جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 6 ص : 488
قبيل أنه يشم الياء في الوصل و لا يثبتها و يقف عليها بالألف و الباقون « دعاء » بغير ياء و قرأ الحسن بن علي (عليهماالسلام) و أبو جعفر محمد بن علي (عليهماالسلام) و الزهري و إبراهيم النخعي و لولدي و قرأ يحيى بن يعمر و لولدي و قرأ سعيد بن جبير و لوالدي .

الحجة

يقال جنبت الشيء أجنبه جنوبا و من العرب من يقول أجنبته أجنبه أي تجنبته عن الشيء و كان معنى قوله « اجنبني و بني أن نعبد الأصنام » أصرفني و إياهم عن عبادة الأصنام و معنى اجنبني اجعلني كالجنيب عن ذلك و أما قوله تهوي إليهم بفتح الواو فهو من هويت الشيء أهواه إذا أحببته و إنما جاز تعديته بالي لأن معنى هويت الشيء ملت إليه فكأنه قال تميل إليهم فهو محمول على المعنى و مثله قوله سبحانه أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم فعدي الرفث بالي و أنت لا تقول رفثت إلى فلانة و إنما تقول رفثت بها أو معها و لكنه لما كان معنى الرفث هنا معنى الإفضاء عداه بالي فكأنه قال أحل لكم الإفضاء إلى نسائكم قال ابن جني : المعنى في قراءة الجماعة « تهوي إليهم » تميل إليهم أي تحبهم فهذا في المعنى كقولهم و هو ينحط في هواك أي يخلد إليه و يقيم عليه و ذلك أن الإنسان إذ أحب الشيء أكثر من ذكره و أقام عليه و إذا كرهه خف إلى سواه و قولهم هويت فلانا من لفظ هوى إلى الشيء يهوي إلا أنهم خالفوا بين المثالين لاختلاف ظاهر الأمرين و إن كانا على معنى واحد متلاقيين و أما من وصل دعائي بياء فهو القياس من شم الياء في الوصل و لا يثبتها فلدلالة الكسرة على الياء قال أبو علي : حذف الياء في الوقف أقيس من حذفها في الوصل لأن الوقف موضع تغيير يغير فيه الحرف الموقوف عليه كثيرا قال الأعشى :
فهل يمنعني ارتيادي البلاد
من حذر الموت أن يأتين و قال :
و من شانىء كاسف وجهه
إذا ما انتسبت له أنكرن و من قرأ لولدي فإنه يعني إسماعيل و إسحاق و من قرأ لولدي فإن الولد قد يكون واحدا و جمعا تقول العرب ولدك من دمي عقبيك و معناه ولدك من ولدته فسال دمك على عقبيك عند ولادته لا من اتخذته ولدا و إذا كان جمعا فيجوز أن يكون جمع ولد فهو كأسد و أسد و يجوز أن يكون جمع ولد أيضا فيكون مثل الفلك في أنه جمع الفلك .

اللغة

الوادي سفح الجبل العظيم و منها قيل للأنهار العظام أودية لأن حافاتها كالجبال لها و منه الدية لأنه مال عظيم يحتمل في أمر عظيم .

مجمع البيان ج : 6 ص : 489

المعنى

« و إذ قال إبراهيم » معناه و اذكر يا محمد إذ قال إبراهيم « رب اجعل هذا البلد آمنا » يعني مكة و ما حولها من الحرم و قيل إن إبراهيم (عليه السلام) لما فرغ من بناء الكعبة دعا بهذا الدعاء و قد تقدم تفسيره في سورة البقرة و إنما قال هناك بلدا آمنا و قال هنا « هذا البلد آمنا » معرفا لأن النكرة إذا تكررت و أعيدت صارت معرفة و مثله في التنزيل فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب فاستجاب الله دعاء إبراهيم (عليه السلام) حتى كان الإنسان يرى قاتل أبيه فيها فلا يتعرض له و يدنو الوحش فيها من الناس فيأمن منهم « و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام » أي و الطف لي و لبني لطفا نتجنب به عن عبادة الأصنام و دعاء الأنبياء لا يكون إلا مستجابا فعلى هذا يكون سؤاله ذلك مخصوصا بمن علم الله من حاله أن يكون مؤمنا لا يعبد إلا الله و يكون الله سبحانه قد أذن له في الدعاء لهم و استجاب دعاءه فيهم « رب إنهن أضللن كثيرا من الناس » معناه ضل بسببهن و عبادتهن كثير من الناس كما يقال فتنتني فلانة يعني افتتنت بحبها لا لأنها عملت شيئا و كما في قول الشاعر :
هبوني امرءا منكم أضل بعيره
له ذمة إن الذمام كبير و إنما أراد ضل بعيره لأن أحدا لا يضل بعيره قاصدا إلى إضلاله « فمن تبعني فإنه مني » يريد فمن تبعني من ذريتي الذين أسكنتهم هذا البلد على ديني في عبادة الله وحده و ترك عبادة الأصنام فإنه من جملتي و حاله كحالي « و من عصاني فإنك غفور رحيم » أي ساتر على العباد معاصيهم رحيم بهم في جميع أحوالهم منعم عليهم ثم حكى سبحانه تمام دعاء إبراهيم (عليه السلام) و أنه قال « ربنا إني أسكنت من ذريتي » أي أسكنت بعض أولادي و لا خلاف أنه يريد إسماعيل (عليه السلام) مع أمه هاجر و هو أكبر ولده و روي عن الباقر (عليه السلام) أنه قال نحن بقية تلك العترة و قال كانت دعوة إبراهيم (عليه السلام) لنا خاصة « بواد غير ذي زرع » يريد وادي مكة و هو الأبطح و إنما قال غير ذي زرع لأنه لم يكن بها يومئذ ماء و لا زرع و لا ضرع و لم يذكر مفعول أسكنت لأن من يفيد بعض القوم كما يقال قتلنا من بني فلان و أكلنا من الطعام و كما قال سبحانه أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله و تقديره أسكنت من ذريتي أناسا أو ولدا عن البلخي « عند بيتك المحرم » إنما أضاف البيت إليه سبحانه لأنه مالكه لا يملكه أحد سواه و ما عداه من البيوت قد ملكه غيره من العباد و يسأل فيقال كيف سماه بيتا و لم يبنه إبراهيم (عليه السلام) بعد و الجواب من وجهين ( أحدهما ) أنه لما كان من المعلوم أنه يبنيه سماه بيتا و المراد عند بيتك الذي مضى في سابق علمك كونه ( و الثاني ) أن البيت قد كان
مجمع البيان ج : 6 ص : 490
قبل ذلك و إنما خربه طسم و جديس و قيل إنه رفعه الله إلى السماء أيام الطوفان و إنما سماه المحرم لأنه لا يستطيع أحد الوصول إليه إلا بالإحرام و قيل لأنه حرم فيه ما أحل في غيره من البيوت من الجماع و الملابسة بشيء من الأقذار و الدماء و قيل معناه العظيم الحرمة « ربنا ليقيموا الصلاة » أي أسكنتهم هذا الوادي ليداوموا على الصلاة و يقيموا بشرائطها و اللام تتعلق بقوله أسكنت و فصل بينه و بين ما تعلق بقوله ربنا لأن الفصل بالنداء مستحب في هذا و إذا جاء نحو قوله :
على حين ألهى الناس جل أمورهم
فندلا زريق المال ندل الثعالب أي اندل المال يا زريق ففصل بالنداء بين المصدر و ما تعلق به كان هذا أولى « فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم » هذا سؤال من إبراهيم (عليه السلام) أن يجعل الله قلوب الخلق تحن إلى ذلك الموضع ليكون في ذلك أنس لذريته بمن يرد عليهم من الوفود و ليدر أرزاقهم على مرور الأوقات و لو لا لطفه سبحانه بإمالة قلوب الناس إليه إما للدين كالحج و العمرة و إما للتجارة لما صح أن يعيش ساكنوه قال سعيد بن جبير لو قال أفئدة الناس لحجت اليهود و النصارى و المجوس و لكنه قال من الناس فهم المسلمون و روى مجاهد أنه قال إن إبراهيم (عليه السلام) لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس و الروم و روى الفضل بن يسار و غيره عن الباقر (عليه السلام) أنه قال إنما أمر الناس أن يطوفوا بهذه الأحجار ثم ينفروا إلينا فيعلمونا ولايتهم و يعرضوا علينا نصرهم ثم قرأ هذه الآية و قيل إن معنى تهوي إليهم ينزع إليهم و يميل عن ابن عباس و قتادة و قيل معناه و ينزل و يهبط إليهم لأن مكة في غور عن أبي مسلم « و ارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون » أي لكي يشكروا لك و يعبدوك « ربنا إنك تعلم ما نخفي و ما نعلن » هذا اعتراف من إبراهيم (عليه السلام) لله سبحانه بأنه يعلم ما يبطن الخلق و ما يظهرونه و أنه لا يخفى عليه شيء مما في الأرض و السماء و قيل إن قوله « و ما يخفى على الله من شيء في الأرض و لا في السماء » إنما هو إخبار منه سبحانه بذلك و ابتداء كلام من جهته لا على سبيل الحكاية عن إبراهيم (عليه السلام) بل هو اعتراض عن الجبائي قال ثم عاد إلى حكاية كلام إبراهيم (عليه السلام) فقال « الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل و إسحاق » و هذا
مجمع البيان ج : 6 ص : 491
اعتراف منه بنعم الله سبحانه و حمد له على إحسانه بأن وهب له على الكبر كبر سنه ولدين قال ابن عباس ولد له إسماعيل و هو ابن تسع و تسعين سنة و ولد له إسحاق و هو ابن مائة و اثنتي عشرة سنة و قال سعيد بن جبير لم يولد لإبراهيم (عليه السلام) إلا بعد مائة و سبع عشرة سنة « إن ربي لسميع الدعاء » أي قابله و مجيبه عن ابن عباس و يؤيده قوله ( سمع الله لمن حمده ) « رب اجعلني مقيم الصلاة و من ذريتي » تقديره و اجعل من ذريتي مقيم الصلاة فحذف الفعل لأن ما قبله يدل عليه و هذا سؤال من إبراهيم (عليه السلام) من الله تعالى بأن يلطف له اللطف الذي عنده يقيم الصلاة و يتمسك بالدين و أن يفعل مثل ذلك بجماعة من ذريته و هم الذين أسلموا منهم فسأل لهم مثل ما سأل لنفسه « ربنا و تقبل دعاء » أي و أجب دعائي فإن قبول الدعاء إنما هو الإجابة و قبول الطاعة الإثابة « ربنا اغفر لي و لوالدي » و استدل أصحابنا بهذا على ما ذهبوا إليه من أبوي إبراهيم (عليه السلام) لم يكونا كافرين لأنه إنما يسأل المغفرة لهما يوم القيامة فلو كانا كافرين لما سأل ذلك لأنه قال فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه فصح أن أباه الذي كان كافرا إنما هو جده لأمه أو عمه على الخلاف فيه و من قال إنما دعا لأبيه لأنه كان وعده أن يسلم فلما مات على الكفر تبرأ منه على ما روى الحسن فقوله فاسد لأن إبراهيم (عليه السلام) إنما دعا بهذا الدعاء بعد الكبر و بعد أن وهب له إسماعيل و إسحاق و قد تبين له في هذا الوقت عداوة أبيه الكافر لله فلا يجوز أن يقصده بدعائه « و للمؤمنين يوم يقوم الحساب » أي و اغفر للمؤمنين أيضا يوم يقوم الخلق للحساب و قيل معناه يوم يظهر وقت الحساب كما يقال قامت السوق .

النظم

اتصلت الآيات بما قبلها لأن النهي عن عبادة الأصنام و الأمر بعبادة الله سبحانه قد تقدم فبين الله سبحانه عقيب ذلك ما كان عليه إبراهيم (عليه السلام) من التشدد في إنكار عبادة الأصنام و الدعاء بما دعا به و قيل إنه معطوف على ما تقدم من قوله و لقد أرسلنا موسى ب آياتنا و قيل إنه لما قال و آتاكم من كل ما سألتموه بين عقيبه ما دعا به إبراهيم (عليه السلام) و سأله إياه و إجابته لدعائه و سؤاله .

مجمع البيان ج : 6 ص : 492
وَ لا تَحْسبنَّ اللَّهَ غَفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْم تَشخَص فِيهِ الأَبْصرُ(42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيهِمْ طرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتهُمْ هَوَاءٌ(43) وَ أَنذِرِ النَّاس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَاب فَيَقُولُ الَّذِينَ ظلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلى أَجَل قَرِيب نجِب دَعْوَتَك وَ نَتَّبِع الرُّسلَ أَ وَ لَمْ تَكونُوا أَقْسمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكم مِّن زَوَال(44) وَ سكَنتُمْ فى مَسكنِ الَّذِينَ ظلَمُوا أَنفُسهُمْ وَ تَبَينَ لَكمْ كَيْف فَعَلْنَا بِهِمْ وَ ضرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ(45)

اللغة

الإهطاع الإسراع قال :
في مهطع سرع كان زمامه
في رأس جذع من أراك مشذب و قال آخر :
بدجلة أهلها و لقد أراهم
بدجلة مهطعين إلى السماع أي مسرعين و قيل إن الإهطاع مد العنق و الهطع طول العنق قال أحمد بن يحيى المهطع الذي ينظر في ذل و خشوع لا يقلع بصره و الإقناع رفع الرأس و قال الزجاج المقنع الرافع و المقنع المرتفع قال الشماخ :
يباكرن العضاة بمقنعات
نواجذهن كالحدء الوقيع أي كالفئوس المحدبة يصف إبلا ترعى الشجر و الطرف مصدر طرفت عين فلان إذا نظرت و هو أن ينظر ثم يغمض و الطرف العين أيضا و أفئدتهم هواء أي متجوفة لا تعي شيئا للخوف و الفزع شبهها بهواء الجو قال حسان :
ألا أبلغ أبا سفيان عني
فأنت مجوف نخب هواء
مجمع البيان ج : 6 ص : 493
و قال زهير :
كان الرحل منها فوق صعل
من الظلمان جؤجؤة هواء و الأجل الوقت المضروب لانقضاء الأمد .

الإعراب

« يوم يأتيهم » نصب على أنه مفعول به و العامل فيه أنذرهم و لا يكون على الظرف لأنه لم يؤمر بالإنذار في ذلك اليوم .
فيقول عطف على يأتيهم و ليس جواب الأمر لأنه لو كان جوابا له لجاز فيه النصب و الرفع فالنصب مثل قول الشاعر :
يا ناق سيري عنقا فسيحا
إلى سليمان فنستريحا و الرفع على الاستئناف « و تبين لكم كيف فعلنا بهم » فاعل تبين محذوف أي تبين لكم فعلنا بهم و لا يكون الفاعل كيف لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله و لأن كيف لا يخبر عنه و إنما يخبر به و كيف هنا منصوب بقوله « فعلنا » .

المعنى

لما ذكر سبحانه يوم الحساب وصفه و بين أنه لا يمهل الظالمين عن غفلة لكن لتأكيد الحجة قال « و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون » و في هذا وعيد للظالم و تعزية للمظلوم و معناه و لا تظنن الله ساهيا عن مجازاة الظالمين على أعمالهم و قيل إن تقديره و لا تحسبن الله لا يعاقب الظالمين على أفعالهم و لا ينتصف للمظلومين منهم « إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار » و معناه إنما يؤخر عقابهم و مجازاتهم إلى يوم القيامة و هو اليوم الذي تكون فيه الأبصار شاخصة عن مواضعها لا تغمض لهول ما ترى في ذلك اليوم و لا تطرف عن الجبائي و قيل تشخص أبصارهم إلى إجابة الداعي حين يدعوهم عن الحسن و قيل تبقى أبصارهم مفتوحة لا تنطبق للتحير و الرعب « مهطعين » أي مسرعين عن الحسن و سعيد بن جبير و قتادة و قيل يريد دائمي النظر إلى ما يرون لا يطوفون عن ابن عباس و مجاهد « مقنعي رءوسهم » أي رافعي رءوسهم إلى السماء حتى لا يرى الرجل مكان قدمه من شدة رفع الرأس و ذلك من هول يوم القيامة و قال مؤرج معناه ناكسي رءوسهم بلغة قريش « لا يرتد إليهم طرفهم » أي لا ترجع إليهم أعينهم و لا يطبقونها و لا يغمضونها و إنما هو نظر دائم « و أفئدتهم هواء » أي قلوبهم خالية من كل شيء فزعا و خوفا عن ابن عباس و قيل خالية من كل سرور و طمع في الخير لشدة ما يرون من الأهوال كالهواء الذي بين السماء
مجمع البيان ج : 6 ص : 494
و الأرض و قيل معناه و أفئدتهم زائلة عن مواضعها قد ارتفعت إلى حلوقهم لا تخرج و لا تعود إلى أماكنها بمنزلة الشيء الذاهب في جهات مختلفة المتردد في الهواء عن سعيد بن جبير و قتادة و قيل معناه خالية عن عقولهم عن الأخفش « و أنذر الناس » معناه و دم يا محمد على إنذارك الناس و هو عام في كل مكلف عن الجبائي و أبي مسلم و قيل معناه و خوف أهل مكة بالقرآن عن ابن عباس و الحسن « يوم يأتيهم العذاب » و هو يوم القيامة أو يأتيهم العذاب عذاب الاستئصال في الدنيا و قيل هو يوم المعاينة عند الموت و الأول أظهر « فيقول الذين ظلموا » نفوسهم بارتكاب المعاصي « ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك » أي ردنا إلى الدنيا و اجعل ذلك مدة قريبة نجب دعوتك فيها « و نتبع الرسل » أي نتبع رسلك فيما يدعوننا إليه فيقول الله تعالى مخاطبا لهم أو يقول الملائكة بأمره « أ و لم تكونوا أقسمتم » أي حلفتم « من قبل » في دار الدنيا « ما لكم من زوال » أي ليس لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة عن مجاهد و قيل معناه من زوال من الراحة إلى العذاب عن الحسن و في هذه دلالة على أن أهل الآخرة غير مكلفين خلافا لما يقول النجار و جماعة لأنهم لو كانوا مكلفين لما كان لقولهم « أخرنا إلى أجل قريب » وجه و لكان ينبغي لهم أن يؤمنوا فيتخلصوا من العقاب إذا كانوا مكلفين « و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبين لكم كيف فعلنا بهم » هذا زيادة توبيخ لهم و تعنيف أي و سكنتم ديار من كذب الرسل قبلكم فأهلكهم الله و عرفتم ما نزل بهم من البلاء و الهلاك و العذاب المعجل عن ابن عباس و الحسن و مساكنهم دورهم و قراهم و قيل إنهم عاد و ثمود و قيل هم المقتولون ببدر « و ضربنا لكم الأمثال » و بينا لكم الأشباه و أخبرناكم بأحوال الماضين قبلكم لتعتبروا بها فلم تعتبروا و لم تتعظوا و قيل الأمثال ما ذكر في القرآن مما يدل على أنه تعالى قادر على الإعادة كما هو قادر على الإنشاء و الابتداء و قيل هي الأمثال المنبهة على الطاعة الزاجرة عن المعصية عن الجبائي و في هذه الآيات دلالة على أن الإيمان من فعل العبد إذ لو كان من فعل الله تعالى لم يكن لتمني العود إلى الدنيا معنى .

مجمع البيان ج : 6 ص : 495
وَ قَدْ مَكَرُوا مَكرَهُمْ وَ عِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَ إِن كانَ مَكرُهُمْ لِتزُولَ مِنْهُ الجِْبَالُ(46) فَلا تحْسبنَّ اللَّهَ مخْلِف وَعْدِهِ رُسلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام(47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْض غَيرَ الأَرْضِ وَ السمَوَت وَ بَرَزُوا للَّهِ الْوَحِدِ الْقَهَّارِ(48) وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئذ مُّقَرَّنِينَ فى الأَصفَادِ(49) سرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَان وَ تَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ(50) لِيَجْزِى اللَّهُ كلَّ نَفْس مَّا كَسبَت إِنَّ اللَّهَ سرِيعُ الْحِسابِ(51) هَذَا بَلَغٌ لِّلنَّاسِ وَ لِيُنذَرُوا بِهِ وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَحِدٌ وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الأَلْبَبِ(52)

القراءة

قرأ الكسائي وحده لتزول بفتح اللام الأولى و رفع الثانية و الباقون « لتزول » بكسر اللام الأولى و نصب الثانية و في الشواذ عن علي (عليه السلام) و عمرو بن مسعود و أبي بن كعب و إن كاد مكرهم لتزول و قرأ زيد عن يعقوب من قطر آن على كلمتين منونتين و هو قراءة أبي هريرة و ابن عباس و سعيد بن جبير و الكلبي و قتادة و عيسى الهمداني و الربيع و قرأ سائر القراء « قطران » .

الحجة

قال أبو علي من قرأ « لتزول » بالنصب فإن إن هي النافية فيكون مثل قوله و ما كان الله ليطلعكم على الغيب فمعناه و ما كان مكرهم لتزول منه الجبال و الجبال كأنه أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إعلامه و دلائله أي ما كان مكرهم لتزول منه ما هو مثل الجبال في امتناعه ممن أراد إزالته و من قرأ لتزول كانت إن هي المخففة من الثقيلة على تعظيم أمر مكرهم بخلاف القراءة الأولى فيكون كقوله و مكروا مكرا كبارا أي قد كان مكرهم لعظمه و كبره يكاد يزيل ما هو مثل الجبال في الامتناع على من أراد إزالتها و ثباتها و مثل هذا في التعظيم للأمر قول الشاعر :
أ لم تر صدعا في السماء مبينا
على ابن لبينى الحارث بن هشام و قال :
بكى الحارث الجولان من موت ربه
و حوران منه خاشع متضائل قال أوس :
مجمع البيان ج : 6 ص : 496

أ لم تكسف الشمس شمس النهار
مع النجم و القمر الواجب و يدل على أن الجبال يعني بها أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قوله بعد « فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله » أي فقد وعد الظهور عليهم و الغلبة لهم في قوله ليظهره على الدين كله و قوله للذين كفروا ستغلبون و قد استعمل لفظ الجبال في غير هذا الموضع في تعظيم الشيء و تفخيمه قال ابن مقبل :
إذا مت عن ذكر القوافي فلن ترى
لها شاعرا مثلي أطب و أشعرا
و أكثر بيتا شاعرا ضربت به
بطون جبال الشعر حتى تيسرا و من قرأ و إن كاد مكرهم لتزول فهي مخففة من الثقيلة أيضا فتقديره و أنه كاد مكرهم لتزول منه الجبال قال ابن جني القطر الصفر و النحاس و هو أيضا الفلز رويناه عن قطرب و هو أيضا الصاد و منه قدور الصاد أي قدور الصفر و الآني الذي قد أنى و أدرك أنى الشيء يأني أنيا و أنا مقصور و منه قوله عز سبحانه غير ناظرين إناه أي بلوغه و إدراكه قال أبو علي و منه الإناء لأنه الظرف الذي قد بلغ غايته المرادة منه من حرز و صياغة و نحو ذلك قال أمية :
و سليمان إذ يسيل له القطر
على ملكه ثلاث ليال و أما القطران ففيه ثلاث لغات قطران على فعلان و قطران بفتح القاف و إسكان الطاء و قطران بكسر القاف و إسكان الطاء و الأصل فيهما قطران فأسكنا على ما يقال في كلمة كلمة و كلمة لغة تميمية قال أبو النجم :
جون كان العرق المنتوحا
ألبسه القطران و المسوحا و قال :
كان قطرانا إذا تلاها
ترمي به الريح إلى مجراها .

اللغة

البروز الظهور و الأصفاد جمع الصفد و هو الغل الذي يقرن به اليد إلى العنق و يجوز أن يكون السلسلة التي يقع بها التقرين و التقرين جمع الشيء إلى نظيره و القران الحبل يقرن به شيئان يقال صفدته بالحديد و أصفدته و صفدته قال عمرو بن كلثوم :
فأبوا بالنهاب و بالسبايا
و أبنا بالملوك مصفدينا
مجمع البيان ج : 6 ص : 497
و منه أصفدته إصفادا إذا أعطيته مالا و الصفد العطية و هو من الأول لأن العطية تصفد المودة و تقيدها و إلى هذا المعنى أشار المتنبي بقوله :
و من وجد الإحسان قيدا تقيدا و الاختبار في الحديد صفدته و في العطية أصفدته قال الأعشى :
تضيفته يوما فقرب مجلسي
و أصفدني على الزمانة قائدا و معناه و أعطاني قايدا و قال النابغة في الصفد الذي هو العطية :
هذا الثناء فإن تسمع لقائله
فما عرضت أبيت اللعن للصفد و السربال القميص قال امرؤ القيس :
و مثلك بيضاء العوارض طفلة
لعوب تنسيني إذا قمت سربالي و البلاغ الكفاية و منه البلاغة و هو البيان الكافي و البليغ هو الذي يبلغ بلسانه كنه ما في ضميره .

الإعراب

« مخلف وعده رسله » إضافة مخلف إلى وعده إضافة غير محضة لأنها في تقدير الانفصال و وعده و إن كان مجرورا في اللفظ فإنه منصوب في المعنى لأنه مفعول في المعنى فإن الإخلاف يقتضي مفعولين يقال أخلفت زيدا وعده فعلى هذا يكون تقديره مخلفا وعده رسله و قيل أنه قرأ في الشواذ مخلف وعده بالنصب رسله بالجر و هي رديئة للفصل بين المضاف و المضاف إليه و أنشدوا في ذلك :
فزججتها بمزجة
زج القلوص أبي مزادة و معناه فزججتها زج أبي مزادة القلوص و العامل في قوله « يوم تبدل الأرض » قوله « مخلف وعده » أو « انتقام » أي ينتقم ذلك اليوم أو يكون محذوفا على تقدير و اذكر يوم تبدل الأرض و إن شئت جعلته نعتا لقوله يوم يقوم الحساب و الأرض مرفوعة على ما لم يسم فاعله و غير منصوب على أنه مفعول ما لم يسم فاعله تقول بدل الخاتم خاتما آخر إذا كسر و صيغ صيغة أخرى و قد تقول بدل زيد إذا تغير حاله .

المعنى

ثم أبان سبحانه عن مكر الكفار و دفعه ذلك عن رسله (عليهم السلام) تسلية لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « و قد مكروا مكرهم » أي و قد مكروا بالأنبياء قبلك ما
مجمع البيان ج : 6 ص : 498
أمكنهم من المكر كما مكروا بك فعصمهم الله من مكرهم كما عصمك و قيل عنى به كفار قريش الذين دبروا في أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و احتالوا عليه و مكروا بالمؤمنين و خدعوهم « و عند الله مكرهم » أي جزاء مكرهم فحذف المضاف كما حذف من قوله « ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا » و هو واقع بهم أي جزاؤه يريد و قد عرف الله مكرهم فهو يجازيهم عليه « و إن كان مكرهم لتزول منه الجبال » أي و لم يكن مكرهم ليبطل حجج القرآن و ما معك من دلائل النبوات فإن ذلك ثابت بالدليل و البرهان و المعنى لا تزول منه الجبال فكيف يزول منه الدين الذي هو أثبت من الجبال و على القراءة الأخرى فالمعنى أن مكرهم و إن بلغ كل مبلغ فلا يزيل دين الله تعالى على ما تقدم بيانه و لا يضر ذلك أنبياءه و لا يزيل أمرهم و لا سيما أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإنه أثبت من الجبال و قد قيل إن المراد به نمرود بن كوش بن كنعان حين أخذ التابوت و أخذ أربعة من النسور فأجاعها أياما و علق فوقها لحما و ربط التابوت إليها و طارت النسور بالتابوت و هو و وزيره فيه إلى أن بلغت حيث شاء الله تعالى و ظن أنه بلغ السماء ففتح باب التابوت من أعلاه فرأى بعد السماء منه كبعدها حين كان في الأرض و فتح بابا من أسفل التابوت فرأى الأرض قد غابت عنه فهاله الأمر فصوب النسور و سقط التابوت و كانت له وجبة عن ابن عباس و ابن مسعود و جماعة « فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله » أي فلا تظنن الله عز اسمه مخلفا رسله ما وعدهم به من النصر و الظفر بالكفار و الظهور عليهم « إن الله عزيز » أي ممتنع بقدرته من أن ينال باهتضام و هو من الكفار « ذو انتقام يوم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات » قيل فيه قولان ( أحدهما ) إن المعنى تبدل صورة الأرض و هيئتها عن ابن عباس فقد روي عنه أنه قال تبدل آكامها و آجامها و جبالها و أشجارها و الأرض على حالتها و تبقى أرضا بيضاء كالفضة لم يسفك عليها دم و لم يعمل عليها خطيئة و تبدل السماوات فيذهب بشمسها و قمرها و نجومها و كان ينشد :
فما الناس بالناس الذين عهدتهم
و لا الدار بالدار التي كنت أعرف و يعضده ما رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يبدل الله الأرض غير الأرض و السماوات فيبسطها و يمدها مد الأديم العكاظي لا ترى فيها عوجا و لا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة فإذا هم في هذه المبدلة مثل مواضعهم من الأولى . ما كان في بطنها كان في بطنها و ما كان على ظهرها كان على ظهرها ( و الآخر ) أن المعنى تبدل الأرض و تنشأ أرض غيرها و السماوات كذلك تبدل بغيرها و تفنى هذه عن الجبائي و جماعة من المفسرين و في تفسير
مجمع البيان ج : 6 ص : 499
أهل البيت (عليهم السلام) بالإسناد عن زرارة و محمد بن مسلم و حمران بن أعين عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) قالا تبدل الأرض خبزة نقية يأكل الناس منها حتى يفرغ من الحساب قال الله تعالى و ما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام و هو قول سعيد بن جبير و محمد بن كعب و روى سهل بن سعد الساعدي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد و روي عن ابن مسعود أنه قال تبدل الأرض بنار فتصير الأرض كلها يوم القيامة نارا و الجنة من ورائها يرى كواعبها و أكوابها و يلجم الناس العرق و لم يبلغ الحساب بعد و قال كعب تصير السماوات جنانا و يصير مكان البحر النار و تبدل الأرض غيرها و روي عن أبي أيوب الأنصاري قال أتى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) حبر من اليهود فقال أ رأيت إذ يقول الله تعالى في كتابه « يوم تبدل الأرض غير الأرض و السماوات » فأين الخلق عند ذلك فقال أضياف الله فلن يعجزهم ما لديه و قيل تبدل الأرض لقوم بأرض الجنة و لقوم بأرض النار و قال الحسن يحشرون على الأرض الساهرة و هي أرض غير هذه و هي أرض الآخرة و فيها تكون جهنم و تقدير الكلام و تبدل السماوات غير السماوات إلا أنه حذف لدلالة الظاهر عليه « و برزوا لله » أي يظهرون من أرض قبورهم للمحاسبة لا يسترهم شيء و جعل ذلك بروزا لله لأن حسابهم معه و إن كانت الأشياء كلها بارزة له لا يسترها عنه شيء « الواحد » الذي لا شبه له و لا نظير « القهار » المالك الذي لا يضام يقهر عباده بالموت الزؤام « و ترى المجرمين » يعني الكفار عن ابن عباس و الحسن و هو الظاهر لأنه تقدم ذكرهم « يومئذ » أي يوم القيامة « مقرنين في الأصفاد » أي مجمعين في الأغلال قرنت أيديهم بها إلى أعناقهم و قيل يقرن بعضهم إلى بعض عن الجبائي و قيل مشدودين في قرن أي حبل من الأصفاد و القيود عن أبي مسلم و قيل يقرن كل كافر مع شيطان كان يضله في غل من حديد عن ابن عباس و الحسن و يبينه قوله تعالى احشروا الذين ظلموا و أزواجهم أي قرناءهم من الشياطين و قوله و إذا النفوس زوجت « سرابيلهم » أي قميصهم « من قطران » و هو ما يطلى به الإبل شيء أسود لزج منتن يطلون به فيصير كالقميص عليهم ثم يرسل النار فيهم لتكون أسرع إليهم و أبلغ في الاشتعال و أشد في العذاب عن الحسن و الزجاج و قيل نحاس أو صفر مذاب قد انتهى حره عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و جوز الجبائي على القراءتين أن يسربلوا سربالين أحدهما من القطران و الآخر من القطر الآني « و تغشى وجوههم النار » أي و تصيب وجوههم النار لا قطران عليها « ليجزي الله كل نفس ما كسبت » اللام تعلقت بما تقدم أخبر سبحانه أنه إنما
مجمع البيان ج : 6 ص : 500
فعل ذلك بهم لتجزى كل نفس بما كسبت خيرا بأن آمنت و أطاعت أثابها الله بالنعيم المقيم و إن كسبت شرا بأن كفرت و جحدت عاقبها بالعذاب الأليم في نار الجحيم « إن الله سريع الحساب » أي سريع المجازاة و قد سبق بيانه « هذا بلاغ للناس » هو إشارة إلى القرآن عن ابن عباس و الحسن و ابن زيد و غيرهم أي هذا القرآن عظة للناس بالغة كافية و قيل هو إشارة إلى ما تقدم ذكره أي هذا الوعيد كفاية لمن تدبره من الناس و الأول هو الصحيح « و لينذروا به » أي أنزل ليبلغوا و ينذروا به و ليخوفوا بما فيه من الوعيد « و ليعلموا أنما هو إله واحد » لا شريك له بالنظر في أدلة التوحيد التي بينها الله في القرآن « و ليذكر أولوا الألباب » أي و ليتعظ به أهل العقول و ذوو النهى و في هذه الآية دلالة على أن القرآن كاف في جميع ما يحتاج الناس إليه في أمور الدين لأن جميع أمور الدين جملها و تفاضيلها يعلم بالقرآن إما بنفسه و إما بواسطة فيجب على المؤمن المجتهد المهتم بأمور الدين أن يشمر عن ساق الجد في طلب أمور القرآن و يصدق عنايته بمعرفة ما فيه من بدائع الحكمة و مواضع البيان مكتفيا به عما سواه لينال السعادة في دنياه و عقباه و في قوله « و ليعلموا أنما هو إله واحد » دلالة على أنه سبحانه أراد من الناس علم التوحيد خلافا لأهل الجبر في قولهم أنه سبحانه أراد من النصارى إثبات التثليث و من الزنادقة القول بالتثنية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا و في قوله « ليذكر » دلالة على أنه أراد من الجميع التدبر و التذكر و على أن العقل حجة لأن غير ذوي العقول لا يمكنهم الفكر و الاعتبار .

النظم

اتصلت الآية الثانية بقوله « و عند الله مكرهم » أي فلا تحسبوا أن الله يخلف وعده بل يجازيهم و ينصر رسله و قيل اتصلت بقوله « إنما يؤخرهم » أي فلا تحسبوه مخلف وعده في العقوبة للكفار بل إن شاء أخر و إن شاء عجل و اتصل قوله « يوم تبدل الأرض غير الأرض » بقوله « فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله » أي لا يخلفهم وعده لا في الدنيا و لا في الآخرة عن أبي مسلم و قيل المراد به أنه ذو انتقام من الكفار ذلك اليوم و اتصل قوله « ليجزي الله كل نفس ما كسبت » بقوله « يوم تبدل الأرض » .

مجمع البيان ج : 6 ص : 501
( 15 ) سورة الحجر مكية و آياتها تسع و تسعون ( 99 )
مكية في قول قتادة و مجاهد و قال الحسن إلا قوله « و لقد آتيناك سبعا من المثاني و القرآن العظيم » و قوله « كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين » و هي تسع و تسعون آية بالإجماع .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من قرأها أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد المهاجرين و الأنصار و المستهزءين بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

تفسيرها

لما ختم الله سبحانه سورة إبراهيم (عليه السلام) بذكر القرآن و أنه بلاغ و كفاية لأهل الإسلام افتتح هذه السورة بذكر القرآن و أنه مبين للأحكام فقال : .
سورة الحجر
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الر تِلْك ءَايَت الْكتَبِ وَ قُرْءَان مُّبِين(1) رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كفَرُوا لَوْ كانُوا مُسلِمِينَ(2) ذَرْهُمْ يَأْكلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا وَ يُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسوْف يَعْلَمُونَ(3) وَ مَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَة إِلا وَ لهََا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ(4) مَّا تَسبِقُ مِنْ أُمَّة أَجَلَهَا وَ مَا يَستَئْخِرُونَ(5)


القراءة


قرأ أهل المدينة و عاصم « ربما يود » خفيفة الباء و الباقون بالتشديد و روى محمد
مجمع البيان ج : 6 ص : 502
بن حبيب الشموني عن الأعشى عن أبي بكر ربتما بالتاء .

الحجة

قال أبو علي أنشد أبو زيد :
ماوي بل ربتما غارة
شعواء كاللذعة بالميسم و أنشد أيضا :
يا صاحبا ربت إنسان حسن
يسأل عنك اليوم أو تسأل عن و قال السكري ربما و ربتما و ربما و ربتما و رب و رب ست لغات قال سيبويه رب حرف و يلحقها ما على وجهين ( أحدهما ) أن يكون نكرة بمعنى شيء و ذلك كقوله :
ربما تكره النفوس من الأمر
له فرجة كحل العقال فما في هذا البيت اسم لما يقدر من حذف الضمير إليه من الصفة و المعنى رب شيء تكرهه النفوس و إذا عاد إليه الهاء كان اسما و لم يجز أن يكون حرفا كما أن قوله أ يحسبون أنما نمدهم به من مال و بنين لما عاد إليه الذكر علمت بذلك أنه اسم و قوله فرجة يرتفع بالظرف في قول الناس جميعا و لا يرتفع بالابتداء و قد يقع أيضا لفظة من بعد رب في مثل قوله :
إلا رب من تغتشه لك ناصح
و مؤتمن بالغيب غير أمين فكما دخلت رب على من و كانت نكرة في معنى شيء كذلك تدخل على ما و الآخر أن تدخل كافة كما في الآية و نحو قول الشاعر :
ربما أوفيت في علم
ترفعن ثوبي شمالات و النحويون يسمون ما هذه كافة يريدون أنها بدخولها كفت الحرف عن العمل الذي كان له و هيأته لدخوله على ما لم يكن يدخل عليه أ لا ترى أن رب إنما تدخل على الاسم المفرد نحو رب رجل كريم يقول ذلك و ربه رجلا يقول ذلك و لا يدخل على الفعل فلما دخلت ما عليها سوغت لها الدخول على الفعل فمن ذلك قوله « ربما يود الذين كفروا » فوقع
مجمع البيان ج : 6 ص : 503
الفعل بعدها في الآية و هو على لفظ المضارع و وقع في قوله ربما أوفيت في علم على لفظ الماضي و هكذا ينبغي في القياس لأنها تدل على أمر قد مضى و إنما وقع في الآية على لفظ المضارع لأنه حكاية لحال آتية كما أن قوله إن ربك ليحكم بينهم حكاية لحال آتية و من حكاية الحال قول القائل :
جارية في رمضان الماضي
تقطع الحديث بالإيماض و من زعم أن الآية على إضمار كان و تقديره ربما كان يود فقد خرج بذلك عن قول سيبويه أ لا ترى أن كان لا يضمره و لم يجز عبد الله المقتول و أنت تريد كن عبد الله المقتول فأما إضمارها بعد إن في قولهم إن خيرا فخير فإنما جاز ذلك لاقتضاء الحرف له فصار اقتضاء الحرف له كذكره فأما ما أنشده ابن حبيب لنبهان بن مسور :
لقد رزيت كعب بن عوف و ربما
فتى لم يكن يرضى بشيء يضيمه فإن قوله فتى في ربما فتى يحتمل ضروبا ( أحدها ) أن يكون لما جرى ذكر رزيت استغني بجري ذكره من أن يعيده فكأنه قال ربما رزيت فتى فيكون انتصاب فتى برزيت هذه المضمرة كقوله الآن و قد عصيت قبل فاستغنى بذكر آمنت له المتقدم عن إظهاره بعد و قد يجوز أن ينتصب فتى برزيت هذه المذكورة كأنه قال لقد رزيت كعب بن عوف فتى و ربما لم يكن يرضى أي رزئت فتى لم يكن يضام و يكون هذا الفصل في أنه أجنبي بمنزلة قوله :
أبو أمه حي أبوه يقاربه ) و قد يجوز أن يكون مرتفعا بفعل مضمر كأنه قال ربما لم يرض فتى كقوله :
و قلما وصال على طول الصدود يدوم ) و يجوز أن يكون ما نكرة بمنزلة شيء فيكون فتى وصفا لها لأنها لما كانت كالأسماء المبهمة في إبهامها وصفت بأسماء الأجناس كأنه قال رب شيء فتى لم يكن كذا فهذه الأوجه كلها ممكنة و يجوز في الآية أن يكون ما بمنزلة شيء و يود صفة له لأن ما لعمومها يقع على كل شيء فيجوز أن يعني بها الود كأنه قال رب ود يوده الذين كفروا و يكون يود في هذا الوجه أيضا حكاية حال أ لا ترى أنه لم يكن بعد و هذه الآية في المعنى كقوله فارجعنا نعمل صالحا و كقوله حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون
مجمع البيان ج : 6 ص : 504
و كتمنيهم الرد في قوله يا ليتنا نرد و لا نكذب و أما قول من قال ربما بالتخفيف فلأنه حرف مضاف و الحرف و الحروف المضاعفة قد تحذف و إن لم يحذف غير المضاعف فمن المضاعف الذي حذف أن و إن و لكن و ليس كل المضاعف يحذف لم أعلم الحذف في ثم و أما دخول التاء في ربتما فإن من الحروف ما يدخل عليه حرف التأنيث نحو ثم و ثمت و لا و لات قال :
ثمت لا يجزونني عند ذاكم
و لكن سيجزيني المليك فيعقبا فكذلك ألحقت التاء في قولهم ربتما و أنشد الزجاج في تخفيف رب قول الحادرة :
أ سمي ما يدريك أن رب فتية
باكرت لذتهم بأدكن مترع قال و قد يسكنون في التخفيف يقولون رب رجل جاءني و أنشدوا بيت الهذلي :
أ زهير إن يشب القذال فإنني
رب هيضل مرس لففت بهيضل و يقولون ربت رجل و ربت رجل بفتح الراء و رب رجل و ربما رجل جاءني و ربتما رجل فيفتحون حكى ذلك قطرب .

الإعراب

قرآن عطف على الكتاب و إنما عطفه عليه و إن كان الكتاب هو القرآن لاختلاف اللفظين و ما فيهما من الفائدتين و إن كانا لموصوف واحد لأن وصفه بالكتاب يفيد أنه مما يكتب و يدون و وصفه بالقرآن يفيد أنه مما يؤلف و يجمع بعض حروفه إلى بعض كما قال الشاعر :
إلى الملك القرم و ابن الهمام
و ليث الكتيبة في المزدحم
و ذي الرأي حين تغم الأمور
بذات الصليل و ذات اللجم و يقال لم جاز « ربما يود الذين كفروا » و رب للتقليل و جوابه على وجهين ( أحدهما ) أنه أبلغ في التهديد كما تقول ربما ندمت على هذا و أنت تعلم أنه يندم ندما طويلا أي يكفيك قليل الندم فكيف كثيره ( و الثاني ) أنه يشغلهم العذاب عن تمني ذلك إلا في أوقات قليلة .

المعنى

« الر » قد تقدم الكلام في هذه الحروف و أقوال العلماء فيها « تلك آيات
مجمع البيان ج : 6 ص : 505
الكتاب و قرآن مبين » أي هذه آيات الكتاب و آيات قرآن مميز بين الحق و الباطل و قيل المبين البين الواضح عن أبي مسلم و قيل هو المبين للحلال و الحرام و الأوامر و النواهي و الأدلة و غير ذلك و قيل المراد بالكتاب التوراة و الإنجيل عن مجاهد و قيل المراد به الكتب المنزلة قبل القرآن عن قتادة « ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين » أي ربما يتمنى الكفار الإسلام في الآخرة إذا صار المسلمون إلى الجنة و الكفار إلى النار و يجوز أن يتمنوا ذلك وقت اليأس و روى مجاهد عن ابن عباس قال ما يزال الله يدخل الجنة و يرحم و يشفع حتى يقول من كان من المسلمين فليدخل الجنة فحينئذ يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين و قال الصادق (عليه السلام) ينادي مناد يوم القيامة يسمع الخلائق أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم فثم يود سائر الخلائق أنهم كانوا مسلمين و روي مرفوعا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إذا اجتمع أهل النار في النار و معهم من يشاء الله من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين أ لم تكونوا مسلمين قالوا بلى قالوا فما أغنى عنكم إسلامكم و قد صرتم معنا في النار قالوا كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيسمع الله عز و جل ما قالوا فأمر من كان في النار من أهل الإسلام فاخرجوا منها فحينئذ يقول الكفار يا ليتنا كنا مسلمين « ذرهم يأكلوا و يتمتعوا » معناه دعهم يأكلوا في دنياهم أكل الأنعام و يتمتعوا فيها بما يريدون و التمتع التلذذ و هو طلب اللذة حالا بعد حال « و يلههم الأمل » أي و تشغلهم آمالهم الكاذبة عن اتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و القرآن يقال ألهاه الشيء أي شغله و أنساه « فسوف يعلمون » وبال ذلك فيما بعد حين يحل بهم العذاب يوم القيامة و صاروا إلى ما يجحدون به و في هذه الآية إشارة إلى أن الإنسان يجب أن يكون مقصور الهمة على أمور الآخرة مستعدا للموت مسارعا إلى التوبة و لا يأمل الآمال المؤدية إلى الصد عنها و قد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان اتباع الهوى و طول الأمل فإن اتباع الهوى يصد عن الحق و طول الأمل ينسي الآخرة « و ما أهلكنا من قرية إلا و لها كتاب معلوم » معناه و لم نهلك أهل قرية فيما مضى على وجه العقوبة إلا و كان لهم أجل مكتوب لا بد أن سيبلغونه يريد فلا يغرن هؤلاء الكفار إمهالي إياهم إنما ينزل العذاب بهم في الوقت المكتوب المقدر لذلك « ما تسبق من أمة أجلها و ما يستأخرون » أي لم تكن أمة فيما مضى تسبق أجلها فتهلك قبل ذلك و لا تتأخر عن أجلها الذي قدر لها بل إذا استوفت أجلها أهلكها الله .

مجمع البيان ج : 6 ص : 506
وَ قَالُوا يَأَيهَا الَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّك لَمَجْنُونٌ(6) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَئكَةِ إِن كُنت مِنَ الصدِقِينَ(7) مَا نُنزِّلُ الْمَلَئكَةَ إِلا بِالحَْقِّ وَ مَا كانُوا إِذاً مُّنظرِينَ(8) إِنَّا نحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لحََفِظونَ(9) وَ لَقَدْ أَرْسلْنَا مِن قَبْلِك فى شِيَع الأَوَّلِينَ(10) وَ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسول إِلا كانُوا بِهِ يَستهْزِءُونَ(11) كَذَلِك نَسلُكُهُ فى قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ(12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ قَدْ خَلَت سنَّةُ الأَوَّلِينَ(13) وَ لَوْ فَتَحْنَا عَلَيهِم بَاباً مِّنَ السمَاءِ فَظلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14) لَقَالُوا إِنَّمَا سكِّرَت أَبْصرُنَا بَلْ نحْنُ قَوْمٌ مَّسحُورُونَ(15) وَ لَقَدْ جَعَلْنَا فى السمَاءِ بُرُوجاً وَ زَيَّنَّهَا لِلنَّظِرِينَ(16) وَ حَفِظنَهَا مِن كلِّ شيْطن رَّجِيم(17) إِلا مَنِ استرَقَ السمْعَ فَأَتْبَعَهُ شهَابٌ مُّبِينٌ(18)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « ما ننزل » بنونين « الملائكة » بالنصب و قرأ أبو بكر عن عاصم ما تنزل بضم التاء الملائكة بالرفع و قرأ الباقون ما تنزل بفتح التاء و الزاي الملائكة بالرفع و قرأ ابن كثير سكرت بالتخفيف و الباقون بالتشديد و في الشواذ قراءة الزهري سكرت .

الحجة

قال أبو علي : حجة من قرأ تنزل قوله تنزل الملائكة و الروح فيها و حجة من قرأ تنزل قوله و نزل الملائكة تنزيلا و حجة من قرأ « ننزل » قوله و لو أننا نزلنا إليهم الملائكة و وجه التثقيل في « سكرت » أن الفعل مسند إلى جماعة فهو مثل مفتحة لهم الأبواب و وجه التخفيف أن هذا النحو من الفعل المسند إلى جماعة قد يخفف قال :
ما زلت أفتح أبوابا و أغلقها .

اللغة

الشيع الفرق عن الزجاج و كل فرقة شيعة و أصله من المشايعة و هي المتابعة يقال شايع فلان فلانا على أمره أي تابعه عليه و منه شيعة علي (عليه السلام) و هم الذين تابعوه على أمره و دانوا بإمامته و في حديث أم سلمة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) شيعة علي هم الفائزون يوم القيامة
مجمع البيان ج : 6 ص : 507
و سلك و أسلك بمعنى و المصدر السلك و السلوك قال عدي بن زيد :
و كنت لزاز خصمك لم أعرد
و قد سلكوك في يوم عصيب و قال آخر :
حتى إذا أسلكوهم في قتائدة
شلا كما تطرد الجمالة الشردا و العروج الصعود في الدرج و المضارع يعرج و يعرج أبو عبيدة « سكرت أبصارنا » غشيت قال أبو علي : فكان معناه لا ينفذ نورها و لا يدرك الأشياء على حقيقتها و معنى الكلمة انقطاع الشيء عن سننه الجاري فمن ذلك سكر الماء و هو رده عن سننه في الجري و قالوا التسكير في الرأي قبل أن يعزم على الشيء و إذا عزم على أمر ذهب التسكير و منه السكر في الشراب إنما هو أن ينقطع عما هو عليه من المصافي حال الصحو فلا ينفذ رأيه و نظره على حد نفاذه في صحوه و قالوا سكران لا يثبت فعبروا عن هذا المعنى فيه قال الزجاج : فسروا سكرت أغشيت و سكرت تحيرت و سكنت عن أن تنظر و العرب تقول سكرت الريح سكنت و كذلك سكر الحر قال الشاعر :
جاء الشتاء و اجثأل القبر
و جعلت عين الحرور تسكر و البرج أصله الظهور و منه البرج من بروج السماء و برج الحصن و يقال تبرجت المرأة إذا أظهرت زينتها و الرجيم المرجوم و الرجم الرمي بالشيء بالاعتماد من غير آلة مهياة للإصابة فإن القوس يرمي عنها و لا يرجم بها و رجمته شتمته و الشهاب القطعة من النار قال الزجاج : و الشهب المنقضة من آيات النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و الدليل على أنها كانت بعد مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن شعراء العرب الذين كانوا يمثلون في السرعة بالبرق و بالسيل و بالأشياء المسرعة لم يوجد في أشعارهم بيت واحد فيه ذكر الكواكب المنقضة فلما حدثت بعد مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) استعملت الشعراء ذكرها قال ذو الرمة :
كأنه كوكب في إثر عفرية
مسوم في سواد الليل منقضب .

مجمع البيان ج : 6 ص : 508

الإعراب

لو ما دعاء إلى الفعل و تحريض عليه و هو بمعنى لو لا و هلا و قد جاءت لو ما في معنى لو لا التي لها جواب قال ابن مقبل :
لو ما الحياء و لو لا الدين عبتكما
ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري « إلا من استرق السمع » استثناء منقطع و المعنى لكن من استرق السمع يتبعه شهاب و قال الفراء : هو استثناء صحيح لأن الله تعالى لم يحفظ السماء ممن يصعد إليها ليسترق السمع لكن إذا سمعه و أداه إلى الكهنة أتبعه شهاب .

المعنى

« و قالوا » أي قال المشركون للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « يا أيها الذي نزل عليه الذكر » أي القرآن في زعمه و دعواه « إنك لمجنون » في دعواك أنه نزل عليك و في توهمك أنا نتبعك و نؤمن بك « لو ما تأتينا بالملائكة » يشهدون لك على صدق قولك « إن كنت من الصادقين » فيما تدعيه عن ابن عباس و الحسن ثم أجابهم سبحانه بالجواب المقنع فقال « ما ننزل الملائكة إلا بالحق » أي لا ننزل الملائكة إلا بالحق الذي هو الموت لا يقع فيه تقديم و تأخير فيقبض أرواحهم عن ابن عباس و قيل لا ينزلون إلا بعذاب الاستئصال إن لم يؤمنوا عن الحسن و مجاهد و الجبائي و قيل ما ينزلون في الدنيا إلا بالرسالة عن مجاهد « و ما كانوا إذا » أي حين ننزل الملائكة « منظرين » مؤخرين ممهلين أي لا يمهلون ساعة ثم زاد سبحانه في البيان فقال « إنا نحن نزلنا الذكر » أي القرآن « و إنا له لحافظون » عن الزيادة و النقصان و التحريف و التغيير عن قتادة و ابن عباس و مثله لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه و قيل معناه متكفل بحفظه إلى آخر الدهر على ما هو عليه فتنقله الأمة و تحفظه عصرا بعد عصر إلى يوم القيامة لقيام الحجة به على الجماعة من كل من لزمته دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الحسن و قيل يحفظه من كيد المشركين و لا يمكنهم إبطاله و لا يندرس و لا ينسى عن الجبائي و قال الفراء يجوز أن يكون الهاء في له كناية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فكأنه قال إنا نزلنا القرآن و إنا لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لحافظون و في هذه الآية دلالة على أن القرآن محدث إذ المنزل و المحفوظ لا يكون إلا محدثا « و لقد أرسلنا من قبلك » يا محمد رسلا عن ابن عباس فحذف المفعول لدلالة الإرسال عليه « في شيع الأولين » أي في فرق الأولين عن الحسن و الكلبي و قيل في الأمم الأولين عن عطا عن ابن عباس « و ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون » و هذا تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذ أخبره أن كل رسول كان مبتلى بقومه و استهزاؤهم بالرسل إنما حملهم على ذلك استبعادهم ما دعوهم إليه و استيحاشهم منه و استنكارهم له حتى توهموا أنه مما لا يكون و لا يصح مع مخالفته لما وجدوا عليه أسلافهم « كذلك نسلكه في قلوب المجرمين » فيه قولان
مجمع البيان ج : 6 ص : 509
( أحدهما ) أن معناه أن نسلك الذكر الذي هو القرآن في قلوب الكفار بإخطاره عليها و إلقائه فيها و بأن نفهمهم إياه و أنهم مع ذلك « لا يؤمنون به » ماضين على سنة من تقدمهم في تكذيب الرسل كما سلكنا دعوة الرسل في قلوب من سلف من الأمم عن البلخي و الجبائي و المراد أن إعراضهم عن القرآن لا يمنعنا من أن ندخله في قلوبهم تأكيدا للحجة عليهم ( الآخر ) أن المعنى نسلك الاستهزاء في قلوبهم عقوبة لهم على كفرهم و الأول هو الصحيح و قد رووا عن جماعة من المفسرين أن المراد نسلك الشرك في قلوب الكفار و ذلك لا يصح لأنه لم يجر للشرك ذكر و قد جرى ذكر الذكر و هو القرآن و لأنه قال « لا يؤمنون به » و لو عاد الضمير في قوله به إلى الشرك لكان الكفار محمودين إذا كانوا لا يؤمنون بالشرك و لا خلاف أن الآية وردت على سبيل الذم لهم و لو كان الله سبحانه قد سلك الكفر في قلوبهم لسقط عنهم الذم و لما جاز أن يقول لهم كيف تكفرون و أنتم تتلى عليكم آيات الله لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه و كيف ينكر عليهم هذا الإنكار و هو الواضع لذلك في قلوبهم و كيف يأمرهم بإخراجه من حيث وضعه فيه تعالى و تقدس عن ذلك « و قد خلت سنة الأولين » أي مضت طريقة الأمم المتقدمة بأن كانت رسلهم تدعوهم إلى كتب الله المنزلة ثم لا يؤمنون و قيل مضت سنة الأولين بأن عوجلوا بعذاب الاستئصال عند الإتيان بالآيات المقترحة مع إصرارهم على الكفر عن أبي مسلم و قيل مضت سنتهم في التكذيب كما أن قومك كذبوك عن ابن عباس ثم قال بعد ما تقدم ذكر اقتراحهم للآيات « و لو فتحنا عليهم » أي على هؤلاء المشركين « بابا من السماء » ينظرون إليه « فظلوا فيه يعرجون » أي فظلت الملائكة تصعد و تنزل في ذلك الباب عن ابن عباس و قتادة و قيل فظل هؤلاء المشركون يعرجون إلى السماء من ذلك الباب و شاهدوا ملكوت السماوات عن الحسن و الجبائي و أبي مسلم « لقالوا إنما سكرت أبصارنا » أي سدت و غطيت عن مجاهد و قيل أغشيت و عميت عن ابن عباس و الكلبي و أبي عمرو و الكسائي و قيل تحيرت و سكنت عن أن تنظر « بل نحن قوم مسحورون » سحرنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلا ننظر ببصر و يخيل الأشياء إلينا على خلاف حقيقتها ثم ذكر سبحانه دلالات التوحيد فقال سبحانه « و لقد جعلنا » أي خلقنا و هيأنا « في السماء بروجا » أي منازل الشمس و القمر « و زيناها للناظرين » بالكواكب النيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) و هي اثنا عشر برجا و قيل البروج النجوم عن ابن عباس و الحسن و قتادة « و حفظناها » أي و حفظنا السماء « من كل شيطان رجيم » أي مرجوم مرمي بالشهب عن أبي علي الجبائي و أبي مسلم و قيل رجيم ملعون مشئوم عن ابن عباس و حفظ الشيء جعله على ما ينفي عنه الضياع فمن ذلك حفظ القرآن بدرسه حتى لا ينسى و حفظ المال بإحرازه
مجمع البيان ج : 6 ص : 510
حتى لا يضيع و حفظ السماء من الشيطان بالمنع حتى لا يدخلها و لا يبلغ إلى موضع يتمكن فيه من استراق السمع بما أعد له من الشهاب « إلا من استرق السمع » و السرقة عند العرب أن يأتي الإنسان إلى حرز خفية فيأخذ ما ليس له و المراد بالسمع هنا المسموع و المعنى إلا من حاول أخذ المسموع من السماء في خفية « فأتبعه » أي لحقه « شهاب مبين » أي شعلة نار ظاهر لأهل الأرض بين لمن رآه و نحن في رأي العين نرى كأنهم يرمون بالنجوم و الشهاب عمود من نور يضيء ضياء النار لشدة ضيائه و روي عن ابن عباس أنه قال كان في الجاهلية كهنة و مع كل واحد شيطان فكان يقعد من السماء مقاعد للسمع فيستمع من الملائكة ما هو كائن في الأرض فينزل و يخبر به الكاهن فيفشيه الكاهن إلى الناس فلما بعث الله عيسى (عليه السلام) منعوا من ثلاث سماوات و لما بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) منعوا من السماوات كلها و حرست السماء بالنجوم فالشهاب من معجزات نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأنه لم ير قبل زمانه و قيل إن الشهاب يحرق الشياطين و يقتلهم عن الحسن و قيل إنه يخبل و يحرق و لا يقتل عن ابن عباس .
وَ الأَرْض مَدَدْنَهَا وَ أَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَسىَ وَ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كلِّ شىْء مَّوْزُون(19) وَ جَعَلْنَا لَكمْ فِيهَا مَعَيِش وَ مَن لَّستُمْ لَهُ بِرَزِقِينَ(20) وَ إِن مِّن شىْء إِلا عِندَنَا خَزَائنُهُ وَ مَا نُنزِّلُهُ إِلا بِقَدَر مَّعْلُوم(21) وَ أَرْسلْنَا الرِّيَحَ لَوَقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السمَاءِ مَاءً فَأَسقَيْنَكُمُوهُ وَ مَا أَنتُمْ لَهُ بخَزِنِينَ(22) وَ إِنَّا لَنَحْنُ نُحْىِ وَ نُمِيت وَ نحْنُ الْوَرِثُونَ(23) وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُستَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا المُْستَئْخِرِينَ(24) وَ إِنَّ رَبَّك هُوَ يحْشرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(25)

القراءة

قرأ حمزة وحده الريح لواقح و الباقون « الرياح لواقح » .

مجمع البيان ج : 6 ص : 511

الحجة

قال أبو عبيدة لا أعرف لذلك وجها إلا أن يريد أن الريح تأتي مختلفة من كل وجه فكانت بمنزلة الرياح و حكى الكسائي أرض إغفال و أرض سباسب قال المبرد يجوز ذلك على أن يجعل الريح جنسا و ليس بجيد لأن الرياح ينفصل بعضها عن بعض و معرفة كل واحدة منها و الأرض ليست كذلك لأنها بساط واحد .

اللغة

الرواسي الثوابت واحدها راسية و المراسي ما يثبت به و الوزن وضع أحد الشيئين بإزاء الآخر على ما يظهر به مساواته في المقدار و زيادته و المعايش جمع معيشة و هي طلب أسباب الرزق مدة الحياة و قد يطلبها الإنسان لنفسه بالتصرف و التكسب و قد يطلب له فإن أتاه أسباب الرزق من غير طلب فذلك العيش الهنيء و اللواقح الرياح التي تلقح السحاب حتى يحمل الماء أي يلقي إليه ما يحمل به الماء يقال لقحت الناقة إذا حملت و ألقحها الفحل فاللواقح في معنى الملقحات و قيل في علة ذلك قولان ( أحدهما ) أنه في معنى ذات لقاح و مثله هم ناصب أي ذو نصب قال النابغة :
كليني لهم يا أميمة ناصب
و ليل أقاسيه بطيء الكواكب أي منصب و قال نهشل بن جري :
ليبك يزيد ضارع لخصومة
و مختبط مما تطيح الطوائح أي المطاوح ( و الآخر ) أن الرياح لاقحة بحملها الماء ملقحة بإلقائها إياه إلى السحاب و يقال سقيته فيما يشربه بشفته و استقيته بالألف فيما تشربه أرضه قال علي بن عيسى و قد يجيء أحدهما بمعنى الآخر كقوله نسقيكم مما في بطونه و قال ذو الرمة :
وقفت على ربع لمية ناقتي
فما زلت أبكي عنده و أخاطبه
و أسقيه حتى كاد مما أبثه
تكلمني أحجاره و ملاعبه .

الإعراب

« و الأرض » منصوب بفعل مضمر تقديره و مددنا الأرض « مددناها » كقوله و القمر قدرناه أي و قدرنا القمر قدرناه « و من لستم له برازقين » من في موضع نصب عطفا على معايش و المراد به العبيد و الإماء و الأنعام و الدواب عن مجاهد و قال الفراء العرب لا تكاد تجعل من إلا في الناس خاصة فإن كان مع الدواب العبيد حسن حينئذ قال و قد يجوز أن
مجمع البيان ج : 6 ص : 512
يكون من في موضع جر عطفا على الكاف و الميم في لكم و قال المبرد و الظاهر المخفوض لا يعطف على المضمر المخفوض نحو مررت بك و زيد إلا أن يضطر شاعر و أنشد الفراء :
نعلق في مثل السواري سيوفنا
و ما بينها و الكعب غوط نفانف فرد الكعب على الهاء في بينها و قال :
هلا سألت بذي الجماجم عنهم
و أبي نعيم ذي اللواء المحرق فرد أبا نعيم على هم في عنهم قال و يجوز أن يكون من في موضع رفع لأن الكلام قد تم و يكون التقدير على قوله و لكم فيها من لستم له برازقين قال الزجاج و الأجود من الأقوال الأول و جاز أن يكون عطفا على تأويل لكم لأن معنى قوله « لكم فيها معايش » أعشناكم « و من لستم له برازقين » أي رزقناكم و من لستم له برازقين « و إن من شيء » من مزيدة و شيء مبتدأ و عندنا خبر له و خزائنه مرفوع بالظرف لأن الظرف جرى خبرا على المبتدأ لا خلاف في هذا بين سيبويه و الأخفش .

المعنى

لما تقدم ذكر السماء و ما فيها من الأدلة و النعم أتبعه بذكر الأرض فقال « و الأرض مددناها » أي بسطناها و جعلنا لها طولا و عرضا « و ألقينا فيها رواسي » أي طرحنا فيها جبالا ثابتة « و أنبتنا فيها » أي في الأرض « من كل شيء موزون » أي مقدر معلوم عن ابن عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و قيل من كل شيء يوزن في العادة كالذهب و الفضة و الصفر و النحاس و نحوها عن الحسن و قيل يعني بذلك كل ما تخرجه الأرض عن أبي مسلم قال و إنما خص الموزون بالذكر دون المكيل لوجهين ( أحدهما ) أن غاية المكيل تنتهي إلى الوزن لأن جميع المكيلات إذا صار طعاما دخل في الوزن فالوزن أهم ( و الآخر ) أن في الوزن معنى الكيل لأن الوزن هو طلب المساواة و هذا المعنى ثابت في الكيل فخص الوزن بالذكر لاشتماله على معنى الكيل و رد عليه السيد الأجل المرتضى قدس الله روحه فقال ظاهر لفظ الآية يشهد بغير ما قاله فإن المراد بالموزون المقدار الواقع بحسب الحاجة فلا يكون ناقصا عنها و لا زائدا عليها زيادة مضرة داخلة في باب العبث و نظير ذلك قولهم كلام فلان
 

Back Index Next