جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير الميزان ـ ج6 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



165 - و في كتاب زهد النبي، لجعفر بن أحمد القمي قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا قام إلى الصلاة تربد وجهه خوفا من الله، و كان لصدره أو لجوفه أزيز كأزيز الوجل.

أقول: و روى هذا المعنى ابن الفهد و غيره أيضا.

175 - و فيه، قال: و في رواية أخرى: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا قام إلى الصلاة كأنه ثوب ملقى.

185 - و في البحار، قال: قالت عائشة: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحدثنا و نحدثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا و لم نعرفه.

195 - و في المجالس، لمفيد الدين الطوسي بإسناده إلى علي (عليه السلام): في كتابه إلى محمد بن أبي بكر حين ولاه مصر إلى أن قال ثم انظر ركوعك و سجودك فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أتم الناس صلاة، و أخفهم عملا فيها.

106 - و في الجعفريات، بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا تثاءب في الصلاة ردها بيده اليمنى. أقول: و روي في الدعائم مثله.



116 - و في العلل، بإسناده عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: لأي علة يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم و بحمده؟ و يقال في السجود: سبحان ربي الأعلى و بحمده؟ فقال: يا هشام إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أسري به، و صلى و ذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه و ابترك على ركبتيه، و أخذ يقول: سبحان ربي العظيم و بحمده، فلما اعتدل من ركوعه فإنما نظر إليه في موضع أعلى من ذلك خر على وجهه و هو يقول: سبحان ربي الأعلى و بحمده فلما قالها سبع مرات سكن ذلك الرعب فلذلك جرت به السنة.

126 - في تنبيه الخواطر، للشيخ ورام بن أبي فراس عن النعمان قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسوي صفوفنا كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد أغفلنا عنه ثم خرج يوما و قام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلا بادئا صدره فقال: عباد الله لتسوون صفوفكم أو ليخالفن بين وجوهكم.

136 - و فيه، عن ابن مسعود قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمسح مناكبنا في الصلاة و يقول: استووا و لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، الخبر.

146 - و في الفقيه، بإسناده عن داود بن الحصين عن أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في شهر رمضان في العشر الأول ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثم لم يزل يعتكف في العشر الأواخر.

156 - و فيه، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كانت بدر في شهر رمضان و لم يعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أن كان من قابل اعتكف عشرين: عشرا لعامه، و عشرا قضاء لما فاته:. أقول: و رواه و الذي قبله الكليني في الكافي،.

166 - و في الكافي، بإسناده عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل العشر الأواخر يعني من شهر رمضان اعتكف في المسجد، و ضربت له قبة من شعر، و شمر الميزر، و طوى فراشه و قال بعضهم: و اعتزل النساء؟ قال: أما اعتزال النساء فلا.

أقول: و هذا المعنى مروي في روايات كثيرة، و المراد من نفي الاعتزال - كما ذكروه و تدل عليه الروايات - تجويز مخالطتهن و معاشرتهن دون المجامعة.

176 - و من آدابه و سننه (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصيام ما في الفقيه، بإسناده عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصوم حتى يقال: لا يفطر، و يفطر حتى يقال: لا يصوم، ثم صام يوما و أفطر يوما، ثم صام الإثنين و الخميس، ثم آل من ذلك إلى صيام ثلاثة أيام في الشهر: الخميس في أول الشهر، و أربعاء في وسط الشهر، و الخميس في آخر الشهر، و كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ذلك صوم الدهر. و قد كان أبي (عليه السلام) يقول: ما من أحد أبغض إلى الله من رجل يقال له: كان رسول الله يفعل كذا و كذا فيقول: لا يعذبني الله على أن أجتهد في الصلاة و الصوم كأنه يرى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك شيئا من الفضل عجزا منه.

186 - و في الكافي، بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أول ما بعث يصوم حتى يقال: ما يفطر و يفطر حتى يقال: ما يصوم، ثم ترك ذلك و صام يوما و أفطر يوما و هو صوم داود، ثم ترك ذلك و صام الثلاثة الأيام الغر، ثم ترك ذلك و فرقها في كل عشرة يوما: خميسين بينهما أربعاء فقبض (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو يعمل ذلك.

أقول: و في هذا المعنى روايات كثيرة مستفيضة.

196 - و فيه، بإسناده عن عنبسة العابد قال: قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على صيام شعبان و رمضان و ثلاثة أيام من كل شهر.

107 - و في نوادر، أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن نعمان عن زرعة عن سماعة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم شعبان أ صامه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: نعم و لم يصمه كله، قلت: كم أفطر منه؟ قال: أفطر، فأعدتها و أعادها ثلاث مرات لا يزيدني على أن أفطر، ثم سألته في العام القابل عن ذلك فأجابني بمثل ذلك الخبر.

117 - و في المكارم، عن أنس قال: كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شربة يفطر عليها و شربة للسحر، و ربما كانت واحدة و ربما كانت لبنا، و ربما كانت الشربة خبزا يماث، الخبر.

127 - و في الكافي، بإسناده عن ابن القداح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أول ما يفطر عليه في زمن الرطب الرطب و في زمن التمر التمر.

137 - و فيه، بإسناده عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا صام و لم يجد الحلواء أفطر على الماء و في بعض الروايات: أنه ربما أفطر على الزبيب.

147 - و في المقنعة، روي عن آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنهم قالوا: يستحب السحور و لو بشربة من الماء، و روي أن أفضله التمر و السويق لمكان استعمال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك.

أقول: و هذا في سننه الجارية، و كان من مختصاته صوم الوصال و هو الصوم أكثر من يوم من غير فصل بالإفطار، و قد نهى (صلى الله عليه وآله وسلم) الأمة عن ذلك، و قال: إنكم لا تطيقون ذلك و إن لي عند ربي ما يطعمني و يسقين.

157 - و في المكارم، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه كان يأكل الهريسة أكثر ما يأكل و يتسحر بها.

167 - و في الفقيه، قال: و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسير و أعطى كل سائل.

177 - و في الدعائم، عن علي (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يطوي فراشه و يشد ميزره في العشر الأواخر من شهر رمضان، و كان يوقظ أهله ليلة ثلاث و عشرين، و كان يرش وجوه النيام بالماء في تلك الليلة، و كانت فاطمة (عليها السلام) لا تدع أحدا من أهلها ينام تلك الليلة و تداويهم بقلة الطعام و تتأهب لها من النهار، و تقول: محروم من حرم خيرها.

187 - و في المقنع،: و السنة أن يفطر الرجل في الأضحى بعد الصلاة و في الفطر قبل الصلاة.

197 - و من آدابه (صلى الله عليه وآله وسلم) في قراءة القرآن و الدعاء ما في مجالس الشيخ، بإسناده عن أبي الدنيا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يحجزه عن قراءة القرآن إلا الجنابة.

108 - و في مجمع البيان، عن أم سلمة: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقطع قراءته آية آية.

118 - و في تفسير أبي الفتوح،: كان (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يرقد حتى يقرأ المسبحات، و يقول: في هذه السور آية هي أفضل من ألف آية. قالوا: و ما المسبحات؟ قال: سورة الحديد و الحشر و الصف و الجمعة و التغابن.



أقول: و روي هذا المعنى في مجمع البيان، عن العرباص بن سارية.

128 - و في درر اللئالي، لابن أبي جمهور عن جابر قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينام حتى يقرأ تبارك و الم التنزيل.

138 - و في مجمع البيان،: و روى علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحب هذه السورة: سبح اسم ربك الأعلى، و أول من قال: "سبحان ربي الأعلى" ميكائيل.

أقول: و روي أول الحديث في البحار عن الدر المنثور، و هنا أخبار أخر في ما كان يقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند تلاوة القرآن أو عند تلاوة سور أو آيات مخصوصة، من أرادها فعليه بمظانها.

و له (صلى الله عليه وآله وسلم) خطب و بيانات يرغب فيها و يحث على التمسك بالقرآن و التدبر فيه، و الاهتداء بهدايته، و الاستنارة بنوره، و كان هو (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى الناس بما يندب إليه من الكمال و أسبق الناس و أسرعهم إلى كل خير، و هو القائل - في الرواية المشهورة -: شيبتني سورة هود، و قد روي عن ابن مسعود قال: أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أتلو عليه شيئا من القرآن فقرأت عليه من سورة يونس حتى إذا بلغت قوله تعالى: "و ردوا إلى الله مولاهم الحق" الآية رأيته و إذا الدمع تدور في عينيه الكريمتين.

فهذه شذرات من آدابه و سننه (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد استفاضت الروايات و تكرر النقل في كثير منها في كتب الفريقين، و الكلام الإلهي يؤيدها و لا يدفع شيئا منها، و الله الهادي.
كلام في الرق و الاستعباد

قوله تعالى: "إن تعذبهم فإنهم عبادك": "المائدة: 181 كلام منبىء عن معنى الرق و العبودية، و الآيات المتضمنة لهذا المعنى و إن كانت كثيرة في القرآن الكريم غير أن هذه الآية مشتملة على التعليل العقلي الكاشف عن أنه لو كان هناك عبد كان من المسلم عند العقل أن لمولاه أن يتصرف فيه بالعذاب لأنه مولاه المالك له.

و العقل لا يحق الحكم بجواز التعذيب، و تسويغ التصرف الذي يشقه إلا بعد حكمه بإباحة سائر التصرفات غير الشاقة فللمولى أن يتصرف في عبده كيف شاء و بما شاء، و إنما استثنى العقل التصرفات التي يستهجنها بما أنها تصرفات شنيعة مستهجنة لا بما أن العبد عبد.

و لازم ذلك أيضا أن على العبد أن يطيع مولاه فيما كلفه به و أن يتبعه فيما أراد و ليس له أن يستقل بشيء من العمل إن لم يرض به مولاه كما يشير إلى ذلك بعض الإشارة قوله تعالى: "بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون": "الأنبياء: 27" و قوله تعالى: "ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء و من رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا و جهرا هل يستوون": "النحل: 75".

و استقصاء البحث في جهات ما يراه القرآن الشريف في مسألة العبودية و الرق يتوقف على فصول:

1 - اعتبار العبودية لله سبحانه:

في القرآن الكريم آيات كثيرة جدا يعد الناس عبادا لله سبحانه، و تبني على ذلك أصل الدعوة الدينية: الناس عبيد و الله مولاهم الحق.

بل ربما تعدى ذلك و أخذ كل من في السماوات و الأرض موسوما بسمة العبودية كالحقيقة المسماة بالملك على كثرتها و الحقيقة الأخرى التي يسميها القرآن الشريف بالجن قال تعالى: "إن كل من في السماوات و الأرض إلا آتي الرحمن عبدا": "مريم: 93".

و لا ريب أن اعتبار العبودية لله سبحانه أمر مأخوذ بالتحليل و هو تحليل معنى العبودية إلى أجزائها الأصلية ثم الحكم بثبوت حقيقته بعد طرح خصوصياته الزائدة الطارئة على أصل المعنى في أولي العقل من الخليقة فهناك أفراد من الناس يسمى الواحد منهم عبدا، و لا يسمى به إلا لأن نفسه مملوكة لغيره ملكا يسوغ لذلك الغير الذي هو مالكه و مولاه أن يتصرف فيه كيف يشاء و بما أراد، و يسلب عن العبد استقلال الإرادة مطلقا.

و التأمل في هذا المعنى يوجب الحكم بأن الإنسان - و إن شئت وسعت و قلت: كل ذي شعور و إرادة - عبد لله سبحانه بحقيقة معنى العبودية فإن الله سبحانه مالك كل ما يسمى شيئا بحقيقة معنى الملك فلا يملك شيء من نفسه و لا من غيره شيئا من ضر و لا نفع و لا موت و لا حياة و لا نشور، و لا يستقل أمر في الوجود بذات و لا وصف و لا فعل اللهم إلا ما ملكه الله ذلك تمليكا لا يبطل بذلك ملكه تعالى، و لا ينتقل به الملك عنه إلى غيره بل هو المالك لما ملكهم، و القادر على ما عليه أقدرهم، و هو على كل شيء قدير، و بكل شيء محيط.

و هذه السلطة الحقيقية و الملك الواقعي هي المنشأ لوجوب انقيادهم لما يريده منهم بإرادته التشريعية، و ما يصنع لهم من شرائع الدين و قوانين الشريعة مما يصلح به أمرهم و تحاز به سعادتهم في الدارين.

و الحاصل أنه تعالى هو المالك لهم ملكا تكوينيا يكونون به عبيده الداخرين لقضائه سواء عرفوه أم جهلوه أطاعوه في تكاليفه أم عصوه و هو المالك لهم ملكا تشريعيا يوجب له عليهم السمع و الطاعة، و يحكم عليهم بالتقوى و العبادة.

و يتميز هذا الملك و المولوية بحسب الحكم عن الملك و المولوية الدائر بين الناس - و كذا العبودية المقابلة له - بأن الله سبحانه لما كان مالكا تكوينا على الإطلاق لا مالك سواه لم يجز في مرحلة العبودية التشريعية اتخاذ مولى سواه و لا عبادة أحد غيره قال تعالى: "و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه": الإسراء: 23" بخلاف الموالي من الناس فإن الملك هناك لمن غلب بسبب من أسباب الغلبة.

و أيضا لما لم يكن في عبيده تعالى المملوكين شيء غير مملوك له تعالى و لم ينقسموا في وجودهم إلى مملوك و غير مملوك بل كانوا من حيث ذواتهم و أوصافهم و أحوالهم و أعمالهم مملوكين له تكوينا تبع ذلك التشريع فحكم فيهم بدوام العبودية و استيعابها لجميع ما يرجع إليهم بوجه من الوجوه فلا يسعهم أن يعبدوا الله من جهة بعض ما يرجع إليهم دون بعض مثل أن يعبدوه باللسان دون اليد كما لا يسعهم أن يجعلوا بعض عبادتهم لله تعالى و بعضها لغيره و هذا بخلاف المولوية الدائرة بين الناس فلا يسع للمولى عقلا أن يفعل ما يشاء، تأمل فيه.

و هذا هو الذي يدل على إطلاق أمثال قوله تعالى: "ما لكم من دونه من ولي و لا شفيع": "السجدة: 4" و قوله تعالى: "و هو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى و الآخرة و له الحكم": "القصص: 70"، و قوله: "يسبح لله ما في السماوات و ما في الأرض له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير": "التغابن: 1".

و كيفما كان فالعبودية المعتبرة بالنسبة إليه تعالى معنى تحليلي مأخوذ من العبودية التي تعتبره العقلاء من الإنسان في مجتمعهم فلها أصل في المجتمع الإنساني فلننظر ما هو أصله؟.

2 - استعباد الإنسان و أسبابه:

كان الاستعباد و الاسترقاق دائرا في المجتمع الإنساني شائعة معروفة إلى ما يقرب من سبعين سنة قبل هذا التاريخ، و لعلها توجد معمولة في بعض القبائل المتطرفة النائية في إفريقيا و آسيا حتى اليوم، و كان اتخاذ العبيد و الإماء من السنن الدائرة بين الأقوام القديمة لا يكاد يضبط بدء تاريخي له و كان ذا نظام مخصوص و أحكام و قوانين عامة بين الأمم، و أخرى مخصوصة بأمة أمة.

و الأصل في معناه كون النفس الإنسانية عند وجود شرائط خاصة سلعة مملوكة كسائر السلع المملوكة من حيوان و نبات و جماد، و إذا كانت النفس مملوكة كانت مسلوبة الاختيار مملوكة الأعمال و الآثار يتصرف فيها كيف أريد.

هذه سنتهم الدائرة بينهم في الاسترقاق غير أنه لم يكن متكئا على إرادة جزافية أو مطلقا غير مبني على أي شرط فلم يكن يسع لأحدهم أن يتملك كل من أحب، و لا أن يملك كل من شاء و أراد ببيع أو هبة أو غير ذلك فلم يكن أصل المعنى متكئا على الجزاف، و إن كان ربما يوجد في تضاعيف القوانين المتبعة فيه بحسب اختلاف آراء الأقوام و سننهم أمور جزافية كثيرة.

كانت الاستعباد مبنيا على نوع من الغلبة و السيطرة كغلبة الحرب التي تنتج للغالب الفاتح أن يفعل بخصمه المغلوب ما يشاء من قتل أو سبي أو غيره، و غلبة الرئاسة التي تصير الرئيس الجبار فعالا لما يشاء في حوزة رئاسته، و اختصاص التوليد و الإنتاج الذي يضع ولاية أمر المولود الضعيف في كف والده القوي يصنع به ما بدا له حتى البيع و الهبة و التبديل و الإعارة و نحو ذلك.

و قد تكرر في أبحاثنا السابقة: أن أصل الملك في المجتمع الإنساني مبني على القدرة المغروزة في الإنسان على الانتفاع من كل شيء يمكنه أن ينتفع به بوجه - و الإنسان مستخدم بالطبع - فالإنسان يستخدم في سبيل إبقاء حياته كل ما قدر عليه و استخدامه و الانتفاع بمنافع وجوده آخذا من المادة الأصلية فالعناصر فالمركبات الجمادية المتنوعة فالحيوان حتى الإنسان الذي هو مثله في الإنسانية.

غير أن حاجته المبرمة إلى الاجتماع و التعاون اضطره إلى قبول الاشتراك مع سائر أفراد نوعه في الانتفاع بالمنافع المحصلة من الأشياء بأعمالهم المشتركة فهو و سائر الأفراد من نوعه يكونون لذلك مجتمعا يختص كل جزء من أجزائه و كل طرف من أطرافه بعمل أو أعمال ثم ينتفع المجموع بالمجموع، و إن شئت فقل: ثم تقسم نتائج الأعمال بينهم فيتمتع كل واحد منهم بذلك على مقدار زنته الاجتماعية، و لذلك نرى أن الفرد من الإنسان و هو اجتماعي كلما قوي و اشتد أبطل المدنية الطبعية و أخذ يستخدم الناس بالغلبة، و يتملك رقابهم، و يحكم في نفوسهم و أعراضهم و أموالهم بما يقترحه.

و لأجل ذلك إذا تأملت تأملا حرا في سنتهم في استعباد الإنسان وجدت أنهم لا يعتبرون تملك الإنسان ما دام داخلا في المجتمع و جزء من أجزائه بل إما أن يكون الإنسان المملوك محكوما بالخروج عن المجتمع كالعدو المحارب الذي لا هم له إلا أن يهلك الحرث و النسل و يمحي الإنسان باسمه و رسمه فهو خارج عن مجتمع عدوه، و له أن يهلكه بالإفناء و يتملك منه ما يشاء لأن الحرمة مرفوعة، و مثله الأب بالنسبة إلى صغار أولاده و التابعين لنفسه فإنه يرى أنهم من توابعه في المجتمع من غير أن يكافئوه أو يماثلوه أو يوازنوه فله أن يتصرف فيهم حتى بالقتل و البيع و غيرهما.

و إما أن يكون الإنسان المالك ذا خصيصة تدعوه إلى أن يعتقد أنه فوق المجتمع من غير أن يعادلهم في وزن أو يشاركهم في نفع بل له نفوذ الحكم، و التمتع بصفوة ما يختار، و التصرف في نفوسهم حتى بالملك و الاستعباد.

فقد تبين أن الأصل الأساسي الذي كان يبني عليه الإنسان سنة الاستعباد و الاسترقاق هو حق الاختصاص و التملك المطلق الذي يعتقده الإنسان لنفسه، و أن الإنسان لا يستثني عنه أحدا إلا مشاركيه في مجتمعه الإنساني ممن يعادله في الزنة الاجتماعية و يتحصن منه في حصن التعاون و التعاضد، و أما الباقون فلا مانع عنده من تملكهم و استعبادهم.

و عمدتهم في ذلك طوائف ثلاث: العدو المحارب، و الأولاد الضعفاء بالنسبة إلى آبائهم و كذا النساء بالنسبة إلى أوليائهن، و المغلوب المستبذل بالنسبة إلى الغالب المتعزز.

3 - سير الاستعباد في التاريخ:

سنة الاستعباد و إن كانت مجهولة من حيث تاريخ شيوعها في المجتمع الإنساني غير أن الأشبه أن يكون أرقاء مأخوذين في أول الأمر بالقتال و التغلب ثم يلحق به الأولاد و النساء، و لذلك نعثر في تاريخ الأمم القوية الحربية من القصص و الحكايات و كذا القوانين و الأحكام المربوطة بالاسترقاق بالسبي على ما لا يوجد في غيرهم.

و قد كان دائرا بين الأمم المتمدنة القديمة كالهند و اليونان و الرومان و إيران، و بين المليين كاليهود و النصارى على ما يستفاد من التوراة و الإنجيل حتى ظهر الإسلام فأنفذ أصله مع تضييق في دائرته و إصلاح لأحكامه المقررة، ثم آل الأمر إلى أن قرر مؤتمر بروسل إلغاء الاستعباد قبل سبعين سنة تقريبا.

قال "فردينان توتل" في معجمه لأعلام الشرق و الغرب: كان الرق شائعا عند الأقدمين، و كان الرقيق يؤخذ من أسرى و سبايا الحرب و من الشعوب المغلوبة، كان للرق نظام معروف عند اليهود و اليونان و الرومان و العرب في الجاهلية و الإسلام.

و قد ألغي نظام الرق تدريجا: في الهند سنة 8134 و في المستعمرات الإفرنسية سنة 8184 و في الولايات المتحدة بعد حرب الانفصال سنة 8156 و في البرازيل سنة 8188 إلى أن اتخذ مؤتمر بروسل قرارا بإلغاء الاستعباد سنة 8109 غير أنه لا يزال موجودا فعلا بين بعض القبائل في إفريقيا و آسيا.
و مبدأ إلغاء الرق هو تساوي البشر بالحقوق و الواجبات، انتهى.
4 - ما الذي رآه الإسلام في ذلك؟

قسم الإسلام الاستعباد بحسب أسبابه، و قد تقدم أن عمدتها كانت ثلاثة: الحرب، و التغلب و الولاية كالأبوة و نحوها فألغى سببين من الثلاثة من أصله و هما التغلب و الولاية.

فاعتبر احترام الناس شرعا سواء من ملك و رعية و حاكم و محكوم و أمير و جندي و مخدوم و خادم بإلغاء الامتيازات و الاختصاصات الحيوية، و التسوية بين الأفراد في حرمة نفوسهم و أعراضهم و أموالهم، و الاعتناء بشعورهم و إرادتهم - و هو الاختيار التام في حدود الحقوق المحترمة - و أعمالهم و ما اكتسبوه و هو تسلطهم على أموالهم و منافع وجودهم من الأفعال فليس لوالي الأمر في الإسلام إلا الولاية على الناس في إجراء الحدود و الأحكام و في أطراف المصالح العامة العائدة إلى المجتمع الديني، و أما ما تشتهيه نفسه و ما يستحبه لحياته الفردية فهو كأحد الناس لا يختص من بينهم بخصيصة، و لا ينفذ أمره في الكثير مما يهواه لنفسه و لا في القليل، و يرتفع بذلك الاسترقاق التغلبي بارتفاع موضوعه.

و عدل ولاية الآباء لأبنائهم فلهم حق الحضانة و الحفظ و عليهم حق التربية و التعليم و حفظ أموالهم ما داموا محجورين بالصغر فإذا بلغوا بالرشد فهم و آباؤهم سواء في الحقوق الاجتماعية الدينية، و هم أحرار في حياتهم، لهم الخيرة فيما رضوا لأنفسهم.



نعم أكدت التوصية لآبائهم عليهم بالإحسان و مراعاة حرمة التربية، قال تعالى: "و وصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن و فصاله في عامين أن اشكر لي و لوالديك إلي المصير، و إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما و صاحبهما في الدنيا معروفا و اتبع سبيل من أناب إلي": "لقمان: 15" و قال تعالى: "و قضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه و بالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما، و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا": "الإسراء: 24" و قد عد في الشرع الإسلامي عقوقهما من المعاصي الكبيرة الموبقة.

و أما النساء فقد وضع لهن من المكانة في المجتمع و اعتبر لهن من الزنة الاجتماعية ما لا يجوز عند العقل السليم التخطي عنه و لو بخطوة، فصرن بذلك أحد شقي المجتمع الإنساني و قد كن في الدنيا محرومات من ذلك، و أعطين زمام الازدواج و المال و قد كن محرومات أو غير مستقلات في ذلك.

و شاركن الرجال في أمور و اختصصن عنهم بأمور و اختص الرجال بأمور كل ذلك عن مراعاة تامة لقوام وجودهن و تركيب بناهن، ثم سهل عليهن في أمور شق فيها على الرجال كأمر النفقة و حضور معارك القتال و نحو ذلك.

و قد تقدم الكلام في ذلك كله تفصيلا في أواخر سورة البقرة في الجزء الثاني من الكتاب، و في أوائل سورة النساء في الجزء الرابع منه، و تبين هناك أن النساء مختصات في الإسلام من مزيد الإرفاق بالنسبة إلى الرجال بما لا يوجد نحوه في سائر السنن الاجتماعية قديمها و حديثها.

قال تعالى: "للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن": "النساء: 31" و قال تعالى: "فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف": "البقرة: 243" و قال تعالى: "و لهن مثل الذي عليهن بالمعروف": "البقرة: 282" و قال: "أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض": "آل عمران: 159" ثم جمع الجميع في بيان واحد فقال: "لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت": "البقرة: 268" و قال و لا تكسب كل نفس إلا عليها و لا تزر وازرة وزر أخرى": "الأنعام: 146" إلى غير ذلك من الآيات المطلقة التي تأخذ الفرد من الإنسان جزءا تاما كاملا من المجتمع، و يعطيه من الاستقلال الفردي ما ينفصل به عن أي فرد آخر في نتائج أعماله من خير أو شر أو نفع أو ضر من غير أن يستثني صغيرا أو كبيرا أو ذكرا أو أنثى.

ثم سوى بينهم جميعا في العزة و الكرامة ثم ألغى كل عزة و كرامة إلا الكرامة الدينية المكتسبة بالتقوى و العمل فقال: "لله العزة و لرسوله و للمؤمنين": "المنافقون: 8" و قال: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم": "الحجرات: 13".

و قد أبقى الإسلام السبب الثالث من الأسباب الثلاثة للاستعباد أعني الحرب، و هو أن يسبي الكافر المحارب لله و رسوله و المؤمنين، و أما اقتتال المؤمنين بعضهم مع بعض فلا سبي فيه و لا استعباد بل يقاتل الباغي من الطائفتين حتى ينقاد لأمر الله قال تعالى: "و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم": "الحجرات: 10".

و ذلك أن العدو المحارب الذي لا هم له إلا أن يفني الإنسانية و يهلك الحرث و النسل لا ترتاب الفطرة الإنسانية أدنى ريب في أنه يجب أن لا يعد جزء من المجتمع الإنساني الذي له التمتع بمزايا الحياة و التنعم بحقوق الاجتماع، و أنه يجب دفعه بالإفناء فما دونه، و على ذلك جرت سنة بني آدم منذ عمروا في الأرض إلى يومنا هذا و على ذلك ستجري.

و الإسلام لما وضع بنية المجتمع - المجتمع الديني - على أساس التوحيد و حكومة الدين الإسلامي ألغى جزئية كل مستنكف عن التوحيد و حكومة الدين من المجتمع الإنساني إلا مع ذمة أو عهد فكان الخارج عن الدين و حكومته و عهده خارجا عن المجتمع الإنساني لا يعامل معه إلا معاملة غير الإنسان الذي للإنسان أن يحرمه عن أي نعمة يتمتع بها الإنسان في حياته، و يدفعه بتطهير الأرض من رجس استكباره و إفساده فهو مسلوب الحرمة عن نفسه و عمله و نتائج أي مسعى من مساعيه، فللجيش الإسلامي أن يتخذ أسرى و يستعبد عند الغلبة.

5 - ما هو السبيل إلى الاستعباد في الإسلام؟

يتأهب المسلمون على من يلونهم من الكفار فيتمون عليهم الحجة و يدعونهم إلى كلمة الحق بالحكمة و الموعظة و المجادلة بالتي هي أحسن فإن أجابوا فإخوان في الدين لهم ما للمسلمين و عليهم ما عليهم و إن أبوا إلا الرد فإن كانوا أهل كتاب و قبلوا الجزية تركوا و هم على ذمتهم، و إن أخذوا عهدا كانوا أهل كتاب أم لا وفي بعهدهم، و إن لم يكن شيء من ذلك أوذنوا على سواء و قوتلوا.

يقتل منهم من شهر سيفا و دخل المعركة و لا يقتل منهم من ألقى السلم، و لا يقتل منهم المستضعفون من الرجال و النساء و الولدان، و لا يبيتون و لا يغتالون، و لا يقطع عنهم الماء، و لا يعذبون و لا يمثل بهم فيقاتلون حتى لا تكون فتنة و يكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين.

فإذا غلبوهم و وضعت الحرب أوزارها فما تسلط عليه المسلمون من نفوسهم و أموالهم فهو لهم و قد اشتمل تاريخ حروب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و مغازيه على صحائف غر متلمعة مملوءة من السيرة العادلة الجميلة فيها لطائف الفتوة و المروة، و طرائف البر و الإحسان.

6 - ما هي سيرة الإسلام في العبيد و الإماء؟

إذا استقرت العبودية على من استقرت عليه صار ملك يمين، منافع عمله لغيره و نفقته على مولاه.

و قد وصى الإسلام أن يعامل المولى مع عبده معاملة الواحد من أهله و هو منهم فيساويهم في لوازم الحياة و حوائجها، و قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤاكل عبيده و خدمه و يجالسهم، و لا يؤثر نفسه عليهم في مأكل و لا ملبس و نحوهما.

و أن لا يشق عليهم و لا يعذبوا و لا يسبوا و لا يظلموا، و أجيز أن يتزوجوا فيما بينهم بإذن أهلهم، و أن يتزوج بهم الأحرار، و أن يشاركوهم في الشهادات، و يساهموهم في الأعمال حال الرق و بعد الانعتاق.

و قد بلغ من إرفاق الإسلام في حقهم أن شاركوا الأحرار في عامة الأمور، و قد قلد جمع منهم الولاية و الإمارة و قيادة الجيش على ما يضبطه تاريخ صدر الإسلام، و يوجد بين الصحابة الكبار عدة من الموالي كسلمان و بلال و غيرهما.

و هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعتق جاريته صفية بنت حي بن أخطب و تزوج بها، و تزوج جويرية بنت الحارث بعد وقعة بني المصطلق و قد كانت بين سباياهم، و كانوا مائتي بيت بالنساء و الذراري، و صار ذلك سببا لانعتاق الجميع، و قد مر إجمال القصة في الجزء الرابع من الكتاب.

و من الضروري من سيرة الإسلام أنه يقدم العبد المتقي على المولى الحر الفاسق، و أنه يبيح للعبد أن يتملك المال و يتمتع بعامة مزايا الحياة بإذن من أهله هذا إجمال من صنيع الإسلام فيهم.



ثم أكد الوصية و ندب أجمل الندب إلى تحرير رقبتهم، و إخراجهم من ظرف الاستعباد إلى جو الحرية و لا يزال يقل بذلك عددهم و يتبدل جمعهم موالي و أحرارا لوجه الله، و لم يقنع بذلك دون أن جعل تحرير الرقبة أحد خصال الكفارات مثل كفارة القتل و كفارة الإفطار، و أجاز لهم الاشتراط و الكتابة و التدبير، كل ذلك عناية بهم و قصدا إلى تخليصهم و إلحاقا لهم بالمجتمع الإنساني الصالح إلحاقا تاما يقطع دابر الاستذلال.

7 - محصل البحث في الفصول السابقة:

تحصل مما مر أمور ثلاث: الأول: أن الإسلام لم يأل جهدا في إلغاء أسباب الاستعباد و تقليلها و تضعيفها حتى وقف على واحد منها لا محيص عن اعتباره بحكم الفطرة القاطع و هو جواز استعباد كل إنسان محارب للدين مضاد للمجتمع الإنساني غير خاضع للحق بوجه من وجوه الخضوع.

الثاني: أنه استعمل جميع الوسائل الممكنة في إكرامهم - العبيد و الإماء - و تقريب شئونهم الحيوية من حياة أجزاء المجتمع الحرة حتى صاروا كأحدهم و إن لم يصيروا أحدهم، و لم يبق عليهم إلا حجاب واحد رقيق، و هو أن الزائد من أعمالهم على واجب حياتهم حياة متوسطة لمواليهم لا لهم، و إن شئت فقل: لا فاصل في الحقيقة بين الحر و العبد في الإسلام إلا إذن المولى في العبد.

الثالث: أنه احتال بكل حيلة مؤثرة إلى إلحاق صنف المماليك إلى مجتمع الأحرار بالترغيب و التحريص في موارد، و بالفرض و الإيجاب في أخرى كالكفارات، و بالتسويغ و الإنفاذ في مثل الاشتراط و التدبير و الكتابة.

8 - سير الاستعباد في التاريخ

ذكروا أن الاستعباد ظهر أول ما ظهر بالسبي و الأسر، و كانت القبائل قبل ذلك إذا غلبت في حروبها و مقاتلها و أخذت سبايا قتلتهم عن آخرهم ثم رأوا أن يتركوهم أحياء و يتملكوهم كسائر الغنائم الحربية لا لينتفعوا بأعمالهم بل إحسانا في حقهم و حفظا للنوع و احتراما للقوانين الأخلاقية التي ظهرت فيهم بالترقي في صراط المدنية شيئا بعد شيء.

و إنما ظهرت هذه السنة بين القبائل بعد ما ارتحلت عنهم طريقة الارتزاق لاصطياد إذ لم تكن لهم فيها من السعة ما يسوغ لهم الإنفاق على العبيد و الإماء حتى انتقلوا إلى عيشة النزول و الارتحال و تمكنوا من ذلك.

و بشيوع الاستعباد بين القبائل و الأمم على أي وتيرة كانت تحولت حياة الإنسان الاجتماعية بظهور جهات من الانتظام و الانضباط في المجتمعات أولا و تقسيم الأعمال ثانيا.

و لم يكن الاستعباد إذ كان دائرا في الدنيا على وتيرة واحدة في أقطار المعمورة فلم يستن في بعض المناطق أصلا كأوستراليا و آسيا المركزية و سيبريا و أميركا الشمالية و إسكيمو و بعض المناطق بإفريقيا بشمال النيل و جنوب رامبيز.

و بالعكس كان رائجا في جزيرة العرب و إفريقيا الوحشية و أوروبا و أميركا الجنوبية و كان دائرا بين اليهود، و في التوراة دعاء العبيد إلى طاعة مواليهم، و كذا بين النصارى و في كتاب بولس إلى فيلمن أن أفسيموس كان عبدا شاردا رده بولس إلى سيده.

و كانت اليهود أرفق الناس بعبيدهم، و من الشواهد على ذلك أنا لم نعثر لهم من شواهق الأبنية على ما يشبه الأهرام المعمولة بمصر و الأبنية الآشورية التاريخية فإنها كانت من أعمال العبيد الشاقة، و كانت الروم و اليونان أكثر الأمم تشديدا على العبيد.

و قد ذاع في الروم الشرقي بعد قسطنطين فكر التحرير حتى لغا الرق فيها في القرن 13 الميلادي، و بقي في الروم الغربي على شكل آخر و هو أنهم كانوا يبيعون و يشترون المزارع بزراعها - و كانت الزراعة من مشاغل العبيد - لكن لغت بينهم الأعمال الإجبارية.

و كان الاستعباد دائرا في معظم ممالك أوروبا إلى سنة 7127 الميلادية و قد انعقدت قبل ذلك بحين معاهدة بين الدولتين إنجلترا و إسبانيا على أن يجبي الإنجليز إليهم كل سنة أربعة آلاف و ثمان مائة نسمة من رقيق إفريقيا إلى ثلاثين سنة ليبيعهم منهم قبال مبالغ خطيرة يأخذها منهم.

و قد ثارت الأفكار العامة سنة 7116 على الرق و الاستعباد بينهم، و أقدم الطوائف التي قامت عليه منهم طائفة "لرزان" المذهبية، و لم يزالوا على ذلك حتى وضعت مادة قانونية سنة 7127 أن كل من دخل أرض بريطانيا فهو حر.

و قد ظهر سنة 7188 بعد بحث دقيق أن إنجلترا يعامل كل سنة مائتي ألف نسمة رقيقا، و كان الذين يجلبون منهم من إفريقيا إلى أميركا وحدها مائة ألف.

و لم يزل حتى ألغي الاستعباد في بريطانيا سنة 8133 و أدت الدولة إلى كمبانيات النخس عشرين ميلونا ليرة أثمان من حررته من رقيقهم العبيد و الإماء، و انعتق في هذه الواقعة فيها 773008 نسمة.

و لغا الاستعباد في أميركا سنة 8126 بعد مجاهدات شديدة تحملتها أهالي أميركا و قد كان شمال هذه المملكة و جنوبها مختلفين في أخذ الرقيق: أما أميركا الشمالية فإنما كانت تأخذ العبيد و الإماء للتجمل فحسب، و أما الجنوبية فكان معظم الأشغال فيها شغل الزراعة و الحرث، و كانوا في حاجة شديدة إلى كثرة الأيدي العمالة فكانوا يأخذون الأرقاء استثمارا بأعمالهم، و لذلك كانوا يتحرجون من قبول التحرير العام.

و لم يزل الاستعباد يلغى في مملكة بعد مملكة حتى انعقد قرار بروسل سنة 8109 الميلادية على إلغاء سنة الاستعباد، و أمضاها الدول و أجريت في الممالك، و لغت العبودية في الدنيا، و انعتقت بذلك الملايين من النسمات، انتهى ما ذكروه ملخصا.

و أنت تجد بثاقب نظرك أن هذه المجاهدة الطويلة و المشاجرة ثم ما وضع من قوانين الإلغاء و أنفذ من الحكم كل ذلك إنما كان يدور حول الاسترقاق من طريق الولاية أو التغلب كما يشهد به أن جل الأرقاء أو كلهم كانوا يجلبون من نواحي إفريقيا المعمول فيها ذلك، و أما الاسترقاق من طريق السبي الحربي الذي أنفذ الإسلام فلم يكن موردا للبحث قط.

9 - نظرة في بنائهم:

هذه الحرية الفطرية التي نسميها بالحرية الموهوبة للإنسان و لسنا ندري ما هو السبب الذي يسلبها عن سائر أنواع الحيوان و هي تماثل الإنسان في الشعور النفساني و الإرادة الباعثة؟ غير أن نقول إن الإنسان هو الذي يسلبها ذلك لينتفع بها لا تتفرع على أصل إلا على أن الإنسان مجهز بشعور باطني يميز له ما يلتذ به و ما يتألم به ثم بإرادة تبعثه إلى جذب ما يلذه و دفع ما يؤلمه فكان له أن يختار لنفسه ما يشاء.

و لم يتقيد الشعور الإنساني بأن يتعلق بشيء و لا يتعلق بآخر كأن لا يشعر الإنسان الضعيف المستذل بما يشعر به الإنسان القوي المتعزز، و لا تحددت الإرادة الإنسانية بحد يمنعها عن التعلق ببعض ما يستحبه أو يجبرها على التعلق بما تعلقت به إرادة غيره لتنطلق لنفع غيره و تنسى نفسها، فالإنسان الضعيف المغلوب يريد لنفسه نظائر جميع ما يريده الإنسان الذي غلبه و قهره لنفسه، و لا رابطة طبيعية بين إرادة الضعيف و إرادة القوي تجبر إرادة الضعيف على أن لا تتعلق بما تعلقت به إرادة القوي، أو تفنى في إرادة القوي فتعود الإرادتان إرادة واحدة تجري لنفع القوي، أو تتبع الإرادة اتباعا يسلبها الاستقلال.

و إذ كان كذلك و كان من حق قوانين الحياة أن تبتني على أساس البنية الطبيعية كان من الواجب أن يعيش الإنسان حرا في نفسه و حرا في عمله، و من هذا الثدي يرتضع إلغاء الاستعباد.



لكن ينبغي لنا أن نتأمل هذه الحرية الموهوبة للإنسان هل هي في المجتمع الإنساني على إطلاقها منذ ولدت و عاشت في البنى الإنسانية؟.

فلم يزل النوع الإنساني - فيما نعلم - يعيش في حال الاجتماع و لا يسعه بحسب جهازه الوجودي إلا ذلك، و من المحال أن يدوم مجتمع في حال الاجتماع و لو حينا ما إلا مع سنة مشتركة بين أفراد المجتمع سواء كانت سنة عادلة تعقلية أو سنة جائرة أو مجازفة أو بأي وصف اتصفت، و هذه السنة كيفما كانت تحدد الحرية الفردية.

على أن الإنسان لا يتأتى له أن يعيش إلا مع تصرف ما في المادة يضمن له البقاء و لا يتأتى له ذلك إلا بأن يختص بما يتصرف فيه نوعا من الاختصاص الذي نسميه بالملك - أعم من الحق و الملك المصطلح عليه - فالذي يلبسه هذا حين يلبس لا يسع لذاك أن يلبسه و الذي يأكله فرد أو يشربه أو يشغله بالتمكن فيه لا يمكن لغيره أن يستقل به، و ليس ذلك إلا تحديدا لغير المتصرف في إطلاق إرادته، و تقييدا لحريته.

و لم يزل الاختلاف يلازم هذا النوع منذ سكن الأرض فلم يمض على هؤلاء الأفراد المنتشرة في رحب الأرض يوم إلا و تطلع فيه الشمس على اختلافات، و تغيب عن اختلافات تسير بهم إلى فناء نفوس و ضيعة أعراض و انتهاب أموال، و لو كان الإنسان يرى لنفسه - أي للإنسانية - حرية مطلقة لم يكن لهذه الاختلافات بينهم أثر.

و سنة المجازاة و المؤاخذة لم تزل دائرة معمولة بين المجتمعات المتنوعة مدنية كانت أو همجية، و لا معنى للمجازاة إلا أن يملك المجتمع من الإنسان المجرم بعض ما وهبه له الخلقة من النعم، و أن يسلب عنه بعض الحرية فلو لا أن المجتمع أو من بيده الأمر في المجتمع يملك من المجرم القاتل المحكوم بالقصاص حياته لما وسعه أن يسلبها عنه، و لو لا أن الإثم المأخوذ بإثمه المؤاخذ بأنواع التعذيب و النكاية كالقطع و الضرب و الحبس و غيره ذلك يملك الحكم و الإجراء منه ما يسلبه من شئون الحياة أو الراحة أو السلطة المالية لما صح ذلك، و كيف يصح منع الجائر المتعدي أن يجور و يتعدى و لا الذب عن حريم نفس أو عرض أو مال إلا مع سلب بعض حرية المتغلب الممنوع؟.
<<        الفهرس        >>