جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج10 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 

مجمع البيان ج : 10 ص : 621

كان القرنفل و الزنجبيل
باتا بفيها واريا مشورا و السلسبيل الشراب السهل اللذيذ يقال شراب سلسل و سلسال و سلسبيل و الولدان الغلمان جمع وليد و السندس الديباج الرقيق الفاخر الحسن و الإستبرق الديباج الغليظ الذي له بريق .

الإعراب

« و إذا رأيت ثم » قال الزجاج العامل في ثم معنى رأيت و المعنى و إذا رأيت ببصرك ثم قال الفراء المعنى و إذا رأيت ما ثم و غلطه الزجاج في ذلك و قال إن ما تكون موصولة بقوله ثم على هذا التفسير و لا يجوز إسقاط الموصول و ترك الصلة و لكن رأيت يتعدى في المعنى إلى ثم و أقول يجوز أن يكون مفعول رأيت محذوفا و يكون ثم ظرفا و التقدير و إذا رأيت ما ذكرناه ثم .

المعنى

ثم أخبر سبحانه بما أعد للأبرار الموصوفين في الآيات الأولى من الجزاء فقال « فوقيهم الله شر ذلك اليوم » أي كفاهم الله و منع منهم أهوال يوم القيامة و شدائده « و لقيهم نضرة و سرورا » أي استقبلهم بذلك « و جزيهم » أي و كافأهم « بما صبروا » أي بصبرهم على طاعته و اجتناب معاصيه و تحمل محن الدنيا و شدائدها « جنة » يسكنونها « و حريرا » من لباس الجنة يلبسونه و يفرشونه « متكئين » أي جالسين جلوس الملوك « فيها » أي في الجنة « على الأرائك » أي الأسرة في الحجال عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل كلما يتكأ عليه فهو أريكة عن الزجاج و قيل الأرائك الفرش فوق الأسرة عن أبي مسلم « لا يرون فيها » أي في تلك الجنة « شمسا » يتأذون بحرها « و لا زمهريرا » يتأذون ببرده « و دانية عليهم ظلالها » يعني أن أفياء أشجار تلك الجنة قريبة منهم و قيل إن ظلال الجنة لا تنسخها الشمس كما تنسخ ظلال الدنيا « و ذللت قطوفها تذليلا » أي و سخرت و سهل أخذ ثمارها تسخيرا إن قام ارتفعت بقدره و إن قعد نزلت عليه حتى ينالها و إن اضطجع تدلت حتى تنالها يده عن مجاهد و قيل معناه لا يرد أيديهم عنها بعد و لا شوك « و يطاف عليهم » أي على هؤلاء الأبرار الموصوفين قبل « بانية من فضة و أكواب » جمع كوب و هو إناء للشرب من غير عروة و قيل الأكواب الأقداح عن مجاهد « كانت » تلك الأكواب « قواريرا » أي زجاجات « من فضة » قال الصادق (عليه السلام) ينفذ البصر في فضة الجنة كما ينفذ في الزجاج و المعنى أن أصلها من فضة فاجتمع لها بياض الفضة و صفاء
مجمع البيان ج : 10 ص : 622
القوارير فيرى من خارجها ما في داخلها قال أبو علي إن سئل فقيل كيف تكون القوارير من فضة و إنما القوارير من الرمل دونها فالقول في ذلك أن الشيء إذا قاربه شيء و اشتدت ملابسته له قيل أنه من كذا و إن لم يكن منه في الحقيقة كقول البعيث :
ألا أصبحت خنساء خارمة الوصل
و ضنت علينا و الضنين من البخل
و صدت فأعدانا بهجر صدودها
و هن من الأخلاف قبلك و المطل و قال :
ألا في سبيل الله تغيير لمتي
و وجهك مما في القوارير أصفر فعلى هذا يجوز قوارير من فضة أي هي في صفاء الفضة و نقائها و يجوز تقدير حذف المضاف أي من صفاء الفضة و قوارير الثانية بدل من الأولى و ليست بتكرار و قيل أن قوارير كل أرض من تربتها و أرض الجنة فضة فلذلك كانت قواريرها مثل الفضة عن ابن عباس « قدروها تقديرا » أي قدروا الكأس على قدر ربهم لا يزيد و لا ينقص من الري و الضمير في قدروها للسقاة و الخدم الذين يسقون فإنهم يقدرونها ثم يسقون و قيل قدروها على قدر ملء الكف أي كانت الأكواب على قدر ما اشتهوا لم تعظم و لم يثقل الكف عن حملها عن الربيع و القرظي و قيل قدروها في أنفسهم قبل مجيئها على صفة فجاءت على ما قدروا و الضمير في قدروا للشاربين « و يسقون فيها » أي في الجنة « كأسا كان مزاجها زنجبيلا » قال مقاتل لا يشبه زنجبيل الدنيا و قال ابن عباس كل ما ذكره الله في القرآن مما في الجنة و سماه ليس له مثل في الدنيا و لكن سماه الله بالاسم الذي يعرف و الزنجبيل مما كانت العرب تستطيبه فلذلك ذكره في القرآن و وعدهم أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة « عينا فيها تسمى سلسبيلا » أي تمزج الخمر بالزنجبيل و الزنجبيل من عين تسمى تلك العين سلسبيلا قال ابن الأعرابي لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن و قال الزجاج هو صفة لما كان في غاية السلاسة يعني أنها سلسلة تتسلسل في الحلق و قيل سمي سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق و في منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان عن أبي العالية و مقاتل و قيل سميت بذلك لأنها ينقاد ماؤها لهم يصرفونها حيث شاءوا عن قتادة « و يطوف عليهم ولدان مخلدون » مر تفسيره « إذا رأيتهم » يعني إذا رأيت أولئك الولدان « حسبتهم لؤلؤا منثورا » من الصفاء و حسن المنظر و الكثرة فذكر لونهم و كثرتهم و قيل إنما
مجمع البيان ج : 10 ص : 623
شبههم بالمنثور لانتثارهم في الخدمة فلو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم « و إذا رأيت ثم » أي إذا رميت ببصرك ثم يعني الجنة و قيل أن تقديره و إذا رأيت الأشياء ثم « رأيت نعيما » خطيرا « و ملكا كبيرا » لا يزول و لا يفنى عن الصادق (عليه السلام) و قيل كبيرا أي واسعا يعني أن نعيم الجنة لا يوصف كثرة و إنما يوصف بعضها و قيل الملك الكبير استئذان الملائكة عليهم و تحيتهم بالسلام و قيل هو أنهم لا يريدون شيئا إلا قدروا عليه و قيل هو أن أدناهم منزلة ينظر في ملكه من مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه و قيل هو الملك الدائم الأبدي في نفاذ الأمر و حصول الأماني « عاليهم ثياب سندس » من جعله ظرفا فهو بمنزلة قولك فوقهم ثياب سندس و من جعله حالا فهو بمنزلة قولك يعلوهم ثياب سندس و هو ما رق من الثياب فيلبسونها و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في معناه تعلوهم الثياب فيلبسونها « خضر و استبرق » و هو ما غلظ منها و لا يراد به الغلظ في السلك إنما يراد به الثخانة في النسج قال ابن عباس أ ما رأيت الرجل عليه ثياب و الذي يعلوها أفضلها « و حلوا أساور من فضة » الفضة الشفافة و هي التي يرى ما وراءها كما يرى من البلورة و هو أفضل من الدر و الياقوت و هما أفضل من الذهب و الفضة فتلك الفضة أفضل من الذهب و الفضة في الدنيا و هما أثمان الأشياء و قيل أنهم يحلون بالذهب تارة و بالفضة أخرى ليجمعوا محاسن الحلية كما قال الله تعالى يحلون فيها من أساور من ذهب و الفضة و إن كانت دنية الثمن في الدنيا فهي في غاية الحسن خاصة إذا كانت بالصفة التي ذكرناها و الغرض في الآخرة ما يكثر الاستلذاذ و السرور به لا ما يكثر ثمنه لأنه ليست هناك أثمان « و سقاهم ربهم شرابا طهورا » أي طاهرا من الأقذار و الأقذاء لم تدنسها الأيدي و لم تدسها الأرجل كخمر الدنيا و قيل طهورا لا يصير بولا نجسا و لكن يصير رشحا في أبدانهم كريح المسك و إن الرجل من أهل الجنة يقسم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا و أكلهم و نهمتهم فإذا أكل ما شاء سقي شرابا طهورا فيطهر بطنه و يصير ما أكل رشحا يخرج من جلده أطيب ريحا من المسك الأذفر و يضمر بطنه و تعود شهوته عن إبراهيم التميمي و أبي قلابة و قيل يطهرهم عن كل شيء سوى الله إذ لا طاهر من تدنس بشيء من الأكوان إلا الله رووه عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) « إن هذا » يعني ما وصف من النعيم و أنواع الملاذ « كان لكم جزاء » أي مكافاة على أعمالكم الحسنة و طاعتكم المبرورة « و كان سعيكم » في مرضاة الله و قيامكم بما أمركم الله به « مشكورا » أي مقبولا مرضيا جوزيتم عليه فكأنه شكر لكم فعلكم .

مجمع البيان ج : 10 ص : 624
إِنَّا نحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْك الْقُرْءَانَ تَنزِيلاً(23) فَاصبرْ لِحُكمِ رَبِّك وَ لا تُطِعْ مِنهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً(24) وَ اذْكُرِ اسمَ رَبِّك بُكْرَةً وَ أَصِيلاً(25) وَ مِنَ الَّيْلِ فَاسجُدْ لَهُ وَ سبِّحْهُ لَيْلاً طوِيلاً(26) إِنَّ هَؤُلاءِ يحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً(27) نحْنُ خَلَقْنَهُمْ وَ شدَدْنَا أَسرَهُمْ وَ إِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَلَهُمْ تَبْدِيلاً(28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شاءَ اتخَذَ إِلى رَبِّهِ سبِيلاً(29) وَ مَا تَشاءُونَ إِلا أَن يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً(30) يُدْخِلُ مَن يَشاءُ فى رَحْمَتِهِ وَ الظلِمِينَ أَعَدَّ لهَُمْ عَذَاباً أَلِيمَا(31)

القراءة

قرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر و ما يشاءون بالياء و الباقون بالتاء و في الشواذ قراءة عبد الله بن الزبير و أبان بن عثمان و الظالمون بالواو .

الحجة

وجه الياء قوله تعالى « فمن شاء اتخذ » و وجه التاء أنه خطاب للكافة أي و ما تشاءون الطاعة و الاستقامة إلا أن يشاء الله أو يكون محمولا على الخطاب و أما قوله و الظالمون فإنه على ارتجال جملة مستأنفة قال ابن جني كأنه قال الظالمون أعد لهم عذابا أليما ثم أنه عطف الجملة على ما قبلها و قد سبق الرفع إلى مبتدئها غير أن قراءة الجماعة أسبق و هو النصب لأن معناه و يعذب الظالمين فلما أضمر هذا الفعل فسره بقوله « أعد لهم عذابا أليما » و هذا أكثر من أن يؤتى له بشاهد قال الزجاج يقول النحويون أعطيت زيدا و عمرا أعددت له برا فيختارون النصب على معنى و بررت عمرا أعددت له برا و أنشد غيره :
أصبحت لا أحمل السلاح و لا
أملك رأس البعير إن نفرا
و الذئب أخشاه إن مررت به
وحدي و أخشى الرياح و المطرا .

اللغة

الأسر أصله الشد و منه قتب مأسور أي مشدود و منه الأسير لأنهم كانوا يشدونه بالقدر قولهم خذ بأسره أي بشدة قبل أن يحل ثم كثر حتى صار بمعنى خذ جميعه قال الأخطل :
مجمع البيان ج : 10 ص : 625

من كل مجتنب شديد أسره
سلس القياد تخاله مختالا .

الإعراب

قال الزجاج في قوله « و لا تطع منهم آثما و كفورا » أو هنا أوكد من الواو لأنك إذا قلت لا تطع زيدا و عمرا فأطاع أحدهما كان غير عاص لأنك أمرته أن لا يطيع الاثنين و إذا قلت لا تطع منهم آثما أو كفورا فأو قد دلت على أن كل واحد منهما أهل أن يعصي و أنهما أهل أن يعصيا كما أنك إذا قلت جالس الحسن أو ابن سيرين فقد قلت كل واحد منهما أهل أن يجالس قال البصير النحوي أو هذه التي للتخيير إذا قلت اضرب زيدا أو عمرا فمعناه اضرب أحدهما فإذا قلت لا تضرب زيدا أو عمرا فمعناه لا تضرب أحدهما فيحرم عليه ضربهما لأن أحدهما في النفي يعمم و ابن كيسان يحمل النهي على الأمر فيقول إذا قال لا تضرب أحدهما لم يحرم عليه ضربهما و إنما حرم في الآية طاعتهما لأن أحدهما بمنزلة الآخر في امتناع الطاعة له أ لا ترى أن الآثم مثل الكفور في هذا المعنى قال سيبويه و لو قال لا تطع آثما و لا تطع كفورا لانقلب المعنى إذ ذاك لأنه حينئذ لا تحرم طاعتهما كليهما .

المعنى

ثم أخبر سبحانه عن نفسه فقال « إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا » فيه شرف و تعظيم لك و قيل معناه فصلناه في الإنزال آية بعد آية و لم ننزله جملة واحدة عن ابن عباس « فاصبر » يا محمد على ما أمرتك به من تحمل أعباء الرسالة « لحكم ربك » أن تبلغ الكتاب و تعمل به و قيل أنه أمر لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالصبر و إن كذب فيما أتى به و وعيد لمن كذبه « و لا تطع منهم » أي من مشركي المكة « آثما » يعني عتبة بن ربيعة « أو كفورا » يعني الوليد بن المغيرة فإنهما قالا له ارجع عن هذا الأمر و نحن نرضيك بالمال و التزويج عن مقاتل و قيل الكفور أبو جهل نهى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الصلاة و قال لئن رأيت محمدا يصلي لأطأن عنقه فنزلت الآية عن قتادة و قيل إن ذلك عام في كل عاص فاسق و كافر منهم أي من الناس أي لا تطع من يدعوك إلى إثم أو كفر و هذا أولى لزيادة الفائدة و عدم التكرير « و اذكر اسم ربك بكرة و أصيلا » أي أقبل على شأنك من ذكر الله و الدعاء إليه و تبليغ الرسالة صباحا و مساء أي دائما فإن الله ناصرك و مؤيدك و معينك و البكرة أول النهار و الأصيل العشي و هو أصل الليل « و من الليل فاسجد له » دخلت من للتبعيض و المعنى فاسجد له في بعض الليل لأنه لم يأمره بقيام الليل كله و قيل فاسجد له يعني صلاة المغرب و العشاء « و سبحه ليلا طويلا » أي
مجمع البيان ج : 10 ص : 626
في ليل طويل يريد التطوع بعد المكتوبة و روي عن الرضا (عليه السلام) أنه سأله أحمد بن محمد عن هذه الآية و قال ما ذلك التسبيح قال صلاة الليل « إن هؤلاء يحبون العاجلة » أي يؤثرون اللذات و المنافع العاجلة في دار الدنيا « و يذرون وراءهم » أي و يتركون أمامهم « يوما ثقيلا » أي عسيرا شديدا و المعنى أنهم لا يؤمنون به و لا يعملون له و قيل معنى وراءهم خلف ظهورهم و كلاهما محتمل ثم قال سبحانه « نحن خلقناهم و شددنا أسرهم » أي قوينا و أحكمنا خلقهم عن قتادة و مجاهد و قيل أسرهم أي مفاصلهم عن الربيع و قيل أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق و العصب عن الحسن و لو لا إحكامه إياها على هذا الترتيب لما أمكن العمل بها و الانتفاع منها و قيل شددنا أسرهم جعلناهم أقوياء عن الجبائي و قيل معناه كلفناهم و شددناهم بالأمر و النهي كيلا يجاوزوا حدود الله كما يشد الأسير بالقد لئلا يهرب « و إذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا » أي أهلكناهم و أتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم و لكن نبقيهم إتماما للحجة « إن هذه » السورة « تذكرة » أي تذكير و عظة يتذكر بها أمر الآخرة عن قتادة و قيل أن هذه الرسالة التي تبلغها « فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا » أي فمن أراد اتخذ إلى رضا ربه طريقا بأن يعمل بطاعته و ينتهي عن معصيته و في هذا دلالة على أن الاستطاعة قبل الفعل « و ما تشاءون إلا أن يشاء الله » أي و ما تشاءون اتخاذ الطريق إلى مرضاة الله اختيارا إلا أن يشاء الله إجباركم عليه و إلجاءكم إليه فحينئذ تشاءون و لا ينفعكم ذلك و التكليف زائل و لم يشأ الله هذه المشيئة بل شاء أن تختاروا الإيمان لتستحقوا الثواب عن أبي مسلم و قيل معناه و ما تشاءون شيئا من العمل بطاعته إلا و الله يشاؤه و يريده و ليس المراد بالآية أنه سبحانه يشاء كل ما يشاء العبد من المعاصي و المباحات و غيرها لأن الدلائل الواضحة قد دلت على أنه سبحانه لا يجوز أن يريد القبائح و يتعالى عن ذلك و قد قال سبحانه و لا يريد بكم العسر و ما الله يريد ظلما للعباد « إن الله كان عليما حكيما » مر معناه « يدخل من يشاء في رحمته » أي جنته يعني المؤمنين « و الظالمين » يعني و يجزي الكافرين و المشركين « أعد لهم عذابا أليما » .

مجمع البيان ج : 10 ص : 627
( 77 ) سورة المرسلات مكية و آياتها خمسون ( 50 )
و هي خمسون آية بلا خلاف .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة و المرسلات كتب أنه ليس من المشركين و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأها عرف الله بينه و بين محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) .

تفسيرها

لما ختم سبحانه سورة هل أتى بذكر القيامة و ما أعد فيها للظالمين افتتح هذه السورة بمثل ذلك فقال : .
سورة المرسلات
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ الْمُرْسلَتِ عُرْفاً(1) فَالْعَصِفَتِ عَصفاً(2) وَ النَّشِرَاتِ نَشراً(3) فَالْفَرِقَتِ فَرْقاً(4) فَالْمُلْقِيَتِ ذِكْراً(5) عُذْراً أَوْ نُذْراً(6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَقِعٌ(7) فَإِذَا النُّجُومُ طمِست(8) وَ إِذَا السمَاءُ فُرِجَت(9) وَ إِذَا الجِْبَالُ نُسِفَت(10) وَ إِذَا الرُّسلُ أُقِّتَت(11) لأَى يَوْم أُجِّلَت(12) لِيَوْمِ الْفَصلِ(13) وَ مَا أَدْرَاك مَا يَوْمُ الْفَصلِ(14) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(15)

القراءة

قرأ أهل الحجاز و الشام و أبو بكر و يعقوب و سهل « عذرا » ساكنة الذال أو نذرا
مجمع البيان ج : 10 ص : 628
بضمها و روى محمد بن الحبيب عن الأعشى و البرجمي عن أبي بكر بضم الذال فيهما و محمد بن خالد عن الأعشى عذرا بسكون الذال أو نذرا بضمها مثل رواية حماد و يحيى عن أبي بكر و قرأ الباقون بسكون الذال فيهما و قرأ أبو جعفر وقتت بالواو و التخفيف و قرأ أهل البصرة غير رويس بالواو و التشديد و قرأ الباقون « أقتت » بالألف و تشديد القاف .

الحجة

قال أبو علي النذر بالتثقيل و النذير مثل النكر و النكير و هما جميعا مصدران و يجوز في النذير ضربان ( أحدهما ) أن يكون مصدرا كالنكير و عذير الحي ( و الآخر ) أن يكون فعيلا يراد به المنذر كما أن الأليم بمعنى المؤلم و يجوز تخفيف النذر على حد التخفيف في العنق و العنق و الأذن و الأذن قال أبو الحسن « عذرا أو نذرا » أي إعذارا أو إنذارا و قد خففتا جميعا و هما لغتان فأما انتصاب عذرا فعلى ثلاثة أضرب ( أحدها ) أن يكون بدلا من الذكر في قوله « فالملقيات ذكرا » ( و الآخر ) أن يكون مفعول ذكرا أي فالملقيات أن يذكر عذرا أو نذرا ( و الثالث ) أن يكون منصوبا على أنه مفعول له و يجوز في قول من ضم عذرا أو نذرا ( و الثالث ) أن يكون منصوبا على أنه مفعول له و يجوز في قول من ضم عذرا أو نذرا أن يكون عذرا جمع عاذر أو عذور و النذر جمع نذير قال حاتم :
أ ماوي قد طال التجنب و الهجر
و قد عذرتني في طلابكم العذر فيكون عذرا أو نذرا على هذا حالا من الإلقاء كأنهم يلقون الذكر في حال العذر و الإنذار و من قرأ وقتت بالواو فلان الكلمة أصلها من الوقت و من أبدل منها الهمزة فلانضمام الواو و الواو إذا انضمت أولا في نحو وجوه و وعود و ثالثة في نحو أدؤر فإنها تبدل على الاطراد همزة لكراهتهم الضمة على الواو .

المعنى


« و المرسلات عرفا » يعني الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس عن ابن مسعود و ابن عباس و مجاهد و قتادة و أبي صالح فعلى هذا يكون عرفا نصبا على الحال من قولهم جاءوا إليه عرفا واحدا أي متتابعين و قيل إنها الملائكة أرسلت بالمعروف من أمر الله و نهيه و في رواية أخرى عن ابن مسعود و عن أبي حمزة الثمالي عن أصحاب علي عنه (عليه السلام) و على هذا يكون مفعولا له و قيل المراد بها الأنبياء جاءت بالمعروف و الإرسال نقيض الإمساك « فالعاصفات عصفا » يعني الرياح الشديدات الهبوب و العصوف مرور الريح بشدة
مجمع البيان ج : 10 ص : 629

« و الناشرات نشرا » و هي الرياح التي تأتي بالمطر تنشر السحاب نشرا للغيث كما تلحقه للمطر و قيل أنها الملائكة تنشر الكتب عن الله تعالى عن أبي حمزة الثمالي و أبي صالح و قيل أنها الأمطار تنشر النبات عن أبي صالح في رواية أخرى و قيل الرياح ينشرها الله تعالى نشرا بين يدي رحمته عن الحسن و قيل الرياح تنشر السحاب في الهواء عن الجبائي « فالفارقات فرقا » يعني الملائكة تأتي بما يفرق به بين الحق و الباطل و الحلال و الحرام عن ابن عباس و أبي صالح و قيل هي آيات القرآن تفرق بين الحق و الباطل و الهدى و الضلال عن الحسن و أبي حمزة و قتادة و قيل أنها الرياح التي تفرق بين السحاب فتبدده عن مجاهد « فالملقيات ذكرا » يعني الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء و تلقيه الأنبياء إلى الأمم عن ابن عباس و قتادة كأنها الحاملات للذكر الطارحات له ليأخذه من خوطب به و الإلقاء طرح الشيء على غيره « عذرا أو نذرا » أي للإعذار و الإنذار و معناه إعذارا من الله و إنذارا إلى خلقه و قيل عذرا يعتذر الله به إلى عباده في العقاب أنه لم يكن إلا على وجه الحكمة و نذرا أي إعلاما بموضوع المخافة عن الحسن و هذه أقسام ذكرها الله تعالى و قيل أقسم الله سبحانه برب هذه الأشياء عن الجبائي قال لا يجوز القسم إلا بالله سبحانه و قال غيره بل أقسم بهذه الأشياء تنبيها على عظم موقعها « إنما توعدون لواقع » هذا جواب القسم و المعنى أن الذي وعدكم الله به من البعث و النشور و الثواب و العقاب لكائن لا محالة و قيل إن الفرق بين الواقع و الكائن أن الواقع لا يكون إلا حادثا تشبيها بالحائط الواقع لأنه من أبين الأشياء في الحدوث و الكائن أعم منه لأنه بمنزلة الموجود الثابت يكون حادثا و غير حادث ثم بين سبحانه وقت وقوعه فقال « فإذا النجوم طمست » أي محيت آثارها و أذهب نورها و أزيل ضوءها « و إذا السماء فرجت » أي شقت و صدعت فصار فيها فروج « و إذا الجبال نسفت » أي قلعت من مكانها كقوله سبحانه ينسفها ربي نسفا و قيل نسفت أذهبت بسرعة حتى لا يبقى لها أثر في الأرض « و إذا الرسل أقتت » أي جمعت لوقتها و هو يوم القيامة لتشهد على الأمم و هو قوله « لأي يوم أجلت » أي أخرت و ضرب لهم الأجل لجمعهم تعجب العباد من ذلك اليوم عن إبراهيم و مجاهد و ابن زيد و قيل أقتت معناه عرفت وقت الحساب و الجزاء لأنهم في الدنيا لا يعرفون متى تكون الساعة و قيل عرفت ثوابها في ذلك اليوم و قال الصادق (عليه السلام) أقتت أي بعثت في أوقات مختلفة ثم بين سبحانه ذلك اليوم فقال « ليوم الفصل » أي يوم يفصل الرحمن بين الخلائق ثم عظم ذلك اليوم فقال « و ما أدراك ما يوم الفصل » ثم أخبر سبحانه حال من كذب به فقال « ويل يومئذ للمكذبين » هذا تهديد و وعيد إنما خص الوعيد بمن جحدوا يوم القيامة و كذب به لأن التكذيب بذلك يتبعه خصال المعاصي كلها و إن لم يذكر معه و العامل
مجمع البيان ج : 10 ص : 630
في الظرف محذوف يدل عليه قوله « إنما توعدون لواقع » و التقدير فإذا طمست النجوم و فرجت السماء و نسفت الجبال و أقتت الرسل وقعت القيامة .
أَ لَمْ نهْلِكِ الأَوَّلِينَ(16) ثمَّ نُتْبِعُهُمُ الاَخِرِينَ(17) كَذَلِك نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ(18) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(19) أَ لَمْ نخْلُقكم مِّن مَّاء مَّهِين(20) فَجَعَلْنَهُ فى قَرَار مَّكِين(21) إِلى قَدَر مَّعْلُوم(22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَدِرُونَ(23) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(24) أَ لَمْ نجْعَلِ الأَرْض كِفَاتاً(25) أَحْيَاءً وَ أَمْوَتاً(26) وَ جَعَلْنَا فِيهَا رَوَسىَ شمِخَت وَ أَسقَيْنَكم مَّاءً فُرَاتاً(27) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(28)

القراءة

قرأ أهل المدينة و الكسائي فقدرنا بالتشديد و الباقون « فقدرنا » بالتخفيف و في الشواذ قراءة الأعرج نتبعهم بالجزم .

الحجة

قد تقدم أن قدر و قدر بمعنى و التخفيف أليق بقوله « فنعم القادرون » و من شد أراد أن يجيء باللغتين كما يقال جاد مجد و كقوله سبحانه فمهل الكافرين أمهلهم و من جزم نتبعهم فإنه يحتمل أمرين ( أحدهما ) أنه أسكن العين استثقالا لتوالي الحركات ( و الثاني ) أن يكون عطفا على نهلك كما تقول أ لم أزرك ثم أحسن إليك فيكون معنى هذه القراءة أنه يريد قوما أهلكهم الله سبحانه بعد قوم قبلهم على اختلاف أوقات المرسلين إليهم نبيا بعد نبي و أما الرفع على القراءة المشهورة فلاستئناف الكلام أو على أن يجعل خبر مبتدإ محذوف .

اللغة

القرار المكان الذي يمكن طول المكث فيه و القدر المقدر المعلوم الذي لا زيادة فيه و لا نقصان و القدر المصدر من قولهم قدر يقدر قدرا و قدرا أي قدر فمن شدد جمع بين اللغتين كما قال الأعشى :
مجمع البيان ج : 10 ص : 631


و أنكرتني و ما كان الذي نكرت
من الحوادث إلا الشيب و الصلعا و كفت الشيء يكفته كفتا و كفاتا إذا ضمه و منه الحديث اكفتوا صبيانكم أي ضموهم إلى أنفسكم و مثله ضموا مواشيكم حتى تذهب فحمة العشاء و يقال للوعاء كفت و كفيت و قال أبو عبيدة كفاتا أي أوعية و الرواسي الثوابت و الشامخات العاليات و منه شمخ بأنفه إذا رفعه كبرا و ماء فرات و زلال و عذب و نمير كله من العذوبة و الطيب و منه سمي النهر العظيم المعروف بالفرات قال الشاعر :
إذا غاب عنا غاب عنا فراتنا
و إن شهد أجدى نيله و فواضله قال ابن عباس أصول الأنهار العذبة أربعة جيحان و منه دجلة و سيحان نهر بلخ و فرات الكوفة و نيل مصر .

الإعراب

أحياء منصوب بأنه مفعول قوله « كفاتا » معناه أن يكفت أحياء و أمواتا فعلى هذا يكون كفاتا مصدرا و إن جعلته جمع كفت فيكون العامل في أحياء معناه و التقدير واعية أحياء أو تعي أحياء .

المعنى

ثم ذكر سبحانه ما فعله بالمكذبين الأولين فقال « أ لم نهلك الأولين » يعني بالعذاب في الدنيا يريد قوم نوح و عاد و ثمود حين كذبوا رسلهم « ثم نتبعهم الآخرين » قوم لوط و إبراهيم لم يعطف نتبعهم على نهلك فيجزم بل استأنف و قال المبرد تقديره ثم نحن نتبعهم لا يجوز غيره لأن قوله « أ لم نهلك » ماض و قوله « ثم نتبعهم » مستقبل و يؤيده قول الحسن أن الآخرين هم الذين تقوم عليهم القيامة « كذلك نفعل بالمجرمين » أي كما فعلنا بمن تقدم نفعل بالمكذبين من أهل مكة و قد فعل بهم ذلك فقتلوا يوم بدر و قد يكون الإهلاك بتصيير الشيء إلى حيث لا يدري أين هو إما بإعدامه أو بإخفاء مكانه و قد يكون بالأمانة و قد يكون بالنقل إلى حال الجمادية « ويل يومئذ » يعني يوم الجزاء « للمكذبين » فإنهم يجازون باليم العقاب « أ لم نخلقكم من ماء مهين » أي حقير قليل الغناء و في خلق الإنسان على هذا الكمال من الحواس الصحيحة و العقل الشريف و التمييز و النطق من ماء ضعيف أعظم الاعتبار و أبين الحجة على أن له صانعا مدبرا حكيما و الجاحد لذلك كالمكابر لبداية العقول « فجعلناه » أي فجعلنا ذلك الماء المهين « في قرار مكين » يعني الرحم
مجمع البيان ج : 10 ص : 632

« إلى قدر معلوم » أي إلى مقدار من الوقت معلوم يعني مدة الحمل « فقدرنا » أي قدرنا خلقه كيف يكون قصيرا أو طويلا ذكرا أم أنثى « فنعم القادرون » أي فنعم المقدرون نحن و يجوز أن يكون المعنى إذا خفف من القدرة أي قدرنا على جميع ذلك فنعم القادرون على تدبير ذلك و على ما لا يقدر عليه أحد إلا نحن فحذف المخصوص بالمدح « ويل يومئذ للمكذبين » بأنا قد خلقنا الخلق و أنا نعيدهم « أ لم نجعل الأرض كفاتا » للعباد تكفتهم « أحياء » على ظهرها في دورهم و منازلهم « و » تكفتهم « أمواتا » في بطنها أي تحوزهم و تضمهم عن قتادة و مجاهد و الشعبي قال بنان خرجنا في جنازة مع الشعبي فنظر إلى الجنازة فقال هذه كفات الأموات ثم نظر إلى البيوت فقال هذه كفات الأحياء و روي ذلك عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و قيل كفاتا أي وعاء و هذا كفته أي وعاءه و قوله « أحياء و أمواتا » أي منه ما ينبت و منه ما لا ينبت فعلى هذا يكون أحياء و أمواتا نصبا على الحال و على القول الأول على المفعول به « و جعلنا فيها رواسي شامخات » أي جبالا ثابتة عالية « و أسقيناكم ماء فراتا » أي و جعلنا لكم سقيا من الماء العذب عن ابن عباس « ويل يومئذ للمكذبين » بهذه النعم و أنها من جهة الله و قيل بالأنبياء و القرآن و إنما كرر لأنه عدد النعم فذكره عند كل نعمة فلا يعد ذلك تكرارا و قد تقدم الوجه في التكرار في سورة الرحمن .
انطلِقُوا إِلى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ(29) انطلِقُوا إِلى ظِلّ ذِى ثَلَثِ شعَب(30) لا ظلِيل وَ لا يُغْنى مِنَ اللَّهَبِ(31) إِنهَا تَرْمِى بِشرَر كالْقَصرِ(32) كَأَنَّهُ جِمَلَتٌ صفْرٌ(33) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(34) هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ(35) وَ لا يُؤْذَنُ لهَُمْ فَيَعْتَذِرُونَ(36) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(37) هَذَا يَوْمُ الْفَصلِ جَمَعْنَكمْ وَ الأَوَّلِينَ(38) فَإِن كانَ لَكمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ(39) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(40)

القراءة

قرأ رويس عن يعقوب انطلقوا الثانية بفتح اللام و الباقون من القراء على كسر اللام فيهما و قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر جمالة بغير ألف و يعقوب « جمالات صفر » بالألف و ضم الجيم و روي ذلك عن ابن عباس و سعيد بن جبير و غيرهما و قرأ الباقون جمالات بالألف
مجمع البيان ج : 10 ص : 633

و كسر الجيم و في الشواذ قراءة ابن عباس و سعيد بن جبير بخلاف كالقصر بفتح القاف و الصاد .

الحجة


من قرأ انطلقوا الثانية بالفتح فإنه حمل الأول على الأمر و الثاني على الخبر و جمالات جمع جمال و جمع بالألف و التاء على تصحيح البناء كما جمع على تكسيره في قولهم جمائل قال ذو الرمة :
و قربن بالزرق الجمائل بعد ما
تقوب عن غربان أوراكها الخطر و أما جمالة فإن التاء لحقت جمالا لتأنيث الجمع كما لحقت في فحل و فحالة و ذكر و ذكارة و من قرأ جمالات بالضم فهي جمع جمالة و هو القلس من قلوس سفن البحر و يقال من قلوس الجسر قال الزجاج و يجوز أن يكون جمع جمل جمال و جمالات كما قيل رخال جمع رخل و من قرأ كالقصر بفتح الصاد فهو جمع قصرة أي كأنها أعناق الإبل و قيل القصر أصول الشجر واحدتها قصرة و كذا قرأها مجاهد قال و هي خرم الشجر قال الحسن قصرة و قصر مثل جمرة و جمر و هي أصول الشجر قال و العامة يجعلونها على القصور قال ابن جني و حدثنا أبو على أن القصر هنا بمعنى القصور و قال هي بيوت من أدم كان يضربون بها إذا نزلوا على الماء .

المعنى

ثم بين سبحانه ما يقال لهم جزاء على تكذيبهم فقال « انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون » أي تقول لهم الخزنة اذهبوا و سيروا إلى النار التي كنتم تجحدونها و تكذبون بها و لا تعترفون بصحتها في الدنيا و الانطلاق الانتقال من مكان إلى مكان من غير مكث ثم ذكر الموضع الذي أمرهم بالانطلاق إليه فقال « انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب » أي نار لها ثلاث شعب سماها ظلا لسواد نار جهنم و قيل هو دخان جهنم له ثلاث شعب تحيط بالكافر شعبة تكون فوقه و شعبة عن يمينه و شعبة عن شماله و سمي الدخان ظلا كما قال أحاط بهم سرادقها أي من الدخان الآخر بالأنفاث عن مجاهد و قتادة و قيل يخرج من النار لسان فيحيط بالكافر كالسرادق فيتشعب ثلاث شعب فيكون فيها حتى يفرغ من الحساب ثم وصف سبحانه ذلك الظل فقال « لا ظليل » أي غير مانع من الأذى بستره عنه و مثله الكنين فالظليل من
مجمع البيان ج : 10 ص : 634
الظلة و هي السترة و الكنين من الكن فظل هذا الدخان لا يغني الكفار شيئا من حر النار و هو قوله « و لا يغني من اللهب » و اللهب ما يعلو على النار إذا اضطرمت من أحمر و أصفر و أخضر يعني أنهم إذا استظلوا بذلك الظل لم يدفع عنهم حر اللهب ثم وصف سبحانه النار فقال « إنها ترمي بشرر » و هو ما يتطاير من النار في الجهات « كالقصر » أي مثله في عظمه و تخويفه تتطاير على الكافرين من كل جهة نعوذ بالله منه و هو واحد القصور من البنيان عن ابن عباس و مجاهد و العرب تشبه الإبل بالقصور قال الأخطل :
كأنه برج رومي يشيده
لز بجص و آجر و أحجار قال عنترة :
فوقفت فيها ناقتي و كأنها
فدن لأقضي حاجة المتلوم و الفدن القصر و قيل كالقصر أي كأصول الشجر العظام عن قتادة و الضحاك و سعيد بن جبير ثم شبهه في لونه بالجمالات الصفر فقال « كأنه جمالت صفر » أي كأنها أينق سود لما يعتري سوادها من الصفرة عن الحسن و قتادة قال الفراء لا ترى أسود من الإبل إلا و هو مشرب صفرة و لذلك سمت العرب سود الإبل صفراء و قيل هو من الصفرة لأن النار تكون صفراء عن الجبائي « ويل يومئذ للمكذبين » بنار هذه صفتها « هذا يوم لا ينطقون و لا يؤذن لهم فيعتذرون » قيل في معناه قولان ( أحدهما ) أنهم لا ينطقون بنطق ينتفعون به فكأنهم لم ينطقوا ( و الثاني ) أن في القيامة مواقف ففي بعضها يختصمون و يتكلمون و في بعضها يختم على أفواههم و لا يتكلمون و عن قتادة قال جاء رجل إلى عكرمة قال أ رأيت قول الله تعالى « هذا يوم لا ينطقون » و قوله ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون فقال إنها مواقف فأما موقف منها فتكلموا و اختصموا ثم ختم على أفواههم و تكلمت أيديهم و أرجلهم فحينئذ لا ينطقون و أجاز النحويون « هذا يوم لا ينطقون » بالنصب على أنه يشير إلى الجزاء و لا يشير إلى اليوم و قوله « فيعتذرون » رفع عطفا على قوله « و لا يؤذن لهم » تقديره فلا يعتذرون و لو قيل فلا يعتذروا فنصب لكان المعنى أن الإذن سبب لعذرهم و لكن المعنى لا يؤذن لهم في الاعتذار فهم لا يعتذرون « ويل يومئذ للمكذبين » بهذا الخبر « هذا يوم الفصل » بين أهل الجنة و النار و قيل هذا يوم الحكم و القضاء بين الخلق
مجمع البيان ج : 10 ص : 635

و الانتصاف للمظلوم من الظالم و فصل القضاء يكون في الآخرة على ظاهر الأمر و باطنه بخلاف الدنيا لأن القاضي يحكم على ظاهر الأمر في الدنيا و لا يعرف البواطن « جمعناكم و الأولين » يعني مكذبي هذه الأمة مع مكذبي الأمم قبلها يجمع الله سبحانه الخلائق في يوم واحد و في صعيد واحد « فإن كان لكم كيد فكيدون » أي إن كانت لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم و قيل إن هذا توبيخ من الله تعالى للكفار و تقريع لهم و إظهار لعجزهم عن الدفع عن أنفسكم فضلا عن أن يكيدوا غيرهم و إنما هو على أنكم كنتم تعملون في دار الدنيا ما يغضبني فالآن عجزتم عن ذلك و حصلتم على وبال ما عملتم « ويل يومئذ للمكذبين » بهذا .
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فى ظِلَل وَ عُيُون(41) وَ فَوَكِهَ مِمَّا يَشتهُونَ(42) كلُوا وَ اشرَبُوا هَنِيئَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(43) إِنَّا كَذَلِك نجْزِى المُْحْسِنِينَ(44) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(45) كلُوا وَ تَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكم مجْرِمُونَ(46) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(47) وَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ(48) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(49) فَبِأَى حَدِيثِ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ(50)

المعنى

ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال « إن المتقين » الذين اتقوا الشرك و الفواحش « في ظلال » من أشجار الجنة « و عيون » جارية بين أيديهم في غير أخدود لأن ذلك أمتع لهم بما يرونه من حسن مياهها و صفائها و قيل عيون أي ينابيع بما يجري خلال الأشجار « و فواكه » جمع فاكهة و هي ثمار الأشجار « مما يشتهون » أي من جنس ما يشتهونه و الشهوة معنى في القلب إذا صادف المشتهى كان لذة و ضدها النفار ثم يقال لهم « كلوا و اشربوا » صورته صورة الأمر و المراد الإباحة و قيل إنه أمر على الحقيقة و هو سبحانه يريد منهم الأكل و الشرب في الجنة فإنهم إذا أعلموا ذلك ازداد سرورهم فلا يكون إرادته لذلك عبثا « هنيئا بما كنتم تعملون » في دار الدنيا أي خالصا من التكدير و الهنيء النفع الخالص من شائب الأذى و قيل هو الأذى الذي لا أذى يتبعه « إنا كذلك نجزي المحسنين » هذا ابتداء الإخبار من الله تعالى و يقال لهم ذلك أيضا « ويل يومئذ للمكذبين » بهذا
مجمع البيان ج : 10 ص : 636
الوعد ، ثم عاد الكلام إلى ذكر المكذبين فقال سبحانه « كلوا » أي يقال لهم كلوا « و تمتعوا » في الدنيا « قليلا » أي تمتعا قليلا أو زمانا قليلا فإن الموت كائن لا محالة « إنكم مجرمون » أي مشركون مستحقون للعقاب « ويل يومئذ للمكذبين » بهذا الوعيد « و إذا قيل لهم اركعوا » أي صلوا « لا يركعون » أي لا يصلون قال مقاتل نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله بالصلاة فقالوا لا ننحني و الرواية لا نحني فإن ذلك سبة علينا فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا خير في دين ليس فيه ركوع و سجود و قيل إن المراد بذلك يوم القيامة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون عن ابن عباس « ويل يومئذ للمكذبين » بوجوب الصلاة و العبادات « فبأي حديث بعده يؤمنون » أي فبأي كتاب بعد القرآن يصدقون و لم يصدقوا به مع إعجازه و حسن نظمه فإن من لم يؤمن به مع ما فيه من الحجة الظاهرة و الآية الباهرة لا يؤمن بغيره .

مجمع البيان ج : 10 ص : 637
( 78 ) سورة النبإ مكية و آياتها أربعون ( 40 )
و تسمى سورة النبإ و سورة المعصرات و منهم من يقول سورة التساؤل و هي مكية .

عدد آيها

إحدى و أربعون آية مكي و بصري و أربعون في الباقين .

اختلافها

آية واحدة « عذابا قريبا » مكي بصري .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة ( عم يتساءلون ) سقاه الله برد الشراب يوم القيامة و روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال من قرأ عم يتساءلون لم يخرج سنته إذا كان يدمنها في كل يوم حتى يزور البيت الحرام .

تفسيرها

لما ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر القيامة و وعيد المكذبين بها افتتح هذه السورة بذكرها و ذكر دلائل القدرة على البعث و الإعادة فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 638

سورة النبإ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَمَّ يَتَساءَلُونَ(1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ(2) الَّذِى هُمْ فِيهِ مخْتَلِفُونَ(3) َكلا سيَعْلَمُونَ(4) ثُمَّ َكلا سيَعْلَمُونَ(5) أَ لَمْ نجْعَلِ الأَرْض مِهَداً(6) وَ الجِْبَالَ أَوْتَاداً(7) وَ خَلَقْنَكمْ أَزْوَجاً(8) وَ جَعَلْنَا نَوْمَكمْ سبَاتاً(9) وَ جَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاساً(10) وَ جَعَلْنَا النهَارَ مَعَاشاً(11) وَ بَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سبْعاً شِدَاداً(12) وَ جَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً(13) وَ أَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَتِ مَاءً ثجَّاجاً(14) لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَبَاتاً(15) وَ جَنَّت أَلْفَافاً(16)

القراءة

في الشواذ قراءة عكرمة و عيسى بن عمر عما يتساءلون و قرأ ابن الزبير و ابن عباس و قتادة و أنزلنا بالمعصرات .

الحجة

قال ابن جني إثبات الألف في ما الاستفهامية إذا دخل عليها حرف جر أضعف اللغتين و روينا عن قطرب لحسان :
على ما قام يشتمني لئيم
كخنزير تمرغ في رماد و قال في قوله بالمعصرات إذا أنزل منها فقد أنزل بها كقولهم أعطيته من يدي شيئا و بيدي شيئا و المعنى واحد و معنى من هنا ابتداء الغاية أي كان مبتدأ العطية من يده .

اللغة

النبأ الخبر العظيم الشأن و منه النبيء على مذهب من يهمز و المهاد الوطاء و مهد الشيء تمهيدا أي وطأه توطية و الوتد المسمار إلا أنه أغلظ منه و السبات قطع العمل للراحة و منه سبت أنفه إذا قطعه و منه يوم السبت أي يوم قطع العمل على ما جرت به العادة في شرع موسى (عليه السلام) و الوهاج الوقاد و هو المشتغل بالنور العظيم و المعصرات السحائب تعتصر بالمطر كان السحاب يحمل الماء ثم تعصره الرياح و ترسله كإرسال الماء بعصر الثور و عصر القوم مطروا و الثجاج الدفاع في انصبابه كثج دماء البدن يقال ثججت دمه أثجه ثجا و قد ثج الدم يثج ثجوجا و في الحديث أفضل الحج العج فالثج فالعج رفع الصوت بالتلبية و الثج إسالة دم الهدي و الألفاف الأخلاط المتداخلة يدور بعضها على بعض واحدها لف و لفيف و قيل شجرة لفاء و أشجار لف بضم اللام و جنات ألفاف .

الإعراب


عم أصله عن ما جعل النون ميما و أدغم في الميم و حذفت الألف لاتصال ما بحرف الجر حتى صارت كالجزء منه و ليحصل الفرق بين الاستفهام و الخبر و هذه الحروف التي تسقط معها هذه الألف ثمانية عن تقول عم و من تقول مم و الباء نحو بم و اللام نحو لم
مجمع البيان ج : 10 ص : 639

و في نحو فيم و إلى نحو إلى م و على نحو على م و حتى نحو حتى م قال البصير جامع العلوم النحوي « عن النبإ العظيم » لا يكون بدلا من عم لأنه لو كان بدلا لوجب تكرار ما لأن الجار المتصل بحرف الاستفهام إذا أعيد أعيد مع الحرف المستفهم بها كقولك بكم ثوبك أ بعشرين أم بثلاثين و لا يجوز بعشرين من غير همزة فإذا كان كذلك كان قوله « عن النبإ » متعلقا بفعل آخر دون هذا الظاهر .

المعنى

« عم يتساءلون » قالوا لما بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و أخبرهم بتوحيد الله تعالى و بالبعث بعد الموت و تلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم أي يسأل بعضهم بعضا على طريق الإنكار و التعجب فيقولون ما ذا جاء به محمد و ما الذي أتى به فأنزل الله تعالى « عم يتساءلون » أي عن أي شيء يتساءلون قال الزجاج اللفظ لفظ الاستفهام و المراد تفخيم القصة كما تقول أي شيء زيد إذا عظمت شأنه ثم ذكر أن تساءلهم عن ما ذا فقال « عن النبإ العظيم » و هو القرآن و معناه الخبر العظيم الشأن لأنه ينبىء عن التوحيد و تصديق الرسول و الخبر عما يجوز و عما لا يجوز و عن البعث و النشور و قيل يعني نبأ يوم القيامة عن الضحاك و قتادة و يؤيده قوله إن يوم الفصل كان ميقاتا و قيل النبأ العظيم ما كانوا يختلفون فيه من إثبات الصانع و صفاته و الملائكة و الرسل و البعث و الجنة و النار و الرسالة و الخلافة فإن النبأ معروف يتناول الكل « الذي هم فيه مختلفون » فمصدق به و مكذب « كلا » أي ليس الأمر كما قالوا « سيعلمون » عاقبة تكذيبهم حين تنكشف الأمور « ثم كلا سيعلمون » هذا وعيد على إثر وعيد و قيل كلا أي حقا سيعلمون أي سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم و سيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم عن الضحاك و قيل كلا سيعلمون ما ينالهم يوم القيامة ثم كلا سيعلمون ما ينالهم في جهنم من العذاب فعلى هذا لا يكون تكرارا ثم نبههم سبحانه على وجه الاستدلال على صحة ذلك فقال « أ لم نجعل الأرض مهادا » أي وطاء و قرارا مهيئا للتصرف فيه من غير أذية و قيل مهادا أي بساطا عن قتادة « و الجبال أوتادا » للأرض لئلا تميد بأهلها « و خلقناكم أزواجا » أي أشكالا كل واحد شكل للآخر و قيل معناه ذكرانا و إناثا حتى يصح منكم التناسل و يتمتع بعضكم ببعض و قيل أصنافا أسود و أبيض و صغيرا و كبيرا إلى غير ذلك « و جعلنا نومكم سباتا » اختلف في معناه على وجوه ( أحدها ) أن معناه و جعلنا نومكم راحة و دعة لأجسادكم ( و ثانيها ) أن المعنى جعلنا نومكم قطعا لأعمالكم و تصرفكم عن ابن الأنباري ( و ثالثها ) جعلنا نومكم سباتا ليس بموت على الحقيقة و لا مخرجا عن الحياة و الإدراك « و جعلنا الليل لباسا » أي غطاء و سترة يستر كل شيء بظلمته و سواده « و جعلنا النهار معاشا » المعاش العيش أي جعلناه مطلب معاش أي مبتغي معاش و قيل معناه و جعلنا
مجمع البيان ج : 10 ص : 640
النهار وقت معاشكم لتتصرفوا في معاشكم أو موضع معاشكم تبتغون فيه من فضل ربكم « و بنينا فوقكم سبعا » أي سبع سماوات « شدادا » محكمة أحكمنا صنعها و أوثقنا بناءها « و جعلنا سراجا وهاجا » يعني الشمس جعلها سبحانه سراجا للعالم وقادا متلألئا بالنور يستضيئون به فالنعمة عامة به لجميع الخلق قال مقاتل جعل فيه نورا و حرا و الوهج يجمع النور و الحر « و أنزلنا من المعصرات » أي الرياح ذوات الأعاصير عن مجاهد و قتادة و الكلبي و قال الأزهري و من معناه الباء فكأنه قال بالمعصرات أو ذلك أن الريح تستدر المطر و قيل المعصرات السحائب تتحلب بالمطر عن الربيع و أبي العالية و هو رواية الوالبي عن ابن عباس « ماء ثجاجا » أي صبابا دفاعا في انصبابه و قيل مدرارا عن مجاهد و قيل متتابعا يتلو بعضه بعضا عن قتادة « لنخرج به » أي بالماء « حبا و نباتا » فالحب كل ما تضمنه كمام الزرع الذي يحصد و النبات الكلأ من الحشيش و الزرع و نحوهما فجمع سبحانه بين جميع ما يخرج من الأرض و قيل حبا يأكل الناس و نباتا تنبته الأرض مما يأكله الأنعام « و جنات ألفافا » أي بساتين ملتفة بالشجر و التقدير و نخرج به شجر جنات ألفافا فحذف لدلالة الكلام عليه و إنما سمي جنة لأن الشجر تجنها أي تسترها .
إِنَّ يَوْمَ الْفَصلِ كانَ مِيقَتاً(17) يَوْمَ يُنفَخُ فى الصورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً(18) وَ فُتِحَتِ السمَاءُ فَكانَت أَبْوَباً(19) وَ سيرَتِ الجِْبَالُ فَكانَت سرَاباً(20) إِنَّ جَهَنَّمَ كانَت مِرْصاداً(21) لِّلطغِينَ مَئَاباً(22) لَّبِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً(23) لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَ لا شرَاباً(24) إِلا حَمِيماً وَ غَساقاً(25) جَزَاءً وِفَاقاً(26) إِنهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً(27) وَ كَذَّبُوا بِئَايَتِنَا كِذَّاباً(28) وَ كلَّ شىْء أَحْصيْنَهُ كتَباً(29) فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلا عَذَاباً(30)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير الأعشى و البرجمي « و فتحت » بالتخفيف و الباقون بالتشديد
مجمع البيان ج : 10 ص : 641
و قرأ حمزة لبثين بغير الألف و الباقون « لابثين » بالألف و الخلاف في غساق مذكور في ص و رووا عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و كذبوا ب آياتنا كذابا خفيفة و القراءة المشهورة « و كذبوا ب آياتنا كذابا » بالتثقيل و حكى أبو حاتم في الشواذ عن عبد الله بن عمر كذابا بضم الكاف و تشديد الذال .

الحجة

قال أبو علي فتحت بالتشديد أوفق لقوله تعالى « مفتحة لهم الأبواب » و من حجة التخفيف قوله فتحنا عليهم أبواب كل شيء و حجة من قرأ « لابثين » بالألف مجيء المصدر على اللبث فهو من باب شرب يشرب و لقم يلقم و ليس من باب فرق يفرق إذ لو كان منه لكان المصدر مفتوح العين فلما أسكن وجب أن يكون اسم الفاعل على فاعل كشارب و لاقم كما كان اللبث كاللقم و من قرأ لبثين جعل اسم الفاعل فعلا و قد جاء غير حرف من هذا النحو على فاعل و فعل و الكذاب مصدر كذب كما أن الكلام مصدر كلم و كذا القياس فيما زاد على الثلاثة أن تأتي بلفظ الفعل و تزيد في آخره الألف كقوله أكرمته إكراما و أما التكذيب فزعم سيبويه أن التاء عوض من التضعيف و الياء التي قبل الآخر كالألف فأما الكذاب فمصدر كذب قال الأعشى :
فصدقته و كذبته
و المرء ينفعه كذابه فهو مثل كتاب في مصدر كتب و أما الكذاب بضم الكاف فقد قال أبو حاتم لا وجه له إلا أن يكون كذاب جمع كاذب فينصبه على الحال أي و كذبوا ب آياتنا في حال كذبهم قال طرفة :
إذا جاء ما لا بد منه فمرحبا
به حين يأتي لا كذاب و لا علل .

اللغة

الميقات منتهى المقدار المضروب لحدوث أمر من الأمور و هو من الوقت كما أن الميعاد من الوعد و المقدار من القدر و المرصاد هو المعد لأمر على ارتقاب الوقوع فيه قال الأزهري المرصاد المكان الذي يرصد فيه العدو و الأحقاب جمع واحدها حقب من قوله « أو أمضي حقبا » أي دهرا طويلا و قيل واحده حقب بفتح القاف و واحد الحقب حقبة قال :
و كنا كندماني جذيمة حقبة
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا .

الإعراب

« يوم ينفخ » منصوب لأنه بدل من « يوم الفصل » و أفواجا نصب على الحال « لا يذوقون فيها بردا » جملة يجوز أن يكون حالا من لابثين و التقدير يلبثون غير ذائقين و يجوز أن
مجمع البيان ج : 10 ص : 642
يكون صفة لقوله « أحقابا » و التقدير أحقابا غير مذوق فيها و جزاء مصدر وضع موضع الحال و كل شيء منصوب بفعل مضمر يفسره قوله « أحصيناه » و كتابا منصوب على المصدر لأن كتب في معنى أحصى و يجوز أن يكون في موضع الحال أي نكتبه و التقدير أحصيناه كاتبين .

المعنى

ثم ذكر سبحانه الإعادة و البعث تنبيها على أنه دل بذكر الآيات فيما تقدم على صحة البعث فقال « إن يوم الفصل » أي يوم القضاء الذي يفصل الله فيه الحكم بين الخلائق « كان ميقاتا » لما وعد الله من الجزاء و الحساب و الثواب و العقاب « يوم ينفخ في الصور » قد مر معناه « فتأتون أفواجا » أي جماعة جماعة إلى أن تتكاملوا في القيامة و قيل زمرا زمرا من كل مكان للحساب و كل فريق يأتي مع شكله و قيل إن كل أمة تأتي مع نبيها فلذلك جاءوا أفواجا أفواجا « و فتحت السماء » أي شقت لنزول الملائكة « فكانت أبوابا » أي ذات أبواب و قيل صار فيها طرق و لم تكن كذلك من قبل « و سيرت الجبال » أي أزيلت عن أماكنها و ذهب بها « فكانت سرابا » أي كالسراب يظن أنها جبال و ليست إياها و في الحديث عن البراء بن عازب قال كان معاذ بن جبل جالسا قريبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) في منزل أبي أيوب الأنصاري فقال معاذ يا رسول الله أ رأيت قول الله تعالى « يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا » الآيات فقال يا معاذ سألت عن عظيم من الأمر ثم أرسل عينيه ثم قال يحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتا قد ميزهم الله من المسلمين و بدل صورهم بعضهم على صورة القردة و بعضهم على صورة الخنازير و بعضهم منكسون أرجلهم من فوق و وجوههم من تحت ثم يسحبون عليها و بعضهم عمي يترددون و بعضهم صم بكم لا يعقلون و بعضهم يمضغون ألسنتهم فيسيل القيح من أفواههم لعابا يتقذرهم أهل الجمع و بعضهم مقطعة أيديهم و أرجلهم و بعضهم مصلبون على جذوع من نار و بعضهم أشد نتنا من الجيف و بعضهم يلبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس و أما الذين على صورة الخنازير فأهل السحت و أما المنكسون على رءوسهم فأكلة الربا و العمي الجائرون في الحكم و الصم و البكم المعجبون بأعمالهم و الذين يمضغون بألسنتهم فالعلماء و القضاة الذين خالف أعمالهم أقوالهم و المقطعة أيديهم و أرجلهم الذين يؤذون الجيران و المصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان و الذين هم أشد نتنا من الجيف فالذين يتمتعون بالشهوات و اللذات و يمنعون حق الله في أموالهم و الذين يلبسون الجباب فأهل الفخر و الخيلاء « إن جهنم كانت مرصادا » يرصدون به أي هي معدة
مجمع البيان ج : 10 ص : 643
لهم يرصد بها خزنتها الكفار عن المبرد و قيل مرصدا محبسا يحبس فيه الناس عن مقاتل و قيل طريقا منصوبا على العاصين فهو موردهم و منهلهم و هذا إشارة إلى أن جهنم للعصاة على الرصد لا يفوتونها « للطاغين م آبا » أي للذين جاوزوا حدود الله و طغوا في معصية الله مرجعا يرجعون إليه و مصيرا فكان المجرم قد كان بإجرامه فيها ثم رجع إليها « لابثين فيها أحقابا » أي ماكثين فيها أزمانا كثيرة و ذكر فيها أقوال ( أحدها ) أن المعنى أحقابا لا انقطاع لها كلما مضى حقب جاء بعده حقب آخر و الحقب ثمانون سنة من سني الآخرة عن قتادة و الربيع ( و ثانيها ) أن الأحقاب ثلاثة و أربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة و ستون يوما و كل يوم ألف سنة عن مجاهد ( و ثالثها ) أن الله تعالى لم يذكر شيئا إلا و جعل له مدة ينقطع إليها و لم يجعل لأهل النار مدة بل قال « لابثين فيها أحقابا » فو الله ما هو إلا أنه إذا مضى حقب دخل آخر ثم آخر كذلك إلى أبد الآبدين فليس للأحقاب عدة إلا الخلود في النار و لكن قد ذكروا أن الحقب الواحد سبعون ألف سنة كل يوم من تلك السنين ألف سنة مما نعده عن الحسن ( و رابعها ) أن مجاز الآية لابثين فيها أحقابا لا يذوقون في تلك الأحقاب بردا و لا شرابا إلا حميما و غساقا ثم يلبثون فيها لا يذوقون غير الحميم و الغساق من أنواع العذاب فهذا توقيت لأنواع العذاب لا لمكثهم في النار و هذا أحسن الأقوال ( و خامسها ) أنه يعني به أهل التوحيد عن خالد بن معدان و روى نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يخرج من النار من دخلها حتى يمكث فيها أحقابا و الحقب بضع و ستون سنة و السنة ثلاثمائة و ستون يوما كل يوم كألف سنة مما تعدون فلا يتكلن أحد أن يخرج من النار و روى العياشي بإسناده عن حمران قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن هذه الآية فقال هذه في الذين يخرجون من النار و روي عن الأحول مثله و قوله « لا يذوقون فيها بردا و لا شرابا » يريد النوم و الماء عن ابن عباس قال أبو عبيدة البرد النوم هنا و أنشد
فصدني عنها و عن قبلاتها البرد أي النوم و قيل لا يذوقون في جهنم بردا ينفعهم من حرها و لا شرابا ينفعهم من عطشها عن مقاتل « إلا حميما » و هو الماء الحار الشديد الحر « و غساقا » و هو صديد أهل النار « جزاء وفاقا » أي وافق عذاب النار الشرك لأنهما عظيمان فلا ذنب أعظم من الشرك و لا عذاب أعظم من النار عن مقاتل و قيل جوزوا جزاء وفق أعمالهم عن الزجاج و هو المروي عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الوفاق الجاري على المقدار فالجزاء وفاق لأنه جار على مقدار الأعمال في الاستحقاق « إنهم كانوا لا يرجون حسابا » أي فعلنا ذلك
 

Back Index Next