في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة81)

مسألة : الأوقاف الخاصّة كالوقف على الأولاد ، والأوقاف العامّة التي كانت على العناوين العامّة كالفقراء ، لا يجوز بيعها ونقلها بأحد النواقل إلاّ لعروض بعض العوارض وطروّ بعض الطوارئ ، وهي اُمور :
الأوّل : ما إذا خربت بحيث لا يمكن إعادتها إلى حالها الاُولى ، ولا الانتفاع بها إلاّ ببيعها والانتفاع بثمنها ، كالحيوان المذبوح ، والجذع البالي ، والحصير الخلق ، فتباع ويشترى بثمنها ما ينتفع به الموقوف عليهم ، والأحوط لو لم يكن الأقوى مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة .
الثاني : أن يسقط بسبب الخراب أو غيره عن الانتفاع المعتدّ به ، بحيث كان الانتفاع به بحكم العدم بالنسبة إلى أمثال العين الموقوفة ، بشرط أن لا يرجى العود كما مرّ ، كما إذا انهدمت الدار واندرس البستان فصار عرصة لا يمكن الانتفاع بها إلاّ بمقدار جزئيّ جدّاً يكون بحكم العدم بالنسبة إليهما ، لكن لو بيعت يمكن أن يشترى بثمنها دار ، أو بستان آخر ، أو ملك آخر تساوي منفعته منفعة الدار أو البستان ، أو تقرب منها ، أو تكون معتدّاً بها . ولو فرض أنّه على تقدير بيعها لا يشترى بثمنها إلاّ ما يكون منفعتها كمنفعتها باقية على حالها أو قريب منها لم يجز بيعها ، وتبقى على حالها .
الثالث : ما إذا اشترط الواقف في وقفه أن يباع عند حدوث أمر ، مثل قلّة المنفعة ، أو كثرة الخراج أو المخارج ، أو وقوع الخلاف بين أربابه ، أو حصول ضرورة أو حاجة لهم ، أو غير ذلك ، فلا مانع من بيعه عند حدوث ذلك الأمر على الأقوى .


ومثلها ذلك . غاية الأمر أنّه لابدّ من صرف القيمة المأخوذة منه في بدل التالف أو مثله ، كما لا يخفى .


(الصفحة82)



الرابع : ما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه من تلف الأموال والنفوس ، ولا ينحسم ذلك إلاّ ببيعه ، فيباع ويقسّم ثمنه بينهم . نعم ، لو فرض أنّه يرتفع الاختلاف ببيعه وصرف الثمن في شراء عين اُخرى ، أو تبديل العين الموقوفة بالاُخرى تعيّن ذلك ، فتشترى بالثمن عين اُخرى أو يبدّل بآخر ، فيجعل وقفاً ويبقى لسائر البطون ، والمتولّي للبيع في الصور المذكورة وللتبديل ولشراء عين اُخرى هو الحاكم أو المنصوب من قبله إن لم يكن متولٍّ منصوب من قبل الواقف1 .


1 ـ الأوقاف الخاصّة كالوقف على الأولاد ، والأوقاف العامّة التي مثلها كالأوقاف على العناوين العامّة لا الجهات لا يجوز التصرّف الناقل ـ كالبيع والصلح والهبة ـ ونحوها فيها كالجهات العامّة . نعم ، قد يعرض في الأوّلين بعض العوارض المجوّزة لذلك ، وأمّا في الثالثة فلا معنى للنقل فيها أصلاً ، وأمّا تلك العوارض فهي عبارة عن أحد اُمور أربعة :
الأوّل : ما إذا خربت العين الموقوفة بحيث لا يمكن إعادتها إلى الحالة الاُولى، ولا الانتفاع بها إلاّ ببيعها والانتفاع بثمنها ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، فإنّها تباع في هذه الحالة ويشترى بثمنها ما ينتفع به الموقوف عليهم ; لأنّ الأمر يدور بين إبقائها إلى أن يتلف بنفسها ، وبين إتلاف البطن الموجود إيّاها ، وبين تبديلها بما يبقى مراعاةً لحقّ البطون ، ومن المعلوم أولويّة الأخير ، والأحوط بل الأقوى حفظاً لغرض الواقف ورعايةً لنظره مراعاة الأقرب فالأقرب إلى العين الموقوفة ، فيشترى بثمن البستان المخروبة بستان أصغر وأقلّ منه قابل للانتفاع .
الثاني : أن يسقط عن الانتفاع المعتدّ به بسبب الخراب أو غيره على وجه لا

(الصفحة83)



يرجى عوده ويحكم في العرف أنّه خرج عن الانتفاع ، كما إذا انهدمت الدار وصارت عرصة يمكن إجارتها بمقدار جزئيّ يكون بحكم العدم بنظر العرف .
وقد استظهر من المشهور عدم الجواز في هذه الصورة(1) ، حيث علّقوا الجواز على عدم إمكان الانتفاع به ، إلاّ أن يقال  بأنّ مقصودهم عدم إمكان الانتفاع المعتدّ به ، وأمّا إذا قلّت منفعته لا إلى حدّ يلحق بالعدم عند العرف ، فلا دليل على الجواز .
وما اشتهر من التبديل بالأحسن(2) فالظاهر أنّه لا يسوّغ البيع بنفس هذا العنوان ، ومن الواضح أنّه في صورة البيع والاشتراء بثمنه ما يعادله إذا كان نفعه مثل الأوّل أو أقلّ منه لا يجوز قطعاً .
نعم ، حكي عن المفيد جواز البيع في هذه الصورة التي يكون بيعه وشراء عين اُخرى عوضه أعود وأنفع للموقوف عليهم(3) .
لكن التحقيق عدم الجواز ، وفاقاً للأكثر(4) ; لعدم الدليل على الجواز إلاّ خبر جعفر بن حنان (حيّان خ ل) ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، حيث إنّ في آخره قال الراوي : قلت : فللورثة من قرابة الميّت أن يبيعوا الأرض إن احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج

(1) الحدائق الناضرة : 22 / 256 ، الانتصار : 468 ـ 470 ، جامع المقاصد : 4 / 97 ، مسالك الأفهام : 3/170 وج5/400 ، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 4 / 71 و 78 .
(2) المهذب : 2 / 92 ، النهاية : 600 ، المراسم العلويّة : 200 ، نزهة الناظر لابن سعيد : 74 ، تذكرة الفقهاء : 10/41 .
(3) اُنظر المقنعة : 652 ، وحكى عنه الشهيد في غاية المراد في شرح نكت الإرشاد : 2 /24 .
(4) مختلف الشيعة : 6 / 257 مسألة 29 ، إيضاح الفوائد : 2 / 392 ، الحدائق الناضرة : 18/446ـ 447 ، ملحقات العروة الوثقى : 2 / 255 ، السرائر : 3 / 153 ، شرائع الإسلام : 2 / 220 ، كشف الرموز : 2 /54 ، قواعد الأحكام : 2/395 ، التنقيح الرائع : 2 / 330 ، مهذّب البارع : 3 / 64 ، غاية المرام في شرح شرائع الإسلام : 2/383 ـ 385 ، الروضة البهيّة : 3 / 255 .

(الصفحة84)



من الغلّة؟ قال : نعم إذا رضوا كلّهم وكان البيع خيراً لهم باعوا(1) .
وخبر الحميري : أنّه كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) : ـ جعلني الله فداك ـ روي عن الصادق (عليه السلام) [في بيع الوقف](2) خبر مأثور : إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم ، فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه؟ فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلّهم على البيع ، أم لا يجوز إلاّ أن يجتمعوا كلّهم على ذلك ؟ وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟ فأجاب (عليه السلام) : إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه ، وإذا كان على قوم من المسلمين فليبع كلّ قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرّقين ، إن شاء الله(3) .
وقد أفاد السيّد في الملحقات بعد نقل الخبرين: أنّ العمل بهما مع مخالفة الأكثر ، بل عدم القائل إلاّ المفيد (قدس سره) مشكل ، مع أنّ الظاهر من الأوّل كفاية عدم كفاية الغلّة ، ومن الثاني الجواز مع رضاهم مطلقاً ، ولم يقل بهما أحد ، وأيضاً ظاهرهما جواز البيع من دون أن يشترى بعوضه ، وهذا مناف لحقّ البطون ، فاللازم الإعراض عنهما مع ضعفهما وعدم الجابر ، أو حملهما على الوصية ونحوها(4) .
الثالث : ما إذا اشترط الواقف في وقفه عند حدوث أمر مثل الاُمور المذكورة في المتن ، فقد قوّى في المتن أنّه لا مانع من البيع أو مثله عند حدوث ذلك الأمر .

(1) الكافي : 7 / 35 ح29 ، الفقيه : 4 / 179 ح630 ، التهذيب : 9 / 133 ح565 ، الاستبصار : 4 /99 ح382 ، وعنها الوسائل : 19 / 190 ، كتاب الوقوف والصدقات ب6 ح8 .
(2) من الاحتجاج .
(3) الاحتجاج : 2 / 584 ، وعنه وسائل الشيعة : 19 / 191 ، كتاب الوقوف والصدقات ب6 ح9 ، وبحار الأنوار : 53/166 .
(4) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 256 .

(الصفحة85)



والأصل في ذلك ما في الصحيح عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كيفيّة وقف ماله في عين «ينبع» وفيه : فإن أراد ـ يعني الحسن (عليه السلام)ـ أن يبيع نصيباً من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء ولا حرج عليه فيه ، وإن شاء جعله سرى الملك ، وإنّ ولد عليّ (عليه السلام)ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي (عليهما السلام) ، وإن كانت دار الحسن بن عليّ غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء لا حرج عليه فيه ، وإن باع فإنّه يقسّم ثمنها ثلاثة أثلاث ، فيجعل ثلثاً في سبيل الله ، وثلثاً في بني هاشم وبني المطّلب ، ويجعل الثلث في آل أبي طالب، إلى آخره(1) .
الرابع : ما إذا وقع بين أرباب الوقف اختلاف شديد لا يؤمن معه من تلف الأموال والنفوس ، ولا يرتفع الاختلاف ببيعه وصرف الثمن في شراء عين اُخرى بدل العين الموقوفة أو تبديلها بها ، فيجوز بيعها حينئذ وتقسيم ثمنها بينهم .
وربما يستدلّ على ذلك بخبر عليّ بن مهزيار قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ـ : إنّ فلاناً ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في الوقف الخمس ، ويسأل عن رأيك في بيع حصّتك من الأرض ، أو تقويمها على نفسه بما اشتراها ، أو يدعها موقفة ، فكتب إليّ : أعلم فلاناً أنّي آمره أن يبيع حقّي من الضيعة وإيصال ثمن ذلك إليّ ، وإنّ ذلك رأيي إن شاء الله ، أو يقوّمها على نفسه إن كان ذلك أوفق له . قال : وكتبت إليه : إنّ الرجل ذكر أنّ بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافاً شديداً ، وأنّه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كلّ إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته؟

(1) الكافي: 7/49 ح7 ، التهذيب : 9 / 146 ح608 ، وعنهما الوسائل : 19 / 199 ، كتاب الوقوف والصدقات ب10 ح3.

(الصفحة86)



فكتب بخطّه إليّ : وأعلمه أنّ رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل ، فإنّه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس(1) .
وقد اُورد على الاستدلال بهما بإيرادات :
منها : احتمال كون المراد تلف مال الوقف ونفوس الموقوف عليهم ، لا مطلق الأموال ومطلق النفوس .
ومنها: عدم ظهورهما في الوقف المؤبّد الذي هو محلّ البحث ; لعدم ذكر الأعقاب.
ومنها: احتمال أن يكون مورد السؤال قبل تماميّة الوقف; لعدم الإقباض ، ويؤيّده كون البائع هو الواقف ، ولو كان بعد تماميّته كان الأمر إلى الناظر أو الموقوف عليه .
ومنها : أنّ الظاهر من الخبر كون الثمن للموجودين ، مع أنّه مناف لحقّ البطون ولقول المجوّزين .
وبالجملة : فالاستدلال لهذا الأمر للجواز في مقابل أدلّة المنع مشكل .
قلت : هذه الإيرادات وإن كانت قابلة للنقاش بل الجواب ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ ملاحظة نفس عنوان الموضوع تكفي في الحكم بالجواز ; لأنّ في دوران الأمر بين جواز بيع الوقف ، وبين تحقّق تلف الأموال والأنفس بسبب الاختلاف نوعاً لا شكّ في أنّ الترجيح مع الأوّل ، ولا حاجة إلى ما يدلّ على الجواز .
ثمّ إنّ هاهنا بعض الاُمور الذي قيل بجواز بيع الوقف معه ، كزوال عنوان لاحظه الواقف في الوقفيّة ، كما إذا وقف بستاناً مع لحاظ البستانيّة في عنوان الوقف ، نظراً إلى أنّه إذا خرج عن هذا العنوان بطل كونه وقفاً ، وقد حكي عن المحقّق الشيخ

(1) الكافي : 7 / 36 ح30 ، الفقيه : 4 / 178 ح628 ، التهذيب : 9 / 130 ح557 ، الاستبصار : 4 /98 ح381 ، وعنها الوسائل : 19 / 187 ـ 189 ، كتاب الوقوف والصدقات : ب6 ح5 و 6 .

(الصفحة87)



الأعظم الأنصاري (قدس سره) أنّه لا وجه للبطلان ; لأنّه إن اُريد بـ «العنوان» ما جعل مفعولاً في قوله : «وقفت هذا البستان» فلا شكّ في أنّه ليس إلاّ كقوله : «بعت هذا البستان» أو «وهبته» وإن اُريد به شيء آخر فهو خارج عن مصطلح أهل العرف والعلم ، ولابدّ من بيان المراد منه ، هل يراد ما اشترط لفظاً ، أو قصداً في الموضوع زيادةً على عنوانه ؟(1)
واُورد عليه بأنّه فرق بين أن يجعل البستان مورداً للوقف أو عنواناً ، وهو في قوله : «بعت هذا البستان» بمنزلة : «بعت هذا الشيء» بخلاف ما إذا جعل عنواناً ، كما هو المفروض في الوقف(2) .
وأنت خبير بأنّه لا فرق بين بيع البستان وبين وقفه; في أنّ زوال العنوان المذكور كما لا يوجب بطلان البيع من رأس ; لأنّ لازمه تعلّق البيع بجميع أبعاضه من الأراضي والأشجار وغيرهما ، كذلك زوال العنوان المذكور لا يوجب بطلان الوقف ; لعين ما ذكر ، فإنّ يبوسة الأشجار مثلاً إنّما توجب خروج بعض العين الموقوفة عن كونها كذلك ، لا بطلان أصل الوقف رأساً ، فإنّ يبوسة الأشجار بمنزلة وقوع بعض البستان في وسط الطريق ، حيث إنّه لا ملازمة بين جميع الأبعاض كما لا يخفى ، فما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) هو الظاهر .
ثمّ إنّ المتصدّي للبيع في موارد جوازه وللتبديل وشراء عين اُخرى بدل العين الموقوفة في مورد جوازه هو المتولّي للوقف في صورة وجود المتولّي الذي عيّنه الواقف ، وإلاّ فالحاكم أو المنصوب من قبله، كما لا يخفى .

(1) المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) : 4 / 75 ـ 76 .
(2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 254 .

(الصفحة88)

مسألة : لا إشكال في جواز إجارة ما وقف وقف منفعة ـ سواء كان وقفاً خاصّاً أو عامّاًـ على العناوين ، أو على الجهات والمصالح العامّة ، كالدكاكين والمزارع الموقوفة على الأولاد ، أو الفقراء ، أو الجهات العامّة ، حيث إنّ المقصود استنماؤها بإجارة ونحوها ووصول نفعها إلى الموقوف عليهم ، بخلاف ما كان وقف انتفاع ، كالدار الموقوفة على سكنى الذرّية ، وكالمدرسة والمقبرة والقنطرة والخانات الموقوفة لنزول المارّة ، فإنّ الظاهر عدم جواز إجارتها في حال من الأحوال1 .


1 ـ قد عرفت في بعض المسائل السابقة(1) أنّ الوقف على قسمين : وقف منفعة ، فيصير الموقوف عليه مالكاً للمنفعة ، سواء كان وقفاً خاصّاً ، كالوقف على الأولاد ، أو وقفاً عامّاً كالفقراء أو الجهات العامّة . ووقف انتفاع لا يملك الموقوف عليه المنفعة بوجه ، بل إنّما له حقّ الانتفاع ، وقد عرفت(2) من أنّ الفرق بينهما هو الفرق بين الإجارة والعارية ، حيث إنّ المستأجر يملك المنفعة ، وأمّا المستعير فله حقّ الانتفاع ، من دون أن تجوز له الإجارة بوجه أصلاً .
فاعلم أنّ الأمر في المقام أيضاً كذلك ، فإذا كان الوقف وقف منفعة تجوز إجارة العين الموقوفة لثبوت ملكية المنفعة ، كإجارة المستأجر العين المستأجرة في صورة عدم اشتراط المباشرة والاستفادة بنفسه ، وكذا في صورة الإطلاق لو قيل بانصرافها إلى فرض المباشرة ، فإنّه لا مانع في هذه الصورة من إجارة المستأجر بعد كونه مالكاً للمنفعة ، ولم يكن قيد المباشرة ملحوظاً بالاشتراط أو بالانصراف إليها عند الإطلاق على احتمال .

(1، 2) في ص70 و 74 ـ 75.

(الصفحة89)

مسألة : لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه واحتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة ، فإن أمكن تعمير ذلك البعض المحتاج من منافعه فالأحوط تعميره منها وصرف ثمن البعض الآخر في اشتراء مثل الموقوفة ، وإن لم يمكن لا يبعد أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف الثمن في التعمير المحتاج إليه . وأمّا جواز صرفه لتعميره الموجب لتوفير المنفعة فبعيد . نعم ، لو لم يكن الثمن بمقدار شراء مثل الموقوفة يصرف في التعمير ولو للتوفير1 .


وهذا بخلاف ما إذا كان الوقف وقف انتفاع ، كالأمثلة المذكورة في المتن ، فإنّ الموقوف عليه في هذا النوع من الوقف لم يصر مالكاً للمنفعة ، بل له حقّ الانتفاع فقط ، فكما أنّه لا تجوز إجارة ما استعاره ، كذلك لا تجوز الإجارة هنا في حال من الأحوال ، فإنّ الدار الموقوفة على سكنى الذرّية إذا كان الفرد الآخر ذرّية واجداً لشرائط الموقوف عليه ، فلا مجال للاستئجار والإجارة  بعد عدم الفرق بين هذا الفرد وسائر الأفراد ، وإذا لم يكن واجداً له لا يجوز جعل العين الموقوفة تحت اختياره واستيلائه لينتفع به ، كما هو واضح .

1 ـ لو خرب بعض الوقف بحيث جاز بيعه لأجل الخراب كما عرفت(1) ، واحتاج بعضه الآخر إلى التعمير لحصول المنفعة ، ففيه صورتان :
الاُولى : إمكان تعمير ذلك البعض المحتاج إلى التعمير من منافع نفسه ، فمقتضى الاحتياط اللازم التعمير من المنافع وصرف ثمن البعض الآخر المبيع لأجل عروض الخراب المجوّز للبيع في اشتراء مثل الموقوفة وإن كان أصغر ، كما هو الغالب في مثل هذا الفرض ، ففي الحقيقة قد وقع الجمع في هذه الصورة بين التعمير من

(1) في ص82 .

(الصفحة90)

مسألة : لا إشكال في جواز إفراز الوقف عن الملك الطلق فيما إذا كانت العين مشتركة بينهما ، فيتصدّيه مالك الطلق مع متولّي الوقف أو الموقوف عليهم ، بل الظاهر جواز قسمة الوقف أيضاً لو تعدّد الواقف والموقوف عليه ، كما إذا كانت دار مشتركة بين شخصين ، فوقف كلّ منهما حصّته المشاعة على أولاده ، بل لا يبعد الجواز فيما إذا تعدّد الوقف والموقوف عليه مع اتّحاد الواقف ، كما إذا وقف نصف داره مشاعاً على مسجد ، والنصف الآخر على


المنافع بالإضافة إلى البعض غير المخروب ، وبين اشتراء مثل الموقوفة بثمن البعض المخروب الذي صار جائز البيع .
الثانية : أن لا يمكن تعمير ذلك البعض من منافع نفسه ، وقد نفى في المتن البُعد عن أن يكون الأولى بل الأحوط أن يصرف ثمن البعض المخروب في التعمير المحتاج إليه ، حفظاً للعين الموقوفة عن الخراب ، ورعايةً لغرض الواقف مع الإمكان . نعم ، أفاد في الذيل أمرين :
أحدهما : الصرف للتعمير لا للاحتياج إلى التعمير ، بل لمجرّد توفير المنفعة وزيادتها ، وقد استبعد الجواز لذلك ، ولعلّه لأجل أنّه مع إمكان الصرف في شراء مثل العين الموقوفة ـ حتّى يستفيد به البطون اللاحقة ـ لا وجه للصرف للتعمير لمجرّد التوفير مع ترتّب المنفعة العقلائيّة المقصودة للواقف عليه .
ثانيهما : أنّه لو لم يكن الثمن بمقدار شراء مثل العين الموقوفة ولو كان أصغر منها ، لا مانع من الصرف في التعمير للتوفير ; لأنّه مع الدوران بين بقاء الثمن بنفسه أو التقسيم بين أفراد البطن الموجود ، ولا محالة ينتفى موضوع الوقف بهذا المقدار ، وبين صرفه في تعمير البعض الموجود ولو لتوفير المنفعة الموجب لاستفادة جميع البطون منه بهذا الوصف ، يكون الترجيح مع الثاني .


(الصفحة91)

مشهد ، ولا يجوز قسمته بين أربابه إذا اتّحد الوقف والواقف مع كون الموقوف عليهم بطوناً متلاحقة أيضاً ، ولو وقع النزاع بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف ولا ينحسم إلاّ بالقسمة جازت ، لكن لا تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، ولعلّها ترجع إلى قسمة المنافع ، والظاهر جوازها مطلقاً . وأمّا قسمة العين بحيث تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة فالأقوى عدم جوازها مطلقاً1 .


1 ـ في هذه المسألة فروع قد وقع التعرّض لها :
الأوّل : أنّه بعدما عرفت من أنّه يجوز وقف المشاع(1) أيضاً إذا اُريد إفراز حصّة الوقف المشاعة عن الملك الطلق لا إشكال في جواز هذا الإفراز وصحّة التقسيم بحيث صارت كلتا الحصّتين مفروزة ، غاية الأمر أنّ المتصدّي لذلك من ناحية مالك الطلق هي نفس المالك ، ومن ناحية الوقف هو المتولّي أو الموقوف عليه ; لعدم اختصاص أدلّة صحّة التقسيم بما إذا كان كلاهما طلقين .
الثاني : أنّه لا مانع من التقسيم فيما إذا تعدّد الواقف والموقوف عليه مع كون الوقف مشاعاً ، كما إذا كانت دار مشتركة بين زيد وعمرو ، فوقف كلّ منهما حصّته من الدار المشتركة على خصوص أولاد نفسه ، ففي هذه الصورة أيضاً يجوز الإفراز لينتفع كلّ من الموقوف عليهم بحصّته الخاصّة وسهمه المفروز ; لما ذكر في الفرع الأوّل .
الثالث : ما إذا اتّحد الواقف وتعدّد الوقف والموقوف عليه ، كما إذا وقف نصف

(1) الخلاف : 3 / 542 مسألة 7 ، فقه القرآن للراوندي : 2 / 292 ، السرائر : 3 / 154 ، المؤتلف من المختلف : 1/674 مسألة 7 ، الجامع للشرائع : 373 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 431 ، إرشاد الأذهان : 2 / 401 ، تلخيص الخلاف : 2/217 ، الروضة البهيّة : 3 / 176 ، جواهر الكلام : 28 / 20 .

(الصفحة92)

مسألة : لو آجر الوقف البطن الأوّل وانقرضوا قبل انقضاء مدّة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقيّة المدّة ، إلاّ أن يجيز البطن اللاحق فتصحّ على الأقوى . ولو آجره المتولّي ، فإن لاحظ فيه مصلحة الوقف صحّت ونفذت بالنسبة إلى البطون اللاحقة ، بل الأقوى نفوذها بالنسبة إليهم لو كانت لأجل مراعاتهم دون أصل الوقف ، ولا تحتاج إلى إجازتهم1 .


داره مشاعاً على مسجد ، والنصف الآخر على مشهد ، فإنّه بلحاظ تعدّد الموقوف عليه قد نفى في المتن البُعد من الجواز بحيث صارت حصّة المسجد مفروزة كحصّة المشهد في المثال المذكور ، والوجه فيه ما ذكرنا .
الرابع : لو كان الموقوف عليهم بطوناً متلاحقة لا تجوز قسمة الوقف بين أربابه وإن اتّحد الوقف والواقف ، ضرورة عدم اختصاص الحقّ بخصوص البطون الموجودة ، بل لو وقع النزاع بين أربابه بما جاز معه بيع الوقف ولم ينحسم إلاّ بالقسمة جازت القسمة ، لكنّها لا تكون نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة إذا كانت القسمة حقيقيّة راجعة إلى قسمة العين ; لما ذكرنا .
نعم ، لا بأس بقسمة المنافع الجائزة غير المنافية لحقوق البطون اللاحقة ، وأمّا قسمة العين فمع تعلّق حقّ الجميع بها فلا تجوز أصلاً ، والمفروض ارتفاع التنازع والتخاصم بأصل القسمة ، وتوقّفه على قسمة العين أحياناً لا يجوّز ذلك ; لما ذكر ، كما لو فرض توقّف ارتفاع النزاع بالتخصيص ببعض الموجودين ، فإنّه لا يجوز ذلك .

1 ـ لو آجر العين الموقوفة فهنا صورتان قابلتان للبحث :
إحداهما : ما إذا كان المؤجر البطن الأوّل وعرض انقراضهم قبل انقضاء مدّة

(الصفحة93)

مسألة : يجوز للواقف أن يجعل تولية الوقف ونظارته لنفسه دائماً ، أو إلى مدّة ، مستقلاًّ ومشتركاً مع غيره ، وكذا يجوز جعلها للغير كذلك ، بل يجوز أن يجعل أمر جعل التولية بيد شخص ، فيكون المتولّي من يعيّنه ذلك الشخص ، بل يجوز جعل التولية لشخص ويجعل أمر تعيين المتولّي بعده بيده ، وهكذا يقرّر أنّ كلّ متولٍّ يعيّن المتولّي بعده1 .


الإجارة، فالقاعدة تقتضي بطلان الإجارة بالإضافة إلى بقيّة المدّة; لعدم ملكيّة البطن المؤجر منفعة المدّة الباقية وإن كان الوقفوقف منفعة موجباًلحصول ملكيّتها، كما في المستأجر الذي آجر العين المستأجرة زائدة على مدّة إجارة نفسه ، غاية الأمر جريان الفضوليّة والصحّة على هذا القول بناءً على إجازة المالك الحقيقي في الفرضين.
ثانيتهما : إيجار المتولّي دون البطن الأوّل ، وانقراضهم قبل انقضاء مدّة الإجارة ، والمستفاد من المتن أنّ الملحوظ في هذه الإجارة الصادرة من المتولّي إن كان مصلحة الوقف فالإجارة نافذة بالنسبة إلى البطون اللاحقة ; لفرض تحقّقها من المتولّي ورعاية المصلحة ، كما أنّه إن كان الملحوظ مراعاة البطون اللاّحقة ومصلحتهم دون أصل الوقف تنفذ الإجارة ولا تحتاج إلى الإجازة . وأمّا لو فرض كون النظر في الإيجار إلى مصلحة بعض البطون دون أصل الوقف ، ودون جميع البطون فلا ، والوجه فيه كونها متعلّقة لحقّ الجميع . غاية الأمر بطناً بعد بطن ، وفي الحقيقة في الطول لا في العرض ، فلا يصحّ إلاّ في الصورتين الأوّلتين ، فتدبّر جيّداً .

1 ـ قد نفى الإشكال والخلاف(1) في ذلك السيّد في الملحقات ، وقال : إنّ خلاف

(1) مختلف الشيعة : 6 / 262 مسألة 34 ، المقتصر : 210 ، تبصرة المتعلّمين : 126 ، الجوهرة في نظم التبصرة : 140 ، مسالك الأفهام : 5 / 324 ، التنقيح الرائع : 2 / 307 ـ 308 ، رياض المسائل : 9 / 306 ، الشرح الصغير : 2/241 ، جواهر الكلام : 28 / 22 ، مناهج المتّقين : 323 .

(الصفحة94)

مسألة : إنّما يكون للواقف جعل التولية لنفسه أو لغيره حين إيقاع الوقف وفي ضمن عقده ، وأمّا بعد تماميّته فهو أجنبيّ عن الوقف ، فليس له جعل التولية ولا عزل من جعله متولّياً إلاّ إذا اشترط في ضمن عقده لنفسه ذلك ; بأن جعل التولية لشخص وشرط أنّه متى أراد أن يعزله عزله1 .


ابن إدريس(1) غير محقّق(2) ، وهو موافق لقاعدة السلطنة المقتضية للجواز في جميع الفروض المذكورة . نعم ، فيما لو لم يعيّن الواقف متولّياً في ضمن صيغة الوقف ، فهل التولية له ، أو للموقوف عليهم ، أو للحاكم ، أو يفصّل بين الوقف الخاصّ فللموقوف عليهم ، وبين الوقف العامّ فللحاكم؟ وجوه ، بل أقوال .

1 ـ من البديهي أنّ ارتباط الواقف بالعين الموقوفة من جهة الخصوصيّات المأخوذة في الموقوف عليه ، ومن جهة جعل التولية لنفسه أو لغيره إنّما هو ما دام لم يتمّ صيغة الوقف ولم تتمّ بعد ، فله في حين الإيقاع وفي ضمن عقده إجراء الاُمور التي منها التولية المبحوث عنها في المقام ، وأمّا بعد تماميّته فهو أجنبيّ عن الوقف كغيره ، فليس له جعل التولية ولا عزل من جعله متولّياً .
واستثنى من ذلك في المتن ما إذا اشترط في ضمن عقد الوقف لنفسه ذلك ; بأن جعل التولية لشخص وشرط أنّه متى أراد أن يعزله عزله; لعموم «المؤمنون عند شروطهم»(3)وكون الشرط في ضمن عقد لازم، فلامجال لتخيّل أنّ الشرط في ضمن

(1) السرائر : 3 / 156 .
(2) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 227 مسألة 1 .
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2 / 159 ، تهذيب الأحكام : 7 / 371 ح1503 ، الاستبصار : 3 / 232 ح833 ، قضاء الحقوق للصوري : 18 ح5 ، عوالي اللئالي : 1 / 218 ح84 وص293 ح173 وج2 / 257 ح7 ، وعنها الوسائل : 21 / 276 ، كتاب النكاح ، أبواب المهور ب20 ذ ح4 ، وبحار الأنوار : 49 / 162 وج75 / 96 ح18 وج77 / 167 ، ومستدرك الوسائل : 13 / 301 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب5 ح7 .

(الصفحة95)

مسألة : لا إشكال في عدم اعتبار العدالة فيما إذا جعل التولية والنظر لنفسه ، والأقوى عدم اعتبارها لو جعلها لغيره أيضاً . نعم ، يعتبر فيه الأمانة والكفاية ، فلا يجوز جعلها ـ خصوصاً في الجهات والمصالح العامّة ـ لمن كان خائناً غير موثوق به ، وكذا من ليس له الكفاية في تولية اُمور الوقف ، ولا يجوز جعل التولية للمجنون ولا الطفل حتّى المميّز إن اُريد عمل التولية من إجارة الوقف وأمثالها مباشرة ، وأمّا إذا جعل التولية له حتّى يقوم القيّم بأمرها ما دام قاصراً فالظاهر جوازه ولو كان غير مميّز ، بل لا يبعد الجواز في جعلها لمجنون متوقّع برؤه ، ويقوم الوليّ مقامه إلى أن يفيق1 .


غيره لا يجب أو لا يجوز الوفاء به ، وإن كان قد عرفت منّا أنّه لا فرق بين الشروط في ضمن العقود اللازمة، والشروط في ضمن العقود الجائزة من جهة الوجوب، أو جواز الوفاء به ما دام العقد الجائز باقياً بحاله غير منتف موضوعه ، فراجع .

1 ـ لا إشكال كما في المتن في عدم اشتراط العدالة في الواقف إذا جعل التولية لنفسه(1) وإن احتمله في محكيّ المسالك(2) ، ونقل فيه قولين في محكيّ الكفاية(3)والرياض(4) ، وأمّا لو جعل التولية لغيره فقد قوّى في المتن عدم الاعتبار أيضاً ،

(1) ملحقات العروة الوثقى : 2 / 229 مسألة 8 ، تذكرة الفقهاء : 2 / 441 ، الشرح الصغير : 2 / 241 ، جواهر الكلام : 28 / 22 ، مناهج المتّقين : 323 .
(2) مسالك الأفهام : 5 / 325 .
(3) كفاية الأحكام: 141.
(4) رياض المسائل : 9 / 307 .

(الصفحة96)



لكن المحكيّ عن الكفاية أنّ اعتبارها هو المعروف بين الأصحاب ، وعن الرياض دعوى حكاية الاتّفاق عليه ، وفي الحدائق : لا أعرف خلافاً فيه(1) ، ولكنّ المحكيّ عن التحرير(2) وصاحب الجواهر عدم الاعتبار(3) ، والظاهر أنّه الأقوى ، نظراً إلى أنّه لا دليل على الاعتبار ، وما في وقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من اعتبار الرضى بهديه وإسلامه وأمانته(4) لا يستفاد منه أزيد من اعتبار الأمانة ، بل يمكن أن يقال بعدم اجتماع الوقف مع ما فيه من المصالح والمنافع الخاصّة أو العامّة ، مع عدم كون المتولّي موثوقاً به بل كان خائناً . نعم ، لا مانع من اشتراط العدالة في المتولّي في الصيغة عند عدم تماميّتها وجعله متولّياً ، لكنّ البحث في الاعتبار وعدمه .
ولا يجوز جعل التولية للمجنون ولا الطفل مطلقاً إن كان المقصود صدور وظيفة التولية منهما مباشرة ; بأن يؤجرا الوقف مثلاً ; لعدم تشخيصهما للصلاح والفساد نوعاً . نعم ، لا بأس بجعل الصبيّ المميّز وكيلاً في إجراء صيغة العقد إن كان عارفاً بها ; لمشروعيّة عبادات الصبيّ كما حقّقناها في محلّها(5) ، وعدم كونه مسلوب العبارة بحيث كانت عبارته كعبارة الحيوان أو الجماد مثلاً ، وإن لم يكن المقصود تصدّي التولية بنفسه ، فلا مانع من جوازها كذلك ; بأن يقوم الوليّ مقامه ما دام كونه قاصراً ، بل نفى في المتن الجواز عن جعلها لمجنون متوقّع برؤه كذلك ; بأن يقوم الوليّ مقامه إلى أن يفيق ، ففي الحقيقة يصدر عمل التولية الذي يتوقّع من المتولّي

(1) الحدائق الناضرة : 22 / 184 .
(2) تحرير الأحكام : 3 / 314 .
(3) جواهر الكلام : 28 / 22 ـ 23 ، وكذا قوّى عدم الاعتبار في المناهل : 509 .
(4) الكافي : 7 / 49 ح7 ، التهذيب : 9 / 146 ح608 ، وعنهما الوسائل : 19 / 201 قطعة من ح3 .
(5) القواعد الفقهيّة للمؤلّف أدام الله ظلّه : 1 / 341 ـ 356 .

(الصفحة97)

مسألة : لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول ، سواء كان حاضراً في مجلس العقد ، أو غائباً بلغ إليه الخبر ولو بعد وفاة الواقف ، ولو جعل التولية لأشخاص على الترتيب وقبل بعضهم لم يجب القبول على من بعده ، ومع عدم القبول كان الوقف بلا متولٍّ منصوب ، ولو قبل التولية فهل يجوز له عزل نفسه كالوكيل أم لا؟ قولان ، لا يترك الاحتياط بعدم العزل ، ومعه يقوم بوظائفه مع المراجعة إلى الحاكم ونصبه1 .


من الوليّ إلى أن يرتفع القصور عن المتولّي المنصوب ، ولا دليل على عدم جواز ذلك .

1 ـ لو جعل التولية لشخص لم يجب عليه القبول ; لعدم الدليل على الوجوب ، من دون فرق بين أن يكون حاضراً في مجلس العقد أو غائباً عنه ، ومن دون فرق في الفرض الثاني بين بلوغ الخبر إليه حال حياة الواقف أو بلوغه إليه بعد وفاته ، وإن كان ربما يحتمل أو يقال بوجوب قبول الوصيّة في هذه الصورة ، لكن لا دليل عليه في المقام ; لأنّه قياس محض .
ولو جعل التولية لأشخاص على الترتيب; بأن يكون زيد مثلاً متولّياً ما دامت حياته ، وبعد وفاته يكون عمرو كذلك ، وهكذا ، فقبل بعضهم ذلك لا يجب القبول على غيره ، ومع عدم القبول كان الوقف بلا متولٍّ منصوب يجري عليه حكمه ، ولو قبل التولية من نصبه الواقف فهل يجوز له عزل نفسه كالوكيل ، أو يلزم عليه الإدامة والاستمرار؟ قد نهى في المتن عن ترك الاحتياط بعدم العزل ، ولعلّه لأجل احتمال اللزوم مع قبوله عن إرادة واختيار ، وإذا عزل نفسه يقوم بوظائف المتولّي مع المراجعة إلى الحاكم ونصبه بهذا العنوان ; لاستصحاب بقاء التولية مع العزل ، غاية الأمر أنّ مقتضى الاحتياط نصب الحاكم له أيضاً .


(الصفحة98)

مسألة : لو جعل التولية لاثنين ، فإن جعل لكلّ منهما مستقلاًّ استقلّ ولا يلزم عليه مراجعة الآخر ، وإذا مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة انفرد الآخر ، وإن جعلهما بالاجتماع ليس لأحدهما الاستقلال ، وكذا لو أطلق ولم تكن على إرادة الاستقلال قرائن الأحوال ، فحينئذ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة يضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر على الأحوط لو لم يكن الأقوى1 .

مسألة : لو عيّن الواقف وظيفة المتولّي وشغله فهو المتّبع . ولو أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف; من تعمير الوقف ، وإجارته وتحصيل اُجرته وقسمتها على أربابه ، وأداء خراجه ، ونحو ذلك ، كلّ ذلك على وجه الاحتياط ومراعاة الصلاح ، وليس لأحد مزاحمته فيه حتّى الموقوف عليهم . ويجوز أن


1 ـ لو جعل التولية لاثنين فله صورتان :
الاُولى : جعل التولية لكلّ منهما مستقلاًّ ، ومعناه الاستقلال في القيام بالوظائف وعدم لزوم الرجوع إلى الآخر ولو للاستشارة ، وفي هذه الصورة لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة لا يقدح ذلك في بقاء تولية الآخر وجواز التصرّف انفراداً .
الثانية: جعل التولية لهما بنحو الاجتماع والاشتراك ، فلا يجوز الانفراد بالتصرّف، وعطف على هذه الصورة صورة الإطلاق التي لا تشهد بالاستقلال قرائن الأحوال لظهور الكلام في ذلك ، وحينئذ لو مات أحدهما أو خرج عن الأهليّة في هذه الصورة الثانية بكلا فرضيها ليضمّ الحاكم إلى الآخر شخصاً آخر ، وفي المتن على الأحوط لو لم يكن الأقوى ، والوجه فيه أنّ المستفاد من جعل التولية لشخصين أنّ نظر الواقف إلى عدم الاكتفاء بشخص واحد ولو كان في غاية الوثاقة والأمانة ، فإنّ رعاية المصلحة طبقاً لموافقة شخصين أقرب إلى الواقع ، كما هو غير خفيّ .


(الصفحة99)

يجعل الواقف تولية بعض الاُمور لشخص ، وبعضها لآخر ، فجعل أمر التعمير وتحصيل المنافع مثلاً لأحد ، وأمر حفظها وقسمتها على أربابها لآخر ، أو جعل لواحد أن يكون الوقف بيده وحفظه ، وللآخر التصرّفات . ولو فوّض إلى واحد أمراً كالتعمير وتحصيل الفائدة ، وأهمل باقي الجهات من الحفظ والقسمة وغيرهما ، كان الوقف بالنسبة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولٍّ منصوب ، فيجري عليه حكمه الآتي1 .


1 ـ لا إشكال في أنّه لو عيّن الواقف في الصيغة وفي مقام جعل التولية وظيفة المتولّي وشغله ، فاللازم متابعته وعدم جواز التعدّي عنه(1) .
ولو لم يعيّن ، بل أطلق كانت وظيفته ما هو المتعارف من الاُمور المذكورة في المتن مع رعاية المصلحة ومراعاة جانب الاحتياط ، وليس لأحد مزاحمته فيه ، حتّى الموقوف عليهم ، بل وحتّى الواقف ، لصيرورته أجنبيّاً بعد تماميّة الوقف كما مرّ(2) .
وكما يجوز جعل التولية لشخصين بأحد النحوين المذكورين في المسألة السابقة ، كذلك يجوز تبعيض التولية ; بأن يجعل تولية بعض الاُمور لشخص ، والبعض الآخر لآخر ، كالمثالين المذكورين في المتن ; لأنّ الأمر بيده ; لقاعدة السلطنة . ولو فوّض إلى واحد أمراً كالتعمير وتحصيل الفائدة ، وأهمل باقي الجهات كالحفظ والقسمة وغيرهما ، كان الوقف بالإضافة إلى غير ما فوّض إليه بلا متولٍّ منصوب ، فيجري عليه حكم الوقف بلا متولٍّ أصلاً ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

(1) السرائر : 3 / 157 ، إصباح الشيعة : 347 ، مسالك الأفهام : 5 / 324 .
(2) في ص64 ـ 65 .

(الصفحة100)

مسألة : لو عيّن الواقف للمتولّي شيئاً من المنافع تعيّن ، وكان ذلك اُجرة عمله ، ليس له أزيد منه وإن كان أقلّ من اُجرة مثله ، ولو لم يعيّن شيئاً فالأقرب أنّ له اُجرة المثل1 .

مسألة : ليس للمتولّي تفويض التولية إلى غيره ـ حتّى مع عجزه عن التصدّي ـ إلاّ إذا جعل الواقف له ذلك عند جعله متولّياً . نعم ، يجوز له التوكيل في بعض ما كان تصدّيه وظيفته إن لم يشترط عليه المباشرة2 .

مسألة : يجوز للواقف أن يجعل ناظراً على المتولّي ، فإن أحرز أنّ المقصود مجرّد اطّلاعه على أعماله لأجل الاستيثاق فهو مستقلّ في تصرّفاته ، ولا يعتبر إذن الناظر في صحّتها ونفوذها ، وإنّما اللازم عليه اطّلاعه ، وإن كان


1 ـ لا إشكال في أنّه لو عيّن الواقف للمتولّي شيئاً من المنافع; سواء كان بمقدار اُجرة المثل أو أقلّ أو أكثر تعيّن(1) ، وكان ذلك اُجرة عمله ، عملاً بقاعدة السلطنة وقبول التولية بهذه الكيفيّة ، ولو لم يعيّن شيئاً فحيث إنّ عمل المسلم مع الأمر به محترم فالأقرب كما في المتن ثبوت اُجرة المثل .

2 ـ ليس للمتولّي بعد قبول التولية تفويضها إلى غيره مطلقاً ، حتّى مع العجز عن التصدّي ; لعدم ارتباطه بالوقف من هذه الجهة . نعم ، له مع حفظ التولية توكيل الغير في بعض ما كان من وظيفته التصدّي له في صورة عدم اشتراط المباشرة عليه ، وإلاّ فيصير في صورة العجز كالوقف بلا متولٍّ .

(1) مسالك الأفهام : 5 / 325 ـ 326 ، الحدائق الناضرة : 22 / 186 ، رياض المسائل : 9/309 ، الشرح الصغير : 2/242 .

<<التالي الفهرس السابق>>