جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج10 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


   

مجمع البيان ج : 10 ص : 595
سورة القيامة
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَمَةِ(1) وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ(2) أَ يحْسب الانسنُ أَلَّن نجْمَعَ عِظامَهُ(3) بَلى قَدِرِينَ عَلى أَن نُّسوِّى بَنَانَهُ(4) بَلْ يُرِيدُ الانسنُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ(5) يَسئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَمَةِ(6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصرُ(7) وَ خَسف الْقَمَرُ(8) وَ جُمِعَ الشمْس وَ الْقَمَرُ(9) يَقُولُ الانسنُ يَوْمَئذ أَيْنَ المَْفَرُّ(10) َكلا لا وَزَرَ(11) إِلى رَبِّك يَوْمَئذ المُْستَقَرُّ(12) يُنَبَّؤُا الانسنُ يَوْمَئذِ بِمَا قَدَّمَ وَ أَخَّرَ(13) بَلِ الانسنُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ(14) وَ لَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ(15)

القراءة

قرأ القواس لأقسم و الباقون « لا أقسم » و لم يختلفوا في الثاني أنه « و لا أقسم » و قرأ أهل المدينة برق البصر بفتح الراء و الباقون « برق » بالكسر و في الشواذ قراءة ابن عباس و عكرمة و أيوب السختياني و الحسن المفر بفتح الميم و كسر الفاء و قراءة الزهري المفر بكسر الميم و فتح الفاء .

الحجة

قال أبو علي من قرأ « لا أقسم بيوم القيامة » كانت لا على قوله صلة كالتي في قوله لئلا يعلم أهل الكتاب فإن قلت لا و ما و الحروف التي هن زوائد إنما تكون بين كلامين كقوله مما خطيئاتهم و فبما رحمة من الله و فبما نقضهم و لا تكاد تزاد أولا فقد قالوا إن مجاري القرآن مجاري الكلام الواحد و السورة الواحدة قال و الذي يدل على ذلك أنه قد يذكر الشيء في سورة و يجيء جوابه في سورة أخرى كقوله يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون جاء جوابه في سورة أخرى ما أنت بنعمة ربك بمجنون فلا فصل على هذا بين قوله لئلا يعلم و بين قوله « لا أقسم » فأما من قرأ لأقسم فإن اللام تجوز أن تكون اللام التي تصحبها إحدى النونين في أكثر الأمر و قد حكى ذلك سيبويه و أجازه و كما لم يلحق النون مع الفعل الآتي في لأقسم كذلك لم يحلق اللام مع النون في نحو قول الشاعر :
و قتل مرة أثأرن فإنه
فرع و إن أخاكم لم يثأر يريد لأثأرن فحذف اللام و يجوز أن يكون اللام لحقت فعل الحال و إذا كان المثال للحال لم يتبعها النون لأن هذه النون التي تلحق الفعل في أكثر الأمر إنما هي للفصل بين فعل الحال و الفعل الآتي و قد يمكن أن يكون لا ردا لكلام و زعموا أن الحسن قرأ « لا أقسم بيوم القيامة و لا أقسم بالنفس اللوامة » و قال أقسم بالأولى و لم يقسم بالثانية و حكي نحو ذلك عن ابن أبي إسحاق أيضا و ذكر أبو علي في غير كتاب الحجة أن اللام زيادة لأن القسم لا يدخل
مجمع البيان ج : 10 ص : 596

على القسم و قال ابن جني ينبغي أن تكون هذه اللام لام الابتداء أي لأنا أقسم بيوم القيامة و حذف المبتدأ للعلم به و قال أبو الحسن برق البصر أكثر في كلام العرب و المفتوحة لغة قال الزجاج من قرأ « برق » فمعناه فزع و تحير و من قرأ برق فهو من بريق العينين و قال أبو عبيدة برق البصر إذا شق و أنشد :
لما أتاني ابن صبيح راغبا
أعطيته عيساء منها فبرق و المفر الفرار و المفر بكسر الفاء الموضع الذي يفر إليه و المفر بكسر الميم و فتح الفاء الإنسان الجيد الفرار و قال امرؤ القيس :
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من عل .

الإعراب

« بلى قادرين » نصب على الحال و التقدير بلى بجمعها قادرين فالعامل في الحال محذوف لدلالة ما تقدم عليه كما في قوله فإن خفتم فرجالا أي فصلوا رجالا و مفعول يريد محذوف تقديره بل يريد الإنسان الحياة ليفجر و يسأل جملة في موضع الحال و « لا وزر » خبره محذوف و تقديره لا وزر في الوجود و قوله « بل الإنسان على نفسه بصيرة » قيل في تفسيره أقوال ( أحدها ) أن المعنى بل الإنسان على نفسه عين بصيرة ( و الثاني ) حجة بصيرة أي بينة ( و الثالث ) أن الهاء للمبالغة كما يقال رجل علامة و نسابة و قال علي بن عيسى تقديره بل الإنسان على نفسه من نفسه بصيرة أي جوارحه شاهدة عليه يوم القيامة فأنت بصيرة لأنه حمل الإنسان على النفس و جواب لو محذوف تقديره و لو ألقى معاذيره و لم ينفعه ذلك و يجوز أن يكون جوابه فيما سبق .

المعنى


« لا أقسم بيوم القيامة » قيل إن لا صلة و معناه أقسم بيوم القيامة عن ابن عباس و سعيد بن جبير و قيل إن لا رد على الذين أنكروا البعث و النشور من المشركين فكأنه قال لا كما تظنون ثم ابتدأ القسم فقال أقسم بيوم القيامة أنكم مبعوثون ليكون فرقا بين اليمين التي تكون جحدا و بين اليمين المستأنفة و قيل معناه لا أقسم بيوم القيامة لظهورها بالدلائل العقلية و السمعية و قيل معناه لا أقسم بيوم القيامة فإنكم لا تقرون بها « و لا أقسم بالنفس
مجمع البيان ج : 10 ص : 597
اللوامة » فإنكم لا تقرون بأن النفس تلوم صاحبها يوم القيامة و لكن استخبركم فأخبروني هل أقدر على أن أجمع العظام المتفرقة و هذان الوجهان عن أبي مسلم و قيل معناه أقسم بيوم القيامة و لا أقسم بالنفس اللوامة أقسم بالأول و لم يقسم بالثاني عن الحسن قال علي بن عيسى و هذا ضعيف لأنه يخرج عن تشاكل الكلام و الأولى أن يكونا قسمين و هو قول الأكثرين و جواب القسم محذوف تقديره ما الأمر على ما تتوهمون و إنكم تبعثون أو لتبعثن و من قرأ لأقسم فإنه يجعلها جواب القسم و حذف النون لأنه أراد الحال و قد ذكرنا ما قيل فيه و النفس اللوامة الكثيرة اللوم و ليس من نفس برة و لا فاجرة إلا و هي تلوم نفسها يوم القيامة إن كانت عملت خيرا قالت هلا ازددت و إن كانت عملت سوءا قالت يا ليتني لم أفعل عن ابن عباس في رواية عطاء و قال مجاهد تلوم على ما مضى تقول لم فعلت و لم لم أفعل و قيل النفس اللوامة الكافرة الفاجرة عن قتادة و مجاهد و معناه ذات اللوم الكثير لما سلف منها و قيل هي النفس المؤمنة تلوم نفسها في الدنيا و تحاسبها فتقول ما ذا فعلت و لم قصرت فتكون مفكرة في العواقب أبدا و الفاجر لا يفكر في أمر الآخرة و لا يحاسب نفسه عن الحسن « أ يحسب الإنسان » صورته صورة الاستفهام و معناه الإنكار على منكري البعث و معناه أ يحسب الكافر بالبعث و النشور يعني جنس الكفار « أن لن نجمع عظامه » أي أنه لن نعيده إلى ما كان أولا خلقا جديدا بعد أن صار رفاتا فكني عن البعث بجمع العظام ثم قال سبحانه « بلى » نجمعها « قادرين على أن نسوي بنانه » على ما كانت و إن قلت عظامها و صغرت فنردها كما كانت و نؤلف بينها حتى يستوي البنان و من قدر على جمع صغار العظام فهو على جمع كبارها أقدر عن الزجاج و الجبائي و أبي مسلم و قيل معناه نقدر على أن نجعل بنانه كالخلف و الحافر فيتناول المأكول بفيه و لكنا مننا عليه بالأنامل ليكمل بها المنفعة و يتهيأ له القبض و البسط و الارتفاق بالأعمال اللطيفة كالكتابة و غيرها عن ابن عباس و قتادة « بل يريد الإنسان » أي يريد الكافر « ليفجر أمامه » هذا إخبار من الله تعالى أن الإنسان يمضي قدما في معاصي الله تعالى راكبا رأسه لا ينزع عنها و لا يتوب عن مجاهد و الحسن و عكرمة و السدي أي فهذا هو الذي يحمله على الإعراض عن مقدورات ربه فلذلك لا يقر بالبعث و ينكر النشور و قيل ليفجر أمامه أي ليفكر بما قدامه من البعث و يكذب به فالفجور و هو التكذيب و عن الزجاج قال و يجوز أن يريد أنه يسوف التوبة و يقدم الأعمال السيئة و قال ابن الأنباري يريد أن يفجر ما امتد عمره و ليس في نيته أن يرجع عن ذنب يرتكبه و قيل معناه أنه يقول أعمل ثم أتوب عن عطية و المراد أنه يتعجل المعصية ثم يسوف التوبة يقول غدا و بعد غد « يسأل أيان يوم القيامة » معناه أن الذي يفجر أمامه يسأل متى تكون القيامة فإن معنى أيان متى إلا أن السؤال بمتى أكثر من السؤال بأيان
مجمع البيان ج : 10 ص : 598
فلذلك حسن أن يفسر بها و إنما يسأل عن ذلك تكذيبا و اشتغالا بالدنيا من غير تفكر في العاقبة فإذا خوف بالقيامة قال متى يكون ذلك ثم قال سبحانه « فإذا برق البصر » أي شخص البصر عند معاينة ملك الموت فلا يطرف من شدة الفزع و قيل إذا فزع و تحير لما يرى من أهوال القيامة و أحوالها مما كان يكذب به في الدنيا و هذا كقوله لا يرتد إليهم طرفهم عن قتادة و أبي مسلم « و خسف القمر » أي ذهب نوره و ضوءه « و جمع الشمس و القمر » جمع بينهما في ذهاب ضوئهما بالخسوف ليتكامل ظلام الأرض على أهلها حتى يراها كل أحد بغير نور و ضياء عن مجاهد و هو اختيار الفراء و الزجاج و الجمع على ثلاثة أقسام جمع في المكان و جمع في الزمان و جمع الأعراض في المحل فأما جمع الشيئين في حكم أو صفة فمجاز لأن حقيقة الجمع جعل أحد الشيئين مع الآخر و قيل جمع بينهما في طلوعهما من المغرب كالبعيرين القرينين عن ابن مسعود « يقول الإنسان » المكذب بالقيامة « يومئذ أين المفر » أي أين الفرار و يجوز أن يكون معناه أين موضع الفرار عن الفراء و قال الزجاج المفر بالفتح الفرار و المفر بالكسر مكان الفرار قال الله سبحانه « كلا لا وزر » أي لا مهرب و لا ملجأ لهم يلجئون إليه و الوزر ما يتحصن به من جبل أو غيره و منه الوزير الذي يلجأ إليه في الأمور و قيل معناه لا حصن عن الضحاك « إلى ربك يومئذ المستقر » أي المنتهى عن قتادة أي ينتهي الخلق يومئذ إلى حكمه و أمره فلا حكم و لا أمر لأحد غيره و قيل المستقر المكان الذي يستقر فيه المؤمن و الكافر و ذلك إلى الله لا إلى العباد و قيل المستقر المصير و المرجع عن ابن مسعود و المستقر على وجهين مستقر إلى أمد و مستقر إلى الأبد « ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدم و أخر » أي يخبر الإنسان يوم القيامة بأول عمله و آخره فيجازى به عن مجاهد و قيل معناه بما قدم من العمل في حياته و ما سنه فعمل به بعد موته من خير أو شر و قيل بما قدم من المعاصي و أخر من الطاعات عن ابن عباس و قيل بما أخذ و ترك عن ابن زيد و قيل بما قدم من طاعة الله و أخر من حق الله فضيعه عن قتادة و قيل بما قدم من ماله لنفسه و ما خلقه لورثته بعده عن زيد بن أسلم و حقيقة النبإ الخبر بما يعظم شأنه و إنما حسن في هذا الموضع لأن ما جرى مجرى المباح لا يعتد به في هذا الباب و إنما هو ما يستحق عليه الجزاء فأما ما وجوده كعدمه فلا اعتبار به « بل الإنسان على نفسه بصيرة » أي إن جوارحه تشهد عليه بما عمل فهو شاهد على نفسه بشهادة جوارحه عليه عن ابن عباس و عكرمة و مقاتل و قال القتيبي أقام جوارحه مقام نفسه و لذلك أنث لأن المراد بالإنسان هاهنا الجوارح و قال الأخفش هي كقولك فلان حجة و عبرة و دليله قوله تعالى كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا و قيل معناه أن الإنسان بصير بنفسه و عمله و روى العياشي بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ما يصنع
مجمع البيان ج : 10 ص : 599
أحدكم أن يظهر حسنا و يسر سيئا أ ليس إذا رجع إلى نفسه يعلم أنه ليس كذلك و الله سبحانه يقول « بل الإنسان على نفسه بصيرة » إن السريرة إذا صلحت قويت العلانية عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه تلا هذه الآية ثم قال ما يصنع الإنسان أن يتعذر إلى الناس خلاف ما يعلم الله منه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يقول من أسر سريرة رداه الله رداءها إن خيرا فخير و إن شرا فشر و عن زرارة قال سألت أبا عبد الله ما حد المرض الذي يفطر صاحبه قال « بل الإنسان على نفسه بصيرة » هو أعلم بما يطيق و في رواية أخرى هو أعلم بنفسه ذاك إليه « و لو ألقى معاذيره » أي و لو اعتذر و جادل عن نفسه لم ينفعه ذلك يقال معذرة و معاذر و معاذير و هي ذكر موانع تقطع عن الفعل المطلوب و قيل معناه و لو أرخى الستور و أغلق الأبواب عن الضحاك و السدي قال الزجاج معناه و لو أدلى بكل حجة عنده و جاء في التفسير المعاذير الستور واحدها معذار و قال المبرد هي لغة طائية و المعنى على هذا القول و إن أسبل الستور ليخفي ما يعمل فإن نفسه شاهدة عليه .
لا تحَرِّك بِهِ لِسانَك لِتَعْجَلَ بِهِ(16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَ قُرْءَانَهُ(17) فَإِذَا قَرَأْنَهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ(18) ثمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ(19) َكلا بَلْ تحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ(20) وَ تَذَرُونَ الاَخِرَةَ(21) وُجُوهٌ يَوْمَئذ نَّاضِرَةٌ(22) إِلى رَبهَا نَاظِرَةٌ(23) وَ وُجُوهٌ يَوْمَئذِ بَاسِرَةٌ(24) تَظنُّ أَن يُفْعَلَ بهَا فَاقِرَةٌ(25)

القراءة

قرأ أهل المدينة و الكوفة تحبون و تذرون بالتاء و الباقون بالياء .

الحجة


من قرأ بالتاء فعلى معنى قل لهم بل تحبون و تذرون و من قرأ بالياء فعلى معنى هم يحبون و يذرون قال أبو علي الياء على ما تقدم من ذكر الإنسان فإن المراد به الكثرة و العموم كقوله إن الإنسان خلق هلوعا ثم قال إلا المصلين .

اللغة

التحريك تصيير الشيء من مكان إلى مكان أو من جهة إلى جهة بفعل الحركة
مجمع البيان ج : 10 ص : 600
فيه و الحركة ما به يتحرك المتحرك و المتحرك هو المنتقل من جهة إلى غيرها و اللسان آلة الكلام و العجلة طلب عمل الشيء قبل وقته الذي ينبغي أن يعمل فيه و نقيضه الإبطاء و السرعة عمل الشيء في أول الوقت الذي هو له و ضده الأناة و القرآن أصله الضم و الجمع و هو مصدر كالرجحان و النقصان و البيان إظهار المعنى للنفس بما يتميز به عن غيره و نقيض البيان الإخفاء و الإغماض و النصرة مثل البهجة و الطلاقة و ضده العبوس و البسور نضر وجهه ينضر نضارة و نضرة فهو ناضر و النظر تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئي طلبا لرؤيته و يكون النظر بمعنى الانتظار كما قال عز شأنه و إني مرسلة إليهم بهدية فناظرة أي منتظرة و قال الشاعر :
وجوه يوم بدر ناظرات
إلى الرحمن تنتظر الفلاحا ثم يستعمل في الفكر فيقال نظرت في هذه المسألة أي تفكرت و منه المناظرة و تكون من المقابلة يقال دور بني فلان تتناظر أي تتقابل و الفاقرة الكاسرة لفقار الظهر شدة و قيل الفاقرة الداهية و الآبدة .

المعنى

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « لا تحرك به لسانك لتعجل به » قال ابن عباس كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا نزل عليه القرآن عجل بتحريك لسانه لحبه إياه و حرصه على أخذه و ضبطه مخافة أن ينساه فنهاه الله عن ذلك و في رواية سعيد بن جبير عنه أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يعاجل من التنزيل شدة و كان يشتد عليه حفظه فكان يحرك لسانه و شفتيه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي فقال سبحانه « لا تحرك به » أي بالوحي أو بالقرآن لسانك يعني بالقراءة لتعجل به أي لتأخذه كما قال و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه « إن علينا جمعه » في صدرك حتى تحفظه « و قرآنه » أي و تأليفه على ما نزل عليك عن قتادة و قيل معناه إن علينا جمعه و قرآنه عليك حتى تحفظه و يمكنك تلاوته فلا تخف فوت شيء منه عن ابن عباس و الضحاك « فإذا قرأناه » أي قرأه جبريل عليك بأمرنا « فاتبع قرآنه » أي قراءته عن ابن عباس و المعنى اقرأه إذا فرغ جبريل عن قراءته قال فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد هذا إذا نزل عليه جبريل (عليه السلام) أطرق فإذا ذهب قرأ و قيل « فاتبع قرآنه » أي فاعمل بما فيه من الأحكام و الحلال و الحرام عن قتادة و الضحاك و قال البلخي الذي اختاره أنه لم يرد القرآن و إنما أراد قراءة العباد لكتبهم يوم القيامة يدل على ذلك ما قبله و ما بعده و ليس فيه شيء يدل على أنه القرآن و لا شيء من أحكام الدنيا و في ذلك تقريع للعبد و توبيخ له حين لا تنفعه العجلة يقول لا تحرك لسانك بما تقرأه من صحيفتك التي فيها أعمالك يعني اقرأ كتابك و لا تعجل فإن هذا الذي هو على نفسه
مجمع البيان ج : 10 ص : 601
بصيرة إذا رأى سيئاته ضجر و استعجل فيقال له توبيخا لا تعجل و تثبت لتعلم الحجة عليك فإنا نجمعها لك فإذا جمعناه فاتبع ما جمع عليك بالانقياد لحكمه و الاستسلام للتبعة فيه فإنه لا يمكنك إنكاره « ثم إن علينا بيانه » لو أنكرت و قال الحسن معناه ثم إن علينا بيان ما أنبأناك أنا فاعلون في الآخرة و تحقيقه و قيل يريد أنا نبين لك معناه إذا حفظته عن قتادة و قيل معناه ثم إن علينا أن نحفظه عليك حتى تبين للناس بتلاوتك إياه عليهم و قيل معناه علينا أن ننزله قرآنا عربيا فيه بيان للناس عن الزجاج و في هذا دلالة على أنه لا تعمية في القرآن و لا الغاز و لا دلالة فيه على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة و إنما يدل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب « كلا » أي لا تتدبرون القرآن و ما فيه من البيان « بل تحبون العاجلة و تذرون الآخرة » أي تختارون الدنيا على العقبي فيعلمون للدنيا لا للآخرة جهلا منهم و سوء اختيار ثم بين سبحانه حال الناس في الآخرة فقال « وجوه يومئذ » يعني يوم القيامة « ناضرة » أي ناعمة بهجة حسنة عن ابن عباس و الحسن و قيل مسرورة عن مجاهد و قيل مضيئة بيض يعلوها النور عن السدي و مقاتل جعل الله سبحانه وجوه المؤمنين المستحقين للثواب بهذه الصفة علامة للخلق و الملائكة على أنهم الفائزون « إلى ربها ناظرة » اختلف فيه على وجهين ( أحدهما ) أن معناه نظر العين ( و الثاني ) أنه الانتظار و اختلف من حمله على نظر العين على قولين ( أحدهما ) أن المراد إلى ثواب ربها ناظرة أي هي ناظرة إلى نعيم الجنة حالا بعد حال فيزداد بذلك سرورها و ذكر الوجوه و المراد أصحاب الوجوه روي ذلك عن جماعة من علماء المفسرين من الصحابة و التابعين لهم و غيرهم فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه كما في قوله تعالى و جاء ربك أي أمر ربك و قوله و أنا أدعوكم إلى العزيز الغفار أي إلى طاعة العزيز الغفار و توحيده و قوله إن الذين يؤذون الله أي أولياء الله ( و الآخر ) أن النظر بمعنى الرؤية و المعنى تنظر إلى الله معاينة رووا ذلك عن الكلبي و مقاتل و عطاء و غيرهم و هذا لا يجوز لأن كل منظور إليه بالعين مشار إليه بالحدقة و اللحاظ و الله يتعالى عن أن يشار إليه بالعين كما يجل سبحانه عن أن يشار إليه بالأصابع و أيضا فإن الرؤية بالحاسة لا تتم إلا بالمقابلة و التوجه و الله يتعالى عن ذلك بالاتفاق و أيضا فإن رؤية الحاسة لا تتم إلا باتصال الشعاع بالمرئي و الله منزه عن اتصال الشعاع به على أن النظر لا يفيد الرؤية في اللغة فإنه إذا علق بالعين أفاد طلب الرؤية كما أنه إذا علق بالقلب أفاد طلب المعرفة بدلالة قولهم نظرت إلى الهلال فلم أره فلو أفاد النظر الرؤية لكان هذا القول ساقطا متناقضا و قولهم ما زلت أنظر إليه حتى رأيته و الشيء لا يجعل غاية لنفسه فلا يقال ما زلت أراه حتى رأيته و لأنا نعلم الناظر ناظرا بالضرورة و لا نعلمه رائيا بالضرورة بدلالة أنا نسأله
مجمع البيان ج : 10 ص : 602

هل رأيت أم لا و أما من حمل النظر في الآية على الانتظار فإنهم اختلفوا في معناه على أقوال ( أحدها ) أن المعنى منتظرة لثواب ربها و روي ذلك عن مجاهد و الحسن و سعيد بن جبير و الضحاك و هو المروي عن علي (عليه السلام) و من اعترض على هذا بأن قال إن النظر بمعنى الانتظار لا يتعدى بإلى فلا يقال انتظرت إليه و إنما يقال انتظرته فالجواب عنه على وجوه منها أنه قد جاء في الشعر بمعنى الانتظار معدي بإلى كما في البيت الذي سبق ذكره :
ناظرات إلى الرحمن و كقول جميل بن معمر :
و إذا نظرت إليك من ملك
و البحر دونك جدتني نعما و قول الآخر :
إني إليك لما وعدت لناظر
نظر الفقير إلى الغني الموسر و نظائره كثيرة و منها أن تحمل إلى في قوله « إلى ربها ناظرة » على أنها اسم فهو واحد الآلاء التي هي النعم فإن في واحدها أربع لغات إلي و ألى مثل معا و قفا و إلي و إلي مثل جدي و حسي و سقط التنوين بالإضافة و قال أعشى وائل :
أبيض لا يرهب الهزال و لا
يقطع رحما و لا يخون إلى أي لا يخون نعمة من أنعم عليه و ليس لأحد أن يقول إن هذا من أقوال المتأخرين و قد سبقهم الإجماع فإنا لا نسلم ذلك لما ذكرناه من أن عليا (عليه السلام) و مجاهدا و الحسن و غيرهم قالوا المراد بذلك تنتظر الثواب و منها أن لفظ النظر يجوز أن يعدى بإلى في الانتظار على المعنى كما أن الرؤية عديت بإلى في قوله تعالى أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل فأجرى الكلام على المعنى و لا يقال رأيت إلى فلان و من إجراء الكلام على المعنى قول الفرزدق :
و لقد عجبت إلى هوازن أصبحت
مني تلوذ ببطن أم جرير فعدي عجبت بإلى لأن المعنى نظرت ( و ثانيها ) أن معناه مؤملة لتجديد الكرامة كما يقال عيني ممدودة إلى الله تعالى و إلى فلان و أنا شاخص الطرف إلى فلان و لما كانت العيون بعض أعضاء الوجوه أضيف الفعل الذي يقع بالعين إليها عن أبي مسلم ( و ثالثها ) أن المعنى
مجمع البيان ج : 10 ص : 603
أنهم قطعوا آمالهم و أطماعهم عن كل شيء سوى الله تعالى و وجوده دون غيره فكنى سبحانه عن الطمع بالنظر أ لا ترى أن الرعية تتوقع نظر السلطان و تطمع في إفضاله عليها و إسعافه في حوائجها فنظر الناس مختلف فناظر إلى سلطان و ناظر إلى تجارة و ناظر إلى زراعة و ناظر إلى ربه يؤمله و هذه الأقوال متقاربة في المعنى و على هذا فإن هذا الانتظار متى يكون فقيل إنه بعد الاستقرار في الجنة و قيل إنه قبل استقرار الخلق في الجنة و النار فكل فريق ينتظر ما هو له أهل و هذا اختيار القاضي عبد الجبار و ذكر جمهور أهل العدل أن النظر يجوز أن يحمل على المعنيين جميعا و لا مانع لنا من حمله على الوجهين فكأنه سبحانه أراد أنهم ينظرون إلى الثواب المعد لهم في الحال من أنواع النعيم و ينتظرون أمثالها حالا بعد حال ليتم لهم ما يستحقونه من الإجلال و يسأل على هذا فيقال إذا كان بمعنى النظر بالعين حقيقة و بمعنى الانتظار مجازا فكيف يحمل عليهما و الجواب أن عند أكثر المتكلمين في أصول الفقه يجوز أن يراد بلفظة واحدة إذ لا تنافي بينهما و هو اختيار المرتضى قدس الله روحه و لم يجوز ذلك أبو هاشم إلا إذا تكلم به مرتين مرة يريد النظر و مرة يريد الانتظار و أما قولهم المنتظر لا يكون نعيمه خالصا فكيف يوصف أهل الجنة بالانتظار فالجواب عنه أن من ينتظر شيئا لا يحتاج إليه في الحال و هو واثق بوصوله إليه عند حاجته فإنه لا يهتم بذلك و لا يتنغص سروره به بل ذلك زائد في نعيمه و إنما يلحق الهم المنتظر إذا كان يحتاج إلى ما ينتظره في الحال و يلحقه بفوته مضرة و هو غير واثق بالوصول إليه و قد قيل في إضافة النظر إلى الوجوه إن الغم و السرور إنما يظاهران في الوجوه فبين الله سبحانه أن المؤمن إذا ورد يوم القيامة تهلل وجهه و أن الكافر العاصي يخاف مغبة أفعاله القبيحة فيكلح وجهه و هو قوله « و وجوه يومئذ باسرة » أي كالحة عابسة متغيرة « تظن أن يفعل بها فاقرة » أي تعلم و تستيقن أنه يعمل بها داهية تفقر ظهورهم أي تكسرها و قيل إنه على حقيقة الظن أي يظنون حصولها جملة و لا يعلمون تفصيلها و هذا أولى من الأول لأنه لو كان بمعنى العلم لكان أن بعده مخففة من أن الثقيلة على ما ذكر في غير موضع و ذكر سبحانه هذه الوجوه الظانة في مقابلة الوجوه الناظرة فهؤلاء يرجون تجديد الكرامة و هؤلاء يظنون حلول الفاقرة فيكون حال الوجوه الراجية للأحوال السارة على الضد من حال الوجوه الظانة للفاقرة .

النظم

وجه اتصال قوله « لا تحرك به لسانك » بما قبله أنه لما تقدم ذكر القيامة و الوعيد خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال لا تحرك به لسانك لتعجل قراءته بل كررها عليهم ليتقرر في قلوبهم فإنهم غافلون عن الأدلة ألهاهم حب العاجلة فاحتاجوا إلى زيادة تنبيه و تقرير .

مجمع البيان ج : 10 ص : 604
َكلا إِذَا بَلَغَتِ الترَاقىَ(26) وَ قِيلَ مَنْ رَاق(27) وَ ظنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ(28) وَ الْتَفَّتِ الساقُ بِالساقِ(29) إِلى رَبِّك يَوْمَئذ الْمَساقُ(30) فَلا صدَّقَ وَ لا صلى(31) وَ لَكِن كَذَّب وَ تَوَلى(32) ثمَّ ذَهَب إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطى(33) أَوْلى لَك فَأَوْلى(34) ثمَّ أَوْلى لَك فَأَوْلى(35) أَ يحْسب الانسنُ أَن يُترَك سدىً(36) أَ لَمْ يَك نُطفَةً مِّن مَّنىّ يُمْنى(37) ثمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسوَّى(38) فجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَ الأُنثى(39) أَ لَيْس ذَلِك بِقَدِر عَلى أَن يحْيِىَ المَْوْتى(40)

القراءة

قرأ حفص و رويس يمنى بالياء و الباقون بالتاء .

الحجة

قال أبو علي من قرأ بالتاء حمله على النطفة أي لم يك نطفة تمنى من مني و من قرأ بالياء حمله على المني أي من مني يمني يقدر خلق الإنسان و غيره منها قال :
منت لك أن تلقى ابن هند منية
و فارس مياس إذا ما تلببا و قال آخر :
لعمر أبي عمرو لقد ساقه المنى
إلى جدث يؤزى له بالأهاضب أي ساقه القدر .

اللغة

التراقي جمع الترقوة و هو مقدم الحلق من أعلى الصدر تترقى إليه النفس عند
مجمع البيان ج : 10 ص : 605
الموت و إليه يتراقى البخار من الجوف و هناك تقع الحشرجة قال ذو الرمة :
و رب عظيمة دافعت عنها
و قد بلغت نفوسهم التراقي و الراقي طالب الشفاء رقاه يرقيه رقية إذا طلب له شفاء بأسماء الله الشريفة و آيات كتابه العظيمة و أما العوذة فهي دفع البلية بكلمات الله تعالى و تقول العرب قامت الحرب على ساق يعنون شدة الأمر قال :
فإذ شمرت لك عن ساقها
فويها ربيع و لا تسأم و المطي تمدد البدن من الكسل و أصله أن يلوي مطاه أي ظهره و قيل أصله يتمطط فجعل إحدى الطائين ياء و هو من المط بمعنى المد كقولهم تظنيت و أمليت و نحو ذلك و نهى عن مشية المطيطاء و ذلك أن يلقي الرجل يديه مع التكفي في مشيته .
أولى لك كلمة وعيد و تهديد قالت الخنساء :
هممت بنفسي كل الهموم
فأولى بنفسي أولى لها و السدي المهمل و العلقة القطعة من الدم المنعقد .

الإعراب

في إعراب أولى وجوه ( أحدها ) أن يكون مبتدأ و خبره لك ( و الآخر ) أن يكون خبر مبتدإ محذوف تقديره الشر أولى لك فعلى هذا يكون اللام في لك للاختصاص كأنه قال الشر أولى لك من الخير و يجوز أن يكون بمعنى من تقديره الشر أقرب منك و سدى منصوب على الحال من قوله « يترك » .

المعنى

ثم بين سبحانه حالهم عند النزع فقال « كلا » أي ليس يؤمن الكافر بهذا و قيل معناه حقا « إذا بلغت » النفس أو الروح و لم يذكره لدلالة الكلام عليه كما قال ما ترك على ظهرها من دابة يعني على ظهر الأرض « التراقي » أي العظام المكتنفة بالحلق و كنى بذلك عن الإشفاء على الموت « و قيل من راق » أي و قال من حضره من أهله هل من راق أي طبيب شاف يرقيه و يداويه فلا يجدونه عن أبي قلابة و الضحاك و قتادة و ابن زيد قال قتادة التمسوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من عذاب الله شيئا و قيل إن معناه قالت الملائكة من يرقى بروحه أ ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب عن ابن عباس و مقاتل قال أبو العالية تختصم فيه ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب أيهم يرقي روحه و قال الضحاك أهل الدنيا يجهزون البدن
مجمع البيان ج : 10 ص : 606

و أهل الآخرة يجهزون الروح « و ظن أنه الفراق » أي و علم عند ذلك هذا الذي بلغت روحها تراقيها أنه الفراق من الدنيا و الأهل و المال و الولد و الفراق ضد الوصال و هو بعاد الألاف و جاء في الحديث أن العبد ليعالج كرب الموت و سكراته و مفاصله يسلم بعضها على بعض يقول عليك السلام تفارقني و أفارقك إلى يوم القيامة « و التفت الساق بالساق » قيل فيه وجوه ( أحدها ) التفت شدة أمر الآخرة بأمر الدنيا عن ابن عباس و مجاهد ( و الثاني ) التفت حال الموت بحال الحياة عن الحسن ( و الثالث ) التفت ساقاه عند الموت عن الشعبي و أبي مالك لأنه يذهب القوة فيصير كجلد يلتف بعضه ببعض و قيل هو أن يضطرب فلا يزال يمد إحدى رجليه و يرسل الأخرى و يلف إحداهما بالأخرى عن قتادة و قيل هو التفاف الساقين في الكفن ( و الرابع ) التف ساق الدنيا بساق الآخرة و هو شدة كرب الموت بشدة هول المطلع و المعنى في الجميع أنه تتابعت عليه الشدائد فلا يخرج من شدة إلا جاءه أشد منها « إلى ربك يومئذ المساق » أي مساق الخلائق إلى المحشر الذي لا يملك فيه الأمر و النهي غير الله تعالى و قيل يسوق الملك بروحه إلى حيث أمر الله تعالى به إن كان من أهل الجنة فإلى عليين و إن كان من أهل النار فإلى سجين و المساق موضع السوق « فلا صدق و لا صلى » أي لم يتصدق بشيء و لم يصل لله « و لكن كذب » بالله « و تولى » عن طاعته عن الحسن و قيل معناه لم يصدق بكتاب الله و لا صلى الله و لكن كذب بالكتاب و الرسول و أعرض عن الإيمان عن قتادة « ثم ذهب إلى أهله يتمطى » أي يرجع إليهم يتبختر و يختال في مشيته و قيل إن المراد بذلك أبو جهل بن هشام « أولى لك فأولى » و هذا تهديد من الله له و المعنى وليك المكروه يا أبا جهل و قرب منك و جاءت الرواية أن رسول الله أخذ بيد أبي جهل ثم قال له أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى فقال أبو جهل بأي شيء تهددني لا تستطيع أنت و لا ربك أن تفعلا بي شيئا و إني لأعز أهل هذا الوادي فأنزل الله سبحانه كما قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل معناه الذم أولى لك من تركه إلا أنه حذف و كثر في الكلام حتى صار بمنزلة الويل لك و صار من المحذوف الذي لا يجوز إظهاره و قيل هو وعيد على وعيد عن قتادة و معناه وليك الشر في الدنيا وليك ثم وليك الشر في الآخرة وليك و التكرار للتأكيد و قيل بعدا لك من خيرات الدنيا و بعدا لك من خيرات الآخرة عن الجبائي و قيل أولى لك ما تشاهده يا أبا جهل يوم بدر فأولى لك في القبر ثم أولى لك يوم القيامة فلذلك أدخل ثم فأولى لك في النار « أ يحسب الإنسان » يعني أبا جهل « أن يترك سدى » مهملا لا يؤمر و لا ينهى عن ابن عباس و مجاهد و الألف للاستفهام و المراد الإنكار أي لا ينبغي أن يظن ذلك و قيل أنه عام أي أ يظن الإنسان الكافر بالبعث الجاحد لنعم الله أن يترك مهملا من غير أمر يؤخذ به فيكون فيه
مجمع البيان ج : 10 ص : 607
تقويم له و إصلاح لما هو أعود عليه في عاقبة أمره و أجمل به في دنياه و آخرته « أ لم يك نطفة من مني يمنى » أي كيف يظن أن يهمل و هو يرى في نفسه و من تنقل الأحوال ما يمكنه أن يستدل به على أن له صانعا حكيما أكمل عقله و أقدره و خلق فيه الشهوة فيعلم أنه لا يجوز أن يخليه من التكليف و معنى قوله « يمنى » أي يقدر و قيل معناه يصب في الرحم « ثم كان علقة فخلق » منها خلقا في الرحم « فسوى » خلقه و صورته و أعضاءه الباطنة و الظاهرة في بطن أمه و قيل فسواه إنسانا بعد الولادة و أكمل قوته و قيل معناه فخلق الأجسام فسواها للأفعال و جعل لكل جارحة عملا يختص بها « فجعل منه » أي من الإنسان « الزوجين الذكر و الأنثى » و قيل من المني و هذا إخبار من الله سبحانه أنه لم يخلق الإنسان من المني و لم ينقله من حال إلى حال ليتركه مهملا فإنه لا بد من غرض في ذلك و هو التعريض للثواب بالتكليف « أ ليس ذلك » الذي فعل هذا « بقادر على أن يحيي الموتى » هذا تقرير لهم على أن من قدر على الابتداء قدر على البعث و الإحياء فإن من قدر على جعل النطفة علقة و العلقة مضغة إلى أن يجعلها حيا سليما مركبا فيه الحواس الخمس و الأعضاء الشريفة التي يصلح كل منها لما لا يصلح له الآخر و خلق الزوجين الذكر و الأنثى الذين يصح بهما التناسل فإنه يقدر على إعادته بعد الموت إلى ما كان عليه من كونه حيا و جاء في الحديث عن البراء بن عازب قال لما نزلت هذه الآية « أ ليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى » قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سبحانك اللهم و بلى و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و في الآية دلالة على صحة القياس العقلي فإنه سبحانه اعتبر النشأة الثانية بالنشأة الأولى .

مجمع البيان ج : 10 ص : 608
( 76 ) سورة الإنسان مدنية و آياتها إحدى و ثلاثون ( 31 )
و تسمى سورة الدهر و تسمى سورة الأبرار و منهم من يسميها بفاتحتها و اختلفوا فيها فقيل مكية كلها و قيل مدنية كلها عن مجاهد و قتادة و قيل إنها مدنية إلا قوله « و لا تطع منهم آثما أو كفورا » فإنه مكي عن الحسن و عكرمة و الكلبي و قيل إن قوله « إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا » إلى آخر السورة مكي و الباقي مدني .

عدد آيها

إحدى و ثلاثون آية بالإجماع .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة ( هل أتى ) كان جزاؤه على الله جنة و حريرا و قال أبو جعفر (عليه السلام) من قرأ سورة هل أتى في كل غداة خميس زوجه الله من الحور العين مائة عذراء و أربعة آلاف ثيب و كان مع محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

تفسيرها


ختم الله سبحانه يوم القيامة بأن دل على صحة البعث بخلق الإنسان من نطفة و افتتح هذه السورة بمثل ذلك فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 609

سورة الإنسان
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتى عَلى الانسنِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شيْئاً مَّذْكُوراً(1) إِنَّا خَلَقْنَا الانسنَ مِن نُّطفَة أَمْشاج نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَهُ سمِيعَا بَصِيراً(2) إِنَّا هَدَيْنَهُ السبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً(3) إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَفِرِينَ سلَسِلا وَ أَغلَلاً وَ سعِيراً(4) إِنَّ الأَبْرَارَ يَشرَبُونَ مِن كَأْس كانَ مِزَاجُهَا كافُوراً(5) عَيْناً يَشرَب بهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونهَا تَفْجِيراً(6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يخَافُونَ يَوْماً كانَ شرُّهُ مُستَطِيراً(7) وَ يُطعِمُونَ الطعَامَ عَلى حُبِّهِ مِسكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً(8) إِنمَا نُطعِمُكمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكمْ جَزَاءً وَ لا شكُوراً(9) إِنَّا نخَاف مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطرِيراً(10)

القراءة

قرأ أهل المدينة و أبو بكر عن عاصم و الكسائي سلاسلا بالتنوين و كذلك قواريرا قواريرا و يقفون بالألف على الجميع و قرأ ابن كثير و خلف سلاسل بغير تنوين و قواريرا قوارير الأول بالتنوين و الثاني بغير تنوين و يقفان على سلاسل و قوارير الثانية بغير الألف و قرأ حمزة و يعقوب بغير تنوين في الجميع و يقفان بغير ألف عليها و قرأ أبو عمرو و ابن عامر و حفص بغير تنوين فيها أيضا إلا أنهم يقفون على سلاسل و قواريرا الأولى بالألف و على قوارير الثانية بغير ألف غير أن شجاعا يقف على سلاسل أيضا بغير ألف .

الحجة

قال أبو علي حجة من صرف سلاسلا و قواريرا في الوصل و الوقف أمران ( أحدهما ) أن أبا الحسن قال سمعنا من العرب من يصرف هذا و يصرف جميع ما لا ينصرف قال و هذه لغة أهل الشعر لأنهم اضطروا إليه في الشعر فصرفوه فجرت ألسنتهم على ذلك و احتملوا ذلك في الشعر لأنه يحتمل الزيادة كما يحتمل النقص فاحتملوا زيادة التنوين و الأمر الآخر أن هذه الجموع أشبهت الآحاد لأنهم قالوا صواحبات يوسف فلما جمعت جمع الآحاد المنصرفة جعلوه في حكمها فصرفوها قال أبو الحسن و كثير من العرب يقول مواليات يريد الموالي و أنشد للفرزدق :
فإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم
خضع الرقاب نواكسي الأبصار
مجمع البيان ج : 10 ص : 610
فهذا كأنه جمع نواكس و من قرأ بغير تنوين و لا ألف فإنه جعله كقوله « لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد » و إلحاق الألف في سلاسل و قوارير كالحاقة في قوله « الظنونا » و « السبيلا » و « الرسولا » يشبه ذلك بالإطلاق في القوافي من حيث كانت مثلها في أنها كلام تام .

اللغة

الدهر مرور الليل و النهار و جمعه أدهر و دهور و أصل النطفة الماء القليل و قد تقع على الكثير قال أمير المؤمنين (عليه السلام) حين ذكر الخوارج مصارعهم دون النطفة يريد النهروان و الجمع نطاف و نطف قال الشاعر :
و ما النفس إلا نطفة بقرارة
إذا لم تكدر كان صفوا غديرها و واحد الأمشاج مشيج و مشجت هذا بهذا أي خلطته و هو ممشوج و مشيج و واحد الأبرار بار نحو ناصر و أنصار و بر أيضا و الكأس الإناء إذا كان فيه شراب قال عمرو بن كلثوم :
صددت الكأس عنا أم عمرو
و كان الكأس مجراها اليمينا و أوفى بالعقد و وفى به فأوفى لغة أهل الحجاز و وفى لغة تميم و أهل نجد و النذر عقد عملي فعل بر يوجبه الإنسان على نفسه نذر ينذر قال عنترة :
الشاتمي عرضي و لم أشتمهما
و الناذرين إذا لم ألقهما دمي أي يقولان إن لقينا عنترة لنقتلنه و المستطير المنتشر قال الأعشى :
فبانت و قد أسأرت في الفؤاد
صدعا على نأيها مستطيرا و القمطرير الشديد في الشر و قد اقمطر اليوم اقمطرارا و يوم قمطرير و قماطر كأنه قد التف شره بعضه على بعض قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 10 ص : 611


بني عمنا هل تذكرون بلاءنا
عليكم إذا ما كان يوم قماطر قيل إن هل هنا بمعنى قد قال الشاعر :
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته
إثر الأحبة يوم البين مشكوم .

الإعراب


« لم يكن شيئا » جملة في محل الرفع لأنها صفة حين و التقدير لم يكن فيه شيئا مذكورا و أمشاج يجوز أن يكون صفة لنطفة و يجوز أن يكون بدلا و الوصف بالجمع مثل قولهم برمة أعشار و ثوب أسمال و نبتليه في موضع نصب على الحال .
« إما شاكرا و إما كفورا » حالان من الهاء في هديناه أي هديناه شاكرا أو كفورا و قوله « عينا » في انتصابه وجوه ( أحدها ) أن يكون بدلا من كافورا إذا جعلت الكافور اسم عين فيكون بدل الكل من الكل ( و الثاني ) أن يكون بدلا من قوله « من كأس » أي يسقون من عين ثم حذف الجار فوصل الفعل إليه فنصبه ( و الثالث ) أن يكون منصوبا على المدح و التقدير أعني عينا يشرب بها الباء مزيدة أي يشربها و المعنى يشرب ماؤها لأن العين لا تشرب و إنما يشرب ماؤها .

النزول

قد روى الخاص و العام أن الآيات من هذه السورة و هي قوله « إن الأبرار يشربون » إلى قوله « و كان سعيكم مشكورا » نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهماالسلام) و جارية لهم تسمى فضة و هو المروي عن ابن عباس و مجاهد و أبي صالح .

[ و القصة طويلة]


جملتها أنهم قالوا مرض الحسن و الحسين (عليهماالسلام) فعادهما جدهما (صلى الله عليه وآله وسلّم) و وجوه العرب و قالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا فنذر صوم ثلاثة أيام إن شفاهما الله سبحانه و نذرت فاطمة (عليهاالسلام) كذلك و كذلك فضة فبرءا و ليس عندهم شيء فاستقرض علي (عليه السلام) ثلاثة أصوع من شعير من يهودي و روي أنه أخذها ليغزل له صوفا و جاء به إلى فاطمة (عليهاالسلام) فطحنت صاعا منها فاختبزته و صلى علي المغرب و قربته إليهم فأتاهم مسكين يدعو لهم و سألهم فأعطوه و لم يذوقوا إلا الماء فلما كان اليوم الثاني أخذت صاعا فطحنته و خبزته و قدمته إلى علي (عليه السلام) فإذا يتيم في الباب يستطعم فأعطوه و لم يذوقوا إلا الماء فلما كان اليوم الثالث عمدت إلى الباقي فطحنته و اختبزته و قدمته إلى علي (عليه السلام) فإذا أسير بالباب يستطعم فأعطوه
مجمع البيان ج : 10 ص : 612

و لم يذوقوا إلا الماء فلما كان اليوم الرابع و قد قضوا نذورهم أتى علي (عليه السلام) و معه الحسن و الحسين (عليهماالسلام) إلى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و بهما ضعف فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و نزل جبرائيل (عليه السلام) بسورة هل أتى و في رواية عطاء عن ابن عباس أن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) آجر نفسه ليستقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح فلما أصبح و قبض الشعير طحن ثلثه فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له الحريرة فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ثم عمل الثلث الثالث فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فسأل فأطعموه و طووا يومهم ذلك ذكره الواحدي في تفسيره و ذكر علي بن إبراهيم أن أباه حدثه عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان عند فاطمة شعير فجعلوه عصيدة فلما أنضجوها و وضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال المسكين رحمكم الله فقام علي فأعطاه ثلثها فلم يلبث أن جاء يتيم فقال اليتيم رحمكم الله فقام علي (عليه السلام) فأعطاه الثلث ثم جاء أسير فقال الأسير رحمكم الله فأعطاه علي (عليه السلام) الثلث الباقي و ما ذاقوها فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم و هي جارية في كل مؤمن فعل ذلك لله عز و جل و في هذا دلالة على أن السورة مدنية و قال أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني الحسن بن الحسن أبو عبد الله بن الحسن أنها مدنية نزلت في علي و فاطمة السورة كلها حدثنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني القايني قال أخبرنا الحاكم أبو القسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني قال حدثنا أبو نصر المفسر قال حدثني عمي أبو حامد إملاء قال حدثني الفزاري أبو يوسف يعقوب بن محمد المقري قال حدثنا محمد بن يزيد السلمي قال حدثنا زيد بن موسى قال حدثنا عمرو بن هارون عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال أول ما أنزل بمكة ( اقرأ باسم ربك ) ثم ( ن و القلم ) ثم ( المزمل ) ثم ( المدثر ) ثم ( تبت ) ثم ( إذا الشمس كورت ) ثم ( سبح اسم ربك الأعلى ) ثم ( و الليل إذا يغشى ) ثم ( و الفجر ) ثم ( و الضحى ) ثم ( أ لم نشرح ) ثم ( و العصر ) ثم ( و العاديات ) ثم ( إنا أعطيناك الكوثر ) ثم ( ألهيكم التكاثر ) ثم ( أ رأيت ) ثم ( الكافرون ) ثم ( أ لم تر كيف ) ثم ( قل أعوذ برب الفلق ) ثم ( قل أعوذ برب الناس ) ثم ( قل هو الله أحد ) ثم ( و النجم ) ثم ( عبس ) ثم ( إنا أنزلناه ) ثم ( و الشمس ) ثم ( البروج ) ثم ( و التين ) ثم ( لإيلاف ) ثم ( القارعة ) ثم ( القيامة ) ثم ( الهمزة ) ثم ( و المرسلات ) ثم ( ق ) .

مجمع البيان ج : 10 ص : 613
ثم ( لا أقسم بهذا البلد ) ثم ( الطارق ) ثم ( اقتربت الساعة ) ثم ( ص ) ثم ( الأعراف ) ثم ( قل أوحي ) ثم ( يس ) ثم ( الفرقان ) ثم ( الملائكة ) ثم ( كهيعص ) ثم ( طه ) ثم ( الواقعة ) ثم ( الشعراء ) ثم ( النمل ) ثم ( القصص ) ثم ( بني إسرائيل ) ثم ( يونس ) ثم ( هود ) ثم ( يوسف ) ثم ( الحجر ) ثم ( الأنعام ) ثم ( الصافات ) ثم ( لقمان ) ثم ( القمر ) ثم ( سبأ ) ثم ( الزمر ) ثم ( حم المؤمن ) ثم ( حم السجدة ) ثم ( حمعسق ) ثم ( الزخرف ) ثم ( الدخان ) ثم ( الجاثية ) ثم ( الأحقاف ) ثم ( الذاريات ) ثم ( الغاشية ) ثم ( الكهف ) ثم ( النحل ) ثم ( نوح ) ثم ( إبراهيم ) ثم ( الأنبياء ) ثم ( المؤمنون ) ثم ( الم تنزيل ) ثم ( الطور ) ثم ( الملك ) ثم ( الحاقة ) ثم ( ذو المعارج ) ثم ( عم يتساءلون ) ثم ( النازعات ) ثم ( انفطرت ) ثم ( انشقت ) ثم ( الروم ) ثم ( العنكبوت ) ثم ( المطففين ) فهذه أنزلت بمكة و هي خمس و ثمانون سورة ثم أنزلت بالمدينة ( البقرة ) ثم ( الأنفال ) ثم ( آل عمران ) ثم ( الأحزاب ) ثم ( الممتحنة ) ثم ( النساء ) ثم ( إذا زلزلت ) ثم ( الحديد ) ثم سورة ( محمد ) ثم ( الرعد ) ثم سورة ( الرحمن ) ثم ( هل أتى ) ثم ( الطلاق ) ثم ( لم يكن ) ثم ( الحشر ) ثم ( إذا جاء نصر الله ) ثم ( النور ) ثم ( الحج ) ثم ( المنافقون ) ثم ( المجادلة ) ثم ( الحجرات ) ثم ( التحريم ) ثم ( الجمعة ) ثم ( التغابن ) ثم سورة ( الصف ) ثم سورة ( الفتح ) ثم سورة ( المائدة ) ثم سورة ( التوبة ) فهذه ثمان و عشرون سورة و قد رواه الأستاذ أحمد الزاهد بإسناده عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس في كتاب الإيضاح و زاد فيه و كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما يشاء بالمدينة و بإسناده عن عكرمة و الحسن بن أبي الحسن البصري إن أول ما أنزل الله من القرآن بمكة على الترتيب ( اقرأ باسم ربك و ن و المزمل ) إلى قوله و ما نزل بالمدينة ( ويل للمطففين ) ( و البقرة و الأنفال و آل عمران و الأحزاب و المائدة و الممتحنة و النساء و إذا زلزلت و الحديد و سورة محمد ) (صلى الله عليه وآله وسلّم) ( و الرعد و الرحمن و هل أتى على الإنسان ) إلى آخره و بإسناده عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال سألت النبي عن ثواب القرآن فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء فأول ما نزل عليه بمكة ( فاتحة الكتاب ) ثم ( اقرأ باسم ربك ) ثم ( ن ) إلى أن قال و أول ما نزل بالمدينة سورة ( البقرة ) ثم ( الأنفال ) ثم ( آل عمران ) ثم ( الأحزاب ) ثم ( الممتحنة ) ثم ( النساء ) ثم ( إذا زلزلت ) ثم ( الحديد ) ثم ( سورة محمد ) ثم
مجمع البيان ج : 10 ص : 614
( الرعد ) ثم ( سورة الرحمن ) ثم ( هل أتى ) إلى قوله فهذا ما أنزل بالمدينة ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) جميع سور القرآن مائة و أربع عشرة سورة و جميع آيات القرآن ستة آلاف آية و مائتا آية و ست و ثلاثون آية و جميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف واحد و عشرون ألف حرف و مائتان و خمسون حرفا لا يرغب في تعلم القرآن إلا السعداء و لا يتعهد قراءته إلا أولياء الرحمن ( أقول ) قد اتسع نطاق الكلام في هذا الباب حتى كاد يخرج عن أسلوب الكتاب و ربما نسبنا به إلى الإطناب و لكن الغرض فيه أن بعض أهل العصبية قد طعن في هذه القصة بأن قال هذه السورة مكية فكيف يتعلق بها ما كان بالمدينة و استدل بذلك على أنها مخترعة جرأة على الله سبحانه و عداوة لأهل بيت رسوله فأحببت إيضاح الحق في ذلك و إيراد البرهان في معناه و كشف القناع عن عناد هذا المعاند في دعواه على أنه كما ترى يحتوي على السر المخزون و الدر المكنون من هذا العلم الذي يستضاء بنوره و يتلألأ بزهوره و هو معرفة ترتيب السور في التنزيل و حصر عددها على الجملة و التفصيل اللهم أمددنا بتأييدك و أيدنا بتوفيقك فأنت الرجاء و الأمل و على فضلك المعول و المتكل .

المعنى


« هل أتى » معناه قد أتى « على الإنسان » أي أ لم يأت على الإنسان « حين من الدهر » و قد كان شيئا إلا أنه « لم يكن شيئا مذكورا » لأنه كان ترابا و طينا إلى أن نفخ فيه الروح عن الزجاج و على هذا فهل هنا استفهام يراد به التقرير قال الجبائي و هو تقرير على ألطف الوجوه و تقديره أيها المنكر للصانع و قدرته أ ليس قد أتى عليك دهور لم تكن شيئا مذكورا ثم ذكرت و كل أحد يعلم من نفسه أنه لم يكن موجودا ثم وجد فإذا تفكر في ذلك علم أن له صانعا صنعه و محدثا أحدثه و المراد بالإنسان هنا آدم (عليه السلام) و هو أول من سمي به عن الحسن و قتادة و سفيان و الجبائي و قيل إن المراد به كل إنسان و الألف و اللام للجنس عن أبي مسلم و قيل أنه أتى على آدم (عليه السلام) أربعون سنة لم يكن شيئا مذكورا لا في السماء و لا في الأرض بل كان جسدا ملقى من طين قبل أن ينفخ فيه الروح و روى عطاء عن ابن عباس أنه تم خلقه بعد عشرين و مائة سنة و روى العياشي بإسناده عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله « لم يكن شيئا مذكورا » قال كان شيئا و لم يكن مذكورا و بإسناده عن سعيد الحداد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كان مذكورا في العلم و لم يكن مذكورا في الخلق و عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله و عن حمران بن أعين قال سألت عنه فقال كان شيئا مقدورا و لم يكن مكونا و في هذا دلالة على أن المعدوم معلوم و إن لم يكن مذكورا و إن المعدوم يسمى شيئا فإذا حملت الإنسان على الجنس فالمراد أنه
مجمع البيان ج : 10 ص : 615
قبل الولادة لا يعرف و لا يذكر و لا يدري من هو و ما يراد به بل يكون معدوما ثم يوجد في صلب أبيه ثم في رحم أمه إلى وقت الولادة و قيل المراد به العلماء لأنهم كانوا لا يذكرون فصيرهم الله سبحانه بالعلم مذكورين بين الخاص و العام في حياتهم و بعد مماتهم و سمع عمر بن الخطاب رجلا يقرأ هذه الآية فقال ليت ذلك ثم يعني ليت آدم بقي على ما كان فكان لا يلد و لا يبتلي أولاده ثم قال سبحانه « إنا خلقنا الإنسان » يعني ولد آدم (عليه السلام) « من نطفة » و هي ماء الرجل و المرأة الذي يخلق منه الولد « أمشاج » أي أخلاط من ماء الرجل و ماء المرأة في الرحم فأيهما علا ماء صاحبه كان الشبه له عن ابن عباس و الحسن و عكرمة و مجاهد و قيل أمشاج أطوار طورا نطفة و طورا علقة و طورا مضغة و طورا عظاما إلى أن صار إنسانا عن قتادة و قيل أراد اختلاف ألوان النطفة فنطفة الرجل بيضاء و حمراء و نطفة المرأة خضراء و صفراء فهي مختلفة الألوان عن مجاهد و الضحاك و الكلبي و روي أيضا عن ابن عباس و قيل نطفة مشجت بدم الحيض فإذا حبلت ارتفع الحيض عن الحسن و قيل هي العروق التي تكون في النطفة عن ابن مسعود و قيل أمشاج أخلاط من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة و البرودة و اليبوسة و الرطوبة جعلها الله في النطفة ثم بناه الله البنية الحيوانية المعدلة الأخلاط ثم جعل فيه الحياة ثم شق له السمع و البصر فتبارك الله رب العالمين و ذلك قوله « فجعلناه سميعا بصيرا » و قوله « نبتليه » أي نختبره بما نكلفه من الأفعال الشاقة ليظهر إما طاعته و إما عصيانه فنجازيه بحسب ذلك قال الفراء معناه « فجعلناه سميعا بصيرا » لنبتليه أي لنتعبده و نأمره و ننهاه و المراد فأعطيناه آلة السمع و البصر ليتمكن من السمع و البصر و معرفة ما كلف « إنا هديناه السبيل » أي بينا له الطريق و نصبنا له الأدلة و أزحنا له العلة حتى يتمكن من معرفة الحق و الباطل و قيل هو طريق الخير و الشر عن قتادة و قيل السبيل هو طريق معرفة الدين الذي به يتوصل إلى ثواب الأبد و يلزم كل مكلف سلوكه و هو أدلة العقل و الشرع التي يعم جميع المكلفين « إما شاكرا و إما كفورا » قال الفراء معناه أن شكر و أن كفر على الجزاء و قال الزجاج معناه ليختار إما السعادة و إما الشقاوة و المراد إما أن يختار بحسن اختياره الشكر لله تعالى و الاعتراف بنعمه فيصيب الحظ و إما أن يكفر نعم الله و يجحد إحسانه فيكون ضالا عن الصواب فأيهما اختار جوزي عليه بحسبه و هذا كقوله « فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر » و في هذه الآية دلالة على أن الله قد هدى جميع خلقه لأن اللفظ عام ثم بين سبحانه ما أعده للكافرين فقال « إنا أعتدنا للكافرين » أي هيأنا و ادخرنا لهم جزاء على كفرانهم و عصيانهم « سلاسل » يعني في جهنم كما قال في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا « و أغلالا و سعيرا » نار موقدة نعذبهم بها و نعاقبهم فيها ثم ذكر ما أعده
مجمع البيان ج : 10 ص : 616
للشاكرين المطيعين فقال « إن الأبرار » و هو جمع البر المطيع لله المحسن في أفعاله و قال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر و لا يرضون الشر و قيل هم الذين يقضون الحقوق اللازمة و النافلة و قد أجمع أهل البيت (عليهم السلام) و موافقوهم و كثير من مخالفيهم إن المراد بذلك علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهماالسلام) و الآية مع ما بعدها متعينة فيهم و أيضا فقد انعقد الإجماع على أنهم كانوا أبرارا و في غيرهم خلاف « يشربون من كأس » إناء فيه شراب « كان مزاجها » أي ما يمازجها « كافورا » و هو اسم عين ماء في الجنة عن عطاء و الكلبي و اختاره الفراء قال و يدل عليه قوله « عينا » و هي كالمفسرة للكافور و قيل يعني الكافور الذي له رائحة طيبة و المعنى يمازجه ريح الكافور و ليس ككافور الدنيا عن مجاهد و مقاتل قال قتادة يمزج بالكافور و يختم بالمسك و قيل معناه طيب بالكافور و المسك و الزنجبيل عن ابن كيسان « عينا يشرب بها عباد الله » أي أولياؤه عن ابن عباس أي هذا الشراب من عين يشرب بها أولياء الله و خصهم بأنهم عباد الله تشريفا و تبجيلا قال الفراء شربها و شرب بها سواء في المعنى كما يقولون تكلمت بكلام حسن و كلاما حسنا قال عنترة :
شربت بماء الدحرضين فأصبحت
عسرا علي طلابها ابنة مخرم و أنشد الفراء :
شربن بماء البحر ثم ترفعت
متى لجج خضر لهن نئيج أي صوت .
« يفجرونها تفجيرا » أي يقودون تلك العين حيث شاءوا من منازلهم و قصورهم عن مجاهد و التفجير تشقيق الأرض بجري الماء قال و أنهار الجنة تجري بغير أخدود فإذا أراد المؤمن أن يجري نهرا خط خطا فينبع الماء من ذلك الموضع و يجري بغير تعب ثم وصف سبحانه هؤلاء الأبرار فقال « يوفون بالنذر » أي كانوا في الدنيا بهذه الصفة و الإيفاء بالنذر هو أن يفعل ما نذر عليه فإذا نذر طاعة تممها و وفى بها عن مجاهد و عكرمة و قيل يتمون ما فرض الله عليهم من الواجبات عن قتادة « و يخافون يوما كان شره مستطيرا »
مجمع البيان ج : 10 ص : 617
أي فاشيا منتشرا ذاهبا في الجهات بلغ أقصى المبالغ و سمي العذاب شرا لأنه لا خير فيه للمعاقبين و إن كان في نفسه حسنا لكونه مستحقا و قيل المراد بالشر هنا أهوال يوم القيامة و شدائده « و يطعمون الطعام على حبه » أي على حب الطعام و المعنى يطعمون الطعام أشد ما تكون حاجتهم إليه وصفهم الله سبحانه بالأثرة على أنفسهم و في الحديث عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ما من مسلم أطعم مسلما على جوع إلا أطعمه الله من ثمار الجنة و ما من مسلم كسا أخاه على عري إلا كساه الله من خضر الجنة و من سقى مسلما على ظمإ سقاه الله من الرحيق قال ابن عباس يطعمون الطعام على شهوتهم له و محبتهم إياه و قيل الهاء كناية عن الله تعالى أي يطعمون الطعام على حب الله « مسكينا » و هو الفقير الذي لا شيء له « و يتيما » و هو الذي لا والد له من الأطفال « و أسيرا » و هو المأخوذ من أهل دار الحرب عن قتادة و قيل هو المحبوس من أهل القبلة عن مجاهد و سعيد بن جبير و قيل الأسير المرأة « إنما نطعمكم لوجه الله » أي لطلب رضا الله خالصا لله مخلصا من الرياء و طلب الجزاء و هو قوله « لا نريد منكم جزاء و لا شكورا » و هو مصدر مثل القعود و الجلوس و قيل إنهم لم يتكلموا بذلك و لكن علم الله سبحانه ما في قلوبهم فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك الراغب عن سعيد بن جبير و مجاهد و المراد لا نطلب بهذا الطعام مكافاة عاجلة و لا نريد أن تشكرونا عليه عند الخلق بل فعلناه لله « إنا نخاف من ربنا يوما » أي عذاب يوم « عبوسا » أي مكفهرا تعبس فيه الوجوه و وصف اليوم بالعبوس توسعا لما فيه من الشدة و هذا كما يقال يوم صائم و ليل قائم قال ابن عباس يعبس فيه الكافر حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران « قمطريرا » أي صعبا شديدا عن أبي عبيدة و المبرد و قال الحسن سبحان الله ما أشد اسمه و هو من اسمه أشد و قيل القمطرير الذي يقلص الوجوه و يقبض الجباه و ما بين الأعين من شدته عن قتادة .

مجمع البيان ج : 10 ص : 618
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شرَّ ذَلِك الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضرَةً وَ سرُوراً(11) وَ جَزَاهُم بِمَا صبرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً(12) مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلى الأَرَائكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً(13) وَ دَانِيَةً عَلَيهِمْ ظِلَلُهَا وَ ذُلِّلَت قُطوفُهَا تَذْلِيلاً(14) وَ يُطاف عَلَيهِم بِئَانِيَة مِّن فِضة وَ أَكْوَاب كانَت قَوَارِيرَا(15) قَوَارِيرَا مِن فِضة قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً(16) وَ يُسقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً(17) عَيْناً فِيهَا تُسمَّى سلْسبِيلاً(18) * وَ يَطوف عَلَيهِمْ وِلْدَنٌ مخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتهُمْ حَسِبْتهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً(19) وَ إِذَا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً(20) عَلِيهُمْ ثِيَاب سندُس خُضرٌ وَ إِستَبرَقٌ وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِن فِضة وَ سقَاهُمْ رَبهُمْ شرَاباً طهُوراً(21) إِنَّ هَذَا كانَ لَكمْ جَزَاءً وَ كانَ سعْيُكم مَّشكُوراً(22)

القراءة

قرأ الشعبي و عبيد بن عمير قدروها بضم القاف و القراءة المشهورة « قدروها » بفتح القاف و قرأ أهل المدينة و حمزة عاليهم ساكنة الياء و الباقون « عاليهم » بفتح الياء و قرأ أهل البصرة و أبو جعفر و ابن عامر خضر بالرفع و استبرق بالجر و قرأ ابن كثير و أبو بكر خضر بالجر و استبرق بالرفع و قرأ نافع و حسن بالرفع فيهما و قرأ حمزة و الكسائي و خلف بالجر فيهما .

الحجة


من قرأ « قدروها » بالفتح فالمعنى قدروها في أنفسهم فجاءت كما قدروها و من قرأ بالضم أراد أن ذلك قدر لهم أي قدره الله لهم كذلك قال أبو علي الضمير في « قدروها » للخزان أو الملائكة أي قدروها على ربهم لا ينقص من ذلك و لا يزيد عليه و من قرأ قدروها فهو على هذا المعنى يريد كان اللفظ قدروا عليها فحذف الجار كما حذف من قوله :
كأنه واضح الأقراب في لقح
أسمى بهن و عزته الأناصيل فلما حذف الحرف وصل الفعل فكذلك قوله قدروها إلا أن المعنى قدرت عليهم أي على ربهم فقلب كما قال :
لا تحسبن دراهما سرقتها
تمحو مخازيك التي بعمان و على هذا يتأول قوله « ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة » و مثل هذا ما حكاه أبو زيد إذا طلعت الجوزاء أوفى السود في الجرباء قال و من نصب « عاليهم » فإن النصب يحتمل أمرين
مجمع البيان ج : 10 ص : 619
( أحدهما ) أن يكون حالا ( و الآخر ) أن يكون ظرفا فأما الحال فيحتمل أن يكون العامل فيها أحد شيئين ( أحدهما ) لقاهم ( و الآخر ) جزاهم و مثله في كونه حالا « متكئين فيها على الأرائك » فإن قلت لم لا يكون متكئين صفة جنة و فيها ذكر لها قيل لا يجوز ذلك أ لا ترى أنه لو كان كذلك للزمك أن تبرز الضمير الذي في اسم الفاعل من حيث كان صفة للجنة و ليس الفعل لها فإذا لم يجز ذلك كان حالا و كذلك قوله « و دانية عليهم ظلالها » إلا أنه يجوز في قوله « و دانية عليهم ظلالها » أمران ( أحدهما ) الحال ( و الآخر ) أن ينتصب على أنه مفعول به و يكون المعنى و جزاهم جنة و حريرا أي لبس حرير و دخول جنة و دانية عليهم ظلالها فيكون على هذا التقدير كقوله و لمن خاف مقام ربه جنتان فإن لم تحمله على هذا و قلت إنه يعرض فيه إقامة الصفة مقام الموصوف و إن ذلك ليس بالمطرح في كلامهم و إذا حملته على الحال يكون مثل ما عطفته عليه من قوله « متكئين » « و دانية عليهم » و كذلك يكون « عاليهم ثياب سندس » معطوفا على ما انتصب على الحال في السورة فيكون ثياب سندس مرتفعة باسم الفاعل و الضمير عائد إلى ذي الحال من قوله « عاليهم » و في الشواذ عاليتهم قراءة الأعمش و يكون بمنزلة قوله خاشعا أبصارهم و خاشعة أبصارهم و من جعله ظرفا فإنه لما كان عالي بمعنى فوق أجري مجراه في هذا و من قرأ عاليهم بسكون الياء جعله مبتدأ و ثياب سندس خبره و يكون عاليهم المبتدأ في موضع الجماعة كما أن الخبر جماعة و قد جاء اسم الفاعل في موضع جماعة قال :
ألا إن جيراني العشية رائح
دعتهم دواع من هوى و منادح و في التنزيل مستكبرين به سامرا تهجرون فقطع دابر القوم الذين ظلموا فكأنه أفرد من حيث جعل بمعنى المصدر من نحو قوله
و لا خارجا من في زور كلام و قد قالوا الجامل و الباقر يراد بهما الكثرة و أخذ عليه البصير النحوي الملقب بجامع العلوم هذا الكلام و نسبه فيه إلى سوء التأمل و قال عاليهم بسكون الياء صفة الولدان أي يطوف عليهم ولدان عاليهم ثياب سندس فيرتفع ثياب سندس باسم الفاعل الجاري صفة على الموصوف و أقول و بالله التوفيق إني لأرى أن نظر هذا الفاضل قد اختل كما أن بصره قد اعتل فرمى أبا علي بدائه و أنسل أ لم ينظر في خاتمة هذه الآية إلى قوله سبحانه « و سقاهم ربهم شرابا طهورا » ثم قوله عقيب ذلك « إن هذا كان لكم جزاء » فيعرف أن الضمير في عاليهم هو بعينه في و سقاهم و هو ضمير المخاطبين في لكم و هذا الضمير لا يمكن أن يعود إلا إلى الأبرار
مجمع البيان ج : 10 ص : 620
المثابين المجازين دون الولدان المخلدين الذين هم من جملة ثوابهم و جزائهم اللهم لك الحمد على تأييدك و تسديدك رجعنا إلى كلام أبي علي قال و يجوز على قياس قول أبي الحسن في قائم أخواك و إعمال اسم الفاعل عمل الفعل و إن لم يعتمد على شيء أن يكون ثياب سندس مرتفعة بعاليهم و أفردت عاليا لأنه فعل متقدم قال أبو علي و الأوجه قراءة من قال خضر بالرفع و استبرق بالجر لأن خضرا صفة مجموعة لموصوف مجموع و هو ثياب و أما استبرق فجر من حيث كان جنسا أضيفت إليه الثياب كما أضيفت إلى سندس كما يقال ثياب خز و كتان و يدل على ذلك قوله « و يلبسون ثيابا خضرا من سندس » و استبرق و من قرأ « خضر و استبرق » فإنه أجرى الخضر و هو جمع على السندس لما كان المعنى أن الثياب من هذا الجنس و أجاز أبو الحسن وصف هذه الأجناس بالجمع فقال تقول أهلك الناس الدينار الصفر و الدرهم البيض على استقباح له و من رفع استبرق فإنما أراد عطف الاستبراق على الثياب كأنه ثياب سندس و ثياب استبرق فحذف المضاف الذي هو ثياب و أقام استبرق مقامه كما إنك إذا قلت عليه خز بمعنى عليه ثوب خز و ليس المعنى أن عليه الدابة التي هي الخز و على هذا قوله :
كان خزا تحته و قزا
و فرشا محشوة أوزا .

اللغة

الوقاية الحفظ و المنع من الأذى وقاه يقيه وقاية و وقاه توقية قال رؤبة
أن الموقي مثل ما وقيت و منه اتقاه و توقاه و أصل الشر الظهور فهو ظهور الضرر و منه شررت الثوب إذا ظهرته للشمس أو الريح قال
و حتى أشرت بالأكف المصاحف أي أظهرت و منه شرر النار لظهوره بتطايره و النضرة حسن الألوان و نبت ناضر و نضير و نضر و السرور اعتقاد وصول المنافع إليه في المستقبل و قال قوم هو لذة في القلب فحسب متعلقة بما فيه النفع و كل سرور فلا بد له من متعلق كالسرور بالمال و الولد و السرور بالإكرام و الإجلال و السرور بالحمد و الشكر و السرور بالثواب و الأرائك الحجال فيها الأسرة واحدتها أريكة قال الزجاج الأريكة كل ما يتكأ عليه من مسورة أو غيرها و الزمهرير أشد ما يكون من البرد و الزنجبيل ضرب من القرفة طيب الطعم يحذو اللسان و يربى بالعسل و يستدفع به المضار و إذا مزج به الشراب فاق في الإلذاذ و العرب تستطيب الزنجبيل جدا قال الشاعر
 

Back Index Next