جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج10 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 

مجمع البيان ج : 10 ص : 448
الحكمة و قبول العقل لا قبول الطبع لأن في جملتهم من ليس على هذه الصفة و قيل فأحسن صوركم من حيث قبول الطبع لأن ذلك هو المفهوم من حسن الصور فهو كقوله « لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم » و إن كان في جملتهم من هو مشوه الخلق لأن ذلك عارض لا يعتد به في هذا الوصف فالله سبحانه خلق الإنسان على أحسن صور الحيوان كله و الصورة عبارة عن بنية مخصوصة « و إليه المصير » أي إليه المرجع و المال يوم القيامة « يعلم ما في السماوات و الأرض و يعلم ما تسرون و ما تعلنون » أي ما يسره بعضكم إلى بعض و ما يخفيه في صدره عن غيره و الفرق بين الإسرار و الإخفاء أن الإخفاء أعم لأنه قد يخفي شخصه و يخفي المعنى في نفسه و الأسرار يكون في المعنى دون الشخص « و الله عليم بذات الصدور » أي بأسرار الصدور و بواطنها ثم أخبر سبحانه أن القرون الماضية جوزوا بأعمالهم فقال « أ لم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل » أي من قبل هؤلاء الكفار « فذاقوا وبال أمرهم » أي وخيم عاقبة كفرهم و ثقل أمرهم بما نالهم من العذاب بالإهلاك و الاستئصال « و لهم عذاب أليم » أي مؤلم يوم القيامة .

مجمع البيان ج : 10 ص : 449
ذَلِك بِأَنَّهُ كانَت تَّأْتِيهِمْ رُسلُهُم بِالْبَيِّنَتِ فَقَالُوا أَ بَشرٌ يهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَ تَوَلَّوا وَّ استَغْنى اللَّهُ وَ اللَّهُ غَنىُّ حَمِيدٌ(6) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبى لَتُبْعَثُنَّ ثمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَ ذَلِك عَلى اللَّهِ يَسِيرٌ(7) فَئَامِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسولِهِ وَ النُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا وَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ(8) يَوْمَ يجْمَعُكمْ لِيَوْمِ الجَْمْع ذَلِك يَوْمُ التَّغَابُنِ وَ مَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَ يَعْمَلْ صلِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سيِّئَاتِهِ وَ يُدْخِلْهُ جَنَّت تجْرِى مِن تحْتهَا الأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(9) وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كذَّبُوا بِئَايَتِنَا أُولَئك أَصحَب النَّارِ خَلِدِينَ فِيهَا وَ بِئْس الْمَصِيرُ(10)

القراءة

قرأ رويس عن يعقوب يوم نجمعكم بالنون و الباقون بالياء و قرأ أهل المدينة و ابن عامر نكفر عنه و ندخله بالنون فيهما و الباقون بالياء .

الحجة


حجة الياء أن الاسم الظاهر قد تقدم و وجه النون أنه كقوله « سبحان الذي أسرى بعبده » ثم جاء و آتينا موسى الكتاب .

الإعراب


« ذلك بأنه » الهاء ضمير الأمر و الشأن .
« أ بشر » مبتدأ و إنما جاز أن يكون مبتدأ مع كونه نكرة لأن الاستفهام سوغ ذلك كما أن النفي أيضا كذلك لكونهما غير موجبين يقال أ رجل في الدار أم امرأة و لا رجل في الدار و لا امرأة و قيل أنه فاعل فعل مضمر يفسره قوله « يهدوننا » كأنه قال أ يهدينا بشر يهدوننا و إنما أضمر لأن الاستفهام بالفعل أولى و قوله « أن لن يبعثوا » تقديره أنهم لن يبعثوا فسدت الجملة عن المفعولين بما جرى فيها من ذكر الحديث و المحدث عنه و لما كان لن في « لن يبعثوا » دليل الاستقبال تعينت أن قبلها لأن تكون مخففة من الثقيلة لأن لن يمنعها من أن تكون ناصبة للفعل يوم نجمعكم ظرف لتبعثن .

المعنى

لما قرر سبحانه خلقه بأنهم أتيهم أخبار من مضى من الكفار و إهلاكهم عقبه ببيان سبب إهلاكهم فقال « ذلك » أي ذلك العذاب الذي نالهم في الدنيا و الذي ينالهم في الآخرة « بأنه كانت تأتيهم » أي بسبب أنه كانت تجيئهم « رسلهم » من عند الله « بالبينات » أي بالدلالات الواضحات و المعجزات الباهرات « فقالوا » لهم « أ بشر يهدوننا » لفظه واحد و المراد به الجمع على طريق الجنس بدلالة قوله « يهدوننا » و المعنى أ خلق مثلنا يهدوننا إلى الحق و يدعوننا إلى غير دين آبائنا استصغارا منهم للبشر أن يكونوا رسلا من الله إلى أمثالهم و استكبارا و أنفة من اتباعهم « فكفروا » بالله و جحدوا رسله « و تولوا » أي أعرضوا عن القبول منهم و التفكر في آياتهم « و استغنى الله » بسلطانه عن طاعة عباده و إنما كلفهم لنفعهم لا لحاجة منه إلى عبادتهم و قيل معناه و استغنى الله بما أظهره لهم من البرهان و أوضحه من البيان عن زيادة تدعو إلى الرشد و تهدي إلى الإيمان « و الله غني حميد » أي غني عن أعمالكم مستحمد إليكم بما ينعم به عليكم و قيل حميد أي محمود في جميع أفعاله لأنها كلها إحسان ثم حكى سبحانه ما يقوله الكفار فقال « زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا » قال ابن عمر زعم زاملة الكذب و قال شريح زعم كنية الكذب
مجمع البيان ج : 10 ص : 450
بين الله سبحانه بعض ما لأجله اختاروا الكفر على الإيمان و هو أنهم كانوا لا يقرون بالبعث و النشور فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأن يكذبهم فقال « قل » يا محمد « بلى و ربي » أي و حق ربي على وجه القسم « لتبعثن » أي لتحشرن أكد تكذيبهم بقوله « بلى » و باليمين ثم أكد اليمين باللام و النون « ثم لتنبؤن بما عملتم » أي لتخبرن و تحاسبن بأعمالكم و تجازون عليها « و ذلك » البعث و الحساب مع الجمع و الجزاء « على الله يسير » أي سهل هين لا يلحقه مشقة و لا معاناة فيه « ف آمنوا » معاشر العقلاء « بالله و رسوله و النور الذي أنزلنا » و هو القرآن سماه نورا لما فيه من الأدلة و الحجج الموصلة إلى الحق فشبه بالنور الذي يهتدى به إلى الطريق « و الله بما تعملون خبير » أي عليم « يوم يجمعكم ليوم الجمع » و هو يوم القيامة أي ذلك البعث و الجزاء يكون في يوم يجمع فيه خلق الأولين و الآخرين « ذلك يوم التغابن » و هو تفاعل من الغبن و هو أخذ شر و ترك خير أو أخذ خير و ترك شر فالمؤمن ترك حظه من الدنيا و أخذ حظه من الآخرة فترك ما هو شر له و أخذ ما هو خير له فكان غابنا و الكافر ترك حظه من الآخرة و أخذ حظه من الدنيا فترك الخير و أخذ الشر فكان مغبونا فيظهر في ذلك اليوم الغابن و المغبون و قيل يوم التغابن غبن أهل الجنة أهل النار عن قتادة و مجاهد و قد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في تفسير هذا قوله ما من عبد مؤمن يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا و ما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة « و من يؤمن بالله و يعمل صالحا يكفر عنه سيئاته » أي معاصيه « و يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا » أي مؤبدين فيها و لا يفنى ما هم فيه من النعيم أبدا « ذلك الفوز العظيم » أي النجاح الذي ليس وراءه شيء من العظمة « و الذين كفروا » بالله « و كذبوا ب آياتنا » أي بحججنا و دلائلنا « أولئك أصحاب النار خالدين فيها و بئس المصير » أي المال و المرجع .

مجمع البيان ج : 10 ص : 451

مَا أَصاب مِن مُّصِيبَة إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ مَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يهْدِ قَلْبَهُ وَ اللَّهُ بِكلِّ شىْء عَلِيمٌ(11) وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلى رَسولِنَا الْبَلَغُ الْمُبِينُ(12) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَ عَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُؤْمِنُونَ(13) يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَجِكُمْ وَ أَوْلَدِكمْ عَدُوًّا لَّكمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَ إِن تَعْفُوا وَ تَصفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(14) إِنَّمَا أَمْوَلُكُمْ وَ أَوْلَدُكمْ فِتْنَةٌ وَ اللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ(15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا استَطعْتُمْ وَ اسمَعُوا وَ أَطِيعُوا وَ أَنفِقُوا خَيراً لأَنفُسِكمْ وَ مَن يُوقَ شحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ(16) إِن تُقْرِضوا اللَّهَ قَرْضاً حَسناً يُضعِفْهُ لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ شكُورٌ حَلِيمٌ(17) عَلِمُ الْغَيْبِ وَ الشهَدَةِ الْعَزِيزُ الحَْكِيمُ(18)

القراءة

في الشواذ قراءة طلحة بن مصرف نهد قلبه بالنون و قراءة السلمي يهد قلبه بضم الياء و الباء على ما لم يسم فاعله و قراءة عكرمة و عمرو بن دينار يهدأ قلبه مهموزا و قراءة مالك بن دينار يهدا بالألف .

الحجة


من قرأ يهدأ مهموزا فمعناه يطمئن قلبه كما قال سبحانه و قلبه مطمئن بالإيمان و من قرأ بالألف فإنه لين الهمز تخفيفا .

النزول

نزل قوله « من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم » في قوم أرادوا الهجرة فثبطهم نساؤهم و أولادهم عنها عن ابن عباس و مجاهد .


المعنى

ثم قال سبحانه « ما أصاب من مصيبة » أي ليس تصيبكم مصيبة « إلا بإذن الله » و المصيبة المضرة التي تلحق صاحبها كالرمية التي تصيبها و إنما عم ذلك سبحانه و إن كان في المصائب ما هو ظلم و هو سبحانه لا يأذن بالظلم لأنه ليس منها إلا ما أذن الله في وقوعه أو التمكن منه و ذلك إذن للملك الموكل به كأنه قيل لا يمنع من وقوع هذه المصيبة و قد يكون ذلك بفعل التمكين من الله فكأنه يأذن له بأن يكون و قيل معناه إلا بتخلية الله بينكم و بين من يريد فعلها عن البلخي و قيل أنه خاص فيما يفعله الله تعالى أو يأمر به و قيل معناه بعلم الله أي لا يصيبكم مصيبة إلا و الله عالم بها « و من يؤمن بالله » أي يصدق به و يرخي بقضائه « يهد قلبه » أي يهد الله قلبه حتى يعلم أن ما أصابه فبعلم الله فيصبر عليه و لا يجزع لينال الثواب و الأجر و قيل معناه و من يؤمن بتوحيد الله و يصبر لأمر الله يعني عند نزول المصيبة يهد قلبه للاسترجاع حتى يقول إنا لله و إنا إليه راجعون عن ابن عباس .
و قيل إن المعنى يهد
مجمع البيان ج : 10 ص : 452
قلبه فإن ابتلي صبر و إن أعطي شكر و إن ظلم غفر عن مجاهد و قال بعضهم في معناه من يؤمن بالله عند النعمة فيعلم أنها فضل من الله يهد قلبه للشكر و من يؤمن بالله عند البلاء فيعلم أنه عدل من الله يهد قلبه للصبر و من يؤمن بالله عند نزول القضاء يهد قلبه للاستسلام و الرضاء « و الله بكل شيء عليم » فيجازي كل امرىء بما عمله « و أطيعوا الله » في جميع ما أمركم به « و أطيعوا الرسول » في جميع ما أتاكم به و دعاكم إليه و فيما أمركم به و نهاكم عنه « فإن توليتم » أي فإن أعرضتم عن القبول منه « فإنما على رسولنا البلاغ المبين » أي ليس عليه إلا تبليغ الرسالة و قد فعل و المراد ليس عليه قهركم على الرد إلى الحق و إنما عليه البلاغ الظاهر البين فحذف للإيجاز و الاختصار « الله لا إله إلا هو » و لا تحق العبادة إلا له « و على الله فليتوكل المؤمنون » و التوكل تفويض الأمور إليه و الرضاء بتقديره و الثقة بتدبيره و قد أمر الله عباده بذلك فينبغي لهم أن يستشعروا ذلك في سائر أحوالهم « يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم » يعني أن بعضهم بهذه الصفة و لذلك أتى بلفظة من و هي للتبعيض يقول أن من هؤلاء من هو عدو لكم في الدين فاحذروهم أن تطيعوهم و قيل إنه سبحانه إنما قال ذلك لأن من الأزواج من يتمنى موت الزوج و من الأولاد من يتمنى موت الوالد ليرث ماله و ما من عدو أعدى ممن يتمنى موت غيره ليأخذ ماله و كذلك يكون من يحملك على معصية الله لمنفعة نفسه و لا عدو أشد عداوة ممن يختار ضررك لمنفعته قال عطاء يعني قوما أرادوا الغزو فمنعهم هؤلاء و قال مجاهد يريد قوما أرادوا طاعة الله فمنعوهم « و إن تعفوا » أي تتركوا عقابهم « و تصفحوا و تغفروا » أي تتجاوزوا عنهم و تستروا ما سبق منهم إن عادوا إلى الحالة الجميلة و ذلك أن الرجل من هؤلاء إذا هاجر و رأى الناس قد سبقوه بالهجرة و فقهوا في الدين هم أن يعاقب زوجته و ولده الذين ثبطوه عن الهجرة و أن يلحقوا به في دار الهجرة لم ينفق عليهم فأمر سبحانه بالعفو و الصفح « فإن الله غفور رحيم » يغفر لكم ذنوبكم و يرحمكم و قيل هو عام أي إن تعفوا و تصفحوا عمن ظلمكم فإن الله يغفر بذلك كثيرا من ذنوبكم عن الجبائي « إنما أموالكم و أولادكم فتنة » أي محنة و ابتلاء و شدة للتكليف عليكم و شغل عن أمر الآخرة فإن الإنسان بسبب المال و الولد يقع في الجرائم عن ابن مسعود قال لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال و أهل و ولد إلا و هو مشتمل على فتنة و لكن ليقل اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن .
و روى عبد الله بن بريدة عن أبيه قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يخطب فجاء الحسن و الحسين (عليهماالسلام) و عليهما قميصان أحمران يمشيان و يعثران فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إليهما فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر و قال صدق الله عز و جل « إنما أموالكم و أولادكم فتنة »
مجمع البيان ج : 10 ص : 453
نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما ثم أخذ في خطبته « و الله عنده أجر عظيم » أي ثواب جزيل و هو الجنة يعني فلا تعصوه بسبب الأموال و الأولاد و لا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر و الذخر « فاتقوا الله ما استطعتم » أي ما أطقتم و الاتقاء الامتناع من الردى باجتناب ما يدعو إليه الهوى و لا تنافي بين هذا و بين قوله « اتقوا الله حق تقاته » لأن كل واحد منهما إلزام لترك جميع المعاصي فمن فعل ذلك فقد اتقى عقاب الله لأن من لم يفعل قبيحا و لا أخل بواجب فلا عقاب عليه إلا أن في أحد الكلامين تبيينا أن التكليف لا يلزم العبد إلا فيما يطيق و كل أمر أمر الله به فلا بد أن يكون مشروطا بالاستطاعة و قال قتادة قوله « فاتقوا الله ما استطعتم » ناسخ لقوله « اتقوا الله حق تقاته » و كأنه يذهب إلى أن فيه رخصة لحال التقية و ما جرى مجراها مما يعظم فيه المشقة و إن كانت القدرة حاصلة معه و قال غيره ليس هذا بناسخ و إنما هو مبين لإمكان العمل بهما جميعا و هو الصحيح « و اسمعوا » من الرسول ما يتلو عليكم و ما يعظكم به و يأمركم و ينهاكم « و أطيعوا » الله و الرسول « و أنفقوا » من أموالكم في حق الله « خيرا لأنفسكم » مثله ف آمنوا خيرا لكم و انتهوا خيرا لكم و قد مضى ذكر ذلك و قال الزجاج معناه قدموا خيرا لأنفسكم من أموالكم « و من يوق شح نفسه » حتى يعطي حق الله من ماله « فأولئك هم المفلحون » أي المنجحون الفائزون بثواب الله و قال الصادق (عليه السلام) من أدى الزكاة فقد وقى شح نفسه « إن تقرضوا الله قرضا حسنا » قد مضى معناه و إطلاق اسم القرض هنا تلطف في الاستدعاء إلى الإنفاق « يضاعفه لكم » أي يعطي بدله أضعاف ذلك من واحد إلى سبعمائة إلى ما لا يتناهى فإن ثواب الصدقة يدوم « و يغفر لكم » ذنوبكم « و الله شكور » أي مثيب مجاز على الشكر « حليم » لا يعاجل العباد بالعقوبة و هذا غاية الكرم « عالم الغيب و الشهادة » أي السر و العلانية و قيل المعدوم و الموجود و قيل غير المحسوس و المحسوس « العزيز » القادر « الحكيم » العالم و قيل المحكم لأفعاله .

مجمع البيان ج : 10 ص : 454
( 65 ) سورة الطلاق مدنية و آياتها اثنتا عشرة ( 12 )
و تسمى سورة النساء القصرى قال ابن مسعود في حديث العدة من شاء بأهلته أن سورة النساء القصرى نزلت بعد قوله « و الذين يتوفون منكم و يذرون أزواجا » و إنما أراد قوله « و أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن » فإذا كانت حاملة فعدتها وضع الحمل و هي مدنية بالإجماع .

عدد آيها

إحدى عشرة آية بصري و اثنتا عشرة آية في الباقين .

اختلافها

ثلاث آيات « يجعل له مخرجا » كوفي مكي و المدني الأخير « و اليوم الآخر » شامي « يا أولي الألباب » المدني الأول .

فضلها

أبي ابن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة الطلاق مات على سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ سورة الطلاق و التحريم في فريضته أعاذه الله تعالى من أن يكون يوم القيامة ممن يخاف أو يحزن و عوفي من النار و أدخله الله الجنة بتلاوته إياهما و محافظته عليهما لأنهما للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

تفسيرها

لما ختم الله سورة التغابن بذكر النساء و التحذير منهن افتتح هذه السورة بذكرهن و ذكر أحكامهن و أحكام فراقهن فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 455

سورة الطلاق
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَأَيهَا النَّبىُّ إِذَا طلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتهِنَّ وَ أَحْصوا الْعِدَّةَ وَ اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكمْ لا تخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَ لا يخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَحِشة مُّبَيِّنَة وَ تِلْك حُدُودُ اللَّهِ وَ مَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظلَمَ نَفْسهُ لا تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يحْدِث بَعْدَ ذَلِك أَمْراً(1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوف أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوف وَ أَشهِدُوا ذَوَى عَدْل مِّنكمْ وَ أَقِيمُوا الشهَدَةَ للَّهِ ذَلِكمْ يُوعَظ بِهِ مَن كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ مَن يَتَّقِ اللَّهَ يجْعَل لَّهُ مخْرَجاً(2) وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْث لا يحْتَسِب وَ مَن يَتَوَكلْ عَلى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَلِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكلِّ شىْء قَدْراً(3) وَ الَّئِى يَئسنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسائكمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتهُنَّ ثَلَثَةُ أَشهُر وَ الَّئِى لَمْ يحِضنَ وَ أُولَت الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضعْنَ حَمْلَهُنَّ وَ مَن تَّقِ ِ اللَّهَ يجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسراً(4) ذَلِك أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكمْ وَ مَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سيِّئَاتِهِ وَ يُعْظِمْ لَهُ أَجْراً(5)

القراءة

قرأ حفص عن عاصم « بالغ » بغير تنوين « أمره » بالجر على الإضافة و الباقون بالغ بالتنوين أمره بالنصب و في الشواذ قراءة داود بن أبي هند أن الله بالغ بالتنوين أمره بالرفع و روي عن ابن عباس و أبي بن كعب و جابر بن عبد الله و علي بن الحسين (عليهماالسلام) و زيد بن علي و جعفر بن محمد و مجاهد فطلقوهن في قبل عدتهن .

الحجة

قال أبو علي قوله بالغ أمره على سيبلغ أمره فيما يريده فيكم فهذا هو الأصل
مجمع البيان ج : 10 ص : 456

و هو حكاية حال و من أضاف حذف التنوين استخفافا و المعنى معنى ثبات التنوين مثل عارض ممطرنا و أما قوله في قبل عدتهن فإنه تفسير للقراءة المشهورة « فطلقوهن لعدتهن » أي عند عدتهن و مثله قوله « لا يجليها لوقتها » أي عند وقتها و من قرأ بالغ أمره فالمعنى أمره بالغ ما يريده الله به و قد بلغ أمر الله ما أراده فالمفعول على ما رأيت محذوف .

الإعراب


« و اللائي لم يحضن » مبتدأ خبره محذوف لدلالة الكلام عليه فإذا جاز حذف الجملة بأسرها جاز حذف بعضها و قد جاء أيضا في الصفة و إن قل نحو قوله « و أوتيت من كل شيء » تقديره من كل شيء تؤتاه .

المعنى

نادى سبحانه نبيه فقال « يا أيها النبي » ثم خاطب أمته فقال « إذا طلقتم النساء » لأنه السيد المقدم فإذا نودي و خوطب خطاب الجمع كانت أمته داخلة في ذلك الخطاب عن الحسن و غيره و قيل إن تقديره يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم النساء عن الجبائي فعلى هذا يكون النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) خارجا عن الحكم و على القول الأول حكمه حكم أمته في أمر الطلاق و على هذا انعقد الإجماع و المعنى إذا أردتم طلاق النساء مثل قوله سبحانه إذا قمتم إلى الصلاة و قوله فإذا قرأت القرآن « فطلقوهن لعدتهن » أي لزمان عدتهن و ذلك أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه عن ابن عباس و ابن مسعود و الحسن و مجاهد و ابن سيرين و قتادة و الضحاك و السدي فهذا هو الطلاق للعدة لأنها تعتد بذلك الطهر من عدتها و تحصل في العدة عقيب الطلاق فالمعنى فطلقوهن لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن و لا تطلقوهن لحيضهن الذي لا يعتددن به من قرئهن فعلى هذا يكون العدة الطهر على ما ذهب إليه أصحابنا و هو مذهب الشافعي و قيل إن المعنى قبل عدتهن أي في طهر لم يجامعها فيه العدة الحيض كما يقال توضأت للصلاة و لبست السلاح للحرب و هو مذهب أبي حنيفة و أصحابه و قيل إن اللام للسبب فكأنه قال فطلقوهن ليعتددن و لا شبهة أن هذا الحكم للمدخول بها لأن المطلقة قبل المسيس لا عدة عليها و قد ورد به التنزيل في سورة الأحزاب و هو قوله فما لكم عليهن من عدة تعتدونها و ظاهر الآية يقتضي أنه إذا طلقها في الحيض أو في طهر قد جامعها فيه فلا يقع الطلاق لأن الأمر يقتضي الإيجاب و به قال سعيد بن المسيب و ذهبت إليه الشيعة الإمامية و قال باقي الفقهاء يقع الطلاق و إن كان بدعة و خلاف المأمور به و كذلك أن جمع بين التطليقات الثلاث فإنها بدعة عند أبي حنيفة و أصحابه و إن كانت واقعة و عند المحققين من أصحابنا يقع واحدة عند حصول شرائط صحة الطلاق و الطلاق في الشرع عبارة عن تخلية المرأة بحل عقدة من عقد النكاح و ذلك أن يقول أنت طالق يخاطبها أو يقول هذه طالق و يشير
مجمع البيان ج : 10 ص : 457
إليها أو يقول فلانة بنت فلان طالق و لا يقع الطلاق عندنا إلا بهذا اللفظ لا بشيء من كنايات الطلاق سواء أراد بها الطلاق أو لم يرد بها و في تفصيل ذلك اختلافات بين الفقهاء ليس هاهنا موضعه و قد يحصل الفراق بغير الطلاق كالارتداد و اللعان كالخلع عند كثير من أصحابنا و إن لم يسم ذلك طلاقا و يحصل أيضا بالفسخ للنكاح بأشياء مخصوصة و بالرد بالعيب و إن لم يكن ذلك طلاقا و روى البخاري و مسلم عن قتيبة عن الليث بن سعد عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته و هي حائض تطليقة واحدة فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر و تحيض عنده حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر من حيضها فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر من قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء و روى البخاري عن سليمان بن حرب و روى مسلم عن عبد الرحمن بن بشر عن بهر و كلاهما عن شعبة عن أنس بن سيرين قال سمعت ابن عمر يقول طلق ابن عمر امرأته و هي حائض فذكر ذلك عمر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال مرة فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها إن شاء و جاءت الرواية عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال تزوجوا و لا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش و عن ثوبان رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة و عن أبي موسى الأشعري عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال لا تطلقوا النساء إلا من ريبة فإن الله لا يحب الذواقين و الذواقات و عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال ما حلف بالطلاق و لا استحلف به إلا منافق هذه الأحاديث الأربعة منقولة عن تفسير الثعلبي ثم قال سبحانه « و أحصوا العدة » أي عدوا الأقراء التي تعتد بها و قيل معناه عدوا أوقاف الطلاق لتطلقوا للعدة و إنما أمر الله سبحانه بإحصاء العدة لأن لها فيها حقا و هي النفقة و السكنى و للزوج فيها حقا و هي المراجعة و منعها عن الأزواج لحقه و ثبوت نسب الولد فأمره تعالى بإحصائها ليعلم وقت المراجعة و وقت فوت المراجعة و تحريمها عليه و رفع النفقة و السكنى و لكيلا تطول العدة لاستحقاق زيادة النفقة أو تقصرها لطلب الزوج و العدة هي قعود المرأة عن الزوج حتى تنقضي المدة المرتبة في الشريعة و هي على ضروب فضرب يكون بالأقراء لمن تحيض و ضرب يكون بالأشهر للصغيرة التي لم تبلغ المحيض و مثلها تحيض و هي التي بلغت تسع سنين و إذا كان سنها أقل من ذلك فلا عدة عليها عند أكثر أصحابنا و قال بعضهم عدتها بالشهور و به قال الفقهاء و كذلك الكبيرة الآيسة من المحيض و مثلها تحيض عدتها بالشهور و حده أصحابنا بأن
مجمع البيان ج : 10 ص : 458
يكون سنها أقل من خمسين سنة و من ستين سنة للقرشيات فإن كان سنها أكثر من ذلك فلا عدة عليها عند أكثر أصحابنا و المتوفى عنها زوجها عدتها بالشهور أيضا و الضرب الثالث من العدة يكون بوضع الحمل في الجميع إلا في المتوفى عنها زوجها فإن عدتها عند أصحابنا أبعد الأجلين و في ذلك اختلاف بين الفقهاء ثم إن عدة الطلاق للحرة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر و للأمة قرءان أو شهر و نصف و وضع الحمل لا يختلف قال سبحانه « و اتقوا الله ربكم » و لا تعصوه فيما أمركم به « و لا تخرجوهن من بيوتهن و لا يخرجن » هن أيضا يعني في زمان العدة لا يجوز للزوج أن يخرج المطلقة المعتدة من مسكنه الذي كان يسكنها فيه قبل الطلاق و على المرأة أيضا أن لا تخرج في عدتها إلا لضرورة ظاهرة فإن خرجت أثمت « إلا أن يأتين بفاحشة مبينة » أي ظاهرة و من قرأ بفتح الياء فالمراد بفاحشة مظهرة أظهرتها و اختلف في الفاحشة فقيل إنها الزنا فتخرج لإقامة الحد عليها عن الحسن و مجاهد و الشعبي و ابن زيد و قيل هي البذاء على أهلها فيحل لهم إخراجها عن ابن عباس و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و روى علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا قال الفاحشة أن تؤذي أهل زوجها و تسبهم و قيل هي النشوز فإن طلقها على نشوز فلها أن تتحول من بيت زوجها عن قتادة و قيل هي خروجها قبل انقضاء العدة عن ابن عمر و في رواية أخرى عن ابن عباس أنه قال إن كل معصية لله تعالى ظاهرة فهي فاحشة « و تلك حدود الله » يعني ما ذكره سبحانه من أحكام الطلاق و شروطه « و من يتعد حدود الله » بأن يطلق على غير ما أمر الله تعالى به « فقد ظلم نفسه » أي أثم فيما بينه و بين الله عز و جل و خرج عن الطاعة إلى المعصية و فعل ما يستحق به العقاب « لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا » أي بغير رأي الزوج في محبة الطلاق و يوقع في قلبه المحبة لرجعتها فيما بين الطلقة الواحدة و الثانية و فيما بين الثالثة قال الضحاك و السدي و ابن زيد لعل الله يحدث الرجعة في العدة و قال الزجاج و إذا طلقها ثلاثا في وقت واحد فلا معنى له لقوله « لعل الله » يحدث بعد ذلك أمرا و في هذه الآية دلالة على أن الواجب في التطليق أن يوقع متفرقا و لا يجوز الجمع بين الثلاث لأن الله تعالى أكد قوله « فطلقوهن لعدتهن » بقوله « و أحصوا العدة » ثم زاد في التأكيد بقوله « و اتقوا الله ربكم » فيما حده الله لكم فلا تعتدوه ثم قرر سبحانه حق الزوج في المراجعة بقوله « لا تخرجوهن من بيوتهن » فإن الزوجة إذا لم ترم بيتها تمكن الزوج من مراجعتها ثم دل بقوله « و تلك حدود الله » على أن من تعدى حدود الله تعالى في الطلاق بطل حكمه و صار قوله « لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا » تأكيدا لحدود الله في الطلاق و إعلاما بأن حق الرجعة لا ينقطع بجمع الطلاق فكأنه قال كونوا على رجاء الفائدة بالرجعة .

مجمع البيان ج : 10 ص : 459
فقد يحدث الله الرغبة بعد الطلاق فإن قالوا قد أمر الله سبحانه في الآية بطلاق العدة فكيف تقدمون أنتم طلاق السنة على طلاق العدة فالجواب أن طلاق السنة أيضا طلاق العدة إلا أن أصحابنا رضي الله عنهم قد اصطلحوا على أن يسموا الطلاق الذي لا يزاد عليه بعد المراجعة طلاق السنة و الطلاق الذي يزاد عليه بشرط المراجعة طلاق العدة و مما يعضد ما ذكرته ما اشتهر من الأخبار في كتبهم و رواياتهم و نقل عن متقدميهم مثل زرارة بن أعين و بكير ابن أعين و محمد بن مسلم و غيرهم فمن ذلك ما رواه يونس عن بكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال الطلاق أن يطلق الرجل المرأة على طهر من غير جماع و يشهد رجلين عدلين على تطليقه ثم هو أحق برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء فهذا الطلاق الذي أمر الله به في القرآن و أمر به رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في سنة و كل طلاق لغير مدة فليس بطلاق و عن جرير قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن طلاق السنة فقال على طهر من غير جماع بشاهدي عدل و لا يجوز الطلاق إلا بشاهدين و العدة و هو قوله « فطلقوهن لعدتهن و أحصوا العدة » الآية و روى الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال كل طلاق لا يكون على السنة أو طلاق على العدة فليس بشيء قال زرارة قلت لأبي جعفر فسر لي طلاق السنة و طلاق العدة فقال أما طلاق السنة فهو إن الرجل إذا أراد أن يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث و تطهر فإذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع و يشهد شاهدين عدلين على ذلك ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها و قد بانت منه و كان خاطبا من الخطاب إن شاءت تزوجته و إن شاءت لم تتزوجه و عليه نفقتها و السكنى ما دامت في العدة و هما يتوارثان حتى تنقضي العدة و أما طلاق العدة فإذا أراد الرجل أن يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض و تخرج من حيضها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع و يشهد شاهدين عدلين و يراجعها من يومه ذلك إن أحب أو بعد ذلك بأيام قبل أن تحيض و يشهد على رجعتها و يواقعها و تكون معه حتى تحيض فإذا حاضت و خرجت من حيضها طلقها تطليقة أخرى من غير جماع و يشهد على ذلك أيضا متى شاء قبل أن تحيض و يشهد على رجعتها و يواقعها و تكون معه حتى تحيض الحيضة الثالثة فإذا خرجت من حيضها طلقها الثالثة بغير جماع و يشهد على ذلك فإذا فعل ذلك فقد بانت منه و لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره و الروايات في هذا كثيرة عن أئمة الهدى (عليهم السلام) فعلى هذا فإنه يتركها في طلاق السنة حتى تعتد ثلاثة قروء فإذا مضى ثلاثة قروء فإنها تبين منه بواحدة و إذا تزوجها بعد ذلك بمهر جديد كانت عنده على تطليقتين باقيتين فإن طلقها أخرى طلاق السنة و تركها حتى تمضي أقراؤها فلا يراجعها فقد بانت منه باثنتين فإن تزوجها بعد ذلك و طلقها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره و لو شاء أن يراجعها بعد الطلقة الأولى و الثانية لكان ذلك إليه
مجمع البيان ج : 10 ص : 460
فقد تبين أن هذا الطلاق هو طلاق للعدة أيضا إلا أن الفرق بينهما ما ذكرناه « فإذا بلغن أجلهن » معناه فإذا قاربن أجلهن الذي هو الخروج من العدة « فأمسكوهن بمعروف » أي راجعوهن بما يجب لهن من النفقة و الكسوة و المسكن و حسن الصحبة « أو فارقوهن بمعروف » بأن تتركوهن حتى يخرجن من العدة فتبين منكم و لا يجوز أن يكون المراد بقوله « فإذا بلغن أجلهن » إذا انقضى أجلهن لأن الزوج لا يملك الرجعة بعد انقضاء العدة بل هي تملك نفسها و تبين منه بواحدة و لها أن تتزوج من شاءت من الرجال « و أشهدوا ذوي عدل منكم » قال المفسرون أمروا أن يشهدوا عند الطلاق و عند الرجعة شاهدي عدل حتى لا تجحد المرأة المراجعة بعد انقضاء العدة و لا الرجل الطلاق و قيل معناه و أشهدوا على الطلاق صيانة لدينكم و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) و هذا أليق بالظاهر لأنا إذا حملناه على الطلاق كان أمرا يقتضي الوجوب و هو من شرائط صحة الطلاق و من قال إن ذلك راجع إلى المراجعة حمله على الندب « و أقيموا الشهادة لله » هذا خطاب للشهود أي أقيموها لوجه الله و اقصدوا بأدائها التقرب إلى الله لا الطلب لرضا المشهود له و الإشفاق من المشهود عليه « ذلكم » الأمر بالحق يا معشر المكلفين « يوعظ به من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر » أي يؤمر به المؤمنون لينزجروا به عن الباطل و خص المؤمنين لأنهم الذين انتفعوا به فالطاعة الواجبة فيها وعظ بأن رغب فيها باستحقاق الثواب و في تركها العقاب و المندوبة فيها وعظ باستحقاق المدح و الثواب على فعلها و المعاصي فيها وعظ بالزجر عنها و التخويف من فعلها باستحقاق العقاب و الترغيب في تركها بما يستحق على الإخلال بها من الثواب « و من يتق الله » فيما أمره به و نهاه عنه « يجعل له مخرجا » من كل كرب في الدنيا و الآخرة عن ابن عباس و روي عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و من يتق الله يجعل له مخرجا » قال من شبهات الدنيا و من غمرات الموت و شدائد يوم القيامة و عنه قال من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا و من كل ضيق مخرجا و قيل معناه و من يطلق للسنة يجعل الله له مخرجا في الرجعة « و يرزقه من حيث لا يحتسب » عن عكرمة و الشعبي و الضحاك و قيل إنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أسر العدو ابنا له فأتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فذكر له ذلك و شكا إليه الفاقة فقال له اتق الله و اصبر و أكثر من قول لا حول و لا قوة إلا بالله ففعل الرجل ذلك فبينا هو في بيته إذ أتاه ابنه و قد غفل عنه العدو فأصاب إبلا و جاء بها إلى أبيه فذلك قوله « و يرزقه من حيث لا يحتسب » و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال « و يرزقه من حيث لا يحتسب » أي يبارك له فيما أتاه و عن أبي ذر الغفاري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم « و من يتق الله » الآية فما زال يقولها و يعيدها « و من يتوكل على الله فهو حسبه » أي و من يفوض أمره إلى الله
مجمع البيان ج : 10 ص : 461

و وثق بحسن تدبيره و تقديره فهو كافيه يكفيه أمر دنياه و يعطيه ثواب الجنة و يجعله بحيث لا يحتاج إلى غيره و في الحديث من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله « إن الله بالغ أمره » أي يبلغ ما أراد من قضاياه و تدابيره على ما أراده و لا يقدر أحد على منعه عما يريده و قيل معناه أنه منفذ أمره فيمن يتوكل عليه و فيمن لم يتوكل عليه « قد جعل الله لكل شيء قدرا » أي قدر الله لكل شيء مقدارا و أجلا لا زيادة فيها و لا نقصان و قيل بين لكل شيء مقدارا بحسب المصلحة في الإباحة و الإيجاب و الترغيب و الترهيب كما بين في الطلاق و العدة و غيرهما و قيل قد جعل الله لكل شيء من الشدة و الرخاء وقتا و غاية و منتهى ينتهي إليه ثم بين سبحانه اختلاف أحكام العدة باختلاف أحوال النساء فقال « و اللائي يئسن من المحيض من نسائكم » فلا يحضن « إن ارتبتم » فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهن أم لعارض ثلاثة أشهر و هن اللواتي أمثالهن يحضن لأنهن لو كن في سن من لا تحيض لم يكن للارتياب معنى و هذا هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) و قيل معناه إن شككتم فلم تدروا أ دمهن دم حيض أو استحاضة « فعدتهن ثلاثة أشهر » عن مجاهد و الزهري و ابن زيد و قيل معناه إن ارتبتم في حكمهن فلم تدروا ما الحكم فيهن « و اللائي لم يحضن » تقديره و اللائي لم يحضن إن ارتبتم فعدتهن أيضا ثلاثة أشهر و حذف لدلالة الكلام الأول عليه و هن اللواتي لم يبلغن المحيض و مثلهن تحيض على ما مر بيانه « و أولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن » قال ابن عباس هي في المطلقات خاصة و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) فأما المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين فإذا مضت بها أربعة أشهر و عشر و لم تضع انتظرت وضع الحمل و قال ابن مسعود و أبي بن كعب و قتادة و أكثر الفقهاء أنه عام في المطلقات و المتوفى عنها زوجها فعدتهن وضع الحمل فإن كانت المرأة حاملا باثنين و وضعت واحد لم يحل للأزواج حتى تضع جميع الحمل لقوله « إن يضعن حملهن » و روى أصحابنا أنها إذا وضعت واحدا انقطعت عصمتها من الزوج و لا يجوز لها أن تعقد على نفسها لغيره حتى تضع الآخر فأما إذا كانت قد توفي عنها زوجها فوضعت قبل الأشهر الأربعة و العشر وجب عليها أن تستوفي أربعة أشهر و عشرا « و من يتق الله » في جميع ما أمره بطاعته فيه « يجعل له من أمره يسرا » أي يسهل عليه أمور الدنيا و الآخرة إما بفرج عاجل أو عوض آجل و قيل يسهل عليه فراق أهله و يزيل الهموم عن قلبه « ذلك » يعني ما ذكره سبحانه من الأحكام في الطلاق و الرجعة و العدة « أمر الله أنزله إليكم و من يتق الله » بطاعته « يكفر عنه سيئاته » من الصلاة إلى الصلاة و من الجمعة إلى الجمعة قال الربيع إن الله قد قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه و من آمن به هداه و من أقرضه جازاه و من وثق به أنجاه و من دعاه أجابه و لباه و تصديق ذلك
مجمع البيان ج : 10 ص : 462
في كتاب الله عز و جل « و من يتوكل على الله فهو حسبه » و من يؤمن بالله يهد قلبه « إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم » « و من يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم » « و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب » الآية « و يعظم له أجرا » في الآخرة و هو ثواب الجنة .
أَسكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْث سكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَ لا تُضارُّوهُنَّ لِتُضيِّقُوا عَلَيهِنَّ وَ إِن كُنَّ أُولَتِ حَمْل فَأَنفِقُوا عَلَيهِنَّ حَتى يَضعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضعْنَ لَكمْ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكم بمَعْرُوف وَ إِن تَعَاسرْتمْ فَسترْضِعُ لَهُ أُخْرَى(6) لِيُنفِقْ ذُو سعَة مِّن سعَتِهِ وَ مَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءَاتَاهُ اللَّهُ لا يُكلِّف اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا ءَاتَاهَا سيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسر يُسراً(7) وَ كَأَيِّن مِّن قَرْيَة عَتَت عَنْ أَمْرِ رَبهَا وَ رُسلِهِ فَحَاسبْنَهَا حِساباً شدِيداً وَ عَذَّبْنَهَا عَذَاباً نُّكْراً(8) فَذَاقَت وَبَالَ أَمْرِهَا وَ كانَ عَقِبَةُ أَمْرِهَا خُسراً(9) أَعَدَّ اللَّهُ لهَُمْ عَذَاباً شدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَأُولى الأَلْبَبِ الَّذِينَ ءَامَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكمْ ذِكْراً(10)

القراءة

قرأ روح عن يعقوب مختلفا عنه من وجدكم بكسر الواو و القراءة بضم الواو و قرأ ابن كثير و كائن بالمد و الهمز و الباقون « و كأين » بالهمز و التشديد .

الحجة

يقال وجدت في المال جدة و وجدا و وجدا و وجدا بتعاقب الحركات الثلاث على الواو و وجدت الضالة وجدانا و وجدت من الحزن وجدا و من الغضب موجدة و وجدانا و كأين أصله أي دخلت عليها الكاف الجارة كما دخلت على ذا في كذا فموضع كأين رفع
مجمع البيان ج : 10 ص : 463
بالابتداء كما أن كذا كذلك و لا موضع للكاف كما أن الكاف في كذا كذلك قال أبو علي مثقل هذا في أنه دخل على المبتدأ حرف الجر فصار مع المجرور في موضع رفع قولهم بحسبك أن تفعل كذا يريدون حسبك فعل كذا فالجار مع المجرور في موضع رفع و أنشد أبو زيد :
بحسبك في القوم أن يعلموا
بأنك فيهم غني مضر و أكثر العرب تستعملها مع من و كذلك ما جاء في التنزيل و مما جاء منه في الشعر قوله :
و كائن بالأباطح من صديق
يراني إن أصبت هو المصابا و قول الآخر :
و كائن إليكم قاد من رأس فتنة
جنودا و أمثال الجبال كتائبه .

المعنى

ثم بين سبحانه حال المطلقة في النفقة و السكنى فقال « أسكنوهن » أي في بيوتكم « من حيث سكنتم » من المساكن « من وجدكم » أي من ملككم و ما تقدرون عليه عن السدي و أبي مسلم و قيل هو من الوجدان أي مما تجدونه من المساكن عن الحسن و الجبائي و قيل من سعتكم و طاقتكم من الوجد الذي هو المقدرة قال الفراء يعول على ما يجد فإن كان موسعا وسع عليها في المسكن و النفقة و إن كان فقيرا فعلى قدر ذلك و يجب السكنى و النفقة للمطلقة الرجعية بلا خلاف فأما المبتوتة ففيها خلاف فذهب أهل العراق إلى أن لها السكنى و النفقة معا و روي ذلك عن عمر بن الخطاب و ابن مسعود و ذهب الشافعي إلى أن لها السكنى بلا نفقة و ذهب الحسن و أبو ثور إلى أنه لا سكنى لها و لا نفقة و هو المروي عن أئمة الهدى (عليهم السلام) و ذهب إليه أصحابنا و يدل عليه ما رواه الشعبي قال دخلت على فاطمة بنت قيس بالمدينة فسألتها عن قضاء رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقالت طلقني زوجي البتة فخاصمته إلى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في السكنى و النفقة فلم يجعل لي سكنى و لا نفقة و أمرني أن أعتد في بيت ابن أم مكتوم و روى الزهري عن عبد الله أن فاطمة بنت قيس كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي و أنه خرج مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى اليمن حين أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
مجمع البيان ج : 10 ص : 464

على اليمن فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها فأمر عياش ابن أبي ربيعة و الحرث بن هشام أن ينفقا عليها فقالا و الله ما لك من نفقة فأتت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فذكرت له قولهما فلم يجعل لها نفقة إلا أن تكون حاملا فاستأذنته في الانتقال فأذن لها فقالت إني أنتقل يا رسول الله قال عند ابن أم مكتوم و كان أعمى تضع ثيابها عنده و لا يراها فلم تزل هناك حتى مضت عدتها فأنكحها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أسامة بن زيد قال فأرسل إليها مروان بن الحكم قبيصة بن ذؤيب فسألها عن هذا الحديث ثم قال مروان لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة و سنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها فقالت فاطمة حين بلغها قول مروان بيني و بينكم القرآن قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن إلى قوله لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا قالت هذا لمن كانت له مراجعة و أي أمر يحدث بعد الثلاث ثم قال سبحانه « و لا تضاروهن لتضيقوا عليهن » أي لا تدخلوا الضرر عليهن بالتقصير في السكنى و النفقة و الكسوة طالبين بالإضرار التضييق عليهن ليخرجن و قيل المعنى أعطوهن من المسكن ما يكفيهن لجلوسهن و مبيتهن و طهارتهن و لا تضايقوهن حتى يتعذر عليهن السكنى عن أبي مسلم « و إن كن أولات حمل » أي كن حوامل « فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن » ، لأن عدتهن إنما تنقضي بوضع حملهن أمر الله سبحانه بالإنفاق على المطلقة الحامل سواء كانت رجعية أو مبتوتة « فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن » أي فإن أرضعن الولد لأجلكم بعد البينونة فأعطوهن أجر الرضاع يعني أجرة المثل « و أتمروا بينكم بمعروف » هذا خطاب للرجل و المرأة و الائتمار قبول الأمر و ملاقاته بالتقبل أمر الله تعالى المرضعة و المرضع له بالتلقي لأمره عز و جل و لأمر صاحبه إذا كان حسنا و قيل معناه و ليأمر بعضكم بعضا بالجميل في إرضاع الوالد أي بتراضي الوالد و الوالدة بعد وقوع الفرقة في الأجرة على الأب و إرضاع الولد بحيث لا يضر بمال الوالد و لا بنفس الولد و لا يزاد على الأجر المتعارف و لا ينقص الولد عن الرضاع المعتاد قال الكسائي أصله التشاور و منه يأتمرون بك أي يتشاورون و الأقوى عندي أن يكون المعنى دبروا بالمعروف بينكم في أمر الولد و مراعاة أمه حتى لا يفوت الولد شفقتها و غير ذلك و يدل عليه قول امرىء القيس :
أ حار بن عمرو كأني خمر
و يعدو على المرء ما يأتمر يعني ما يدبره في نفسه لأن الرجل بما دبر أمرا ليس برشد فيعدو عليه و يهلكه « و إن تعاسرتم فسترضع له أخرى » و المعنى فإن اختلفتم في الرضاع و في الأجر فسترضع له امرأة
مجمع البيان ج : 10 ص : 465
أخرى أجنبية أي فليسترضع الوالد غير والدة الصبي ثم قال سبحانه « لينفق ذو سعة من سعته » أمر سبحانه أهل التوسعة أن يوسعوا على نسائهم المرضعات أولادهن على قدر سعتهم « و من قدر عليه » أي ضيق عليه « رزقه فلينفق مما آتاه الله » و المعنى و من كان رزقه بمقدار القوت فلينفق على قدر ذلك و على حسب إمكانه و طاقته « لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها » أي إلا بقدر ما أعطاها من الطاقة و في هذا دلالة على أنه سبحانه لا يكلف أحدا ما لا يقدر عليه و ما لا يطيقه « سيجعل الله بعد عسر يسرا » أي بعد ضيق سعة و بعد فقر غنى و بعد صعوبة الأمر سهولة و في هذا تسلية للصحابة فإن الغالب على أكثرهم في ذلك الوقت الفقر ثم فتح الله تعالى عليهم البلاد فيما بعد « و كأين من قرية عتت عن أمر ربها و رسله » أي و كم من أهل قرية عتوا على الله و على أنبيائه يعني جاوزوا الحد في العصيان و المخالفة « فحاسبناها حسابا شديدا » بالمناقشة و الاستقصاء باستيفاء الحق و إيفائه قال مقاتل حاسبها الله تعالى بعملها في الدنيا فجازاها بالعذاب و هو قوله « و عذبناها عذابا نكرا » فجعل المجازاة بالعذاب محاسبة و هو عذاب الاستئصال و قيل هو عذاب النار فإن اللفظ ماض بمعنى المستقبل و النكر المنكر الفظيع الذي لم ير مثله و قيل إن في الآية تقديما و تأخيرا تقديره فعذبناها في الدنيا بالجوع و القحط و السيف و سائر المصائب و البلايا و حاسبناها في الآخرة حسابا شديدا و قيل الحساب الشديد هو الذي ليس فيه عفو « فذاقت وبال أمرها » أي ثقل عاقبة كفرها « و كان عاقبة أمرها خسرا » أي خسرانا في الدنيا و الآخرة و هو قوله « أعد الله لهم عذابا شديدا » يعني عذاب النار و هذا يدل على أن المراد بالعذاب الأول عذاب الدنيا ثم قال « فاتقوا الله يا أولي الألباب » أي يا أصحاب العقول و لا تفعلوا مثل ما فعل أولئك فينزل بكم مثل ما نزل بهم ثم وصف أولي الألباب بقوله « الذين آمنوا » و خص المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون بذلك دون الكفار ثم ابتدأ سبحانه فقال « قد أنزل الله إليكم ذكرا » يعني القرآن و قيل يعني الرسول عن الحسن و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) .

النظم

الوجه في اتصال قوله « و كأين من قرية عتت عن أمر ربها » الآية بما قبله أنه سبحانه بين أن الخوف في مقابلة الرجاء و سبيل العاقل أن يحترز من المخوف و يقدم الاحتراز عن الخوف على الرجاء و الذي يقوي جانب الخوف أنه أهلك الأمم الماضية بسبب عصيانها و تمردها عن أمر ربها .

مجمع البيان ج : 10 ص : 466

رَّسولاً يَتْلُوا عَلَيْكمْ ءَايَتِ اللَّهِ مُبَيِّنَت لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ مِنَ الظلُمَتِ إِلى النُّورِ وَ مَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَ يَعْمَلْ صلِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّت تجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً(11) اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ سبْعَ سمَوَت وَ مِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزَّلُ الأَمْرُ بَيْنهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كلِّ شىْء قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاط بِكلِّ شىْء عِلْمَا(12)

القراءة

قرأ أهل المدينة و الشام ندخله بالنون و الباقون بالياء لتقدم الاسم على لفظ الغيبة و النون معناها معنى الياء .

الإعراب


رسولا ينتصب على ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن يكون بدلا من ذكرا بدل الكل من الكل فعلى هذا يجوز أن يكون الرسول جبرائيل (عليه السلام) و يجوز أن يكون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) ( و الثاني ) أن يكون مفعول فعل محذوف تقديره أرسل رسولا و يدل على إضماره قوله قد أنزل الله إليكم ذكرا فعلى هذا يكون الرسول معناه محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) ( و الثالث ) أن يكون مفعول قوله ذكرا و يكون تقديره أنزل الله إليكم إن ذكر رسولا و يكون الرسول يحتمل الوجهين .

المعنى

« رسولا » إذا كان المراد به الوجه الأول و هو أن يكون بدلا من ذكرا و المراد به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو جبرائيل (عليه السلام) فيجوز أن يكون المراد بالذكر الشرف أي ذا ذكر رسولا « يتلو عليكم آيات الله مبينات » أي واضحات « ليخرج الذين آمنوا و عملوا الصالحات من الظلمات » أي من ظلمات الكفر « إلى النور » أي نور الإيمان و قيل من ظلمات الجهل إلى نور العلم و إنما شبه الإيمان بالنور لأنه يؤدي إلى نور القبر و القيامة و الجنة و شبه الكفر بالظلمة لأنه يؤدي إلى ظلمة القبر و ظلمة جهنم « و من يؤمن بالله و يعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا » أي يعطيه أحسن ما يعطي أحدا و ذلك مبالغة في وصف نعيم الجنة « الله الذي خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن » أي و خلق من الأرض مثلهن في العدد لا في الكيفية لأن كيفية السماء مخالفة لكيفية الأرض و ليس في القرآن آية تدل على أن الأرضين سبع مثل السماوات إلا هذه الآية و لا خلاف في السماوات أنها سماء فوق سماء و أما الأرضون فقال قوم إنها سبع أرضين طباقا بعضها فوق بعض كالسماوات لأنها لو كانت مصمتة لكانت أرضا واحدة و في كل أرض خلق خلقهم الله
مجمع البيان ج : 10 ص : 467

كما شاء و روى أبو صالح عن ابن عباس أنها سبع أرضين ليس بعضها فوق بعض يفرق بينهن البحار و يظل جميعهن السماء و الله سبحانه أعلم بصحة ما استأثر بعلمه و اشتبه على خلقه و قد روى العياشي بإسناده عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال بسط كفه ثم وضع اليمني عليها فقال هذه الأرض الدنيا و السماء الدنيا عليها قبة و الأرض و الثانية فوق السماء الدنيا و السماء الثانية فوقها قبة و الأرض الثالثة فوق السماء الثانية و السماء الثالثة فوقها قبة حتى ذكر الرابعة و الخامسة و السادسة فقال و الأرض السابعة فوق السماء السادسة و السماء السابعة فوقها قبة و عرش الرحمن فوق السماء السابعة و هو قوله « سبع سماوات و من الأرض مثلهن » « يتنزل الأمر بينهن » و إنما صاحب الأمر النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و هو على وجه الأرض و إنما يتنزل الأمر من فوق بين السماوات و الأرضين فعلى هذا يكون المعنى تتنزل الملائكة بأوامره إلى الأنبياء و قيل معناه يتنزل الأمر بين السماوات و الأرضين من الله سبحانه بحياة بعض و موت بعض و سلامة حي و هلاك آخر و غنى إنسان و فقر آخر و تصريف الأمور على الحكمة « لتعلموا أن الله على كل شيء قدير » بالتدبير في خلق السماوات و الأرض و الاستدلال بذلك على أن صانعهما قادر لذاته عالم لذاته و ذلك قوله « و إن الله قد أحاط بكل شيء علما » و معناه أن معلوماته متميزة له بمنزلة ما قد أحاط به فلم يفته شيء منها و كذلك قوله « و لا يحيطون به علما » معناه أنه ليس بمنزلة ما يحضره العلم بمكانه فيكون كأنه قد أحاط به .

مجمع البيان ج : 10 ص : 468
( 66 ) سورة التحريم مدنية و آياتها اثنتا عشرة ( 12 )
مدنية اثنتا عشرة آية بالإجماع .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك أعطاه الله توبة نصوحا .

تفسيرها

لما تقدم في تلك السورة أحكام النساء في الطلاق و غيره افتتح سبحانه هذه السورة بأحكامهن أيضا فقال .

مجمع البيان ج : 10 ص : 469

سورة التحريم
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَأَيهَا النَّبىُّ لِمَ تحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك تَبْتَغِى مَرْضات أَزْوَجِك وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(1) قَدْ فَرَض اللَّهُ لَكمْ تحِلَّةَ أَيْمَنِكُمْ وَ اللَّهُ مَوْلَاشْ وَ هُوَ الْعَلِيمُ الحَْكِيمُ(2) وَ إِذْ أَسرَّ النَّبىُّ إِلى بَعْضِ أَزْوَجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَت بِهِ وَ أَظهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّف بَعْضهُ وَ أَعْرَض عَن بَعْض فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَت مَنْ أَنبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنىَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ(3) إِن تَتُوبَا إِلى اللَّهِ فَقَدْ صغَت قُلُوبُكُمَا وَ إِن تَظهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَ جِبرِيلُ وَ صلِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلَئكةُ بَعْدَ ذَلِك ظهِيرٌ(4) عَسى رَبُّهُ إِن طلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَجاً خَيراً مِّنكُنَّ مُسلِمَت مُّؤْمِنَت قَنِتَت تَئبَت عَبِدَت سئحَت ثَيِّبَت وَ أَبْكاراً(5)

القراءة

قرأ الكسائي وحده عرف بالتخفيف و الباقون « عرف » بالتشديد و اختار التخفيف أبو بكر بن عياش و هو من الحروف العشر التي قال إني أدخلتها في قراءة عاصم من قراءة علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى استخلصت قراءته يعني قراءة علي (عليه السلام) و هي قراءة الحسن و أبي عبد الرحمن السلمي و كان أبو عبد الرحمن إذا قرأ إنسان بالتشديد حصبه و قرأ أهل الكوفة « تظاهرا عليه » خفيفة الظاء و الباقون تظاهرا بالتشديد .

الحجة

قال أبو علي التخفيف في عرف أنه جازى عليه لا يكون إلا كذلك و لا يجوز أن يكون بمعنى العلم لأن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إذا أظهره الله على ما كان أسره إليه علم ذلك و لم يجز أن يعلم من ذلك بعضه مع إظهار الله إياه عليه و لكن يعلم جميعه و هذا كما تقول لمن يسيء أو يحسن أنا أعرف لأهل الإساءة أي لا يخفى علي ذلك و لا مقابلته مما يكون وفقا له فالمعنى جازى على بعض ذلك و أعرض عن بعض و مثله و ما تفعلوا من خير يعلمه الله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره أي يرى جزاءه و قوله يرى من رؤية العين و كان مما جازى عليه : تطليقه حفصة تطليقة واحدة و أما « عرف » بالتشديد فمعناه عرف بعضه و أعرض عن بعض فلم يعرفه إياه على وجه التكرم و الإغضاء و أما تظاهرا فالأصل فيه و أن تتظاهرا بتائين فخفف في القراءة الأولى بالحذف و في القراءة الآخرة بالإدغام .


اللغة

الحرام القبيح الممنوع منه بالنهي و نقيضه الحلال و هو الحسن المطلق بالإذن فيه و التحريم تبيين أن الشيء حرام لا يجوز و التحريم إيجاب المنع و الابتغاء الطلب و منه البغي طلب الاستعلاء بغير الحق و التحلة و التحليل بمعنى و هما مصدران لقولهم حللت له كذا و تحلة اليمين فعل ما يسقط التبعة فيه و اليمين واحد الأيمان و هو الحلف و كأنه مأخوذ من القوة لأنه يقوي كلامه بالحلف و قيل إنه مأخوذ من الجارحة لأن عادتهم كانت عند الحلف ضرب الأيدي على الأيدي و الإسرار إلقاء المعنى إلى نفس المحدث على وجه الإخفاء عن غيره و التظاهر التعاون و الظهير المعين و أصله من الظهر و السائح الجاري و العرب تصف
مجمع البيان ج : 10 ص : 470
بذلك الماء الجاري الدائم الجرية ثم تصف به الرجل الذي يضرب في الأرض و يقطع البلاد فتقول سائح و الثيب الراجعة من عند الزوج بعد الافتضاض من ثاب يثوب إذا رجع و البكر هي التي على أول حالها قبل الافتضاض .

الإعراب

قيل في جمع القلوب في قوله « صغت قلوبكما » وجوه ( أحدها ) أن التثنية جمع في المعنى فوضع الجمع موضع التثنية كما قال « و كنا لحكمهم شاهدين » و إنما هو داود و سليمان ( و الثاني ) أن أكثر ما في الإنسان اثنان اثنان نحو اليدين و الرجلين و العينين و إذا جمع اثنان إلى اثنين صار جمعا فيقال أيديهما و أعينهما ثم حمل ما كان في الإنسان واحدا على ذلك لئلا يختلف حكم لفظ أعضاء الإنسان ( و الثالث ) أن المضاف إليه مثنى فكرهوا أن يجمعوا بين تثنيتين فصرفوا الأول منهما إلى لفظ الجمع لأن لفظ الجمع أخف لأنه أشبه بالواحد فإنه يعرب بإعراب الواحد و يستأنف كما يستأنف الواحد و ليست التثنية كذلك لأنها لا تكون إلا على حد واحد و لا يختلف و من العرب من يثني فيقول قلباهما قال الراجز فجمع بين اللغتين
ظهراهما مثل ظهور الترسين و قال الفرزدق :
بما في فؤادينا من البث و الهوى
فيبرىء منهاض الفؤاد المشغف و من العرب من يفرد و يروى أن بعضهم قرأ فبدت لهما سوأتهما و الوجه في الإفراد أن الإضافة إلى التثنية تغني عن تثنية المضاف و في جبريل أربع لغات جبريل على وزن قنديل و جبرئيل على وزن عندليب و جبرئل على وزن جحمرش و جبريل بفتح الجيم و كسر الراء من غير همز و هو خارج عن أوزان العرب لأنه ليس في العربية مثل قنديل و قد قرىء بذلك كله و قد ذكرنا اختلاف القراءة فيه في سورة البقرة و من العرب من يقول جبرال بتشديد اللام و منهم من يبدل من اللام نونا و قوله « هو مولاه » يجوز في هو وجهان ( أحدهما ) أن يكون فصلا دخل ليفصل بين النعت و الخبر و الكوفيون يسمونه عمادا ( و الثاني ) أن يكون مبتدأ و مولاه الخبر و الجملة خبر إن و من جعل مولاه بمعنى السيد و الخالق كان الوقف على قوله « مولاه » و جبريل مبتدأ « و صالح المؤمنين » عطف عليه و الملائكة عطف أيضا و ظهير خبره و جاز ذلك لأن
مجمع البيان ج : 10 ص : 471
فعيلا يقع على الواحد و الجمع كفعول قال سبحانه خلصوا نجيا فظهير كنجي و قال فإنهم عدو لي و من جعل مولاه بمعنى ولي و ناصر جاز أن يكون الوقف على قوله « و جبريل » و على « صالح المؤمنين » و يبتدىء و الملائكة بعد ذلك فيكون ظهير عائدا إلى الملائكة .

النزول

اختلف أقوال المفسرين في سبب نزول الآيات فقيل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا صلى الغداة يدخل على أزواجه امرأة امرأة و كان قد أهديت لحفصة بنت عمر بن الخطاب عكة من عسل فكانت إذا دخل عليها رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) حبسته و سقته منها و إن عائشة أنكرت احتباسه عندها فقالت لجويرية حبشية عندها إذا دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على حفصة فادخلي عليها فانظري ما ذا تصنع فأخبرتها الخبر و شأن العسل فغارت عائشة و أرسلت إلى صواحبها فأخبرتهن و قالت إذا دخل عليكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يكره و يشق عليه أن يوجد منه ريح غير طيبة لأنه يأتيه الملك قال فدخل رسول الله على سودة قالت فما أردت أن أقول ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم إني فرقت من عائشة فقلت يا رسول الله ما هذه الريح التي أجدها منك أكلت المغافير فقال لا و لكن حفصة سقتني عسلا ثم دخل على امرأة امرأة و هن يقلن له ذلك فدخل على عائشة فأخذت بأنفها فقال لها ما شأنك قالت أجد ريح المعافير أكلتها يا رسول الله قال لا بل سقتني حفصة عسلا فقالت جرست إذا نحلها العرفط فقال و الله لا أطعمه أبدا فحرمه على نفسه و قيل إن التي كانت تسقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) العسل أم سلمة عن عطاء بن أبي مسلم و قيل بل كانت زينب بنت جحش قال عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يمكث عند زينب بنت جحش و يشرب عندها عسلا فتواطات أنا و حفصة أيتنا دخل عليها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فلتقل إني أجد منك ريح المغافير أكلت مغافير فدخل على إحداهما فقالت له ذلك فقال لا بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش و لن أعود إليه فنزلت الآيات و قيل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) .
قسم الأيام بين نسائه فلما كان يوم حفصة قالت يا رسول الله إن لي إلى أبي حاجة فأذن لي أن أزوره فأذن لها فلما خرجت أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى جاريته مارية القبطية و كان قد أهداها له المقوقس فأدخلها بيت حفصة فوقع عليها فأتت حفصة فوجدت الباب مغلقا فجلست عند الباب فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و وجهه يقطر عرقا فقالت حفصة إنما أذنت لي من أجل هذا أدخلت أمتك بيتي ثم وقعت عليها في يومي و على فراشي أما ما رأيت لي حرمة و حقا فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) أ ليس هي جاريتي قد أحل الله ذلك لي اسكتي فهو حرام علي ألتمس بذلك رضاك
مجمع البيان ج : 10 ص : 472
فلا تخبري بهذا امرأة منهن و هو عندك أمانة فلما خرج رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قرعت حفصة الجدار الذي بينها و بين عائشة فقالت أ لا أبشرك أن رسول الله قد حرم عليه أمته مارية و قد أراحنا الله منها و أخبرت عائشة بما رأت و كانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواجه فنزلت « يا أيها النبي لم تحرم » فطلق حفصة و اعتزل سائر نسائه تسعة و عشرين يوما و قعد في مشربة أم إبراهيم مارية حتى نزلت آية التخيير عن قتادة و الشعبي و مسروق و قيل إن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) خلا في يوم لعائشة مع جاريته أم إبراهيم مارية القبطية فوقفت حفصة على ذلك فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا تعلمي عائشة ذلك و حرم مارية على نفسه فأعلمت حفصة عائشة الخبر و استكتمتها إياه فأطلع الله نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) على ذلك و هو قوله « و إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا » يعني حفصة عن الزجاج قال و لما حرم مارية القبطية أخبر حفصة أنه يملك من بعده أبو بكر ثم عمر فعرفها بعض ما أفشت من الخبر و أعرض عن بعض أن أبا بكر و عمر يملكان بعدي و قريب من ذلك ما رواه العياشي بالإسناد عن عبد الله بن عطاء المكي عن أبي جعفر (عليه السلام) إلا أنه زاد في ذلك أن كل واحدة منهما حدثت أباها بذلك فعاتبهما رسول الله في أمر مارية و ما أفشتا عليه من ذلك و أعرض عن أن يعاتبهما في الأمر الآخر .

المعنى


« يا أيها النبي » ناداه سبحانه بهذا النداء تشريفا له و تعليما لعباده كيف يخاطبونه في أثناء محاوراتهم و يذكرونه في خلال كلامهم « لم تحرم ما أحل الله لك » من الملاذ « تبتغي مرضات أزواجك » أي تطلب به رضاء نسائك و هن أحق بطلب مرضاتك منك و ليس في هذا دلالة على وقوع ذنب منه صغيرا أو كبيرا لأن تحريم الرجل بعض نسائه أو بعض الملاذ لسبب أو لغير سبب ليس بقبيح و لا داخلا في جملة الذنوب و لا يمتنع أن يكون خرج هذا القول مخرج التوجع له (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إذا بالغ في إرضاء أزواجه و تحمل في ذلك المشقة و لو أن إنسانا أرضى بعض نسائه بتطليق بعضهن لجاز أن يقال له لم فعلت ذلك و تحملت فيه المشقة و إن كان لم يفعل قبيحا و لو قلنا إنه عوتب على ذلك لأن ترك التحريم كان أفضل من فعله لم يمتنع لأنه يحسن أن يقال لتارك النفل لم لم تفعله و لم عدلت عنه و لأن تطييب قلوب النساء مما لا تنكره العقول و قد حكي أن عبد الله بن رواحة و كان من النقباء كانت له جارية فاتهمته زوجته ليلة فقال قولا بالتعريض فقالت إن كنت لم تقربها فاقرأ القرآن قال فأنشدت
شهدت فلم أكذب بأن محمدا
رسول الذي فوق السماوات من عل
و أن أبا يحيى و يحيى كلاهما
له عمل في دينه متقبل
 

Back Index Next