جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



أبي طالب "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" و قد قال الله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم - و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا".

و عن الفصول المهمة، للمالكي قال: روى الإمام أبو الحسن الواحدي في كتابه المسمى بأسباب النزول رفعه بسنده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" يوم غدير خم في علي بن أبي طالب:. أقول: و رواه في فتح القدير، عن ابن أبي حاتم و ابن مردويه و ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري و كذلك في الدر المنثور.

و قوله: "بغدير خم" هو بضم الخاء المعجمة و تشديد الميم مع التنوين اسم لغيطة على ثلاثة أميال من الجحفة عندها غدير مشهور يضاف إلى الغيطة، هكذا ذكره الشيخ محيي الدين النووي.

و في فتح القدير، أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إن عليا مولى المؤمنين و إن لم تفعل فما بلغت رسالته - و الله يعصمك من الناس.

أقول: و هذه نبذة من الأخبار الدالة على نزول قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" إلخ، في حق علي (عليه السلام) يوم غدير خم، و أما حديث الغدير أعني قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من كنت مولاه فعلي مولاه" فهو حديث متواتر منقول من طرق الشيعة و أهل السنة بما يزيد على مائة طريق.

و قد روي عن جمع كثير من الصحابة منهم البراء بن عازب، و زيد بن أرقم، و أبو أيوب الأنصاري، و عمر بن الخطاب، و علي بن أبي طالب، و سلمان الفارسي، و أبو ذر الغفاري، و عمار بن ياسر، و بريدة، و سعد بن أبي وقاص، و عبد الله بن عباس، و أبو، هريرة و جابر بن عبد، الله و أبو سعيد الخدري، و أنس بن مالك، و عمران بن الحصين، و ابن أبي أوفى، و سعدانة، و امرأة زيد بن أرقم.

و قد أجمع عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، و قد ناشد علي (عليه السلام) الناس بالرحبة في الحديث فقام جماعة من الصحابة حضروا المجلس، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوله يوم الغدير.

و في كثير من هذه الروايات أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أيها الناس أ لستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه كما في عدة من الأخبار التي رواها أحمد بن حنبل في مسنده أو رواها غيره، و قد أفردت لإحصاء طرقها و البحث في متنها تأليف من أهل السنة و الشيعة بحثوا فيها بما لا مزيد عليه.

و عن كتاب السمطين، للحمويني بإسناده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ليلة أسري بي إلى السماء السابعة سمعت نداء من تحت العرش: أن عليا آية الهدى، و حبيب من يؤمن بي، بلغ عليا (عليه السلام)، فلما نزل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من السماء أنسي ذلك فأنزل الله عز و جل: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - فإن لم تفعل فما بلغت رسالته - و الله يعصمك من الناس - إن الله لا يهدي القوم الكافرين".

و في فتح القدير،: أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: لما غزا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني أنمار نزل ذات الرقيع بأعلى نخل فبينما هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه فقال الوارث من بني النجار: لأقتلن محمدا، فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له: أعطني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به، فأتاه فقال: يا محمد أعطني سيفك أشمه فأعطاه إياه فرعدت يده حتى سقط السيف من يده فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حال الله بينك و بين ما تريد، فأنزل الله سبحانه: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك" الآية.

أقول: ثم ذكر في فتح القدير، أن ابن حبان أخرجه في صحيحه و أخرجه أيضا ابن مردويه عن أبي هريرة نحو هذه القصة و لم يسم الرجل، و أخرج ابن جرير من حديث محمد بن كعب القرظي نحوه، و قصة غورث بن الحارث ثابتة في الصحيح، و هي معروفة مشهورة انتهى، و لكن الشأن تطبيق القصة على المحصل من معنى الآية، و لن تنطبق أبدا.



و في الدر المنثور، و فتح القدير، و غيرهما عن ابن مردويه و الضياء في المختارة عن ابن عباس: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل: أي آية أنزلت من السماء أشد عليك؟ فقال: كنت بمنى أيام موسم فاجتمع مشركوا العرب و إفناء الناس في الموسم فأنزل علي جبرئيل فقال: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك" الآية. قال: فقمت عند العقبة فناديت: يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالة ربي و له الجنة؟ أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله و أنا رسول الله إليكم تفلحوا و تنجحوا و لكم الجنة. قال: فما بقي رجل و لا امرأة و لا صبي إلا يرمون بالتراب و الحجارة، و يبزقون في وجهي و يقولون: كذاب صابىء فعرض علي عارض فقال: يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. فجاء العباس عمه فأنقذه منهم و جردهم عنه.

أقول: الآية بتمامها لا ينطبق على هذه القصة على ما عرفت تفصيل القول فيه.

اللهم إلا أن تحمل الرواية على نزول قطعة من الآية - و هي قوله: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" - في ذلك اليوم، و ظاهر الرواية يأباه، و نظيرها ما يأتي.

و في الدر المنثور، و فتح القدير،: أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ عن مجاهد قال: لما نزلت "بلغ ما أنزل إليك من ربك" قال: يا رب إنما أنا واحد كيف أصنع؟ يجتمع علي الناس فنزلت "و إن لم تفعل فما بلغت رسالته".

و فيها عن الحسن: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعا، و عرفت أن الناس مكذبي فوعدني لأبلغن أو ليعذبني فأنزل: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك".

أقول: الروايتان على ما فيهما من القطع و الإرسال فيهما ما في سابقتهما، و نظيرتهما في هذا التشويش بعض ما ورد: في أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحترس برجال فلما نزلت الآية فرقهم و قال (عليه السلام) إن ربي وعدني أن يعصمني.

و في تفسير المنار،: روى أهل التفسير المأثور و الترمذي و أبو الشيخ و الحاكم و أبو نعيم و البيهقي و الطبراني عن بضعة رجال من الصحابة: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحرس في مكة قبل نزول هذه الآية فلما نزلت ترك الحرس، و كان أبو طالب أول الناس اهتماما بحراسته، و حرسه العباس أيضا.

و فيه،: و مما روي في ذلك عن جابر و ابن عباس: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحرس، و كان يرسل معه عمه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم حتى نزلت الآية فقال: يا عم إن الله قد عصمني لا حاجة لي إلى من يبعث.

أقول: و الروايتان - كما ترى - تدلان على أن الآية نزلت في أواسط إقامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة و أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بلغ رسالته زمانا و اشتد عليه أمر إيذاء الناس و تكذيبهم حتى خاف على نفسه منهم فترك التبليغ و الدعوة فأمر ثانيا بالتبليغ، و هدد من جانب الله سبحانه، و وعد بالعصمة، فاشتغل ثانيا بما كان يشتغل به أولا، و هذا شيء يجل عنه ساحة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

و في الدر المنثور، و فتح القدير،: أخرج عبد بن حميد و الترمذي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و الحاكم و ابن مردويه و أبو نعيم و البيهقي كلاهما في الدلائل عن عائشة قالت: كان رسول الله يحرس حتى نزلت: "و الله يعصمك من الناس" فأخرج رأسه من القبة فقال: أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله.

أقول: و الرواية - كما ترى - ظاهرة في نزولها بالمدينة.

و في تفسير الطبري، عن ابن عباس: في قوله: "و إن لم تفعل فما بلغت رسالته" يعني إن كتمت آية أنزل إليك لم تبلغ رسالته.

أقول: إن كان المراد به آية معينة أي حكم معين مما أنزل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فله وجه صحة، و إن كان المراد به التهديد في أي آية فرضت أو حكم قدر فقد عرفت فيما تقدم أن الآية لا تلائمه بمضمونها.

5 سورة المائدة - 68 - 86

قُلْ يَأَهْلَ الْكِتَبِ لَستُمْ عَلى شىْءٍ حَتى تُقِيمُوا التّوْرَاةَ وَ الانجِيلَ وَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رّبِّكُمْ وَ لَيزِيدَنّ كَثِيراً مِّنهُم مّا أُنزِلَ إِلَيْك مِن رّبِّك طغْيَناً وَ كُفْراً فَلا تَأْس عَلى الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ (68) إِنّ الّذِينَ ءَامَنُوا وَ الّذِينَ هَادُوا وَ الصبِئُونَ وَ النّصرَى مَنْ ءَامَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الاَخِرِ وَ عَمِلَ صلِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يحْزَنُونَ (69) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَقَ بَنى إِسرءِيلَ وَ أَرْسلْنَا إِلَيهِمْ رُسلاً كلّمَا جَاءَهُمْ رَسولُ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسهُمْ فَرِيقاً كذّبُوا وَ فَرِيقاً يَقْتُلُونَ (70) وَ حَسِبُوا أَلا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صمّوا ثُمّ تَاب اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمّ عَمُوا وَ صمّوا كثِيرٌ مِّنهُمْ وَ اللّهُ بَصِيرُ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) لَقَدْ كفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَ قَالَ الْمَسِيحُ يَبَنى إِسرءِيلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبى وَ رَبّكمْ إِنّهُ مَن يُشرِك بِاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنّةَ وَ مَأْوَاهُ النّارُ وَ مَا لِلظلِمِينَ مِنْ أَنصارٍ (72) لّقَدْ كفَرَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ ثَالِث ثَلَثَةٍ وَ مَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَحِدٌ وَ إِن لّمْ يَنتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسنّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلى اللّهِ وَ يَستَغْفِرُونَهُ وَ اللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ (74) مّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسولٌ قَدْ خَلَت مِن قَبْلِهِ الرّسلُ وَ أُمّهُ صِدِّيقَةٌ كانَا يَأْكلانِ الطعَامَ انظرْ كيْف نُبَينُ لَهُمُ الاَيَتِ ثُمّ انظرْ أَنى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لا يَمْلِك لَكمْ ضرّا وَ لا نَفْعاً وَ اللّهُ هُوَ السمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يَأَهْلَ الْكتَبِ لا تَغْلُوا فى دِينِكمْ غَيرَ الْحَقِّ وَ لا تَتّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضلّوا مِن قَبْلُ وَ أَضلّوا كثِيراً وَ ضلّوا عَن سوَاءِ السبِيلِ (77) لُعِنَ الّذِينَ كفَرُوا مِن بَنى إِسرءِيلَ عَلى لِسانِ دَاوُدَ وَ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِك بِمَا عَصوا وّ كانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْس مَا كانُوا يَفْعَلُونَ (79) تَرَى كثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كفَرُو ا لَبِئْس مَا قَدّمَت لهَُمْ أَنفُسهُمْ أَن سخِط اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ فى الْعَذَابِ هُمْ خَلِدُونَ (80) وَ لَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ النّبىِّ وَ مَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَ لَكِنّ كثِيراً مِّنهُمْ فَسِقُونَ (81) لَتَجِدَنّ أَشدّ النّاسِ عَدَوَةً لِّلّذِينَ ءَامَنُوا الْيَهُودَ وَ الّذِينَ أَشرَكُوا وَ لَتَجِدَنّ أَقْرَبَهُم مّوَدّةً لِّلّذِينَ ءَامَنُوا الّذِينَ قَالُوا إِنّا نَصرَى ذَلِك بِأَنّ مِنْهُمْ قِسيسِينَ وَ رُهْبَاناً وَ أَنّهُمْ لا يَستَكبرُونَ (82) وَ إِذَا سمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلى الرّسولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيض مِنَ الدّمْع مِمّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبّنَا ءَامَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشهِدِينَ (83) وَ مَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ مَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَ نَطمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصلِحِينَ (84) فَأَثَبَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُوا جَنّتٍ تجْرِى مِن تحْتِهَا الأَنْهَرُ خَلِدِينَ فِيهَا وَ ذَلِك جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَ الّذِينَ كَفَرُوا وَ كذّبُوا بِئَايَتِنَا أُولَئك أَصحَب الجَْحِيمِ (86)

بيان

الآيات في نفسها تقبل الاتصال و الاتساق بحسب النظم، و لا تقبل الاتصال بقوله تعالى: "و لو أنهم أقاموا التوراة و الإنجيل" الآية مع الغض عن قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" الآية و أما ارتباط قوله تعالى: "يا أيها الرسول بلغ" الآية فقد عرفت الكلام فيه.

و الأشبه أن يكون هذه الآيات جارية على سياق الآيات السابقة من أوائل السورة إلى هنا أعني ارتباط مضامين الآيات آخذة من قوله تعالى: "و لقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل و بعثنا منهم اثني عشر نقيبا": الآية - 12 من السورة إلى آخر هذه الآيات المبحوث عنها باستثناء نزرة مما تتخللها كآية الولاية و آية التبليغ و غيرهما مما تقدم البحث عنه، و مثله الكلام في اتصال آيات آخر السورة بهذه الآيات فإنها جميعا يجمعها أنها كلام يتعلق بشأن أهل الكتاب.

قوله تعالى: "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة و الإنجيل" إلى آخر الآية، الإنسان يجد من نفسه خلال أعماله أنه إذا أراد إعمال قوة و شدة فيما يحتاج إلى ذلك، وجب أن يعتمد على مستوى يستوي عليه أو يتصل به كمن أراد أن يجذب أو يدفع أو يحمل أو يقيم شيئا ثقيلا فإنه يثبت قدميه على الأرض أولا ثم يصنع ما شاء لما يعلم أن لو لا ذلك لم يتيسر له ما يريد، و قد بحث عنه في العلوم المربوطة به.

و إذا أجرينا هذا المعنى في الأمور المعنوية كأفعال الإنسان الروحية أو ما يتعلق من أفعال الجوارح بالأمور النفسية كان ذلك منتجا أن صدور مهام الأفعال و عظائم الأعمال يتوقف على أس معنوي و مبنى قوى نفسي كتوقف جلائل الأمور على الصبر و الثبات و علو الهمة و قوة العزيمة و توقف النجاح في العبودية على حق التقوى و الورع عن محارم الله.

و من هنا يظهر أن قوله تعالى: "لستم على شيء" كناية عن عدم اعتمادهم على شيء يثبت عليه أقدامهم فيقدروا بذلك على إقامة التوراة و الإنجيل و ما أنزل إليهم من ربهم تلويحا إلى أن دين الله و حكمه لها من الثقل ما لا يتيسر حمله للإنسان حتى يعتمد على أساس ثابت و لا يمكنه إقامته بمجرد هوى من نفسه كما يشير تعالى إلى ذلك بالنسبة إلى القرآن الكريم بقوله: "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا": "المزمل: 5"، و قوله: "لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله و تلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون": "الحشر: 21"، و قوله: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها" الآية: "الأحزاب: 72".

و قال في أمر التوراة خطابا لموسى (عليه السلام): "فخذها بقوة و أمر قومك يأخذوا بأحسنها": الأعراف: 154"، و قال خطابا لبني إسرائيل: "خذوا ما آتيناكم بقوة": "البقرة: 63" و قال خطابا ليحيى (عليه السلام): "يا يحيى خذ الكتاب بقوة": مريم: 12".



فيعود المعنى إلى أنكم فاقدوا العماد الذي يجب عليكم أن تعتمدوا عليه في إقامة دين الله الذي أنزل إليكم في كتبه و هو التقوى و الإنابة إلى الله بالرجوع إليه مرة بعد أخرى و الاتصال به و الإيواء إلى ركنه بل مستكبرون عن طاعته و متعدون حدوده.

و يظهر هذا المعنى من قوله تعالى خطابا لنبيه و المؤمنين: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا و الذي أوحينا إليك و ما وصينا به إبراهيم و موسى و عيسى" فجمع الدين كله فيما ذكره، ثم قال: "أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه" فبين أن ذلك كله يرجع إلى إقامة الدين كلمة واحدة من غير تفرق ثم قال: "كبر على المشركين ما تدعوهم إليه" و ذلك لكبر الاتفاق و الاستقامة في اتباع الدين عليهم، ثم قال: "الله يجتبي إليه من يشاء و يهدي إليه من ينيب" فأنبأ أن إقامة الدين لا يتيسر إلا بهداية من الله، و لا يصلح لها إلا المتصف بالإنابة التي هي الاتصال بالله و عدم الانقطاع عنه بالرجوع إليه مرة بعد أخرى، ثم قال: "و ما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم" فذكر أن السبب في تفرقهم و عدم إقامتهم للدين هو بغيهم و تعديهم عن الوسط العدل المضروب لهم "الشورى: 14".

و قال أيضا في نظيرتها من الآيات: "فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم و لكن أكثر الناس لا يعلمون، منيبين إليه و اتقوه و أقيموا الصلاة و لا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم و كانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون": "الروم: 32" فذكر فيها أيضا أن الوسيلة إلى إقامة دين الفطرة الإنابة إلى الله، و حفظ الاتصال بحضرته، و عدم الانقطاع عن سببه.

و قد أشار إلى هذه الحقيقة في الآيات السابقة على هذه الآية المبحوث عنها أيضا حيث ذكر أن الله لعن اليهود و غضب عليهم لتعديهم حدوده فألقى بينهم العداوة و البغضاء، و ذكر هذا المعنى في غير هذا المورد في خصوص النصارى بقوله: "فأغرينا بينهم العداوة و البغضاء إلى يوم القيامة": "المائدة: 14".

و قد حذر الله سبحانه المسلمين عن مثل هذه المصيبة المؤلمة التي سيحلها على أهل الكتاب من اليهود و النصارى، و أنبأهم أنهم لا يتيسر و لن يتيسر لهم إقامة التوراة و الإنجيل و ما أنزل إليهم من ربهم، و قد صدق جريان التاريخ ما أخبر به الكتاب من تشتت المذاهب فيهم و إلقاء العداوة و البغضاء بينهم، فحذر الأمة الإسلامية أن يردوا موردهم في الانقطاع عن ربهم، و عدم الإنابة إليه في قوله: "و أقم وجهك للدين حنيفا": "الروم: 30" في عدة آيات من السورة.

و قد تقدم البحث عن بعض الآيات الملوحة إلى ذلك في ما تقدم من أجزاء الكتاب و سيأتي الكلام على بعض آخر منها إن شاء الله تعالى.

و أما قوله تعالى: "و ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا و كفرا" فقد تقدم البحث عن معناه، و قوله: "فلا تأس على القوم الكافرين" تسلية منه تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في صورة النهي عن الأسى.

قوله تعالى: "إن الذين آمنوا و الذين هادوا و الصابئون و النصارى" الآية ظاهرها أن الصابئون عطف على "الذين آمنوا" بحسب موضعه و جماعة من النحويين يمنعون العطف على اسم إن بالرفع قبل مضي الخبر، و الآية حجة عليهم.



و الآية في مقام بيان أن لا عبرة في باب السعادة بالأسماء و الألقاب كتسمي جمع بالمؤمنين و فرقة بالذين هادوا، و طائفة بالصابئين و آخرين بالنصارى، و إنما العبرة بالإيمان بالله و اليوم الآخر و العمل الصالح، و قد تقدم البحث عن معنى الآية في تفسير سورة البقرة الآية 62 في الجزء الأول من الكتاب.

قوله تعالى: "لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل و أرسلنا إليهم رسلا" إلى آخر الآية هذه الآية و ما بعدها إلى عدة آيات تتعرض لحال أهل الكتاب كالحجة على ما يشتمل عليه قوله تعالى: "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة و الإنجيل" إلخ، فإن هذه الجرائم و الآثام لا تدع للإنسان اتصالا بربه حتى يقيم كتب الله معتمدا عليه.

و يحتمل أن تكون الآيات مرتبطة بقوله: "إن الذين آمنوا و الذين هادوا" إلخ، فيكون تصديقا بأن الأسماء و الألقاب لا تنفع شيئا في مرحلة السعادة إذ لو نفعت لصدت هؤلاء عن قتل الأنبياء و تكذيبهم و الهلاك بمهلكات الفتن و موبقات الذنوب.

و يمكن أن يكون هذه الآيات كالمبينة لقوله: "إن الذين آمنوا و الذين هادوا" إلخ، و هو كالمبين لقوله: "يا أهل الكتاب لستم على شيء الآية و المعنى ظاهر.

و قوله: "فريقا كذبوا و فريقا يقتلون" الظاهر أن كلمتي "فريقا" في الموضعين مفعولان للفعلين بعدهما قدما عليهما للعناية بأمرهما، و التقدير: كذبوا فريقا و يقتلون فريقا، و المجموع جواب قوله: "كلما جاءهم" إلخ، و المعنى نحو من قولنا: كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم أساءوا مواجهته و إجابته و جعلوا الرسل الآتين فريقين: فريقا كذبوا و فريقا يقتلون.

قال في المجمع،: فإن قيل: لم عطف المستقبل على الماضي يعني في قوله: "فريقا كذبوا و فريقا يقتلون"؟ فجوابه: ليدل على أن ذلك من شأنهم ففيه معنى كذبوا و قتلوا و يكذبون و يقتلون مع أن قوله: "يقتلون" فأصله يجب أن يكون موافقا لرءوس الآي، انتهى.

قوله تعالى: "و حسبوا أن لا تكون فتنة فعموا و صموا" إلخ، متمم للكلام في الآية السابقة، و الحسبان هو الظن، و الفتنة هي المحنة التي تغر الإنسان أو هي أعم من كل شر و بلية، و العمى هو عدم إبصار الحق و عدم تمييز الخير من الشر، و الصمم عدم سماع العظة و عدم الإعباء بالنصيحة، و هذا العمى و الصمم معلولا حسبانهم أن لا تكون فتنة، و الظاهر أن حسبانهم ذلك معلول ما قدروا لأنفسهم من الكرامة بكونهم من شعب إسرائيل و أنهم أبناء الله و أحباؤه فلا يمسهم السوء و إن فعلوا ما فعلوا و ارتكبوا ما ارتكبوا.

فمعنى الآية - و الله أعلم - أنهم لمكان ما اعتقدوا لأنفسهم من كرامة التهود ظنوا أن لا يصيبهم سوء أو لا يفتنون بما فعلوا فأعمى ذلك الظن و الحسبان أبصارهم عن إبصار الحق، و أصم ذلك آذانهم عن سماع ما ينفعهم من دعوة أنبيائهم.

و هذا مما يرجح ما احتملناه أن الآيات كالحجة المبينة لقوله: "إن الذين آمنوا و الذين هادوا" الآية فمحصل المعنى أن الأسماء و الألقاب لا تنفع أحدا شيئا فهؤلاء اليهود لم ينفعهم ما قدروا لأنفسهم من الكرامة بالتسمي بل أعماهم و أوردهم مورد الهلكة و الفتنة لما كذبوا أنبياء الله و قتلوهم.



قوله تعالى: "ثم تاب الله عليهم ثم عموا و صموا كثير منهم و الله بصير بما يعملون" التوبة من الله على عباده رجوعه تعالى بالرحمة إليهم، و هذا يدل على أن الله سبحانه قد كان بعدهم من رحمته و عنايته و لذلك أخذهم الحسبان المذكور و لزمهم العمى و الصمم، لكن الله سبحانه رجع إليهم ثانية بالتوبة فرفع هذا الحسبان عن قلوبهم، و العمى و الصمم عن أبصارهم و آذانهم، فعرفوا أنفسهم بأنهم عباد لا كرامة لهم على الله إلا بالتقوى، و أبصروا الحق و سمعوا عظة الله لهم بلسان أنبيائه فتبين لهم أن التسمي لا ينفع شيئا.

ثم عموا و صموا كثير منهم، و إسناد العمى و الصمم إلى جمعهم أولا ثم إلى كثير منهم - بإتيان كثير منهم بدلا من واو الجمع، أخذ بالنصفة في الكلام بالدلالة على أن إسناد العمى و الصمم إلى جمعهم من قبيل إسناد حكم البعض إلى الكل، و الواقع أن المتصف بهاتين الصفتين كثير منهم لا كلهم أولا، و إيماء إلى أن العمى و الصمم المذكورين أولا شملا جميعهم على ما يدل عليه المقابلة ثانيا، و أن التوبة الإلهية لم يبطل أثرها و لم تذهب سدى بالمرة بل نجا بالتوبة بعضهم فلم يأخذهم العمى و الصمم اللاحقان أخيرا ثالثا.

ثم ختم تعالى الآية بقوله: "و الله بصير بما يعملون" للدلالة على أن الله تعالى لا يغفله شيء،
<<        الفهرس        >>