جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 6 ص : 698
كل واحد منا بعمله حتى يفرج الله عنا ففعلوا فنجاهم الله و رواه النعمان بن بشير مرفوعا « إذ أوى الفتية إلى الكهف » أي اذكر لقومك إذ التجأ أولئك الشبان إلى الكهف و جعلوه مأواهم هربا بدينهم إلى الله « فقالوا » حين آووا إليه « ربنا آتنا من لدنك رحمة » أي نعمة ننجو بها من قومنا و فرج عنا ما نزل بنا « و هيىء لنا من أمرنا رشدا » أي هيىء و أصلح لنا من أمرنا ما نصيب به الرشد و قيل هيىء لنا مخرجا من الغار في سلامة عن ابن عباس و قيل معناه دلنا على أمر فيه نجاتنا لأن الرشد و النجاة بمعنى و قيل يسر لنا من أمرنا ما نلتمس به رضاك و هو الرشد و قالوا هؤلاء الفتية قوم آمنوا بالله تعالى و كانوا يخفون الإسلام خوفا من ملكهم و كان اسم الملك دقيانوس و اسم مدينتهم أفسوس و كان ملكهم يعبد الأصنام و يدعو إليها و يقتل من خالفه و قيل إنه كان مجوسيا يدعو إلى دين المجوس و الفتية كانوا على دين المسيح لما برح أهل الإنجيل و قيل كانوا من خواص الملك و كان يسر كل واحد منهم إيمانه عن صاحبه ثم اتفق أنهم اجتمعوا و أظهروا أمرهم فأووا إلى الكهف عن عبيد بن عمير و قيل إنهم كانوا قبل بعث عيسى (عليه السلام) « فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا » معناه أنمناهم سنين ذات عدد و تأويله فأجبنا دعاءهم و سددنا آذانهم بالنوم الغالب على نفوذ الأصوات إليها سنين كثيرة لأن النائم إنما ينتبه بسماع الصوت و دل سبحانه بذلك على أنهم لم يموتوا و كانوا نياما في أمن و راحة و جمام نفس و هذا من فصيح لغات القرآن التي لا يمكن أن يترجم بمعنى يوافق اللفظ « ثم بعثناهم » أي أيقظناهم من نومهم « لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا » أي ليظهر معلومنا على ما علمناه و ذكرنا الوجه في أمثاله فيما سبق و المعنى لننظر أي الحزبين من المؤمنين و الكافرين من قوم أصحاب الكهف عد أمد لبثهم و علم ذلك و كأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف بعد خروجهم من بيتهم فبعثهم الله ليبين ذلك و يظهر و قيل يعني بالحزبين أصحاب الكهف لما استيقظوا اختلفوا في تعداد لبثهم و ذلك قوله و كذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم الآية .

النظم

اتصل قوله « أم حسبت أن أصحاب الكهف » الآية بما قبلها من وجوه ( أحدها ) أنه لما أخبر عن زينة الأرض و عن الابتلاء عقبه بذكر الفتية التي تركت زينة الدنيا و اختارت طاعة الله و فارقت ديارها و أموالها حثا على الاقتداء بهم ( و الآخر ) إنه اتصل بقوله فلعلك باخع نفسك على آثارهم أي فلا تأسف عليهم لأنه لا يضرك كفرهم و الله ناصرك و حافظك من أعدائك كما حفظ أصحاب الكهف ( و الثالث ) إنه اتصل بقوله و يبشر المؤمنين أي و ينصرهم كما نصر أصحاب الكهف .

مجمع البيان ج : 6 ص : 699
نحْنُ نَقُص عَلَيْك نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْنَهُمْ هُدًى(13) وَ رَبَطنَا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَب السمَوَتِ وَ الأَرْضِ لَن نَّدْعُوَا مِن دُونِهِ إِلَهاً لَّقَدْ قُلْنَا إِذاً شططاً(14) هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتخَذُوا مِن دُونِهِ ءَالِهَةً لَّوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسلْطنِ بَين فَمَنْ أَظلَمُ مِمَّنِ افْترَى عَلى اللَّهِ كَذِباً(15) وَ إِذِ اعْتزَلْتُمُوهُمْ وَ مَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُا إِلى الْكَهْفِ يَنشرْ لَكمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَ يُهَيىْ لَكم مِّنْ أَمْرِكم مِّرْفَقاً(16)

القراءة

قرأ أهل المدينة و ابن عامر و الأعشى و البرجمي عن أبي بكر مرفقا بفتح الميم و كسر الفاء و الباقون « مرفقا » بكسر الميم و فتح الفاء .

الحجة

قال الزجاج : و ذكر قطرب و غيره اللغتين جميعا في مرفق الأمر و مرفق اليد و مرفق اليد بالكسر أجود قال أبو الحسن : مرفقا أي شيئا يرتفقون به مثل المقطع و نحوه و مرفقا جعله اسما مثل المسجد أو يكون لغة قال أبو علي : قوله جعله اسما أي جعل المرفق اسما و لم يجعلوه اسم المكان و لا المصدر من رفق يرفق كما أن المسجد ليس باسم الموضع من سجد يسجد و قوله أو يكون لغة أو يجعله في اسم المصدر كما جاء المطلع و نحوه و لو كان على القياس لفتحت اللام .

اللغة

الشطط الخروج عن الحد بالغلو فيه و أصله مجاوزة الحد في البعد و شطت الجارية تشط شططا و شطاطة إذا جاوزت الحد في الطول و أشط في السوم إذا جاوز القدر بالغلو فيه و الاعتزال التنحي عن الأمر و التعزل بمعناه قال :
يا بيت عاتكة التي أتعزل
حذر العدى و به الفؤاد موكل
مجمع البيان ج : 6 ص : 700
و سمي عمرو بن عبيد و أصحابه معتزلة لما اعتزلوا حلقة الحسن .

الإعراب

كسر « إنهم فتية » على الاستئناف .
« إذ قاموا » يتعلق بربطنا أي في الوقت الذي قاموا فيه و « شططا » منصوب على المصدر .
المعنى لقد قلنا قولا شططا و « ما يعبدون » في موضع نصب عطفا على الهاء و الميم في اعتزلتموهم و المراد الأصنام التي يعبدونها من دون الله و يجوز أن تكون ما مصدرية أي و عبادتهم إلا عبادة الله فحذف المضاف و الاستثناء على هذا من الهاء و الميم و إن جعلت ما موصولة كان الاستثناء من مفعول يعبدون استثناء منقطعا .

المعنى

ثم بين سبحانه قصة أصحاب الكهف فقال « نحن نقص عليك » أي نتلو عليك يا محمد « نبأهم » أي خبرهم « بالحق » أي بالصدق و الصحة « إنهم فتية » أي أحداث و شباب « آمنوا بربهم و زدناهم هدى » أي بصيرة في الدين و رغبة في الثبات عليه بالألطاف المقوية لدواعيهم إلى الإيمان و حكم لهم سبحانه بالفتوة لأن رأس الفتوة الإيمان و قيل الفتوة بذل الندى و ترك الأذى و ترك الشكوى عن مجاهد و قيل هي اجتناب المحارم و استعمال المكارم « و ربطنا على قلوبهم » أي شددنا عليها بالألطاف و الخواطر القوية للإيمان حتى وطنوا أنفسهم على إظهار الحق و الثبات على الدين و الصبر على المشاق و مفارقة الوطن « إذ قاموا » أي حين قاموا بين يدي ملكهم الجبار دقيانوس الذي كان يفتن أهل الإيمان عن دينهم « فقالوا » بين يديه « ربنا رب السماوات و الأرض » أي ربنا الذي نعبده خالق السماوات و الأرض « لن ندعوا من دونه إلها » أي لن نعبد إلها سواه معه « لقد قلنا إذا شططا » معناه إن دعونا مع الله إلها آخر فلقد قلنا إذا قولا مجاوزا للحق غاية في البطلان « هؤلاء قومنا » أي أهل بلدنا « اتخذوا من دونه » أي من دون الله « آلهة » يعبدونها « لو لا يأتون عليهم بسلطان بين » أي هلا يأتون على عبادتهم غير الله بحجة ظاهرة و في هذا ذم زجر للتقليد و إشارة إلى أنه لا يجوز أن يقبل دين إلا بحجة واضحة « فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا » فزعم أن له شريكا في العبادة « و إذ اعتزلتموهم و ما يعبدون إلا الله » قال ابن عباس و هذا من قول تمليخا و هو رئيس أصحاب الكهف قال لهم فإذا فارقتموهم و تنحيتم عنهم جانبا يعني عبدة الأصنام و فارقتم ما يعبدون أي أصنامهم إلا الله فإنكم لن تتركوا عبادته و ذلك إن أولئك كانوا يشركون بالله و يجوز أنه كان فيهم من يعبد الله مع عبادة الأصنام فقال إذا اعتزلتم الأصنام و لم تعتزلوا الله و لا عبادته فيكون الاستثناء متصلا و يجوز أن يكون جميعهم كانوا يعبدون الأوثان من دون الله فيكون الاستثناء منقطعا
مجمع البيان ج : 6 ص : 701
« فأووا إلى الكهف » أي صيروا إليه و اجعلوه مأواكم « ينشر لكم ربكم من رحمته » أي يبسط عليكم ربكم من نعمته « و يهيىء لكم من أمركم مرفقا » أي و يسهل عليكم ما تخافون من الملك و ظلمه و يأتيكم باليسر و الرفق و اللطف عن ابن عباس و كلما ارتفقت فهو مرفق و قيل معناه و يصلح لكم من أمر معاشركم ما ترتفقون به و في هذا دلالة على عظم منزلة الهجرة في الدين و على قبح المقام في دار الكفر إذا كان لا يمكن المقام فيها إلا بإظهار كلمة الكفر و بالله التوفيق .
* وَ تَرَى الشمْس إِذَا طلَعَت تَّزَوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَات الْيَمِينِ وَ إِذَا غَرَبَت تَّقْرِضهُمْ ذَات الشمَالِ وَ هُمْ فى فَجْوَة مِّنْهُ ذَلِك مِنْ ءَايَتِ اللَّهِ مَن يهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَن يُضلِلْ فَلَن تجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِداً(17) وَ تحْسبهُمْ أَيْقَاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ وَ نُقَلِّبُهُمْ ذَات الْيَمِينِ وَ ذَات الشمَالِ وَ كلْبُهُم بَسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطلَعْت عَلَيهِمْ لَوَلَّيْت مِنْهُمْ فِرَاراً وَ لَمُلِئْت مِنهُمْ رُعْباً(18)

القراءة

قرأ ابن عامر و يعقوب تزور بتشديد الزاي و قرأ أهل الكوفة « تزاور » بالتخفيف و الباقون تزاور بتشديد الزاي و قرأ أهل الحجاز لملئت بالتشديد و الباقون بالتخفيف و في الشواذ قراءة الجحدري تزوار و قراءة الحسن و تقلبهم بفتح التاء و القاف و الباء و ضم اللام .

الحجة

من قرأ تزاور فإنه تتزاور فأدغم التاء في الزاي و من قرأ « تزاور » حذف الثانية و خفف الكلمة بالحذف كما حذف أولئك بالإدغام و من قرأ تزور فقد قال أبو الحسن : لا معنى له في هذا الموضع إنما يقال هو مزور عني أي منقبض عني يدل عليه قول عنترة :
فأزور من وقع القنا بلبانه
و شكا إلي بعبرة و تحمحم
مجمع البيان ج : 6 ص : 702
قال أبو علي و الذي حسن القراءة به قول جرير :
عسفن عن الأداعس من مهيل
و في الأظعان عن طلح أزورار فظاهر استعمال هذا في الأظعان مثل استعماله في الشمس و تزاور على وزن تفاعل و تزوار على وزن تفعال من الازويرار و قوله لملئت منهم بالتشديد للتكثير قال أبو الحسن : الخفيفة أجود لا يكادون يقولون ملأ مني رعبا و إنما يقولون ملأتني رعبا قال أبو علي : يدل على قول أبي الحسن قول امرىء القيس :
فتملا بيتنا أقطا و سمنا و قول الأعشى :
و قد ملئت بكر و من لف لفها و أنشدوا في التثقيل قول المخبل السعدي :
فملأ من كعب بن عوف سلاسله و من قرأ و تقلبهم فإنه نصبه بفعل مضمر دل عليه ما قبله فكأنه قال و ترى أو تشاهد تقلبهم .

اللغة

القرض القطع يقال قرضت الموضع إذا قطعته و جاوزته قال الكسائي : هو المجازاة يقال قرضني فلان يقرضني و جذاني يجذوني بمعنى قال ذو الرمة :
إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف
شمالا و عن أيمانهن الفوارس و يستعمل القرض في أشياء غير هذا منه القطع للثوب و غيره و منه المقراض و منه قرض الفأر قال أبو الدرداء :
إن قارضتهم قارضوك
و إن تركتهم لم يتركوك يعني إن طعنت فيهم و عبتهم فعلوا بك مثله و إن تركتهم من ذلك لم يتركوك و القراض بلغة الحجاز المضاربة و القرض هو قول الشعر القصيدة منه خاصة دون الرجز و منه قيل للشعر القريض قال الأغلب العجلي :
أ رجزا تريد أم قريضا و الفجوة المتسع من الأرض و جمعه فجوات و فجاء ممدود و فجوة الدار ساحتها و الأيقاظ جمع يقظ و يقظان قال الراجز :
و وجدوا إخوتهم أيقاظا و الرقود جمع راقد و رقد يرقد رقادا و رقودا و الوصيد من أوصدت الباب أي أغلقته و جمعه وصائد و يقال وصيد و أصيد و أوصدت و أصدت مثل ورخت الكتاب و أرخته و وكدت الأمر و أكدته .

الإعراب

« و ترى الشمس » إلى قوله « و هم في فجوة » منه متعلق بالرؤية و قوله « إذا
مجمع البيان ج : 6 ص : 703
طلعت » « و إذا غربت » كلاهما بجوابهما في موضع المفعول الثاني و الحال و الجملة التي هي « و هم في فجوة منه » في موضع الحال « و كلبهم باسط ذراعيه » أعمل اسم الفاعل حيث نصب به ذراعيه و إن كان بمعنى الماضي لأنه حكاية حال كما قال هذا من شيعته و هذا من عدوه و هذا يشار به إلى الحاضر و لم يكن المشار إليهما حاضرين حين قص القصة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و لكنه على تلك الحال قص القصة .
« فهو المهتد » كتب في المصحف هنا بغير ياء و في الأعراف بالياء و حذف الياء جائز في الأسماء خاصة و لا يجوز في الأفعال لأن حذف الياء في الفعل دليل الجزم و حذف الياء في الأسماء واقع إذا لم يكن الألف و اللام نحو مهتد فأدخلت الألف و اللام و ترك الحرف على ما كان عليه و دلت الكسرة على الياء المحذوفة قال الزجاج : « لو اطلعت » بكسر الواو و يجوز الضم و الكسر أجود لأن الواو ساكنة و الطاء ساكنة و الأصل في التقاء الساكنين الكسر و جاز الضم لأن الضم من جنس الواو و لكنه إذا كان بعد الساكن مضموم فالضم هناك أحسن نحو أو أنقص قرىء بالضم و الكسر .
« فرارا » منصوب على المصدر لأن معنى وليت فررت و « رعبا » منصوب على التمييز يقال امتلأت فرقا و امتلأ الإناء ماء .

المعنى

ثم بين سبحانه حالهم في الكهف فقال « و ترى الشمس » أي لو رأيتها لرأيت « إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين » أي تميل وقت طلوعها عن كهفهم إلى جهة اليمين « و إذا غربت تقرضهم » أي تعدل عنهم و تتركهم « ذات الشمال » إلى جهة الشمال شمال الكهف أي لا تدخل كهفهم و قيل تقرضهم أي تجاوزهم منحرفة عنهم عن ابن عباس « و هم في فجوة منه » أي في متسع من الكهف و قيل في فضاء منه عن قتادة و قيل كان متسعا داخل الكهف بحيث لا يراه من كان ببابه و ينالهم نسيم الريح ثم أخبر سبحانه عن لطفه بهم و حفظه إياهم في مضجعهم و اختياره لهم أصلح المواضع لرقادهم فبوأهم مكانا من الكهف مستقبلا بنات النعش تميل الشمس عنهم طالعة و غاربة كيلا يؤذيهم حرها أو تغير ألوانهم أو تبلي ثيابهم و هم في متسع ينالهم فيه روح الريح و كان باب الغار مقابل القطب الشمالي « ذلك من آيات الله » أي من أدلته و برهانه « من يهد الله فهو المهتد » مثل أصحاب الكهف « و من يضلل فلن تجد له وليا مرشدا » مثل قوم أصحاب الكهف « و تحسبهم أيقاظا » أي لو رأيتهم لحسبتهم منتبهين « و هم رقود » أي نائمون في الحقيقة قال الجبائي و جماعة لأنهم مفتحو العيون يتنفسون كأنهم يريدون أن يتكلموا و لا يتكلمون و قيل إنهم ينقلبون كما ينقلب اليقظان « و نقلبهم ذات اليمين و ذات الشمال » معناه و نقلبهم تارة عن اليمين إلى الشمال و تارة عن الشمال إلى اليمين كما يتقلب النائم لأنهم لو لم يتقلبوا
مجمع البيان ج : 6 ص : 704
لأكلتهم الأرض و لبليت ثيابهم لطول مكثهم على جانب واحد و قيل كانوا يقلبون كل عام تقلبتين عن أبي هريرة و قيل كان تقلبهم كل عام مرة عن ابن عباس و قوله « و كلبهم » قال ابن عباس و أكثر المفسرين إنهم هربوا من ملكهم ليلا فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم و تبعه كلبه و قيل إنهم مروا بكلب فتبعهم فطردوه فعاد ففعلوا ذلك مرارا فقال لهم الكلب ما تريدون مني لا تخشوا خيانة فأنا أحب أولياء الله فناموا حتى أحرسكم عن كعب و قيل كان ذلك كلب صيدهم و قيل كان ذلك الكلب أصفر اللون عن مقاتل و قيل كان أنمر و اسمه قطمير عن ابن عباس و في تفسير الحسن أن ذلك الكلب مكث هناك ثلاث مائة و تسع سنين بغير طعام و لا شراب و لا نوم و لا قيام « باسط ذراعيه » هو أن يلقيهما على الأرض مبسوطتين كافتراش السبع « بالوصيد » أي بفناء الكهف عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل بالباب و قيل بباب الفجوة أو فناء الفجوة لا باب الكهف لأن الكفار خرجوا إلى باب الكهف في طلبهم ثم انصرفوا و لو رأوا الكلب على باب الغار لدخلوه و كذلك لو كان بالقرب من الباب و لما انصرفوا آيسين عنهم فإنهم سدوا باب الغار بالحجارة فجاء رجل بماشيته إلى باب الغار و أخرج الحجارة و اتخذ لماشيته كنا عند باب الغار و هم كانوا في فجوة من الغار عن الجبائي و قيل الوصيد عتبة الباب عن عطا « لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا » معناه لو أشرفت عليهم و رأيتهم في كهفهم على حالتهم لفررت عنهم و أعرضت عنهم هربا لاستيحاشك الموضع « و لملئت منهم رعبا » أي و لمليء قلبك خوفا و فزعا و ذلك إن الله منعهم بالرعب لئلا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله فيهم و قيل كانوا في مكان موحش من رآه فزع و لا يمتنع أن الكفار لما أتوا باب الكهف فزعوا من وحشة المكان فسدوا باب الكهف ليهلكوا فيه و جعل سبحانه ذلك لطفا لئلا ينالهم مكروه من سبع و غيره و ليكونوا محروسين من كل سوء و قيل إنهم كانت أظفارهم قد طالت و كذلك شعورهم و لذلك يأخذ الرعب منهم و هذا لا يصح لقوله تعالى حكاية عنهم لبثنا يوما أو بعض يوم و روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال غزوت مع معاوية نحو الروم فمروا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقلت له ليس هذا لك فقد منع ذلك من هو خير منك قال الله تعالى « لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا و لملئت منهم رعبا » فقال معاوية لا أنتهي حتى أعلم علمهم فبعث رجالا فلما دخلوا الكهف أرسل الله عليهم ريحا أخرجتهم .

مجمع البيان ج : 6 ص : 705
وَ كذَلِك بَعَثْنَهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنهُمْ قَالَ قَائلٌ مِّنهُمْ كمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْض يَوْم قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظرْ أَيهَا أَزْكى طعَاماً فَلْيَأْتِكم بِرِزْق مِّنْهُ وَ لْيَتَلَطف وَ لا يُشعِرَنَّ بِكمْ أَحَداً(19) إِنهُمْ إِن يَظهَرُوا عَلَيْكمْ يَرْجُمُوكمْ أَوْ يُعِيدُوكمْ فى مِلَّتِهِمْ وَ لَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً(20)

القراءة

قرأ أبو عمرو و أبو بكر و حمزة و خلف بورقكم ساكنة الراء و الباقون بكسر الراء و روي عن أبي عمرو بإدغام الكاف في القاف و في الشواذ قراءة أبي رجاء بورقكم بكسر الواو و الإدغام .

الحجة

في ورقكم أربع لغات فتح الواو و كسر الراء و هو الأصل و فتح الواو و سكون الراء و كسر الواو و سكون الراء و الإدغام قال ابن جني : هذا عند أصحابنا مخفي غير مدغم لكنه أخفى كسرة القاف فظنها القراء مدغمة و معاذ الله لو كانت مدغمة لوجب نقل كسرة القاف إلى الراء كقولهم برد و برق و للقراء في هذا عادة أن يعبروا عن المخفي بالمدغم للطف ذلك عليهم .

الإعراب

« كم لبثتم » تقديره كم يوما لبثتم فكم منصوبة بلبثتم و المميز محذوف أ لا ترى أن جوابه « لبثنا يوما أو بعض يوم » « فلينظر أيها أزكى طعاما » الجملة التي هي أيها أزكى مفعول فلينظر و طعاما تمييز .

المعنى

« و كذلك بعثناهم » معناه و كما فعلنا بهم الأمور العجيبة و حفظناهم تلك المدة المديدة بعثناهم من تلك الرقدة و أحييناهم من تلك النومة التي أشبهت الموت « ليتساءلوا بينهم » أي ليكون بينهم تساؤل و تنازع و اختلاف في مدة لبثهم فينتبهوا بذلك على معرفة صانعهم و يزدادوا يقينا إلى يقينهم « قال قائل منهم كم لبثتم » في نومكم « قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم » قال المفسرون إنهم دخلوا الكهف غدوة و بعثهم الله في آخر النهار فلذلك قالوا يوما فلما رأوا الشمس قالوا أو بعض يوم و كان قد بقيت من النهار بقية « قالوا ربكم أعلم بما لبثتم » و هذا القائل هو تمليخا رئيسهم عن ابن عباس رد علم ذلك إلى الله تعالى
مجمع البيان ج : 6 ص : 706
« فابعثوا أحدكم بورقكم هذه » و الورق الدراهم و كان معهم دراهم عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم عن ابن عباس « إلى المدينة » يعني المدينة التي خرجوا منها « فلينظر أيها أزكى طعاما » أي أظهر و أحل ذبيحة عن ابن عباس قال لأن عامتهم كانت مجوسا و فيهم قوم مؤمنون يخفون إيمانهم و قيل أطيب طعاما عن الكلبي و قيل أكثر طعاما من قولهم زكى المال إذا زاد عن عكرمة و ذلك لأن خير الطعام إنما يوجد عند من كثر طعامه و قيل كان من طعام أهل المدينة ما لا يستحله أصحاب الكهف « فليأتكم برزق منه » أي فليأتكم بما ترزقون أكله « و ليتلطف » أي و ليدقق النظر و يتحيل حتى لا يطلع عليه و قيل و ليتلطف في الشراء فلا يماكس البائع و لا ينازعه « و لا يشعرن بكم أحدا » أي لا يخبرن بكم و لا بمكانكم أحدا من أهل المدينة « إنهم إن يظهروا عليكم » أي يشرفوا و يطلعوا عليكم و يعلموا بمكانكم « يرجموكم » أي يقتلوكم بالرجم و هو من أخبث القتل عن الحسن و قيل معناه يؤذوكم و يشتموكم يقال رجمه بلسانه عن ابن جريج « أو يعيدوكم في ملتهم » أي يردوكم إلى دينهم « و لن تفلحوا إذا أبدا » معناه و متى فعلتم ذلك لن تفوزوا أبدا بشيء من الخير و متى قيل من أكره على الكفر فأظهره فإنه مفلح فكيف تصح الآية فالجواب يجوز أن يكون أراد يعيدوكم إلى دينهم بالاستدعاء دون الإكراه و يجوز أن يكون في ذلك الوقت كان لا يجوز التقية في إظهار الكفر .

مجمع البيان ج : 6 ص : 707
وَ كذَلِك أَعْثرْنَا عَلَيهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقُّ وَ أَنَّ الساعَةَ لا رَيْب فِيهَا إِذْ يَتَنَزَعُونَ بَيْنهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيهِم بُنْيَناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيهِم مَّسجِداً(21) سيَقُولُونَ ثَلَثَةٌ رَّابِعُهُمْ كلْبُهُمْ وَ يَقُولُونَ خَمْسةٌ سادِسهُمْ كلْبهُمْ رَجْمَا بِالْغَيْبِ وَ يَقُولُونَ سبْعَةٌ وَ ثَامِنهُمْ كلْبهُمْ قُل رَّبى أَعْلَمُ بِعِدَّتهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظهِراً وَ لا تَستَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً(22) وَ لا تَقُولَنَّ لِشاىء إِنى فَاعِلٌ ذَلِك غَداً(23) إِلا أَن يَشاءَ اللَّهُ وَ اذْكُر رَّبَّك إِذَا نَسِيت وَ قُلْ عَسى أَن يهْدِيَنِ رَبى لأَقْرَب مِنْ هَذَا رَشداً(24)

اللغة

عثر على الشيء يعثر عثرا إذا طلع عليه و أعثرت عليه غيري و العاثور حفرة تحفر ليصطاد به الأسد يقال للرجل إذا تورط وقع في عاثور و أصله من العثار و المراء الجدال ماريت الرجل أماريه مراء .

الإعراب

« إذ يتنازعون » يجوز أن يكون منصوبا بقوله « أعثرنا » أي اطلعنا عليهم في وقت المنازعة في أمرهم و يجوز أن يكون منصوبا بقوله « ليعلموا » و إنما دخلت الواو في قوله « و ثامنهم » و لم يدخل في الأولين لأن هاهنا عطف جملة على جملة و هناك وصف النكرة بجملة فإن التقدير هم سبعة و هم ثلاثة فثلاثة مرفوع بأنه خبر مبتدإ محذوف و « رابعهم كلبهم » وصف لثلاثة و كذلك « سادسهم كلبهم » صفة لخمسة و هذا قول علي بن عيسى قال : و فرق ما بينهم أن السبعة أصل للمبالغة في العدد لأن جلائل الأمور سبعة سبعة و أقول قد وجدت لأبي علي الفارسي في هذا كلاما طويلا سألخصه لك و أهذبه فضل تهذيب قال : إن الجملتين الملتبسة إحداهما بالأخرى و هي أن تكون غير أجنبية منها على ضربين ( أحدهما ) أن تعطف بحرف العطف و الآخر أن توصل بها بغير حرف العطف فما يوصل بها بما قبلها بغير حرف العطف من الجملة على أربعة أضرب ( أحدها ) أن تكون صفة ( و الآخر ) أن تكون حالا ( و الثالث ) أن تكون تفسيرا ( و الرابع ) أن لا تكون على أحد هذه الأوجه الثلاثة لكن يكون في الجملة الثانية ذكر مما في الأولى أو ممن فيها فالأول نحو مررت برجل أبوه قائم و بغلام يقوم و لا وجه لإدخال حرف العطف على هذا لأن الصفة تبين الموصوف و تخصصه فلو عطفت لخرجت بالعطف من أن تكون صفة لأن العطف ليس الثاني و هو المعطوف فيه بالأول و إنما يشرك الثاني في إعراب الأول و الصفة هو الموصوف في المعنى ( و أما ) الثاني و هو أن تكون حالا فلا مدخل لحرف العطف عليه أيضا لأن الحال مثل الصفة في أنها تفرق بين هيأتين أو هيئات كما أن الصفة تفرق بين موصوفين أو موصوفات و هي مثل المفعول في أنها تكون بعد كلام تام فكما لا يدخل الحرف العاطف بين الصفة و الموصوف و لا بين المفعول و ما عمل فيه كذلك لا يدخل بين الحال و ذي الحال و الجمل الواقعة موقع الحال إما أن تكون من فعل و فاعل أو من مبتدإ و خبر نحو رأيت زيدا يضحك و جاء زيد أبوه منطلق قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 6 ص : 708

و لو لا جنان الليل ما آب عامر
إلى جعفر سرباله لم يمزق ( و أما ) الثالث و هي الجملة التي تكون تفسيرا لما قبلها فنحو قوله وعد الله الذين آمنوا ثم قال لهم مغفرة و أجر عظيم فالمغفرة تفسير الوعد الذي وعدوا فأما قوله تعالى هل أدلكم على تجارة تنجيكم ثم قال تؤمنون بالله فتؤمنون على لفظ الخبر و معناه الأمر بدلالة قوله يغفر لكم و حسن أن يكون الأمر على لفظ الخبر لوقوعه كالتفسير لما قبله من ذكر التجارة و حكم التفسير أن يكون خبرا فلذلك حسن كون الأمر على لفظ الخبر هنا ( و أما ) الرابع الذي لا يكون اتصاله على الوجوه الثلاثة و يكون في الجملة الثانية ذكر مما في الأولى فإن هذا الوجه يتصل بما قبله على وجهين ( أحدهما ) بحرف عطف كما يتبع الأجنبية إياها بحرف عطف و ذلك نحو زيد أبوك و أخوه عمرو فهذه قد نزلت منزلة الأجنبية من الأولى في العطف بالواو نحو قام زيد و خرج عمرو و زيد قائم و بكر خارج و الآخر أن يتبع الثانية الأولى بغير حرف عطف كقوله سبحانه إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون و يقول في آية أخرى و كانوا يصرون بالواو و قوله « سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم و يقولون خمسة سادسهم كلبهم » « و يقولون سبعة و ثامنهم كلبهم » و الدليل على أن هذا نوع آخر خارج عن الأنواع الثلاثة أن قوله « و ثامنهم كلبهم » بعد الجملة المحذوف مبتدؤها لا يخلو من أن يكون حالا أو صفة أو تفسيرا أو جملة منقطعة من الأول و لا يجوز أن يكون في موضع الحال لأن ما قبلها من الكلام لا معنى فعل فيه عاملا في الحال و الحال لا بد لها من عامل فيها و لا يمكن أن يجعل المبتدأ المضمر هذا و ما أشبهه من أسماء الإشارة فينتصب الحال عنها لأن المخبر عنهم هاهنا ليسوا بمشار إليهم في وقت الإخبار و إنما المراد الإخبار عن عددهم و لو كانوا بحيث يشار إليهم لم يقع الاختلاف في عددهم و لا يجوز أن يكون تفسيرا لأن التفسير هو المفسر في المعنى و لا يجوز أن يكون شيء من جزء الجملة التي هي « رابعهم كلبهم » شيئا من جزء التي هي هم ثلاثة و لا يجوز أيضا أن يكون صفة للنكرة التي قبلها لأنه لا يخلو في الوصف من أحد أمرين إما أن يعمل اسم فاعل كما يعمل سائر أسماء الفاعلين الجارية على أفعالها فيرتفع ما بعده به و إما أن يجعل جملة في موضع وصف و لا يعمل اسم الفاعل عمل الفعل فيكون مبتدأ و خبرا و لا يجوز الأول لأنه في معنى الماضي و الماضي لا يقدر فيه الانفصال و إنما يقدر في الحاضر و الآتي لأنه كما أعرب من الأفعال المضارعة ما كان حاضرا و آتيا كذلك لم يعمل الماضي من
مجمع البيان ج : 6 ص : 709
أسماء الفاعلين و لو لا المضي لم يمتنع إعمال قوله « رابعهم » و « سادسهم » و لا تكون أيضا الجملة صفة لثلاثة كما توصف النكرات بالجمل لأن هذه جملة مستأنفة و ليست على حد الصفة بل على حد ما بعدها من قوله « و ثامنهم كلبهم » فحذفت الواو و استغني عنها إذا كانت إنما تذكر لتدل على الاتصال و ما في الجملة من ذكر ما في الأولى كأنه يستغني به عن ذكر الواو لأن الحرف يدل على إيصاله و ما في الجملة من ذكر ما تقدمها اتصال أيضا فيستغني به و يكتفي بذلك منه و هذا فصل جامع في النحو جليل الموقع كثير الفائدة إذا تأمله المتأمل حق التأمل و أحكمه أشرف به على كثير من المسائل إن شاء الله و أما من قال إن هذه الواو واو الثمانية و استدل بقوله حتى إذا جاءوها و فتحت أبوابها لأن للجنة ثمانية أبواب فشيء لا يعرفه النحويون .

المعنى

« و كذلك أعثرنا عليهم » أي و كما أنمناهم و بعثناهم اطلعنا و أعثرنا عليهم أهل المدينة و جملة أمرهم و حالهم على ما قاله المفسرون أنهم لما هربوا من ملكهم و دخلوا الكهف أمر الملك أن يسد عليهم باب الكهف و يدعوهم كما هم في الكهف فيموتوا عطشا و جوعا و ليكن كهفهم الذي اختاروه قبرا لهم و هو يظن أنهم إيقاظ ثم إن رجلين مؤمنين كتبا شأن الفتية و أنسابهم و أسماءهم و خبرهم في لوح من رصاص و جعلاه في تابوت من نحاس و جعلا التابوت في البنيان الذي بنوا على باب الكهف و قالا لعل الله يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة ليعلموا خبرهم حين يقرءون هذا الكتاب ثم انقرض أهل ذلك الزمان و خلفت بعدهم قرون و ملوك كثيرة و ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له ندليس و قيل بندوسيس عن محمد بن إسحاق و تحزب الناس في ملكه أحزابا منهم من يؤمن بالله و يعلم أن الساعة حق و منهم من يكذب فكبر ذلك على الملك الصالح و بكى إلى الله و تضرع و قال أي رب قد ترى اختلاف هؤلاء فابعث لهم آية تبين لهم بها أن البعث حق و أن الساعة حق آتية لا ريب فيها فألقى الله في نفس رجل من أهل ذلك البلد الذي فيه الكهف أن يهدم البنيان الذي على فم الكهف فيبني به حظيرة لغنمه ففعل ذلك و بعث الله الفتية من نومهم فأرسلوا أحدهم ليطلب لهم طعاما فاطلع الناس على أمرهم و بعثوا إلى الملك الصالح يعلمونه الخبر ليعجل القدوم عليهم و ينظر إلى آية من آيات الله جعلها الله في ملكه فلما بلغه الخبر حمد الله و ركب معه مدينته حتى أتوا أهل الكهف فذلك قوله « و كذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله » بالبعث و الثواب و العقاب « حق و أن الساعة لا ريب فيها » أي أن القيامة لا شك فيها فإن من قدر على أن ينيم جماعة تلك المدة المديدة أحياء ثم يوقظهم قدر أيضا على أن يميتهم ثم يحييهم بعد ذلك « إذ يتنازعون بينهم أمرهم » أي فعلنا ذلك حين تنازعوا
مجمع البيان ج : 6 ص : 710
في البعث فمنهم من أنكره و منهم من قال يبعث الأرواح دون الأجسام و منهم من أثبت البعث فيهما و أضاف الأمر إليهم لتنازعهم فيه كما يقال ما صنعتم في أمركم عن عكرمة و قيل إن معناه إذ يتنازعون في قدر مكثهم في الكهف و في عددهم و فيما يفعل بهم بعد أن اطلعوا عليهم و ذلك أنه لما دخل الملك عليهم مع الناس و جعلوا يسألونهم سقطوا ميتين فقال الملك إن هذا الأمر عجيب فما ترون فاختلفوا فقال بعضهم ابنوا عليهم بنيانا كما تبنى المقابر و قال بعضهم اتخذوا مسجدا على باب الكهف و هذا التنازع كان منهم بعد العلم بموتهم عن ابن عباس « فقالوا » أي قال مشركو ذلك الوقت « ابنوا عليهم بنيانا » أي استروهم من الناس بأن تجعلوهم وراء ذلك البنيان كما يقال بنى عليه جدارا إذا حوطه و جعله وراء الجدار « ربهم أعلم بهم » معناه ربهم أعلم بحالهم فيما تنازعوا فيه و قيل إنه قال ذلك بعضهم و معناه ربهم أي خالقهم الذي أنامهم و بعثهم أعلم بحالهم و كيفية أمرهم و قيل معناه ربهم أعلم بهم أ أحياء نيام هم أم أموات فقد قيل إنهم ماتوا و قيل أنهم لا يموتون إلى يوم القيامة « قال الذين غلبوا على أمرهم » يعني الملك المؤمن و أصحابه و قيل أولياء أصحاب الكهف من المؤمنين و قيل رؤساء البلد الذين استولوا على أمرهم عن الجبائي « لنتخذن عليهم مسجدا » أي معبدا و موضعا للعبادة و السجود يتعبد الناس فيه ببركاتهم و دل ذلك على أن الغلبة كانت للمؤمنين و قيل مسجدا يصلي فيه أصحاب الكهف إذا استيقظوا عن الحسن و قد روي أيضا أن أصحاب الكهف لما دخل صاحبهم إليهم و أخبرهم بما كانوا عنه غافلين من مدة مقامهم سألوا الله تعالى أن يعيدهم إلى حالتهم الأولى فأعادهم إليها و حال بين من قصدهم و بين الوصول إليهم بأن أضلهم عن الطريق إلى الكهف الذي كانوا فيه فلم يهتدوا إليه ثم بين سبحانه تنازعهم في عددهم فقال « سيقولون » أي سيقول قوم من المختلفين في عددهم « ثلاثة » أي هم ثلاثة « رابعهم كلبهم و يقولون » أي و يقول آخرون هم « خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب » أي قذفا بالظن من غير يقين عن قتادة « و يقولون » أي و يقول آخرهم هم « سبعة و ثامنهم كلبهم » و قيل إن هذا إخبار من الله تعالى بأنه سيقع نزاع في عددهم ثم وقع ذلك لما وفد نصارى نجران إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجرى ذكر أصحاب الكهف فقالت اليعقوبية منهم : كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم و قالت النسطورية : كانوا خمسة سادسهم كلبهم و قال المسلمون : كانوا سبعة و ثامنهم كلبهم « قل » يا محمد « ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل » من الناس عن قتادة و قيل قليل من أهل الكتاب عن عطا و قال ابن عباس أنا من ذلك القليل هم سبعة و ثامنهم كلبهم و الأظهر أن يكون عرف ذلك من جهة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و روى الضحاك عن ابن عباس أنه قال هم مكسليمنا و تمليخا و مرطولس و نينونس و سارينونس و دربونس و كشوطبونس و هو الراعي « فلا تمار فيهم » أي فلا تجادل الخائضين في عددهم و شأنهم « إلا مراء
مجمع البيان ج : 6 ص : 711
ظاهرا » فيه وجوه ( أحدها ) أن معناه إلا تجادلهم إلا بما أظهرنا لك من أمرهم عن ابن عباس و قتادة و مجاهد أي لا تجادل إلا بحجة و دلالة و إخبار من الله سبحانه و هو المراء الظاهر ( و ثانيها ) أن المراد لا تجادلهم إلا جدالا ظاهرا و هو أن تقول لهم أثبتم عددا و خالفكم غيركم و كلا القولين يحتمل الصدق و الكذب فهلموا بحجة تشهد لكم ( و ثالثها ) أن المراد إلا مراء يشهده الناس و يحضرونه فلو أخبرتهم في غير ملأ من الناس لكذبوا عليك و لبسوا على الضعفة فادعوا أنهم كانوا يعرفونه لأن ذلك من غوامض علومهم « و لا تستفت فيهم منهم أحدا » معناه و لا تستخبر في أهل الكهف و في مقدار عددهم من أهل الكتاب أحدا و لا تستفتهم من جهتهم عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد غيره لئلا يرجعوا في ذلك إلى مساءلة اليهود فإنه كان واثقا بخبر الله تعالى « و لا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله » قد ذكر في معناه وجوه ( أحدها ) أنه نهي من الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يقول إني أفعل شيئا في الغد إلا أن يقيد ذلك بمشيئة الله تعالى فيقول إن شاء الله قال الأخفش و فيه إضمار القول و تقديره إلا أن تقول إن شاء الله و لما حذف تقول نقل إن شاء الله إلى لفظ الاستقبال فيكون هذا تأديبا من الله للعباد و تعليما لهم أن يعقلوا ما يخبرون به بهذه اللفظة حتى يخرج عن حد القطع فلا يلزمهم كذب أو حنث إذا لم يفعلوا ذلك لمانع و هذا معنى قول ابن عباس ( و ثانيها ) أن قوله « أن يشاء الله » بمعنى المصدر و تعلق بما تعلق به على ظاهره و تقديره و لا تقولن إني فاعل شيئا غدا إلا مشية الله عن الفراء و هذا وجه حسن يطابق الظاهر و لا يحتاج فيه إلى بناء الكلام على محذوف و معناه و لا تقل إني أفعل إلا ما يشاء الله و يريده و إذا كان الله تعالى لا يشاء إلا الطاعات فكأنه قال لا تقل إني أفعل إلا الطاعات و لا يطعن على هذا جواز الأخبار عما يفعل من المباحات التي لا يشاءوها الله تعالى لأن هذا النهي نهي تنزيه لا نهي تحريم بدلالة أنه لو لم يقل ذلك لم يأثم بلا خلاف ( و ثالثها ) أنه نهى عن أن يقول الإنسان سأفعل غدا و هو يجوز الاخترام قبل أن يفعل ما أخبر به فلا يوجد مخبره على ما أخبر به فهو كذب و لا يأمن أيضا أن لا يوجد مخبره بحدوث شيء من فعل الله تعالى نحو المرض و العجز و بأن يبدو له هو في ذلك فلا يسلم خبره من الكذب إلا بالاستثناء الذي ذكره الله تعالى فإذا قال إني صائر غدا إلى المسجد إن شاء الله أمن من أن يكون خبره هذا كذبا لأن الله تعالى إن شاء أن يلجئه إلى المصير إلى المسجد غدا حصل المصير إليه منه لا محالة فلا يكون خبره هذا كذبا و إن لم يوجد المصير منه إلى المسجد لأنه لم يوجد ما استثناه في ذلك من مشيئة الله تعالى عن الجبائي و قد ذكرنا فيما قبل ما جاء في الرواية أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سئل عن قصة أصحاب الكهف و ذي القرنين فقال أخبركم عنه غدا و لم يستثن فاحتبس الوحي عنه
مجمع البيان ج : 6 ص : 712
أياما حتى شق عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية بأمره بالاستثناء بمشيئة الله تعالى و قوله « و اذكر ربك إذا نسيت » فيه وجهان ( أحدهما ) أنه كلام متصل بما قبله ثم اختلف في ذلك فقيل معناه و اذكر ربك إذا نسيت الاستثناء ثم تذكرت فقل إن شاء الله و إن كان بعد يوم أو شهر أو سنة عن ابن عباس و قد روي ذلك عن أئمتنا (عليهم السلام) و يمكن أن يكون الوجه فيه أنه إذا استثني بعد النسيان فإنه يحصل له ثواب المستثنى من غير أن يؤثر الاستثناء بعد انفصال الكلام في الكلام و في إبطال الحنث و سقوط الكفارة في اليمين و هو الأشبه بمراد ابن عباس في قوله و قيل فاذكر الاستثناء ما لم تقم من المجلس عن الحسن و مجاهد و قيل فاذكر الاستثناء بأن تندم على ما قطعت عليه من الخبر عن الأصم ( و الآخر ) أنه كلام مستأنف غير متعلق بما قبله ثم اختلف في معناه فقيل معناه و اذكر ربك إذا غضبت بالاستغفار ليزول عنك الغضب عن عكرمة و قيل إنه أمر بالانقطاع إلى الله تعالى و معناه و اذكر ربك إذا نسيت شيئا بك إليه حاجة بذكره لك عن الجبائي و قيل المراد به الصلاة و المعنى إذا نسيت صلاة فصلها إذا ذكرتها عن الضحاك و السدي قال السيد الأجل المرتضى قدس الله روحه اعلم أن للاستثناء الداخل على الكلام وجوها مختلفة فقد يدخل في الإيمان و الطلاق و العتاق و سائر العقود و ما يجري مجراها من الأخبار فإذا دخل في ذلك اقتضى التوقف عن إمضاء الكلام و المنع من لزوم ما يلزم به و لذلك يصير ما يتكلم به كأنه لا حكم له و لذلك يصح على هذا الوجه أن يستثني الإنسان في الماضي فيقول قد دخلت الدار إن شاء الله تعالى ليخرج بهذا الاستثناء من أن يكون كلامه خبرا قاطعا أو يلزم به حكم و إنما لم يصح دخوله في المعاصي على هذا الوجه لأن فيه إظهار الانقطاع إلى الله تعالى و المعاصي لا يصح ذلك فيها و هذا الوجه أحد ما يحتمله تأويل الآية و قد يدخل الاستثناء في الكلام و يراد به اللطف و التسهيل و هذا الوجه يختص بالطاعات و لهذا جرى قول القائل لأقضين غدا ما علي من الدين أو لأصلين غدا إن شاء الله مجرى أن يقول إني فاعل إن لطف الله تعالى فيه و سهله و متى قصد الحالف هذا الوجه لم يجب إذا لم يقع منه الفعل أن يكون حانثا أو كاذبا لأنه إذا لم يقع علمنا أنه لم يلطف فيه لأنه لا لطف له و هذا الوجه لا يصح أن يقال في الآية لأنه يختص الطاعات و الآية تتناول كل ما لم يكن قبيحا بدلالة إجماع المسلمين على حسن استثناء ما تضمنه في كل فعل لم يكن قبيحا و قد يدخل الاستثناء في الكلام و يراد به التسهيل و الإقدار و التخلية و البقاء على ما هو عليه من الأحوال و هذا هو المراد إذا دخل في المباحات و هذا الوجه يمكن في الآية و قد يدخل في الكلام استثناء المشيئة في الكلام و إن لم يرد به شيء من المتقدم ذكره بل
مجمع البيان ج : 6 ص : 713
يكون الغرض الانقطاع إلى الله تعالى من غير أن يقصد به إلى شيء من هذه الوجوه و يكون هذا الاستثناء غير معتد به في كونه كاذبا أو صادقا لأنه في الحكم كأنه قال لأفعلن كذا أن وصلت إلى مرادي مع انقطاعي إلى الله تعالى و إظهاري الحاجة إليه و هذا الوجه أيضا يمكن في الآية و متى تؤمل جملة ما ذكرناه من الكلام عرف به الجواب عن المسألة التي لا يزال يسأل عنها من يذهب إلى خلاف العدل من قولهم لو كان الله تعالى إنما يريد الطاعات من الأفعال دون المعاصي لوجب إذا قال عليه الدين لغيره و طالبه به و الله لأعطينك حقك غدا إن شاء الله أن يكون كاذبا أو حانثا إذا لم يفعل لأن الله تعالى قد شاء ذلك منه عندكم و إن كأن لم يقع و لكان يجب أن تلزمه به الكفارة و أن لا يؤثر هذا الاستثناء في يمينه و لا يخرجه من كونه حانثا كما أنه لو قال و الله لأعطينك حقك غدا إن قام زيد فقام و لم يعطه يكون حانثا و في التزلل الحنث خروج من الإجماع انتهى كلامه رضي الله عنه و قوله « و قل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا » معناه قل عسى ربي أن يعطيني من الآيات و الدلالات على النبوة ما يكون أقرب من الرشد و أدل من قصة أصحاب الكهف عن الزجاج ثم إن الله سبحانه فعل به ذلك حيث آتاه من علم غيوب أخبار المرسلين و آثارهم ما هو واضح في الدلالة و أقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف و قيل إن معناه ادع الله أن يذكرك إذا نسيت شيئا و قل إن لم يذكرني الله ذلك الذي نسيت فإنه يذكرني ما هو أنفع لي منه عن الجبائي .
وَ لَبِثُوا فى كَهْفِهِمْ ثَلَث مِائَة سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسعاً(25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْب السمَوَتِ وَ الأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلىّ وَ لا يُشرِك فى حُكْمِهِ أَحَداً(26) وَ اتْلُ مَا أُوحِىَ إِلَيْك مِن كتَابِ رَبِّك لا مُبَدِّلَ لِكلِمَتِهِ وَ لَن تجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً(27)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم ثلاثمائة سنين مضافا و الباقون بالتنوين و قرأ و لا تشرك بالتاء مجزوما ابن عامر و روح و زيد عن يعقوب و سهل و الباقون « و لا يشرك » بالرفع و الياء .

الحجة

قال أبو الحسن : يكون السنين لثلاثمائة قال و لا تحسن إضافة المائة إلى
مجمع البيان ج : 6 ص : 714
السنين لأنه لا تكاد العرب تقول مائة سنين قال و هو جائز في ذا المعنى و قد يقوله بعض العرب قال أبو علي : و مما يدل على صحة قول من قال « ثلاثمائة سنين » أن هذا الضرب من العدد الذي يضاف في اللغة المشهورة إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل و أربعمائة ثوب قد جاء مضافا إلى الجمع في قول الشاعر :
فما زودوني غير سحق عمامة
و خمس ميء منها قسي و زايف و ذلك أن قوله ميء لا يخلو من أن يكون في الأصل كأنه فعلة فجمع على فعل مثل سدرة و سدر أو يكون فعلة فجمع على فعول مثل بدرة و بدور و مانة و مؤن قال :
عظيمات الكلاكل و المئون و الأولى حمله على فعول و أنه خفف كما يخفف في القوافي كقوله :
كنهور كان من أعقاب السمي ثم كسر فاؤه كما يكسر في نحو حلي و قال غيره إن العرب قد تضع الجمع هنا موضع الواحد لأن الأصل أن تكون الإضافة إلى الجمع قال الشاعر :
ثلاثمائين قد مضين كواملا
و ها أنا ذا قد أبتغي مر رابع فجاء به على الأصل و من نون ثلاثمائة ففي نصب سنين قولان ( أحدهما ) أن يكون سنين بدلا من ثلاثمائة أو عطف بيان ( و الآخر ) أن يكون تمييزا كما تقول عندي عشرة أرطال زيتا قال الربيع بن ضبيع الفزاري :
إذا عاش الفتى مائتين عاما
فقد ذهب اللذاذة و الفتاء قال الزجاج : و يجوز أن يكون سنين من نعت المائة فيكون مجرورا و هو راجع في المعنى إلى ثلاث كما قال عنترة :
فيها اثنتان و أربعون حلوبة
سودا كخافية الغراب الأسحم فجعل سودا نعتا لحلوبة و هو في المعنى نعت لجملة العدد قال أبو علي : لا يمتنع أن يكون الشاعر جعل حلوبة جمعا و جعل سودا وصفا لها و إذا كان المراد به الجمع فلا يمتنع أن
مجمع البيان ج : 6 ص : 715
يقع تفسيرا لهذا الضرب من العدد من حيث كان على لفظ الآحاد كما يقال عشرون نفرا و ثلاثون قبيلا و من قرأ و لا تشرك بالتاء فإنه على النهي عن الإشراك و القراءة الأخرى أشيع و أولى لتقدم أسماء الغيبة و هو قوله « ما لهم من دونه من ولي » و المعنى و لا يشرك الله في حكمه أحدا .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن مقدار مدة لبثهم فقال « و لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين » معناه و أقام أصحاب الكهف من يوم دخلوا الكهف إلى أن بعثهم الله و اطلع عليهم الخلق ثلاثمائة سنة « و ازدادوا تسعا » أي تسع سنين إلا أنه استغني بما تقدم عن إعادة ذكر تفسير التسع كما يقال عندي مائة درهم و خمسة « قل الله أعلم بما لبثوا » معناه إن حاجك يا محمد أهل الكتاب في ذلك فقل الله أعلم بما لبثوا و ذلك أن أهل نجران قالوا أما الثلاثمائة فقد عرفناها و أما التسع فلا علم لنا بها و قيل أن معناه الله أعلم بما لبثوا إلى أن ماتوا و حكي عن قتادة أنه قال قوله « و لبثوا في كهفهم » الآية حكاية عن قول اليهود و قوي ذلك بقوله « قل الله أعلم بما لبثوا » فذكر أنه سبحانه العالم بمقدار لبثهم دون غيره و قد ضعف هذا الوجه بأن إخبار الله لا ينبغي صرفها إلى الحكاية إلا بدليل قاطع و لو كان الأمر على ما قاله لم تكن مدة لبثهم مذكورة و من المعلوم أن الله سبحانه أراد بالآية الاستدلال على عجيب قدرته و باهر آيته و ذلك لا يتم إلا بعد معرفة مدة لبثهم فالمراد بقوله « قل الله أعلم بما لبثوا » بعد بيان مدة لبثهم إبطال قول أهل الكتاب و اختلافهم في مدة لبثهم فتقديره قل يا محمد الله أعلم بمدة لبثهم و قد أخبر بها فخذوا بما أخبر الله تعالى و دعوا قول أهل الكتاب فهو أعلم بذلك منهم « له غيب السماوات و الأرض » و الغيب أن يكون الشيء بحيث لا يقع عليه الإدراك أي لا يغيب عن الله سبحانه شيء لأنه لا يكون بحيث لا يدركه فيعلم ما غاب في السماوات و الأرض عن إدراك العباد « أبصر به و أسمع » هذا لفظ التعجب و معناه ما أبصره و أسمعه أي ما أبصر الله تعالى لكل مبصر و ما أسمعه لكل مسموع فلا يخفى عليه من ذلك و إنما أخرجه مخرج التعجب على وجه التعظيم و روي أن يهوديا سأل علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن مدة لبثهم فأخبر بما في القرآن فقال أنا نجد في كتابنا ثلاثمائة فقال (عليه السلام) ذاك بسني الشمس و هذا بسني القمر و قوله « ما لهم من دونه من ولي » أي ليس لأهل السماوات و الأرض من دون الله من ناصر يتولى نصرتهم « و لا يشرك » الله « في حكمه أحدا » فلا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم الله تعالى به و قيل معناه أنه لا يشرك الله في حكمه بما يخبر به من الغيب أحدا و على القراءة الأخرى معناه و لا تشرك أنت أيها الإنسان في حكمه أحدا ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و اتل ما أوحي إليك من كتاب ربك » أي و اقرأ عليهم ما
مجمع البيان ج : 6 ص : 716
أوحى الله إليك من أخبار أصحاب الكهف و غيرهم فإن الحق فيه و قيل معناه اتبع القرآن و اعمل به « لا مبدل لكلماته » أي لا مغير لما أخبر الله به فيه و ما أمر به و على هذا فيكون التقدير لا مبدل لحكم كلماته « و لن تجد من دونه ملتحدا » معناه إن لم تتبع القرآن فلن تجد من دون الله ملجأ عن مجاهد و قيل حرزا عن ابن عباس و قيل موئلا عن قتادة و قيل معدلا و محيصا عن الزجاج و أبي مسلم و الأقوال متقاربة في المعنى يقال لحد إلى كذا أو التحد إذا مال إليه .
وَ اصبرْ نَفْسك مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَوةِ وَ الْعَشىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْنَاك عَنهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَ كانَ أَمْرُهُ فُرُطاً(28) وَ قُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكمْ فَمَن شاءَ فَلْيُؤْمِن وَ مَن شاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظلِمِينَ نَاراً أَحَاط بهِمْ سرَادِقُهَا وَ إِن يَستَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كالْمُهْلِ يَشوِى الْوُجُوهَ بِئْس الشرَاب وَ ساءَت مُرْتَفَقاً(29)

القراءة

قرأ ابن عامر وحده « بالغداوة » و الباقون « بالغداة » و في الشواذ قراءة الحسن و لا تعد عينيك و قراءة عمرو بن فائد من أغفلنا قلبه .

الحجة

قال أبو علي : أما غدوة فهو اسم موضوع للتعريف و إذا كان كذلك فلا ينبغي أن تدخل عليه الألف و اللام كما لا تدخل على سائر الأعلام و إن كانت قد كتبت في المصحف بالواو و لم يدل على ذلك كما أنهم كتبوا الصلوة بالواو و هي ألف و حجة من أدخل اللام المعرفة عليها أنه قد يجوز و إن كانت معرفة أن تتنكر كما حكاه أبو زيد من أنهم يقولون لقيته فينة و الفينة بعد الفينة ففينة مثل غدوة في التعريف بدلالة امتناع الانصراف و قد دخلت عليه لام التعريف و ذلك أن يقدر من أمة كلها له مثل هذا الاسم فيدخل التنكير لذلك و يقوي
مجمع البيان ج : 6 ص : 717
هذا تثنية الإعلام و جمعها و قوله :
لا هيثم الليلة للمطي و قولهم أما النضرة فلا نضرة لك فأجري مجرى ما يكون شائعا في الجنس و كذلك الغدوة و أما قوله و لا تعد عينيك فإنه منقول من عدت عيناك إذا جاوزتا و هو من قولهم جاء القوم عدا زيدا أي جاوز بعضهم زيدا ثم نقل إلى أعديت عيني عن كذا أي صرفتها عنه قال الشاعر :
حتى لحقنا بهم تعدي فوارسنا
كأننا رعن قف يرفع الآلا أي تعدي فوارسنا خيلهم عن كذا فحذف المفعول بعد المفعول أو تعديها من عدا الفرس أي جرى و على أن أصلهما واحد لأن الفرس إذا عدا فقد جاوز مكانا إلى غيره و أما من قرأ من أغفلنا قلبه فمعناه و لا تطع من ظننا غافلين عنه و هو من قولهم أغفلت الرجل أي وجدته غافلا قال الأعشى :
أثوى و قصر ليلة ليزودا
فمضى و أخلف من قتيلة موعدا أي صادفه مخلفا .

اللغة

الفرط التجاوز للحق و الخروج عنه من قولهم أفرط إفراطا إذا أسرف و السرادق الفسطاط المحيط بما فيه و يقال السرادق ثوب يدار حول الفسطاط قال رؤبة :
يا حكم بن المنذر بن الجارود
سرادق المجد عليك ممدود و المهل خثارة الزيت و قيل هو النحاس الذائب و المرتفق المتكأ من المرفق يقال ارتفق إذا اتكأ على مرفقه قال أبو ذؤيب :
بات الخلي و بت الليل مرتفقا
كان عيني فيها الصاب مذبوح و يقال إنه مأخوذ من الرفق و المنفعة .

النزول

نزلت الآية الأولى في سلمان و أبي ذر و صهيب و عمار و حباب و غيرهم من
مجمع البيان ج : 6 ص : 718
فقراء أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و ذلك أن المؤلفة قلوبهم جاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هم عيينة بن الحصين و الأقرع بن حابس و ذووهم فقالوا يا رسول الله إن جلست في صدر المجلس و نحيت عنا هؤلاء روائح صنانهم و كانت عليهم جبات الصوف جلسنا نحن إليك و أخذنا عنك فلا يمنعنا من الدخول عليك إلا هؤلاء فلما نزلت الآية قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يلتمسهم فأصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله عز و جل فقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا و معكم الممات .

المعنى

ثم أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالصبر مع المؤمنين فقال « و اصبر نفسك » يا محمد أي احبس نفسك « مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي » أي يداومون على الصلاة و الدعاء عند الصباح و المساء لا شغل لهم غيره و يستفتحون يومهم بالدعاء و يختمونه بالدعاء « يريدون وجهه » أي رضوانه و قيل يريدون تعظيمه و القربة إليه دون الرياء و السمعة « و لا تعد عيناك عنهم » أي و لا تتجاوز عيناك عنهم بالنظر إلى غيرهم من أبناء الدنيا « تريد زينة الحياة الدنيا » تريد في موضع الحال أي مريدا مجالسة أهل الشرف و الغنى و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حريصا على إيمان العظماء من المشركين طمعا في إيمان أتباعهم و لم يمل إلى الدنيا و زينتها قط و لا إلى أهلها و إنما كان يلين في بعض الأحايين للرؤساء طمعا في إيمانهم فعوتب بهذه الآية و أمر بالإقبال على فقراء المؤمنين و أن لا يرفع بصره عنهم مريدا مجالسة الأشراف « و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا » قيل في معناه أقوال ( أحدها ) أن معناه و لا تطع من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا بتعريضه للغفلة و لهذا قال « و اتبع هواه » و مثله فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ( و ثانيها ) أغفلنا قلبه أي نسبنا قلبه إلى الغفلة كما يقال أكفره إذا نسبه إلى الكفر و سماه كافرا كقول الكميت :
و طائفة قد أكفروني بحبكم
و طائفة قالوا مسيء و مذنب ( و ثالثها ) أغفلنا قلبه صادفناه غافلا عن ذكرنا كما قالت العرب سألناكم فما أقحمناكم و قاتلناكم فما أجبناكم ( و رابعها ) أغفلنا قلبه أي جعلناه غفلا لم نسمة بسمة قلوب المؤمنين و لم نعلم فيه علامة المؤمنين لتعرفه الملائكة بتلك السمة تقول العرب أغفل فلان ماشيته إذا لم يسمها بسمة تعرف ( و خامسها ) أن معناه و لا تطع من تركنا قلبه خذلناه و خلينا بينه و بين الشيطان بتركه أمرنا عن الحسن « و اتبع هواه » أي لا تطع من اتبع هواه في شهواته و أفعاله
مجمع البيان ج : 6 ص : 719
« و كان أمره فرطا » أي سرفا و إفراطا عن مقاتل و الجبائي و قيل تجاوزا للحد عن الأخفش و قيل ضياعا و هلاكا عن مجاهد و السدي قال الزجاج و من قدم العجز في أمره أضاعه و أهلكه فيكون المعنى في هذا أنه ترك الإيمان و الاستدلال ب آيات الله و اتبع الهوى ثم قال سبحانه « و قل » يا محمد لهؤلاء الذين أمروك بتنحية الفقراء « الحق من ربكم » أي هذا الحق من ربكم يعني القرآن و قيل معناه الذي أتيتكم به الحق عن الزجاج من ربكم يعني لم آتكم به من قبل نفسي و إنما أتيتكم به من قبل الله و قيل معناه ظهرت الحجة و وضح الحق من ربكم و زالت الشبهة « فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر » هذا وعيد من الله سبحانه و إنذار و لذلك عقبه بقوله « إنا أعتدنا » و إنما جاز التهديد بلفظ الأمر لأن المهدد كالمأمور بإهانة نفسه و معناه فليختر كل لنفسه ما شاء فإنهم لا ينفعون الله تعالى بإيمانهم و لا يضرونه بكفرهم و إنما يرجع النفع و الضر إليهم « إنا أعتدنا » أي هيأنا و أعددنا « للظالمين » أي الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله تعالى « نارا أحاط بهم سرادقها » و السرادق حائط من نار يحيط بهم عن ابن عباس و قيل هو دخان النار و لهبها يصل إليهم قبل وصولهم إليها و هو الذي في قوله إلى ظل ذي ثلاث شعب عن قتادة و قيل أراد أن النار أحاطت بهم من جميع جوانبهم فشبه ذلك في السرادق عن أبي مسلم « و إن يستغيثوا » من شدة العطش و حر النار « يغاثوا بماء كالمهل » و هو كل شيء أذيب كالرصاص و النحاس و الصفر عن ابن مسعود و قيل كعكر الزيت إذا قرب إليه سقطت فروة رأسه روي ذلك مرفوعا و قيل كدردي الزيت عن ابن عباس و قيل هو القيح و الدم عن مجاهد و قيل هو الذي انتهى حره عن سعيد بن جبير و قيل أنه ماء أسود و أن جهنم سوداء و ماؤها أسود و شجرها أسود و أهلها سود عن الضحاك « يشوي الوجوه » أي ينضجها عند دنوه منها و يحرقها و إنما جعل سبحانه ذلك إغاثة لاقترانه بذكر الإغاثة « بئس الشراب » ذلك المهل « و ساءت » النار « مرتفقا » أي متكئا لهم قيل ساءت مجتمعا مأخوذ من المرافقة و هي الاجتماع عن مجاهد و قيل منزلا و مستقرا عن ابن عباس و عطاء .

مجمع البيان ج : 6 ص : 720
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسنَ عَمَلاً(30) أُولَئك لهَُمْ جَنَّت عَدْن تجْرِى مِن تحْتهِمُ الأَنهَرُ يحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَساوِرَ مِن ذَهَب وَ يَلْبَسونَ ثِيَاباً خُضراً مِّن سندُس وَ إِستَبرَق مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلى الأَرَائكِ نِعْمَ الثَّوَاب وَ حَسنَت مُرْتَفَقاً(31)

اللغة

العدن الإقامة يقال عدن بالمكان يعدن عدنا و الأساور جمع أسوار على حذف الزيادة لأن الأصل أساوير عن قطرب و أبي عبيدة و قيل جمع أسورة و أسورة جمع سوار عن الزجاج و هو سوار اليد بالكسر و قد حكي سوار بالضم و السندس ما رق من الديباج واحده سندسة و الإستبرق الغليظ من الديباج و قيل هو الحرير قال المرقش :
تراهن يلبسن المشاعر مرة
و استبرق الديباج طورا لباسها و الأرائك جمع أريكة و هي السرير قال :
خدود جفت في السير حتى كأنما
يباشرن بالمعزاء مس الأرائك قال الزجاج : الأرائك الفرش في الحجال قال الأعشى :
بين الرواق و جانب من سترها
منها و بين أريكة الأنضاد .

الإعراب

قيل في خبر « إن الذين آمنوا » أقوال ( أحدها ) أنه قوله « إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا » و على هذا فيكون في الخبر محذوفا كأنه لا نضيع أجر من أحسن عملا منهم ( و الثاني ) أن يكون الخبر أولئك لهم جنات عدن و يكون « إنا لا نضيع » الخ اعتراضا بين الاسم و الخبر ( و الثالث ) أن المعنى إنا لا نضيع أجرهم لأن من أحسن عملا في المعنى هم الذين آمنوا .

المعنى

لما تقدم الوعيد عقبه سبحانه بذكر الوعد فقال « إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات » من الطاعات « إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا » أي لا نترك أعمالهم تذهب ضياعا بل نجازيهم و نوفيهم أجورهم من غير بخس « أولئك لهم جنات عدن » أي إقامة لهم لأنهم يبقون فيها ببقاء الله دائما أبدا و قيل عدن بطنان الجنة أي وسطها و هي جنة من الجنان عن ابن مسعود و على هذا فإنما جمع لسعتها و لأن كل ناحية منها تصلح أن تكون جنة « تجري من تحتهم الأنهار » لأنهم على غرف في الجنة كما قال و هم في الغرفات آمنون و قيل أن أنهار الجنة تجري في أخاديد من الأرض فلذلك قال « تجري من تحتهم الأنهار » « يحلون فيها من أساور من ذهب » أي يجعل لهم فيها حلي من أساور و قيل أنه يحلى كل
مجمع البيان ج : 6 ص : 721
واحد بثلاثة أساور سوار من فضة و سوار من ذهب و سوار من لؤلؤ و ياقوت عن سعيد بن جبير « و يلبسون ثيابا خضرا من سندس و استبرق » أي من الديباج الرقيق و الغليظ و قيل إن الإستبرق فارسي معرب أصله إستبره قيل هو الديباج المنسوج بالذهب « متكئين فيها على الأرائك » أي متنعمين في تلك الجنات على السرر في الحجال و إنما قال متكئين لأن الاتكاء يفيد أنهم منعمون في الأمن و الراحة فإن الإنسان لا يتكىء إلا في حال الأمن و السلامة « نعم الثواب » أي طاب ثوابهم و عظم عن ابن عباس « و حسنت » الأرائك « مرتفقا » أي موضع ارتفاق و قيل منزلا و مجلسا و مجتمعا .
* وَ اضرِب لهَُم مَّثَلاً رَّجُلَينِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَينِ مِنْ أَعْنَب وَ حَفَفْنَهُمَا بِنَخْل وَ جَعَلْنَا بَيْنهُمَا زَرْعاً(32) كلْتَا الجَْنَّتَينِ ءَاتَت أُكلَهَا وَ لَمْ تَظلِم مِّنْهُ شيْئاً وَ فَجَّرْنَا خِلَلَهُمَا نهَراً(33) وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصحِبِهِ وَ هُوَ يحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثرُ مِنك مَالاً وَ أَعَزُّ نَفَراً(34) وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً(35) وَ مَا أَظنُّ الساعَةَ قَائمَةً وَ لَئن رُّدِدت إِلى رَبى لأَجِدَنَّ خَيراً مِّنْهَا مُنقَلَباً(36)

القراءة

قرأ أبو جعفر و عاصم و يعقوب و سهل و كان له ثمر و أحيط بثمره في الموضعين بالفتح و وافق رويس في الأول و قرأ أبو عمرو بضم الثاء و سكون الميم في الموضعين و الباقون بضم الثاء و الميم في الحرفين و قرأ أهل الحجاز و ابن عامر خيرا منهما بزيادة ميم و كذلك هو في مصاحفهم و قرأ أهل العراق « منها » بغير ميم .

الحجة

قال أبو علي : الثمرة ما يجتني من ذي الثمر و جمعها ثمرات و يجمع على ثمر كبقرة و بقر و على ثمار كرقبة و رقاب و على هذا تشبيه المخلوقات بغير المخلوقات و قد يشبه كل واحد منهما بالآخر و يجوز في القياس أن يكسر ثمار على ثمر ككتاب و كتب و قراءة أبي عمرو و كان له ثمر يجوز أن يكون جمع ثمار كما يخفف كتب و يجوز أن يكون ثمر جمع ثمرة
 

Back Index Next