جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج10 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 10 ص : 521
و آمن العقاب « في جنة عالية » أي رفيعة القدر و المكان « قطوفها دانية » أي ثمارها قريبة ممن يتناولها قال البراء بن عازب يتناول الرجل من الثمرة و هو نائم و قد ورد في الخبر عن عطاء بن يسار عن سلمان قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يدخل الجنة أحدكم إلا بجواز بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله لفلان بن فلان أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية و قيل معناه لا يرد أيديهم عن ثمرها بعد و لا شوك عن قتادة « كلوا و اشربوا » أي يقال لهم كلوا و اشربوا في الجنة « هنيئا بما أسلفتم » أي قدمتم من أعمالكم الصالحة « في الأيام الخالية » الماضية يعني أيام الدنيا و يعني بقوله « هنيئا » إنه ليس فيه ما يؤذي فلا يحتاج فيه إلى إخراج فصل بغائط أو بول .
وَ أَمَّا مَنْ أُوتىَ كِتَبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَلَيْتَنى لَمْ أُوت كِتَبِيَهْ(25) وَ لَمْ أَدْرِ مَا حِسابِيَهْ(26) يَلَيْتهَا كانَتِ الْقَاضِيَةَ(27) مَا أَغْنى عَنى مَالِيَهْ(28) هَلَك عَنى سلْطنِيَهْ(29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30) ثُمَّ الجَْحِيمَ صلُّوهُ(31) ثُمَّ فى سِلْسِلَة ذَرْعُهَا سبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسلُكُوهُ(32) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33) وَ لا يحُض عَلى طعَامِ الْمِسكِينِ(34) فَلَيْس لَهُ الْيَوْمَ هَهُنَا حَمِيمٌ(35) وَ لا طعَامٌ إِلا مِنْ غِسلِين(36) لا يَأْكلُهُ إِلا الخَْطِئُونَ(37)

اللغة

القاضية الفاصلة بالإماتة يقال قضى فلان إذا مات و أصله فصل الأمر و منه قضية الحاكم و منه قضاء الله و هو في الإخبار بما يكون على القطع و التصلية إلزام النار و منه الاصطلاء و هو القعود عند النار للدفاء و الجحيم النار العظيمة و السلسلة حلق منتظمة كل واحدة منها في الأخرى و يقال سلسل كلامه إذا عقد شيئا منه بشيء و تسلسل الشيء إذا استمر على الولاء شيئا قبل شيء و ذرع الثوب يذرعه ذرعا مأخوذ من الذراع و الغسلين الصديد الذي ينغسل بسيلانه من أبدان أهل النار و وزنه فعلين من الغسل .

مجمع البيان ج : 10 ص : 522

الإعراب

قوله « كتابيه » و « حسابيه » و « ماليه » و « سلطانيه » قال الزجاج الوجه أن يوقف على هذه الهاءات و لا توصل لأنها أدخلت للوقف و قد حذفها قوم في الوصل و لا أحب مخالفة المصحف و لا أن أقرأ و أثبت الهاءات في الوصل و هذه رءوس آيات فالوجه أن يوقف عندها و كذلك قوله ما هية « فليس له اليوم هاهنا حميم » الجار و المجرور خبر ليس ليصح قوله « و لا طعام إلا من غسلين » أي و لا له طعام و لا يكون الخبر هاهنا لأن التقدير يصير و لا طعام هاهنا إلا من غسلين و هذا غير جائز إذ هنا طعام غير غسلين و لا يكون الخبر اليوم لأن حميم جثة و ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة .

المعنى

ثم ذكر سبحانه حال أهل النار فقال « و أما من أوتي » أي أعطي « كتابه » الذي هو صحيفة أعماله « بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه » أي تمنى أنه لم يؤته لما يرى فيه مقابح أعماله التي يسود لها وجهه « و لم أدر ما حسابيه » أي و لم أدر أي شيء حسابي لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب و إنما هو كله عليه « يا ليتها كانت القاضية » الهاء في ليتها كناية عن الحال التي هم فيها و قيل هي كناية عن الموتة الأولى و القاضية القاطعة للحياة أي ليت الموتة الأولى التي متنا لم نحيي بعدها عن الفراء يتمنى دوام الموت و أنه لم يبعث للحساب و قال قتادة تمنى يومئذ الموت و لم يكن في الدنيا شيء عنده أكره من الموت « ما أغنى عني ماليه » أي ما دفع عني مالي من عذاب الله شيئا و قيل معناه إني قصرت همتي على تحصيل المال ليكشف الكرب عني فما نفعني اليوم « هلك عني سلطانيه » أي حجتي عن ابن عباس و مجاهد أي ضل عني ما كنت أعتقده حجة و قيل معناه هلك عني تسلطي و أمري و نهيي في دار الدنيا على ما كنت مسلطا عليه فلا أمر لي و لا نهي ثم أخبر سبحانه أنه يقول للملائكة « خذوه فغلوه » أي أوثقوه بالغل و هو أن تشد إحدى يديه و رجليه إلى عنقه بجامعة « ثم الجحيم صلوه » أي ثم أدخلوه النار العظيمة و ألزموه إياها « ثم في سلسلة ذرعها » أي طولها « سبعون ذراعا فاسلكوه » أي اجعلوه فيها لأنه يؤخذ عنقه فيها ثم يجر بها قال الضحاك إنما تدخل في فيه و تخرج من دبره فعلى هذا يكون المعنى ثم اسلكوا السلسلة فيه فقلب كما يقال أدخلت القلنسوة في رأسي و قال الأعشى :
إذا ما السراب ارتدى بالأكم و إنما ارتدى الأكم بالسراب و لكنه قلب و قال نوف البكالي كل ذراع سبعون باعا و الباع أبعد مما بينك و بين مكة و كان في رحبة الكوفة و قال الحسن الله أعلم بأي ذراع هو و قال سويد بن نجيح إن جميع أهل النار في تلك السلسلة و لو أن حلقة منها وضعت على جبل لذاب من
مجمع البيان ج : 10 ص : 523

حرها ثم قال سبحانه « إنه كان لا يؤمن بالله العظيم » شأنه أي لم يكن يوحد الله في دار التكليف و لا يصدق به « و لا يحض على طعام المسكين » و هو المحتاج الفقير و المعنى أنه كان يمنع الزكاة و الحقوق الواجبة « فليس له اليوم هاهنا حميم » أي صديق ينفعه « و لا طعام » أي و لا له اليوم طعام « إلا من غسلين » و هو صديد أهل النار و ما يجري منهم فالطعام هو ما هيىء للأكل و لذلك لا يسمى التراب طعاما للإنسان فلما هيىء الصديد لأكل أهل النار كان ذلك طعاما لهم و قيل إن أهل النار طبقات فمنهم من طعامه غسلين و منهم من طعامه الزقوم و منهم من طعامه الضريع لأنه قال في موضع آخر ليس لهم طعام إلا من ضريع و قيل يجوز أن يكون الضريع هو الغسلين فعبر عنه بعبارتين عن قطرب و قيل يجوز أن يكون المراد ليس لهم طعام إلا من ضريع و لا شراب إلا من غسلين كما قال الشاعر :
علفتها تبنا و ماء باردا
حتى شقت همالة عيناها « لا يأكله » أي لا يأكل الغسلين « إلا الخاطئون » و هم الجائرون عن طريق الحق عامدين و الفرق بين الخاطىء و المخطىء أن المخطىء قد يكون من غير تعمد و الخاطىء المذنب المتعمد الجائر عن الصراط المستقيم قال امرؤ القيس :
يا لهف هند إذ خطئن كاهلا
القاتلين الملك الحلاحلا .

مجمع البيان ج : 10 ص : 524
فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ(38) وَ مَا لا تُبْصِرُونَ(39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسول كَرِيم(40) وَ مَا هُوَ بِقَوْلِ شاعِر قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ(41) وَ لا بِقَوْلِ كاهِن قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ(42) تَنزِيلٌ مِّن رَّب الْعَلَمِينَ(43) وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْض الأَقَاوِيلِ(44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ(45) ثمَّ لَقَطعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ(46) فَمَا مِنكم مِّنْ أَحَد عَنْهُ حَجِزِينَ(47) وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ(48) وَ إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكم مُّكَذِّبِينَ(49) وَ إِنَّهُ لَحَسرَةٌ عَلى الْكَفِرِينَ(50) وَ إِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ(51) فَسبِّحْ بِاسمِ رَبِّك الْعَظِيمِ(52)

القراءة

قرأ ابن كثير و ابن عامر و يعقوب و سهل يؤمنون و يذكرون بالياء كناية عن الكفار و الباقون بالتاء خطابا لهم و كلاهما حسن .

اللغة

الوتين نياط القلب و إذا انقطع مات الإنسان قال الشماخ بن ضرار :
إذا بلغتني و حملت رحلي
عرابة فاسرقي بدم الوتين .

الإعراب

قليلا في الموضعين صفة مصدر محذوف و ما مزيدة و تقديره إيمانا قليلا تؤمنون و تذكرا قليلا تذكرون و يجوز أن يكون صفة لظرف محذوف أي وقتا قليلا تؤمنون و وقتا قليلا تذكرون و يجوز أن تكون ما مصدرية و يكون التقدير قليلا إيمانكم و قليلا تذكركم يكون ما في موضع رفع بقليل و قوله « من أحد » في موضع رفع لأنه اسم ما و من مزيدة لتأكيد النفي تقديره فما منكم أحد و الأصل فما أحد منكم فمنكم في موضع رفع بكونه صفة على الموضع أو في موضع جر على اللفظ فلما تقدم الموصوف صار في موضع النصب على الحال حاجزين منصوب بأنه خبر ما و لم يبطل قوله « منكم » عمل ما و إن فصل بينهما لأنه ظرف و الفصل بالظرف في هذا الباب كلا فصل قال أبو علي إن جعلت منكم مستقرا كان حاجزين صفة أحد و إن جعلت منكم غير مستقر كان حاجزين خبر ما و على الوجهين فقوله « حاجزين »
مجمع البيان ج : 10 ص : 525
محمول على المعنى و أقول في بيانه أنه إن كان في منكم ضمير لأحد و يكون خبرا له متقدما عليه فيكون حاجزين صفة لأحد و تقديره ما منكم قوم حاجزون عنه و يكون ما غير عاملة هنا على غير لغة تميم أيضا و يكون حاجزين مجرورا حملا على اللفظ و كونه غير مستقر هو أن يكون على ما ذكرناه قبل .

المعنى

ثم أكد سبحانه ما تقدم فقال « فلا أقسم بما تبصرون و ما لا تبصرون » قيل فيه وجوه ( أحدها ) أن يكون قوله « لا » ردا لكلام المشركين فكأنه قال ليس الأمر كما يقول المشركون أقسم بالأشياء كلها ما يبصر منها و ما لا يبصر و يدخل فيها جميع المكونات « إنه لقول رسول كريم » يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الفراء و قتادة و ( ثانيها ) أن لا مزيدة مؤكدة و التقدير فأقسم بما ترون و ما لا ترون ( و ثالثها ) أنه نفي للقسم و معناه لا يحتاج إلى القسم لوضوح الأمر في أنه رسول كريم فإنه أظهر من أن يحتاج في إثباته إلى قسم عن أبي مسلم و ( رابعها ) أنه كقول القائل لا و الله لا أفعل ذلك و لا و الله لأفعلن ذلك و قال الجبائي إنما أراد أنه لا يقسم بالأشياء المخلوقات ما يرى و ما لا يرى و إنما أقسم بربها لأن القسم لا يجوز إلا بالله « إنه لقول رسول كريم » قال إنه قول الله على الحقيقة و إنما الملك و جبرائيل و الرسول يحكون ذلك و إنما أسنده إليهم من حيث إن ما يسمع منهم كلامهم فلما كان حكاية كلام الله قيل هو كلام الله على الحقيقة في العرف قال الجبائي و الرسول الكريم جبرائيل و الكريم الجامع لخصال الخير « و ما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون و لا بقول كاهن قليلا ما تذكرون » قول الشاعر ما ألفه بوزن و جعله مقفى و له معنى و قول الكاهن السجع و هو كلام متكلف يضم إلى معنى يشاكله طهره الله سبحانه من الشعر و الكهانة و عصمه عنهما و إنما منعه سبحانه من الشعر و نزهه عنه لأن الغالب من حال الشعر أن يدعو إلى الهوى و يبعث على الشهوة و النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إنما يأتي بالحكم التي يدعو إليها العقل للحاجة إلى العمل عليها و الاهتداء بها و أيضا فإنه سبحانه منعه من قول الشعر دلالة على أن القرآن ليس بصفة الكلام المعتاد بين الناس و أنه ليس بشعر بل هو صنف من الكلام خارج عن الأنواع المعتادة و إذا بعد عما جرت به العادة في تأليف الكلام فذلك أدل على إعجازه و قوله « قليلا ما تؤمنون » معناه لا تصدقون بأن القرآن من عند الله تعالى يريد بالقليل نفي إيمانهم أصلا كما تقول لمن لا يزورك قل ما تأتينا و أنت تريد لا تأتينا أصلا فالمعنى لا تؤمنون به و لا تتذكرون و لا تتفكرون فتعلموا المعجز و تفصلوا بينه و بين الشعر و الكهانة « تنزيل من رب العالمين » بين أنه منزل من عنده على لسان جبرائيل حتى لا يتوهم أنه كلام جبرائيل « و لو تقول علينا » محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) « بعض الأقاويل » معناه و لو
مجمع البيان ج : 10 ص : 526

كذب علينا و اختلق ما لم نقله أي لو تكلف القول و أتى به من عند نفسه « لأخذنا منه باليمين » أي لأخذنا بيده التي هي اليمين على وجه الإذلال كما يقول السلطان يا غلام خذ بيده فأخذها إهانة عن ابن جرير و قيل معناه لقطعنا يده اليمني عن الحسن و أبي مسلم فعلى هذا تكون الباء مزيدة أي لأخذنا منه اليمين و قيل معناه لأخذنا منه بالقوة و القدرة أي لأخذناه و نحن قادرون عليه مالكون له عن الفراء و المبرد و الزجاج و إنما أقام اليمين مقام القوة و القدرة لأن قوة كل شيء في ميامنه عن ابن قتيبة « ثم لقطعنا منه الوتين » أي و لكنا نقطع منه وتينه و نهلكه قال مجاهد و قتادة هو عرق في القلب متصل بالظهر و قيل هو حبل القلب « فما منكم من أحد عنه حاجزين » أي فما منكم أحد يحجزنا عنه و المعنى أنه لا يتكلف الكذب لأجلكم مع علمه أنه لو تكلف ذلك لعاتبناه ثم لم تقدروا أنتم على دفع عقوبتنا عنه ثم ذكر سبحانه أن القرآن ما هو فقال « و إنه لتذكرة للمتقين » أي و إنه لعظة لمن اتقى عقاب الله بطاعته « و إنا لنعلم أن منكم مكذبين » بالقرآن أي علمنا أن بعضكم يكذبه أشار سبحانه إلى أن منهم من يصدق و منهم من يكذب « و إنه لحسرة على الكافرين » أي إن هذا القرآن حسرة عليهم يوم القيامة حيث لم يعملوا به في الدنيا « و إنه لحق اليقين » معناه و إن القرآن للمتقين لحق اليقين و الحق هو اليقين و إنما إضافة إلى نفسه كما يقال مسجد الجامع و دار الآخرة و بارحة الأولى و يوم الخميس و ما أشبه ذلك فيضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه و قيل إن الحق هو الذي معتقده على ما اعتقد و اليقين هو الذي لا شبهة فيه « فسبح باسم ربك العظيم » الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد به جميع المكلفين و معناه نزه الله سبحانه عما لا يجوز عليه من الصفات و العظيم هو الجليل الذي يصغر شأن غيره في شأنه و يتضاءل كل شيء لعظمته و سلطانه .

مجمع البيان ج : 10 ص : 527
( 70 ) سورة المعارج مكية و آياتها أربع و أربعون ( 44 )
قال الحسن إلا قوله « و الذين في أموالهم حق معلوم » .

عدد آيها

أربع و أربعون آية غير الشامي ثلاث شامي .

اختلافها

آية « ألف سنة » غير الشامي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من قرأ سأل سائل أعطاه الله ثواب الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون و الذين هم على صلواتهم يحافظون و عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال من أدمن قراءة سأل سائل لم يسأله الله يوم القيامة عن ذنب عمله و أسكنه جنته مع محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

تفسيرها

لما ختم الله سورة الحاقة بوعيد الكفار افتتح هذه السورة بمثل ذلك فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 528

سورة المعارج
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سأَلَ سائلُ بِعَذَاب وَاقِع(1) لِّلْكَفِرِينَ لَيْس لَهُ دَافِعٌ(2) مِّنَ اللَّهِ ذِى الْمَعَارِج(3) تَعْرُجُ الْمَلَئكةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فى يَوْم كانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْف سنَة(4) فَاصبرْ صبراً جَمِيلاً(5) إِنهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً(6) وَ نَرَاهُ قَرِيباً(7) يَوْمَ تَكُونُ السمَاءُ كالمُْهْلِ(8) وَ تَكُونُ الجِْبَالُ كالْعِهْنِ(9) وَ لا يَسئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً(10)

القراءة

قرأ أهل المدينة و ابن عامر سأل بغير همز و الباقون بالهمز و قرأ الكسائي يعرج بالياء و قرأ الباقون بالتاء و قرأ ابن كثير في رواية البزي و عاصم في رواية البرجمي عن أبي بكر و لا يسأل بضم الياء و الباقون « لا يسأل » بفتح الياء .

الحجة

قال أبو علي من قرأ سأل جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين مثل قال و خاف و حكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع من يقول هما يتساولان فمن قال سأل كان على هذه اللغة و من قرأ « سأل » فجعل الهمزة عين الفعل فإن حقق قال سأل و إن خفف جعلها بين الألف و الهمزة و أما قول الشاعر :
سألت هذيل رسول الله فاحشة
ضلت هذيل بما قالت و لم تصب و يمكن فيه الوجهان و كل القراء على همز سائل لأنه لا يخلو إما أن يكون من يتساولان أو من اللغة الأخرى فإن كان من الأول لم يكن فيه إلا الهمز كما يكون في قائل و خائف لأن العين إذا اعتلت بالفعل اعتلت في اسم الفاعل و اعتلالها لا يكون بالحذف للالتباس فقلب إلى الهمزة و إن كانت في لغة من همز فليس فيه إلا الهمز كما يكون في ثائر إلا أنك إن شئت خففت الهمزة فجعلتها بين بين و كذلك في الوجه الآخر و أما يعرج و « تعرج » فالياء و التاء فيه حسنتان و من ضم قوله و لا يسئل حميم حميما فالمعنى و الله أعلم لا يسئل حميم عن حميمه ليعرف شأنه من جهته كما يتعرف الخبر الصديق من جهة صديقه و القريب عن قريبه فإذا كان كذلك فالكلام إذا بنيت الفعل للفاعل قلت سألت زيدا عن حميمه و إذا بنيت الفعل للمفعول به قلت سئل زيد عن حميمه و قد يحذف الجار فيصل الفعل إلى الاسم الذي كان مجرورا قبل حذف الجار فينتصب بأنه مفعول الاسم الذي أسند إليه الفعل المبني للمفعول به فعلى هذا انتصب قوله « حميما » و يدل على هذا المعنى قوله يبصرونهم أي يبصر الحميم الحميم تقول بصرت به فإذا ضعفت عين الفعل صار الفاعل مفعولا فتقول بصرني زيد بكذا فإذا حذفت الجار قلت بصرني زيد كذا فإذا بنيت الفعل للمفعول به و قد حذفت الجار قلب بصرت زيدا فعلى هذا قوله يبصرونهم فإذا بصروهم لم يحتج إلى تعرف شأن الحميم من حميمه و إنما جمع فقيل يبصروهم لأن الحميم و إن كان مفردا في اللفظ فالمراد به الكثرة
مجمع البيان ج : 10 ص : 529

و الجمع يدلك على ذلك قوله فما لنا من شافعين و لا صديق حميم و من قرأ « و لا يسأل حميم حميما » فالمعنى لا يسأل الحميم عن حميمه في ذلك اليوم لأنه يذهل عن ذلك و يشغل عنه بشأنه كما قال يوم يفر المرء من أخيه إلى قوله لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه .

اللغة

المعارج مواضع العروج و هو الصعود مرتبة بعد مرتبة و منه الأعرج لارتفاع إحدى رجليه عن الأخرى قال الزجاج المهل دردي الزيت و قيل هو الجاري بغلظة و عكزه على رفق من أمهله إمهالا و العهن الصوف المنقوش و الحميم القريب النسب إلى صاحبه و أصله من القرب قال :
أحم الله ذلك من لقاء
أحاد أحاد في الشهر الحلال .

الإعراب

بعذاب الباء تتعلق بسال لأن معناه دعا داع بعذاب و قيل إن الباء بمعنى عن و تقديره عن عذاب قال :
دع المعمر لا تسأل بمصرعه
و أسأل بمصقلة البكري ما فعلا يريد عن مصرعه و عن مصقله و اللام في قوله « للكافرين » بمعنى على و يتعلق بواقع أي واقع على الكافرين و قيل إنه يتعلق بمحذوف فيكون صفة لسائل تقديره سأل سائل كائن للكافرين أي منهم .

المعنى


« سأل سائل بعذاب واقع » قيل إن هذا السائل هو الذي قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية و هو النضر بن الحارث بن كلدة فيكون المعنى دعا داع على نفسه بعذاب واقع مستعجلا له و هو واقع بهم لا محالة عن مجاهد و قيل سأل المشركون فقالوا لمن هذا العذاب الذي تذكر يا محمد فجاء جوابه بأنه « للكافرين ليس له دافع » عن الحسن و قيل معناه دعا داع بعذاب على الكافرين و ذلك الداعي هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الجبائي و تكون الباء في بعذاب مزيدة على التوكيد كما في قوله و هزي إليك بجذع النخلة و التقدير سأل سائل عذابا واقعا و قيل هي بمعنى عن و عليه تأويل قول الحسن لأنهم سألوا عن العذاب لمن هو و قيل الباء للتعدي أي بإنزال عذاب و عليه تأويل قول مجاهد و قيل إن معنى سأل سائل على قراءة من قرأ بالألف من سال يسيل سيلا و التقدير سال سيل سائل بعذاب واقع و قيل سائل اسم واد في جهنم سمي به لأنه يسيل بالعذاب عن ابن زيد و أخبرنا السيد أبو الحمد
مجمع البيان ج : 10 ص : 530
قال حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال حدثنا أبو عبد الله الشيرازي قال حدثنا أبو بكر الجرجاني قال حدثنا أبو أحمد البصري قال حدثنا محمد بن سهل قال حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصار قال حدثنا محمد بن أيوب الواسطي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال لما نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليا (عليه السلام) يوم غدير خم و قال من كنت مولاه فعلي مولاه طار ذلك في البلاد فقدم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) النعمان بن الحرث الفهري فقال أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله و أمرتنا بالجهاد و الحج و الصوم و الصلاة و الزكاة فقبلناها ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت من كنت مولاه فعلي مولاه فهذا شيء منك أو أمر من عند الله فقال و الله الذي لا إله إلا هو أن هذا من الله فولى النعمان بن الحرث و هو يقول اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فرماه الله بحجر على رأسه فقتله و أنزل الله تعالى « سأل سائل بعذاب واقع » و قوله « ليس له دافع من الله ذي المعارج » أي ليس لعذاب الله دافع من الله و قيل معناه بعذاب للكافرين واقع من الله أي وقوعه من الله و ذي المعارج صفة الله سبحانه و قيل فيه وجوه ( أحدها ) أن معناه ذي الفواضل العالية و الدرجات التي يعطيها للأنبياء و الأولياء في الجنة لأنه يعطيهم المنازل الرفيعة و الدرجات العلية و هو معنى قول قتادة و الجبائي ( و ثانيها ) أنها معارج السماء أي مواضع عروج الملائكة عن ابن عباس و مجاهد و قال الكلبي معناه ذي السماوات لأن الملائكة تعرج فيها ( و ثالثها ) أنه بمعنى ذي الملائكة أي مالك الملائكة التي تعرج إلى السماء و منه ليلة المعراج لأنه عرج بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إلى السماء فيها « تعرج الملائكة و الروح » أي تصعد الملائكة و يصعد الروح أيضا معهم و هو جبرائيل خصه بالذكر من بين الملائكة تشريفا له « إليه » أي إلى الموضع الذي لا يجري لأحد سواه فيه حكم جعل سبحانه عروجهم إلى ذلك الموضع عروجا إليه كقول إبراهيم (عليه السلام) إني ذاهب إلى ربي إلى الموضع الذي وعدني ربي « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة » اختلف في معناه فقيل تعرج الملائكة إلى الموضع الذي يأمرهم الله به في يوم كان مقداره من عروج غيرهم خمسين ألف سنة و ذلك من أسفل الأرضين إلى فوق السماوات السبع و قوله في سورة السجدة في يوم كان مقداره ألف سنة هو لما بين السماء الدنيا و الأرض في الصعود و النزول خمسمائة سنة في الصعود و خمسمائة سنة في النزول عن مجاهد و المراد أن الآدميين لو احتاجوا إلى قطع هذا المقدار الذي قطعته الملائكة في يوم واحد لقطعوه في هذه المدة و قيل أنه يعني يوم القيامة و أنه يفعل فيه من الأمور و يقضي فيه من الأحكام بين العباد ما لو فعل في الدنيا لكان مقداره خمسين ألف سنة عن الجبائي و هو معنى قول قتادة و عكرمة و روى أبو
مجمع البيان ج : 10 ص : 531

سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله ما أطول هذا اليوم فقال و الذي نفس محمد بيده إنه ليخف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لو ولي الحساب غير الله لمكثوا فيه خمسين ألف سنة من قبل أن يفرغوا و الله سبحانه يفرغ من ذلك في ساعة و عنه أيضا قال لا ينتصف ذلك اليوم حتى يقبل أهل الجنة في الجنة و أهل النار في النار و قيل معناه أن أول نزول الملائكة في الدنيا و أمره و نهيه و قضائه بين الخلائق إلى آخر عروجهم إلى السماء و هو القيامة هذه المدة فيكون مقدار الدنيا خمسين ألف سنة لا يدري كم مضى و كم بقي و إنما يعلمه الله عز و جل و قال الزجاج يجوز أن يكون قوله « في يوم » من صلة واقع فيكون المعنى سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة و ذلك العذاب يقع يوم القيامة « فاصبر » يا محمد على تكذيبهم إياك « صبرا جميلا » لا جزع فيه و لا شكوى على ما تقاسيه « إنهم يرونه بعيدا و نراه قريبا » أخبر سبحانه أنه يعلم مجيء يوم القيامة و حلول العقاب بالكفار قريبا و يظنه الكفار بعيدا لأنهم لا يعتقدون صحته و كل ما هو آت فهو قريب دان فالرؤية الأولى بمعنى الظن و الثانية بمعنى العلم ثم أخبر سبحانه أنه متى يقع العذاب بهم فقال « يوم تكون السماء كالمهل » أي كدردي الزيت عن ابن عباس و قيل كعكر القطران عن عطاء و قيل مثل الفضة إذا أذيبت عن الحسن و قيل مثل الصفر المذاب عن أبي مسلم « و تكون الجبال كالعهن » أي كالصوف المصبوغ و قيل كالصوف المنفوش عن مقاتل و قيل كالصوف الأحمر عن الحسن يعني إنها تلين بعد الشدة و تتفرق بعد الاجتماع قال الحسن إنها أولا تصير كئيبا مهيلا ثم تصير عهنا منفوشا ثم هباء منثورا « و لا يسأل حميم حميما » لشغل كل إنسان بنفسه عن غيره عن مجاهد و قيل لا يسأل حميم حميما أن يتحمل عنه من أوزاره ليأسه منه ذلك في الآخرة عن الحسن و قال الأخفش الحميم من يخصه الرجل مودة و شفقة من قريب الرحم و بعيدة و الحامة الخاصة و قيل معناه أنه لا يحتاج إلى سؤاله لأنه يكون لكل علامة يعرف بها فعلامة الكافرين سواد الوجوه و زرقة العيون و علامة المؤمنين نضارة اللون و بياض الوجوه .

مجمع البيان ج : 10 ص : 532
يُبَصرُونهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِى مِنْ عَذَابِ يَوْمِئذِ بِبَنِيهِ(11) وَ صحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ(12) وَ فَصِيلَتِهِ الَّتى تُئْوِيهِ(13) وَ مَن فى الأَرْضِ جَمِيعاً ثمَّ يُنجِيهِ(14) َكلا إِنهَا لَظى(15) نَزَّاعَةً لِّلشوَى(16) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلى(17) وَ جَمَعَ فَأَوْعَى(18) * إِنَّ الانسنَ خُلِقَ هَلُوعاً(19) إِذَا مَسهُ الشرُّ جَزُوعاً(20) وَ إِذَا مَسهُ الخَْيرُ مَنُوعاً(21) إِلا الْمُصلِّينَ(22) الَّذِينَ هُمْ عَلى صلاتهِمْ دَائمُونَ(23) وَ الَّذِينَ فى أَمْوَلهِِمْ حَقُّ مَّعْلُومٌ(24) لِّلسائلِ وَ الْمَحْرُومِ(25) وَ الَّذِينَ يُصدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(26) وَ الَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبهِم مُّشفِقُونَ(27) إِنَّ عَذَاب رَبهِمْ غَيرُ مَأْمُون(28) وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظونَ(29) إِلا عَلى أَزْوَجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَت أَيْمَنهُمْ فَإِنهُمْ غَيرُ مَلُومِينَ(30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِك فَأُولَئك هُمُ الْعَادُونَ(31) وَ الَّذِينَ هُمْ لأَمَنَتهِمْ وَ عَهْدِهِمْ رَعُونَ(32) وَ الَّذِينَ هُم بِشهَدَتهِمْ قَائمُونَ(33) وَ الَّذِينَ مْ ْ عَلى صلاتهِمْ يحَافِظونَ(34) أُولَئك فى جَنَّت مُّكْرَمُونَ(35)

القراءة

قرأ حفص « نزاعة » بالنصب و الباقون بالرفع و قرأ ابن كثير لأمانتهم بغير ألف بعد النون و الباقون « لأماناتهم » بالجمع و قرأ حفص و يعقوب و سهل « بشهاداتهم » على الجمع و الباقون بشهادتهم و كلهم قرءوا « على صلاتهم » على التوحيد .

الحجة

قال أبو علي من قرأ إنها لظى نزاعة للشوى فرفع نزاعة جاز في رفعه ما جاز في قولك هذا زيد منطلق و هذا بعلي شيخ و من نصب فعلى وجهين ( أحدهما ) أن يكون حالا ( و الآخر ) أن يحمل على فعل فحمله على الحال يبعد لأنه ليس في الكلام ما يعمل في الحال فإن قلت فإن في قوله « لظى » معنى التلظي و التلهب فإن ذلك لا يستقيم لأن لظى معرفة
مجمع البيان ج : 10 ص : 533

لا ينتصب عنها الأحوال أ لا ترى أن ما استعمل استعمال الأسماء من اسم فاعل أو مصدر لم يعمل هذا النحو من حيث جرى مجرى الأسماء فبأن يعمل الاسم المعرفة عمله أولى و يدلك على تعريف هذا الاسم و كونه علما أن التنوين لم يلحقه فإذا كان كذلك لم ينتصب الحال عنه فإن جعلتها مع تعريفها قد صارت معروفة بشدة التلظي جاز أن تنصبه بهذا المعنى الحادث في العلم و على هذا قوله تعالى و هو الله في السماوات و في الأرض علقت الظرف بما دل عليه الاسم من التدبير و الألطاف فإن علقت الحال بالمعنى الحادث في العلم كما علقت الظرف بما دل عليه الاسم من التدبير و الألطاف لم يمتنع لأن الحال كالظرف في تعلقها بالمعنى كتعلق الظرف به و كان وجها و إن علقت نزاعة بفعل مضمر نحو أعينها نزاعة للشوى لم يمتنع أيضا و أما قوله لأمانتهم على الإفراد و إن كان مضافا إلى جماعة و لكل واحد منهم أمانة فلأنه مصدر يقع على جميع الجنس و يتناوله و من جمع فلاختلاف الأمانات و كثرة ضروبها فأشبهت بذلك الأسماء التي ليست للجنس و القول في الشهادة و الشهادات مثل القول في الأمانة و الأمانات .


اللغة

المودة مشتركة بين التمني و بين المحبة يقال وددت الشيء أي تمنيته و وددته أي أحببته أود فيهما جميعا و الافتداء افتداء الضرر عن الشيء ببدل منه و الفصيلة الجماعة المنقطعة عن جملة القبيلة برجوعها إلى أبوة خاصة عن أبوة عامة و لظى اسم من أسماء جهنم مأخوذة من التوقد و النزاعة الكثيرة النزع و هو اقتلاع عن شدة ضم و الاقتلاع أخذ بشدة اعتماد و الشوى جلدة الرأس واحدتها شواة قال الأعشى :
قالت قتيلة ما له
قد جللت شيبا شواته و الشوى الأكارع و الأطراف و الشوى ما عدا المقاتل من كل حيوان يقال رماه فأشواه أي أصاب غير مقتله و رمى فأصمى أي أصاب المقتل و الشوى أيضا الخسيس من المال و الهلوع الشديد الحرص الشديد الجزع و الإشفاق رقة القلب عن تحمل ما يخاف من الأمور فإذا قسا قلب الإنسان بطل الإشفاق و العادي الخارج عن الحق يقال عدا فلان إذا اعتدى و عدا في مشيه إذا أسرع و هو الأصل و العادي الظالم بالإسراع إلى الظلم .

الإعراب

يجوز أن يكون العامل في الظرف من قوله يوم تكون السماء كالمهل قوله « يبصرونهم » و قوله « يود المجرم » يجوز أن يكون استئناف كلام و يجوز أن يكون في محل الجر
مجمع البيان ج : 10 ص : 534
بدلا من تكون السماء كالمهل .
هلوعا و منوعا و جزوعا منصوبة على الحال و التقدير خلق هلوعا ، جزوعا إذا مسه الشر ، منوعا إذا مسه الخير و المصلين منصوب على الاستثناء و قوله « إلا على أزواجهم » قيل أن على هذه محمولة على المعنى و التقدير فإنهم يلامون على غير أزواجهم و يدل عليه قوله « فإنهم غير ملومين » عن الزجاج و قيل تقديره إلا من أزواجهم فيكون على بمعنى من .

المعنى

لما وصف سبحانه القيامة و أخبر أن الحميم فيه لا يسأل حميمه لشغله بنفسه قال « يبصرونهم » أي يعرف الكفار بعضهم بعضا ساعة ثم لا يتعارفون و يفر بعضهم من بعض عن ابن عباس و قتادة و قيل يعرفهم المؤمنون عن مجاهد أي يبصر المؤمن أعداءه على حالهم من العذاب فيشمت بهم و يسر و قيل يعرف أتباع الضلالة رؤساءهم و قيل إن الضمير يعود إلى الملائكة و قد تقدم ذكرهم أي يعرفهم الملائكة و يجعلون بصراء بهم فيسوقون فريقا إلى الجنة و فريقا إلى النار « يود المجرم » أي يتمنى العاصي « لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه » يتمنى سلامته من العذاب النازل به بإسلام كل كريم عليه من أولاده الذين هم أعز الناس عليه « و صاحبته » أي زوجته التي كانت سكنا له و ربما آثرها على أبويه « و أخيه » الذي كان ناصرا له و معينا « و فصيلته » أي و عشيرته « التي تؤويه » في الشدائد و تضمه و يأوي إليها في النسب « و من في الأرض جميعا » أي و بجميع الخلائق يقول يود لو يفتدي بجميع هذه الأشياء « ثم ينجيه » ذلك الفداء « كلا » لا ينجيه ذلك قال الزجاج كلا ردع و تنبيه أي لا يرجع أحد من هؤلاء فارتدعوا « إنها لظى » يعني أن نار جهنم أو القصة لظى نزاعة للشوى و سميت لظى لأنها تتلظى أي تشتعل و تلتهب على أهلها و قيل لظى اسم من أسماء جهنم و قيل هي الدركة الثانية منها و هي « نزاعة للشوى » تنزع الأطراف فلا تترك لحما و لا جلدا إلا أحرقته عن مقاتل و قيل تنزع الجلد و أم الرأس عن ابن عباس و قيل تنزع الجلد و اللحم عن العظم عن الضحاك و قال الكلبي يعني تأكل الدماغ كله ثم يعود كما كان و قال أبو صالح الشوى لحم الساق و قال سعيد بن جبير العصب و العقب و قال أبو العالية محاسن الوجه « تدعو من أدبر و تولى » يعني النار تدعو إلى نفسها من أدبر عن الإيمان و تولى عن طاعة الله و رسوله عن قتادة و المعنى أنه لا يفوت هذه النار كافر فكأنها تدعوه فيجيبها كرها و قيل إن الله تعالى ينطق النار حتى تدعوهم إليها و قيل معناه تدعو زبانية النار من أدبر و تولى عن الحق فجعل ذلك سبحانه دعاء من النار عن الجبائي و قيل تدعو أي تعذب رواه المبرد عن الخليل قال يقال دعاك الله أي عذبك « و جمع » المال « فأوعى » أي أمسكه في الوعاء فلم ينفقه في طاعة الله فلم يؤد زكاة و لم يصل رحما و قيل جمعه من باطل و منعه عن الحق
مجمع البيان ج : 10 ص : 535
« إن الإنسان خلق هلوعا » أي ضجورا شحيحا جزوعا من الهلع و هو شدة الحرص و قال أهل البيان تفسيره فيما بعده « إذا مسه الشر جزوعا و إذا مسه الخير منوعا » يعني إذا أصابه الفقر لا يحتسب لا يصبر و إذا أصابه الغنى منعه من البر ثم استثنى سبحانه الموحدين المطيعين فقال « إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون » مستمرون على أدائها لا يخلون بها و لا يتركونها و روي عن أبي جعفر (عليه السلام) أن هذا في النوافل و قوله « و الذين هم على صلاتهم يحافظون » في الفرائض و الواجبات و قيل هم الذين لا يزيلون وجوههم عن سمت القبلة عن عقبة عن عامر و الزجاج « و الذين في أموالهم حق معلوم للسائل و المحروم » يعني الزكاة المفروضة و السائل الذي يسأل و المحروم الفقير الذي يتعفف و لا يسأل و قد سبق تفسيرها و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال الحق المعلوم ليس من الزكاة و هو الشيء الذي تخرجه من مالك إن شئت كل جمعة و إن شئت كل يوم و لكل ذي فضل فضله و روي عنه أيضا أنه قال هو أن تصل القرابة و تعطي من حرمك و تصدق على من عاداك « و الذين يصدقون بيوم الدين » أي يؤمنون بأن يوم الجزاء و الحساب حق لا يشكون في ذلك « و الذين هم من عذاب ربهم مشفقون » أي خائفون « إن عذاب ربهم غير مأمون » أي لا يؤمن حلوله بمستحقيه و هم العصاة و قيل معناه يخافون أن لا تقبل حسناتهم و يؤخذون بسيئاتهم و قيل غير مأمون لأن المكلف لا يدري هل أدى الواجب كما أمر به و هل انتهى عن المحظور على ما نهي عنه و لو قدرنا أن إنسانا يعلم ذلك من نفسه لكان آمنا « و الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم » يعني الذين يحفظون فروجهم عن المناكح على كل وجه و سبب إلا على الأزواج أو ملك الأيمان من الإماء « فإنهم غير ملومين » على ترك حفظ الفروج عنهم « فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون » فمن طلب وراء ما أباحه الله له من الفروج فأولئك هم الذين تعدوا حدود الله و خرجوا عما أباحه لهم و معنى وراء ذلك ما خرج عن حده من أي جهة كان « و الذين هم لأماناتهم و عهدهم راعون » أي حافظون و الأمانة ما يؤتمن المرء عليه مثل الوصايا و الودائع و الحكومات و نحوها و قيل الأمانة الإيمان و ما أخذ الله عباده من التصديق بما أوجبه عليهم و العمل بما يجب عليهم العمل به « و الذين هم بشهاداتهم قائمون » أي يقيمون الشهادات التي تلزمهم إقامتها و الشهادة الإخبار بالشيء أنه على ما شاهدوه ذلك أنه قد يكون عن مشاهدة للمخبر به و قد يكون عن مشاهدة ما يدعو إليه « و الذين هم على صلاتهم يحافظون » أي يحفظون أوقاتها و أركانها فيؤدونها بتمامها و لا يضيعون شيئا منها و روى محمد بن الفضيل عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال أولئك أصحاب الخمسين صلاة من شيعتنا و روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)
مجمع البيان ج : 10 ص : 536
قال هذه الفريضة من صلاها لوقتها عارفا بحقها لا يؤثر عليها غيرها كتب الله له بها براءة لا يعذبه و من صلاها لغير وقتها مؤثرا عليها غيرها فإن ذلك إليه إن شاء غفر له و إن إن شاء عذبه و « أولئك » من وصفوا بهذه الصفات « في جنات » أي بساتين يجنها الشجر « مكرمون » معظمون مبجلون بما يفعل بهم من الثواب .
فَمَا لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَك مُهْطِعِينَ(36) عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشمَالِ عِزِينَ(37) أَ يَطمَعُ كلُّ امْرِى مِّنهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيم(38) َكلا إِنَّا خَلَقْنَهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ(39) فَلا أُقْسِمُ بِرَب المَْشرِقِ وَ المَْغَرِبِ إِنَّا لَقَدِرُونَ(40) عَلى أَن نُّبَدِّلَ خَيراً مِّنْهُمْ وَ مَا نحْنُ بِمَسبُوقِينَ(41) فَذَرْهُمْ يخُوضوا وَ يَلْعَبُوا حَتى يُلَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِى يُوعَدُونَ(42) يَوْمَ يخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنهُمْ إِلى نُصب يُوفِضونَ(43) خَشِعَةً أَبْصرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِك الْيَوْمُ الَّذِى كانُوا يُوعَدُونَ(44)

القراءة

قرأ ابن عامر و حفص و سهل « إلى نصب » بضمتين و الباقون إلى نصب بفتح النون و سكون الصاد .


الحجة

قال أبو علي يجوز أن يكون نصب جمع نصب مثل سقف و سقف و ورد و من ثقل فقال نصب كان بمنزلة أسد و يمكن أن يكون النصب و النصب لغتين كالضعف و الضعف و ما أشبه ذلك و يكون الثقيل كشغل و شغل و طنب و طنب .

اللغة

قال الزجاج المهطع المقبل ببصره على الشيء لا يزايله و ذلك من نظر العدو و قال أبو عبيدة الإهطاع الإسراع و عزين جماعات في تفرقة واحدتهم عزة و إنما جمع بالواو و النون لأنه عوض مثل سنة و سنون و أصل عزة عزوة من عزاه يعزوه إذا أضافه إلى غيره فكل جماعة من هذه الجماعات مضافة إلى الأخرى .

مجمع البيان ج : 10 ص : 537
قال الراعي :
أ خليفة الرحمن إن عشيرتي
أمسى سوامهم عزين فلولا و قال عنترة :
و قرن قد تركت لدي مكر
عليه الطير كالعصب العزينا و قيل إن المحذوف من عزة هاء و الأصل عزهة و هو من العزهاة و هو المنقبض عن النساء و عن اللهو معهن قال الأحوص :
إذا كنت عزهاة عن اللهو و الصبي
فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا و عن أبي هريرة قال خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) على أصحابه و هم حلق حلق متفرقون فقال ما لي أراكم عزين و الأجداث القبور واحدها جدث و جدف بمعناه و الإيفاض الإسراع و النصب الصنم الذي كانوا يعبدونه قال الأعشى :
و ذا النصب المنصوب لا تنسكنه
لعاقبة و الله ربك فاعبدا .

الإعراب


« فما للذين كفروا » ما رفع بالابتداء و اللام خبره و فيه ضميره و قبلك في موضع الحال من كفروا أو من المجرور على تقدير فما لهم ثابتين قبلك و مهطعين حال من الضمير في قبلك و يجوز في قبلك أن يكون ظرفا للأم و أن يكون ظرفا لمهطعين و يجوز أن يكون مهطعين حالا بعد حال و عن اليمين يتعلق به و عزين حال بعد حال و يجوز أن يتعلق عن اليمين بعزين و معناه مجتمعين عن اليمين و عن الشمال .
« كأنهم إلى نصب يوفضون » جملة منصوبة الموضع على الحال من قوله « سراعا » « خاشعة أبصارهم » حال من الضمير في يوفضون .

المعنى

ثم قال سبحانه على وجه الإنكار على الكفار « فما للذين كفروا » يعني
مجمع البيان ج : 10 ص : 538
أي شيء للذين كفروا بتوحيد الله أي ما بالهم و ما حملهم على ما فعلوا « قبلك » أي عندك يا محمد « مهطعين » مسرعين إليك عن أبي عبيدة و قيل متطلعين عن الحسن و قيل مقبلين عنك بوجوههم لا يلتفتون عنك أي ناظرين إليك بالعداوة و المراد بالذين كفروا هنا المنافقون « عن اليمين و عن الشمال » أي عن يمينك و عن شمالك « عزين » أي جماعات متفرقين عصبة عصبة و جماعة جماعة « أ يطمع كل امرىء منهم » أي من هؤلاء المنافقين ب « أن يدخل جنة نعيم » كما يدخل أولئك الموصوفون قبل هذا و إنما قال هذا لأنهم كانوا يقولون إن كان الأمر على ما قال محمد فإن لنا في الآخرة عند الله أفضل مما للمؤمنين كما أعطانا في الدنيا أفضل مما أعطاهم « كلا » أي لا يكون و لا يدخلونها « إنا خلقناهم مما يعلمون » أي من النطفة عن الحسن أي من كان أصله من هذا الماء المهين فكيف استوجب الجنة بأصله و بنفسه إنما يستوجبها بالأعمال الصالحة نبه سبحانه بهذا على أن الناس كلهم من أصل واحد و إنما يتفاضلون بالإيمان و الطاعة و تحقيقه إنما خلقناهم من المقاذر و الأنجاس فمتى يدخلون الجنة و لم يؤمنوا بي و لم يصدقوا رسولي و قيل معناه خلقناهم من الجنس الذين يعلمون أو من الخلق الذين يعلمون و يفقهون و يلزمهم الحجة و لم نخلقهم من الجنس الذي لا يفقه كالبهائم و الطير و قيل معناه خلقناهم من أجل ما يعلمون من الثواب و العقاب و التكليف للطاعات تعريضا للثواب كما يقول القائل غضبت عليك مما تعلم أي من أجل ما تعلم قال الأعشى :
أ أزمعت من آل ليلى ابتكارا
و شطت على ذي هوى أن تزارا أي من أجل آل ليلى و دل قوله و شطت على ذي هوى أنه لم يزمع من عندهم و إنما أزمع من أجلهم للمصير إليهم « فلا أقسم » هو مفسر في سورة الحاقة « برب المشارق و المغارب » يعني مشارق الشمس و مغاربها فإن لها ثلاثمائة و ستين مطلعا لكل يوم مطلع لا تعود إليه إلى قابل عن ابن عباس « إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم » هذا جواب
مجمع البيان ج : 10 ص : 539
القسم يعني أنا نقدر على أن نهلكهم و نأتي بدلهم بقوم آخرين خيرا منهم « و ما نحن بمسبوقين » هذا عطف على جواب القسم أي و إن هؤلاء الكفار لا يفوتون بأن يتقدموا على وجه يمنع لحاق العذاب بهم فإنهم لم يكونوا سابقين و لا العقاب مسبوقا منهم و التقدير و ما نحن بمسبوقين يفوت عقابنا إياهم فإنهم لو سبقوا عقابنا لسبقونا و قيل معناه و ما نحن بمغلوبين عن أبي مسلم « فذرهم يخوضوا » في باطلهم « و يلعبوا » فإن وبال ذلك عائد عليهم « حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون » يعني يوم القيامة « يوم يخرجون من الأجداث » أي القبور « سراعا » مسرعين لشدة السوق « كأنهم إلى نصب يوفضون » أي كأنهم يسعون و يسرعون إلى علم نصب لهم عن الجبائي و أبي مسلم و قيل كأنهم إلى أوثانهم يسعون للتقرب إليها عن ابن عباس و قتادة « خاشعة أبصارهم » أي ذليلة خاضعة لا يستطيعون النظر من هول ذلك اليوم « ترهقهم ذلة » أي تغشاهم مذلة « ذلك اليوم الذي » وصفه اليوم الذي « كانوا يوعدون » به دار التكليف فلا يصدقون به و يجحدونه قد شاهدوه في تلك الحال .

مجمع البيان ج : 10 ص : 540
( 71 ) سورة نوح مكية و آياتها ثمان و عشرون ( 28 )

عدد آيها

ثمان و عشرون آية كوفي تسع بصري شامي ثلاثون في الباقين .

اختلافها

أربع آيات سواعا فادخلوا نارا كلاهما غير الكوفي و نسرا كوفي و المدني الأخير أضلوا كثيرا مكي و المدني الأول .


فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة نوح كان من المؤمنين الذين تدركهم دعوة نوح أبو عبد الله (عليه السلام) قال من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر و يقرأ كتابه فلا يدع أن يقرأ سورة إنا أرسلنا نوحا فأي عبد قرأها محتسبا صابرا في فريضة أو نافلة أسكنه الله مساكن الأبرار و أعطاه ثلاث جنان مع جنته كرامة من الله و زوجه مائتي حوراء و أربعة آلاف ثيب إن شاء الله تعالى .

تفسيرها

لما ختم سبحانه تلك السورة بوعيد أهل التكذيب افتتح هذه السورة بذكر قصة نوح و قومه و ما نالهم بالتكذيب تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 541

سورة نوح
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَرْسلْنَا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَك مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(1) قَالَ يَقَوْمِ إِنى لَكمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اتَّقُوهُ وَ أَطِيعُونِ(3) يَغْفِرْ لَكم مِّن ذُنُوبِكمْ وَ يُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَل مُّسمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(4) قَالَ رَب إِنى دَعَوْت قَوْمِى لَيْلاً وَ نَهَاراً(5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَاءِى إِلا فِرَاراً(6) وَ إِنى كلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصبِعَهُمْ فى ءَاذَانهِمْ وَ استَغْشوْا ثِيَابهُمْ وَ أَصرُّوا وَ استَكْبرُوا استِكْبَاراً(7) ثُمَّ إِنى دَعَوْتهُمْ جِهَاراً(8) ثُمَّ إِنى أَعْلَنت لهَُمْ وَ أَسرَرْت لهَُمْ إِسرَاراً(9) فَقُلْت استَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً(10) يُرْسِلِ السمَاءَ عَلَيْكم مِّدْرَاراً(11) وَ يُمْدِدْكم بِأَمْوَل وَ بَنِينَ وَ يجْعَل لَّكمْ جَنَّت وَ يجْعَل لَّكمْ أَنهَراً(12) مَّا لَكمْ لا تَرْجُونَ للَّهِ وَقَاراً(13) وَ قَدْ خَلَقَكمْ أَطوَاراً(14)

اللغة

الاستغشاء طلب التغشي و الإصرار الإقامة على الأمر بالعزيمة عليه و المدرار الكثير الدرور بالغيث و المطر و الأمداد إلحاق الثاني بالأول على النظام حالا بعد حال يقال أمده بكذا و مد النهر نهر آخر و الأموال جمع المال و هو عند العرب النعم و أصل الوقار الثبوت و ما به يكون الشيء عظيما من الحلم الذي يمتنع معه الخرق و الرجاء بمعنى الخوف قال أبو ذويب :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
و خالفها في بيت نوب عواسل .

الأعراب


« أن أنذر قومك » في موضع نصب بأرسلنا لأن الأصل بأن أنذر قومك فلما سقطت الباء أفضى الفعل و قيل إن موضعه جر و إن سقطت الباء و قد تقدم بيانه و يجوز أن يكون أن هذه المفسرة بمعنى أي .
و جهارا مصدر وضع موضع الحال أي دعوتهم مجاهرا لهم بالدعاء إلى التوحيد و قوله « مدرارا » نصب على الحال .
لا ترجون لله وقارا » جملة في موضع الحال أيضا و العامل في الحال ما في لكم في معنى الفعل .
وقارا منصوب بأنه مفعول ترجون .

مجمع البيان ج : 10 ص : 542

المعنى

أخبر سبحانه عن نفسه فقال « إنا أرسلنا » أي بعثنا « نوحا » رسولا « إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم » معناه أرسلنا لينذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا قال الحسن أمره أن ينذرهم عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة ثم حكى أن نوحا امتثل ما أمر الله سبحانه به بأن قال « قال يا قوم » أضافهم إلى نفسه فكأنه قال أنتم عشيرتي يسوؤني ما يسوؤكم « إني لكم نذير مبين » أي مخوف مبين وجوه الأدلة في الوعيد و بيان الدين و التوحيد « أن اعبدوا الله و اتقوه » أي اعبدوا الله وحده و لا تشركوا به شيئا و اتقوا معاصيه « و أطيعون » فيما أمركم به لأن طاعتي مقرونة بطاعة الله و طاعة الله واجبة عليكم لمكان نعمه السابقة التي لا توازيها نعمة منعم « يغفر لكم من ذنوبكم » أي فإنكم إن فعلتم ذلك يغفر لكم ذنوبكم و من مزيدة و قيل إن من هاهنا للتبعيض و المعنى يغفر لكم ذنوبكم السالفة و هي بعض الذنوب التي تضاف إليكم و لما كانت ذنوبهم التي يستأنفونها لا يجوز الوعد بغفرانها على الإطلاق لما يكون في ذلك من الإغراء بالقبيح قيد سبحانه هذا التقييد « و يؤخركم إلى أجل مسمى » و في هذا دلالة على ثبوت أجلين كأنه شرط في الوعد بالأجل المسمى عبادة الله و التقوى فلما لم يقع ذلك منهم اقتطعوا بعذاب الاستيصال قبل الأجل الأقصى بالأجل الأدنى ثم قال « إن أجل الله » يعني الأقصى « إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون » صحة ذلك و تؤمنون به قال الحسن يعني بأجل الله يوم القيامة جعله أجلا للبعث و يجوز أن يكون هذا حكاية عن قول نوح (عليه السلام) لقومه أن يكون إخبارا منه سبحانه عن نفسه « قال » نوح « رب إني دعوت قومي ليلا و نهارا » إلى عبادتك و خلع الأنداد من دونك و إلى الإقرار بنبوتي « فلم يزدهم دعائي إلا فرارا » أي لم يزدادوا بدعائي إياهم إلا فرارا من قبوله و نفارا منه و إدبارا عنه و إنما سمي كفرهم عند دعائه زيادة في الكفر لأنهم كانوا على كفر و ضلال فلما دعاهم نوح (عليه السلام) إلى الإقلاع عن ذلك و الإقرار به و لم يقبلوه فكفروا بذلك كان ذلك زيادة في الكفر لأن الزيادة هي إضافة الشيء إلى مقدار قد كان حاصلا و لو حصلا جميعا في وقت واحد لم يكن لأحدهما زيادة على الآخر « و إني كلما دعوتهم » إلى إخلاص عبادتك « لتغفر لهم » سيئاتهم « جعلوا أصابعهم في آذانهم » لئلا يسمعوا كلامي و دعائي « و استغشوا ثيابهم » أي غطوا بها وجوههم لئلا يروني « و أصروا » أي داموا على كفرهم « و استكبروا استكبارا » أي تكبروا و أنفوا عن قبول الحق و الإصرار الإقامة على الأمر بالعزيمة عليه فلما كانوا عازمين على الكفر كانوا مصرين و قيل إن الرجل منهم كان يذهب بابنه إلى نوح فيقول له احذر هذا لا يغوينك فإن أبي قد ذهب بي إليه و أنا مثلك فحذرني مثل ما حذرتك عن قتادة « ثم إني دعوتهم جهارا » أي بأعلى صوتي عن ابن عباس و قيل مجاهرة

مجمع البيان ج : 10 ص : 543
يرى بعضهم بعضا أي ظاهرا غير خفي « ثم إني أعلنت لهم و أسررت لهم إسرارا » أي دعوتهم في العلانية و في السر و قيل معناه إني أعلنت جماعة بالدعوة و أسررت جماعة ثم أعلنت للذين أسررت و أسررت للذين أعلنت لهم و معناه إني سلكت معهم في الدعوة كل مذهب و تلطفت لهم في ذلك غاية التلطف فلم يجيبوا « فقلت استغفروا ربكم » أي اطلبوا منه المغفرة على كفركم و معاصيكم « إنه كان غفارا » لكل من طلب منه المغفرة فمتى رجعتم عن كفركم و أطعتموه « يرسل السماء عليكم مدرارا » أي كثيرة الدرور بالغيث و قيل إنهم كانوا قد قحطوا و أسنتوا و هلكت أموالهم و أولادهم فلذلك رغبهم في رد ذلك بالاستغفار مع الإيمان و الرجوع إلى الله قال الشعبي قحط المطر على عهد عمر بن الخطاب فصعد المنبر ليستسقي فلم يذكر إلا الاستغفار حتى نزل فلما نزل قيل له ما سمعناك استسقيت قال لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي بها يستنزل القطر ثم قرأ هذه الآية « و يمددكم بأموال و بنين » أي يكثر أموالكم و أولادكم الذكور عن عطا « و يجعل لكم جنات » أي بساتين في الدنيا « و يجعل لكم أنهارا » تسقون بها جناتكم قال قتادة علم نبي الله نوح أنهم كانوا أهل حرص على الدنيا فقال هلموا إلى طاعة الله فإن فيها درك الدنيا و الآخرة و روى الربيع بن صبيح أن رجلا أتى الحسن فشكا إليه الجدوبة فقال له الحسن استغفر الله و أتاه آخر فشكا إليه الفقر فقال له استغفر الله و أتاه آخر فقال ادع الله أن يرزقني ابنا فقال له استغفر الله فقلنا أتاك رجال يشكون أبوابا و يسألون أنواعا فأمرتهم كلهم بالاستغفار فقال ما قلت ذلك من ذات نفسي إنما اعتبرت فيه قول الله تعالى حكاية عن نبيه نوح إنه قال لقومه « استغفروا ربكم إنه كان غفارا » إلى آخره و روى علي بن مهزيار عن حماد بن عيسى عن محمد بن يوسف عن أبيه قال سأل رجل أبا جعفر (عليه السلام) و أنا عنده فقال له جعلت فداك إني كثير المال و ليس يولد لي ولد فهل من حيلة قال نعم استغفر ربك سنة في آخر الليل مائة مرة فإن ضيعت ذلك بالليل فاقضه بالنهار فإن الله يقول « استغفروا ربكم » إلى آخره ثم قال نوح (عليه السلام) لهم على وجه التبكيت « ما لكم » معاشر الكفار « لا ترجون لله وقارا » أي لا تخافون لله عظمة فالوقار العظمة اسم من التوقير و هو التعظيم و الرجاء الخوف هنا و المعنى لا تعظمون الله حق عظمته فتوحدوه و تطيعوه عن ابن عباس و مجاهد و قيل معناه ما لكم لا ترجون لله
مجمع البيان ج : 10 ص : 544

عاقبة عن قتادة أي لا تطمعون في عاقبة لعظمة الله تعالى و قيل معناه ما لكم لا تخافون الله عذابا و لا ترجون منه ثوابا في رواية أخرى عن ابن عباس و قيل معناه ما لكم لا ترجون لله عاقبة الإيمان و توحدون الله عن الزجاج و قيل معناه ما لكم لا تعتقدون لله إثباتا عن أبي مسلم « و قد خلقكم أطوارا » أي خلقكم طورا نطفة ثم طورا علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسا العظام لحما ثم أنشأه خلقا آخر نبت له الشعر و كمل له الصورة عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل أطوارا أحوالا حالا بعد حال و قيل معناه صبيانا ثم شبانا ثم شيوخا و قيل خلقكم مختلفين في الصفات أغنياء و فقراء و زمناء و أصحاء و طوالا و قصارا و الآية محتملة للجميع .

مجمع البيان ج : 10 ص : 545
أَ لَمْ تَرَوْا كَيْف خَلَقَ اللَّهُ سبْعَ سمَوَت طِبَاقاً(15) وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَ جَعَلَ الشمْس سِرَاجاً(16) وَ اللَّهُ أَنبَتَكم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً(17) ثمَّ يُعِيدُكمْ فِيهَا وَ يخْرِجُكمْ إِخْرَاجاً(18) وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكمُ الأَرْض بِساطاً(19) لِّتَسلُكُوا مِنهَا سبُلاً فِجَاجاً(20) قَالَ نُوحٌ رَّب إِنهُمْ عَصوْنى وَ اتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَ وَلَدُهُ إِلا خَساراً(21) وَ مَكَرُوا مَكْراً كبَّاراً(22) وَ قَالُوا لا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكمْ وَ لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سوَاعاً وَ لا يَغُوث وَ يَعُوقَ وَ نَسراً(23) وَ قَدْ أَضلُّوا كَثِيراً وَ لا تَزِدِ الظلِمِينَ إِلا ضلَلاً(24) مِّمَّا خَطِيئَتهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يجِدُوا لهَُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصاراً(25) وَ قَالَ نُوحٌ رَّب لا تَذَرْ عَلى الأَرْضِ مِنَ الْكَفِرِينَ دَيَّاراً(26) إِنَّك إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَك وَ لا يَلِدُوا إِلا فَاجِراً كفَّاراً(27) رَّب اغْفِرْ لى وَ لِوَلِدَى وَ لِمَن دَخَلَ بَيْتىَ مُؤْمِناً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَتِ وَ لا َزِدِ الظلِمِينَ إِلا تَبَارَا(28)

القراءة

قرأ أهل المدينة ودا بالضم و الباقون بالفتح و قرأ أبو عمرو مما خطاياهم و الباقون « مما خطيئاتهم » بالتاء و المد و الهمزة و قد ذكرنا الاختلاف في ولده في سورة مريم (عليهاالسلام) .

الحجة

قال أبو عبيدة زعموا أن ودا كان صنم لهذا الحي من كلب و حكاه بالفتح قال و سمعت قول الشاعر :
فحياك ود ما هداك لفتية
و خوص بأعلى ذي طوالة هجد و قال أبو الحسن ضم أهل المدينة الواو و عسى أن يكون لغة في اسم الصنم و سمعت هذا البيت :
حياك ودا فإنا لا يحل لنا
لهو النساء و أن الدين قد عزما الواو مضمومة و خطاياهم جمع التكسير و خطيئات جمع التصحيح و ما زائدة كالتي في قوله فبما رحمة من الله و قوله فبما نقضهم ميثاقهم .

اللغة

الفجاج الطرق المتسعة المتفرقة واحدها فج و قيل الفج المسلك بين جبلين و السواع هنا صنم و في غيره الساعة من الليل و مثله السعواء و الكبار الكبير جدا يقال كبير ثم كبار ثم كبار و مثله عجيب و عجاب و عجاب و حسن و حسان و حسان و روي أن أعرابيا سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقرأ « و مكروا مكرا كبارا » فقال ما أفصح ربك يا محمد و هذا من جفاء الأعراب لأن الله تعالى سبحانه لا يوصف بالفصاحة و ديارا فيعال من الدوران و نحوه القيام و الأصل قيوام و ديوار فقلبت الواو ياء و أدغمت إحداهما في الأخرى قال الزجاج يقال ما بالدار ديار أي ما بها أحد يدور في الأرض قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 10 ص : 546


و ما نبالي إذا ما كنت جارتنا
أن لا يجاورنا إلاك ديار فجعل المتصل موضع المنفصل ضرورة .

الإعراب

طباقا منصوبا على أحد وجهين أن يكون على تقدير خلقهن طباقا و أن يكون نعتا لسبع أي سبع سماوات ذات طباق نباتا مصدر فعل محذوف تقديره أنبتكم فنبتم نباتا و قال الزجاج هو محمول على المعنى لأن معنى أنبتكم جعلكم تنبتون نباتا و ما من قوله « مما خطيئاتهم » مزيدة لتأكيد الكلام .

المعنى

ثم خاطب سبحانه المكلفين منبها لهم على توحيده فقال « أ لم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا » أي واحدة فوق الأخرى كالقباب « و جعل القمر فيهن نورا » قيل فيه وجوه ( أحدها ) أن المعنى و جعل القمر نورا في السماوات و الأرض عن ابن عباس قال يضيء ظهره لما يليه من السماوات و يضيء وجهه لأهل الأرض و كذلك الشمس ( و ثانيها ) أن معنى فيهن معهن يعني و جعل القمر معهن أي مع خلق السماوات نورا لأهل الأرض ( و ثالثها ) أن معنى فيهن في حيزهن و إن كان في واحدة منها كما تقول أتيت بني تميم و إنما أتيت بعضهم « و جعل الشمس سراجا » أي مصباحا يضيء لأهل الأرض كما كانت الشمس جعل فيها النور للاستضاءة به كانت سراجا فهي سراج العالم كما أن المصباح سراج الإنسان « و الله أنبتكم من الأرض نباتا » يعني مبتدأ خلق آدم و آدم خلق من الأرض و الناس ولده و هذا كقوله « و بث منهما رجالا كثيرا و نساء » و قيل معناه أنه أنشأ جميع الخلق باغتذاء ما تنبته الأرض و نما فيها و قيل معناه أنبتكم من الأرض بالكبر بعد الصغر و بالطول بعد القصر « ثم يعيدكم فيها » أي في الأرض أمواتا « و يخرجكم » منها عند البعث أحياء « إخراجا » و إنما ذكر المصدر تأكيدا « و الله جعل لكم الأرض بساطا » أي مبسوطة ليمكنكم المشي عليها و الاستقرار فيها ثم بين أنه إنما جعلها كذلك « لتسلكوا منها سبلا فجاجا » أي طرقا واسعة و قيل طرقا مختلفة عن ابن عباس و قيل سبلا في الصحاري و فجاجا في الجبال و إنما عدد سبحانه هذه الضروب من النعم امتنانا على خلقه و تنبيها لهم على استحقاقه للعبادة خالصة من كل شرك و دلالة لهم على أنه عالم بمصالحهم و مدبر لهم على ما تقتضيه الحكمة فيجب أن لا يقابلوا هذه النعم الجليلة بالكفر و الجحود ثم عاد سبحانه إلى ذكر نوح (عليه السلام) بقوله « قال نوح » على سبيل الدعاء « رب إنهم عصوني » فيما أمرتهم به و نهيتهم عنه يعني قومه « و اتبعوا من لم يزده ماله و ولده إلا خسارا » أي و اتبعوا أغنياء
 

Back Index Next