جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج10 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>


 

مجمع البيان ج : 10 ص : 644

الكفار لأنهم كانوا لا يخافون أن يحاسبوا و المعنى كانوا لا يؤمنون بالبعث و لا بأنهم محاسبون عن الحسن و قتادة و قيل لا يرجون المجازاة على الأعمال و لا يظنون أن لهم حسابا عن أبي مسلم و قال الهذلي في الرجاء بمعنى الخوف :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
و خالفها في بيت نوب عواسل « و كذبوا ب آياتنا » أي بما جاءت به الأنبياء و قيل بالقرآن و قيل بحجج الله و لم يصدقوا بها « كذابا » أي تكذيبا « و كل شيء أحصيناه كتابا » أي و كل شيء من الأعمال بيناه في اللوح المحفوظ و مثله و كل شيء أحصيناه في إمام مبين و قيل معناه و كل شيء من أعمالهم حفظناه لنجازيهم به ثم بين أن ذلك الإحصاء و الحفظ وقع بالكتابة لأن الكتابة أبلغ في حفظ الشيء من الإحصاء و يجوز أن يكون كتابا حالا مؤكدة أي أحصيناه في حال كونه مكتوبا عليهم و الكتاب بمعنى المكتوب « فذوقوا » لهؤلاء الكفار ذوقوا ما أنتم فيه من العذاب « فلن نزيدكم إلا عذابا » لأن كل عذاب يأتي بعد الوقت الأول فهو زائد عليه .
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً(31) حَدَائقَ وَ أَعْنَباً(32) وَ كَوَاعِب أَتْرَاباً(33) وَ كَأْساً دِهَاقاً(34) لا يَسمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَ لا كِذَّباً(35) جَزَاءً مِّن رَّبِّك عَطاءً حِساباً(36) رَّب السمَوَتِ وَ الأَرْضِ وَ مَا بَيْنهُمَا الرَّحْمَنِ لا يمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً(37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلَئكَةُ صفًّا لا يَتَكلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صوَاباً(38) ذَلِك الْيَوْمُ الحَْقُّ فَمَن شاءَ اتخَذَ إِلى رَبِّهِ مَئَاباً(39) إِنَّا أَنذَرْنَكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَت يَدَاهُ وَ يَقُولُ الْكافِرُ يَلَيْتَنى كُنت تُرَبَا(40)

مجمع البيان ج : 10 ص : 645

القراءة

قرأ الكسائي و لا كذابا بتخفيف الذال و الباقون بالتشديد و قرأ أهل الحجاز و أبو عمرو رب السماوات بالرفع و الباقون بالجر و قرأ عاصم و ابن عامر و يعقوب و سهل الرحمن بالجر و الباقون بالرفع .

الحجة


و لا كذابا يجوز أن يكون مصدر كذب فيكون معناه و لا كذبا و يجوز أن يكون مصدر كاذبة مكاذبة و كذابا و بالتشديد قد يكون مصدر كذب قال الفراء قال أعرابي في طريق مكة يا با زكريا القصار أحب إليك أم الحلق يريد أقصر شعري أم أحلق و من قرأ رب السماوات و الأرض و ما بينهما الرحمن قطع الاسم الأول من الجر الذي قبله في قوله « جزاء من ربك » فابتدأه و جعل الرحمن خبره ثم استأنف « لا يملكون منه » و من قرأ « رب السماوات و الأرض و ما بينهما الرحمن » أتبع الاسمين الجر الذي قبلهما في قوله « من ربك » و من قرأ « رب السماوات » الرحمن أتبع رب السماوات الجر الذي في قوله « من ربك » و استأنف بقوله الرحمن و جعل قوله « لا يملكون » خبر قوله « الرحمن » .

اللغة

الحديقة الجنة المحوطة و الجمع حدائق و منه أحدق القوم بفلان إذا طافوا به و منه الحدقة لأنه يحيط بها جفنها و الأعناب جمع عنب و هو ثمر الكرم قبل أن يجف فإذا جف فهو الزبيب و الكواعب جمع الكاعب و هي الجارية التي نهد ثدياها و الأتراب جمع الترب و هي اللدة التي تنشأ مع لدتها على سن الصبي الذي يلعب بالتراب و الدهاق الكأس الممتلئة التي لا مزيد فيها و أصل الدهق شدة الضغط أدهقت الكأس ملأتها قال
يلذه بكأسه الدهاق و « عطاء حسابا » أي كثيرا كافيا يقال أحسبت فلانا أي أعطيته ما يكفيه حتى قال حسبي قال :
و نقفي وليد الحي إن كان جائعا
و نحسبه إن كان ليس بجائع قال الأصمعي يقال حسبت الرجل بالتشديد أي أكرمته و أنشد :
إذا أتاه ضيفه يحسبه
من حاقن أو من صريح يحلبه .

الإعراب


حدائق بدل من قوله « مفازا » بدل البعض من الكل و كذلك ما بعده و أترابا صفة لكواعب .
جزاء منصوب بمعنى أن للمتقين مفازا أي جازاهم بذلك جزاء و أعطاهم عطاء فإن معنى جازاهم و أعطاهم واحد يوم يقوم الروح ظرف لقوله « لا يملكون » و قوله « صفا »
مجمع البيان ج : 10 ص : 646
منصوب على الحال « و يوم ينظر » ظرف لقوله « عذابا » لأنه بمعنى التعذيب .

المعنى

ثم عقب سبحانه وعيد الكفار بالوعد للمتقين الأبرار فقال « إن للمتقين » الذين يتقون الله باجتناب الشرك و المعاصي « مفازا » أي فوزا و نجاة إلى حال السلامة و السرور و قيل المفاز موضع الفوز و قالوا للمهلكة مفازة على طريق التفاؤل كأنهم قالوا و قيل مفازا منجى إلى متنزه و هو النجاة من النار إلى الجنة ثم بين ذلك الفوز فقال « حدائق و أعنابا » يعني أشجار الجنة و ثمارها « و كواعب أترابا » أي جواري تكعب ثديهن مستويات في السن عن قتادة و معناه استواء الخلقة و القامة و الصورة و السن حتى يكن متشاكلات و قيل أترابا على مقدار أزواجهن في الحسن و الصورة و السن عن أبي علي الجبائي « و كأسا دهاقا » أي مترعة مملوءة عن ابن عباس و الحسن و قتادة و قيل متتابعة على شاربيها أخذ من متابعة الشد في الدهق عن مجاهد و سعيد بن جبير و قيل دمادم عن أبي هريرة و قيل على قدر ريهم عن مقاتل « لا يسمعون فيها » أي في الجنة « لغوا » أي كلاما لغوا لا فائدة فيه « و لا كذابا » و لا تكذيب بعضهم لبعض و من قرأ بالتخفيف يريد و لا مكاذبة عن أبي عبيدة و قيل كذبا عن أبي علي الفارسي « جزاء من ربك » أي فعل بالمتقين ما فعل بهم جزاء من ربك على تصديقهم بالله و نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « عطاء » أي أعطاهم الله عطاء « حسابا » أي كافيا عن أبي عبيدة و الجبائي و قيل حسابا أي كثيرا و قيل حسابا على قدر الاستحقاق و بحسب العمل قال الزجاج معناه ما يكفيهم أي إن فيه ما يشتهون « رب السماوات و الأرض و ما بينهما الرحمن » مر ذكره و المعنى أن الذي يفعل بالمؤمنين ما تقدم ذكره هو رب السماوات و الأرض و مدبرهما و مدبر ما بينهما و المتصرف فيهما على ما يشاء الرحمن المنعم على خلقه مؤمنهم و كافرهم « لا يملكون منه خطابا » أي لا يملكون أن يسألوه إلا فيما أذن لهم فيه كقوله و لا يشفعون إلا لمن ارتضى و قوله لا تكلم نفس إلا بإذنه و الخطاب توجيه الكلام إلى مدرك له بصيغة منبئة عن المراد على طريقة أنت و ربك قال مقاتل لا يقدر الخلق على أن يكلموا الرب إلا بإذنه « يوم يقوم الروح و الملائكة صفا » أي في ذلك اليوم اختلف في معنى الروح هنا على أقوال ( أحدها ) أن الروح خلق من خلق الله تعالى على صورة بني آدم و ليسوا بناس و ليسوا بملائكة يقومون صفا و الملائكة صفا هؤلاء جند و هؤلاء جند عن مجاهد و قتادة و أبي صالح قال الشعبي هما سماطا رب العالمين يوم القيامة سماط من الروح و سماط من الملائكة ( و ثانيها ) أن الروح ملك من الملائكة ما خلق الله مخلوقا أعظم منه فإذا كان يوم القيامة قام و هو وحده
مجمع البيان ج : 10 ص : 647
صفا و قامت الملائكة كلهم صفا واحدا فيكون عظم خلقه مثل صفهم عن ابن مسعود و عن عطاء عن ابن عباس ( و ثالثها ) أن أرواح الناس تقوم مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن ترد الأرواح إلى الأجساد عن عطية عن ابن عباس ( و رابعها ) أنه جبريل (عليه السلام) عن الضحاك و قال وهب إن جبرائيل (عليه السلام) واقف بين يدي الله عز و جل ترتعد فرائصه يخلق الله عز و جل من كل رعدة مائة ألف ملك فالملائكة صفوف بين يدي الله تعالى منكسو رءوسهم فإذا أذن الله لهم في الكلام قالوا لا إله إلا أنت و قال صوابا أي لا إله إلا الله و روى علي بن إبراهيم بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال هو ملك أعظم من جبرائيل و ميكائيل ( و خامسها ) أن الروح بنو آدم عن الحسن و قوله « صفا » معناه مصطفين « لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن » و هم المؤمنون و الملائكة « و قال » في الدنيا « صوابا » أي شهد بالتوحيد و قال لا إله إلا الله و قيل إن الكلام هاهنا الشفاعة أي لا يشفعون إلا لمن أذن له الرحمن أن يشفع عن الحسن و الكلبي و روى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سئل عن هذه الآية فقال نحن و الله المأذون لهم يوم القيامة و القائلون قال جعلت فداك ما تقولون قال نمجد ربنا و نصلي على نبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و نشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا رواه العياشي مرفوعا « ذلك اليوم الحق » الذي لا شك في كونه و حصوله يعني القيامة « فمن شاء اتخذ إلى ربه م آبا » أي مرجعا للطاعة و المعنى فمن شاء عمل عملا صالحا يؤوب إلى ربه فقد أزيحت العلل و أوضحت السبل و بلغت الرسل و الم آب مفعل من الأوب و هو الرجوع قال عبيد
و كل ذي غيبة يؤوب
و غائب الموت لا يؤوب ثم خوف سبحانه كفار مكة فقال « إنا أنذرناكم عذابا قريبا » يعني العذاب في الآخرة فإن كل ما هو آت قريب « يوم ينظر المرء ما قدمت يداه » أي ينتظر جزاء ما قدمه فإن قدم الطاعة انتظر الثواب و إن قدم المعصية انتظر العقاب و قيل معناه أن كل أحد ينظر إلى عمله في ذلك اليوم من خير و شر مثبتا عليه في صحيفته فيرجو ثواب الله على صالح عمله و يخاف العقاب على سوء عمله « و يقول الكافر » في ذلك اليوم « يا ليتني كنت ترابا » أي ليتمنى أن لو كان ترابا لا يعاد و لا يحاسب ليتخلص من عقاب ذلك اليوم قال الزجاج إن معنى « يا ليتني كنت ترابا » يا ليتني لم أبعث قال عبد الله بن عمر إذا كان يوم القيامة مدت الأرض مد الأديم و حشر الدواب و البهائم و الوحوش ثم يجعل القصاص بين الدواب حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء التي نطحتها و قال مجاهد يقاد يوم القيامة للمنطوحة من الناطحة
مجمع البيان ج : 10 ص : 648
و قال المقاتلان إن الله يجمع الوحوش و الهوام و الطير و كل شيء غير الثقلين فيقول من ربكم فيقولون الرحمن الرحيم فيقول لهم الرب بعد ما يقضي بينهم حتى يقتص للجماء من القرناء إنا خلقناكم و سخرناكم لبني آدم و كنتم مطيعين أيام حياتكم فارجعوا إلى الذي كنتم كونوا ترابا فتكون ترابا فإذا التفت الكافر إلى شيء صار ترابا يتمنى فيقول يا ليتني كنت في الدنيا على صورة خنزير رزقي كرزقه و كنت اليوم أي في الآخرة ترابا و قيل إن المراد بالكافر هنا إبليس عاب آدم بأن خلق من تراب و افتخر بالنار فيوم القيامة إذا رأى كرامة آدم و ولده المؤمنين قال يا ليتني كنت ترابا .

مجمع البيان ج : 10 ص : 649
( 79 ) سورة النازعات مكية و آياتها ست و أربعون ( 46 )

عدد آيها

ست و أربعون آية كوفي و خمس في الباقين .

اختلافها

آيتان « و لأنعامكم » حجازي كوفي « طغى » عراقي شامي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة و النازعات لم يكن حبسه و حسابه يوم القيامة إلا كقدر صلاة مكتوبة حتى يدخل الجنة و قال أبو عبد الله (عليه السلام) من قرأها لم يمت إلا ريان و لم يبعثه الله إلا ريان و لم يدخله الجنة إلا ريان .

تفسيرها

لما ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر أحوال القيامة و أهوالها افتتح هذه السورة بمثله فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 650

سورة النازعات
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ النَّزِعَتِ غَرْقاً(1) وَ النَّشِطتِ نَشطاً(2) وَ السبِحَتِ سبْحاً(3) فَالسبِقَتِ سبْقاً(4) فَالْمُدَبِّرَتِ أَمْراً(5) يَوْمَ تَرْجُف الرَّاجِفَةُ(6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ(7) قُلُوبٌ يَوْمَئذ وَاجِفَةٌ(8) أَبْصرُهَا خَشِعَةٌ(9) يَقُولُونَ أَ ءِنَّا لَمَرْدُودُونَ فى الحَْافِرَةِ(10) أَ ءِذَا كُنَّا عِظماً نخِرَةً(11) قَالُوا تِلْك إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ(12) فَإِنمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَحِدَةٌ(13) فَإِذَا هُم بِالساهِرَةِ(14)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير حفص و قتيبة و نصير و رويس عن يعقوب ناخرة بالألف و الباقون « نخرة » بغير ألف و روى أبو عمرو الدوري و حمدون عن الكسائي ناخرة و « نخرة » لا يبالي كيف قرأ و في الشواذ قراءة أبي حياة الحفرة بغير ألف و قرأ نافع غير قالون و يعقوب إنا لمردودون بهمزة واحدة غير ممدودة إذا كنا بغير استفهام و قرأ ابن عامر و الكسائي « أ إنا لمردودون » بهمزتين إذا كنا كما تقدم و قرأ ابن كثير إنا إذا كنا بالاستفهام فيهما بهمزة واحدة غير ممدودة و قرأ أبو عمرو بالاستفهام فيهما بهمزة ممدودة و قرأ عاصم و حمزة و خلف فيهما بهمزتين مميزتين و قد تقدم ذكر هذا مشروحا في مواضع .

الحجة

نخرة و ناخرة لغتان و قال الفراء النخرة البالية و الناخرة المجوفة قال الزجاج ناخرة أكثر و أجود لشبه أواخر الآي بعضها ببعض نحو الخاسرة و الحافرة و أما الوجه في الحفرة فهو أن يكون أراد الحافرة كقراءة الجماعة فحذف الألف تخفيفا كما في قوله :
أصبح قلبي صردا
لا يشتهي أن يردا
إلا عرادا عردا أي عاردا .

اللغة

الغرق اسم أقيم مقام المصدر و هو الإغراق يقال أغرق في النزع إذا استوفى في مد القوس و بالغ فيه و النشط النزع أيضا و منه حديث أم سلمة فجاء عمار و كان أخاها من الرضاعة و نشط زينب من حجرها أي نزعها و نشط الوحش من بلد إلى بلد إذا خرج بنشاط و الهموم تنشط بصاحبها أي تخرج به من حال إلى حال قال هميان بن قحافة :
أمست همومي تنشط المناشطا
الشام بي طورا و طورا واسطا و أنشطت العقدة حللتها و نشطتها عقدتها قالوا كأنما أنشط من عقال و الأنشوطة العقدة تنحل إذا مد طرفاها يقال ما عقاله بأنشوطة و الرجف حركة الشيء من تحت غيره بترديد و اضطراب و الرجفة الزلزلة العظيمة و أرجفوا أي أزعجوا الناس باضطراب الأمور و كل شيء
مجمع البيان ج : 10 ص : 651
تبع شيئا فقد ردفه و أرداف النجوم تواليها يتبع بعضها بعضا و أرداف الملوك في الجاهلية الذين يخلفون الملوك و الردفان الليل و النهار و الوجيف شدة الاضطراب و قلب واجف مضطرب و الوجيف سرعة السير و أوجف في السير أسرع و أزعج الركاب فيه و الحافرة بمعنى المحفورة مثل ماء دافق أي مدفوق و قيل الحافرة الأرض المحفورة و رجع الشيخ في حافرته أي رجع من حيث جاء و ذلك كرجوع القهقرى قال :
أ حافرة على صلع و شيب
معاذ الله من سفه و عار أي أ رجوعا إلى حال الشباب و أوله و يقال النقد عند الحافر أي لا يزول حافر الفرس حتى ينقد الثمن لأنه لكرامته لا يباع نسيئة ثم كثر حتى قيل في غير الحافرة .
و الساهرة وجه الأرض و العرب تسمي وجه الأرض من الفلاة ساهرة أي ذات سهر لأنه يسهر فيها خوفا منها قال أمية بن أبي الصلت :
و فيها لحم ساهرة و بحر
و ما فاهوا به لهم مقيم أي و فيها صيد البر و البحر و قال آخر :
فإنما قصرك ترب الساهرة
ثم تعود بعدها في الحافرة .

الإعراب


جواب القسم محذوف على تقدير ليبعثن و قبل الجواب في إن في ذلك لعبرة « يوم ترجف الراجفة » نصب باذكر و إن شئت كان نصبا بمدلول قوله « قلوب يومئذ واجفة » على تقدير يوم ترجف الراجفة رجفت قلوبهم و يكون يومئذ بدلا من « يوم ترجف الراجفة » .

المعنى


« و النازعات غرقا » اختلف في معناها على وجوه ( أحدها ) أنه يعني الملائكة الذين ينزعون أرواح الكفار عن أبدانهم بالشدة كما يغرق النازع في القوس فيبلغ بها غاية المدى و روي ذلك عن علي (عليه السلام) و مقاتل و سعيد بن جبير و قال مسروق هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم و قيل هو الموت ينزع النفوس عن مجاهد و روي ذلك عن الصادق (عليه السلام) ( و ثانيها ) أنها النجوم تنزع من أفق إلى أفق أي تطلع و تغيب عن الحسن و قتادة و أبي عبيدة و الأخفش و الجبائي قال أبو عبيدة تنزع من مطالعها و تغرق في مغاربها
مجمع البيان ج : 10 ص : 652
( و ثالثها ) النازعات القسي تنزع بالسهم و الناشطات الأزهاق عن عطاء و عكرمة و على هذا فالقسم بفاعلها و هم الغزاة المجاهدون في سبيل الله « و الناشطات نشطا » في معناها أقوال ( أحدها ) ما ذكرناه ( و ثانيها ) أنها الملائكة تنشط أرواح الكفار بين الجلد و الأظفار حتى تخرجها من أجوافهم بالكرب و الغم عن علي (عليه السلام) و النشط الجذب يقال نشطت الدلو نشطا نزعته ( و ثالثها ) أنها الملائكة تنشط أنفس المؤمنين فتقبضها كما تنشط العقال من يد البعير إذا حل عنها عن ابن عباس و حكى الفراء هذا القول ثم قال و الذي سمعت من العرب أن يقولوا كأنما أنشط من عقال و نشطت الحبل ربطته و أنشطته حللته ( و رابعها ) أنها أنفس المؤمنين عند الموت تنشط للخروج و ذلك أنه ما من مؤمن يحضره الموت إلا عرضت عليه الجنة قبل أن يموت فيرى موضعه فيها و أزواجه من الحور العين فنفسه تنشط أن تخرج عن ابن عباس أيضا ( و خامسها ) أنها النجوم تنشط من أفق إلى أفق أي تذهب يقال حمار ناشط عن قتادة و الأخفش و الجبائي « و السابحات سبحا » فيها أقوال ( أحدها ) أنها الملائكة يقبضون أرواح المؤمنين يسلونها سلا رفيقا ثم يدعونها حتى تستريح كالسابح بالشيء في الماء يرمي به عن علي (عليه السلام) و الكلبي ( و ثانيها ) أنها الملائكة ينزلون من السماء مسرعين و هذا كما يقال للفرس الجواد سابح إذا أسرع في جريه عن مجاهد و أبي صالح ( و ثالثها ) أنها النجوم تسبح في فلكها عن قتادة و الجبائي و قيل هي خيل الغزاة تسبح في عدوها كقوله و العاديات ضبحا عن أبي مسلم و قيل هي السفن تسبح في الماء عن عطاء « فالسابقات سبقا » فيها أقوال أيضا ( أحدها ) أنها الملائكة لأنها سبقت ابن آدم بالخير و الإيمان و العمل الصالح عن مجاهد و قيل إنها تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء و قيل إنها تسبق بأرواح المؤمنين إلى الجنة عن علي (عليه السلام) و مقاتل ( و ثانيها ) أنها أنفس المؤمنين تسبق إلى الملائكة الذين يقبضونها و قد عاينت السرور شوقا إلى رحمة الله و لقاء ثوابه و كرامته عن ابن مسعود ( و ثالثها ) أنها النجوم يسبق بعضها بعضا في السير عن قتادة و الجبائي ( و رابعها ) أنها الخيل يسبق بعضها بعضا في الحرب عن عطاء و أبي مسلم « فالمدبرات أمرا » فيها أقوال أيضا ( أحدها ) أنها الملائكة تدبر أمر العباد من السنة إلى السنة عن علي (عليه السلام) ( و ثانيها ) أن المراد بذلك جبرائيل و ميكائيل و ملك الموت و إسرافيل (عليه السلام) يدبرون أمور الدنيا فأما جبريل فموكل بالرياح و الجنود و أما ميكائيل فموكل بالقطر و النبات و أما ملك الموت فموكل بقبض الأنفس و أما إسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم عن عبد الرحمن بن سابط ( و ثالثها ) أنها الأفلاك يقع فيها أمر الله تعالى فيجري بها القضاء في الدنيا رواه علي بن إبراهيم أقسم الله تعالى بهذه الأشياء التي عددها و قيل تقديره و رب النازعات و ما ذكر بعدها و هذا ترك للظاهر
مجمع البيان ج : 10 ص : 653
بغير دليل .
و قد قال الباقر و الصادق (عليهماالسلام) إن لله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه و ليس لخلقه أن يقسموا إلا به و الوجه في ذلك أنه سبحانه يقسم بخلقه للتنبيه على موضع العبرة فيه لأن القسم يدل على عظم شأن المقسم به و جواب القسم محذوف فكأنه سبحانه أقسم فقال و هذه الأشياء لتبعثن و لتحاسبن « يوم ترجف الراجفة » يعني النفخة الأولى التي يموت فيها جميع الخلائق و الراجفة صيحة عظيمة فيها تردد و اضطراب كالرعد إذا تمخض « تتبعها الرادفة » يعني النفخة الثانية تعقب النفخة الأولى و هي التي يبعث معها الخلق و هو كقوله « و نفخ في الصور فصعق من في السماوات و من في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون » و يوم منصوب على معنى « قلوب يومئذ واجفة » يوم ترجف الراجفة و معنى الواجفة الشديدة الاضطراب أيضا و هذا معنى قول الحسن و قتادة و غيرهما و قيل معناه يوم تضطرب الأرض اضطرابا شديدا و تحرك تحركا عظيما يعني يوم القيامة تتبعها الرادفة أي اضطرابة أخرى كائنة بعد الأولى في موضع الردف من الراكب فلا تزال تضطرب حتى تفنى كلها و قال ابن عباس معنى الواجفة خائفة و المراد بذلك أصحاب القلوب يعني أنها قلقة غير هادئة و لا ساكنة لما عاينت من أهوال يوم القيامة « أبصارها خاشعة » أي ذليلة من هول ذلك اليوم قال عطاء يريد أبصار من مات على غير الإسلام « يقولون أ إنا لمردودون في الحافرة » أي يقول هؤلاء المنكرون للبعث من مشركي قريش و غيرهم في الدنيا إذا قيل لهم إنكم مبعوثون من بعد الموت أ نرد إلى أول حالنا و ابتداء أمرنا فنصير أحياء كما كنا و الحافرة عند العرب اسم لأول الشيء و ابتداء الأمر قال ابن عباس و السدي الحافرة الحياة الثانية و قيل الحافرة الأرض المحفورة و المعنى أ نرد من عبورنا بعد موتنا أحياء « أ إذا كنا عظاما نخرة » أي بالية مفتتة و المعنى أنهم أنكروا البعث فقالوا أ نرد أحياء إذا متنا و تفتت عظامنا يقال نخر العظم ينخر فهو ناخر و نخر « قالوا تلك إذا كرة خاسرة » أي قال الكفار تلك الكرة الكائنة بعد الموت كرة خسران و معناه أن أهلها خاسرون لأنهم نقلوا من نعيم الدنيا إلى عذاب النار و الخاسر الذاهب رأس ماله و إنما قالوا كرة خاسرة على معنى أنه لا يجيء منها شيء كالخسران الذي لا يجيء منه فائدة فكأنهم قالوا هي كالخسران بذهاب رأس المال لا تجيء به تجارة فكذلك لا تجيء بتلك الكرة حياة و قيل معناه إن كان الأمر على ما يقوله محمد من أنا نبعث و نعاقب فتلك كرة ذات خسران علينا ثم أعلم سبحانه سهولة البعث عليه فقال « فإنما هي » يعني النفخة الأخيرة « زجرة واحدة » أي صيحة واحدة من إسرافيل يسمعونها و هم أموات في بطون الأرض فيحيون و هو قوله « فإذا هم بالساهرة » و هي وجه الأرض و ظهرها عن الحسن و قتادة و مجاهد و غيرهم و قيل إنما سميت الأرض ساهرة لأن عملها في
مجمع البيان ج : 10 ص : 654
النبت في الليل و النهار دائب و لذلك قيل خير المال عين خرارة في أرض خوارة تسهر إذا نمت و تشهد إذا غبت ثم صارت اسما لكل أرض و قيل المراد بذلك عرصة القيامة لأنها أول مواقف الجزاء و هم في سهر لا نوم فيه .
هَلْ أَتَاك حَدِيث مُوسى(15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ المُْقَدَّسِ طوىً(16) اذْهَب إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طغَى(17) فَقُلْ هَل لَّك إِلى أَن تَزَكى(18) وَ أَهْدِيَك إِلى رَبِّك فَتَخْشى(19) فَأَرَاهُ الاَيَةَ الْكُبرَى(20) فَكَذَّب وَ عَصى(21) ثمَّ أَدْبَرَ يَسعَى(22) فَحَشرَ فَنَادَى(23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلى(24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الاَخِرَةِ وَ الأُولى(25) إِنَّ فى ذَلِك لَعِبرَةً لِّمَن يخْشى(26)

القراءة

قرأ أهل الحجاز و البصرة طوى بغير تنوين و الباقون بالتنوين و قرأ أهل الحجاز و عباس و يعقوب تزكى بتشديد الزاء و الباقون بتخفيفها .

الحجة

قال أبو علي قال أبو عبيدة طوى مضمومة الأول و مكسورته فمن لم ينون جعله اسما مؤنثا و من نون جعله مثل ثنى على معنى المقدس مرة بعد مرة و روي عن الحسن أنه قرأ طوى بكسر الطاء و قال و طوي بالبركة و التقديس مرتين كما قال طرفة :
أ عاذل إن اللوم في غير كنهه
علي طوى من غيك المتردد أي أن لومك مكرر علي قال أبو علي من لم يصرف طوى احتمل قوله أمرين ( أحدهما ) أنه جعله اسم بلدة أو بقعة أو يكون معدولا كزفر و ممر و من صرف احتمل أيضا أمرين ( أحدهما ) أن يكون جعله اسم موضع أو بلد أو مكان ( و الآخر ) أن يكون مثل زحل
مجمع البيان ج : 10 ص : 655

و حطم و لكع و قوله « تزكى » معناه تطهر من الكفر و المبتدأ محذوف من اللفظ مراد في المعنى و التقدير هل لك إلى ذلك حاجة أو إربة قال الشاعر :
فهل لكم فيها إلي فإنني
طبيب بما أعيى النطاسي حذيما و من قال تزكى أراد تتزكى فأدغم تاء التفعل في الزاء لتقاربهما و من خفف حذف التاء التي أثبتها من أدغم و تخفيفها بالحذف أشبه .

المعنى

ثم ذكر سبحانه قصة موسى (عليه السلام) فقال « هل أتيك » يا محمد « حديث موسى » استفهام يراد به التقرير « إذ نادية ربه » أي حين ناداه الله و دعاه فالنداء الدعاء بطريقة يا فلان فالمعنى قال له يا موسى « بالواد المقدس » أي المطهر « طوى » اسم واد عن مجاهد و قتادة و قيل طوي بالتقديس مرتين و هو الموضع الذي كلم الله فيه موسى « اذهب إلى فرعون إنه طغى » أي علا و تكبر و كفر بالله و تجاوز الحد في الاستعلاء و التمرد و الفساد « فقل هل لك إلى أن تزكى » أي تتطهر من الشرك و تشهد أن لا إله إلا الله عن ابن عباس و هذا تلطف في الاستدعاء و معناه هل لك رغبة إلى أن تسلم و تصلح و تطهر « و أهديك إلى ربك » أي و أدلك إلى معرفة ربك و أنه خلقك و رباك و قيل و أهديك أي أرشدك إلى طريق الحق الذي إذا سلكته وصلت إلى رضاء الله و ثوابه « فتخشى » أي فتخافه فتفارق ما نهاك عنه و في الكلام حذف تقديره فأتاه و دعاه « فأريه الآية الكبرى » يعني العصا و قال الحسن هي اليد البيضاء « فكذب » بأنها من الله « و عصى » نبي الله و جحد نبوته « ثم أدبر » فرعون أي ولى الدبر ليطلب ما يكسر به حجة موسى في المعجزة العظيمة فما ازداد إلا غواية « يسعى » أي يعمل بالفساد في الأرض و قيل إنه لما رأى الحية في عظمها خاف منها فأدبر و سعى هربا عن الجبائي « فحشر » أي فجمع قومه و جنوده « فنادى » فيهم « فقال أنا ربكم الأعلى » أي لا رب فوقي و قيل معناه أنا الذي أنال بالضرر من شئت و لا ينالني غيري و كذب اللعين إنما هذه صفة الله الذي خلقه و خلق جميع الخلائق و قيل إنه جعل الأصنام أربابا فقال أنا ربها و ربكم « فأخذه الله نكال الآخرة و الأولى » نكال مصدر مؤكد لأن معنى أخذه الله نكل به نكال
مجمع البيان ج : 10 ص : 656
الآخرة و الأولى بأن أغرقه في الدنيا و يعذبه في الآخرة و قيل معناه فعاقبه الله بكلمته الآخرة و كلمته الأولى فالآخرة قوله « أنا ربكم الأعلى » و الأولى قوله ما علمت لكم من إله غيري فنكل به نكال هاتين الكلمتين و جاء في التفسير عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه كان بين الكلمتين أربعون سنة و قيل إنه إنما ناداهم « فقال أنا ربكم الأعلى » فامنعوني من هذا الثعبان و لم يعلم الجهال أن من يخاف ضرر حية و يستعين بأمثاله لا يكون إلها و عن وهب عن ابن عباس قال قال موسى (عليه السلام) يا رب إنك أمهلت فرعون أربعمائة سنة و هو يقول أنا ربكم الأعلى و يجحد رسلك و يكذب ب آياتك فأوحى الله تعالى إليه أنه كان حسن الخلق سهل الحجاب فأحببت أن أكافيه و روى أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال جبرئيل (عليه السلام) قلت يا رب تدع فرعون و قد قال أنا ربكم الأعلى فقال إنما يقول هذا مثلك من يخاف الفوت « إن في ذلك » الذي فعل بفرعون حين كذب و عصى « لعبرة » أي لعظة « لمن يخشى » الله تعالى و يخاف عقابه و نقمته و دلالة يمكن أن يعتبر بها العاقل و يميز بين الحق و الباطل .

النظم


وجه اتصال قصة موسى (عليه السلام) بما قبلها أنه لما تقدم ذكر المكذبين للأنبياء المنكرين للبعث عقبه بحديث موسى و تكذيب قومه إياه و ما قاساه من الشدائد تسلية لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) و عدة له بالنصر و حثا إياه على الصبر اقتداء بموسى و تحذيرا لقومه أن ينزل بهم ما نزل بأولئك و عظة بهم و تأكيدا للحجة عليهم .

مجمع البيان ج : 10 ص : 657

ءَ أَنتُمْ أَشدُّ خَلْقاً أَمِ السمَاءُ بَنَاهَا(27) رَفَعَ سمْكَهَا فَسوَّاهَا(28) وَ أَغْطش لَيْلَهَا وَ أَخْرَجَ ضحَاهَا(29) وَ الأَرْض بَعْدَ ذَلِك دَحَاهَا(30) أَخْرَجَ مِنهَا مَاءَهَا وَ مَرْعَاهَا(31) وَ الجِْبَالَ أَرْساهَا(32) مَتَعاً لَّكمْ وَ لأَنْعَمِكمْ(33) فَإِذَا جَاءَتِ الطامَّةُ الْكُبرَى(34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الانسنُ مَا سعَى(35) وَ بُرِّزَتِ الجَْحِيمُ لِمَن يَرَى(36) فَأَمَّا مَن طغَى(37) وَ ءَاثَرَ الحَْيَوةَ الدُّنْيَا(38) فَإِنَّ الجَْحِيمَ هِىَ الْمَأْوَى(39) وَ أَمَّا مَنْ خَاف مَقَامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْس عَنِ الهَْوَى(40) فَإِنَّ الجَْنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى(41) يَسئَلُونَك عَنِ الساعَةِ أَيَّانَ مُرْساهَا(42) فِيمَ أَنت مِن ذِكْرَاهَا(43) إِلى رَبِّك مُنتهَاهَا(44) إِنَّمَا أَنت مُنذِرُ مَن يخْشاهَا(45) كَأَنهُمْ يَوْمَ يَرَوْنهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضحَاهَا(46)

القراءة

قرأ أبو جعفر و العباس عن العياشي عن أبي عمرو و إنما أنت منذر بالتنوين و الباقون بغير تنوين و في الشواذ قراءة الحسن و عمرو بن عبيد و الجبال أرساها بالرفع و قراءة مجاهد و الأرض مع ذلك دحاها و قراءة عكرمة و برزت الجحيم لمن ترى بالتاء .

الحجة

قال أبو علي حجة التنوين في قوله إنما أنت منذر أن اسم الفاعل هنا للحال و يدل عليه قوله « قل إنما أنذركم بالوحي » فليس المراد أنذر فيما استقبل و إنما يقول أنذر في الحال و اسم الفاعل على قياس الفعل و من أضاف استخف فحذف التنوين كما حذف من قوله فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم و نحو ذلك مما جاء على لفظ الإضافة و المراد به الانفصال و يجوز أن يكون منذر من على نحو هذا ضارب زيدا أمس لأنه قد فعل الإنذار و من قرأ و الجبال أرساها بالرفع فإنه مثل قراءة من قرأ و الظالمون أعد لهم و قد تقدم بيانه و من قرأ و الأرض مع ذلك فلعله قال ذلك تفسيرا للقراءة المشهورة لأنه ليس الغرض فيه ترتيب الزمان و إنما الغرض اجتماعهما أعني السماوات و الأرض في الخلق لا في أن زمان الفعلين واحد و هذا كقولك فلان كريم فيقول السامع و هو مع ذلك شجاع أي قد اجتمع له الوصفان و أما قوله لمن ترى بالتاء المفتوحة فيمكن أن يكون خطابا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و المراد لمن ترى يا محمد من الناس فأشار إلى البعض و غرضه الجنس و الجميع كقول لبيد :
و لقد سئمت من الحياة و طولها
و سؤال هذا الناس كيف لبيد فأشار إلى جنس الناس و نحن نعلم أنه ليس جميعهم شاهدا حاضرا له و يمكن أن يكون التاء في ترى للجحيم أي لمن تراه النار .

مجمع البيان ج : 10 ص : 658

اللغة

السمك الارتفاع و هو مقابل العمق لأنه ذهاب الجسم بالتأليف إلى جهة العلو و بالعكس صفة العمق و المسموكات السماوات لارتفاعها و منه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) يا داعم المسموكات قال الفرزدق :
إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز و أطول و التسوية جعل أحد الشيئين على مقدار الآخر في نفسه أو في حكمه و الغطش الظلمة و أغطشه الله أظلمه و الأغطش الذي في عينيه شبه العمش و فلاة غطشاء لا يهتدى فيها و الدحو البسط دحوت أدحو دحوا و دحيت أدحي دحيا لغتان قال أمية بن أبي الصلت :
دار دحاها ثم أعمر بابها
و أقام بالأخرى التي هي أمجد و قال أوس :
ينفي الحصى عن جديد الأرض مبترك
كأنه فاحص أو لاعب داح و الطامة العالية الغالبة يقال هذا أطم من هذا أي أعلى منه و طم الطائر الشجرة علاها و تسمى الداهية التي لا يستطاع دفعها طامة .

الإعراب


و الأرض منصوب بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره و كذا قوله « و الجبال أرساها متاعا لكم » مفعول له لأن المعنى لإمتاعكم و يجوز أن يكون منصوبا على المصدر لأن معنى قوله « أخرج منها ماءها و مرعاها » أمتع بذلك و قوله « فإن الجحيم هي المأوى » و تقديره هي المأوى له قال الزجاج و قال قوم الألف و اللام بدل من الضمير العائد أي هي ماواه و المراد أن المعنى يؤول إلى التي هي ماواه لأن الألف و اللام بدل من الهاء و هذا كما يقول الإنسان غض الطرف يا هذا فليس الألف و اللام بدلا من الكاف و إن كان المعنى غض طرفك لأن المخاطب يعرف أنك لا تأمره بغض طرف غيره قال :
فغض الطرف إنك من نمير
فلا سعدا بلغت و لا كلابا و كذلك المعنى في الآية و جواب إذا في قوله « فإذا جاءت الطامة الكبرى » في قوله « فأما
مجمع البيان ج : 10 ص : 659

من طغى » و ما بعده فإن المعنى إذا جاءت الطامة الكبرى فإن الأمر كذلك و قوله « أو ضحاها » أضاف الضحى إلى العشية و الغداة و العشي و الضحوة و الضحى لليوم الذي يكون فيه فإذا قلت أتيتك صباحا و مساء و مساءة و صباحة فالمعنى أتيتك صباحا و مساء يلي الصباح و أتيتك مساء و صباحا يلي المساء و تقول أتيتك العشية و غداتها .

المعنى

لما قدم سبحانه ما أتى به موسى و ما قابلة به فرعون و ما عوقب به في الدارين عظة لمن كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تحذيرا لهم من المثلات خاطب عقيب ذلك منكري البعث فقال « أ أنتم » أيها المشركون المنكرون للبعث « أشد خلقا أم السماء » يعني أ خلقكم بعد الموت أشد عندكم و في تقديركم أم السماء و هما في قدرة الله تعالى واحد و هذا كقوله لخلق السماوات و الأرض أكبر من خلق الناس ثم ابتدأ فبين سبحانه كيف خلق السماء فقال « بنيها » الله تعالى الذي لا يكبر عليه خلق شيء « رفع سمكها » سقفها و ما ارتفع منها « فسواها » بلا شقوق و لا فطور و لا تفاوت و قيل سواها أحكمها و جعلها متصرفا للملائكة « و أغطش ليلها » أي أظلم ليلها عن ابن عباس و مجاهد و قتادة « و أخرج ضحيها » أي أبرز نهارها و إنما أضاف الليل و الضحى إلى السماء لأن منها منشأ الظلام و الضياء بغروب الشمس و طلوعها على ما دبرها الله عز و جل « و الأرض بعد ذلك دحاها » أي بعد خلق السماء بسطها من الدحو و هو البسط قال ابن عباس إن الله تعالى دحا الأرض بعد السماء و إن كانت الأرض خلقت قبل السماء و كانت ربوة مجتمعة تحت الكعبة فبسطها و قال مجاهد و السدي معناه و الأرض مع ذلك دحاها كما قال عتل بعد ذلك زنيم أي مع ذلك « أخرج منها » أي من الأرض « ماءها » و المعنى فجر الأنهار و البحار و العيون عن ابن عباس « و مرعيها » مما يأكل الناس و الأنعام بين سبحانه بذلك جميع المنافع المتعلقة بالأرض من المياه التي بها حياة كل شيء من الحيوانات و الأشجار و الثمار و الحبوب و العيون عن ابن عباس و بها يحصل جميع الأرزاق و النبات التي تصلح للمواشي فهي ترعاه بأن تأكله في موضعه « و الجبال أرسيها » أي أثبتها في أوساط الأرض « متاعا لكم و لأنعامكم » أي خلق سبحانه الأرض و أخرج منها المياه و المراعي و أثبت الجبال بما فيها من أنواع المعادن لمنفعتكم و منفعة أنعامكم تنتفعون بها و لما دل سبحانه بهذه الأشياء على صحة البعث وصف يوم البعث فقال « فإذا جاءت الطامة الكبرى » و هي القيامة لأنها تطم على كل داهية هائلة أي تعلو و تغلب و من ذلك يقال ما من طامة إلا و فوقها طامة و القيامة فوق كل طامة فهي الداهية العظمى قال الحسن هي النفخة الثانية و قيل هي الغاشية الغليظة المجللة التي تدقق
مجمع البيان ج : 10 ص : 660
الشيء بالغلظ و قيل إن ذلك حين يساق أهل الجنة إلى الجنة و أهل النار إلى النار « يوم يتذكر الإنسان ما سعى » أي تجيء الطامة في يوم يتذكر الإنسان ما عمله من خير أو شر « و برزت الجحيم » أي أظهرت النار « لمن يرى » فيراها الخلق مكشوفا عنها الغطاء و يبصرونها مشاهدة « فأما من طغى » أي تجاوز الحد الذي حده الله و ارتكب المعاصي « و آثر الحياة الدنيا » على الآخرة « فإن الجحيم هي المأوى » له و الإيثار إرادة الشيء على طريقة التفضيل له على غيره « و أما من خاف مقام ربه » أي خاف مقام مسألة ربه عما يجب عليه فعله أو تركه « و نهى النفس عن الهوى » أي عن المحارم التي تشتهيها و تهواها و قيل إن الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها عن مقاتل « فإن الجنة هي المأوى » له أي هي مقره و ماواه ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال « يسئلونك عن الساعة أيان مرسيها » أي متى يكون قيامها ثابتة على ما وصفتها « فيم أنت من ذكريها » أي لست في شيء من علمها و ذكراها و المعنى لا تعلمها قال الحسن أي ليس عندك علم بوقتها و إنما تعلم أنها تكون لا محالة و قيل معناه ليس هذا مما يتصل بما بعثت لأجله فإنما بعثت داعيا و قيل إنها من حكاية قولهم و المعنى أنك قد أكثرت من ذكراها فمتى يكون « إلى ربك منتهيها » أي قل لهم إلى الله إجراؤها و المنتهى موضع بلوغ الشيء فكأنه قيل إلى أمر ربك منتهى أمرها بإقامتها لأن منتهى أمرها بذكرها و وصفها و الإقرار بها إلى الرسول و منتهى أمرها بإقامتها إلى الله لا يقدر عليها إلا هو سبحانه و قيل معناه إلى ربك منتهى علمها أي لا يعلم وقتها إلا هو عن الحسن « إنما أنت منذر من يخشيها » أي إنما أنت مخوف من يخاف قيامها أي إنما ينفع إنذارك من يخافها فأما من لا يخشاها فكأنك لم تنذره « كأنهم يوم يرونها » أي يعاينون القيامة « لم يلبثوا » في الدنيا « إلا عشية أو ضحيها » أي إلا قدر آخر نهار و أوله و مثله كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار و قد مر بيانه و قيل إن معناه أنهم إذا رأوا الآخرة صغرت الدنيا في أعينهم حتى كأنهم لم يقيموا بها إلا مقدار عشية أو مقدار ضحى تلك العشية عن قتادة .

مجمع البيان ج : 10 ص : 661
( 80 ) سورة عبس مكية و آياتها ثنتان و أربعون ( 42 )
و تسمى سورة السفرة مكية .

عدد آيها

اثنتان و أربعون آية حجازي كوفي و إحدى و أربعون بصري و أربعون شامي و المدني الأول .

اختلافها

ثلاث آيات « و لأنعامكم » حجازي كوفي « إلى طعامه » غير يزيد « الصاخة » غير الشامي .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة عبس جاء يوم القيامة و وجهه ضاحك مستبشر و روى معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال و من قرأ سورة عبس و تولى و إذا الشمس كورت كان تحت الله من الجنان و في ظل الله و كرامته في جنانه و لا يعظم ذلك على ربه عز و جل .

تفسيرها

لما ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر إنذاره من يخشى القيامة افتتح هذه السورة بذكر إنذاره قوما يرجو إسلامهم و إعراضه عمن يخشى فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 662

سورة عبس
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَبَس وَ تَوَلى(1) أَن جَاءَهُ الأَعْمَى(2) وَ مَا يُدْرِيك لَعَلَّهُ يَزَّكى(3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى(4) أَمَّا مَنِ استَغْنى(5) فَأَنت لَهُ تَصدَّى(6) وَ مَا عَلَيْك أَلا يَزَّكى(7) وَ أَمَّا مَن جَاءَك يَسعَى(8) وَ هُوَ يخْشى(9) فَأَنت عَنْهُ تَلَهَّى(10) َكلا إِنهَا تَذْكِرَةٌ(11) فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ(12) فى صحُف مُّكَرَّمَة(13) مَّرْفُوعَة مُّطهَّرَةِ(14) بِأَيْدِى سفَرَة(15) كِرَامِ بَرَرَة(16) قُتِلَ الانسنُ مَا أَكْفَرَهُ(17) مِنْ أَى شىْء خَلَقَهُ(18) مِن نُّطفَة خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(19) ثُمَّ السبِيلَ يَسرَهُ(20) ثمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبرَهُ(21) ثمَّ إِذَا شاءَ أَنشرَهُ(22) َكلا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ(23)

القراءة

قرأ عاصم غير الأعشى و البرجمي فتنفعه بالنصب و الباقون بالرفع و قرأ أهل الحجاز تصدى بالتشديد و الباقون « تصدى » بتخفيف الصاد و في الشواذ قراءة الحسن أن جاءه و قراءة أبي جعفر الباقر (عليه السلام) تصدى بضم التاء و فتح الصاد و تلهى بضم التاء أيضا و قراءة أبي حيوة و شعيب بن أبي حمزة نشره بغير ألف .

الحجة

قال أبو علي من قرأ فتنفعه بالرفع عطفه على ما تقدم من المرفوع و من قرأ بالنصب فعلى أنه جواب بالفاء لأن المتقدم غير موجب فكان قوله تعالى « يذكر » المعطوف على « يزكى » في معنى لعله يكون منه تذكر فانتفاع و كذا قوله لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع و قوله « تصدى » أي تعرض فمن قرأ بتشديد الصاد أدغم التاء في الصاد و من قرأ بالتخفيف أراد تتصدى فحذف التاء و لم يدغمها و قرأ ابن فليح و البزي عن ابن كثير تلهى بتشديد التاء على أنه شبه المنفصل بالمتصل و جاز وقوع الساكن بعد اللين كما جاز تمود الثوب في المتصل و حكى سيبويه فلا تناجوا و من قرأ أن جاءه بلفظ الاستفهام فتقديره الآن جاءه الأعمى و كان ذلك منه فعلق أن يفعل بمحذوف دل عليه « عبس و تولى » و أما على القراءة المشهورة فإن جاءه في موضع نصب بتولي لأنه الفعل الأقرب منه فكأنه قال تولى لمجيء الأعمى و هو مفعول به و من قرأ تصدى فالمعنى يدعوك داع من زينة الدنيا و بشارتها إلى
مجمع البيان ج : 10 ص : 663
التصدي له و الإقبال عليه و على ذلك قوله تلهى أيضا أي تصرف عنه و من قرأ نشره فعلى أنه لغة في أنشره .

اللغة

التصدي التعرض للشيء كتعرض الصديان للماء و الصحف جمع صحيفة و العرب تسمي كل مكتوب فيه صحيفة كما تسميه كتابا رقا كان أو غيره و السفرة الكتب لأسفار الحكمة واحدهم سافر و واحد الأسفار سفر و أصله الكشف من قولهم سفرت المرأة إذا كشفت عن وجهها و سفرت القوم إذا أصلحت بينهم قال :
و ما أدع السفارة بين قومي
و ما أمشي بغش إن مشيت و البررة جمع بار و هو فاعل البر و البر فعل النفع اجتلابا للمودة و أصله اتساع النفع و منه البر سمي به تفاؤلا باتساع النفع به و أقبره جعل له قبرا فالإقبار جعل القبر لدفن الميت فيه و يقال أقبرني فلانا أي اجعلني أقبره و القابر الدافن للميت بيده قال الأعشى :
لو أسندت ميتا إلى نحرها
عاش و لم ينقل إلى قابر
حتى يقول الناس مما رأوا
يا عجبا للميت الناشر و الإنشار الإحياء للتصرف بعد الموت كنشر الثوب بعد الطي .

الأعراب


« ثم السبيل يسره » انتصب السبيل بفعل مضمر يفسره هذا الظاهر تقديره ثم يسر السبيل يسره له أي للإنسان ثم حذف الجار و المجرور و قوله « كلا لما يقض ما أمره » أي ما أمره به فحذف الباء فصار التقدير ما أمرهه فحذف الهاء الأولى فصار ما أمره فالهاء الباقية لما الموصولة و الهاء المحذوفة للإنسان .

النزول

قيل نزلت الآيات في عبد الله بن أم مكتوم و هو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي و ذلك أنه أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو يناجي عتبة بن ربيعة و أبا جهل بن هشام و العباس بن عبد المطلب و أبيا و أمية ابني خلف يدعوهم إلى الله و يرجو إسلامهم فقال يا رسول الله أقرئني و علمني مما علمك الله فجعل يناديه و يكرر النداء و لا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهة في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لقطعه
مجمع البيان ج : 10 ص : 664

كلامه و قال في نفسه يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان و العبيد فأعرض عنه و أقبل على القوم الذين يكلمهم فنزلت الآيات و كان رسول الله بعد ذلك يكرمه و إذا رآه قال مرحبا بمن عاتبني فيه ربي و يقول له هل لك من حاجة و استخلفه على المدينة مرتين في غزوتين و قال أنس بن مالك فرأيته يوم القادسية و عليه درع و معه راية سوداء قال المرتضى علم الهدى قدس الله روحه ليس في ظاهر الآية دلالة على توجهها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بل هو خبر محض لم يصرح بالمخبر عنه و فيها ما يدل على أن المعنى بها غيره لأن العبوس ليس من صفات النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مع الأعداء المباينين فضلا عن المؤمنين و المسترشدين ثم الوصف بأنه يتصدى للأغنياء و يتلهى عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة و يؤيد هذا القول قوله سبحانه في وصفه (صلى الله عليه وآله وسلّم) و إنك لعلى خلق عظيم و قوله و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فالظاهر أن قوله « عبس و تولى » المراد به غيره و قد روي عن الصادق (عليه السلام) أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجاء ابن أم مكتوم فلما رآه تقذر منه و جمع نفسه و عبس و أعرض بوجهه عنه فحكى الله سبحانه ذلك و أنكره عليه فإن قيل فلو صح الخبر الأول هل يكون العبوس ذنبا أم لا فالجواب أن العبوس و الانبساط مع الأعمى سواء إذ لا يشق عليه ذلك فلا يكون ذنبا فيجوز أن يكون عاتب الله سبحانه بذلك نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليأخذه بأوفر محاسن الأخلاق و ينبهه بذلك على عظم حال المؤمن المسترشد و يعرفه أن تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه أولى من تأليف المشرك طمعا في إيمانه و قال الجبائي في هذا دلالة على أن الفعل يكون معصية فيما بعد لمكان النهي فأما في الماضي فلا يدل على أنه كان معصية قبل أن ينهى عنه و الله سبحانه لم ينهه إلا في هذا الوقت و قيل أن ما فعله الأعمى نوعا من سوء الأدب فحسن تأديبه بالإعراض عنه إلا أنه كان يجوز أن يتوهم أنه أعرض عنه لفقره و أقبل عليهم لرياستهم تعظيما لهم فعاتبه الله سبحانه على ذلك و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال مرحبا مرحبا لا و الله لا يعاتبني الله فيك أبدا و كان يصنع به من اللطف حتى كان يكف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مما يفعل به .

المعنى


« عبس » أي بسر و قبض وجهه « و تولى » أي أعرض بوجهه « أن جاءه الأعمى » أي لأن جاءه الأعمى « و ما يدريك لعله » أي لعل هذا الأعمى « يزكى » يتطهر بالعمل الصالح و ما يتعلمه منك « أو يذكر » أي يتذكر فيتعظ بما يعلمه من مواعظ القرآن « فتنفعه الذكرى » في دينه قالوا و في هذا لطف من الله عظيم لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذ لم يخاطبه في باب العبوس فلم يقل عبست فلما جاوز العبوس عاد إلى الخطاب فقال و ما يدريك .
ثم قال « أما من استغنى » أي من كان عظيما في قومه و استغنى بالمال « فأنت له تصدى » أي
مجمع البيان ج : 10 ص : 665
تتعرض له و تقبل عليه بوجهك « و ما عليك ألا يزكى » أي أي شيء يلزمك إن لم يسلم و لم يتطهر من الكفر فإنه ليس عليك إلا البلاغ « و أما من جاءك يسعى » أي يعمل في الخير يعني ابن أم مكتوم « و هو يخشى » الله عز و جل « فأنت عنه تلهى » أي تتغافل و تشتغل عنه بغيره « كلا » أي لا تعد لذلك و انزجر عنه « إنها تذكرة » أي إن آيات القرآن تذكير و موعظة للخلق « فمن شاء ذكره » أي ذكر التنزيل أو القرآن أو الوعظ و المعنى فمن شاء أن يذكره ذكره و في هذا دلالة على أن العبد قادر على الفعل مخير فيه و قوله « كلا » فيه دلالة على أنه ليس له أن يفعل ذلك في المستقبل و أما الماضي فلم يتقدم النهي عن ذلك فيه فلا يكون معصية ثم أخبر سبحانه بجلالة قدر القرآن عنده فقال « في صحف مكرمة » أي هذا القرآن أو هذه التذكرة في كتب معظمة عند الله و هي اللوح المحفوظ عن ابن عباس و قيل يعني كتب الأنبياء المنزلة عليهم كقوله إن هذا لفي الصحف الأولى « مرفوعة » في السماء السابعة و قيل مرفوعة قد رفعها الله عن دنس الأنجاس « مطهرة » لا يمسها إلا المطهرون و قيل مصونة عن أن تنالها أيدي الكفرة لأنها في أيدي الملائكة في أعز مكان عن الجبائي و قيل مطهرة من كل دنس عن الحسن و قيل مطهرة من الشك و الشبهة و التناقض « بأيدي سفرة » يعني الكتبة من الملائكة عن ابن عباس و مجاهد و قيل يعني السفراء بالوحي بين الله تعالى و بين رسله من السفارة و قال قتادة هم القراء يكتبونها و يقرءونها و روى فضيل بن يسار عن الصادق (عليه السلام) قال الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة ثم أثنى عليهم فقال « كرام » على ربهم « بررة » مطيعين و قيل كرام عن المعاصي يرفعون أنفسهم عنها بررة أي صالحين متقين و قال مقاتل كان القرآن ينزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر إلى الكتبة من الملائكة ثم ينزل به جبريل (عليه السلام) إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم ذكر سبحانه المكذبين بالقرآن فقال « قتل الإنسان » أي عذب و لعن الإنسان و هو إشارة إلى كل كافر عن مجاهد و قيل هو أمية بن خلف عن الضحاك و قيل هو عتبة بن أبي لهب إذ قال كفرت برب النجم إذا هوى « ما أكفره » أي ما أشد كفره و ما أبين ضلاله و هذا تعجب منه كأنه قد قال تعجبوا منه و من كفره مع كثرة الشواهد على التوحيد و الإيمان و قيل أن ما للاستفهام أي أي شيء أكفره و أوجب كفره عن مقاتل و الكلبي فكأنه قال ليس هاهنا شيء يوجب الكفر و يدعو إليه فما الذي دعاه إليه مع كثرة نعم الله عليه ، ثم بين سبحانه من أمره ما كان ينبغي معه أن يعلم أن الله خالقه فقال « من أي شيء خلقه » لفظه استفهام و معناه التقرير و قيل معناه لم لا ينظر إلى أصل خلقته من أي شيء خلقه الله ليدله على وحدانية الله تعالى ثم فسر فقال « من نطفة خلقه فقدره » أطوارا نطفة ثم علقة إلى آخر خلقة و على حد معلوم من طوله و قصره
مجمع البيان ج : 10 ص : 666
و سمعه و بصره و حواسه و أعضائه و مدة عمره و رزقه و جميع أحواله « ثم السبيل يسره » أي ثم يسر سبيل الخروج من بطن أمه حتى خرج منه عن ابن عباس و قتادة و ذلك أن رأسه كان إلى رأس أمه و كذلك رجلاه كانتا إلى رجليها فقلبه الله عند الولادة ليسهل خروجه منها و قيل ثم السبيل أي سبيل الدين يسره و طريق الخير و الشر بين له و خيره و مكنه من فعل الخير و اجتناب الشر و نظيره و هديناه النجدين عن مجاهد و الحسن و ابن زيد « ثم أماته » أي خلق الموت فيه و قيل أزال عنه حياته « فأقبره » أي صيره بحيث يقبر و جعله ذا قبر عن أبي مسلم و قيل جعله مقبورا و لم يجعله ممن يلقى إلى السباع و الطير عن الفراء و قيل أمر بأن يقبر عن أبي عبيدة « ثم إذا شاء أنشره » أي أحياه من قبره و بعثه إذا شاء تعالى أن يحييه للجزاء و الحساب و الثواب و العقاب عن الحسن « كلا » أي حقا « لم يقض » أي لم يقض « ما أمره » الله به من إخلاص عبادته و لم يؤد حق الله تعالى عليه مع كثرة نعمه قال مجاهد هو على العموم في الكافر و المسلم لم يعبده أحد حق عبادته .
فَلْيَنظرِ الانسنُ إِلى طعَامِهِ(24) أَنَّا صبَبْنَا الْمَاءَ صبًّا(25) ثمَّ شقَقْنَا الأَرْض شقًّا(26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا(27) وَ عِنَباً وَ قَضباً(28) وَ زَيْتُوناً وَ نخْلاً(29) وَ حَدَائقَ غُلْباً(30) وَ فَكِهَةً وَ أَبًّا(31) مَّتَعاً لَّكمْ وَ لأَنْعَمِكمْ(32) فَإِذَا جَاءَتِ الصاخَّةُ(33) يَوْمَ يَفِرُّ المَْرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34) وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ(35) وَ صحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ(36) لِكلِّ امْرِى مِّنهُمْ يَوْمَئذ شأْنٌ يُغْنِيهِ(37) وُجُوهٌ يَوْمَئذ مُّسفِرَةٌ(38) ضاحِكَةٌ مُّستَبْشِرَةٌ(39) وَ وُجُوهٌ يَوْمَئذ عَلَيهَا غَبرَةٌ(40) تَرْهَقُهَا قَترَةٌ(41) أُولَئك هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ(42)

القراءة

قرأ أهل الكوفة أنا صببنا بالفتح و الباقون بالكسر و في الشواذ قراءة ابن محيصن يعنيه بالعين و فتح الياء .
 

Back Index Next