جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 6 ص : 722
كبدنة و بدن و خشبة و خشب و يجوز أن يكون ثمر واحدة كعنق و طنب فعلى أي هذه الوجوه كان جاز إسكان العين منه كذلك في قوله و أحيط بثمره و قال بعض أهل اللغة الثمر المال و الثمر المأكول و جاء في التفسير قريب من هذا قالوا الثمر النخل و الشجر و لم يرد به الثمرة و الثمر على ما روي عن عدة من السلف بل الأصول التي تحمل الثمرة لا نفس الثمر بدلالة قوله فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها أي في الجنة و النفقة إنما تكون على ذوات الثمرة في أغلب العرف و كانت الآفة التي أرسلت إليها اصطلمت الأصول و اجتاحتها كما جاء في صفة الجنة الأخرى فأصبحت كالصريم أي كالليل في سوادها لاحتراقها و كالنهار في بياضها و ما بطل من خضرتها بالآفة النازلة بها و حكي عن أبي عمرو ثمر و الثمر أنواع المال فإذا اصطلم الثمر فاجتيح دخلت الثمرة فيه و لا يمكن أن يصاب الأصل و لا تصاب الثمرة و إذا كان كذلك فمن قرأ بثمره و ثمره كان قوله أبين ممن قرأ بالفتح و يجوز القراءة بالفتح كأنه أخبر عن بعض ما أصيب و أمسك عن بعض و قوله « خيرا منها » منقلبا فالإفراد لأنه أقرب إلى الجنة المفردة في قوله « و دخل جنته » و التثنية لتقدم ذكر الجنتين .

اللغة

حف القوم بالشيء إذا أطافوا به و حفافا الشيء جانباه كأنهما أطافا به قال طرفة :
كأن جناحي مضرحي تكنفا
حفافيه شكا في العسيب بمسرد و المحاورة مراجعة الكلام في المخاطبة و يقال كلمت فلانا فما رجع إلى حوارا و محورة و حويرا .

الإعراب

إنما قال « آتت » على لفظ كلتا فإنه بمنزلة كل في أنه مفرد اللفظ و لو قال أتتا على المعنى لجاز قال الشاعر في التوحيد :
و كلتاهما قد خط لي في صحيفتي
فلا العيش أهواه و لا الموت أروح .

المعنى

ثم ضرب الله لعباده مثلا يستفيئهم به إلى طاعته و يزجرهم عن معصيته و كفران نعمته فقال مخاطبا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و اضرب لهم مثلا رجلين » روي عن ابن عباس أنه قال يريد ابني ملك كان في بني إسرائيل توفي و ترك ابنين و ترك مالا جزيلا فأخذ أحدهما حقه منه و هو المؤمن منهما فتقرب إلى الله تعالى و أخذ الآخر حقه فتملك به ضياعا منها هاتان
مجمع البيان ج : 6 ص : 723
الجنتان و في تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم أنه يريد رجلا كان له بستانان كبيران كثيرا الثمار كما حكى سبحانه و كان له جار فقير فافتخر الغني على الفقير و قال له أنا أكثر منك مالا و أعز نفرا و هذا أليق بالظاهر « جعلنا لأحدهما جنتين » أي بستانين أجنهما الأشجار « من أعناب و حففناهما بنخل » أي جعلنا النخل مطيفا بهما « و جعلنا بينهما زرعا » أي و جعلنا بين البستانين مزرعة فكملت النعمة بالعنب و التمر و الزرع « كلتا الجنتين آتت أكلها » أي كل واحدة من البستانين آتت غلتها و أخرجت ثمرتها و سماه أكلا لأنه مأكول « و لم تظلم منه شيئا » أي لم تنقص منه شيئا بل أدته على التمام و الكمال كما قال الشاعر :
و يظلمني مالي كذا و لوى يدي
لوى يده الله الذي هو غالبه أي ينقصني مالي « و فجرنا خلالهما نهرا » أي شققنا وسط الجنتين نهرا يسقيهما حتى يكون الماء قريبا منهما يصل إليهما من غير كد و تعب و يكون ثمرهما و زرعهما بدوام الماء فيهما أوفي و أروى « و كان له ثمر » قيل إن معناه و كان للنخل الذي فيهما ثمر و قيل معناه و كان للرجل ثمر ملكه من غير جنتيه كما يملك الناس ثمارا لا يملكون أصلها عن ابن عباس و قيل كان لهذا الرجل مع هذين البستانين الذهب و الفضة عن مجاهد و قيل كان له معهما جميع الأموال عن قتادة و ابن عباس في رواية أخرى « فقال لصاحبه و هو يحاوره » أي فقال الكافر لصاحبه المؤمن و هو يخاطبه و يراجعه في الكلام « أنا أكثر منك مالا و أعز نفرا » أي أعز عشيرة و رهطا و سمي العشيرة نفرا لأنهم ينفرون معه في حوائجه و قيل معناه أعز خدما و ولدا عن قتادة و مقاتل « و دخل جنته و هو ظالم لنفسه » أي و دخل الكافر بستانه و هو ظالم لنفسه بكفره و عصيانه « قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا » أي ما أقدر أن تفنى هذه الجنة و هذه الثمار أبدا و قيل يريد ما أظن هذه الدنيا تفنى أبدا « و ما أظن الساعة قائمة » أي و ما أحسب القيامة آتية كائنة على ما يقوله الموحدون « و لئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا » معناه و لئن كانت القيامة و البعث حقا كما يقوله الموحدون لأجدن خيرا من هذه الجنة قال الزجاج و هذا يدل على أن صاحبه المؤمن قد أعلمه أن الساعة تقوم و أنه يبعث فأجابه بأن قال له و لئن رددت إلى ربي أي كما أعطاني هذه في الدنيا سيعطيني في الآخرة أفضل منها لكرامتي عليه ظن الجاهل أنه أوتي ما أوتي لكرامته على الله تعالى و قيل معناه لأكتسبن في الآخرة خيرا من هذه التي اكتسبتها في الدنيا و من قرأ منهما رد الكناية إلى الجنتين اللتين تقدم ذكرهما و في هذا دلالة على أنه لم يكن قاطعا على نفي المعاد بل كان شاكا فيه .

مجمع البيان ج : 6 ص : 724
قَالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يحَاوِرُهُ أَ كَفَرْت بِالَّذِى خَلَقَك مِن تُرَاب ثمَّ مِن نُّطفَة ثمَّ سوَّاك رَجُلاً(37) لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبى وَ لا أُشرِك بِرَبى أَحَداً(38) وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْت جَنَّتَك قُلْت مَا شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنك مَالاً وَ وَلَداً(39) فَعَسى رَبى أَن يُؤْتِينِ خَيراً مِّن جَنَّتِك وَ يُرْسِلَ عَلَيهَا حُسبَاناً مِّنَ السمَاءِ فَتُصبِحَ صعِيداً زَلَقاً(40) أَوْ يُصبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَستَطِيعَ لَهُ طلَباً(41) وَ أُحِيط بِثَمَرِهِ فَأَصبَحَ يُقَلِّب كَفَّيْهِ عَلى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَ هِىَ خَاوِيَةٌ عَلى عُرُوشهَا وَ يَقُولُ يَلَيْتَنى لَمْ أُشرِك بِرَبى أَحَداً(42) وَ لَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَ مَا كانَ مُنتَصراً(43) هُنَالِك الْوَلَيَةُ للَّهِ الحَْقِّ هُوَ خَيرٌ ثَوَاباً وَ خَيرٌ عُقْباً(44)

القراءة

قرأ ابن عامر و ابن فليح و البرجمي و يعقوب « لكنا » بإثبات الألف في الوصل و الوقف و قرأ الباقون لكن بحذف الألف في الوصل و قرأ البخاري لورش بالوجهين بالوصل و لا خلاف في إثبات الألف في الوقف إلا قتيبة فإنه قرأ بغير ألف في الوصل و الوقف و في الشواذ قراءة أبي بن كعب و الحسن لكن أنا و قراءة عيسى الثقفي لكن هو الله ربي و قرأ البرجمي عن أبي بكر غورا بضم الغين هاهنا و في الملك و قرأ و لم يكن له فئة بالياء أهل الكوفة غير عاصم و الباقون « و لم تكن » بالتاء و قرأ أبو عمرو « الولاية » بفتح الواو و لله الحق بالرفع و قرأ الكسائي الولاية بكسر الواو و الحق بالرفع و قرأ حمزة و خلف الولاية بكسر الواو و « الحق » بالجر و قرأ الباقون « الولاية » بفتح الواو و « الحق » بالجر و قرأ عاصم و حمزة و خلف « عقبا » ساكنة القاف و الباقون بضم القاف .

مجمع البيان ج : 6 ص : 725

الحجة

قال الزجاج من قرأ لكن بتشديد النون فهو لكن أنا في الأصل فطرحت الهمزة على النون فتحركت بالفتح فصارت لكنن بنونين مفتوحين فاجتمع الحرفان من جنس واحد فأدغمت النون الأولى في الثانية و حذفت الألف في الوصل لأن ألف أنا تثبت في الوقف و تحذف في الأصل في أجود اللغات نحو أن قمت بغير الألف و يجوز أنا قمت بإثبات الألف و هو ضعيف جدا و من قرأ « لكنا » فأثبت الألف في الوصل فإنه على لغة من قال أنا قمت فأثبت الألف قال الشاعر :
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني
حميدا قد تذريت السناما إلا أن إثبات الألف في لكنا هو الجيد لأن الهمزة قد حذفت من أنا فصار إثبات الألف عوضا من الهمزة قال أبو علي لا أرى قوله إن إثبات الألف هو الجيد لأنه صار عوضا من الهمزة كما قال لأن هذه الألف تلحق للوقف مثل الهاء في ما هيه و حسابيه و الهاء في مثل هذا الطرف مثل ألف الوصل في ذلك الطرف فكما أن إثبات همزة الوصل في الوصل خطأ كذلك الهاء و الألف في الوصل خطأ فلا يلزم أن يثبت عوض من الهمزة المحذوفة أ لا ترى أن الهمزة في ويلمه قد حذفت حذفا على غير ما يوجبه قياس التخفيف و لا يعوض منها فإن لا يعوض منها في التخفيف القياسي أجدر لأن الهمزة هنا في تقدير الثبات و لو لا ذلك لم يحرك حرف اللين في نحو جيل في جيال و مئونة في مئونة قال و قد تجيء هذه الألف مثبتة في الشعر نحو قول الأعشى :
فكيف أنا و انتحالي القوافي
بعد المشيب كفى ذاك عارا و قول الآخر :
أنا شيخ العشيرة البيت و لا يكون ذلك مختارا في القراءة و من قرأ « لكنا » في الوصل فإنه يحتمل أمرين ( أحدهما ) أن يجعل الضمير المتصل مثل المنفصل الذي هو نحن فيدغم النون من لكن لسكونها في النون من علامة الضمير فيكون على هذا « لكنا » بإثبات الألف وصلا و وقفا لا غير أ لا ترى أن أحدا لا يحذف الألف من نحو فعلنا و قوله « هو » من « هو الله ربي » ضمير الحديث و القصة كما أنه في قوله فإذا هي شاخصة و قوله قل هو الله أحد كذلك و التقدير الأمر الله أحد لأن هذا الضمير يدخل على المبتدأ و الخبر فيصير المبتدأ و الخبر موضع خبره كما أنه في أن و كأن و ظننت و ما يدخل على المبتدأ و الخبر كذلك و عاد الضمير على الضمير الذي دخلت عليه لكن على المعنى و لو عاد على اللفظ لكان لكنا
مجمع البيان ج : 6 ص : 726
هو الله ربنا و دخلت لكن مخففة على الضمير كما دخلت في قوله إنا معكم و الوجه الآخر أن سيبويه حكى أنه سمع من يقول أعطني أبيضه فشدد و الحق الهاء بالتشديد للوقف و الهاء مثل الألف في سبسبا و الياء في عيهلى و أجرى الهاء مجراهما في الإطلاق كما كانت مثلهما في نحو قوله :
صفية قومي و لا تجزعي
و بكي النساء على حمزة فهذا الذي حكاه سيبويه في الكلام و ليس في شعر و كذلك الآية يكون الألف فيها كالهاء و لا يكون الهاء للوقف أ لا ترى أن الهاء للوقف لا يبين بها المعرب و لا ما ضارع المعرب فعلى أحد هذين الوجهين يكون قول من أثبت الألف في الوصل أو عليهما جميعا و لو كانت فاصلة لكانت مثل فأضلونا السبيلا و أما قراءة أبي لكن أنا فهي الأصل في قراءة الجماعة لكن على ما تقدم بيانه لأن ألف أنا محذوف في الوصل قال الشاعر :
و ترمينني بالطرف أي أنت مذنب
و تقلينني لكن إياك لا أقلي أي لكن أنا و أنا مرفوع بالابتداء و خبره الجملة المركبة من المبتدأ و الخبر التي هي « هو الله ربي » و العائد على المبتدأ من الجملة الياء في ربي و من قرأ لكن هو الله ربي فإعرابه واضح و أما من قرأ غورا فيمكن أن يكون غورا لغة في غور و إنما جاز أن يقع المصدر موقع الصفة للمبالغة كما قال الشاعر :
تظل جياده نوحا عليه
مقلدة أعنتها صفونا و أما قوله و لم يكن له فئة بالياء فإن الياء و التاء هنا حسن و أما قوله هنالك الولاية لله الحق فقد حكى أبو عبيدة عن أبي عمرو إن الولاية هنا لحن لأن الكسر في فعالة يجيء فيما كان صنعة و معنى متقلدا كالكتابة و الإمارة و الخلافة و ما أشبه ذلك و ليس هنا معنى تولي أمر إنما هو الولاية من الدين و كذلك التي في الأنفال ما لكم من ولايتهم من شيء و قال بعض أهل اللغة : الولاية النصر يقال هم أهل ولاية عليك أي متناصرون عليك و الولاية ولاية السلطان قال و قد يجوز الفتح في هذه و الكسر في تلك كما قالوا الوكالة و الوكالة و الوصاية و الوصاية بمعنى واحد فعلى هذا يجوز الكسر في الولاية في هذا الموضع و من كسر القاف من « الحق » فجعله من وصف الله تعالى وصفه بالحق و هو مصدر كما وصفه بالعدل و السلام و المعنى ذو الحق و ذو السلام و كذلك الإله معنى ذو العبادة و يدل عليه قوله و يعلمون أن الله هو الحق المبين و من رفع الحق جعله صفة للولاية و معنى وصف الولاية بالحق أنه لا
مجمع البيان ج : 6 ص : 727
يشوبها غيره و لا يخاف فيها ما يخاف في سائر الولايات من غير الحق و أما قوله « عقبا » فإن ما كان على فعل جاز تخفيفه على ما تقدم ذكره .

اللغة

أصل الحسبان السهام التي ترمى لتجري في طلق واحد و كان ذلك من رمي الأساورة و أصل الباب الحساب و إنما يقال لما يرمي به حسبان لأنه يكثر كثرة الحساب قال الزجاج : الصعيد الطريق الذي لا نبات فيه و الزلق الأرض الملساء المستوية لا نبات فيها و لا شيء و أصل الزلق ما تزلق عنه الأقدام فلا يثبت عليه .

الإعراب

« ما شاء الله » يحتمل أن يكون ما رفعا و تقديره الأمر ما شاء الله فيكون موصولا و الضمير العائد إليه يكون محذوفا لطول الكلام و يجوز أن يكون التقدير ما شاء الله كائن و يحتمل أن يكون ما في موضع نصب على معنى الشرط و الجزاء و يكون الجواب محذوفا و تقديره أي شيء شاء الله كان و مثله في حذف الجواب قوله فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض « إن ترن أنا أقل » أقل منصوب بأنه مفعول ثان لترن و أنا إن شئت كان توكيدا أو وصفا لياء المتكلم و إن شئت كان فصلا كما تقول كنت أنت القائم يا هذا قاله الزجاج و يجوز رفع أقل و قد قرأ بها عيسى بن عمر فيكون أنا مبتدأ و أقل خبره و الجملة في موضع نصب بأن يكون المفعول الثاني لترني و قوله « فعسى » الفاء جواب قوله « إن ترن » و « ثوابا » و « عقبا » منصوبان على التمييز .

المعنى

ثم بين سبحانه جواب المؤمن للكافر فقال « قال له صاحبه و هو يحاوره » أي يخاطبه و يجيبه مكفرا له بما قاله « أ كفرت بالذي خلقك من تراب » يعني أصل الخلقة أي خلق أباك من تراب و هو آدم (عليه السلام) و قيل لما كانت النطفة خلقها الله سبحانه بمجرى العادة من الغذاء و الغذاء ينبت من تراب جاز أن يقول خلقك من تراب « ثم من نطفة ثم سواك رجلا » أي نقلك من حال إلى حال حتى جعلك بشرا سويا معتدل الخلقة و القامة و إنما كفره بإنكاره المعاد و في هذا دلالة على أن الشك في البعث و النشور كفر « لكنا هو الله ربي » تقديره لكن أنا أقول هو الله ربي و خالقي و رازقي فإن افتخرت علي بدنياك فإن افتخاري بالتوحيد « و لا أشرك بربي أحدا » أي لا أشرك بعبادتي إياه أحدا سواه بل أوجهها إليه وحده خالصا و إنما استحال الشرك في العبادة لأنها لا تستحق إلا بأصول النعم و بالنعمة التي لا يوازنها نعمة منعم و ذلك لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى ثم قال « و لو لا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله » معناه و قال لصاحبه الكافر هلا حين دخلت بستانك فرأيت تلك الثمار و الزرع شكرت الله تعالى و قلت ما شاء الله كان و إني و إن تعبت في جمعه و عمارته
مجمع البيان ج : 6 ص : 728
فليس ذلك إلا بقدرة الله و تيسيره و لو شاء لحال بيني و بين ذلك و لنزع البركة عنه فإنه لا يقوى أحد على ما في يديه من النعمة إلا بالله و لا يكون له إلا ما شاء الله ثم رجع إلى نفسه فقال « إن ترني أنا أقل منك مالا و ولدا فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك » معناه إن كنت تراني اليوم فقيرا أقل منك مالا و عشيرة و أولادا فلعل الله أن يؤتيني بستانا خيرا من بستانك في الآخرة أو في الدنيا و الآخرة « و يرسل عليها حسبانا من السماء » أي و يرسل على جنتك عذابا أو نارا من السماء فيحرقها عن ابن عباس و قتادة و قيل يرسل عليها عذاب حسبان و ذلك الحسبان حساب ما كسبت يداك عن الزجاج و قيل و يرسل عليها مرامي من عذابه إما بردا و إما حجارة أو غيرهما مما يشاء من أنواع العذاب « فتصبح صعيدا زلقا » أي أرضا مستوية لا نبات عليها تزلق عنها القدم فتصير أضر أرض من بعد أن كانت أنفع أرض « أو يصبح ماؤها غورا » أي غائرا ذاهبا في باطن غامض منقطعا فيكون أعدم أرض للماء بعد أن كانت أوجد أرض للماء « فلن تستطيع له طلبا » أي فلن تقدر على طلبه إذا غار و لا يبقى له أثر تطلبه به فلن تستطيع رده قيل معناه فلن تستطيع طلب غير ذلك الماء بدلا عنه إلى هنا انتهى مناظرة صاحبه و إنذاره ثم قال سبحانه « و أحيط بثمره » معناه أهلك و أحيط العذاب بأشجاره و نخيله فهلكت عن آخرها تقول أحيط ببني فلان إذا هلكوا عن آخرهم و أصل الإحاطة إدارة الحائط على الشيء و في الخبر أن الله عز و جل أرسل عليها نارا فأهلكها و غار ماؤها « فأصبح » هذا الكافر « يقلب كفيه » تأسفا و تحسرا « على ما أنفق فيها » من المال و هو أن يضرب يديه واحدة على الأخرى عن ابن عباس و تقليب الكفين يفعله النادم كثيرا فصار عبارة عن الندم « و هي خاوية على عروشها » أي ساقطة على سقوفها و ما عرش لكرومها و ذلك أن السقف ينهدم أولا ثم ينهدم الحائط على السقف و قيل إن العروش الأبنية و معناه خالية على بيوتها قد ذهب شجرها و بقيت جدرانها لا خير فيها « و يقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا » ندم على الكفر لفناء ماله لا لوجوب الإيمان فلم ينفعه و لو ندم على الكفر ف آمن بالله تحقيقا لانتفع به و قيل إنه ندم على ما كان منه من الشرك بالله تعالى و آمن « و لم تكن له فئة ينصرونه من دون الله » أي لم يكن لهذا الكافر جماعة يدفعون عذاب الله عنه و قيل الفئة الجند قال العجاج :
كما يجوز الفئة الكمي « و ما كان منتصرا » أي و ما كان ممتنعا عن قتادة قيل معناه و ما كان مستردا بدل ما ذهب عنه قال ابن عباس و هذان الرجلان هما اللذان ذكرهما الله تعالى في سورة الصافات في قوله « إني كان لي قرين » يقول أ إنك لمن المصدقين إلى قوله « فاطلع فرآه في سواء الجحيم » و روى هشام بن سالم و أبان بن عثمان عن الصادق (عليه السلام) قال عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله سبحانه « حسبنا الله
مجمع البيان ج : 6 ص : 729
و نعم الوكيل » فإني سمعت الله يقول بعقبها « فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لهم يمسسهم سوء » و عجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله « لا إله إلا أنت سبحانك » إني كنت من الظالمين فإني سمعت الله سبحانه يقول بعقبها « فاستجبنا له و نجيناه من الغم و كذلك ننجي المؤمنين » و عجبت لمن مكر به كيف لا يفزع إلى قوله « و أفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد » فإني سمعت الله عز و جل يقول بعقبها فوقاه الله سيئات ما مكروا و عجبت لمن أراد الدنيا و زينتها كيف لا يفزع إلى قوله « ما شاء الله لا قوة إلا بالله » فإني سمعت الله يقول بعقبها « فعسى ربي أن يؤتيني خيرا من جنتك » و عسى موجبة و قوله « هنالك الولاية لله الحق » أخبر سبحانه إن في ذلك الموضع و في ذلك الوقت الذي يتنازع فيه الكافر و المؤمن الولاية بالنصرة و الإعزاز لله عز و جل فهو الذي يتولى أمر عباده المؤمنين و يملك النصرة لمن أراد و قيل هنالك إشارة إلى يوم القيامة و تقديره الولاية يوم القيامة لله يريد يومئذ يتولون الله و يؤمنون به و يتبرءون مما كانوا يعبدون عن القتيبي و قيل معناه هنالك ينصر المؤمنين و يخذل الكافرين فالولاية يومئذ خالصة له لا يملكها أحد من العباد « هو خير ثوابا » أي هو أفضل ثوابا ممن يرجي ثوابا على تقدير لو كان يثيب غيره لكان هو خير ثوابا « و خير عقبا » أي عاقبة طاعته خير من عاقبة طاعة غيره فهو خير عقب طاعة ثم حذف المضاف إليه و العقب و العقبي و العاقبة بمعنى .

مجمع البيان ج : 6 ص : 730
وَ اضرِب لهَُم مَّثَلَ الحَْيَوةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَهُ مِنَ السمَاءِ فَاخْتَلَط بِهِ نَبَات الأَرْضِ فَأَصبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَحُ وَ كانَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء مُّقْتَدِراً(45) الْمَالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ الْبَقِيَت الصلِحَت خَيرٌ عِندَ رَبِّك ثَوَاباً وَ خَيرٌ أَمَلاً(46) وَ يَوْمَ نُسيرُ الجِْبَالَ وَ تَرَى الأَرْض بَارِزَةً وَ حَشرْنَهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنهُمْ أَحَداً(47) وَ عُرِضوا عَلى رَبِّك صفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَكمْ أَوَّلَ مَرَّةِ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نجْعَلَ لَكم مَّوْعِداً(48) وَ وُضِعَ الْكِتَب فَترَى الْمُجْرِمِينَ مُشفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يَوَيْلَتَنَا مَا لِ هَذَا الْكتَبِ لا يُغَادِرُ صغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلا أَحْصاهَا وَ وَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَ لا يَظلِمُ رَبُّك أَحَداً(49)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر و يوم تسير بضم التاء و فتح الياء الجبال رفع و الباقون « نسير » بالنون و كسر الياء و « الجبال » نصب .

الحجة

قال أبو علي حجة من بنى الفعل للمفعول به قوله « و سيرت الجبال » و قوله « و إذا الجبال سيرت » و من قرأ « نسير » فلأنه أشبه بما بعده من قوله « و حشرناهم فلم نغادر منهم أحدا » .

اللغة

الهشيم ما يكسر و يحطم من يبس النبات و الذر و التذرية تطيير الريح الأشياء الخفيفة في كل جهة يقال ذرته الريح تذروه و ذرته و أذرته و أذريت الرجل عن الدابة إذا ألقيته عنها قال الشاعر :
فقلت له صوب و لا تجهدنه
فيذرك من أخرى القطاة فتزلق و المغادرة الترك و منه الغدر لأن ترك الوفاء و منه الغدير لترك الماء فيه و الإشفاق الخوف من وقوع مكروه مع تجويز أن لا يقع و أصله الرقة و منه الشفق الحمرة الرقيقة التي تكون في السماء و شفقة الإنسان على ولده رقته عليه .

الإعراب

صفا نصب على الحال أي مصفوفين .
« ألن نجعل » أن هذه مخففة من الثقيلة و « لن نجعل لكم موعدا » خبره و قال قد كتبت في المصحف اللام مفصولة و لا وجه له .
« لا يغادر » في موضع نصب على الحال .

المعنى

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يضرب المثل للدنيا تزهيدا فيها و ترغيبا في الآخرة فقال « و اضرب » يا محمد « لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من
مجمع البيان ج : 6 ص : 731
السماء فاختلط به نبات الأرض » أي نبت بذلك الماء نبات التف بعضه ببعض يروق حسنا و غضاضة و هذا مفسر في سورة يونس (عليه السلام) « فأصبح هشيما » أي كسيرا مفتتا « تذروه الرياح » فتنقله من موضع إلى موضع فانقلاب الدنيا كانقلاب هذا النبات « و كان الله على كل شيء مقتدرا » أي قادرا لا يجوز عليه المنع قال الحسن أي كان الله مقتدرا على كل شيء قبل كونه قال الزجاج و تأويله أن ما شاهدتم من قدرته ليس بحادث و أنه كذلك كأن لم يزل هذا مذهب سيبويه و قيل إنه إخبار عن الماضي و دلالة على المستقبل و هذا المثل إنما هو للمتكبرين الذين اغتروا بأموالهم و استنكفوا عن مجالسة فقراء المؤمنين أخبرهم الله سبحانه أن ما كان من الدنيا لا يراد الله سبحانه به فهو كالنبت الحسن على المطر لا مادة له فهو يروق ما خالطه ذلك الماء فإذا انقطع عنه عاد هشيما لا ينتفع به ثم قال « المال و البنون زينة الحياة الدنيا » أي يتفاخر بهما و يتزين بهما في الدنيا و لا ينتفع بهما في الآخرة و إنما سماهما زينة لأن في المال جمالا و في البنين قوة و دفعا فصارا زينة الحياة الدنيا و كلاهما لا يبقى للإنسان فينتفع به في الآخرة « و الباقيات الصالحات » و هي الطاعات لله تعالى و جميع الحسنات لأن ثوابها يبقى أبدا عن ابن عباس و قتادة « خير عند ربك ثوابا و خير أملا » أي أفضل ثوابا و أصدق أملا من المال و البنين و سائر زهرات الدنيا فإن من الآمال كواذب و هذا أمل لا يكذب لأن من عمل الطاعة وجد ما يأمله عليها من الثواب و قيل إن الباقيات الصالحات هي ما كان يأتي به سلمان و صهيب و فقراء المسلمين و هو سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر عن ابن عباس في رواية عطا و مجاهد و عكرمة و روى أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لجلسائه خذوا جنتكم قالوا احذر عدو قال خذوا جنتكم من النار قولوا سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر فإنهم المقدمات و هن المجيبات و هن المعقبات و هن الباقيات الصالحات و رواه أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم قال و لذكر الله أكبر قال ذكر الله عند ما أحل أو حرم و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إن عجزتم عن الليل أن تكابدوه و عن العدو أن تجاهدوه فلا تعجزوا عن قول سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر فإنهن من الباقيات الصالحات فقولوها و قيل هي الصلوات الخمس عن ابن مسعود و سعيد بن جبير و مسروق و النخعي و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) و روي عنه أيضا أن من الباقيات الصالحات القيام بالليل لصلاة الليل و قيل إن الباقيات الصالحات هن البنات الصالحات و الأولى حملها على العموم فيدخل فيها جميع الطاعات و الخيرات و في كتاب ابن عقدة أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال للحصين بن عبد الرحمن يا حصين لا تستصغر مودتنا فإنها من الباقيات
مجمع البيان ج : 6 ص : 732
الصالحات قال يا ابن رسول الله ما استصغرها و لكن أحمد الله عليها و إنما سميت الطاعات صالحات لأنها أصلح الأعمال للمكلف من حيث أمر بها و وعد الثواب عليها و توعد بالعقاب على تركها « و يوم نسير الجبال » قيل إنه يتعلق بما قبله و تقديره و الباقيات الصالحات خير ثوابا في هذا اليوم و قيل إنه ابتداء كلام و تقديره و اذكر يوم نسير الجبال يعني يوم القيامة ، و تسيير الجبال قلعها عن أماكنها فإن الله سبحانه يقلعها و يجعلها هباء منثورا و قيل نسيرها على وجه الأرض كما نسير السحاب في السماء ثم يجعلها كثيبا مهيلا كما قال « يوم ترجف الأرض و الجبال » الآية ثم يصيرها كالعهن المنفوش ثم يصيرها هباء منبثا في الهواء كما قال و بست الجبال بسا فكانت هباء منبثا ثم يصيرها بمنزلة السراب كما قال و سيرت الجبال فكانت سرابا « و ترى الأرض بارزة » أي ظاهرة ليس عليها شيء من جبل أو بناء أو شجر يسترها عن عيون الناظرين و قيل إن معناه و ترى باطن الأرض ظاهرا قد برز من كان في بطنها فصاروا على ظهرها عن عطا و تقديره و ترى ما في الأرض بارزا فهو مثل قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ترمي الأرض بأفلاذ كبدها « و حشرناهم » أي و بعثناهم من قبورهم و جمعناهم في الموقف « فلم نغادر منهم أحدا » أي فلم نترك منهم أحدا إلا حشرناه « و عرضوا على ربك » يعني المحشورين يعرضون على الله تعالى يوم القيامة « صفا » أي مصفوفين كل زمرة و أمة صفا و قيل يعرضون صفا بعد صف كالصفوف في الصلاة و قيل يعرضون صفا واحدا لا يحجب بعضهم بعضا و يقال لهم « لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة » معناه لقد جئتمونا ضعفاء فقراء عاجزين في الموضع الذي لا يملك فيه الحكم غيرنا كما كنتم في ابتداء الخلق لا تملكون شيئا و قيل معناه ليس معكم شيء مما اكتسبتموه في الدنيا من الأموال و الأولاد و الخدم تنتفعون به كما كنتم في أول الخلق و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال يحشر الناس من قبورهم يوم القيامة حفاة عراة غرلا فقالت عائشة يا رسول الله أ ما يستحي بعضهم من بعض فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه « بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا » أي و يقال لهم أيضا بل زعمتم في دار الدنيا أن الله لم يجعل لكم موعدا للبعث و الجزاء و الحساب يوم القيامة « و وضع الكتاب » أي و وضع الكتب فإن الكتاب اسم جنس و المعنى و وضعت صحائف بني آدم في أيديهم و قيل معناه و وضع الحساب فعبر عن الحساب بالكتاب لأنهم يحاسبون على أعمالهم المكتوبة عن الكلبي « فترى المجرمين مشفقين مما فيه » أي خائفين مما فيه من الأعمال السيئة « و يقولون يا ويلتنا » هذه لفظة يقولها الإنسان إذا وقع
مجمع البيان ج : 6 ص : 733
في شدة فيدعو على نفسه بالويل و الثبور « ما ل هذا الكتاب » أي أي شيء لهذا الكتاب « لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها » أي لا يترك صغيرة من الذنوب و لا كبيرة إلا عدها و أثبتها و حواها و قد مر تفسير الصغيرة و الكبيرة في سورة النساء و أنث الصغيرة و الكبيرة بمعنى الفعلة و الخصلة « و وجدوا ما عملوا حاضرا » أي مكتوبا في الكتاب مثبتا و قيل معناه وجدوا جزاء ما عملوا حاضرا فجعل وجود الجزاء كوجود الأعمال توسعا « و لا يظلم ربك أحدا » معناه و لا ينقص ربك ثواب محسن و لا يزيد في عقاب مسيء و في هذا دلالة على أنه سبحانه لا يعاقب الأطفال لأنه إذا كان لا يزيد في عقوبة المذنب فكيف يعاقب من ليس بمذنب .
وَ إِذْ قُلْنَا لِلْمَلَئكَةِ اسجُدُوا لاَدَمَ فَسجَدُوا إِلا إِبْلِيس كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونى وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوُّ بِئْس لِلظلِمِينَ بَدَلاً(50) *مَّا أَشهَدتهُمْ خَلْقَ السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَ مَا كُنت مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضداً(51) وَ يَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شرَكاءِى الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَستَجِيبُوا لهَُمْ وَ جَعَلْنَا بَيْنهُم مَّوْبِقاً(52)

القراءة

قرأ أبو جعفر ما أشهدناهم بالنون على التعظيم و الباقون « ما أشهدتهم » بالتاء و قرأ حمزة و يوم نقول بالنون و الباقون بالياء .

الحجة

من قرأ نقول بالنون حمله على ما تقدم في المعنى فكما أن كنت للمتكلم فكذلك نقول و من قرأ بالياء فحجته أن الكلام قد انقضى فالمعنى و يوم يقول الله نادوا شركائي و هذا يقوي القراءة بالياء لأنه لو كانت بالنون لكان الأشبه أن يقول نادوا شركاءنا .

اللغة

الفسق الخروج إلى حال تضر يقال فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها
مجمع البيان ج : 6 ص : 734
و فسقت الفأرة إذا خرجت من حجرها قال رؤبة :
يهوين في نجد و غورا غائرا
فواسقا عن قصدها جوائرا قال أبو عبيدة : هذه التسمية لم نسمعها في شيء من أشعار الجاهلية و لا أحاديثها و إنما تكلم بها العرب بعد نزول القرآن و قال المبرد : الأمر على ما ذكره أبو عبيدة و هي كلمة فصيحة على ألسنة العرب و قال قطرب « فسق عن أمر ربه » أي عن رد أمر ربه كقولهم كسوته عن عري و أطعمته عن جوع و العضد ما بين المرفق إلى الكتف و فيه خمس لغات عضد و عضد و عضد و عضد و عضد و عضدت فلانا أعنته و فلان عضدي استعارة و اعتضد به أي استعان .
قال ثعلب : كل شيء حال بين شيئين فهو موبق من وبق يبق وبوقا إذا هلك و حكى الزجاج وبق الرجل يوبق وبقا .

الإعراب

« بئس للظالمين بدلا » اسم بئس مضمر فسر بقوله « بدلا » و قوله « للظالمين » فصل بين بئس و بين ما انتصب على التمييز و التقدير بئس البدل للظالمين ذرية إبليس فذرية إبليس هو المخصص بالذم عن أبي علي الفارسي .

المعنى

ثم أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يذكر هؤلاء المتكبرين عن مجالسة الفقراء قصة إبليس و ما أورثه الكبر فقال « و إذ قلنا » أي و اذكر يا محمد إذ قلنا « للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس » قد مر تفسيره فيما تقدم و إنما تقرر هذا القول في القرآن لأجل ما بعده مما يحتاج اتصاله به فهو كالمعنى الذي يفيد أمرا في مواضع كثيرة للإخبار عنه بأخبار مختلفة و قوله « كان من الجن » من قال إن إبليس لم يكن من الملائكة استدل بهذا لأن الجن غير الملائكة كما أنهم غير الإنس و من قال إنه كان من الملائكة قال إن المعنى كان من الذين يستترون عن الأبصار مأخوذ من الجن و هو الستر و قيل كان من قبيل من الملائكة يقال لهم الجن كانوا خزان الجنان فأضيفوا إليها كقولك كوفي بصري و ضعف الأولون هذين الوجهين لأن لفظ الجن إذا أطلق فالمفهوم منه هذا الجنس المعروف لا الملائكة « ففسق عن أمر ربه » أي خرج عن طاعة ربه ثم خاطب الله سبحانه المشركين فقال « أ فتتخذونه و ذريته أولياء من دوني و هم لكم عدو » معناه أ فتتبعون أمر إبليس و أمر ذريته و تتخذونهم أولياء تتولونهم بالطاعة من دوني و هم جميعا أعداء لكم و العاقل حقيق بأن يتهم عدوه على نفسه و هذا استفهام بمعنى الإنكار و التوبيخ قال مجاهد : ذريته الشياطين و قال الحسن : الجن من ذريته « بئس للظالمين بدلا » تقديره بئس البدل للظالمين بدلا و معناه بئس ما استبدلوا بعبادة
مجمع البيان ج : 6 ص : 735
ربهم إذا أطاعوا إبليس عن الحسن و قيل بئس البدل طاعة الشيطان عن طاعة الرحمن عن قتادة « ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم » أي ما أحضرت إبليس و ذريته خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم مستعينا بهم على ذلك و لا استعنت ببعضهم على خلق بعض و هذا إخبار عن كمال قدرته و استغنائه عن الأنصار و الأعوان و يدل عليه قوله « و ما كنت متخذ المضلين عضدا » أي الشياطين الذين يضلون الناس أعوانا يعضدونني عليه و كثيرا ما يستعمل العضد بمعنى العون و إنما وحده هنا لوفاق الفواصل و قيل إن معنى الآية أنكم اتبعتم الشيطان كما يتبع من يكون عنده علم لا ينال إلا من جهته و إنا ما أطلعتهم على خلق السماوات و الأرض و لا على خلق أنفسهم و لم أعطهم العلم بأنه كيف تخلق الأشياء فمن أين تتبعونهم و قيل معناه ما أحضرت مشركي العرب و هؤلاء الكفار خلق السماوات و الأرض و لا خلق أنفسهم أي و ما أحضرت بعضهم خلق بعض بل لم يكونوا موجودين فخلقتهم فمن أين قالوا إن الملائكة بنات الله و من أين ادعوا ذلك « و يوم يقول » يريد يوم القيامة يقول الله للمشركين و عبدة الأصنام « نادوا شركائي الذين زعمتم » في الدنيا أنهم شركائي ليدفعوا عنكم العذاب « فدعوهم » يعني المشركين يدعون أولئك الشركاء الذين عبدوهم مع الله « فلم يستجيبوا لهم » أي فلا يستجيبون لهم و لا ينفعونهم شيئا « و جعلنا بينهم » أي بين المؤمنين و الكافرين « موبقا » و هو اسم واد عميق فرق الله به سبحانه بين أهل الهدى و أهل الضلالة عن مجاهد و قتادة و قيل بين المعبودين و عبدتهم موبقا أي حاجزا عن ابن الأعرابي أي فأدخلنا من كانوا يزعمون أنهم معبودهم مثل الملائكة و المسيح و الجنة و أدخلنا الكفار النار و قيل معناه جعلنا تواصلهم في الدنيا موبقا أي مهلكا لهم في الآخرة عن الفراء و روي ذلك عن قتادة و ابن عباس فالبين على هذا القول معناه التواصل و المعنى أن تواصلهم و توادهم في الكفر صار سبب هلاكهم في الآخرة و قيل موبقا عداوة عن الحسن فكأنه قال عداوة مهلكة و روي عن أنس بن مالك أنه قال الموبق واد في جهنم من قيح و دم .

النظم

وجه اتصال قوله « ما أشهدتهم خلق السماوات و الأرض » بما قبله أنه يتصل اتصال الحجة التي تكشف حيرة الشبهة لأنه بمنزلة أن يقال إنكم قد أقبلتم على اتباع إبليس و ذريته و تركتم أمر الله تعالى مع كثرة الحجج و لو أشهدتهم خلق السماوات و الأرض لم يزيدوا على ما فعلتم من اتباعهم و قيل إنه سبحانه بين بذلك أنه المتفرد بالخلق و الاختراع لا شريك له فيه فلا ينبغي أن تشركوا معه في العبادة غيره أو تدعوا غيره إلها .

مجمع البيان ج : 6 ص : 736
وَ رَءَا الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظنُّوا أَنهُم مُّوَاقِعُوهَا وَ لَمْ يجِدُوا عَنهَا مَصرِفاً(53) وَ لَقَدْ صرَّفْنَا فى هَذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كلِّ مَثَل وَ كانَ الانسنُ أَكثرَ شىْء جَدَلاً(54) وَ مَا مَنَعَ النَّاس أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَ يَستَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلا أَن تَأْتِيهُمْ سنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيهُمُ الْعَذَاب قُبُلاً(55) وَ مَا نُرْسِلُ الْمُرْسلِينَ إِلا مُبَشرِينَ وَ مُنذِرِينَ وَ يجَدِلُ الَّذِينَ كفَرُوا بِالْبَطِلِ لِيُدْحِضوا بِهِ الحَْقَّ وَ اتخَذُوا ءَايَتى وَ مَا أُنذِرُوا هُزُواً(56)

القراءة

قرأ أهل الكوفة « قبلا » بضمتين و الباقون قبلا .

الحجة

قد ذكرنا الوجه في سورة الأنعام .

اللغة

المواقعة ملابسة الشيء بشدة و منه وقائع الحروب و أوقع به إيقاعا و التوقع الترقب لوقوع الشيء و المصرف المعدل قال أبو كثير :
أ زهير هل عن شيبة من مصرف
أم لا خلود لباذل متكلف و التصريف تنقيل المعنى في الجهات المختلفة و الإدحاض الإذهاب بالشيء إلى الهلاك و مكان دحض أي مزلق مزل لا يثبت عليه خف و لا حافر و لا قدم قال :
و حاد كما حاد البعير عن الدحض .

الإعراب

« أن يؤمنوا » في موضع نصب و المعنى ما منع الناس من الإيمان إلا طلب أن يأتيهم فيكون أن يأتيهم في موضع رفع « و ما أنذروا » في موضع نصب عطفا على « آياتي » و « هزوا » هو المفعول الثاني لاتخذوا .

المعنى

ثم بين سبحانه حال المجرمين فقال « و رأى المجرمون النار » يعني
مجمع البيان ج : 6 ص : 737
المشركين رأوا النار و هي تتلظى حنقا عليهم عن ابن عباس و قيل هو عام في أصحاب الكبائر « فظنوا أنهم مواقعوها » أي علموا أنهم داخلون فيها واقعون في عذابها « و لم يجدوا عنها مصرفا » أي معدلا و موضعا ينصرفون إليه ليتخلصوا منها « و لقد صرفنا » أي بينا « في هذا القرآن للناس من كل مثل » و تصريفها ترديدها من نوع واحد و أنواع مختلفة ليتفكروا فيها و قد مر تفسيره في بني إسرائيل « و كان الإنسان أكثر شيء جدلا » يريد بالإنسان النضر بن الحارث عن ابن عباس و يريد أبي بن خلف عن الكلبي و قال الزجاج : معناه و كان الكافر يدل عليه قوله و يجادل الذين كفروا بالباطل « و ما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى و يستغفروا ربهم » معناه ما منعهم من الإيمان بعد مجيء الدلالة و من أن يستغفروا ربهم على ما سبق من معاصيهم « إلا أن تأتيهم سنة الأولين » أي إلا طلب أن تأتيهم العادة في الأولين من عذاب الاستئصال حيث آتاهم العذاب من حيث لا يشعرون حين امتنعوا من قبول الهدى و الإيمان « أو يأتيهم العذاب قبلا » أو طلب أن يأتيهم العذاب عيانا مقابلة من حيث يرونه و تأويله أنهم بامتناعهم من الإيمان بمنزلة من يطلب هذا حتى يؤمنوا كرها لأنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم و هذا كما يقول القائل لغيره ما منعك أن تقبل قولي إلا أن تضرب على أن المشركين قد طلبوا مثل ذلك فقالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم و من قرأ قبلا فهو في معنى الأول و يجوز أن يكون أيضا جمع قبيل و هو الجماعة أي يأتيهم العذاب ضروبا من كل جهة ثم بين سبحانه أنه قد أزاح العلة و أظهر الحجة و أوضح المحجة فقال « و ما نرسل المرسلين إلا مبشرين و منذرين » أي لم نرسل الرسل إلى الخلق إلا مبشرين لهم بالجنة إذا أطاعوا أو مخوفين لهم بالنار إذا عصوا « و يجادل الذين كفروا بالباطل » أي و يناظر الكفار دفعا عن مذاهبهم بالباطل « ليدحضوا به الحق » أي ليزيلوا الحق عن قراره قال ابن عباس : يريد المستهزءين و المقتسمين و أتباعهم و جدالهم بالباطل أنهم ألزموه أن يأتي بالآيات على أهوائهم على ما كانوا يقترحونه ليبطلوا به ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقال أدحضت حجته أي أبطلتها « و اتخذوا آياتي » يعني القرآن « و ما أنذروا » أي ما تخوفوا به من البعث و النار « هزوا » مهزوا به استهزءوا به .

مجمع البيان ج : 6 ص : 738
وَ مَنْ أَظلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِئَايَتِ رَبِّهِ فَأَعْرَض عَنهَا وَ نَسىَ مَا قَدَّمَت يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَ فى ءَاذَانهِمْ وَقْراً وَ إِن تَدْعُهُمْ إِلى الْهُدَى فَلَن يهْتَدُوا إِذاً أَبَداً(57) وَ رَبُّك الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كسبُوا لَعَجَّلَ لهَُمُ الْعَذَاب بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئلاً(58) وَ تِلْك الْقُرَى أَهْلَكْنَهُمْ لَمَّا ظلَمُوا وَ جَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً(59)

القراءة

قرأ حفص عن عاصم « لمهلكهم » بفتح الميم و كسر اللام و كذلك في النمل و ما شهدنا مهلك و قرأ حماد و يحيى عن أبي بكر بفتح الميم و اللام و قرأ الأعشى و البرجمي عنه هاهنا بالضم و هناك بالفتح و قرأ الباقون لمهلكهم و مهلك بضم الميم و فتح اللام .

الحجة

من قرأ لمهلكهم فإن المهلك يجوز أن يكون مصدرا و يجوز أن يكون وقتا فيكون معناه لإهلاكهم أو لوقت إهلاكهم و من قرأ « لمهلكهم » فالمراد لوقت هلاكهم و من قرأ بفتح الميم و اللام فهو مصدر مثل الهلاك و قد حكي أن تميما يقول هلكني زيد و على هذا حمل بعضهم قوله :
و مهمة هالك من تعرجا فقال هو بمعنى مهلك فيكون هالك مضافا إلى المفعول به و إذا لم يكن بمعنى مهلك يكون هالك مضافا إلى الفاعل مثل حسن الوجه و كذلك قوله « لمهلكهم » على قراءة حفص أو لمهلكهم بفتح اللام و الميم فإنه مصدر فعلى قول من عدى هلكت يكون مضافا إلى المفعول به و على قول من لم يعده يكون مضافا إلى الفاعل .

الإعراب

« تلك القرى » تلك رفع بالابتداء و القرى صفة لها مبينة لها و « أهلكناهم » في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ و يجوز أن يكون موضع تلك القرى نصبا بفعل مضمر يكون أهلكناهم مفسرا لذلك الفعل و تقديره و أهلكنا تلك القرى أهلكناهم .

المعنى

ثم قال سبحانه « و من أظلم ممن ذكر ب آيات ربه فأعرض عنها » معناه ليس أحد أظلم لنفسه ممن ذكر أي وعظ بالقرآن و آياته و نبه على أدلة التوحيد فأعرض عنها جانبا « و نسي ما قدمت يداه » أي نسي المعاصي التي استحق بها العقاب و قيل معناه تذكر و اشتغل عنه استخفافا به و قلة معرفة بعاقبته لأنه نسي ذلك ثم قال سبحانه « إنا جعلنا على قلوبهم
مجمع البيان ج : 6 ص : 739
أكنة » و هي جمع كنان « أن يفقهوه » أي كراهة أن يفقهوه أو لئلا يفقهوه « و في آذانهم وقرا » أي ثقلا و قد تقدم بيان هذا فيما مضى و جملته أنه على التمثيل كما قال في موضع آخر و إذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كان في أذنيه وقرا فالمعنى كان على قلوبهم أكنة أن يفقه و في آذانهم وقرا أن يسمع « و إن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا » أخبر سبحانه أنهم لا يؤمنون أبدا و قد خرج مخبره موافقا لخبره فماتوا على كفرهم « و ربك الغفور ذو الرحمة » معناه و ربك الساتر على عباده الغافر لذنوب المؤمنين ذو النعمة و الإفضال على خلقه و قيل الغفور التائب ذو الرحمة للمصر بأن يمهل و لا يعجل و قيل الغفور لا يؤاخذهم عاجلا ذو الرحمة يؤخرهم ليتوبوا « لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب » في الدنيا « بل لهم موعد » و هو يوم القيامة و البعث « لن يجدوا من دونه موئلا » أي ملجأ عن ابن عباس و قتادة و قيل محرزا عن مجاهد و قيل منجا ينجيهم عن أبي عبيد قال : يقال لا وألت نفسه أي لا نجت قال الأعشى :
و قد أخالس رب البيت غفلته
و قد يحاذر مني ثم لا يئل و قال الآخر :
لا وألت نفسك خليتها
للعامريين و لم تكلم « و تلك القرى » إشارة إلى قرى عاد و ثمود و غيرهم « أهلكناهم لما ظلموا » بتكذيب أنبياء الله و جحود آياته « و جعلنا لمهلكهم » أي و جعلنا لوقت إهلاكهم أو لوقت هلاكهم « موعدا » معلوما يهلكون فيه لمصلحة اقتضت تأخيره إليه و إنما قال سبحانه « تلك القرى » ثم قال « أهلكناهم » و لم يقل أهلكناها لأن القرية هي المسكن نحو المدينة و البلدة و هي لا تستحق الهلاك و إنما يستحق الهلاك أهلها و لذلك قال « لما ظلموا » يعني أهل القرية الذين أهلكناهم .

مجمع البيان ج : 6 ص : 740
وَ إِذْ قَالَ مُوسى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضىَ حُقُباً(60) فَلَمَّا بَلَغَا مجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتخَذَ سبِيلَهُ فى الْبَحْرِ سرَباً(61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ ءَاتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سفَرِنَا هَذَا نَصباً(62) قَالَ أَ رَءَيْت إِذْ أَوَيْنَا إِلى الصخْرَةِ فَإِنى نَسِيت الحُْوت وَ مَا أَنسانِيهُ إِلا الشيْطنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَ اتخَذَ سبِيلَهُ فى الْبَحْرِ عجَباً(63) قَالَ ذَلِك مَا كُنَّا نَبْغ فَارْتَدَّا عَلى ءَاثَارِهِمَا قَصصاً(64)

القراءة

قرأ حفص « و ما أنسانيه » بضم الهاء و في الفتح بما عاهد عليه الله بضم الهاء و الباقون بكسر الهاء من غير بلوغ الياء إلا ابن كثير فإنه يثبت الياء في الوصل و قد تقدم القول في وجه ذلك .

اللغة

لا أبرح أي لا أزال و لو كان معناه لا أزول كان محالا لأنه إذا لم يزل من مكانه لم يقطع أرضا قال الشاعر :
و أبرح ما أدام الله قومي
رخي البال منتطقا مجيدا أي لا أزال و الحقب الدهر و الزمان و جمعه أحقاب قال الزجاج : و الحقب ثمانون سنة و السرب المسلك و المذهب و معناه في اللغة المحفور في الأرض لا نفاذ له و يقال للذاهب في الأرض سارب قال الشاعر :
أنى سربت و كنت غير سروب
و تقرب الأحلام غير قريب و النصب و الوصب و التعب نظائر و هو الوهن الذي يكون على الكد .

الإعراب

« سربا » منصوب على وجهين أحدهما أن يكون مفعولا ثانيا لاتخذ كما يقال اتخذت طريقي مكان كذا و اتخذت طريقي في السرب و الآخر أن يكون مصدرا يدل عليه اتخذ سبيله في البحر فكأنه قال فسرب الحوت سربا و قوله « أن أذكره » في موضع نصب بدل من الهاء في أنسانيه و المعنى و ما أنساني أن أذكره إلا الشيطان و « عجبا » منصوب على وجهين ( أحدهما ) أن يكون على قول يوشع اتخذ الحوت سبيله في البحر عجبا ( و الآخر ) أن يكون قال يوشع و اتخذ سبيله في البحر فأجابه موسى (عليه السلام) فقال عجبا فكأنه قال أعجب
مجمع البيان ج : 6 ص : 741
عجبا و « قصصا » وضع موضع الحال تقديره يقصان الأثر قصصا و القصص اتباع الأثر و قال أحد المحققين عجبا في موضع حال تقديره قال ذلك متعجبا و قصصا مصدر لفعل مضمر يدل عليه قوله « فارتدا » على آثارهما فإن معناه فاقتصا الأثر .

النزول

ذكر علي بن إبراهيم في تفسيره قال لما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قريشا بخبر أصحاب الكهف قالوا أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى (عليه السلام) أن يتبعه من هو كيف تبعه و ما قصته فأنزل الله تعالى .

المعنى

« و إذ قال موسى لفتاه » أكثر المفسرين على أنه موسى بن عمران و فتاه يوشع بن نون و سماه فتاه لأنه صحبه و لازمه سفرا و حضرا للتعلم منه و قيل لأنه كان يخدمه و لهذا قال له « آتنا غداءنا » و هو يوشع بن نون بن أفراثيم بن يوسف بن يعقوب و قال محمد بن إسحاق يقول أهل الكتاب إن موسى الذي طلب الخضر هو موسى بن ميشا بن يوسف و كان نبيا في بني إسرائيل قبل موسى بن عمران إلا أن الذي عليه الجمهور أنه موسى بن عمران و لأن إطلاقه يوجب صرفه إلى موسى بن عمران كما أن إطلاق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ينصرف إلى نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال علي بن إبراهيم حدثني محمد بن علي بن بلال قال اختلف يونس و هشام بن إبراهيم في العالم الذي أتاه موسى أيهما كان أعلم و هل يجوز أن يكون على موسى حجة في وقته و هو حجة الله على خلقه فكتبوا إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسألونه عن ذلك فكتب في الجواب أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر فسلم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان بأرض ليس بها سلام قال من أنت قال أنا موسى بن عمران قال أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما قال نعم قال فما حاجتك قال جئت لتعلمني مما علمت رشدا قال إني وكلت بأمر لا تطيقه و وكلت بأمر لا أطيقه الخبر بطوله « لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين » معناه لا أزال أمضي و أمشي و لا أسلك طريقا آخر حتى أبلغ ملتقى البحرين بحر فارس و بحر الروم و مما يلي المغرب بحر الروم و مما يلي المشرق بحر فارس عن قتادة و قال محمد بن كعب هو طنجة و روي عنه إفريقية و كان وعد أن يلقى عنده الخضر « أو أمضي حقبا » أي دهرا عن ابن عباس و قيل سبعين سنة عن مجاهد و قيل ثمانين سنة عن عبد الله بن عمر « فلما بلغا مجمع بينهما » أي فلما بلغ الموضع الذي يجتمع فيه رأس البحرين « نسيا حوتهما » أي تركاه و قيل إنه ضل الحوت عنهما حين اتخذ سبيله في البحر سربا فسمي ضلاله عنهما نسيانا منهما له و قيل إنه من النسيان و الناسي له كان أحدهما و هو يوشع ، فأضيف النسيان إليهما كما يقال نسي القوم زادهم إذا نسيه متعهد أمرهم و قيل إن النسيان وجد منهما جميعا
مجمع البيان ج : 6 ص : 742
فإن يوشع نسي أن يحمل الحوت أو أن يذكر موسى ما قد رأى من أمره و نسي موسى أن يأمره فيه بشيء فصار كل واحد منهما ناسيا لغيره ما نسيه الآخر و قوله « فاتخذ سبيله في البحر سربا » أي فاتخذ الحوت طريقه في البحر مسلكا يذهب فيه و ذلك أن موسى و فتاه تزودا حوتا مملوحا عن ابن عباس و قيل حوتا طريا عن الحسن ثم انطلقا يمشيان على شاطىء البحر حتى انتهيا إلى صخرة على ساحل البحر فأويا إليها و عنده عين ماء تسمى عين الحياة فجلس يوشع بن نون و توضأ من تلك العين فانتضح على الحوت شيء من ذلك الماء فعاش و وثب في الماء و جعل يضرب بذنبه الماء فكان لا يسلك طريقا في البحر إلا صار الماء جامدا فذلك معنى قوله « فاتخذ سبيله في البحر سربا » « فلما جاوزا » ذلك المكان « قال » موسى « لفتاه آتنا غداءنا » قيل إنهما انطلقا بقية يومهما و ليلتهما فلما كان من الغد قال موسى ليوشع آتنا غداءنا أي أعطنا ما نتغدى به و الغداء طعام الغداة و العشاء طعام العشي و الإنسان إلى الغداء أشد حاجة منه إلى العشاء « لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا » أي تعبا و شدة قالوا إن الله تعالى ألقى على موسى الجوع ليتذكر حديث الحوت « قال » له يوشع عند ذلك « أ رأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت » و معناه أن يوشع تذكر قصة الحوت لما دعا موسى بالطعام ليأكل فقال له أ رأيت حين رجعنا إلى الصخرة و نزلنا هناك فإني تركت الحوت و فقدته و قيل نسيته و نسيت حديثه و قيل فيه إضمار أي نسيت أن أذكر لك أمر الحوت ثم اعتذر فقال « و ما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره » و ذلك أنه لو ذكر لموسى (عليه السلام) قصة الحوت عند الصخرة لما جاوزها موسى و لما ناله النصب الذي أشكاه و لم يلق في سفره النصب إلا يومئذ « و اتخذ سبيله في البحر عجبا » أي سبيلا عجبا و هو أن الماء انجاب عنه و بقي كالكوة لم يلتئم و قيل إن كلام يوشع قد انقطع عند قوله « و اتخذ سبيله في البحر » فقال موسى عند ذلك عجبا كيف كان ذاك و قيل إن معناه و اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا عن ابن عباس و المعنى دخل موسى الكوة على إثر الحوت فإذا هو بالخضر « قال ذلك ما كنا نبغ » قال موسى (عليه السلام) ذلك ما كنا نطلب من العلامة « فارتدا على آثارهما » أي رجعا و عادا عودهما على بدئهما في الطريق الذي جاءا منه يقصان آثارهما « قصصا » أي و يتبعانها و يوشع أمام موسى (عليه السلام) حتى انتهيا إلى مدخل الحوت .

[ القصة ]

سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أخبرني أبي بن كعب قال خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم قال أنا فعتب الله عليه إذا لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال
مجمع البيان ج : 6 ص : 743
موسى يا رب فكيف لي به قال تأخذ معك حوتا فتجعله في مكتل ثم انطلق و انطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رءوسهما فناما و اضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر و اتخذ سبيله في البحر سربا و أمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقية يومهما و ليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال و لم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله تعالى به فقال فتاه « أ رأيت إذ أوينا إلى الصخرة » الآية قال و كان للحوت سربا و لموسى و لفتاه عجبا فقال موسى « ذلك ما كنا نبغ » الآية قال رجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فوجدا رجلا مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر و أنى بإرضك السلام قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا يا موسى إني على علم من علم الله لا تعلمه علمنيه و أنت على علم من علم الله علمك لا أعلمه أنا فقال له موسى ستجدني إن شاء الله صابرا و لا أعصي لك أمرا فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة و كلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير قول فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا و الخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى قوم قد حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال أ لم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت و لا ترهقني من أمري عسرا قال و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كانت الأولى من موسى (عليه السلام) نسيانا و قال و جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر ما علمي و علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فأقلعه فقتله فقال له موسى أ قتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال أ لم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال و هذه أشد من الأولى قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني إلى قوله يريد أن ينقض كان مائلا فقال الخضر (عليه السلام) بيده فأقامه فقال موسى (عليه السلام) قوم قد أتيناهم فلم يطعمونا و لم يضيفونا لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني و بينك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما قال سعيد بن جبير كان ابن عباس يقرأ و كان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا و كان يقرأ
مجمع البيان ج : 6 ص : 744
و أما الغلام فكان كافرا و كان أبواه مؤمنين رواه البخاري و مسلم في الصحيحين و روى أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا أنه كان يقرأ كل سفينة صالحة غصبا و روي ذلك أيضا عن أبي جعفر قال و هي قراءة أمير المؤمنين (عليه السلام) .
فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا ءَاتَيْنَهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَ عَلَّمْنَهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً(65) قَالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُك عَلى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْت رُشداً(66) قَالَ إِنَّك لَن تَستَطِيعَ مَعِىَ صبراً(67) وَ كَيْف تَصبرُ عَلى مَا لَمْ تحِط بِهِ خُبراً(68) قَالَ ستَجِدُنى إِن شاءَ اللَّهُ صابِراً وَ لا أَعْصى لَك أَمْراً(69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنى فَلا تَسئَلْنى عَن شىْء حَتى أُحْدِث لَك مِنْهُ ذِكْراً(70) فَانطلَقَا حَتى إِذَا رَكِبَا فى السفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَ خَرَقْتهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْت شيْئاً إِمْراً(71) قَالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّك لَن تَستَطِيعَ مَعِىَ صبراً(72) قَالَ لا تُؤَاخِذْنى بِمَا نَسِيت وَ لا تُرْهِقْنى مِنْ أَمْرِى عُسراً(73) فَانطلَقَا حَتى إِذَا لَقِيَا غُلَماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَ قَتَلْت نَفْساً زَكِيَّةَ بِغَيرِ نَفْس لَّقَدْ جِئْت شيْئاً نُّكْراً(74) * قَالَ أَ لَمْ أَقُل لَّك إِنَّك لَن تَستَطِيعَ مَعِىَ صبراً(75)

القراءة

قرأ أبو عمرو و يعقوب رشدا بالفتح و الباقون « رشدا » بضم الراء و سكون الشين و قرأ فلا تسئلني مشددة النون مدني شامي و الباقون خفيفة النون و لم يخالفوا في إثبات الياء فيه وصلا و وقفا لأنها مثبتة في جميع المصاحف و قرأ ليغرق بفتح الياء و الراء أهلها بالرفع كوفي غير عاصم و الباقون « لتغرق » بضم التاء « أهلها » بالنصب و قرأ « زكية » بغير ألف كوفي و شامي
 

Back Index Next