أن يجيبوا بلا ف « قل » أنت لهم « الله » هو الذي « يهدي للحق » إلى طريق الرشاد يقال هديت إلى الحق و هديت للحق بمعنى واحد « أ فمن يهدي إلى الحق » معناه أ فمن يهدي غيره إلى طريق التوحيد و الرشد « أحق أن يتبع » أمره و نهيه « أمن لا يهدي » أحدا « إلا أن يهدى » أو لا يهتدي هو إلا أن يهدى و الأصنام لا تهتدي و لا تهدي أحدا و إن هديت لأنها موات من حجارة و نحوها و لكن الكلام نزل على أنها إن هديت اهتدت لأنهم لما اتخذوها آلهة عبر عنها كما يعبر عمن يعقل و وصفت بصفة من يعقل و إن لم يكن في الحقيقة كذلك أ لا ترى إلى قوله سبحانه « و يعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات و الأرض شيئا و لا يستطيعون » و قوله « إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم » و إنما هن موات أ لا ترى أنه قال « فادعوهم فليستجيبوا لكم » « أ لهم أرجل يمشون بها » الآية و كذلك قوله « إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم و لو سمعوا ما استجابوا لكم » فأجري عليه اللفظ كما يجري على من يعلم و على هذا فقوله « إلا أن يهدى » إلا بمنزلة حتى فكأنه قال أمن لا يهتدي حتى يهدى أم من لا يعلم حتى يعلم و من لا يستدل على شيء حتى يدل عليه و إن كان لو دل أو علم لم يستدل و لم يعلم و لو هدي لم يهتد بين الله سبحانه بذلك جهلهم و قلة تمييزهم في تسويتهم من لا يعلم و لا يقدر بالله القادر و العالم و قال البلخي لا يهدي و لا يهتدي بمعنى واحد يقال هديته فهدى أي اهتدى و قيل إن المراد بذلك الملائكة و الجن لأنهم يهتدون إذا هدوا و قيل المراد به الرؤساء و المضلون الذين يدعون إلى الكفر و قيل إن المعنى في قوله « لا يهدي إلا أن يهدى » لا يتحرك إلا أن يحرك و لا ينتقل إلا أن ينقل كقول الشاعر :
حيث تهدي ساقه قدمه أي يحمل و قيل معناه إلا أن يركب الله فيه آلة التمييز و الهداية و يرزقه فهما و عقلا فإن هدي حينئذ اهتدى « فما لكم » قال الزجاج هذا كلام تام كأنه قال أي شيء لكم في عبادة من لا يضر و لا ينفع « كيف تحكمون » هذا تعجيب من حالهم أي كيف تقضون بأن هذه الأصنام آلهة و أنها تستحق
مجمع البيان ج : 5 ص : 166
العبادة و قيل كيف تحكمون لأنفسكم بما لا توجبه الحجة و لا تشهد بصحته الأدلة « و ما يتبع أكثرهم إلا ظنا » أي ليس يتبع أكثر هؤلاء الكفار إلا ظنا الظن الذي لا يجدي شيئا من تقليد آبائهم و رؤسائهم « إن الظن لا يغني من الحق شيئا » لأن الحق إنما ينتفع به من علمه حقا و عرفه معرفة صحيحة و الظن يكون فيه تجويز أن يكون المظنون على خلاف ما ظن فلا يكون مثل العلم « إن الله عليم بما يفعلون » من عبادة غير الله تعالى فيجازيهم عليه و فيه ضرب من التهديد .
وَ مَا كانَ هَذَا الْقُرْءَانُ أَن يُفْترَى مِن دُونِ اللَّهِ وَ لَكِن تَصدِيقَ الَّذِى بَينَ يَدَيْهِ وَ تَفْصِيلَ الْكِتَبِ لا رَيْب فِيهِ مِن رَّب الْعَلَمِينَ(37) أَمْ يَقُولُونَ افْترَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسورَة مِّثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ استَطعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صدِقِينَ(38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يحِيطوا بِعِلْمِهِ وَ لَمَّا يَأْتهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِك كَذَّب الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظرْ كَيْف كانَ عَقِبَةُ الظلِمِينَ(39) وَ مِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَ مِنهُم مَّن لا يُؤْمِنُ بِهِ وَ رَبُّك أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ(40)

اللغة

القرآن عبارة عن هذا الكلام الذي هو في أعلى طبقات البلاغة مع حسن النظام و الجزالة ، و التفصيل و التقسيم و التمييز نظائر و ضده التلبيس و التخليط و السورة جملة منزلة محيطة ب آيات الله كإحاطة سور البناء بالبناء و الاستطاعة حالة للحي تنطاع بها الجوارح للفعل و هي مأخوذة من الطوع و القدرة مأخوذة من القدر فهي معنى يمكن أن يوجد بها الفعل و ألا يوجد لتقصير قدره عن ذلك المعنى .

الإعراب

« و ما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله » أي لأن يفترى و يجوز أن يكون
مجمع البيان ج : 5 ص : 167
المعنى ما كان هذا القرآن افتراء فيكون مصدرا في موضع نصب بأنه خبر كان و تصديق عطف عليه أي و لكن كان تصديق الذي بين يديه « أم يقولون افتراه » أم هذه هي المنقطعة و تقديره بل أ يقولون و كيف في موضع نصب على أنه خبر كان .

المعنى

ثم رد الله سبحانه على الكفار قولهم ائت بقرآن غير هذا أو بدله و قولهم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) افترى هذا القرآن فقال « و ما كان هذا القرآن أن يفترى » أي افتراء « من دون الله » فأقام أن مع الفعل مقام المصدر بل هي وحي من الله و متلقى منه « و لكن تصديق الذي بين يديه » من الكتب كما قال في موضع آخر مصدقا لما بين يديه و هذه شهادة من الله بأن القرآن صدق و شاهد لما تقدم من التوراة و الإنجيل و الزبور بأنها حق و من وجه آخر هو شاهد لها من حيث إنه مصداق لها على ما تقدمت البشارة به فيها و قيل معناه تصديق الذي بين يديه في المستقبل من البعث و النشور و الحساب و الجزاء « و تفصيل الكتاب » أي تبيين المعاني المجملة في القرآن من الحلال و الحرام و الأحكام الشرعية و قيل معناه و بيان الأدلة التي تحتاجون إليها في أمور دينكم « لا ريب فيه من رب العالمين » أي لا شك فيه أنه نازل من عند الله و أنه معجز لا يقدر أحد على مثله و هذا غاية في التحدي « أم يقولون افتراه » هذا تقرير على موضع الحجة بعد مضي حجة أخرى و تقديره بل أ يقولون افتراه هذا فألزمهم على الأصل الفاسد إمكان أن يأتوا بمثله و « قل » لهم « فأتوا بسورة مثله » أي مثله في البلاغة لأنكم من أهل لسانه فلو قدر على ذلك لقدرتم أنتم أيضا عليه فإذا عجزتم عن ذلك فاعلموا أنه ليس من كلام البشر و أنه منزل من عند الله عز اسمه و قيل « بسورة مثله » أي بسورة مثل سورة منه و قال مثله لأنه إنما التمس من هذا شبه الجنس « و ادعوا من استطعتم من دون الله » أي و ادعوا من قدرتم عليه من دون الله و استعينوا به للمعاضدة على المعارضة بسورة مثله « إن كنتم صادقين » في أن هذا القرآن مفترى من دون الله و هذا أيضا غاية في التحدي و التعجيز « بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه » أي بما كذبوا و لم يعلموه من جميع وجوهه لأن في القرآن ما يعلم المراد منه بدليل و يحتاج إلى الفكر فيه و الرجوع إلى الرسول في معرفة مراده و ذلك مثل المتشابة فالكفار لما لم يعرفوا المراد بظاهره كذبوا به و قيل معناه بل كذبوا بما لم يحيطوا علما بكيفية نظمه و ترتيبه و هذا كما أن الناس يعرفون ألفاظ الشعر و الخطب و معانيها و لا يمكنهم إبداعها لجهلهم بنظمها و ترتيبها و قال الحسن معناه بل كذبوا بالقرآن من غير علم ببطلانه و قيل معناه بل كذبوا بما في القرآن من الجنة و النار و البعث و النشور و الثواب و العقاب « و لما يأتهم تأويله » أي لم يأتهم بعد حقيقة ما وعد في الكتاب مما يؤول إليه أمرهم من العقوبة و قيل معناه إن في القرآن أشياء لا يعلموه هم و لا يمكنهم معرفته إلا بالرجوع إلى
مجمع البيان ج : 5 ص : 168
النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلم يرجعوا إليه و كذبوا به فلم يأتهم تفسيره و تأويله فيكون معنى الآية بل كذبوا بما لم يدركوا علمه من القرآن و لم يأتهم تفسيره و لو راجعوا فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لعلموه و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إن الله خص هذه الأمة ب آيتين من كتابه أن لا يقولوا إلا ما يعلمون و أن لا يردوا ما لا يعلمون ثم قرأ أ لم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق الآية و قرأ « بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه » الآية و قيل أن من هنا أخذ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قوله الناس أعداء ما جهلوا و أخذ قوله قيمة كل امرىء ما يحسنه من قوله عز و جل « فأعرض عن من تولى عن ذكرنا و لم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم » و أخذ قوله تكلموا تعرفوا من قوله و لتعرفنهم في لحن القول « كذلك كذب الذين من قبلهم » أي مثل تكذيب هؤلاء كذبت الأمم السالفة رسلها « فانظر » يا محمد « كيف كان عاقبة الظالمين » أي كما كان عاقبة أولئك الهلاك كذلك يكون عاقبة هؤلاء ثم أخبر سبحانه أن من جملة هؤلاء الذين كذبوا بالقرآن و نسبوه إلى الافتراء من سيؤمن به في المستقبل و يصدق بأنه من عند الله و منهم من يموت على كفره فقال « و منهم من يؤمن به و منهم من لا يؤمن به » و أراد سبحانه أنه إنما لا يهلكهم في الحال لما يعلم في تبقيتهم من الصلاح و قيل معناه و منهم من يؤمن بالقرآن في نفسه و يعلم صحته إلا أنه يعاند و يظهر من نفسه خلاف ما يعلمه و منهم من هو شاك فيه فكأنه قال و منهم معاندون و منهم شاكون « و ربك أعلم بالمفسدين » أي بمن يدوم على الفساد و يعلم من يتوب .
وَ إِن كَذَّبُوك فَقُل لى عَمَلى وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِىءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ(41) وَ مِنهُم مَّن يَستَمِعُونَ إِلَيْك أَ فَأَنت تُسمِعُ الصمَّ وَ لَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ(42) وَ مِنهُم مَّن يَنظرُ إِلَيْك أَ فَأَنت تهْدِى الْعُمْىَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ(43) إِنَّ اللَّهَ لا يَظلِمُ النَّاس شيْئاً وَ لَكِنَّ النَّاس أَنفُسهُمْ يَظلِمُونَ(44)

المعنى

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « و إن كذبوك » يا محمد و لم يصدقوك
مجمع البيان ج : 5 ص : 169
و ردوا عليك قولك « فقل » لهم « لي عملي » فإن كنت كاذبا فوباله علي « و لكم عملكم » أي و لكم جزاء عملكم « أنتم بريئون مما أعمل و أنا بريء مما تعملون » نظيره قوله قل يا أيها الكافرون إلى آخر السورة و هذا وعيد لهم من الله تعالى كقوله اعملوا على مكانتكم و نحوه و قيل إن هذه الآية منسوخة ب آية القتال و قيل أنه لا تنافي بين هذه الآية و آية القتال لأنها براءة و وعيد و ذلك لا ينافي الجهاد « و منهم من يستمعون إليك » معناه و من جملة هؤلاء الكفار من يستمع إليك يا محمد و الاستماع طلب السمع فهم كانوا يطلبون السمع للرد لا للفهم فلذلك لزمهم الذم فإنهم إذا سمعوه على هذا الوجه كأنهم صم لم يستمعوه حيث لم ينتفعوا به « أ فأنت تسمع الصم » هذا خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأنه لم يقدر على إسماع الصم « و لو كانوا لا يعقلون » قال الزجاج معناه و لو كانوا جهالا و هذا مثل قول الشاعر :
أصم عما ساءه سميع « و منهم من ينظر إليك » أي و من جملتهم من ينظر إليك يا محمد فلم يخبر بلفظ الجمع هنا لأنه حمله على اللفظ و قال « من يستمعون » فأخبر بلفظ الجمع حملا على المعنى أي ينظر إلى أفعالك و أقوالك لا نظر الحقيقة و العبرة بل نظر العادة فلا ينتفع بنظره « أ فأنت تهدي العمي و لو كانوا لا يبصرون » أي فكما أنك لا تقدر أن تبصر العمي فتنفعهم به كذلك لا تقدر أن تنفع بما تأتي به من الأدلة من ينظر إليها و لا يطلب الانتفاع بها و قوله « أ فأنت » استفهام المراد به النفي و قيل إن معنى الآيتين و منهم من يستمع إلى كلامك استماع الطعن و التعنت و ينظر إلى أدلتك نظر الطاعن القادح فيها المكذب بها الراد عليها فلا تقدر أن تنفعهم بمثل هذا الاستماع و النظر « إن الله لا يظلم الناس شيئا و لكن الناس أنفسهم يظلمون » قد تمدح سبحانه في هذه الآية بأنه لا يظلم أحدا من الناس شيئا بأن ينقص من حسناتهم و جزاء طاعاته و لكنهم ينقصون أنفسهم و يظلمونها بارتكاب ما نهى الله عنه من القبائح و المعنى هنا أن الله تعالى لا يمنع أحدا الانتفاع بما كلفهم الانتفاع به من القرآن و الأدلة و لكنهم يظلمون أنفسهم بترك النظر فيه و الاستدلال به و تقويتهم أنفسهم الثواب عليها و إدخالهم عليها العقاب ففي الآية دلالة على أنه سبحانه لا يفعل الظلم فبطل قول المجبرة في إضافة كل ظلم إلى خلقه و إرادته .

النظم

قيل في اتصال الآية الأولى بما قبلها أنه سبحانه لما بين دلائل التوحيد و النبوات فعاندوا و كذبوا أمر فيما بعد بقطع العصمة عنهم و الوعيد لهم و أما الآية الأخيرة و هي قوله « إن الله لا يظلم الناس شيئا » فالوجه في اتصالها بما قبلها أنها تتصل بقوله « فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين » يعني أنهم استحقوا ذلك الهلاك و العذاب بأفعالهم و ما ظلمناهم
مجمع البيان ج : 5 ص : 170
و قيل إنها اتصلت بقوله « و منهم من يستمعون إليك » « و منهم من ينظر إليك » فكأنه قال إن الله لا يمنعهم الانتفاع بما كلفهم بل مكنهم و بين لهم و هداهم و أزاح علتهم و لكن ظلموا هم أنفسهم بترك الانتفاع به عن الجبائي و أبي مسلم و قيل أنه لما تقدم ذكر الوعد و الوعيد بين سبحانه أنه لا يظلمهم أي لا ينقص من حسناتهم و لا يزيد في سيئاتهم .
وَ يَوْمَ يحْشرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلا ساعَةً مِّنَ النهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَ مَا كانُوا مُهْتَدِينَ(45) وَ إِمَّا نُرِيَنَّك بَعْض الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّك فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثمَّ اللَّهُ شهِيدٌ عَلى مَا يَفْعَلُونَ(46) وَ لِكلِّ أُمَّة رَّسولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسولُهُمْ قُضىَ بَيْنَهُم بِالْقِسطِ وَ هُمْ لا يُظلَمُونَ(47)

القراءة

قرأ حفص عن عاصم « و يوم يحشرهم » بالياء و الباقون بالنون .

الحجة ، و الإعراب

قال أبو علي يحتمل قوله « كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار » ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن يكون صفة ( و الآخر ) أن يكون صفة للمصدر المحذوف ( و الثالث ) أن يكون حالا من الضمير في نحشرهم فإذا جعلته صفة ليوم احتمل ضربين من التأويل ( أحدهما ) أن يكون التقدير كأن لم يلبثوا قبله إلا ساعة فحذفت الكلمة لدلالة المعنى عليها و مثل ذلك في حذف هذا النحو منه قوله فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أي أمسكوهن قبله و كذلك قوله يتربصن بأنفسهن أي يتربصن بعدهم و يجوز أن يكون المعنى كأن لم يلبثوا قبله فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه ثم حذفت الهاء من الصفة كقولك الناس رجلان رجل أهنتم و رجل أكرمتم و مثل هذا في حذف المضاف و إقامة الصفة المضاف إليه مقامه قوله « ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا و هو واقع بهم » التقدير و جزاؤه واقع بهم فحذف المضاف و إن جعلته صفة للمصدر كان على هذا التقدير الذي وصفناه و بمثله و إن جعلته حالا من الضمير المنصوب لم يحتج إلى حذف شيء من اللفظ لأن الذكر من الحال قد عاد إلى ذي الحال و المعنى نحشرهم مشابهة أحوالهم أحوال من لم
مجمع البيان ج : 5 ص : 171
يلبث إلا ساعة و إما يوم نحشرهم فإنه يصلح أن يكون معمولا لأحد شيئين ( أحدهما ) أن يكون معمول يتعارفون ( و الآخر ) أن يكون يوم نحشرهم لما دل عليه قوله « كأن لم يلبثوا » فإذا جعلته معمولا لقوله « يتعارفون » انتصب يوم على وجهين ( أحدهما ) أن يكون ظرفا معناه يتعارفون في هذا اليوم ( و الآخر ) أن يكون مفعولا على السعة على قوله يا سارق الليلة أهل الدار و معنى يتعارفون يحتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون المعنى مدة إماتتهم التي وقع حشرهم بعدها و حذف المفعول للدلالة عليه كما حذف في مواضع كثيرة و عدي تفاعل كما يعدى في قوله تخاطأت النبل أحشاءه أو يكون أعمل الفعل الذي دل عليه يتعارفون أ لا ترى أنه قد دل على يستعملون و يتعرفون و تعرفوا مدة اللبث هاهنا كما تعرفوها في قوله قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم و الآخر في التعارف ما جاء من قوله و أقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فتعارفهم يكون على أحد هذين الوجهين فعلى هذا يكون قوله و يوم نحشرهم معمول يتعارفون و الآخر أن يكون يوم نحشرهم معمول ما دل عليه قوله « كأن لم يلبثوا » أ لا ترى أن المعنى تشابه أحوالهم أحوال من لم يلبث فيعمل في الظرف هذا المعنى و لا يمتنع المعنى من أن يعمل في الظرف و أن تقدم الظرف عليه كقولهم أكل يوم لك ثوب و إذا حملته على هذا لم يجز أن يكون صفة للمصدر لأن الموصوف الذي هو المصدر موضعه بعد الفعل تقديره يوم نحشرهم حشرا كأن لم يلبثوه أو لم يلبثوا قبله و الصفة لا يتقدم عليها ما تعمل فيه و لا يجوز أيضا أن تجعله صفة ليوم على هذا لأن الصفة لا تعمل في الموصوف أ لا ترى أن الصفة شرح للموصوف كما أن الصلة لا تعمل في الموصول لذلك فإن قلت فإذا قدرت كأن لم يلبثوا على تقدير الحال من الضمير هل يجوز أن يكون يوم معمولا له فإن ذلك لا يجوز لأن العامل في الحال يحشر أو نحشر و قد أضيف اليوم إليه و لا يجوز أن يعمل في المضاف المضاف إليه و لا ما يتعلق بالمضاف إليه لأن ذلك يوجب تقديمه على المضاف أ لا ترى أنه لم يجز القتال زيدا حين يأتي و إذا جعلت يتعارفون العامل في يوم نحشرهم لم يجز أن يكون صفة ليوم على أنك كأنك وصفت اليوم بقوله « كأن لم يلبثوا » و يتعارفون فوصفت يوم نحشرهم بجملتين لم يجز أن يكون معمولا لقوله « يتعارفون » لأن الصفة لا تعمل في الموصوف و جاز وصف اليوم بالجمل و إن أضيف لأن الإضافة ليست بمحضة فلم تعرفه و يدل على النون في نحشرهم قوله سبحانه و حشرناهم و قوله فجمعناهم جمعا و نحشره يوم القيامة أعمى و يدل على الياء قوله ليجمعنكم إلى يوم القيامة و كل واحد منهما يجري مجرى الآخر .

مجمع البيان ج : 5 ص : 172

المعنى

ثم بين سبحانه حالهم يوم الجمع فقال « و يوم يحشرهم » أي يجمعهم من كل مكان إلى الموقف « كأن لم يلبثوا » في الدنيا « إلا ساعة من النهار » أي كأنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من النهار و معناه أنهم استقلوا أيام الدنيا فإن المكث في الدنيا و إن طال كان بمنزلة مكث ساعة في جنب الآخرة عن الضحاك و جماعة و قيل استقلوا أيام مقامهم في الدنيا لقلة انتفاعهم بأعمارهم فيها فكأنهم لم يلبثوا إلا يوما فيها لقلة فائدتها و قيل إنهم استقلوا مدة لبثهم في القبور عن ابن عباس و قد دل الله سبحانه بذلك على أنه لا ينبغي لأحد أن يغتر بطول ما يأمله من البقاء في الدنيا إذا كان عاقبته إلى الزوال « يتعارفون بينهم » معناه أن الخلق يعرف بعضهم بعضا في ذلك الوقت كما كانوا في الدنيا كذلك و قيل معناه يعرف بعضهم بعضا ما كانوا عليه من الخطإ و الكفر قال الكلبي يتعارفون إذا خرجوا من قبورهم ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا العذاب و يتبرأ بعضهم من بعض « قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله » أي بلقاء جزاء الله « و ما كانوا مهتدين » للحق قال الحسن معناه خسروا أنفسهم لأنهم لم يكونوا مهتدين في الدنيا و لو كانوا مهتدين في الدنيا لم يخسروا أنفسهم و معناه أنهم خسروا الدنيا حين صرفوها إلى المعاصي و خسروا نعيم الآخرة حين فوتوها على أنفسهم بمعاصيهم « و إما نرينك » يا محمد في حياتك « بعض الذي نعدهم » أي نعد هؤلاء الكفار من العقوبة في الدنيا قالوا و منها وقعة بدر « أو نتوفينك » أي نميتنك قبل أن ينزل ذلك بهم و ينزل ذلك بهم بعد موتك « فإلينا مرجعهم » أي إلى حكمنا مصيرهم في الآخرة فلا يفوتوننا و قيل إن الله سبحاه وعد نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن ينتقم له منهم إما في حياته أو بعد وفاته و لم يحده بوقت فقال إن ما وعدناه حقا لا محالة « ثم الله شهيد على ما يفعلون » أي عليم بأفعالهم حافظ لها فهو يوفيهم عقاب معاصيهم « و لكل أمة رسول » أي لكل جماعة على طريقة واحدة و دين واحد كأمة محمد و أمة موسى و عيسى (عليهماالسلام) رسول بعثه الله إليهم و حمله الرسالة التي يؤديها إليهم « فإذا جاء رسولهم » هاهنا حذف و إضمار و التقدير فإذا جاء رسولهم و بلغ الرسالة فكذبه قومه و صدقه آخرون « قضي بينهم » فيهلك المكذبون و ينجو المؤمنون و قيل معناه فإذا جاء رسولهم يشهد عليهم يوم القيامة عن مجاهد و قيل في الدنيا بما أذن الله له من الدعاء عليهم قضي بينهم أي فصل بينهم الأمر على الحتم « بالقسط » أي بالعدل « و هم لا يظلمون » أي لا ينقصون عن ثواب طاعاتهم و لا يزدادون في عقاب سيئاتهم .
 

Back Index Next