جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج10 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>




مجمع البيان ج : 10 ص : 667

الحجة

قال أبو علي من كسر كان ذلك تفسيرا للنظر إلى طعامه كما أن قوله « لهم مغفرة » تفسير للوعد و من فتح فقال أنا فالمعنى على البدل بدل الاشتمال لأن هذه الأشياء مشتملة على كون الطعام و حدوثه فهو من نحو « يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه » « و قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود » و قوله « و ما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره » لأن الذكر كالمشتمل على المذكور و معنى « إلى طعامه » إلى كون طعامه و حدوثه و هو موضع الاعتبار قال ابن جني قوله يعنيه بالعين قراءة حسنة إلا أن قراءة الجماعة أقوى معنى فإن الإنسان قد يعنيه الشيء و لا يغنيه عن غيره أ لا ترى أن من كان له ألف درهم فيؤخذ منها مائة درهم يعنيه أمرها و لا يغنيه عن بقية ماله أن يهتم به و يراعيه فأما إذا أغناه الأمر عن غيره فإن ذلك أقوى فاعرفه .

اللغة

الحديقة البستان المحوط و جمعه حدائق و منه قولهم أحدق به القوم إذا أحاطوا به و الغلب الغلاظ شجرة غلباء غليظة قال الفرزدق :
عوى فأثار أغلب ضيغميا
فويل ابن المراغة ما استثارا و الأب المرعى من الحشيش و سائر النبات الذي ترعاه الأنعام و الدواب و يقال أب إلى سيفه فاستله أي بدر إليه وهب إليه فيكون كبدور المرعى بالخروج قال الأعشى :
صرمت و لم أصرمكم و كصارم
أخ قد طوى كشحا و أب ليذهبا و قال في الأب :
جذمنا قيس و نجد دارنا
و لنا الأب بها و المكرع و الصاخة الصاكة لشدة صوتها الآذان فتصمها و القترة ظلمة الدخان و منه القتار ريح الشواء لأنها كالدخان .

الإعراب


« فإذا جاءت الصاخة » العامل في الظرف في قوله « لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه » أي ثبت لكل امرىء منهم ذلك في وقت مجيء الصاخة .

المعنى

لما ذكر سبحانه خلق ابن آدم ذكر رزقه ليعتبر فقال « فلينظر الإنسان إلى طعامه »
مجمع البيان ج : 10 ص : 668
الذي يأكله و يتقوته من الأطعمة الشهية اللذيذة كيف خلقها سبحانه و هيأها لرزق عباده ليفكر كيف مكنه من الانتفاع بذلك ثم بين فقال « أنا صببنا الماء صبا » أي نزلنا الغيث إنزالا « ثم شققنا الأرض شقا » بالنبات « فأنبتنا فيها » أي في الأرض « حبا » أي جنس الحبوب التي يتغذى بها و تدخر « و عنبا » خص العنب لكثرة منافعه « و قضبا » و هو ألقت الرطب يقضب مرة بعد أخرى يكون علفا للدواب عن ابن عباس و الحسن « و زيتونا » و هو ما يعصر عنه الزيت « و نخلا » جمع نخلة « و حدائق غلبا » أي و بساتين محوطة تشتمل على أشجار عظام غلاظ مختلفة و قيل غلبا ملتفة الشجر عن مجاهد « و فاكهة » يعني سائر ألوان الفواكه « و أبا » و هو المرعى و الكلأ الذي لم يزرعه الناس مما تأكله الأنعام و قيل أن الأب للأنعام كالفاكهة للناس « متاعا » أي منفعة « لكم و لأنعامكم » مر معناه ثم ذكر يوم القيامة فقال « فإذا جاءت الصاخة » يعني صيحة القيامة عن ابن عباس سميت بذلك لأنها تصخ الآذان أي تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها و قيل لأنها يصخ لها الخلق أي يستمع و قد قلب حرف التضعيف ياء لكراهية التضعيف فقالوا صاخ كما قالوا تظنيت في تظننت و تقضي البازي في تقضض ثم ذكر سبحانه في أي وقت تجيء الصاخة فقال « يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته » أي و زوجته « و بنيه » أي أولاده الذكور أي لا يلتفت إلى واحد من هؤلاء لعظم ما هو فيه و شغله بنفسه و إن كان في الدنيا يعتني بشأنهم و قيل يفر منهم حذرا من مطالبتهم إياه بما بينه و بينهم من التبعات و المظالم و قيل لعلمه بأنهم لا ينفعونه و لا يغنون عنه شيئا و يجوز أن يكون مؤمنا و أقرباؤه من أهل النار فيعاديهم و لا يلتفت إليهم أو يفر منهم لئلا يرى ما نزل بهم من الهوان « لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه » أي لكل إنسان منهم أمر عظيم يشغله عن الأقرباء و يصرفه عنهم و معنى يغنيه يكفيه من زيادة عليه أي ليس فيه فضل لغيره لما هو فيه من الأمر الذي قد اكتنفه و ملأ صدره فصار كالغني عن الشيء في أمر نفسه لا ينازع إليه و روي عن عطاء بن يسار عن سودة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قالت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يبعث الناس عراة حفاة غرلا يلجمهم العرق و يبلغ شحمة الآذان قالت قلت يا رسول الله وا سوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض قال شغل الناس عن ذلك و تلا رسول الله « لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه » ثم قسم سبحانه أحوال الناس في ذلك اليوم فقال « وجوه يومئذ مسفرة » أي مشرقة مضيئة « ضاحكة مستبشرة » من سرورها و فرحها بما أعد لها من الثواب و أراد بالوجوه أصحاب الوجوه « و وجوه يومئذ عليها غبرة » أي سواد و ك آبة للهم
مجمع البيان ج : 10 ص : 669
« ترهقها » أي تعلوها و تغشاها « قترة » أي سواد أو كسوف عند معاينة النار و قيل أن الغبرة ما انحطت من السماء إلى الأرض و القترة ما ارتفعت من الأرض إلى السماء عن زيد بن أسلم « أولئك هم الكفرة » في أديانهم « الفجرة » في أفعالهم و استدلت الخوارج بذلك على أن من ليس بمؤمن لا بد أن يكون كافرا فإن الله سبحانه قسم الوجوه هذين القسمين و لا تعلق لهم به لأنه سبحانه ذكر هنا قسمين من الوجوه متقابلين وجوه المؤمنين و وجوه الكفار و لم يذكر وجوه الفساق من أهل الصلاة فيجوز أن يكون لها صفة أخرى بأن يكون عليها غبرة لا تغشاها قترة أو يكون عليها صفرة أو لون آخر .

مجمع البيان ج : 10 ص : 670
( 81 ) سورة التكوير مكية و آياتها تسع و عشرون ( 29 )
و منهم من يقول سورة التكوير مكية .

عدد آيها

تسع و عشرون آية .

فضلها

أبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال و من قرأ سورة إذا الشمس كورت أعاذه الله تعالى أن يفضحه حين تنشر صحيفته . ابن عمر قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) من أحب أن ينظر إلي يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت و روى أبو بكر قال قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا رسول الله أسرع إليك الشيب قال شيبتني هود و الواقعة و المرسلات و عم يتساءلون و إذا الشمس كورت فأما ما روي عن أنس أنه سئل هل اختضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ما شأنه الشيب فقيل أ و شين هو يا أبا حمزة فقال كلكم يكرهه فالوجه فيه أنه يجوز أن يكون المراد بقوله شيبتني أنه لو كان أمر يشيب منه إنسان لشبت من قراءة هذه السطور و قد روي أن عليا (عليه السلام) لما غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وجد في لحيته شعرات بيضا و ما لا يظهر إلا بعد التفتيش لا يكون شيبا .

تفسيرها

لما ختم الله سبحانه سورة عبس بذكر يوم القيامة و أهوالها افتتح هذه السورة أيضا بذكر علاماتها و أحوالها فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 671

سورة التكوير
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا الشمْس كُوِّرَت(1) وَ إِذَا النُّجُومُ انكَدَرَت(2) وَ إِذَا الجِْبَالُ سيرَت(3) وَ إِذَا الْعِشارُ عُطلَت(4) وَ إِذَا الْوُحُوش حُشِرَت(5) وَ إِذَا الْبِحَارُ سجِّرَت(6) وَ إِذَا النُّفُوس زُوِّجَت(7) وَ إِذَا الْمَوْءُدَةُ سئلَت(8) بِأَى ذَنب قُتِلَت(9) وَ إِذَا الصحُف نُشِرَت(10) وَ إِذَا السمَاءُ كُشِطت(11) وَ إِذَا الجَْحِيمُ سعِّرَت(12) وَ إِذَا الجَْنَّةُ أُزْلِفَت(13) عَلِمَت نَفْسٌ مَّا أَحْضرَت(14)

القراءة

قرأ ابن كثير و أهل البصرة سجرت بالتخفيف و الباقون بالتشديد و قرأ أهل المدينة و ابن عامر و عاصم و يعقوب و سهل « نشرت » بالتخفيف و الباقون بالتشديد و قرأ أهل المدينة و ابن عامر و رويس و عاصم غير يحيى و حماد « سعرت » بالتشديد و الباقون بالتخفيف و قرأ أبو جعفر قتلت بالتشديد و الباقون بالتخفيف و روي عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام) و إذا المودة سئلت بفتح الميم و الواو و روي ذلك عن ابن عباس أيضا و روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت و هو قراءة ابن عباس و يحيى بن يعمر و مجاهد و أبي الضحى و جابر بن زيد .

الحجة

قال أبو علي حجة سجرت قوله و البحر المسجور و قيل في البحر المسجور أنه الفارغ و المتتلىء و منه الممتلىء قول الشاعر في صفة وعل :
إذا شاء طالع مسجورة
ترى حولها النبع و الساسما و حجة تشديد نشرت قوله صحفا منشرة و حجة سعرت بالتخفيف قوله « و كفى بجهنم سعيرا » فسعير فعيل بمعنى مفعول و هذا إنما يجيء من فعل و حجة من قال « سجرت » أن الفعل مسند إلى ضمير كثرة من باب غلقت الأبواب و حجة « نشرت » خفيفة قوله في رق منشور و حجة « سعرت » مشددة كلما خبت زدناهم سعيرا فهذا يدل على كثرة و شيء بعد شيء فحقه التشديد و من قرأ و إذا الموءودة سألت بفتح السين جعل الموءودة موصوفة بالسؤال و بالقول « بأي ذنب قتلت » و يمكن أن يكون الله سبحانه أكملها في تلك الحال و أقدرها على النطق حتى قالت ذلك القول و يعضده ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال يجيء المقتول ظلما يوم القيامة و أوداجه تشخب دما اللون لون الدم و الريح ريح المسك متعلقا بقاتله يقول يا رب سل هذا
مجمع البيان ج : 10 ص : 672
فيم قتلني و من قرأ قتلت بالتشديد فالمراد به تكرار الفعل لأن المراد بالموءودة هنا الجنس فإرادة التكرار جائزة و أما من قرأ المودة بفتح الميم و الواو فالمراد بذلك الرحم و القرابة و أنه يسأل قاطعها عن سبب قطعها و روي عن ابن عباس أنه قال هو من قتل في مودتنا أهل البيت (عليهم السلام) و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال يعني قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من قتل في جهاد و في رواية أخرى قال هو من قتل في مودتنا و ولايتنا .

اللغة

التكوير التلفيف على جهة الاستدارة و منه كور العمامة كرت العمامة على رأسي أكورها كورا و كورتها تكويرا و طعنه فكوره إذا ألقاه مجتمعا و نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من النقصان بعد الزيادة و الانكدار انقلاب الشيء حتى يصير أعلاه أسفله بما لو كان ماء لتكدر و أصله الانصباب قال العجاج
أبصر خربان فضاء فانكدر و العشار جمع عشراء و هي الناقة التي قد أتى عليها عشرة أشهر من حملها و الناقة إذا وضعت لتمام ففي سنة و أصل السجر الملأ قال لبيد :
فتوسطا عرض السري فصدعا
مسجورة متجاورا قلامها أي مملوءة و تنور مسجور مملوء بالنار و الموءودة من وأد يئد وأدا و كانت العرب تئد البنات خوف الإملاق قال قتادة جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية فقال فأعتق عن كل واحدة رقبة قال إني صاحب إبل قال فاهد إلى من شئت عن كل واحدة بدنة قال الجبائي إنما سميت موئودة لأنها ثقلت في التراب الذي طرح عليها حتى ماتت و هذا خطأ لأن الموءودة من وأد يئد معتل الفاء و من الثقل آده يؤده أثقله و هو معتل العين و لو كانت مأخوذة منه لقيل مئودة على وزن معوءدة و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه سئل عن العزل فقال ذاك الوأد الخفي قال الفرزدق :
و منا الذي منع الوائدات
فأحيا الوئيد فلم تواد و قال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 673


و منا الذي أحيا الوئيد و غالب
و عمرو و منا حاجب و الأقارع و الكشط القلع عن شدة التزاق و الكشط و القشط واحد و في حرف عبد الله و إذا السماء قشطت و التسعير تهييج النار حتى تتأجج و منه السعر لأنه حال هيج الثمن بالارتفاع و الانحطاط .

الإعراب

ارتفعت الشمس بفعل مضمر تقديره إذا كورت الشمس كورت و لا يجوز إظهاره لأن ما بعده يفسره و إنما احتيج إلى إضمار فعل لأن في إذا معنى الشرط و الشرط يقتضي الفعل و جواب إذا قوله « علمت نفس ما أحضرت » فإذا في موضع النصب لأنه ظرف لعلمت و على هذا يجري أمثاله و الجملة التي هي الفعل المحذوف مع فاعله بعد إذا في موضع جر بإضافة إذا إليها و التقدير وقت تكوير الشمس تعلم كل نفس ما عملته و تجزى به و على هذا فهنا اثنا عشر ظرفا كلها إضافة إلى الجمل من قوله « إذا الشمس كورت » إلى قوله « و إذا الجنة أزلفت » و العامل فيها كلها قوله « علمت نفس ما أحضرت » .

المعنى

أخبر الله سبحانه عن القيامة و شدائدها فقال « إذا الشمس كورت » أي ذهب ضوءها و نورها فأظلمت و اضمحلت عن ابن عباس و أبي و مجاهد و قتادة و قيل ألقيت و رمي بها عن أبي صالح و الربيع بن خثيم و قيل جمع ضوءها و لفت كما تلف العمامة عن الزجاج و المعنى أن الشمس تكور بأن يجمع نورها حتى تصير كالكارة الملقاء و يذهب ضوءها و يحدث الله تعالى للعباد ضياء غيرها « و إذا النجوم انكدرت » أي تساقطت و تناثرت عن مجاهد و قتادة و الربيع بن خثيم يقال انكدر الطائر من الهواء إذا انقض و قيل تغيرت من الكدورة عن الجبائي و الأول أولى لقوله « و إذا الكواكب انتثرت » إلا أن تقول يذهب ضوءها ثم تتناثر « و إذا الجبال سيرت » عن وجه الأرض فصارت هباء منبثا و سرابا « و إذا العشار » و هي النوق الحوامل أتت عليها عشرة أشهر و بعد الوضع تسمى عشارا أيضا و هي أنفس مال عند العرب « عطلت » أي تركت هملا بلا راع و قيل العشار السحاب تعطل فلا تمطر عن الجبائي و حكي ذلك عن أبي عمرو قال الأزهري لا أعرف هذا في اللغة « و إذا الوحوش حشرت » أي جمعت حتى يقتص لبعضها من بعض فيقتص للجماء من القرناء و يحشر الله سبحانه الوحوش ليوصل إليها ما تستحقه من الأعواض على الآلام التي نالتها في الدنيا و ينتصف لبعضها من بعض فإذا وصل إليها ما استحقته من الأعواض فمن قال أن
مجمع البيان ج : 10 ص : 674
العوض دائم تبقى منعمة إلى الأبد و من قال تستحق العوض منقطعا فقال بعضهم يديمه الله لها تفضلا لئلا يدخل على المعوض غم بانقطاعه و قال بعضهم إذا فعل الله بها ما استحقته من الأعواض جعلها ترابا « و إذا البحار سجرت » أي أرسل عذبها على مالحها و مالحها على عذبها حتى امتلأت و قيل إن المعنى فجر بعضها في بعض فصارت البحور كلها بحرا واحدا و يرتفع البرزخ عن مجاهد و مقاتل و الضحاك و قيل سجرت أي أوقدت فصارت نارا تضطرم عن ابن عباس و قيل يبست و ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة عن الحسن و قتادة و قيل ملئت من القيح و الصديد الذي يسيل من أبدان أهل النار في النار و أراد بحار جهنم لأن بحور الدنيا قد فنيت عن الجبائي « و إذا النفوس زوجت » أي قرن كل واحد منها إلى شكله و ضم إليه و النفس يعبر بها عن الإنسان و قد يعبر بها عن الروح فالمعنى قرن كل إنسان بشكله من أهل النار و بشكله من أهل الجنة عن عمر بن الخطاب و ابن عباس و مجاهد و الحسن و قتادة و قيل معناه ردت الأرواح إلى الأجساد فتصير أحياء عن عكرمة و الشعبي و أبي مسلم و قيل يقرن الغاوي بمن أغواه من إنسان أو شيطان عن الجبائي و قيل زوجت أي قرنت نفوس الصالحين من المؤمنين بالحور العين و قرنت نفوس الكافرين بالشياطين عن عطاء و مقاتل « و إذا الموءودة سئلت » يعني الجارية المدفونة حيا و كانت المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة و قعدت على رأسها فإن ولدت بنتا رمت بها في الحفرة و إن ولدت غلاما حبسته عن ابن عباس قال شاعرهم :
سميتها إذ ولدت تموت
و القبر صهر ضامن زميت و معنى قوله « سئلت بأي ذنب قتلت » أن الموءودة تسأل فيقال لها بأي ذنب قتلت و معنى سؤالها توبيخ قاتلها لأنها تقول قتلت بغير ذنب و يجري هذا مجرى قوله سبحانه لعيسى (عليه السلام) « أ أنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله » على سبيل التوبيخ لقومه و إقامة الحجة عليهم عن الفراء و قيل إن معنى سئلت طولب قاتلها بالحجة في قتلها و سئل عن سبب قتلها فكأنه قيل و الموءودة يسأل قاتلها بأي ذنب قتلت هذه و نظيره قوله « إن العهد كان مسئولا » أي مسئولا عنه عن أبي مسلم و على هذا فيكون القتلة هنا هم المسئولين على الحقيقة لا المقتولة و إنما المقتولة مسئول عنها « و إذا الصحف نشرت » يعني صحف الأعمال التي كتبت الملائكة فيها أعمال أهلها من خير و شر تنشر ليقرأها أصحابها و لتظهر الأعمال فيجازوا بحسبها « و إذا السماء كشطت » أي أزيلت عن موضعها كالجلد يزال عن
مجمع البيان ج : 10 ص : 675
الجزور ثم يطويها الله و قيل معناه قلعت كما يقلع السقف عن الزجاج و قيل كشفت عمن فيها و معنى الكشط رفعك شيئا عن شيء قد غطاه كما يكشط الجلد عن السنام « و إذا الجحيم سعرت » أوقدت و أضرمت حتى ازدادت شدة على شدة و قيل سعرها غضب الله و خطايا بني آدم عن قتادة « و إذا الجنة أزلفت » أي قربت من أهلها للدخول و قيل قربت بما فيها من النعيم فيزداد المؤمن سرورا و يزداد أهل النار حسرة « علمت نفس ما أحضرت » أي إذا كانت هذه الأشياء التي تكون في القيامة علمت في ذلك الوقت كل نفس ما وجدت حاضرا من عملها كما قالوا أحمدته وجدته محمودا و قيل علمت ما أحضرته من خير و شر و إحضار الأعمال مجاز لأنها لا تبقى و المعنى أنه لا يشذ عنها شيء فكان كلها حاضرة و قيل أن المراد صحائف الأعمال .
فَلا أُقْسِمُ بِالخُْنَّسِ(15) الجَْوَارِ الْكُنَّسِ(16) وَ الَّيْلِ إِذَا عَسعَس(17) وَ الصبْح إِذَا تَنَفَّس(18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسول كَرِيم(19) ذِى قُوَّة عِندَ ذِى الْعَرْشِ مَكِين(20) مُّطاع ثمَّ أَمِين(21) وَ مَا صاحِبُكم بِمَجْنُون(22) وَ لَقَدْ رَءَاهُ بِالأُفُقِ المُْبِينِ(23) وَ مَا هُوَ عَلى الْغَيْبِ بِضنِين(24) وَ مَا هُوَ بِقَوْلِ شيْطن رَّجِيم(25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ(26) إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَلَمِينَ(27) لِمَن شاءَ مِنكُمْ أَن يَستَقِيمَ(28) وَ مَا تَشاءُونَ إِلا أَن يَشاءَ اللَّهُ رَب الْعَلَمِينَ(29)

القراءة

قرأ أهل البصرة غير سهل و ابن كثير و الكسائي بظنين بالظاء و الباقون « بضنين » بالضاد .

الحجة

الظنين المتهم من قولهم ظننت أي اتهمت لا من ظننت المتعدي إلى
مجمع البيان ج : 10 ص : 676

مفعولين إذ لو كانت منه لكان لا بد من ذكر المفعول الثاني و في أنه لم يذكر المفعول الآخر دلالة على أنه من ظننت بمعنى اتهمت و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يعرف بالأمين و بذلك وصفه أبو طالب في قوله :
إن ابن آمنة الأمين محمدا
عندي بمثل منازل الأولاد و من قرأ « بضنين » فهو من البخل و المعنى أنه يخبر بالغيب فيبينه و لا يكتمه كما يمتنع الكاهن من إعلام ذلك حتى يأخذ عليه حلوانا .

اللغة

الخنس جمع خانس و الكنس جمع كانس و أصلهما الستر و الشيطان خناس لأنه يخنس إذا ذكر الله تعالى أي يذهب و يستتر و كناس الطير و الوحش بيت يتخذه و يختفي فيه و الكواكب تكنس في بروجها كالظباء تدخل في كناسها و عسعس الليل إذا أقبل من أوله و أظلم و عسعس إذا أدبر و هو من الأضداد قال علقمة بن قرط :
حتى إذا الصبح لها تنفسا
و إنجاب عنها ليلها و عسعسا و العس طلب الشيء بالليل و منه أخذ العسس و يقال عسعس الليل و سعسع .

الإعراب


« إنه لقول رسول كريم » جواب القسم ثم وصف الرسول بأوصاف إلى قوله « أمين » ثم قال « و ما صاحبكم بمجنون » و هو معطوف على جواب القسم و كذلك ما بعده و قوله « فأين تذهبون » اعتراض قال الفراء تقول العرب إلى أين تذهب و أين تذهب و تقولون ذهبت الشام و خرجت الشام و انطلقت السوق سمعناه في هذه الأحرف الثلاثة و أنشد الفراء :
تصيح بنا حنيفة إذ رأتنا
و أي الأرض تذهب للصياح يريد إلى أي الأرض و لم يحك سيبويه من هذا إلا ذهبت الشام و على هذا جاء « فأين تذهبون » و المعنى فإلى أين تذهبون و قوله « إن هو إلا ذكر للعالمين » جواب القسم أيضا و قوله « و ما تشاءون » داخل في جواب القسم أيضا و قوله « لمن شاء منكم » بدل من قوله « للعالمين » بدل البعض من الكل فإذا السورة كلها مركبة من فعل و فاعل و من قسم و أجوبة .

المعنى

ثم أكد سبحانه ما تقدم بالقسم فقال « فلا أقسم » أي فأقسم و لا زائدة
مجمع البيان ج : 10 ص : 677

و قد ذكرنا اختلاف العلماء فيه عند قوله « لا أقسم بيوم القيامة » « بالخنس » و هي النجوم تخنس بالنهار و تبدو بالليل و « الجوار » صفة لها لأنها تجري في أفلاكها « الكنس » من صفتها أيضا لأنها تكنس أي تتوارى في بروجها كما تتوارى الظباء في كناسها و هي خمسة أنجم زحل و المشتري و المريخ و الزهرة و عطارد عن علي (عليه السلام) و قيل معناه أنها تخنس بالنهار فتختفي و لا ترى و تكنس في وقت غروبها فهذا خنوسها و كنوسها و قيل هي بقر الوحش عن ابن مسعود و قيل هي الظباء عن ابن جبير « و الليل إذا عسعس » أي إذا أدبر بظلامه عن علي (عليه السلام) و ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل أقبل بظلامه عن الحسن و قيل أظلم عن الجبائي « و الصبح إذا تنفس » أي إذا أسفر و أضاء و المعنى امتد ضوءه حتى يصير نهارا « إنه لقول رسول كريم » هذا جواب القسم أي أن القرآن قول رسول كريم على ربه و هو جبرائيل و هو كلام الله تعالى أنزله على لسانه أي سمعه محمد من جبرائيل و لم يقله من قبل نفسه عن الحسن و قتادة و قيل إنما أضافه إلى جبرائيل لأن الله تعالى قال لجبرائيل ائت محمدا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قل له كذا ثم وصف جبرائيل (عليه السلام) فقال « ذي قوة » أي فيما كلف و أمر به من العلم و العمل و تبليغ الرسالة و قيل ذي قدرة في نفسه و من قوته قلعه ديار قوم لوط بقوادم جناحه حتى بلغ بها السماء ثم قلبها « عند ذي العرش مكين » معناه متمكن عند الله صاحب العرش و خالقه رفيع المنزلة عظيم القدر عنده كما يقال فلان مكين عند السلطان و المكانة القرب « مطاع ثم » أي في السماء تطيعه ملائكة السماء قالوا و من طاعة الملائكة لجبرائيل أنه أمر خازن الجنة ليلة المعراج حتى فتح لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) أبوابها فدخلها و رأى ما فيها و أمر خازن النار ففتح له عنها حتى نظر إليها « أمين » أي على وحي الله و رسالاته إلى أنبيائه و في الحديث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لجبرائيل (عليه السلام) ما أحسن ما أثنى عليك ربك « ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين » فما كانت قوتك و ما كانت أمانتك فقال أما قوتي فإني بعثت إلى مداين لوط و هي أربع مداين في كل مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري فحملتهم من الأرض السفلى حتى سمع أهل السماوات أصوات الدجاج و نباح الكلاب ثم هويت بهن فقلبتهن و أما أمانتي فإني لم أومر بشيء فعدوته إلى غيره ثم خاطب سبحانه جماعة الكفار فقال « و ما صاحبكم » الذي يدعوكم إلى الله و إخلاص طاعته « بمجنون » و المجنون المغطى على عقله حتى لا يدرك الأمور على ما هي عليه للآفة الغامرة له و بغمور الآفة يتميز من النائم لأن النوم ليس ب آفة و هذا أيضا من جواب القسم أقسم الله عز اسمه أن القرآن نزل به جبرائيل و أن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليس على ما يرميه به أهل مكة من الجنون « و لقد رآه بالأفق المبين » أي رأي محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) جبرائيل (عليه السلام) على صورته التي خلقه الله تعالى عليها حيث تطلع الشمس و هو
مجمع البيان ج : 10 ص : 678
الأفق الأعلى من ناحية المشرق عن قتادة و مجاهد و الحسن « و ما هو على الغيب بضنين » أي ليس هو على وحي الله تعالى و ما يخبر به من الأخبار بمتهم فإن أحواله ناطقة بالصدق و الأمانة عن ابن عباس و سعيد بن جبير و إبراهيم و الضحاك و من قرأ بالضاد فالمعنى أنه ليس ببخيل فيما يؤدي عن الله أن يعلمه كما علمه الله « و ما هو بقول شيطان رجيم » رجمه الله باللعنة عن الحسن و قيل رجم بالشهب طردا من السماء و المعنى و ليس القرآن بقول شيطان رجيم ألقاه إليه كما قال المشركون أن الشيطان يلقي إليه كما يلقي إلى الكهنة ثم بكتهم الله سبحانه فقال « فأين تذهبون » أي فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم عن الزجاج و قيل معناه فأين تعدلون عن هذا القرآن و هو الشفاء و الهدى « إن هو إلا ذكر للعالمين » معناه ما القرآن إلا عظة و تذكرة للخلق يمكنهم أن يتوصلوا به إلى الحق و الذكر هو ضد السهو و الذاكر لا يخلو من أن يكون عالما أو جاهلا أو مقلدا أو شاكا و لا يصح شيء من ذلك مع السهو الذي يضاد الذكر « لمن شاء منكم أن يستقيم » على أمر الله و طاعته ذكر سبحانه أنه ذكر لجميع الخلق على العموم ثم خص المستقيم لأن المنفعة راجعة إليهم كما قال إنما تنذر من اتبع الذكر و خشي الرحمن بالغيب « و ما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين » فيه أقوال ( أحدها ) أن معناه و ما تشاءون الاستقامة على الحق إلا أن يشاء الله ذلك من حيث خلقكم لها و كلفكم بها فمشيئته بين يدي مشيئتكم عن الجبائي ( و ثانيها ) أنه خطاب للكفار و المراد لا تشاءون الإسلام إلا أن يشاء الله أن يجبركم عليه و يلجأكم إليه و لكنه لا يفعل لأنه يريد منكم أن تؤمنوا اختيارا لتستحقوا الثواب و لا يريد أن يحملكم عليه عن أبي مسلم ( و ثالثها ) إن المراد و ما تشاءون الإسلام إلا أن يشاء الله أن يلطف لكم في الاستقامة لما في الكلام من معنى النعمة .

مجمع البيان ج : 10 ص : 679
( 82 ) سورة انفطرت مكية و آياتها تسع عشرة ( 19 )
و تسمى سورة الانفطار مكية تسع عشرة آية .

فضلها

أبي بن كعب قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من قرأها أعطاه الله من الأجر بعدد كل قبر حسنة و بعدد كل قطرة مائة حسنة و أصلح الله شأنه يوم القيامة و روى الحسن بن أبي العلا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ هاتين السورتين إذا السماء انفطرت و إذا السماء انشقت و جعلهما نصب عينه في صلاة الفريضة و النافلة لم يحجبه من الله حجاب و لم يحجزه من الله حاجز و لم يزل ينظر إلى الله و ينظر الله إليه حتى يفرغ من حساب الناس .

تفسيرها

لما كانت السورة المتقدمة في ذكر أهوال يوم القيامة افتتح سبحانه هذه السورة بمثل ذلك ليتصل بها اتصال النظير بالنظير فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 680

سورة الانفطار
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا السمَاءُ انفَطرَت(1) وَ إِذَا الْكَوَاكِب انتَثرَت(2) وَ إِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَت(3) وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثرَت(4) عَلِمَت نَفْسٌ مَّا قَدَّمَت وَ أَخَّرَت(5) يَأَيهَا الانسنُ مَا غَرَّك بِرَبِّك الْكرِيمِ(6) الَّذِى خَلَقَك فَسوَّاك فَعَدَلَك(7) فى أَى صورَة مَّا شاءَ رَكَّبَك(8) َكلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ(9) وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لحََفِظِينَ(10) كِرَاماً كَتِبِينَ(11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ(12) إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِى نَعِيم(13) وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيم(14) يَصلَوْنهَا يَوْمَ الدِّينِ(15) وَ مَا هُمْ عَنهَا بِغَائبِينَ(16) وَ مَا أَدْرَاك مَا يَوْمُ الدِّينِ(17) ثمَّ مَا أَدْرَاك مَا يَوْمُ الدِّينِ(18) يَوْمَ لا تَمْلِك نَفْسٌ لِّنَفْس شيْئاً وَ الأَمْرُ يَوْمَئذ لِّلَّهِ(19)

القراءة

قرأ أهل الكوفة و أبو جعفر « فعدلك » خفيفة و الباقون بالتشديد و قرأ أبو جعفر بل يكذبون بالياء و الباقون بالتاء و قرأ ابن كثير و أهل البصرة يوم لا تملك بالرفع و الباقون بالنصب و في الشواذ قراءة سعيد بن جبير ما أغرك بربك .

الحجة

أما عدلك بالتشديد فمعناه عدل خلقك فأخرجك في أحسن تقويم و أما « عدلك » بالتخفيف فمعناه عدل بعضك ببعض فكنت معتدل الخلقة متناسبها فلا تفاوت فيها و قوله يكذبون بالياء يكون إخبارا عن الكفار و بالتاء على خطابهم و أما وجه الرفع في قوله يوم لا تملك نفس أنه خبر مبتدإ محذوف أي هو يوم لا تملك و المعنى يوم الدين يوم لا تملك نفس و أما النصب فإنه لما قال و ما أدريك ما يوم الدين فجرى ذكر الدين و هو الجزاء قال « يوم لا تملك » يعني الجزاء يوم لا تملك نفس فصار « يوم لا تملك » خبر الجزاء المضمر لأنه حدث و تكون أسماء الزمان أخبارا عن الحدث و يجوز النصب على وجه آخر و هو أن اليوم لما جرى في أكثر الأمر ظرفا ترك على ما كان يكون عليه في أكثر أمره و الدليل على ذلك ما اجتمع عليه القراء و العرب في قوله تعالى « و أنا منا الصالحون و منا دون ذلك » و مما يقوي النصب في ذلك قوله « و ما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس » و قوله « يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون » فالنصب في « يوم لا تملك نفس » مثل هذا و نحوه قال أبو الحسن و لو رفع ذلك كله كان جيدا إلا أنا نختار ما عليه الناس و أما من قرأ ما أغرك فيجوز أن يكون معناه ما الذي دعاك إلى الاغترار به و يجوز أن يكون تعجبا و قد قيل في قوله « فما أصبرهم على النار » هذان الوجهان و أغرك يجوز أن يكون من الغر و الغرارة فيكون معناه ما أجهلك و ما أغفلك عما يراد بك و يجوز أن يكون من الغرور على غير القياس
مجمع البيان ج : 10 ص : 681

كما قيل في المثل أشغل من ذات النحيين .

اللغة

الانفطار و الانشقاق و الانصداع نظائر و الانتثار تساقط الشيء في الجهات و التفجير خرق بعض مواضع الماء إلى بعض على التكثير و منه الفجور لانخراق صاحبه بالخروج إلى كثير من الذنوب و منه الفجر لانفجاره بالضياء و بعثرت الحوض و بحثرته إذا جعلت أسفله أعلاه و البعثرة و البحثرة إثارة الشيء بقلب باطنه إلى ظاهره و الغرور ظهور أمر يتوهم به جهلا الأمان من المحذور يقال غره غرورا و اغتره اغترارا قال الحرث بن حلزة :
لم يغروكم غرورا و لكن
رفع الآل جمعهم و الضحاء .

الإعراب

قوله « في أي صورة ما شاء » يجوز أن تكون ما مزيدة مؤكدة و المعنى في أي صورة شاء ركبك إما طويلا و إما قصيرا و إما كذا و كذا يكون ركبك عطفا على عدلك فحذف الواو و يجوز أن يكون ما في معنى الشرط و الجزاء فيكون المعنى في أي صورة ما شاء أن يركبك فيها ركبك و لا يكون على هذا قوله « في أي صورة » من صلة ركبك لأن سيبويه قال إن تضرب زيدا أضرب عمرا و لا يجوز تقديم عمرو على إن فوجب أن يكون قوله « في أي صورة » من صلة مضمر و لا يكون من صلة عدلك لأنه استفهام فلا يعمل فيه ما قبله .
يصلونها في موضع نصب على الحال و يجوز أن يكون في موضع رفع فيكون خبرا لأنه خبر بعد خبر و التقدير إن الفجار في جحيم صالون .

المعنى


« إذا السماء انفطرت » أي انشقت و تقطعت و مثله يوم تشقق السماء بالغمام الآية « و إذا الكواكب انتثرت » أي تساقطت و تهافتت قال ابن عباس سقطت سودا لا ضوء لها « و إذا البحار فجرت » أي فتح بعضها في بعض عذبها في ملحها و ملحها في عذبها فصارت بحرا واحدا عن قتادة و الجبائي و قيل معناه ذهب ماؤها عن الحسن « و إذا القبور بعثرت » أي قلب ترابها و بعث الموتى الذين فيها و قيل معناه بحثت عن الموتى فاخرجوا منها
مجمع البيان ج : 10 ص : 682
يريد عند البعث عن ابن عباس و مقاتل « علمت نفس ما قدمت و أخرت » و هذا كقوله سبحانه ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدم و أخر و قد مر ذكره عن عبد الله بن مسعود قال ما قدمت من خير أو شر و ما أخرت من سنة حسنة استن بها بعده فله أجر من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء أو سنة سيئة عمل بها بعده فعليه وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء و يؤيد هذا القول ما جاء في الحديث أن سائلا قام على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فسأل فسكت القوم ثم أن رجلا أعطاه فأعطاه القوم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من استن خيرا فاستن به فله أجره و مثل أجور من اتبعه من غير منتقص من أجورهم و من استن شرا فاستن به فعليه وزره و مثل أوزار من اتبعه غير منتقص من أوزارهم قال فتلا حذيفة بن اليمان « علمت نفس ما قدمت و أخرت » « يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم » أي أي شيء غرك بخالقك و خدعك و سول لك الباطل حتى عصيته و خالفته و روي أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لما تلا هذه الآية قال غره جهله و اختلف في معنى الكريم فقيل هو المنعم الذي كل أفعاله إحسان و إنعام لا يجربه نفعا و لا يدفع به ضررا و قيل هو الذي يعطي ما عليه و ما ليس عليه و لا يطلب ماله و قيل هو الذي يقبل اليسير و يعطي الكثير و قيل إن من كرمه سبحانه أنه لم يرض بالعفو عن السيئات حتى بدلها بالحسنات و قيل للفضيل بن عياض لو أقامك الله يوم القيامة بين يديه فقال « ما غرك بربك الكريم » ما ذا كنت تقول له قال أقول غرني ستورك المرخاة و قال يحيى بن معاذ لو أقامني الله بين يديه فقال ما غرك بي قلت غرني بك برك بي سالفا و آنفا و عن بعضهم قال غرني حلمك و عن أبي بكر الوراق غرني كرم الكريم و إنما قال سبحانه « الكريم » دون سائر أسمائه و صفاته لأنه كأنه لقنه الإجابة حتى يقول غرني كرم الكريم و قال عبد الله بن مسعود ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة فيقول يا ابن آدم يا ابن آدم ما غرك بي يا ابن آدم ما ذا عملت فيما عملت يا ابن آدم ما ذا أجبت المرسلين و قال أمير المؤمنين (عليه السلام) كم مغرور بالستر عليه و مستدرج بالإحسان إليه « الذي خلقك » من نطفة و لم تك شيئا « فسواك » إنسانا تسمع و تبصر « فعدلك » أي جعلك معتدلا و قيل معناه عدل خلقك في العينين و الأذنين و اليدين و الرجلين عن مقاتل و المعنى عدل بين ما خلق لك من الأعضاء التي في الإنسان منها اثنان لا تفضل يد على يد و لا رجل على رجل « في أي صورة ما شاء ركبك » أي في أي شبه من أب أو أم أو خال أو عم عن مجاهد و روي عن الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لرجل ما ولد لك قال يا رسول الله و ما عسى أن يولد لي إما غلام و إما جارية قال فمن يشبه قال يشبه أمه و أباه فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا تقل هكذا إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها و بين آدم أ ما قرأت هذه الآية « في أي صورة ما شاء ركبك » أي فيما بينك و بين آدم .
و قيل في أي صورة ما
مجمع البيان ج : 10 ص : 683

شاء من صور الخلق ركبك إن شاء في صورة إنسان و إن شاء في صورة حمار و إن شاء في صورة قرد عن عكرمة و أبي صالح و قال الصادق (عليه السلام) لو شاء ركبك على غير هذه الصورة و المعنى أنه سبحانه يقدر على جعلك كيف شاء و لكنه خلقك في أحسن تقويم حتى صرت على صورتك التي أنت عليها لا يشبهك شيء من الحيوان و قيل في أي صورة شاء من ذكر أو أنثى أو جسيم أو نحيف حسن أو دميم طويل أو قصير « كلا » أي ليس الأمر كما تزعمون أنه لا بعث و لا حساب و ليس هنا موضع الإنكار للبعث مع وضوح الأمر فيه و قيام الدلالة عليه « بل تكذبون » معاشر الكفار « بالدين » الذي هو الجزاء لإنكاركم البعث و النشور عن مجاهد و قتادة و قيل تكذبون بالدين الذي جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و هو الإسلام عن الجبائي « و إن عليكم لحافظين » من الملائكة يحفظون عليكم ما تعلمونه من الطاعات و المعاصي ثم وصف الحفظة فقال « كراما » على ربهم « كاتبين » يكتبون أعمال بني آدم « يعلمون ما تفعلون » من خير و شر فيكتبونه عليكم لا يخفى عليهم من ذلك شيء و قيل إن الملائكة تعلم ما يفعله العبد إما باضطرار و إما باستدلال و قيل معناه يعلمون ما تفعلون من الله دون الباطن و في هذا دلالة على أن أفعال العبد حادثة من جهتهم و أنهم المحدثون لها دونه تعالى و إلا فلا يصح قوله « تفعلون إن الأبرار لفي نعيم » و هو الجنة و الأبرار أولياء الله المطيعون في الدنيا « و إن الفجار لفي جحيم » و هو العظيم من النار و المراد بالفجار هنا الكفار المكذبون للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لقوله « يصلونها يوم الدين » أي يلزمونها بكونهم فيها « و ما هم عنها بغائبين » أي لا يكونون غائبين عنها بل يكونون مؤبدين فيها و قد دل الدليل على أن أهل الكبيرة من المسلمين لا يخلدون في النار و لأنه سبحانه قد ذكر المكذبين بالدين فيما قبل هذه الآية فالأولى أن تكون لفظة الفجار مخصوصة بهم و أيضا فإذا احتمل الكلام ذلك بطل تعلق أهل الوعيد بعموم اللفظ ثم عظم سبحانه يوم القيامة فقال « و ما أدريك ما يوم الدين » تعظيما له لشدته و تنبيها على عظم حاله و كثرة أهواله « ثم ما أدريك ما يوم الدين » كرره تأكيدا لذلك و قيل أراد ما أدراك ما في يوم الدين من النعيم لأهل الجنة و ما أدراك ما في يوم الدين من العذاب لأهل النار عن الجبائي « يوم لا تملك نفس لنفس شيئا » أي لا يملك أحد الدفاع عن غيره ممن يستحق العقاب كما يملك كثير من الناس في دار الدنيا ذلك « و الأمر يومئذ لله » وحده أي الحكم له في الجزاء و الثواب و العفو و الانتقام و روى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال إن الأمر يومئذ و اليوم كله لله يا جابر إذا كان يوم القيامة بادت الحكام فلم يبق حاكم إلا الله و قيل معناه يوم لا تملك نفس لنفس كافرة شيئا من المنفعة عن مقاتل و المعنى الصحيح في الآية أن الله
مجمع البيان ج : 10 ص : 684
سبحانه قد ملك في الدنيا كثيرا من الناس أمورا و أحكاما و في القيامة لا أمر لسواه و لا حكم و متى قيل فيجب أن لا يصح على هذا شفاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فالجواب أن ذلك لا يكون إلا بأمره تعالى و بإذنه و هو من تدابيره .

مجمع البيان ج : 10 ص : 685
( 83 ) سورة المطففين مكية و آياتها ست و ثلاثون ( 36 )
و تسمى سورة التطفيف مكية و قال المعدل مدنية عن الحسن و الضحاك و عكرمة قال و قال ابن عباس و قتادة إلا ثماني آيات منها و هي « إن الذين أجرموا » إلى آخر السورة .

عدد آيها

ست و ثلاثون آية بالإجماع .

فضلها

أبي بن كعب قال قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و من قرأها سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة و روى صفوان الجمال عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من كانت قراءته في الفريضة ويل للمطففين أعطاه الله الأمن يوم القيامة من النار و لا تراه و لا يراها و لا يمر على جسر جهنم و لا يحاسب يوم القيامة .

تفسيرها


ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر القيامة و ما أعد فيها للأبرار و الفجار و بين في هذه السورة أيضا ذكر أحوال الناس في القيامة فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 686

سورة المطففين
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيْلٌ لِّلْمُطفِّفِينَ(1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلى النَّاسِ يَستَوْفُونَ(2) وَ إِذَا كالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يخْسِرُونَ(3) أَ لا يَظنُّ أُولَئك أَنهُم مَّبْعُوثُونَ(4) لِيَوْم عَظِيم(5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاس لِرَب الْعَلَمِينَ(6) َكلا إِنَّ كِتَب الفُجَّارِ لَفِى سِجِّين(7) وَ مَا أَدْرَاك مَا سجِّينٌ(8) كِتَبٌ مَّرْقُومٌ(9) وَيْلٌ يَوْمَئذ لِّلْمُكَذِّبِينَ(10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ(11) وَ مَا يُكَذِّب بِهِ إِلا كلُّ مُعْتَد أَثِيم(12) إِذَا تُتْلى عَلَيْهِ ءَايَتُنَا قَالَ أَسطِيرُ الأَوَّلِينَ(13) َكلا بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبهِم مَّا كانُوا يَكْسِبُونَ(14) َكلا إِنهُمْ عَن رَّبهِمْ يَوْمَئذ لمََّحْجُوبُونَ(15) ثمَّ إِنهُمْ لَصالُوا الجَْحِيمِ(16) ثمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِى كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ(17)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير عاصم إلا يحيى ران بكسر الراء و الباقون بفتحها .

اللغة

التطفيف نقص المكيال و الميزان و الطفيف الشيء النزر القليل مأخوذ من طف الشيء و هو جانبه و في الحديث كلكم بنو آدم طف الصاع لم تملؤوه فليس لأحد فضل إلا بالتقوى و طف الصاع قريب من ملئه أي بعضكم قريب من بعض و إناء طفان إذا لم يكن ملآن و الاكتيال الأخذ بالكيل و نظيره الاتزان و هو الأخذ بالوزن و « إذا كالوهم أو وزنوهم » كان عيسى بن عمر يجعل هم فصلا في موضع رفع أو تأكيدا للضمير في كالوا أو وزنوا و الباقون يجعلونها ضمير المنصوب و هو الصحيح و أهل الحجاز يقولون وزنتك حقك و كلتك طعامك و عليه جاء التنزيل و غيرهم يقول وزنت لك و كلت لك و يقال أخسرت الميزان و خسرته أي نقصت في الوزن و السجين فعيل من السجن قال ابن مقبل
ضربا تواصي به الأبطال سجينا أي شديدا و قيل السجين هو السجن على التخليد فيه لأن هذا الوزن للمبالغة قالوا شريب و سكير و شرير و الرقم طبع الخط بما فيه علامة الأمر يقال رقمت الثوب أرقمه رقما و الرين أصله الغلبة ران على قلبه أي غلب عليه و الخمر ترين على قلب السكران و الموت يرين على الميت فيذب به و في حديث عمر بن الخطاب أنه قال في أسيفع جهينة لما ركبه الدين أدان معرضا فأصبح قد رين به أي أحاط الدين بماله حتى غلبه .

مجمع البيان ج : 10 ص : 687

الإعراب


« يوم يقوم الناس » منصوب بقوله « مبعوثون » أي ألا يظنون أنهم مبعوثون يوم القيامة و قيل في أصل كلا قولان ( أحدهما ) أنها كلمة واحدة من غير تركيب وضعت للردع و الزجر و جرت مجرى الأصوات نحو صه و مه و نحوهما ( و الثاني ) أن يكون الكاف للتشبيه دخلت على لا و شددت للمبالغة في الزجر مع الإيذان بتركيب اللفظ .

النزول

قيل لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله عز و جل « ويل للمطففين » فأحسنوا الكيل بعد ذلك عن عكرمة عن ابن عباس و قيل إنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قدم المدينة و بها رجل يقال له أبو جهينة و معه صاعان يكيل بأحدهما و يكتال بالآخر فنزلت الآيات عن السدي .

المعنى


« ويل للمطففين » و هم الذين ينقصون المكيال و الميزان و يبخسون الناس حقوقهم في الكيل و الوزن قال الزجاج و إنما قيل له مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال و الميزان إلا الشيء اليسير الطفيف ثم فسر المطففين فقال « الذين إذا اكتالوا على الناس » أي إذا كالوا ما على الناس ليأخذوه لأنفسهم « يستوفون » عليهم الكيل و لم يذكر اتزنوا لأن الكيل و الوزن بهما الشراء و البيع فأحدهما يدل على الآخر « و إذا كالوهم أو وزنوهم » أي كالوا لهم أو وزنوا لهم « يخسرون » أي ينقصون و المعنى أنهم إذا كالوا أو وزنوا لغيرهم نقصوا تقول كلتك و كلت لك كما تقول نصحتك و نصحت لك و يروى عن ابن مسعود أنه قال الصلاة مكيال فمن وفى وفى الله له و من طفف قد سمعتم ما قال الله في المطففين ثم عجب الله خلقه من غفلة هؤلاء حيث فارقوا أمر الله و طريقة العدل فقال « أ لا يظن » أي أ لا يعلم « أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم » و هو يوم القيامة يريد أ لا يستيقن من فعل هذا أنه مبعوث محاسب عن ابن عباس ثم أخبر عن ذلك اليوم فقال « يوم يقوم الناس لرب العالمين » و المعنى يوم يقوم الناس من قبورهم لأمر رب العالمين و لجزائه أو حسابه و جاء في الحديث أنهم يقومون في رشحهم إلى إنصاف آذانهم و في حديث آخر يقومون حتى يبلغ الرشح إلى أطراف آذانهم و يحتمل أن يكون المراد أيضا أ لا يحسب أولئك لأن من ظن الجزاء و البعث و قوي ذلك في نفسه و إن لم يكن عالما به فإنه يجب عليه أن يتحرز خوفا من العقاب الذي يجوزه و يظنه كما أن من ظن العطب في سلوك طريق فواجب عليه أن يتجنب سلوكه و في الحديث عن سليم بن عامر عن المقداد بن الأسود قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون الشمس بقدر ميل أو ميلين قال سليم فلا أدري أ مسافة الأرض أم الميل الذي تكحل به العين ثم قال صهرتهم الشمس فيكونون في
مجمع البيان ج : 10 ص : 688
العرق بقدر أعمالهم فمنهم من يأخذه إلى عقبه و منهم من يلجمه إلجاما قال فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يشير بيده إلى فيه قال يلجمه إلجاما أورده مسلم في الصحيح و روي أن ابن عمر قرأ « ويل للمطففين » حتى بلغ « يوم يقوم الناس لرب العالمين » فبكى حتى خر و امتنع من القراءة « كلا » هو ردع و زجر أي ارتدعوا و انزجروا عن المعاصي فليس الأمر على ما أنتم عليه تم الكلام هاهنا و عند أبي حاتم و سهل كلا ابتداء يتصل بما بعده على معنى حقا « إن كتاب الفجار لفي سجين » يعني كتابهم الذي فيه ثبت أعمالهم من الفجور و المعاصي عن الحسن و قيل معناه أنه كتب في كتابهم أنهم يكونون في سجين و هي في الأرض السابعة السفلى عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الضحاك و عن البراء بن عازب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) سجين أسفل سبع أرضين و قال شمر بن عطية جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار فقال أخبرني عن قول الله تعالى « إن كتاب الفجار لفي سجين » قال إن روح الفاجر يصعد بها إلى السماء فتأبى السماء أن تقبلها ثم يهبط بها إلى الأرض فتأبى الأرض أن تقبلها فتدخل سبع أرضين حتى ينتهي بها إلى سجين و هو موضع جند إبليس و المعنى في الآية أن كتاب عملهم يوضع هناك و قيل إن سجين جب في جهنم مفتوح و الفلق جب في جهنم مغطى رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) و قيل السجين اسم لكتابهم و هو ظاهر التلاوة أي ما كتبه الله على الكفار بمعنى أوجبه عليهم من الجزاء في هذا الكتاب المسمى سجينا و يكون لفظه من السجن الذي هو الشدة عن أبي مسلم و الذي يدل على أن العرب ما كانت تعرفه و هو قوله « و ما أدريك ما سجين » أي ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت و لا قومك عن الزجاج ثم قال مفسرا لذلك « كتاب مرقوم » أي كتاب معلوم كتب فيه ما يسؤهم و يسخن أعينهم و قيل مرقوم معناه رقم لهم بشر كأنه أعلم بعلامة يعرف بها الكافر و الوجه الصحيح أن قوله « كتاب مرقوم » ليس تفسيرا لسجين لأنه ليس السجين من الكتاب المرقوم في شيء و إنما هو تفسير للكتاب المذكور في قوله « إن كتاب الفجار » على تقدير و هو كتاب مرقوم أي مكتوب قد تبينت حروفه « ويل يومئذ للمكذبين » و هذا تهديد لمن كذب بالجزاء و البعث و لم يصدق و ذكر صاحب النظم أن هذا منتظم بقوله « يوم يقوم الناس » و أن قوله « كلا إن كتاب الفجار » و ما اتصل به اعتراض بينهما ثم فسر سبحانه المكذبين فقال « الذين يكذبون بيوم الدين » أي يوم الجزاء فإن من كذب بالباطل لا يتوجه إليه الوعيد بل هو ممدوح ثم قال « و ما يكذب به » أي لا يكذب بيوم الجزاء « إلا كل معتد » أي متجاوز للحق إلى الباطل « أثيم » كثير الإثم مبالغ في ارتكابه ثم وصف المعتدي الأثيم بقوله « إذا تتلى عليه آياتنا » و هي القرآن « قال أساطير الأولين » أي أباطيل الأولين و التقدير قال هذا أساطير الأولين أي ما سطره الأولون و كتبوه مما لا أصل له « كلا » لا
مجمع البيان ج : 10 ص : 689
يؤمنون و قيل ليس الأمر على ما قالوه ثم استأنف فقال « بل ران على قلوبهم » أي غلب عليها « ما كانوا يكسبون » و المعنى غلب ذنوبهم على قلوبهم و قيل إن معنى الرين هو الذنب على الذنب حتى يموت القلب عن الحسن و قتادة و قال الفراء كثرت المعاصي منهم و الذنوب و أحاطت بقلوبهم فذلك الرين عليها و عن عبد الله بن مسعود قال إن الرجل ليذنب الذنب فتنكت على قلبه نكتة سوداء ثم يذنب الذنب فتنكت نكتة أخرى حتى يصير قلبه على لون الشاة السوداء و روى العياشي بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال ما من عبد مؤمن إلا و في قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في تلك النكتة نكتة سوداء فإذا تاب ذهب ذلك السواد و إن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطي البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا و هو قول الله تعالى « كلا بل ران على قلوبهم » الآية و قال أبو عبد الله (عليه السلام) يصدأ القلب فإذا ذكرته ب آلاء الله انجلى عنه و قال أبو مسلم أن اعتيادهم الكفر و ألفتهم له و غفلتهم صار غطاء على قلوبهم فلا يعقلون ما ينفعهم لأن ترك النظر في العواقب و كثرة المعاصي و الانهماك في الفسق يقوي الدواعي في الإعراض عن التوبة و الإيلاع بالذنوب فصار ذلك كالغالب على القلوب الرائن عليها و قال أبو القاسم البلخي و في الآية دلالة على صحة ما يقوله أهل العدل في تفسير الطبع على القلوب و الختم عليها و الإضلال لأنه تعالى أخبر أن أعمالهم السيئة و ما كانوا يكسبونه من القبيح ران على قلوبهم « كلا » يريد لا يصدقون عن ابن عباس ثم استأنف « إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون » يعني أن هؤلاء الذين وصفهم بالكفر و الفجور محجوبون يوم القيامة عن رحمة ربهم و إحسانه و كرامته عن الحسن و قتادة و قيل ممنوعون من رحمته مدفوعون عن ثوابه غير مقبولين و لا مرضيين عن أبي مسلم و قيل محرومون عن ثوابه و كرامته عن علي (عليه السلام) « ثم إنهم » بعد أن منعوا من الثواب و الكرامة « لصالوا الجحيم » أي لازموا الجحيم بكونهم فيها لا يغيبون عنها و قال أبو مسلم لصائرون صلاها أي وقودها « ثم يقال » لهم توبيخا و تبكيتا « هذا الذي » فعل بكم من العذاب و العقاب « الذي كنتم به تكذبون » في دار التكليف و يسمى مثل هذا الخطاب تقريعا لأنه خبر بما يقرع بشدة الغم على وجه الذم .

مجمع البيان ج : 10 ص : 690
َكلا إِنَّ كِتَب الأَبْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ(18) وَ مَا أَدْرَاك مَا عِلِّيُّونَ(19) كِتَبٌ مَّرْقُومٌ(20) يَشهَدُهُ المُْقَرَّبُونَ(21) إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِى نَعِيم(22) عَلى الأَرَائكِ يَنظرُونَ(23) تَعْرِف فى وُجُوهِهِمْ نَضرَةَ النَّعِيمِ(24) يُسقَوْنَ مِن رَّحِيق مَّخْتُوم(25) خِتَمُهُ مِسكٌ وَ فى ذَلِك فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَفِسونَ(26) وَ مِزَاجُهُ مِن تَسنِيم(27) عَيْناً يَشرَب بهَا الْمُقَرَّبُونَ(28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يَضحَكُونَ(29) وَ إِذَا مَرُّوا بهِمْ يَتَغَامَزُونَ(30) وَ إِذَا انقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ(31) وَ إِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضالُّونَ(32) وَ مَا أُرْسِلُوا عَلَيهِمْ حَفِظِينَ(33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضحَكُونَ(34) عَلى الأَرَائكِ يَنظرُونَ(35) هَلْ ثُوِّب الْكُفَّارُ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ(36)

القراءة

قرأ أبو جعفر و يعقوب تعرف بضم التاء و فتح الراء نضرة بالرفع و الباقون « تعرف » بفتح التاء و كسر الراء « نضرة » بالنصب و قرأ الكسائي وحده خاتمه و هي قراءة علي (عليه السلام) و علقمة و الباقون « ختامه » و قرأ أبو جعفر و حفص « فكهين » بغير ألف و الباقون فاكهين و قرأ حمزة و الكسائي هثوب الكفار بإدغام اللام في الثاء و قد روي نحوه عن أبي عمرو و الباقون بالإظهار .

الحجة


« تعرف في وجوههم » على الخطاب و المعنى في القراءتين سواء و قال أبو عبيدة ختامه أي عاقبته قال ابن مقبل :
مما يفتق في الحانوت باطنها
بالفلفل الجون و الرمان مختوم قال أبو علي « ختامه مسك » و المراد به لذاذة المقطع و ذكاء الرائحة و أرجها مع طيب
 

Back Index Next