جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 6 ص : 745
و سهل و الباقون زاكية و قرأ نكرا بضمتين مدني غير إسماعيل و أبو بكر و يعقوب و سهل و ابن ذكوان و الباقون « نكرا » ساكنة الكاف .

الحجة

قال أبو علي الرشد و الرشد لغتان و قد أجرى العرب كل واحد منهما مجرى الآخر فقالوا أسد و أسد و خشب و خشب فجمعوا فعلا على فعل ثم فعلا أيضا على فعل و ذلك قوله و الفلك التي تجري في البحر و في آية أخرى في الفلك المشحون فهذا يدلك على أنهم أجروهما مجرى واحد و من قرأ فلا تسئلني بالتشديد فإنه لما أدخل النون الثقيلة بني الفعل معها على الفتح قال و القراءة بالتاء في « لتغرق » أولى ليكون الفعل مسندا إلى المخاطب كما كان المعطوف عليه كذلك و هو أ خرقتها و هذا يأتي في معنى الياء أيضا لأنهم إذا أغرقهم غرقوا و قوله « نكرا » فعل و هو من أمثلة الصفات قالوا ناقة أجد و مشية سحج فمن خفف ذلك كما يخفف نحو العنق و الطنب و الشغل فالتخفيف فيه مستمر .

اللغة

الأمر الداهية العظيمة قال الشاعر :
لقد لقي الأقران مني نكرا
داهية دهياء إدا إمرا و هو مأخوذ من الأمر لأنه الفاسد الذي يحتاج أن يؤمر بتركه إلى الصلاح و منه رجل إمر إذا كان ضعيف الرأي لأنه يحتاج أن يؤمر حتى يقوى رأيه و منه أمر القوم أي كثروا و معناه احتاجوا إلى من يأمرهم و ينهاهم و منه الأمر من الأمور أي الشيء الذي من شأنه أن يؤمر فيه .

الإعراب

قوله « رشدا » يجوز أن ينتصب على أنه مفعول له و يكون المعنى هل أتبعك للرشد أو لطلب الرشد على أن تعلمني فيكون « على أن تعلمن » حالا من قوله « أتبعك » و يجوز أن يكون قوله « رشدا » مفعولا به و تقديره أتبعك على أن تعلمني رشدا مما علمته و يكون العلم الذي يتعدى إلى مفعول واحد فيتعدى بتضعيف العين إلى مفعولين و المعنى على أن تعلمني أمرا ذا رشد و علما ذا رشد أو خبرا نصب على المصدر و المعنى لم يخبره خبرا .

المعنى

« فوجدا عبدا من عبادنا » أي صادف موسى و فتاه و أدركا عبدا من عبادنا قائما على الصخرة يصلي و هو الخضر (عليه السلام) و اسمه بليا بن ملكان و إنما سمي خضرا لأنه إذا صلى في مكان أخضر ما حوله و روي مرفوعا أنه قعد على فروة بيضاء فاهتزت تحته خضراء و قيل إنه رآه على طنفسة خضراء فسلم عليه فقال و عليك السلام يا نبي بني إسرائيل فقال له موسى و ما أدراك من أنا و من أخبرك أني نبي قال من دلك علي و اختلف في هذا العبد فقال
مجمع البيان ج : 6 ص : 746
بعضهم إنه كان ملكا أمر الله تعالى موسى أن يأخذ عنه ما حمله إياه من علم بواطن الأشياء و قال الأكثرون إنه كان من البشر ثم اختلفوا فقال الجبائي و غيره أنه كان نبيا لأنه لا يجوز أن يتبع النبي من ليس بنبي ليتعلم منه العلم لما في ذلك من الغضاضة على النبي و كان ابن الإخشيد يجوز أن لا يكون نبيا و يكون عبدا صالحا أودعه الله من علم باطن الأمور ما لم يودعه غيره و هذا ليس بالوجه و متى قيل كيف يكون نبي أعلم من موسى في وقته قلنا يجوز أن يكون الخضر خص بعلم ما لا يتعلق بالأداء فاستعلم موسى من جهته ذلك العلم فقط و إن كان موسى أعلم منه في العلوم التي يؤديها من قبل الله تعالى « آتيناه رحمة من عندنا » يعني النبوة و قيل طول الحياة « و علمناه من لدنا علما » أي علما من علم الغيب عن ابن عباس و قال الصادق (عليه السلام) كان عنده علم لم يكتب لموسى (عليه السلام) في الألواح و كان موسى يظن أن جميع الأشياء التي يحتاج إليها في تابوته و أن جميع العلم قد كتب له في الألواح « قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا » أي علما ذا رشد قال قتادة لو كان أحد مكتفيا من العلم لاكتفى نجي الله موسى و لكنه قال « هل أتبعك » الآية عظمه (عليه السلام) بهذا القول غاية التعظيم حيث أضاف العلم إليه و رضي باتباعه و خاطبه بمثل هذا الخطاب و الرشد العلوم الدينية التي ترشد إلى الحق و قيل هو علوم الألطاف الدينية التي تخفى على الناس « قال » العالم « إنك لن تستطيع معي صبرا » أي يثقل عليك الصبر و لا يخف عليك و لم يرد أنه لا يقدر على الصبر و إنما قال ذلك لأن موسى (عليه السلام) كان يأخذ الأمور على ظواهرها و الخضر كان يحكم بما علمه الله من بواطنها فلا يسهل على موسى مشاهدة ذلك ثم قال « و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا » أي كيف تصبر على ما ظاهره عندك منكر و أنت لم تعرف باطنه و لم تعلم حقيقته و الخبر العلم و في هذا دلالة على أنه لم يرد بقوله « لن تستطيع معي صبرا » نفي الاستطاعة للصبر لأنه لو أراد ذلك لكان لا يستطيع الصبر سواء علم أو لم يعلم « قال » موسى « ستجدني إن شاء الله صابرا » أي اصبر على ما أرى منك « و لا أعصي لك أمرا » تأمرني به و لا أخالفك فيه قال الزجاج : و فيما فعله موسى (عليه السلام) و هو من جملة الأنبياء من طلب العلم و الرحلة فيه ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم و إن كان قد بلغ نهايته و أنه يجب أن يتواضع لمن هو أعلم منه و إنما قيد (عليه السلام) صبره بمشيئة الله لأنه أخبر به على ظاهر الحال فجوز أن لا يصبر فيما بعد بأن يعجز عنه فقال إن شاء الله ليخرج بذلك من أن يكون كاذبا « قال » الخضر له « فإن اتبعتني » و اقتفيت أثري « فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا » أي لا تسألني عن شيء أفعله مما تنكره و لا تعلم باطنه حتى أكون أنا الذي أفسره لك « فانطلقا » يمشيان على شاطىء البحر « حتى إذا ركبا في السفينة خرقها »
مجمع البيان ج : 6 ص : 747
و معناه أنهما أرادا أن يعبرا في البحر إلى أرض أخرى فأتيا معبرا فعرف صاحب السفينة الخضر (عليه السلام) فحملهما فلما ركبا في السفينة خرق الخضر (عليه السلام) السفينة أي شقها حتى دخلها الماء و قيل إنه قلع لوحين مما يلي الماء فحشاهما موسى (عليه السلام) بثوبه و « قال » منكرا عليه « أ خرقتها لتغرق أهلها » و لم يقل لنغرق و إن كان في غرقها غرق جميعهم لأنه أشفق على القوم أكثر من إشفاقه على نفسه جريا على عادة الأنبياء ثم قال بعد إنكاره ذلك « لقد جئت شيئا إمرا » أي منكرا عظيما يقال أمر الأمر أمرا إذا كبر و الأمر الاسم منه ف « قال » له الخضر « أ لم أقل » لك « إنك لن تستطيع معي صبرا » أي أ لم أقل حين رغبت في اتباعي إن نفسك لا تطاوعك على الصبر معي فتذكر موسى ما بذل له من الشرط ثم « قال » معتذرا مستقيلا « لا تؤاخذني بما نسيت » أي غفلت من التسليم لك و ترك الإنكار عليك و هو من النسيان الذي هو ضد الذكر و روي عن أبي ابن كعب قال إنه لم ينس و لكنه من معاريض الكلام و قيل بما تركت من وصيتك و عهدك عن ابن عباس و على هذا فيكون من النسيان بمعنى الترك لا بمعنى الغفلة و السهو « و لا ترهقني من أمري عسرا » أي لا تكلفني مشقة تقول أرهقته عسرا إذا كلفته ذاك و المعنى عاملني باليسر و لا تعاملني بالعسر و لا تضيق علي الأمر في صحبتي إياك « فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله » و معناه فخرجا من البحر و انطلقا يمشيان في البر يعني موسى و الخضر و لم يذكر يوشع لأنه كان تابعا لموسى أو كان قد تأخر عنهما و هو الأظهر لاختصاص موسى بالنبوة و اجتماعه مع الخضر (عليه السلام) في البحر فلقيا غلاما يلعب مع الصبيان فذبحه بالسكين عن سعيد بن جبير و كان من أحسن أولئك الغلمان و أصبحهم و قيل صرعه ثم نزع رأسه من جسده و قيل ضربه برجله فقتله و قال الأصم كان شابا بالغا لأن غير البالغ لا يستحق القتل و قد يسمى الرجل غلاما قالت ليلى الأخيلية :
شفاها من العضال الذي بها
غلام إذا هز القناة سقاها « قال أ قتلت نفسا زكية » أي طاهرة من الذنوب و زكية بريئة من الذنوب و قيل الزاكية التي لم تذنب و الزكية التي أذنبت ثم تابت حكي ذلك عن أبي عمرو بن العلاء و قيل الزكية أشد مبالغة من الزاكية عن تغلب و قيل الزاكية في البدن و الزكية في الدين « بغير نفس » أي بغير قتل نفس يريد القود « لقد جئت شيئا نكرا » أي قطعيا منكرا لا يعرف في شرع و المنكر أشد من الأمر عن قتادة و إنما قال ذلك لأن قلبه صار كالمغلوب عليه حين رأى قتله « قال » العالم « أ لم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا » أعاد هذا القول لتأكيد الأمر عليه و التحقيق لما قاله أولا مع النهي عن العود بمثل سؤاله .

مجمع البيان ج : 6 ص : 748
قَالَ إِن سأَلْتُك عَن شىْءِ بَعْدَهَا فَلا تُصحِبْنى قَدْ بَلَغْت مِن لَّدُنى عُذْراً(76) فَانطلَقَا حَتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَة استَطعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَض فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْت لَتَّخَذْت عَلَيْهِ أَجْراً(77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنى وَ بَيْنِك سأُنَبِّئُك بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَستَطِع عَّلَيْهِ صبراً(78) أَمَّا السفِينَةُ فَكانَت لِمَسكِينَ يَعْمَلُونَ فى الْبَحْرِ فَأَرَدت أَنْ أَعِيبهَا وَ كانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كلَّ سفِينَة غَصباً(79) وَ أَمَّا الْغُلَمُ فَكانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَينِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طغْيَناً وَ كفْراً(80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبهُمَا خَيراً مِّنْهُ زَكَوةً وَ أَقْرَب رُحماً(81) وَ أَمَّا الجِْدَارُ فَكانَ لِغُلَمَينِ يَتِيمَينِ فى الْمَدِينَةِ وَ كانَ تحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَ كانَ أَبُوهُمَا صلِحاً فَأَرَادَ رَبُّك أَن يَبْلُغَا أَشدَّهُمَا وَ يَستَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّك وَ مَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى ذَلِك تَأْوِيلُ مَا لَمْ طِع ِع عَّلَيْهِ صبراً(82)

القراءة

قرأ يعقوب برواية روح و زيد فلا تصحبني و الباقون « فلا تصاحبني » و قرأ أهل المدينة و أبو بكر عن عاصم من لدني خفيفة النون و الباقون « لدني » بالتشديد و قرأ ابن كثير و أهل البصرة لتخذت بكسر الخاء مخففة و ابن كثير يظهر منه الذال و الباقون « لتخذت » و عاصم يظهر الذال و الآخرون يدغمون و قرأ أهل المدينة و أبو عمرو أن يبدلهما بفتح الباء و تشديد الدال و كذلك في التحريم أن يبدله و في القلم أن يبدلنا و الباقون بسكون الباء و تخفيف الدال و قرأ
مجمع البيان ج : 6 ص : 749
رحما بضم الحاء أبو جعفر و ابن عامر و عاصم و عباس و يعقوب و سهل و الباقون بسكون الحاء و في الشواذ قراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) جدارا يريد أن ينقض بضم الياء و قراءة علي بن أبي طالب (عليه السلام) و عكرمة و يحيى بن يعمر ينقاص بصاد غير معجمة و بالألف و قراءة عبد الله و الأعمش يريد لينقض .

الحجة

من قرأ فلا تصحبني فمعناه لا تكون صاحبي و من قرأ « فلا تصاحبني » فمعناه إن طلبت صحبتك فلا تتابعني على ذلك و أما قوله « من لدني » فإن الأجود تشديد النون لأن أصل لدن الإسكان فإذا أضفتها إلى نفسك زدت نونا لتسلم سكون النون الأولى تقول من لدن زيد و من لدني كما تقول عن زيد و عني و من قرأ لدني لم يجز له أن يقول عني لأن لدن اسم غير متمكن و من و عن حرفان جاء المعنى و لدن مع ذلك أثقل من من و عن و الدليل على أن الأسماء يجوز فيها حذف النون قولهم قدني في معنى حسبي و يجوز قدي قال :
قدني من نصر الخبيبين قدي ) فجاء باللغتين و قال أبو زيد : اتخذنا مالا نتخذه اتخاذا و تخذت اتخذ تخذا و قال أبو علي : وجه الإدغام أن هذه الحروف متقاربة فيدغم بعضها في بعض كما يدغم سائر المتقاربة فالتاء و الدال و الطاء و الظاء و الذال و الثاء يدغم بعضها في بعض للمقاربة فأما الصاد و السين و الزاء فيدغم بعضها في بعض و يدغم فيها الحروف الستة و لا يدغمن في الستة لما يختل من إدغامها في مقاربها من الصفير و أما قوله « أن يبدلهما » فإن أدل و بدل متقاربان في المعنى كما أن أنزل و نزل كذلك و أما قوله رحما فإن الرحم و الرحم هاهنا الرحمة قال رؤبة :
يا منزل الرحم على إدريس
و منزل اللعن على إبليس قال ابن جني : قوله « يريد أن ينقض » معناه قد قارب أو شارف ذلك فهو عائد إلى معنى يكاد و قد جاء ذلك عنهم و نشد أبو الحسن :
كادت و كدت و تلك خير إرادة
لو عاد من لهو الصبابة ما مضى و حسن هنا لفظ الإرادة لأنه أقوى في وقوع الفعل و ذلك أنها داعية إلى وقوعه و هي
مجمع البيان ج : 6 ص : 750
أيضا لا تصح إلا مع الحياة و لا يصح الفعل إلا لذي الحياة و ليس كذلك كاد لأنه قد يقارب الأمر ما لا حياة له نحو ميل الحائط و إشراق ضوء الفجر و ينقاص أي ينكسر يقال قصته نقاص قال :
فراق كقيص السن فالصبر إنه
لكل أناس كسرة و جبور و قالوا أيضا قضته فانقاض بضاد معجمة يعني هدمته فانهدم قال :
كأنها هدم في الجفر منقاض ) و قراءة العامة « ينقض » يحتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون ينفعل من القضة و هي الحصى الصغار ( و الآخر ) أن يكون يفعل من نقضت الشيء كقراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يريد أن ينقض فيكون كيزور و يرعوي و نحوهما مما جاء من غير الألوان و العيوب و من قرأ لينقض فإن شئت قلت اللام زائدة فيه و احتججت فيه بقراءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إن شئت قلت تقديره إرادته لكذا كقولك قيامه لكذا و جلوسه لكذا ثم وضع الفعل موضع مصدره كما أنشد أبو زيد :
فقالوا ما تشاء فقلت لهوا
إلى الإصباح آثر ذي أثير أي اللهو فوضع ألهو موضع مصدره و أنشد أيضا :
و أهلكني لكم في كل يوم
تعوجكم علي و أستقيم أي و استقامتي و كاللام هنا اللام في قوله :
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل فيحتمل اللام هنا الوجهين اللذين تقدم ذكرهما .

اللغة

الانقضاض السقوط بسرعة قال ذو الرمة :
فانقض كالكوكب الدري منصلتا ) و الوراء و الخلف واحد و هو نقيض جهة القدام و يستعمل وراء بمعنى القدام أيضا على الاتساع لأنها جهة مقابلة لجهة فكان كل واحد من الجهتين وراء الأخرى قال الشاعر :
أ ترجو بنو مروان سمعي و طاعتي
و قومي تميم و الفلاة ورائيا و قال لبيد :
أ ليس وراءي إن تراخت منيتي
لزوم العصا تحنو عليها الأصابع
مجمع البيان ج : 6 ص : 751
و قال الفراء : يجوز ذلك في الزمان دون الأجسام قال علي بن عيسى و غيره : و يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر و الإرهاق إدراك الشيء بما يغشاه و رهقه الفارس أي غشيه و أدركه غلام مراهق إذا قارب أن يغشاه حال البلوغ و يقال أرهقه أمرا أي ألحقه إياه قال الأزهري : الرهق جهل الإنسان و أرهقه عسرا كلفه إياه و جاء في الحديث كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا دخل مكة مراهقا خرج إلى عرفة أي ضاق عليه الوقت .

الإعراب

قال الزجاج : قوله « هذا فراق بيني و بينك » زعم سيبويه أن معنى مثل هذا التوكيد يعني هذا فراق بيننا أي هذا فراق اتصالنا و مثله من الكلام أخزى الله الكاذب مني و منك و هذا لا يكون إلا بالواو و لا يجوز هذا فراق بيني فبينك لأن معنى الواو الاجتماع و معنى الفاء أن يأتي الثاني في إثر الأول و مساكين لا ينصرف لأنه جمع ليس له في الآحاد نظير « رحمة من ربك » منصوب على ضربين ( أحدهما ) أن المعنى فعلنا ذلك رحمة أي للرحمة كما تقول أنقذتك من الهلكة رحمة لك ( و الآخر ) أن يكون منصوبا على المصدر لأن معنى قوله « فأراد ربك أن يبلغا أشدهما و يستخرجا كنزهما » رحمهما الله بذلك .

المعنى

« قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني » أي قال له موسى جوابا إن سألتك عن شيء بعد هذه المرة أو بعد هذه النفس و قتلها فلا تتركني أصحبك « قد بلغت من لدني عذرا » أي قد أعذرت فيما بيني و بينك و قد أخبرتني أني لا أستطيع معك صبرا عن ابن عباس و هذا إقرار من موسى (عليه السلام) بأن الخضر قد قدم إليه ما يوجب العذر عنده فلا يلزمه ما أنكره و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تلا هذه الآية فقال استحيى نبي الله موسى و لو صبر لرأى ألفا من العجائب « فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية » و هي أنطاكية عن ابن عباس و قيل إيلة عن ابن سيرين و محمد بن كعب و قيل هي قرية على ساحل البحر يقال لها ناصرة و بها سميت النصارى نصارى و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) « استطعما أهلها » أي سألاهم الطعام « فأبوا أن يضيفوهما » و التضييف و الإضافة بمعنى واحد أي لم يضيفهما أحد من أهل القرية و روى أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال كانوا أهل قرية لئام و قال أبو عبد الله (عليه السلام) لم يضيفوهما و لا يضيفون بعدهما أحدا إلى أن تقوم الساعة « فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض » وصف الجدار بالإرادة مجاز و معناه قرب أن ينقض و أشرف على أن ينهدم و ذلك على التشبيه بحال من يريد الفعل في الثاني و هذا من فصيح كلام العرب و مثله في أشعارهم كثير قال الراعي يصف الإبل :
في مهمة قلقت بها هاماتها
قلق الفئوس إذا أردن فصولا
مجمع البيان ج : 6 ص : 752
و قال الآخر :
يريد الرمح صدر أبي براء
و يرغب عن دماء بني عقيل و قريب منه قول الآخر :
إن دهرا يلف شملي بسعدي
لزمان يهم بالإحسان أي كأنه يهم و قال عنترة يصف فرسه :
فأزور من وقع القنا بلبانه
و شكا إلي بعبرة و تحمحم « فأقامه » أي سواه قيل إنه دفع الجدار بيده فاستقام عن سعيد بن جبير « قال لو شئت لتخذت عليه أجرا » معناه إنهم لما بخلوا عليهما بالطعام و أقام الخضر جدارهم المشرف على الانهدام عجب موسى من ذلك فقال لو شئت لعملت هذا بأجر تأخذه منهم حتى كنا نسد به جوعتنا « قال هذا فراق بيني و بينك » معناه هذا الكلام و الإنكار على ترك الأجر هو المفرق بيننا و قيل معناه هذا وقت فراق اتصالنا و كرر بين تأكيدا عن الزجاج و قيل معناه هذا الذي قلته سبب الفراق بيني و بينك ثم قال له « سأنبئك » أي سأخبرك « بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا » أي بتفسير الأشياء التي لم تستطع على الإمساك عن السؤال عنها صبرا « أما السفينة فكانت لمساكين » معناه أما السبب في خرقي السفينة فهو أنها كانت لفقراء لا شيء لهم يكفيهم قد سكنتهم قلة ذات أيديهم « يعملون في البحر » أي يعملون بها في البحر و يتعيشون بها « فأردت أن أعيبها » أي أحدث فيها عيبا « و كان وراءهم » أي و كان قدامهم « ملك يأخذ كل سفينة » صحيحة أو غير معيبة « غصبا » عن قتادة و ابن عباس قال عباد بن صهيب : قدمت الكوفة لأسمع من إسماعيل بن أبي خالد فمررت بشيخ جالس فقلت يا شيخ كيف أمر إلى منزل إسماعيل بن أبي خالد فقال لي وراءك فقلت أرجع فقال أقول وراءك و ترجع فقلت أ ليس ورائي خلفي قال لا ثم قال حدثني عكرمة عن ابن عباس « و كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا » قال و لو كان وراءهم لكانوا قد جاوزوه و لكن كان بين أيديهم قال الخضر : إنما خرقتها لأن الملك إذا رآها منخرقة تركها و رقعها أهلها بقطعة خشب فانتفعوا بها و قيل يحتمل أن الملك كان خلفهم و كان طريقهم في الرجوع عليه و لم يعلم به أصحاب السفينة و علم به الخضر (عليه السلام) « و أما الغلام فكان أبواه مؤمنين » و روي عن أبي و ابن عباس أنهما كانا يقرءان و أما الغلام فكان كافرا و أبواه مؤمنين و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) )
مجمع البيان ج : 6 ص : 753
و معناه و أما الغلام الذي قتله فإنما قتلته لأنه كان كافرا « فخشينا أن يرهقهما طغيانا و كفرا » أي فعلمنا أنه إن بقي يرهق أبويه أي يغشيهما طغيانا و كفرا و هو من كلام الله تعالى و قيل معناه فخفنا أن يحمل أبويه على الطغيان و الكفر بأن يباشر ما لا يمكنهما منعه منه فيحملهما على الذب عنه و التعصب له فيؤدي ذلك إلى أمور يكون مجاوزة للحد في العصيان و الكفر و هو من كلام الخضر لأن الله تعالى لا يجوز عليه الخشية و قيل معناه فكرهنا أن يرهق الغلام أبويه إثما و ظلما بطغيانه و كفره « فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة » أي ولدا خيرا منه دينا و طهارة و صلاحا « و أقرب رحما » أي و أرحم بهما عن قتادة و الزكاة الصلاح و الزكي الصالح و الرحم العطف و الرحمة و قيل معناه أبر بوالديه و أوصل للرحم عن ابن عباس و قيل معناه و أقرب أن يرحما به قال قتادة : قال مطرف : أيم الله إنا لنعلم أنهما فرحا به يوم ولد و حزنا عليه يوم قتل و لو عاش كان فيه مهلكتهما فرضي رجل ما قسم الله له فإنه قضاء الله للمؤمن خير من قضائه لنفسه و ما قضي لك يا ابن آدم فيما تكره خير مما قضي لك فيما تحب فاستخر الله و أرض بقضائه و روي أنهما أبدلا بالغلام المقتول جارية فولدت سبعين نبيا عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل إنه تزوجها نبي من الأنبياء فولدت له نبيا هدى الله على يديه أمة من الأمم عن الكلبي و في قتل الغلام دلالة على وجوب اللطف على ما نذهب إليه لأن المفهوم من الآية أنه تدبير من الله تعالى لم يكن يجوز خلافه و أنه إذا علم من حال الإنسان أنه يفسد عند شيء يجب عليه في الحكمة أن يذهب ذلك الشيء حتى لا يقع هذا الفساد و متى قيل إنه لو حصل لنا العلم بذلك كما حصل لذلك العالم هل كان يحسن منا القتل قلنا أن هذا العلم لا يحصل إلا للأنبياء و عند حصول العلم به يحسن ذلك و متى قيل إن الله كان قادرا على إزالة حياة الغلام بالموت من غير ألم فتزول التبقية التي هي المفسدة من غير إدخال إيلام عليه بالقتل فلم أمر بالقتل فالجواب من وجهين ( أحدهما ) أن الله تعالى قد علم أن أبويه لا يثبتان على الإيمان إلا بقتل هذا الغلام فتعين وجه الوجوب في القتل ( و الآخر ) أن تبقية الغلام إذا كانت مفسدة فالله تعالى مخير في إزالتها بالموت من غير ألم و بالقتل لأن القتل و إن كان فيه ألم يلحق المقتول فإن بإزائه أعواضا كثيرة توازي ذلك الألم و يزيد عليه أضعافا كثيرة فيصير القتل بالمنافع العظيمة التي بإزائه كأنه ليس بالم و يدخل في قبيل النفع و الإحسان « و أما الجدار فكان » أي فإنما أقمته لأنه كان « لغلامين يتيمين في المدينة » يعني القرية المذكورة في قوله « أتيا أهل قرية » « و كان تحته كنز لهما » و الكنز هو كل مال مذخور من ذهب أو فضة و غير ذلك و اختلف في هذا الكنز فقيل كانت صحف علم مدفونة تحته عن ابن عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و قال ابن عباس : ما كان ذلك الكنز إلا علما و قيل كان كنزا من الذهب و الفضة عن قتادة
مجمع البيان ج : 6 ص : 754
و عكرمة و اختاره الجبائي و رواه أبو الدرداء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل كان لوحا من ذهب و فيه مكتوب عجبا لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن . عجبا لمن أيقن بالرزق كيف يتعب . عجبا لمن أيقن بالموت كيف يفرح . عجبا لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل . عجبا لمن رأى الدنيا و تقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس و الحسن و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) و في بعض الروايات زيادة و نقصان و هذا القول يجمع القولين الأولين لأنه يتضمن إن الكنز كان مالا كتب فيه علم فهو مال و علم « و كان أبوهما صالحا » بين سبحانه أنه حفظ الغلامين بصلاح أبيهما و لم يذكر منهما صلاحا عن ابن عباس و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان بينهما و بين ذلك الأب الصالح سبعة آباء و قال (عليه السلام) إن الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده و ولد ولده و أهل دويرته و دويرات حوله فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله « فأراد ربك أن يبلغا أشدهما » أي ينتهيا إلى الوقت الذي يعرفان فيه نفع أنفسهما و حفظ مالهما و هو أن يكبرا و يعقلا « و يستخرجا كنزهما رحمة من ربك » أي نعمة من ربك و المعنى أن كل ما فعلته رحمة من الله تعالى أي رحم الله بذلك المساكين و أبوي الغلام و اليتيمين رحمة « و ما فعلته عن أمري » أي و ما فعلت ذلك من قبل نفسي و إنما فعلته بأمر الله تعالى قال ابن عباس : يريد انكشف لي من الله علم فعملت به ثم قال « ذلك » الذي قلته لك « تأويل ما لم تسطع عليه صبرا » أي ثقل عليك مشاهدته و رؤيته و استنكرته يقال استطاع يستطيع و اسطاع يسطيع قال أبو علي الجبائي : لا يجوز أن يكون الخضر حيا إلى وقتنا هذا لأنه لو كان لعرفه الناس و لم يخف مكانه و لأنه لا نبي بعد نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هذا الذي ذكره غير صحيح لأن تبقيته في مقدور الله تعالى و يجوز أن تنخرق العادة للأنبياء (عليهم السلام) بالإجماع و لا يمتنع أيضا أن يكون بحيث لا يتعرف إلى أحد و أن الناس و إن كانوا يشاهدونه لا يعرفونه و قوله إنه لا نبي بعد نبينا مسلم و لكن نبوة الخضر (عليه السلام) كانت ثابتة قبل نبوة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أما شرعه لو كان له شرع خاص فإنه منسوخ بشريعة نبينا و لو كان داعيا إلى شريعة من تقدمه من الأنبياء فإن شريعة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) ناسخة لها فلا يؤدي إلى ما قاله الجبائي .

مجمع البيان ج : 6 ص : 755
وَ يَسئَلُونَك عَن ذِى الْقَرْنَينِ قُلْ سأَتْلُوا عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكراً(83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فى الأَرْضِ وَ ءَاتَيْنَهُ مِن كلِّ شىْء سبَباً(84) فَأَتْبَعَ سبَباً(85) حَتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِب الشمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُب فى عَيْن حَمِئَة وَ وَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَذَا الْقَرْنَينِ إِمَّا أَن تُعَذِّب وَ إِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسناً(86) قَالَ أَمَّا مَن ظلَمَ فَسوْف نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُّكْراً(87)

القراءة

قرأ ابن عامر و أهل الكوفة « فأتبع » ثم أتبع بهمزة القطع و فتحها و تخفيف التاء و سكونها و الباقون فاتبع بهمزة الوصل و تشديد التاء و فتحها و قرأ أبو جعفر و ابن عامر و أهل الكوفة غير حفص حامية و الباقون « حمئة » بغير ألف مهموز .

الحجة

قال أبو علي : تبع فعل يتعدى إلى مفعول واحد فإذا نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعولين يدلك على ذلك قوله و أتبعناهم في هذه الدنيا لعنة و أما اتبع فإنه افتعل يتعدى إلى مفعول واحد كما يتعدى فعل إليه مثل حفرته و احتفرته و شويته و اشتويته و من قرأ « فأتبع سببا » تقديره فأتبع سببا سببا أو أتبع أمره سببا أو أتبع ما هو عليه سببا فحذف أحد المفعولين كما حذف في قوله لينذر بأسا شديدا و لا يكادون يفقهون قولا و المعنى لينذر الناس بأسا شديدا و لا يكادون يفقهون أحدا قولا و من قرأ فاتبع سببا فالمعنى اتجه في كل وجه وجهناه له و أمرناه به السبب الذي ينال به صلاح ما مكن منه و قال أبو عبيدة : معناه اتبع طريقا و أثرا و من قرأ « حمئة » فعلى فعلة و من قرأ حامية فهي فاعلة من حيث تحمي فهي حامية و روي عن الحسن أنه قال : حارة و يجوز فيمن قرأ حامية أن يكون فاعلة من الحماة فخفف الهمزة على قياس قول أبي الحسن فيقلبها ياء محضة و إن خففها على قول الخليل كانت بين بين قال سيبويه : و هو قول العرب .

اللغة

القرن قرن الشاة و غيرها و قرون الشعر الذوائب و منه قول أبي سفيان :
و لا الروم ذوات القرون أراد قرون شعورهم لأنهم كانوا يطولونه و الذكر حضور المعنى للنفس و قد يكون بالقلب و هو التفكر و قد يكون باللسان و كل ما وصل شيئا إلى شيء فهو سبب يقال للطريق إلى الشيء سبب و للحبل سبب و للباب سبب و الحمأة الطين الأسود يقال حمئت البئر تحمأ فهي حمئة إذا صار فيها الحمأة قال أبو الأسود :
تجيء بملئها طورا و طورا
تجيء بحماة و قليل ماء و حمأت البئر أخرجت منه الحمأة و أحمأتها ألقيت فيها الحمأة .

مجمع البيان ج : 6 ص : 756

الإعراب

« إما أن تعذب و إما أن تتخذ فيهم حسنا » أن مع الفعل في موضع نصب بفعل مضمر كما أن قوله فإما منا بعد و إما فداء كذلك و يجوز أن يكون أن مع الفعل في موضع المبتدأ و الخبر مضمر أي إما العذاب واقع منك فيهم و إما اتخاذ أمر ذي حسن واقع منك فيهم فحذف الخبر لطول الكلام بالصلة و هذا أظهر و الأول عن أحمد بن يحيى .

المعنى

ثم بين سبحانه قصة ذي القرنين فقال « و يسألونك » يا محمد « عن ذي القرنين » أي عن خبره و قصته لا عن شخصه و اختلف فيه فقيل إنه نبي مبعوث فتح الله على يديه الأرض عن مجاهد و عبد الله بن عمر و قيل إنه كان ملكا عادلا و روي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه كان عبدا صالحا أحب الله و أحبه الله و ناصح الله و ناصحه قد أمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه ضربة بالسيف فغاب عنهم ما شاء الله ثم رجع إليهم فدعاهم إلى الله فضربوه على قرنه الآخر بالسيف فذلك قرناه و فيكم مثله يعني نفسه (عليه السلام) و في سبب تسميته بذي القرنين أقوال أخر ( منها ) أنه سمي به لأنه كانت له ضفيرتان عن الحسن ( و منها ) أنه كان على رأسه شبه القرنين تواريه العمامة عن يعلى بن عبيد و منها أنه بلغ قطري الأرض من المشرق و المغرب فسمي بذلك لاستيلائه على قرن الشمس من مغربها و قرنها من مطلعها عن الزهري و اختاره الزجاج ( و منها ) أنه رأى في منامه أنه دنى من الشمس حتى أخذ بقرنيها في شرقها و غربها فقص رؤياه على قومه فسموه ذا القرنين عن وهب ( و منها ) أنه عاش عيش قرنين فانقرض في وقته قرنان من الناس و هو حي ( و منها ) أنه كان كريم الطرفين من أهل بيت الشرف من قبل أبيه و أمه قال معاذ بن جبل كان من أبناء الروم و اسمه الإسكندر و هو الذي بنى الإسكندرية « قل سأتلو عليكم منه ذكرا » معناه قل يا محمد سأقرأ عليكم منه خبرا و قصة « إنا مكنا له في الأرض » أي بسطنا يده في الأرض و ملكناه حتى استولى عليها و قام بمصالحها و روي عن علي (عليه السلام) أنه قال سخر الله له السحاب فحمله عليها و مد له في الأسباب و بسط له النور فكان الليل و النهار عليه سواء فهذا معنى تمكينه في الأرض و هو أنه سهل عليه المسير فيها و ذلل له طريقها و حزونها حتى تمكن منها أنى شاء « و آتيناه من كل شيء سببا » أي فأعطيناه من كل شيء علما يتسبب به إلى إرادته و يبلغ به إلى حاجته عن ابن عباس و قتادة و الضحاك و قيل معناه و آتيناه من كل شيء يستعين به الملوك على فتح البلاد و محاربة الأعداء عن الجبائي و قيل معناه و آتيناه من كل شيء سبيلا كما قال سبحانه لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات أي سبلها « فاتبع سببا » معناه فاتبع طريقا واحدا في سلوكه قال الزجاج : معناه فاتبع سببا من الأسباب التي أوتي بها و ذلك أنه أوتي من كل شيء سببا فاتبع من تلك الأسباب التي أوتي سببا في المسير إلى المغرب و من قرأ فأتبع سببا فمعناه
مجمع البيان ج : 6 ص : 757
لحق كقوله فأتبعه الشيطان و الأصل فيه ما مر ذكره في الحجة « حتى إذا بلغ مغرب الشمس » أي موضع غروبها أنه انتهى إلى آخر العمارة من جانب المغرب و بلغ قوما لم يكن وراءهم أحد إلى موضع غروب الشمس و لم يرد بذلك أنه بلغ إلى موضع الغروب لأنه لا يصل إليه أحد « وجدها تغرب » معناه وجدها كأنها تغرب « في عين حمئة » و إن كانت تغرب في ورائها عن الجبائي و ابن مسلم و البلخي لأن الشمس لا تزايل الفلك و لا تدخل عين الماء و لأنه قال « وجد عندها قوما » و لكن لما بلغ ذو القرنين ذلك الموضع تراءى له كان الشمس تغرب في عين كما أن من كان في البحر رآها كأنها تغرب في الماء و من كان في البر يراها كأنها تغرب في الأرض الملساء و العين الحمئة هي ذات الحمأة و هي الطين الأسود المنتن و الحامية الحارة و عن كعب قال : أجدها في التوراة تغرب في ماء و طين و قوله « و وجد عندها قوما » معناه و وجد عند العين ناسا « قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب و إما أن تتخذ فيهم حسنا » في هذا دلالة على أن القوم كانوا كفارا و المعنى إما أن تعذب بالقتل من أقام منهم على الشرك و إما أن تأسرهم و تمسكهم بعد الأمر لتعلمهم الهدى و تستنقذهم من العمى و قيل معناه و إما أن تعفو عنهم و استدل من ذهب إلى أن ذا القرنين كان نبيا بهذا قال لأن أمر الله تعالى لا يعلم إلا بالوحي و الوحي لا يجوز إلا على الأنبياء و قال الكلبي : إن الله تعالى ألهمه و لم يوح إليه و قال ابن الأنباري : إن كان ذو القرنين نبيا فإن الله تعالى قال له كما يقول للأنبياء إما بتكليم أو بوحي و إن لم يكن نبيا فإن معنى قلنا ألهمنا لأن الإلهام ينوب عن الوحي قال سبحانه و أوحينا إلى أم موسى أي و ألهمناها قال قتادة فقضى ذو القرنين فيهم بقضاء الله تعالى و كان عالما بالسياسة « قال أما من ظلم » أي أشرك عن ابن عباس « فسوف نعذبه » أي نقتله إذا لم يرجع عن الشرك « ثم يرد إلى ربه » بعد قتلي إياه « فيعذبه عذابا نكرا » أي منكرا غير معهود يعني في النار و هو أشد من القتل في الدنيا .

مجمع البيان ج : 6 ص : 758
وَ أَمَّا مَنْ ءَامَنَ وَ عَمِلَ صلِحاً فَلَهُ جَزَاءً الحُْسنى وَ سنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسراً(88) ثمَّ أَتْبَعَ سبَباً(89) حَتى إِذَا بَلَغَ مَطلِعَ الشمْسِ وَجَدَهَا تَطلُعُ عَلى قَوْم لَّمْ نجْعَل لَّهُم مِّن دُونهَا سِتراً(90) كَذَلِك وَ قَدْ أَحَطنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبراً(91) ثمَّ أَتْبَعَ سبَباً(92)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر و يعقوب « فله جزاء » بالنصب و التنوين .
و الباقون جزاء الحسنى بالرفع و الإضافة .

الحجة

قال أبو علي : من قال فله جزاء الحسنى كان المعنى فله جزاء الخلال الحسنى التي عملها لأن الإيمان و العمل الصالح خلال و من قال « فله جزاء الحسنى » فالمعنى له الحسنى جزاء فجزاء مصدر وقع موقع الحال أي فله الحسنى مجزية و قال أبو الحسن : و هذا لا يكاد العرب تتكلم به مقدما إلا في الشعر .

المعنى

« و أما من آمن و عمل صالحا فله جزاء الحسنى » مر معناه « و سنقول له من أمرنا يسرا » أي سنقول له قولا جميلا و سنأمره بما يتيسر عليه و لا نؤاخذه بما مضى من كفره « ثم أتبع سببا » أي طريقا آخر من الأرض ليؤديه إلى مطلع الشمس و يوصله إلى المشرق « حتى إذا بلغ مطلع الشمس » أي بلغ موضع ابتداء العمارة من الجانب الذي تطلع منه الشمس « وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا » معناه أنه لم يكن بها جبل و لا شجر و لا بناء لأن أرضهم لم يكن يثبت عليها بناء فكانوا إذا طلعت الشمس يغورون في المياه و الأسراب و إذا غربت تصرفوا في أمورهم عن الحسن و قتادة و ابن جريج و روى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لم يعلموا صنعة البيوت و قوله « كذلك » معناه مثل ذلك القبيل الذي كانوا عند مغرب الشمس في أن حكمهم حكم أولئك قيل إن معناه أنه أتبع سببا إلى مطلع الشمس مثل ما أتبع سببا إلى مغرب الشمس و تم الكلام عند قوله « كذلك » ثم ابتدأ سبحانه فقال « و قد أحطنا بما لديه خبرا » أي علمنا ما كان عند ذي القرنين من الجيوش و العدة و آلات السياسة و قيل معناه أحطنا علما بصلاحه و استقلاله بما ملكناه قبل أن يفعله كما علمناه بعد أن فعله و لم يخف علينا حاله و في قوله « بما لديه » إشارة إلى حسن الثناء عليه و الرضا بأفعاله لامتثاله أمر الله تعالى في كل أحواله « ثم أتبع سببا » معناه ثم أتبع مسلكا بالغا مما يبلغه قطرا من أقطار الأرض و هذا يقوي قول من قال إن الأرض كروية الشكل لأنه لم يأخذ في الطريق الذي كان قد عاد فيه و إنما أخذ في طريق آخر .

مجمع البيان ج : 6 ص : 759
حَتى إِذَا بَلَغَ بَينَ السدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً(93) قَالُوا يَذَا الْقَرْنَينِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَ مَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فى الأَرْضِ فَهَلْ نجْعَلُ لَك خَرْجاً عَلى أَن تجْعَلَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ سدًّا(94) قَالَ مَا مَكَّنى فِيهِ رَبى خَيرٌ فَأَعِينُونى بِقُوَّة أَجْعَلْ بَيْنَكمْ وَ بَيْنهُمْ رَدْماً(95) ءَاتُونى زُبَرَ الحَْدِيدِ حَتى إِذَا ساوَى بَينَ الصدَفَينِ قَالَ انفُخُوا حَتى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ ءَاتُونى أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطراً(96) فَمَا اسطعُوا أَن يَظهَرُوهُ وَ مَا استَطعُوا لَهُ نَقْباً(97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبى فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبى جَعَلَهُ دَكاءَ وَ كانَ وَعْدُ رَبى حَقًّا(98)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو « بين السدين » و « سدا » بالفتح هنا و في ياسين بالضم و قرأ أهل الكوفة غير عاصم بين السدين بضم السين و سدا حيث كان بالفتح و قرأ حفص الجميع بالفتح و قرأ الباقون الجميع بالضم كل القرآن و قرأ أهل الكوفة غير عاصم يفقهون بضم الياء و كسر القاف و الباقون بفتح الياء و القاف و قرأ عاصم « يأجوج و مأجوج » بالهمزة و مثله في الأنبياء و قرأ الباقون بغير همزة فيهما في السورتين و قرأ أهل الكوفة غير عاصم خراجا و في المؤمنين خراجا فخراج ربك كله بالألف و الباقون « خرجا » بغير ألف في الموضعين فخراج ربك بالألف و قرأ ابن كثير ما مكنني بنونين و الباقون بنون واحدة مشددة و قرأ يحيى عن أبي بكر ردما أتوني بالوصل و قرأ حمزة و يحيى عن أبي بكر قال ايتوني بالوصل أيضا و الباقون « آتوني » بقطع الألف في الحرفين و قرأ أهل المدينة و الكوفة غير أبي بكر « بين الصدفين » بفتح الصاد و الدال و قرأ الباقون بضم الصاد و الدال غير أبي بكر فإنه قرأ بضم الصاد و سكون الدال و قرأ حمزة غير خلاد فما اسطاعوا مشددة الطاء و الباقون خفيفة الطاء و قرأ أهل الكوفة « دكاء » بالمد و الهمزة و الباقون دكا منونا غير مهموز .

الحجة

قال أبو عبيدة : كل شيء وجدته العرب من فعل الله من الجبال و الشعاب فهو سد بالضم و ما بناه الآدميون فهو سد و قال غيره : هما لغتان كالضعف و الضعف و الفقر و الفقر قال أبو علي : يجوز أن يكون السد بالفتح مصدرا و السد بالضم المسدود كالأشياء التي يفصل فيها بين المصادر و الأسماء نحو السقي و الشرب و الشرب فإذا كان كذلك فالأشبه بين
مجمع البيان ج : 6 ص : 760
السدين لأنه المسدود و يجوز فيمن فتح السدين أن يجعله اسما للمسدود نحو نسج اليمن و ضرب الأمير بمعنى المنسوج و المضروب و من قرأ لا يكادون يفقهون فإن فقهت يتعدى إلى مفعول واحد نحو فقهت السنة فإذا نقلته تعدى إلى مفعولين فيكون المعنى فيمن ضم لا يكادون يفقهون أحدا قولا فحذف أحد المفعولين كما حذف من قوله فأتبعوهم مشرقين و المعنى فأتبعوهم جندهم مشرقين و قوله فأتبعهم فرعون و جنوده أي فأتبعهم فرعون طلبه إياهم أو تتبعه لهم و الحذف في هذا النحو كثير قال أبو علي : يأجوج إن جعلته عربيا فهو يفعول من أج نحو يربوع و من لم يهمز أمكن أن يكون خفف الهمزة فقلبها ألفا فهو على قوله يفعول أيضا و إن كانت الألف في يأجوج ليس على التخفيف فإنه فاعول من ي ج ج فإن جعلت الكلمة من هذا الأصل كانت الهمزة فيها كمن قال ساق و نحو ذلك مما جاء مهموزا و لم يتبع أن يهمز و يكون الامتناع من صرفه على هذا للتأنيث و التعريف كأنه اسم القبيلة كمجوس و أما مأجوج فمن همز فمفعول من أج فالكلمتان على هذا من أصل واحد و من لم يهمز فإنه فاعول من مج فالكلمتان على هذا من أصلين و ليسا من أصل واحد و يكون ترك الصرف فيه أيضا للتعريف و التأنيث فإن جعلتهما من العجمية فهذه التمثيلات لا تصح فيهما و إنما امتنعا من الصرف للعجمة و التعريف و قوله « هل نجعل لك خرجا » أي هل نجعل لك عطية نخرجها إليك من أموالنا و كذلك قوله أم تسئلهم خرجا أي مالا يخرجونه إليك فأما المضروب على الأرض فالخراج و قد يجوز في غير ضرائب الأرض الخراج بدلالة قول العجاج :
يوم خراج يخرج السمرجا ) فهذا ليس على الضرائب التي ألزمت الأرضين لأن ذلك لا يضاف إلى وقت من يوم و غيره و إنما هو شيء مؤبد لا يتغير و قوله « ما مكني » بإظهار المثلين فلأن الثاني منهما غير لازم لأنك قد تقول قد مكنتك و مكنته فلا تلزم النون فلما لم تلزم لم يعتد بها كما أن التاء في اقتتلوا كذلك و من أدغم لم ينزله منزلة ما لا يلزم فأدغم كما أن من قال قتلوا في اقتتلوا كان كذلك قال أبو علي : و مكن مكانة فهو مكين فعل غير متعد فإذا ضعفت العين عديته بذلك و حجة من قرأ ردما ايتوني ايتوني أن أشبه ب « أعينوني بقوة » لأنه كلفهم المعونة على عمل السد و لم يقبل الخرج الذي بذلوه له و قوله « ايتوني » الذي معناه جيئوني إنما هو معونة على ما كلفهم في قوله « فأعينوني بقوة » و أما آتوني فمعناه أعطوني ، فأعطوني يجوز أن يكون على المناولة و يجوز أن يكون على الاتهاب و ائتوني المقصورة لا يحتمل إلا جيئوني فيكون أحسن هنا لاختصاصه بالمعونة فقط دون أن يكون سؤال عين و العطية قد تكون هبة قال :
مجمع البيان ج : 6 ص : 761

و منا الذي أعطى الرسول عطية
أسارى تميم و العيون دوامع فالعطية تجري مجرى الهبة لهم و الإنعام عليهم في فك الأسر و قد تكون بمعنى المناولة و وجه قراءة من قرأ « آتوني » أنه لم يرد ب آتوني العطية و الهبة و لكن تكليف المناولة بالأنفس كما كان قراءة من قرأ أيتوني لا يصرف إلى استدعائه تمليك عين بهبة و لا بغيرها فأما انتصاب « زبر الحديد » فإنك تقول أئتيك بدرهم قال :
أتيت بعبد الله في القيد موثقا
فهلا سعيدا ذا الخيانة و الغدر فيصل الفعل إلى المفعول الثاني بحرف جر ثم يجوز أن يحذف الحرف اتساعا فيصل الفعل إلى المفعول الثاني على حد أمرتك الخير و نحوه و الصدف و الصدف و الصدف لغات فاشية قال أبو عبيدة : الصدفان جنبتا الجبل و من قرأ ائتوني أفرغ عليه قطرا فمعناه جيئوني به كما قلناه في ائتوني زبر الحديد في اتصال الفعل إلى المفعول الثاني بحرف الجر إلا أنه أعمل الفعل الثاني فلو أعمل الفعل الأول لكان ائتوني أفرغه عليه بقطر إلا أن يقدر أن الفعل يصل إلى المفعول الثاني بلا حرف كما كان كذلك في قوله « ائتوني زبر الحديد » و جميع ما مر بنا في التنزيل من هذا النحو إنما هو على إعمال الثاني كما يختاره سيبويه فمن ذلك قوله يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة و منه قوله هاؤم اقرءوا كتابيه و وجه من قرأ « آتوني » إن المعنى ناولوني قطرا أفرغ عليه قطرا إلا أنه أعمل الثاني من الفعلين كما أعمل الثاني من قصر ائتوني و قراءة حمزة « فما اسطاعوا » إنما هو على إدغام التاء في الطاء و لم يلق حركتها على السين فيحرك ما لا يتحرك و لكن أدغم مع أن الساكن الذي قبل المدغم ليس حرف مد و قد قرأت القراء غير حرف من هذا النحو و قد تقدم ذكر وجه هذا النحو و مما يؤكد ذلك أن سيبويه أنشد :
كأنه بعد كلال الزاجر
و مسحه مر عقاب كاسر و الحذف في اسطاعوا و الإثبات في استطاعوا كل واحد منهما أحسن من الإدغام على هذا الوجه الذي هو جمع بين السين الساكنة و التاء المدغمة و هي ساكنة أيضا و أما قوله جعله دكا فإنه يحتمل أمرين ( أحدهما ) أنه لما قال جعله دكا كان بمنزلة خلق و عمل فكأنه قال دكه دكا فحمله على الفعل الذي دل عليه قوله « جعله » و الوجه الآخر أن يكون جعله ذا دك فحذف المضاف و يمكن أن يكون حالا في هذا الوجه و من قرأ « دكاء » فعلى حذف المضاف كأنه جعله
مجمع البيان ج : 6 ص : 762
مثل دكاء قالوا ناقة دكاء أي لا سنام لها و لا بد من تقدير الحذف لأن الجبل مذكر فلا يوصف بدكاء .

اللغة

السد وضع ما ينتفي به الخرق يقال سده يسده و منه سدد السهم لأنه سد عليه طرق الاضطراب و منه السداد الصواب و الردم السد و الحاجز يقال ردم فلان موضع كذا يردمه ردما و الثوب المردم الخلق المرقع و منه قول عنترة :
هل غادر الشعراء من متردم
أم هل عرفت الدار بعد توهم أي هل تركوا من قول يؤلف تأليف الثوب المرقع و الزبرة الجملة المجتمعة من الحديد و الصفر و نحوهما و أصله الاجتماع و منه الزبور و زبرت الكتاب إذا كتبته لأنك جمعت حروفه قال أبو عبيدة : القطر الحديد المذاب و أنشد :
حسام كلون الملح صاف حديدة
جراز من أقطار الحديد المنعت و أصله من القطر لأن الرصاص و الحديد إذا أذيب قطر كما يقطر الماء و في استطاع ثلاث لغات استطاع يستطيع و اسطاع يسطيع و استاع يستيع بحذف الطاء استثقلوا اجتماعهما و هما من مخرج واحد فأما اسطاع يسطيع بقطع الألف و هو أطاع أفعل فزادوا السين عوضا من ذهاب حركة الواو لأن أصل أطاع أطوع و مثله أهراق يهريق زادوا الهاء في أراق يريق و ليس هذا العوض بلازم أ لا ترى أن ما كان نحوه لم يلزمه هذا العوض .

المعنى

« حتى إذا بلغ بين السدين » ثم أخبر سبحانه عن حال ذي القرنين بعد منصرفه عن المشرق أنه سلك طريقا إلى أن بلغ بين السدين و وصل إلى ما بينهما و هما الجبلان اللذان جعل الردم بينهما و هو الحاجز بين يأجوج و مأجوج و من وراءهم عن ابن عباس و قتادة و الضحاك و قيل أراد بالسدين الموضع الذي فيه السدان اليوم لأنه لو كان هناك سد لم يكن لطلبهم السد معنى و السد الموضع المسدود لا المنفتح « وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا » أي خصوا بلغة كادوا لا يعرفون غيرها قال ابن عباس : كادوا لا يفقهون كلام أحد و لا يفهم الناس كلامهم و إنما قال « لا يكادون » لأنهم فهموا بعض الأشياء عنهم و إن كان بعد شدة و لذلك حكى الله عنهم أنهم « قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج و مأجوج مفسدون في الأرض » و يجوز أن يكون الله سبحانه فهم ذا القرنين لسانهم كما فهم سليمان (عليه السلام) )
مجمع البيان ج : 6 ص : 763
منطق الطير أو قالوا له بترجمان أن يأجوج و مأجوج مفسدون في أرضهم و فسادهم أنهم كانوا يخرجون فيقتلونهم و يأكلون لحومهم و دوابهم و قيل كانوا يخرجون أيام الربيع فلا يدعون شيئا أخضر إلا أكلوه و لا يابسا إلا احتملوه عن الكلبي و قيل أرادوا أنهم سيفسدون في المستقبل عند خروجهم و ورد في الخبر عن حذيفة قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن يأجوج و مأجوج فقال يأجوج أمة و مأجوج أمة كل أمة أربعمائة أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كل قد حمل السلاح قلت يا رسول الله صفهم لنا قال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز قلت يا رسول الله و ما الأرز قال شجر بالشام طوال و صنف منهم طولهم و عرضهم سواء و هؤلاء الذين لا يقوم لهم خيل و لا حديد و صنف منهم يفترش إحدى أذنيه و يلتحف بالأخرى و لا يمرون بفيل و لا وحش و لا جمل و لا خنزير إلا أكلوه و من مات منهم أكلوه مقدمتهم بالشام و ساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق و بحيرة طبرية قال وهب و مقاتل أنهم من ولد يافث بن نوح أبي الترك و قال السدي الترك سرية من يأجوج و مأجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فضرب السد فبقيت خارجة و قال قتادة إن ذا القرنين بنى السد على إحدى و عشرين قبيلة و بقيت منهم قبيلة دون السد فهم الترك و قال كعب هم نادرة في ولد بني آدم و ذلك أن آدم (عليه السلام) احتلم ذات يوم و امتزجت نطفته بالتراب فخلق الله من ذلك الماء يأجوج و مأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم و هذا بعيد و قوله « فهل نجعل لك خرجا » أو خراجا معناه فهل نجعل لك بعضا من أموالنا « على أن تجعل بيننا و بينهم سدا » أي حائطا و قيل في الفرق بين الخرج و الخراج أن الخراج اسم لما يخرج من الأرض و الخرج اسم لما يخرج من المال و قيل الخراج الغلة و الخرج الأجرة و قيل الخراج ما يؤخذ عن الأرض و الخرج ما يؤخذ عن الرقاب قاله أبو عمرو و قيل الخراج ما يؤخذ في كل سنة و الخرج ما يؤخذ دفعة عن تغلب « قال » ذو القرنين « ما مكني فيه ربي خير » أي أعطاني ربي من المال و مكني فيه من الاتساع في الدنيا خير مما عرضتموه علي من الأجر « فأعينوني بقوة » أي برجال فيكون معناه بقوة الأبدان و قيل بعمل تعملونه معي عن الزجاج و قيل ب آلة العمل و ذلك زبر الحديد و الصفر « أجعل بينكم و بينهم ردما » أي سدا و حاجزا قال ابن عباس : الردم أشد الحجاب و قيل هو السد المتراكب بعضه على بعض « آتوني زبر الحديد » أي أعطوني قطع الحديد أو جيئوا بقطع الحديد على القراءة الأخرى و في الكلام حذف و هو أنهم أتوه بما طلبه منهم من زبر الحديد ليعمل الردم في وجوه يأجوج و مأجوج فبناه « حتى إذا ساوى بين الصدفين » أي سوى بين جانبي الجبل بما جعل بينهما من الزبر قال الأزهري : يقال لجانبي الجبل صدفان لتصادفهما أي تحاذيهما و تلاقيهما و قيل هما جبلان كل واحد
مجمع البيان ج : 6 ص : 764
منهما منعدل عن الآخر كأنه قد صدف عنه و قوله « قال انفخوا » معناه قال ذو القرنين انفخوا النار على الزبر أمرهم أن يؤتى بمنافخ الحدادين فينفخوا في نار الحديد التي أوقدت فيه « حتى إذا جعله نارا » أي حتى إذا جعل الحديد كالنار في منظره من الحمي و اللهب فصار قطعة واحدة لزم بعضها بعضا « قال آتوني أفرغ عليه قطرا » أي أعطوني نحاسا مذابا أو صفرا مذابا أو حديدا مذابا أصبه على السدين الجبلين حتى ينسد الثقب الذي فيه و يصير جدارا مصمتا فكانت حجارته الحديد و طينه النحاس الذائب عن ابن عباس و مجاهد و الضحاك قال قتادة : فهو كالبرد المحبر طريقة سوداء و طريقة حمراء « فما اسطاعوا أن يظهروه » معناه فلما تم لم يستطع يأجوج و مأجوج أن يعلوه و يصعدوه يقال ظهرت السطح إذا علوته « و ما استطاعوا له نقبا » أي و لم يستطيعوا أن ينقبوا أسفله لكثافته و صلابته و نفي بذلك كل عيب يكون في السد و قيل أن هذا السد وراء بحر الروم بين جبلين هناك يلي مؤخرهما البحر المحيط و قيل أنه وراء دربند و خزران من ناحية أرمينية و أذربيجان و قيل أن مقدار ارتفاع السد مائتا ذراع و عرض الحائط نحو من خمسين ذراعا « قال » ذو القرنين « هذا رحمة من ربي » أي هذا السد نعمة من الله لعباده أنعم بها عليهم في دفع شر يأجوج و مأجوج عنهم « فإذا جاء وعد ربي » يعني إذا جاء وقت أشراط الساعة و وقت خروجهم الذي قدره الله تعالى « جعله دكاء » أي جعل السد أرضا مستويا مع الأرض مدكوكا أو ذا دك و إنما يكون ذلك بعد قتل عيسى بن مريم الدجال عن ابن مسعود و جاء في الحديث أنهم يدأبون في حفرة نهارهم حتى إذا أمسوا و كادوا يبصرون شعاع الشمس قالوا نرجع غدا و نفتحه و لا يستثنون فيعودون من الغد و قد استوى كما كان حتى إذا جاء وعد الله قالوا غدا نفتح و نخرج إن شاء الله فيعودون إليه و هو كهيئته حين تركوه بالأمس فيخرقونه و يخرجون على الناس فينشفون المياه و يتحصن الناس في حصونهم منهم فيرمون سهامهم إلى السماء فترجع و فيها كهيئة الدماء فيقولون قد قهرنا أهل الأرض و علونا أهل السماء فيبعث الله عليهم نغفا في أقفائهم فيدخل في آذانهم فيهلكون بها فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : و الذي نفس محمد بيده أن دواب الأرض لتسمن و تسكر من لحومهم سكرا و في تفسير الكلبي أن الخضر و اليسع يجتمعان كل ليلة على ذلك السد يحجبان يأجوج و مأجوج عن الخروج « و كان وعد ربي حقا » أي و كان ما وعد الله بأن يفعله لا بد من كونه فإنه حق إذ لا يجوز أن يخلف وعده .

مجمع البيان ج : 6 ص : 765
* وَ تَرَكْنَا بَعْضهُمْ يَوْمَئذ يَمُوجُ فى بَعْض وَ نُفِخَ فى الصورِ فجَمَعْنَهُمْ جمْعاً(99) وَ عَرَضنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئذ لِّلْكَفِرِينَ عَرْضاً(100) الَّذِينَ كانَت أَعْيُنهُمْ فى غِطاء عَن ذِكْرِى وَ كانُوا لا يَستَطِيعُونَ سمْعاً(101) أَ فَحَسِب الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِى مِن دُونى أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَفِرِينَ نُزُلاً(102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسرِينَ أَعْمَلاً(103) الَّذِينَ ضلَّ سعْيهُمْ فى الحَْيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يحْسبُونَ أَنهُمْ يحْسِنُونَ صنْعاً(104) أُولَئك الَّذِينَ كَفَرُوا بِئَايَتِ رَبِّهِمْ وَ لِقَائهِ فحَبِطت أَعْمَلُهُمْ فَلا نُقِيمُ لهَُمْ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَزْناً(105) ذَلِك جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَ اتخَذُوا ءَايَتى وَ رُسلى هُزُواً(106)

القراءة

قرأ أبو بكر في رواية الأعشى و البرجمي عنه و زيد عن يعقوب أ فحسب الذين كفروا برفع الباء و سكون السين و هو قراءة أمير المؤمنين (عليه السلام) و ابن يعمر و الحسن و مجاهد و عكرمة و قتادة و الضحاك و ابن أبي ليلى و هذا من الأحرف التي اختارها أبو بكر و خالف عاصما فيها و ذكر أنه أدخلها في قراءة عاصم من قراءة أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى استخلص قراءته و قرأ الباقون « أ فحسب » بكسر السين و فتح الباء .

الحجة

قال ابن جني : معناه أ فحسب الكافرين و حظهم و مطلوبهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء بل يجب أن يعبدوا أنفسهم مثلهم فيكون كلهم عبيدا و أولياء لي و نحوه قوله تعالى و تلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل أي اتخذتهم عبيدا لك و هذا أيضا هو المعنى إذا كانت القراءة أ فحسب الذين كفروا إلا أن حسب ساكنة السين أذهب في الذم لهم و ذلك لأنه جعله غاية مرادهم و مجموع مطلوبهم و ليست القراءة الأخرى كذلك .

اللغة

الترك التخلية و التريكة بيضة النعام كأنها تركت بالعراء و التريكة أيضا الروضة يغفلها الناس فلا يرعونها و الترك ضد الأخذ و الترك في الحقيقة لا يجوز على الله تعالى و إنما
مجمع البيان ج : 6 ص : 766
يجوز على العاذر بعذره إلا أنه يتوسع فيه فيعبر فيه عن الإخلال بالشيء بالترك و الموج اضطراب الماء بتراكب بعضه على بعض و النزل ما يهيا للنزيل و هو الضيف قال الشاعر :
نزيل القوم أعظمهم حقوقا
و حق الله في حق النزيل و طعام ذو نزل و نزل بفتح النون و الزاء أيضا ذو فضل .

الإعراب

« أن يتخذوا » في موضع نصب بوقوع حسب عليه و من قرأ فحسب بالرفع و سكون السين فأن يتخذوا في موضع رفع أعمالا منصوب على التمييز لأنه لما قال « بالأخسرين » كان مبهما لا يدل على ما خسروه فبين ذلك الخسران في أي نوع وقع و الذين يصلح أن يكون في موضع جر على الصفة للأخسرين و يصلح أن يكون في موضع رفع على الاستئناف أي هم الذين ضل سعيهم .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن حال تلك الأمم فقال « و تركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض » أي و تركنا يأجوج و مأجوج يوم انقضاء أمر السد يموجون في الدنيا مختلطين لكثرتهم و يكون حالهم كحال الماء الذي يتموج باضطراب أمواجه و قيل إنه أراد سائر الخلق من الجن و الإنس أي و تركناهم يوم خروج يأجوج و مأجوج يختلطون بعضهم ببعض لأن ذلك علم للساعة ثم ذكر سبحانه نفخ الصور فقال « و نفخ في الصور » لأن خروج يأجوج و مأجوج من أشراط الساعة و اختلف في الصور فقيل هو قرن ينفخ فيه عن ابن عباس و ابن عمر و قيل هو جمع صورة فإن الله سبحانه يصور الخلق في القبور كما صورهم في أرحام الأمهات ثم ينفخ فيهم الأرواح كما نفخ و هم في أرحام أمهاتهم عن الحسن و أبي عبيدة و قيل إنه ينفخ إسرافيل في الصور ثلاث نفخات فالنفخة الأولى نفخة الفزع و الثانية نفخة الصعق التي يصعق من في السماوات و الأرض بها فيموتون و الثالثة نفخة القيام لرب العالمين فيحشر الناس بها من قبورهم « فجمعناهم جمعا » أي حشرنا الخلق يوم القيامة كلهم في صعيد واحد « و عرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا » أي أظهرنا جهنم و أبرزناها لهم حتى شاهدوها و رأوا ألوان عذابها قبل دخولها ثم وصف الكافرين فقال « الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري » ذكر سبحانه السبب الذي استحقوا به النار يعني الذين غفلوا عن الاعتبار بقدرتي الموجب لذكري و أعرضوا عن التفكر في آياتي و دلائلي فصاروا بمنزلة من يكون في عينه غطاء يمنعه من الإدراك « و كانوا لا يستطيعون سمعا » أي و كان يثقل عليهم سماع القرآن و ذكر الله تعالى كما يقال فلان لا يستطيع النظر إليك و لا يستطيع أن يسمع كلامك أي يثقل عليه ذلك و أراد بالعين هنا عين القلب كما يضاف العمى إلى القلب « أ فحسب الذين
مجمع البيان ج : 6 ص : 767
كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء » معناه أ فحسب الذين جحدوا توحيد الله أن يتخذوا من دوني أربابا ينصرونهم و يدفعون عقابي عنهم و المراد بالعباد المسيح و الملائكة الذين عبدوهم من دون الله و هم براء منهم و من كل مشرك بالله تعالى و قيل معناه أ فحسب الذين كفروا أن يتخذوا من دوني آلهة و أنا لا أغضب لنفسي عليهم و لا أعاقبهم عن ابن عباس و يدل على هذا المحذوف قوله « إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا » أي منزلا عن الزجاج و هو معنى قول ابن عباس يريد هي مثواهم و مصيرهم و قيل معناه إنا جعلنا جهنم معدة مهياة للكافرين عندنا كما يهيا النزل للضيف « قل » يا محمد « هل ننبئكم » أي هل نخبركم « بالأخسرين أعمالا » أي بأخسر الناس أعمالا و المعنى بالقوم الذين هم أخسر الناس فيما عملوا و هم كفار أهل الكتاب اليهود و النصارى « الذين ضل سعيهم » أي بطل عملهم و اجتهادهم « في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا » أي يظنون أنهم بفعلهم محسنون و أن أفعالهم طاعة و قربة و روى العياشي بإسناده قال قام ابن الكواء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فسأله عن أهل هذه الآية فقال أولئك أهل الكتاب كفروا بربهم و ابتدعوا في دينهم فحبطت أعمالهم و ما أهل النهر منهم ببعيد يعني الخوارج « أولئك الذين كفروا ب آيات ربهم و لقائه فحبطت أعمالهم » أي جحدوا بحجج الله و بيناته و لقاء جزائه في الآخرة فبطلت و ضاعت أعمالهم التي عملوها لأنهم أوقعوها على خلاف الوجه الذي أمرهم الله به « فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا » أي لا قيمة لهم عندنا و لا كرامة و لا نعتد بهم بل نستخف بهم و نعاقبهم تقول العرب ما لفلان عندنا وزن أي قدر و منزلة و يوصف الجاهل بأنه لا وزن له لخفته بسرعة بطشه و قلة تثبته و روي في الصحيح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن جناح بعوضة « ذلك جزاؤهم جهنم » معناه الأمر ذلك الذي ذكرت من حبوط أعمالهم و خيبة قدرهم ثم ابتدأ سبحانه فقال جزاؤهم جهنم « بما كفروا و اتخذوا آياتي و رسلي هزوا » أي بكفرهم و اتخاذهم آياتي أي أدلتي الدالة على توحيدي يعني القرآن و رسلي هزوا أي مهزوءا به .

مجمع البيان ج : 6 ص : 768
إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ كانَت لهَُمْ جَنَّت الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً(107) خَلِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنهَا حِوَلاً(108) قُل لَّوْ كانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكلِمَتِ رَبى لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كلِمَت رَبى وَ لَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً(109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشرٌ مِّثْلُكمْ يُوحَى إِلىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صلِحاً وَ لا يُشرِك بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا(110)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم أن ينفد بالياء و الباقون « تنفد » بالتاء و في الشواذ قراءة ابن عباس و ابن مسعود و مجاهد و سليمان التيمي و لو جئنا بمثله مدادا .

الحجة

قال أبو علي : تنفد بالتاء أحسن لأن المسند إليه للفعل مؤنث و المذكر حسن أيضا لأن التأنيث ليس بحقيقي و من قرأ « مددا » فهو منصوب على الحال كما يقال جئتك بزيد عونا لك و مددا لك و يجوز أن ينتصب على المصدر بفعل مضمر يدل عليه قوله « و لو جئنا بمثله » فكأنه قال أمددنا به إمدادا ثم وضع مددا موضع إمدادا و قال الزجاج : هو منصوب على التمييز و من قال جئنا بمثله مدادا فإنه ينتصب على التمييز و المعنى بمثله من المداد و يكون مثل قولك لي مثله عبدا أي من العبيد و على التمرة مثلها زبدا أي من الزبد .

اللغة

الفردوس البستان الذي يجتمع فيه التمر و الزهر و سائر ما يمتع و يلذ قال الزجاج : هو البستان الذي يجمع محاسن كل بستان قال و قال قوم أن الفردوس الأودية التي تنبت ضروبا من النبت و قالوا هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية و لم نجده في أشعار العرب إلا في بيت حسان :
فإن ثواب الله كل موحد
جنان من الفردوس فيها يخلد و الحول التحول يقال قد حال من مكانه حولا كما قالوا في المصادر صغر صغرا و عظم عظما و عاد في حبها عودا و قيل إن الحول أيضا الحيلة و قيل أن الحول بمعنى التحويل يقال حولوا عنها تحويلا و حولا عن الأزهري و ابن الأعرابي و المداد التي يكتب به و المدد المصدر و هو مجيء شيء بعد شيء و الكلمة الواحدة من الكلام و قد يقال للقصيدة كلمة لأنها قطعة واحدة من الكلام و مما يسأل عنه فيقال إن الكلمات لأقل العدد فكيف جاء بها هاهنا و الجواب أن العرب تستغني بالجمع القليل عن الجمع الكثير و بالكثير عن القليل قال الله
 

Back Index Next