جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج10 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 10 ص : 498

و القلة و الهماز الوقاع في الناس بما ليس له أن يعيبهم به و الأصل فيه الدفع بشدة اعتماد و منه الهمزة حرف من الحروف المعجمة فهي نبرة تخرج من الصدر بشدة اعتماد و النميم التضريب بين الناس بنقل الكلام الذي يغيظ بعضهم على بعض و النميم و النميمة بمعنى و منه النمام المشموم لأنه بحدة ريحه كالمخبر عن نفسه و العتل الجافي الغليظ و أصله الدفع عتله يعتله إذا زعزعه بغلظة و جفاء و الزنيم الدعي الملصق بالقوم و ليس منهم و أصله الزنمة و هي الهنية المتدلية تحت حلق الجدي و يقال للتيس له زنمتان قال الشاعر :
زنيم ليس يعرف من أبوه
بغي الأم ذو حسب لئيم و قال حسان :
و أنت زنيم نيط في آل هاشم
كما نيط خلف الراكب القدح الفرد و يقال وسمه يسمه وسما و سمة و الخرطوم ما نتا من الأنف و هو الذي يقع به الشم و منه قيل خرطوم الفيل و خرطمه إذا قطع أنفه .

الإعراب

« بأيكم المفتون » فيه وجوه ( أحدها ) أن المفتون مصدر بمعنى الفتنة كما يقال ليس له معقول و ما له محصول قال الراعي :
حتى إذا لم يتركوا لعظامه
لحما و لا لفؤاده معقولا ( و ثانيها ) أن يكون المفتون اسم المفعول و الباء مزيدة و التقدير أيكم المفتون و يكون مبتدأ و خبرا و تكون الجملة معلقة بقوله « يبصرون » ( و ثالثها ) أن الباء بمعنى في و المعنى في أيكم المفتون أي في أي الفريقين في فرقة الإسلام أو في فرقة الكفر المجنون و هذا قول الفراء و قال الراجز في زيادة الباء :
نحن بني جعدة أصحاب الفلج
نضرب بالسيف و نرجو بالفرج أي و نرجو الفرج .

مجمع البيان ج : 10 ص : 499

المعنى


« ن » اختلفوا في معناه فقيل هو اسم من أسماء السورة مثل حم و ص و ما أشبه ذلك و قد ذكرنا ذلك مع غيره من الأقوال في مفتتح سورة البقرة و قيل هو الحوت الذي عليه الأرضون عن ابن عباس و مجاهد و مقاتل و السدي و قيل هو حرف من حروف الرحمن في رواية أخرى عن ابن عباس و قيل هو الدواة عن الحسن و قتادة و الضحاك و قيل نون لوح من نور و روي مرفوعا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل هو نهر في الجنة قال الله له كن مدادا فجمد و كان أبيض من اللبن و أحلى من الشهد ثم قال للقلم اكتب فكتب القلم ما كان و ما هو كائن إلى يوم القيامة عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) و قيل المراد به الحوت في البحر و هو من آيات الله إذ خلقها في الماء فإذا فارق الماء مات كما أن حيوان البر إذا خالط الماء مات « و القلم » الذي يكتب به أقسم الله به لمنافع الخلق فيه إذ هو أحد لساني الإنسان يؤدي عنه ما في جنانه و يبلغ البعيد عنه ما يبلغ القريب بلسانه و به تحفظ أحكام الدين و به تستقيم أمور العالمين و قد قيل إن البيان بيانان بيان اللسان و بيان البنان و بيان اللسان تدرسه الأعوام و بيان الأقلام باق على مر الأيام و قيل إن قوام أمور الدين و الدنيا بشيئين القلم و السيف و السيف تحت القلم و قد نظمه بعض الشعراء و أحسن فيما قال :
إن يخدم القلم السيف الذي خضعت
له الرقاب و دانت حذره الأمم
فالموت و الموت شيء لا يغالبه
ما زال يتبع ما يجري به القلم
كذا قضى الله للأقلام مذ بريت
إن السيوف لها مذ أرهفت خدم « و ما يسطرون » أي و ما يكتبه الملائكة مما يوحى إليهم و ما يكتبونه من أعمال بني آدم فكان القسم بالقلم و ما يسطر بالقلم و قيل إن ما مصدرية و تقديره و القلم و سطرهم فيكون القسم بالكتابة و على القول الأول يكون القسم بالمكتوب « ما أنت بنعمة ربك بمجنون » هو جواب القسم و معناه لست يا محمد بمجنون بنعمة ربك كما تقول ما أنت بنعمة ربك بجاهل و جاز تقديم معمولها به الباء لأنها زائدة مؤكدة و تقديره انتفى عنك الجنون بنعمة ربك و قيل هو كما يقال ما أنت بمجنون بحمد الله و قيل معناه بما أنعم عليك ربك من كمال العقل و النبوة و الحكمة لست بمجنون أي لا يكون مجنونا من أنعمنا عليه بهذه النعم و قيل معناه ما أنت بمجنون و النعمة لربك كما يقال سبحانك اللهم و بحمدك أي و الحمد لك و هذا تقرير لنفي الجنون عنه و قالوا إن هذا جواب لقول المشركين يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك
مجمع البيان ج : 10 ص : 500
لمجنون « و إن لك » يا محمد « لأجرا » أي ثوابا من الله على قيامك بالنبوة و تحملك أعباء الرسالة « غير ممنون » أي غير مقطوع و هو ثواب الجنة يعني لا تبال بكلامهم مع ما لك عند الله من الثواب الدائم و الأجر العظيم و قيل غير ممنون أي لا يمن به عليك عن أبي مسلم و المعنى غير مكدر بالمن الذي يقطع عن لزوم الشكر فقد قيل المنة تكدر الصنيعة و قال ابن عباس ليس من نبي إلا و له مثل أجر من آمن به و دخل في دينه ثم وصف سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « و إنك » يا محمد « لعلى خلق عظيم » أي على دين عظيم و هو دين الإسلام عن ابن عباس و مجاهد و الحسن و قيل معناه إنك متخلق بأخلاق الإسلام و على طبع كريم و حقيقة الخلق ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب و إنما سمي خلقا لأنه يصير كالخلقة فيه فأما ما طبع عليه من الآداب فإنه الخيم فالخلق هو الطبع المكتسب و الخيم هو الطبع الغريزي و قيل الخلق العظيم الصبر على الحق و سعة البذل و تدبير الأمور على مقتضى العقل بالصلاح و الرفق و المداراة و تحمل المكاره في الدعاء إلى الله سبحانه و التجاوز و العفو و بذل الجهد في نصرة المؤمنين و ترك الحسد و الحرص و نحو ذلك عن الجبائي و قالت عائشة كان خلق النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما تضمنه العشر الأول من سورة المؤمنين و من مدحه الله سبحانه بأنه على خلق عظيم فليس وراء مدحه مدح و قيل سمي خلقه عظيما لأنه عاشر الخلق بخلقه و زايلهم بقلبه فكان ظاهره مع الخلق و باطنه مع الحق و قيل لأنه امتثل تأديب الله سبحانه إياه بقوله خذ العفو و أمر بالعرف و أعرض عن الجاهلين و قيل سمي خلقه عظيما لاجتماع مكارم الأخلاق فيه و يعضده ما روي عنه قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق و قال أدبني ربي فأحسن تأديبي و قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل و صائم النهار و عن أبي الدرداء قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن و عن الرضا علي بن موسى (عليهماالسلام) عن آبائه عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة و إياكم و سوء الخلق فإن سوء الخلق في النار لا محالة و عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقا الموطؤن أكنافا الذين يألفون و يؤلفون و أبغضكم إلى الله المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الإخوان الملتمسون للبراء العثرات « فستبصر و يبصرون » أي فسترى يا محمد و يرون يعني الذين رموه بالجنون « بأيكم المفتون » أي أيكم المجنون الذي فتن بالجنون أ أنت أم هم و قيل بأيكم الفتنة و هو الجنون يريد أنهم يعلمون عند العذاب أن الجنون كان بهم حين كذبوك و تركوا دينك لا بك و قيل معناه فستعلم و يعلمون في أي الفريقين المجنون الذي فتنة
مجمع البيان ج : 10 ص : 501
الشيطان ثم أخبر سبحانه أنه عالم بالفريقين فقال « إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله » الذي هو سبيل الحق و عدل عنه و جار عن السلوك فيه « و هو أعلم بالمهتدين » إليه العالمين بموجبه فيجازي كلا بما يستحقه و يستوجبه أخبرنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني القائني رحمه الله قال حدثنا الحاكم أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني قال حدثنا أبو عبد الله الشيرازي قال حدثنا أبو بكر الجرجاني قال حدثنا أبو أحمد البصري قال حدثني عمرو بن محمد بن تركي قال حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن شعيب عن عمرو ابن شمر عن دلهم بن صالح عن الضحاك بن مزاحم قال : لما رأت قريش تقديم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليا (عليه السلام) و إعظامه له نالوا من علي و قالوا قد افتتن به محمد فأنزل الله تعالى « ن و القلم و ما يسطرون » قسم أقسم الله به « ما أنت » يا محمد « بنعمة ربك بمجنون » « و إنك لعلى خلق عظيم » يعني القرآن إلى قوله « بمن ضل عن سبيله » و هم النفر الذين قالوا ما قالوا و هو أعلم بالمهتدين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) ثم قال سبحانه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « فلا تطع المكذبين » بتوحيد الله عز و جل الجاحدين لنبوتك و لا تجبهم إلى ما يلتمسون منك و لا توافقهم فيما يريدون « ودوا لو تدهن فيدهنون » أي ود هؤلاء الكفار أن تلين لهم في دينك فيلينون في دينهم شبه التليين في الدين بتليين الدهن عن ابن عباس و قيل معناه ودوا لو تكفر فيكفرون عن الضحاك و عطاء و ابن عباس في رواية أخرى و قيل معناه ودوا لو تركن إلى عبادة الأصنام فيمالؤونك و الإدهان الجريان في ظاهر الحال على المقاربة مع إضمار العداوة و هو مثل النفاق و قيل ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك عن الحسن ثم قال « و لا تطع » يا محمد « كل حلاف » أي كثير الحلف بالباطل لقلة مبالاته بالكذب « مهين » فعيل من المهانة و هي القلة في الرأي و التمييز و قيل ذليل عند الله تعالى و عند الناس و قيل كذاب لأن من عرف بالكذب كان ذليلا حقيرا عن ابن عباس و قيل يعني الوليد بن المغيرة قال عرض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) المال ليرجع عن دينه و قيل يعني الأخنس ابن شريق عن عطاء و قيل يعني الأسود بن عبد يغوث عن مجاهد « هماز » أي وقاع في الناس مغتاب عن ابن عباس « مشاء بنميم » أي قتات يسعى بالنميمة و يفسد بين الناس و يضرب بعضهم على بعض « مناع للخير » أي بخيل بالمال و قيل مناع عشيرته عن الإسلام بأن يقول من دخل دين محمد لا أنفعه بشيء أبدا عن ابن عباس « معتد » أي مجاوز عن الحق غشوم ظلوم عن قتادة « أثيم » أي آثم فاجر فاعل ما يأثم به و قيل معتد في فعله أثيم في معتقده و قيل معتد في ظلم غيره أثيم في ظلم نفسه « عتل بعد ذلك » أي هو عتل مع كونه مناعا للخير معتديا أثيما و هو الفاحش السيىء الخلق روي ذلك في خبر مرفوع و قيل هو القوي في كفره عن عكرمة و قيل الجافي الشديد الخصومة بالباطل
مجمع البيان ج : 10 ص : 502

عن الكلبي و قيل الأكول المنوع عن الخليل و قيل هو الذي يعتل الناس فيجرهم إلى حبس أو عذاب و منه قول الشاعر :
فيا ضيعة الفتيان إذ يعتلونه
ببطن الشري مثلب الفنيق المسدم « زنيم » أي دعي ملصق إلى قوم ليس منهم في النسب قال الشاعر :
زنيم تداعاه الرجال تداعيا
كما زيد في عرض الأديم الأكارع و قيل هو الذي له علامة في الشر و هو معروف بذلك فإذا ذكر بالشر سبق القلب إليه كما أن العنز يعرف بين الأغنام بالزنمة في عنقه عن الشعبي و قيل هو الهجين المعروف بالشر عن سعيد بن جبير و قيل هو الذي لا أصل له عن علي (عليه السلام) و قيل هو المعروف بلؤمه كما تعرف الشاة بزنمتها عن عكرمة و روي أنه سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن العتل الزنيم فقال هو الشديد الخلق الشحيح الأكول الشروب الواجد للطعام و الشراب الظلوم للناس الرحيب الجوف و عن شداد ابن أوس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يدخل الجنة جواظ و لا جعظري و لا عتل زنيم قلت فما الجواظ قال كل جماع مناع قلت فما الجعظري قال الفظ الغليظ قلت فما العتل الزنيم قال كل رحيب الجوف سيء الخلق أكول شروب غشوم ظلوم زنيم قال ابن قتيبة لا نعلم أن الله وصف أحدا و بلغ من ذكر عيوبه ما بلغ من ذكر عيوب الوليد بن المغيرة لأنه وصف بالحلف و المهانة و العيب للناس و المشي بالنمائم و البخل و الظلم و الإثم و الجفاء و الدعوة فالحق به عارا لا يفارقه في الدنيا و الآخرة « أن كان ذا مال و بنين » أي لا تطعه لأن كان ذا مال و بنين يعني لماله و بنيه عن الزجاج و الفراء و من قرأ بالاستفهام فلا بد أن يكون صلة ما بعده لأن الاستفهام لا يتقدم عليه ما كان في حيزه فيكون المعنى أ لأن كان ذا مال و بنين يجحد آياتنا أي جعل مجازاة النعم التي خولها من البنين و المال الكفر ب آياتنا و هو قوله « إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين » أي أحاديث الأوائل التي سطرت و كتبت لا أصل لها ثم أوعده سبحانه فقال « سنسمه على الخرطوم » أي سنسمه يوم القيامة بسمة تشوه خلقته فيعرف من
مجمع البيان ج : 10 ص : 503
رآه أنه من أهل النار و إنما خص الأنف لأن الإنسان يعرف بوجهه و الأنف وسط الوجه و هذا على عادة العرب فإنهم يقولون شمخ فلان بأنفه و أرغم الله أنفه و حمي فلان أنفه و قيل معناه سيجعل له في الآخرة العلم الذي يعرف به أهل النار من اسوداد وجوههم و جائز أن يفرد بسمة لمبالغته في عداوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيخص من التشويه بما يتبين به من غيره كما كانت عداوته للرسول عداوة يتبين بها من غيره عن الزجاج و قال الفراء الخرطوم قد خص بالسمة لأنه في مذهب الوجه فإن بعض الوجه يؤدي عن الكل و قيل إن المعنى سنخطمه بالسيف في القتال حتى يبقى أثره ففعل ذلك يوم بدر عن ابن عباس و قيل سنعلمه بشين يبقى على الأبد عن قتادة و قال القتيبي العرب تقول قد وسمه ميسم سوء يريدون ألصق به عارا لا يفارقه لأن السمة لا تنمحق و لا يعفو أثرها و قد ألحق الله بمن ذكر عارا لا يفارقه بما وسمه به من العيوب التي هي كالوسم في الوجه و قيل إن الخرطوم الخمر فالمعنى سنسمه على شرب الخمر قال الشاعر :
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه
و من يشرب الخرطوم يصبح مسكرا .

مجمع البيان ج : 10 ص : 504
إِنَّا بَلَوْنَهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصحَب الجَْنَّةِ إِذْ أَقْسمُوا لَيَصرِمُنهَا مُصبِحِينَ(17) وَ لا يَستَثْنُونَ(18) فَطاف عَلَيهَا طائفٌ مِّن رَّبِّك وَ هُمْ نَائمُونَ(19) فَأَصبَحَت كالصرِيمِ(20) فَتَنَادَوْا مُصبِحِينَ(21) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكمْ إِن كُنتُمْ صرِمِينَ(22) فَانطلَقُوا وَ هُمْ يَتَخَفَتُونَ(23) أَن لا يَدْخُلَنهَا الْيَوْمَ عَلَيْكم مِّسكِينٌ(24) وَ غَدَوْا عَلى حَرْد قَدِرِينَ(25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضالُّونَ(26) بَلْ نحْنُ محْرُومُونَ(27) قَالَ أَوْسطهُمْ أَ لَمْ أَقُل لَّكمْ لَوْ لا تُسبِّحُونَ(28) قَالُوا سبْحَنَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظلِمِينَ(29) فَأَقْبَلَ بَعْضهُمْ عَلى بَعْض يَتَلَوَمُونَ(30) قَالُوا يَوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طغِينَ(31) عَسى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيراً مِّنهَا إِنَّا إِلى رَبِّنَا رَغِبُونَ(32) كَذَلِك الْعَذَاب وَ لَعَذَاب الاَخِرَةِ أَكْبرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ(33)

القراءة

قرأ أهل المدينة و أبو عمرو أن يبدلنا بالتشديد و الباقون بالتخفيف و قد مر ذكره في سورة الكهف .

اللغة

الصرم و الجداد في النخل بمنزلة الحصاد و القطاف في الزرع و الكرم يقال صرمت النخلة و جددتها و أصرم النخل و أجدت حان ذلك منها و الصريم الليل الأسود و أنشد أبو عمرو :
ألا بكرت و عاذلتي تلوم
تجهلني و ما انكشف الصريم و قال الآخر :
تطاول ليلك الجون البهيم
فما ينجاب عن صبح صريم
إذا ما قلت أقشع أو تناهى
جرت من كل ناحية غيوم و يسمى النهار أيضا صريما فهو من الأضداد لأن الليل ينصرم عند مجيء النهار و النهار ينصرم عند مجيء الليل و الصريم أيضا المصروم أي صرم جميع ثمارها و قيل الصريم منقطع الرمل الذي لا نبات فيه قال امرؤ القيس :
و ظل لصيران الصريم غماغم
تدعسها بالسمهري المغلب و الطائف الطارق بالليل و إذا قيل طاف به صلح في الليل و النهار و أنشد الفراء :
مجمع البيان ج : 10 ص : 505

أطفت بها نهارا غير ليل
و ألهى ربها طلب الرخال و الرخال الإناث من أولاد الضأن واحدتها رخل و الحرد المنع من قولهم حاردت السنة إذا منعت قطرها و حاردت الناقة إذا منعت لبنها قال الكميت :
و حاردت المكد الجلاد و لم يكن
بعقبة قدر المستعيرين معقب و يروى النكد و هي النوق الغزيرات الألبان و قيل إن أصل الحرد القصد قال :
أقبل سيل جاء من عند الله
يحرد حرد الجنة المغلة أي يقصد و حرد يحرد حردا و قيل الحرد الغضب و الحنق قال الأشهب بن رميلة :
أسود شرى لاقت أسود خفية
تساقوا على حرد دماء الأساود .

المعنى

ثم قال سبحانه « إنا بلوناهم » يعني أهل مكة أي اختبرناهم بالجوع و القحط « كما بلونا أصحاب الجنة » أي البستان الذي فيه الشجر قال سعيد بن جبير و هذه الجنة حديقة كانت باليمن في قرية يقال لها صروان بينها و بين صنعاء اثنا عشر ميلا كانت لشيخ و كان يمسك منها قدر كفايته و كفاية أهله و يتصدق بالباقي فلما مات قال بنوه نحن أحق بها لكثرة عيالنا و لا يسعنا أن نفعل كما فعل أبونا و عزموا على حرمان المساكين فصارت عاقبتهم إلى ما قص الله تعالى في كتابه و هو قوله « إذ أقسموا » أي حلفوا فيما بينهم « ليصرمنها مصبحين » أي ليقطعن ثمرتها إذا دخلوا في وقت الصباح « و لا يستثنون » أي غير مستثنين في أيمانهم فلم يقولوا إن شاء الله فإن قول القائل لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله استثناء و معناه إلا أن يشاء الله منعي أو تمكين مانعي « فطاف عليها طائف من ربك » أي أحاطت بها النار فاحترقت عن ابن عباس و قيل معناه طرقها طارق من أمر الله عن قتادة « و هم نائمون » أي في حال نومهم قال مقاتل بعث الله نارا بالليل على جنتهم فأحرقتها حتى صارت مسودة فذلك قوله « فأصبحت كالصريم » أي كالليل المظلم و الصريمان الليل و النهار
مجمع البيان ج : 10 ص : 506

لانصرام إحداهما من الآخر عن ابن عباس و أبي عمرو بن العلاء و قيل الصريم المصروم ثماره أي المقطوع و المعنى أنها صارت كأن جميع ثمارها قطعت عن الجبائي و قيل الصريم الذي صرم عنه الخير فليس فيه شيء منه عن الحسن و قيل كالصريم أي كالرملة انصرمت عن معظم الرمل عن مؤرج و قيل كالرماد الأسود بلغة خزيمة « فتنادوا مصبحين » أي نادى بعضهم بعضا وقت الصباح و أصل التنادي من الندى بالقصر لأن النداء الدعاء بندى الصوت الذي يمتد على طريقة يا فلان لأن الصوت إنما يمتد للإنسان بندى حلقه « أن اغدوا على حرثكم » أي تنادوا بأن غدوا معناه قال بعضهم لبعض اغدوا على حرثكم و الحرث الزروع و الأعناب « إن كنتم صارمين » أي قاطعين النخل « فانطلقوا » أي فمضوا إليها « و هم يتخافتون » أي يتسارون بينهم و أصله من خفت فلان يخفت إذا أخفى نفسه « أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين » هذا ما كانوا يتخافتون به « و غدوا على حرد » أي على قصد منع الفقراء « قادرين » عند أنفسهم و في اعتقادهم على منعهم و إحراز ما في جنتهم و قيل على حرد أي على جد و جهد من أمرهم عن مجاهد و قتادة و أبي العالية و قيل على جد في المنع عن أبي عبيدة و قيل على حنق و غضب من الفقراء عن سفيان و قيل قادرين مقدرين موافاتهم في الجنة في الوقت الذي قدروا إصرامها فيه و هو وقت الصبح و التقدير قصدوا الجنة للوقت الذي قدروا إصرامها فيه عن أبي مسلم « فلما رأوها » أي رأوا الجنة على تلك الصفة « قالوا إنا الضالون » ضللنا عن الطريق فليس هذا بستاننا عن قتادة و قيل معناه إنا لضالون عن الحق في أمرنا فلذلك عوقبنا بذهاب ثمر جنتنا ثم استدركوا فقالوا « بل نحن محرومون » و المعنى أن هذه جنتنا و لكن حرمنا نفعها و خيرها لمنعنا حقوق المساكين و تركنا الاستثناء « قال أوسطهم » أي أعدلهم قولا عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قيل معناه أفضلهم و أعقلهم و قيل أوسطهم في السن « أ لم أقل لكم لو لا تسبحون » كأنه كان حذرهم سوء فعالهم قال لو لا تستثنون عن مجاهد لأن في الاستثناء التوكل على الله و التعظيم لله و الإقرار بأنه لا يقدر أحد على فعل شيء إلا بمشيئة الله فلذلك سماه تسبيحا و قيل معناه هلا تعظمون الله بعبادته و اتباع أمره و قيل معناه هلا تذكرون نعم الله عليكم فتؤدوا شكرها بأن تخرجوا حق الفقراء من أموالكم و قيل معناه هلا نزهتم الله تعالى عن الظلم و اعترفتم بأنه لا يظلم و لا يرضى منكم بالظلم و قيل معناه لم لا تصلون ثم حكى عنهم أنهم « قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين » في عزمنا على حرمان المساكين من حصتهم عند الصرام فحرمنا قطعها و بالانتفاع بها و المعنى أنه سبحانه منزه عن الظلم فلم يفعل بنا ما فعله ظلما و إنما الظلم وقع منا حيث منعنا الحق « فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون » أي يلوم بعضهم بعضا على ما فرط منهم « قالوا يا ويلنا إنا
مجمع البيان ج : 10 ص : 507
كنا طاغين » قد غلونا في الظلم و تجاوزنا الحد فيه و الويل غلظ المكروه الشاق على النفس و الويس دونه و الويح بينهما قال عمرو بن عبيد يجوز أن يكون ذلك منهم توبة و يجوز أن يكون على حد ما يقول الكافر إذا وقع في الشدة « عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها » أي لما تابوا و رجعوا إلى الله قالوا لعل الله يخلف علينا و يولينا خيرا من الجنة التي هلكت « إنا إلى ربنا راغبون » أي نرغب إلى الله و نسأله ذلك و نتوب إليه مما فعلناه و قرىء يبدلنا بالتشديد و التخفيف و معناهما واحد « كذلك العذاب » في الدنيا للعاصين « و لعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون » و الأكبر هو الذي يصغر مقدار غيره بالإضافة إليه و روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال بلغني أن القوم أخلصوا و عرف الله تعالى منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا و قال أبو خالد اليمامي رأيت تلك الجنة و رأيت كل عنقود منها كالرجل الأسود القائم .
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبهِمْ جَنَّتِ النَّعِيمِ(34) أَ فَنَجْعَلُ المُْسلِمِينَ كالمُْجْرِمِينَ(35) مَا لَكمْ كَيْف تحْكُمُونَ(36) أَمْ لَكمْ كِتَبٌ فِيهِ تَدْرُسونَ(37) إِنَّ لَكمْ فِيهِ لمََا تخَيرُونَ(38) أَمْ لَكمْ أَيْمَنٌ عَلَيْنَا بَلِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيَمَةِ إِنَّ لَكمْ لمََا تحْكُمُونَ(39) سلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِك زَعِيمٌ(40) أَمْ لهَُمْ شرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشرَكائهِمْ إِن كانُوا صدِقِينَ(41) يَوْمَ يُكْشف عَن ساق وَ يُدْعَوْنَ إِلى السجُودِ فَلا يَستَطِيعُونَ(42) خَشِعَةً أَبْصرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَ قَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلى السجُودِ وَ هُمْ سلِمُونَ(43) فَذَرْنى وَ مَن يُكَذِّب بهَذَا الحَْدِيثِ سنَستَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْث لا يَعْلَمُونَ(44) وَ أُمْلى لهَُمْ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ(45)

مجمع البيان ج : 10 ص : 508

اللغة

الزعيم و الكفيل و الضمين و القبيل نظائر و الساق للإنسان و ساق الشجرة ما تقوم عليه و كل نبت له ساق و يبقى صيفا و شتاء فهو شجرة قال طرفة :
للفتى عقل يعيش به
حيث تهدي ساقه قدمه و تقول العرب قامت الحرب على ساق و كشفت عن ساق يريدون شدتها و قال جد أبي طرفة :
كشفت لكم عن ساقها
و بدا من الشر الصراح و قال آخر :
قد شمرت عن ساقها فشدوا
و جدت الحرب بكم فجدوا
و القوس فيها وتر عرد .

الإعراب


كيف في محل نصب على الحال تقديره أ جائرين تحكمون أم عادلين و يجوز أن يكون في محل المصدر و تقديره أي حكم تحكمون و تحكمون في موضع النصب على الحال من معنى الفعل في قوله « لكم » لأن معنى قوله « ما لكم » أي شيء ثبت لكم و أم في جميع ذلك منقطعة « إن لكم فيه لما تخيرون » كسرت أن المكان اللام في لما و لولاها لوجب فتحها لأنه مفعول تدرسون و هو كقوله و الله يعلم أنك لرسوله و قوله « إن لكم لما تحكمون » مثله و إن شئت قلت إنما كسرت إن لأن ما قبله يمين و هي تكسر في جواب القسم و قوله « يوم يكشف عن ساق » العامل في الظرف قوله « فليأتوا » و « خاشعة أبصارهم » حال و « من يكذب » يجوز أن يكون مفعولا معه و يجوز أن يكون عطفا على ضمير المتكلم من ذرني .

المعنى

لما ذكر سبحانه ما أعده بالآخرة للكافرين عقبه بذكر ما أعده للمتقين فقال « إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم » يتنعمون فيها و يختارونها على جنات الدنيا التي يحتاج صاحبها إلى المشقة و العناء ثم استفهم سبحانه على وجه الإنكار فقال « أ فنجعل المسلمين كالمجرمين » أي لا نجعل المسلمين كالمشركين في الجزاء و الثواب و ذلك أنهم كانوا يقولون إن كان بعث و جزاء كما يقوله محمد فإن حالنا يكون أفضل في الآخرة كما في
مجمع البيان ج : 10 ص : 509
الدنيا فأخبر سبحانه أن ذلك لا يكون أبدا « ما لكم كيف تحكمون » هذا تهجين لهم و توبيخ و معناه أي عقل يحملكم على تفضيل الكفار حتى صار سببا لإصراركم على الكفر و لا يحسن في الحكمة التسوية بين الأولياء و الأعداء في دار الجزاء « أم لكم كتاب فيه تدرسون » معناه بل أ لكم كتاب تدرسون فيه ذلك فأنتم متمسكون به لا تلتفتون إلى خلافه فإذا قد عدمتم الثقة بما أنتم عليه و في الكتاب الذي هو القرآن عليكم أكبر الحجة لأنه الدلالة القائمة إلى وقت قيام الساعة و المعجزة الشاهدة بصدق من ظهرت على يده « إن لكم فيه لما تخيرون » فيه وجهان ( أحدهما ) أن تقديره أم لكم كتاب فيه تدرسون بأن لكم فيه ما تخيرون إلا أنه حذف الباء و كسرت إن لدخول اللام في الخبر ( و الثاني ) إن معناه أن لكم لما تخيرونه عند أنفسكم و الأمر بخلاف ذلك و لا يجوز أن يكون ذلك على سبيل الخير المطلق « أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة » أي بل لكم عهود و مواثيق علينا عاهدناكم بها فلا ينقطع ذلك إلى يوم القيامة « أن لكم لما تحكمون » لأنفسكم به من الخير و الكرامة عند الله تعالى و قيل بالغة معناها مؤكدة و كل شيء متناه في الجودة و الصحة فهو بالغ ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « سلهم » يا محمد « أيهم بذلك زعيم » يعني أيهم كفيل بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين « أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين » معناه أم لهم شركاء في العبادة مع الله و هي الأصنام فليأتوا بهؤلاء الشركاء أن كانوا صادقين في أنها شركاء الله و قيل معناه أم لهم شهداء يشهدون لهم بالصدق فتقوم به الحجة فليأتوا بهم يوم القيامة يشهدون لهم على صحة دعواهم إن كانوا صادقين في دعواهم « يوم يكشف عن ساق » أي فليأتوا بهم في ذلك اليوم الذي تظهر فيه الأهوال و الشدائد و قيل معناه يوم يبدو عن الأمر الشديد الفظيع عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قتادة و سعيد بن جبير قال عكرمة سأل ابن عباس عن قوله « يوم يكشف عن ساق » فقال إذا خفي عليكم شيء في القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب أ ما سمعتم قول الشاعر
و قامت الحرب بنا على ساق ) هو يوم كرب و شدة و قال القتيبي أصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه يشمر عن ساقه فاستعير الكشف عن الساق في موضع الشدة و أنشد لدريد بن الصمة :
كميش الإزار خارج نصف ساقه
بعيد من الآفات طلاع أنجد فتأويل الآية يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلى أن يكشف عن ساق « و يدعون
مجمع البيان ج : 10 ص : 510
إلى السجود » أي يقال لهم على وجه التوبيخ اسجدوا « فلا يستطيعون » و قيل معناه أن شدة الأمر و صعوبة ذلك اليوم تدعوهم إلى السجود و إن كانوا لا ينتفعون به ليس إنهم يؤمرون به و هكذا كما يفزع الإنسان إلى السجود إذا أصابه هول من أهوال الدنيا « خاشعة أبصارهم » أي ذليلة أبصارهم لا يرفعون نظرهم عن الأرض ذلة و مهانة « ترهقهم ذلة » أي تغشاهم ذلة الندامة و الحسرة « و قد كانوا يدعون إلى السجود و هم سالمون » أي أصحاء يمكنهم السجود فلا يسجدون يعني أنهم كانوا يؤمرون بالصلاة في الدنيا فلم يفعلوا قال سعيد بن جبير كانوا يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون و قال كعب الأحبار و الله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات و قد ورد عن الربيع بن خثيم أنه عرض له الفالج فكان يهادي بين رجلين إلى المسجد فقيل له يا أبا يزيد لو جلست فإن لك رخصة قال من سمع حي على الفلاح فليجب و لو حبوا و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) أنهما قالا في هذه الآية أفحم القوم و دخلتهم الهيبة و شخصت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من الندامة و الخزي و المذلة و قد كانوا يدعون إلى السجود و هم سالمون أي يستطيعون الأخذ بما أمروا به و الترك لما نهوا عنه و لذلك ابتلوا و قال مجاهد و قتادة يؤذن المؤذن يوم القيامة فيسجد المؤمن و تصلب ظهور المنافقين فيصير سجود المسلمين حسرة على المنافقين و ندامة و في الخبر أنه تصير ظهور المنافقين كالسفافيد ثم قال سبحانه « فذرني و من يكذب بهذا الحديث » هذا تهديد معناه فذرني و المكذبين أي كل أمرهم إلي كما يقول القائل دعني و إياه يقول خل بيني و بين من يكذب بهذا القرآن و لا تشغل قلبك به فإني أكفيك أمره « سنستدرجهم من حيث لا يعلمون » أي سنأخذهم إلى العقاب حالا بعد حال و قد مر تفسيره في سورة الأعراف و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال إذا أحدث العبد ذنبا جدد له نعمة فيدع الاستغفار فهو الاستدراج « و أملي لهم إن كيدي متين » أي و أطيل آجالهم و لا أبادر إلى عذابهم مبادرة من يخشى الفوت فإنما يعجل من يخاف الفوت أن عذابي لشديد .

مجمع البيان ج : 10 ص : 511
أَمْ تَسئَلُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَم مُّثْقَلُونَ(46) أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْب فَهُمْ يَكْتُبُونَ(47) فَاصبرْ لحُِكْمِ رَبِّك وَ لا تَكُن كَصاحِبِ الحُْوتِ إِذْ نَادَى وَ هُوَ مَكْظومٌ(48) لَّوْ لا أَن تَدَرَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَ هُوَ مَذْمُومٌ(49) فَاجْتَبَهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصلِحِينَ(50) وَ إِن يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيزْلِقُونَك بِأَبْصرِهِمْ لَمَّا سمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لمََجْنُونٌ(51) وَ مَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَلَمِينَ(52)

القراءة

قرأ أهل المدينة ليزلقونك بفتح الياء و الباقون « ليزلقونك » بضم الياء .

الحجة

من قرأ بفتح الياء جعله من زلقه و زلقته أنا مثل حزن و حزنته و شترت عينه و شترتها قال أبو علي و الخليل يذهب في ذلك إلى أن المعنى جعلت فيه شترا و جعلت فيه حزنا كما أنك إذا قلت كحلته و دهنته أردت جعلت ذلك فيه و من قرأ أزلقه الفعل بالهمزة و معنى « يزلقونك بأبصارهم » ينظرون إليك نظر البغضاء كما ينظر الأعداء و مثله قول الشاعر :
يتقارضون إذا التقوا في مجلس
نظرا يزيل مواقع الأقدام .

اللغة

المغرم ما يلزم من الدين الذي يلح في اقتضائه و أصله من اللزوم بالإلحاح و منه قوله إن عذابها كان غراما أي لازما ملحا قال الشاعر :
و يوم الجفار و يوم النسار
كانا عذابا و كانا غراما و المثقل المحمل الثقل و هو مثقل بالدين و مثقل بالعيال و مثقل بما عليه من الحقوق اللازمة و أمور الواجبة و المكظوم المحبوس عن التصرف في الأمور و منه كظمت رأس القربة إذا شددته و كظم غيظه إذا حبسه بقطعه عما يدعو إليه و كظم خصمه إذا أجابه بالمسكت و العراء الأرض العارية من النبات قال قيس بن جعدة :
و رفعت رجلا لا أخاف عثارها
و نبذت بالبلد العراء ثيابي .

المعنى

ثم خاطب سبحانه النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال على وجه التوبيخ للكفار « أم تسئلهم أجرا » هذا عطف على قوله أم لكم كتاب فيه تدرسون ذكر سبحانه جميع ما يحتج به فقال أم
مجمع البيان ج : 10 ص : 512
تسأل يا محمد هؤلاء الكفار أجزاء على أداء الرسالة و الدعاء إلى الله « فهم من مغرم » أي هم من لزوم ذلك « مثقلون » أي محملون الأثقال « أم عندهم الغيب فهم يكتبون » أي هل عندهم علم بصحة ما يدعونه اختصموا به لا يعلمه غيرهم فهم يكتبونه و يتوارثونه و ينبغي أن يبرزوه ثم قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) « فاصبر لحكم ربك » في إبلاغ الرسالة و ترك مقابلتهم بالقبيح و قيل اللام تجري مجرى إلى و المعنى اصبر إلى أن يحكم الله بنصر أوليائك و قهر أعدائك و قيل معناه فاصبر لحكم الله في التخلية بين الظالم و المظلوم حتى يبلغ الكتاب أجله « و لا تكن كصاحب الحوت » يعني يونس أي لا تكن مثله في استعجال عقاب قومه و إهلاكهم و لا تخرج من بين قومك من قبل أن يأذن لك الله كما خرج هو « إذ نادى و هو مكظوم » أي دعا ربه في جوف الحوت و هو محبوس عن التصرف في الأمور و الذي نادى به قوله لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين و قيل مكظوم أي مخنق بالغم إذ لم يجد لغيظه شفاء « لو لا أن تداركه نعمة من ربه » أي لو لا أن أدركته رحمة من ربه بإجابة دعائه و تخليصه من بطن الحوت و تبقيته فيه حيا و إخراجه منه حيا « لنبذ » أي طرح « بالعراء » أي الفضاء « و هو مذموم » ملوم مليم قد أتى بما يلام عليه و لكن الله تعالى تداركه بنعمة من عنده فطرح بالعراء و هو غير مذموم « فاجتباه ربه » أي اختاره الله نبيا « فجعله من الصالحين » أي من جملة المطيعين لله التاركين لمعاصيه « و إن يكاد الذين كفروا » إن هذه هي المخففة من الثقيلة و التقدير و أنه يكاد أي قارب الذين كفروا « ليزلقونك بأبصارهم » أي ليزهقونك أي يقتلونك و يهلكونك عن ابن عباس و كان يقرأها كذلك و قيل ليصرعونك عن الكلبي و قيل يصيبونك بأعينهم عن السدي و الكل يرجع في المعنى إلى الإصابة بالعين و المفسرون كلهم على أنه المراد في الآية و أنكر الجبائي ذلك و قال إن إصابة العين لا تصح و قال علي بن عيسى الرماني و هذا الذي ذكره غير صحيح لأنه غير ممتنع أن يكون الله تعالى أجرى العادة لصحة ذلك لضرب من المصلحة و عليه إجماع المفسرين و جوزه العقلاء فلا مانع منه و جاء في الخبر أن أسماء بنت عميس قالت يا رسول الله إن بني جعفر تصيبهم العين أ فأسترقي لهم قال نعم فلو كان شيء يسبق القدر لسبقه العين و قيل إن الرجل منهم كان إذا أراد أن يصيب صاحبه بالعين تجوع ثلاثة أيام ثم كان يصفه فيصرعه بذلك و ذلك بأن يقول للذي يريد أن يصيبه بالعين لا أرى كاليوم إبلا أو شاء أو ما أراد أي كإبل أراها اليوم فقالوا
مجمع البيان ج : 10 ص : 513
للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كما كانوا يقولون لما يريدون أن يصيبوه بالعين عن الفراء و الزجاج و قيل معناه أنهم ينظرون إليك عند تلاوة القرآن و الدعاء إلى التوحيد نظر عداوة و بغض و إنكار لما يسمعونه و تعجب منه فيكادون يصرعونك بحدة نظرهم و يزيلونك عن موضعك و هذا مستعمل في الكلام يقولون نظر إلي فلان نظرا يكاد يصرعني و نظرا يكاد يأكلني فيه و تأويله كله أنه نظر إلي نظرا لو أمسكنه معه أكلي أو يصرعني لفعل عن الزجاج و قوله « لما سمعوا الذكر » يعني القرآن « و يقولون » مع ذلك « إنه لمجنون » أي مغلوب على عقله مع علمهم بوقاره و وفور عقله تكذيبا عليه و معاندة له « و ما هو » أي و ما القرآن « إلا ذكر » أي شرف « للعالمين » إلى أن تقوم الساعة و قيل معناه و ما محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلا شرف للخلق حيث هداهم إلى الرشد و أنقذهم من الضلالة لما نسبوه إلى الجنون و صفة بما ينفي ذلك عنه و قيل المراد بالذكر أنه يذكرهم أمر آخرتهم و الثواب و العقاب و الوعد و الوعيد قال الحسن دواء إصابة العين أن يقرأ الإنسان هذه الآية .

مجمع البيان ج : 10 ص : 514
( 69 ) سورة الحاقة مكية و آياتها ثنتان و خمسون ( 52 )

عدد آيها


إحدى و خمسون آية بصري و شامي و آيتان في الباقين .

اختلافها

آيتان « الحاقة » الأولى كوفي « كتابة بشماله » حجازي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة الحاقة حاسبه الله حسابا يسيرا و روى جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال أكثروا من قراءة الحاقة فإن قراءتها في الفرائض و النوافل من الإيمان بالله و رسوله و لم يسلب قارئها دينه حتى يلقى الله .

تفسيرها

لما ذكر في آخر سورة القلم حديث القيامة و وعيد الكفار افتتح هذه السورة بذكر القيامة أيضا و أحوال أهل النار فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 515
سورة الحاقة
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحَْاقَّةُ(1) مَا الحَْاقَّةُ(2) وَ مَا أَدْرَاك مَا الحَْاقَّةُ(3) كَذَّبَت ثَمُودُ وَ عَادُ بِالْقَارِعَةِ(4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكوا بِالطاغِيَةِ(5) وَ أَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكوا بِرِيح صرْصر عَاتِيَة(6) سخَّرَهَا عَلَيهِمْ سبْعَ لَيَال وَ ثَمَنِيَةَ أَيَّام حُسوماً فَترَى الْقَوْمَ فِيهَا صرْعَى كَأَنهُمْ أَعْجَازُ نخْل خَاوِيَة(7) فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَة(8) وَ جَاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَن قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكَت بِالخَْاطِئَةِ(9) فَعَصوْا رَسولَ رَبهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً(10)

القراءة

قرأ أهل البصرة و الكسائي و من قبله بكسر القاف و فتح الباء و الباقون « و من قبله » بفتح القاف و سكون الباء .

الحجة

قال سيبويه قبل لما ولي الشيء تقول ذهبت قبل السوق و لي قبلك حق أي فيما يليك و اتسع فيه حتى صار بمنزلة لي عليك حق و حجة من قرأ أنهم زعموا أن في قراءة أبي و جاء فرعون و من معه و هذا يقوي و من قبله لأن قبل لما ولي الشيء مما لم يتخلف عنه و هو يتبعه و يحف به و حجة من قال « و من قبله » أن معناه و من قبله من الأمم التي كفرت كما كفر هو .

اللغة

قال ابن الأنباري الحاقة الواجبة حق أي وجب يحق حقا و حقوقا فهو حاق و قال الفراء تقول العرب لما عرفت الحق مني هربت و الحقة و الحاقة بمعنى و قيل سميت القيامة الحاقة لأنها تحق الكفار من قولهم حاقته فحققته مثل خاصمته فخصمته و سميت القارعة لأنها تقرع قلوب العباد بالمخافة إلى أن يصير المؤمنون إلى الأمن و دريت الشيء دراية و درية علمته و أدريته أعلمته و الطاغية الطغيان مصدر مثل العافية و الصرصر الريح الشديدة الصوت و الحسوم المتوالية مأخوذ من حسم الداء بمتابعة الكي عليه فكأنه تتابع الشر عليهم حتى استأصلهم و قيل هو من القطع فكأنها حسمتهم حسوما أي أذهبتهم و أفنتهم و قطعت دابرهم و الخاوية الخالية التي لا شيء في أجوافها .

الإعراب

العامل في « الحاقة » أحد شيئين إما الابتداء و الخبر « ما الحاقة » كما تقول زيد ما زيد و إما أن يكون خبر مبتدإ محذوف أي هذه الحاقة ثم قيل أي شيء الحاقة تفخيما لشأنها و حسوما نصب على المصدر الموضوع موضع الصفة لثمانية أي تحسمهم حسوما و يجوز أن يكون جمع حاسم فيكون مثل راقد و رقود و ساجد و سجود و على هذا فيكون منصوبا على أنه صفة لثمانية أيضا و صرعى نصب على الحال و قوله « كأنهم أعجاز نخل خاوية » جملة في موضع الحال من صرعى أي صرعوا أمثال نخل خاوية و من مزيدة في قوله « من باقية » .

المعنى

« الحاقة » اسم من أسماء القيامة في قول جميع المفسرين و سميت بذلك لأنها ذات الحواق من الأمور و هي الصادقة الواجبة الصدق لأن جميع أحكام القيامة واجبة
مجمع البيان ج : 10 ص : 516
الوقوع صادقة الوجود « ما الحاقة » استفهام معناه التفخيم لحالها و التعظيم و لشأنها ثم زاد سبحانه في التهويل فقال « و ما أدراك ما الحاقة » أي كأنك لست تعلمها إذ لم تعاينها و لم تر ما فيها من الأهوال قال الثوري يقال للمعلوم ما أدراك و لما ليس بمعلوم ما يدريك في جميع القرآن و إنما قال لمن يعلمها ما أدراك لأنه إنما يعلمها بالصفة ثم أخبر سبحانه عن المكذبين بها فقال « كذبت ثمود و عاد بالقارعة » أي بيوم القيامة و إنما حسن أن توضع القارعة موضع الكناية لتذكر بهذه الصفة الهائلة بعد ذكرها بأنها الحاقة إلا فقد كان يكفي أن يقول كذبت ثمود و عاد بها ثم أخبر سبحانه عن كيفية إهلاكهم فقال « فأما ثمود » و هم قوم صالح « فأهلكوا بالطاغية » أي أهلكوا بطغيانهم و كفرهم عن ابن عباس و مجاهد و قيل معناه أهلكوا بالصيحة الطاغية و هي التي جاوزت المقدار حتى أهلكتهم عن قتادة و الجبائي و أبي مسلم و قال الزجاج أهلكوا بالرجفة الطاغية و قيل بالخصلة المتجاوزة لحال غيرها في الشدة التي أهلك الله بها أهل الفساد « و أما عاد فأهلكوا بريح صرصر » أي باردة عن ابن عباس و قتادة كأنه تصطك الأسنان بما يسمع من صوتها لشدة بردها و قيل الصرصر الشديدة العصوف المتجاوزة لحدها المعروف « عاتية » عتت على خزانها في شدة الهبوب روى الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال ما يخرج من الريح شيء إلا عليها خزان يعلمون قدرها و عددها و كيلها حتى كانت التي أرسلت على عاد فاندفق منها فهم لا يعلمون قدر غضب الله فلذلك سميت عاتية « سخرها عليهم » أي سلطها الله و أرسلها عليهم « سبع ليال و ثمانية أيام » قال وهب و هي التي تسميها العرب أيام العجوز ذات برد و رياح شديدة و إنما نسبت هذه الأيام إلى العجوز لأن عجوزا دخلت سربا فتبعتها الريح فقتلتها اليوم الثامن من نزول العذاب فانقطع العذاب في اليوم الثامن و قيل سميت أيام العجوز لأنها في عجز الشتاء و لها أسامي مشهورة قالوا لليوم الأول صن و للثاني صنبر و الثالث وبر و للرابع مطفىء الجمر و للخامس مكفي الظعن و قيل للسادس الآمر و للسابع المؤتمر و الثامن المعلل و قال في ذلك شاعرهم :
كسع الشتاء بسبعة غبر
أيام شهلتنا مع الشهر
فبأمر و أخيه مؤتمر
و معلل و بمطفيء الجمر

مجمع البيان ج : 10 ص : 517


فإذا انقضت أيام شهلتنا
بالصن و الصنبر و الوبر
ذهب الشتاء موليا هربا
و أتتك وافدة من النجر « حسوما » أي ولاء متتابعة ليست لها فترة عن ابن عباس و ابن مسعود و الحسن و مجاهد و قتادة كأنه تتابع عليهم الشر حتى استأصلهم و قيل دائمة عن الكلبي و مقاتل و قيل قاطعة قطعتهم قطعا حتى أهلكتهم عن الخليل و قيل مشائيم نكداء قليلة الخير حسمت الخير عن أهلها عن عطية « فترى القوم فيها » أي في تلك الأيام و الليالي « صرعى » أي مصروعين « كأنهم أعجاز نخل خاوية » أي أصول نخل بالية نخرة عن قتادة و قيل خاوية فارغة خالية الأجواف عن السدي و قيل ساقطة مثل قوله أعجاز نخل منقعر « فهل ترى لهم من باقية » أي من نفس باقية و قيل من بقاء و الباقية بمعنى المصدر مثل العافية و الطاغية و المعنى هل ترى لهم من بقية أي لم يبق منهم أحد « و جاء فرعون و من قبله » مر معناه « و المؤتفكات » أي و جاء أهل القرى المؤتفكات أي المنقلبات بأهلها عن قتادة و هي قرى قوم لوط يريد الأمم و الجماعات الذين ائتفكوا « بالخاطئة » أي بخطيئتهم التي هي الشرك و الكفر فالخاطئة مصدر كالخطأ و الخطيئة و قيل معناه بالأفعال الخاطئة أي بالنفس الخاطئة « فعصوا رسول ربهم » فيما أمرهم به و قيل إن المراد بالرسول الرسالة كما في قول الشاعر :
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم
بسر و لا أرسلتهم برسول أي برسالة عن أبي مسلم و الأول أظهر « فأخذهم » الله العقوبة « أخذة رابية » أي زائدة في الشدة عن ابن عباس و قيل نامية زائدة على عذاب الأمم و قيل عالية مذكورة خارجة عن العادة .

مجمع البيان ج : 10 ص : 518
إِنَّا لَمَّا طغَا الْمَاءُ حَمَلْنَكمْ فى الجَْارِيَةِ(11) لِنَجْعَلَهَا لَكمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيهَا أُذُنٌ وَعِيَةٌ(12) فَإِذَا نُفِخَ فى الصورِ نَفْخَةٌ وَحِدَةٌ(13) وَ حُمِلَتِ الأَرْض وَ الجِْبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَحِدَةً(14) فَيَوْمَئذ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ(15) وَ انشقَّتِ السمَاءُ فَهِىَ يَوْمَئذ وَاهِيَةٌ(16) وَ الْمَلَك عَلى أَرْجَائهَا وَ يحْمِلُ عَرْش رَبِّك فَوْقَهُمْ يَوْمَئذ ثمَنِيَةٌ(17) يَوْمَئذ تُعْرَضونَ لا تخْفَى مِنكمْ خَافِيَةٌ(18) فَأَمَّا مَنْ أُوتىَ كِتَبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَبِيَهْ(19) إِنى ظنَنت أَنى مُلَق حِسابِيَهْ(20) فَهُوَ فى عِيشة رَّاضِيَة(21) فى جَنَّة عَالِيَة(22) قُطوفُهَا دَانِيَةٌ(23) كلُوا وَ اشرَبُوا هَنِيئَا بِمَا أَسلَفْتُمْ فى الأَيَّامِ الخَْالِيَةِ(24)

القراءة

قرأ ابن كثير في رواية القواس و تعيها بسكون العين مختلسا و هو بين الكسر و السكون و الباقون بكسر العين و قرأ حمزة و الكسائي لا يخفى بالياء و الباقون بالتاء .

الحجة

الوجه في سكون العين من تعيها إنه جعل حرف المضارعة مع ما بعده بمنزلة فخذ فأسكن لأن حرف المضارعة لا تنفصل من الفعل فصار كقولك فهو و فهي و الياء و التاء في قوله لا يخفى حسن .

اللغة

الجارية السفينة التي من شأنها أن تجري على الماء و الجارية المرأة الشابة لأنه يجري فيها ماء الشباب يقال وعيت العلم أعيه وعيا و أوعيت المتاع جعلته في الوعاء قال :
إذا لم تكن حافظا واعيا
فجمعك للكتب لا ينفع و الدك البسط و منه الدكان و اندك سنام البعير إذا انفرش على ظهره و الأرجاء النواحي واحدها رجا مقصور و التثنية رجوان و هاؤم أمر للجماعة بمنزلة هاكم تقول للواحد هاء يا رجل و للاثنين هاؤما يا رجلان و للجماعة هاؤم يا رجال و للمرأة هاء يا امرأة بكسر الهمزة و ليس بعدها ياء و للمرأتين هاؤما و للنساء هاؤن هذه لغة أهل الحجاز و تميم و قيس يقولون هاء يا رجل مثل قول أهل الحجاز و للاثنين هاء و للجماعة هاؤا و للمرأة هائي و للنساء هان و بعض
مجمع البيان ج : 10 ص : 519
العرب يجعل مكان الهمزة كافأ فيقول هاك هاكما هاكم هاك هاكما هاكن و معناه خذ و تناول و يؤمر بها و لا ينهى و وقف الكسائي على هاؤم و ابتدأ « اقرأوا كتابيه » إعلاما منه أنه لا يذهب إلى إعمال الفعل الأول و إنما العمل للثاني و الراضية المرضية فاعلة بمعنى مفعول لأنها في معنى ذات رضى كما قيل لابن و تأمر أي ذو لبن و ذو تمر قال النابغة :
كليني لهم يا أميمة ناصب
و ليل أقاسيه بطيء الكواكب يعني ذو نصب فكان العيشة أعطيت حتى رضيت لأنها بمنزلة الطالبة كما أن الشهوة بمنزلة الطالبة للمشتهي و قيل هو مثل ليل نائم و سر كاتم و ماء دافق على وجه المبالغة في الصفة من غير التباس في المعنى و القطوف جمع قطف و هو ما يقطف من الثمر و القطف بالفتح المصدر .

الإعراب


كتابي مفعول اقرأوا لأنه يليه « قطوفها دانية » جملة مجرورة الموضع لأنها صفة جنة .

المعنى

ثم بين سبحانه قصة نوح (عليه السلام) فقال « إنا لما طغى الماء » أي جاوز الحد المعروف حتى غرقت الأرض بمن عليها إلا من شاء الله نجاته « حملناكم في الجارية » أي حملنا آباءكم في السفينة عن ابن عباس و ابن زيد « لنجعلها لكم تذكرة » أي لنجعل تلك الفعلة التي فعلناها من إغراق قوم نوح و نجاة من حملناه عبرة لكم و موعظة تتذكرون بها نعم الله تعالى و تشكرونه عليها و تتفكرون فيها فتعرفون كمال قدرته و حكمته « و تعيها أذن واعية » أي و تحفظها أذن حافظة لما جاء من عند الله عن ابن عباس و قيل سامعة قائلة لما سمعت عن قتادة و قال الفراء لتحفظها كل أذن فتكون عظة لمن يأتي بعد و روى الطبري بإسناده عن مكحول أنه لما نزلت هذه الآية قال النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) اللهم اجعلها أذن علي ثم قال علي (عليه السلام) فما سمعت شيئا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فنسيته و روى بإسناده عن عكرمة عن بريدة الأسلمي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لعلي (عليه السلام) يا علي إن الله تعالى أمرني أن أدنيك و لا أقصيك و أن أعلمك و تعي و حق على الله أن تعي فنزل « و تعيها أذن واعية » أخبرني فيما كتب بخطه إلي المفيد أبو الوفاء عبد الجبار عبد الله بن علي الرازي قال حدثني الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي و الرئيس أبو الجوائز الحسن بن علي بن محمد الكاتب و الشيخ أبو عبد الله حسن بن أحمد بن حبيب الفارسي قالوا حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد المفيد
مجمع البيان ج : 10 ص : 520
الجرجاني قال سمعت أبا عمرو عثمان بن خطاب المعمر المعروف بأبي الدنيا الأشج قال سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول لما نزلت « و تعيها أذن واعية » قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سألت الله عز و جل أن يجعلها أذنك يا علي « فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة » و هي النفخة الأولى عن عطا و النفخة الأخيرة عن مقاتل و الكلبي « و حملت الأرض و الجبال » أي رفعت من أماكنها « فدكتا دكة واحدة » أي كسرتا كسرة واحدة لا تثنى حتى يستوي ما عليها من شيء مثل الأديم الممدود و قيل ضرب بعضها ببعض حتى تفتت الجبال و سفتها الرياح و بقيت الأرض شيئا واحدا لا جبل فيها و لا رابية بل تكون قطعة مستوية و إنما قال دكتا لأنه جعل الأرض جملة واحدة و الجبال دكة واحدة « فيومئذ وقعت الواقعة » أي قامت القيامة « و انشقت السماء » أي انفرج بعضها من بعض « فهي يومئذ واهية » أي شديدة الضعف بانتقاض بنيتها و قيل هو أن السماء تنشق بعد صلابتها فتصير بمنزلة الصوف في الوهي و الضعف « و الملك على أرجائها » أي على أطرافها و نواحيها عن الحسن و قتادة و الملك اسم يقع على الواحد و الجمع و السماء مكان الملائكة فإذا وهت صارت في نواحيها و قيل إن الملائكة يومئذ على جوانب السماء تنتظر ما يؤمر به في أهل النار من السوق إليها و في أهل الجنة من التحية و التكرمة فيها « و يحمل عرش ربك فوقهم » يعني فوق الخلائق « يومئذ » يعني يوم القيامة « ثمانية » من الملائكة عن ابن زيد و روي ذلك عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم بأربعة آخرين فيكونون ثمانية و قيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله تعالى عن ابن عباس « يومئذ تعرضون » يعني يوم القيامة تعرضون معاشر المكلفين « لا تخفى منكم خافية » أي نفس خافية أو فعلة خافية و قيل الخافية مصدر أي خافية أحد و روي في الخبر عن ابن مسعود و قتادة أن الخلق يعرضون ثلاث عرضات ثنتان فيها معاذير و جدال و الثالثة تطير الصحف في الأيدي فأخذ بيمينه و آخذ بشماله و ليس يعرض الله الخلق ليعلم من حالهم ما لم يعلمه فإنه عز اسمه العالم لذاته يعلم جميع ما كان منهم و لكن ليظهر ذلك لخلقه ثم قسم سبحانه حال المكلفين في ذلك اليوم فقال « فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول » لأهل القيامة « هاؤم » أي تعالوا « اقرأوا كتابيه » و إنما يقوله سرورا به لعلمه بأنه ليس فيه إلا الطاعات فلا يستحيي أن ينظر فيه غيره و أهل اللغة يقولون إن معنى هاؤم خذوا « إني ظننت » أي علمت و أيقنت في الدنيا « إني ملاق حسابيه » و الهاء لنظم رءوس الآي و هي هاء الاستراحة و المعنى إني كنت مستيقنا في دار الدنيا بأني ألقى حسابي يوم القيامة عالما بأني أجازي على الطاعة بالثواب و على المعصية بالعقاب فكنت أعمل بما أصل به إلى هذه المثوبة « فهو في عيشة راضية » أي في حالة من العيش راضية يرضاها بأن لقي الثواب
 

Back Index Next