في:  
                       
 
 
 

من حياة سماحته قائمة المؤلفات الأحکام و الفتاوى الأسئلة العقائدية نداءات سماحته  الصور  لقاءات و زيارات
المکتبة الفقهية المختصة الصفحة الخاصة المواقع التابعة أخبار المكاتب وعناوينها الدروس المناسبات القرآن والمناجات

<<التالي الفهرس السابق>>



(الصفحة361)

مسألة : لا يشترط فيه الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك ، فتحلّ ذبيحة المرأة فضلاً عن الخُنثى ، وكذا الحائض والجنب والنفساء والطفل إذا كان مميّزاً ، والأعمى والأغلف وولد الزنا1 .


وقت الضرورة إليه(1) ـ فإنّما هو بالإضافة إلى غير مثل الناصب ، فالنهي محمول على الكراهة . كما أنّ رواية حمران ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سمعته يقول : لا تأكل ذبيحة الناصب إلاّ أن تسمعه يسمّي(2) ، لابدّ من حملها على التقيّة; لعدم الفرق في الحرمة بين التسمية وعدمها .
ثمّ إنّ عدم اعتبار الإيمان في الذبح إنّما هو في الذبح العادي . وأمّا في الذبح الذي هو من العبادات ، كالذبح في منى يوم النحر ، فقد يقال باعتبار الإيمان ، نظراً إلى عدم صحّة عبادة غير المؤمن ، فلا تجوز استنابته للذبح في ذلك اليوم ، وإن اخترنا الجواز بالكيفيّة التي ذكرناها في كتاب الحجّ(3) ، فراجع ، لكن عدم تحقّق الذبح العبادي لا يستلزم عدم تحقّق الذبح المحلّل للأكل وتحقّق التذكية ، كما هو غير خفيّ .

1 ـ أمّا عدم اشتراط الذكورة في الذبح فيدلّ عليه روايات كثيرة :
منها : رواية مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، أنّه سُئل عن ذبيحة المرأة؟ فقال : إذا كانت مسلمة فذكرت اسم الله عليها فكُلْ(4) .

(1) تهذيب الأحكام : 9 / 70 ح298 ، الاستبصار : 4 / 86 ح330 ، وعنهما الوسائل : 24 / 67 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح5 .
(2) تهذيب الأحكام : 9 / 72 ح304 ، الاستبصار : 4 / 87 ح335 ، وعنهما الوسائل : 24 / 68 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب28 ح7 .
(3) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الحج : 5 / 255 ـ 256 .
(4) الكافي : 6 / 237 ذ ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 73 ذح309 ، وعنهما الوسائل : 24 / 44 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب23 ح6 .

(الصفحة362)



وفي صحيحة سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذبيحة الغلام والمرأة هل تؤكل؟ فقال : إذا كانت المرأة مسلمة فذكرت اسم الله على ذبيحتها حلّت ذبيحتها ، وكذلك الغلام إذا قوي على الذبيحة فذكر اسم الله ، وذلك إذا خيف فوت الذبيحة ولم يوجد من يذبح غيرهما(1) .
والقيد المذكور في الذيل كبعض الروايات الظاهرة في الجواز في صورة الضرورة إنّما هو لأجل عدم وصول النوبة إلى المرأة والغلام في غير هذه الصورة ، ويؤيّده أنّ في بعض الرويات أنّه كانت لعليّ بن الحسين (عليهما السلام) جارية تذبح له إذا أراد ، بل ورد ذلك في روايات متعدّدة(2) .
وأمّا عدم اشتراط البلوغ ، فيدلّ عليه أيضاً ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ روايات متعدّدة :
منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ذبيحة الصبي؟ فقال : إذا تحرّك وكان له خمسة إشبار وأطاق الشفرة ، الحديث(3) ، إذا تحرّك أي صار حَرِكاً ، والحَرِك كـ «كَتِف» : الغلام الخفيف الذكي(4) .
ومنها : رواية مسعدة بن صدقة قال : سُئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن ذبيحة الغلام؟ فقال : إذا قوي على الذبح ، وكان يحسن أن يذبح ، وذكر اسم الله عليها

(1) الكافي : 6 / 237 ح3 ، تهذيب الأحكام : 9 / 73 ح308 ، الفقيه : 3 / 212 ح983 ، وعنها الوسائل : 24 /45 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب23 ح7 .
(2) وسائل الشيعة : 24 / 43ـ 45 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب23 ح2 و4 و9 .
(3) الكافي : 6 / 237 ح1 ، الفقيه : 3 / 212 ح981 ، تهذيب الأحكام : 9 / 73 ح310 ، وعنها الوسائل : 24 / 42 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب22 ح1 .
(4) المنجد : 128 ، الصحاح : 2 / 1194 .

(الصفحة363)



فكُلْ ، الحديث(1) .
ومنها : رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا بلغ الصبيّ خمسة أشبار أُكلت ذبيحته(2) ، ولعلّ التقييد بخمسة أشبار ليس لأجل خصوصيّة فيه ، بل لأجل حصول القوّة على الذبح نوعاً عند ذلك .
ثمّ إنّ هذه المسألة لا ترتبط بمسألة شرعيّة عبادات الصبيّ وعدمها ، التي هي من القواعد الفقهية ; لأنّه لو لم نقل بالشرعية على خلاف ما اخترناه(3) ، لكنّه لا يستلزم اشتراط البلوغ في الذابح ، وعدم حلّية أكل لحم الحيوان المذبوح بذبح الصغير ; لعدم الارتباط بين الأمرين ، وعدم الملازمة في البين .
وأمّا عدم اعتبار عدم الجنابة فلروايات :
منها : موثّقة السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : ولا بأس أن يتنوّر الجنب ويحتجم ويذبح(4) .
وأمّا الاكتفاء بذبح الأغلف ، فيدلّ عليه رواية مسعدة بن صدقة ، عن جعفر (عليه السلام)أنّه سئل عن ذبيحة الأغلف؟ قال : كان عليّ (عليه السلام) لا يرى به بأساً(5) .
ويدلّ على حلّية ذبيحة ولد الزنا رواية صفوان بن يحيى ، قال : سأل المرزبان

(1) الكافي : 6 / 237 صدر ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 73 صدر ح309 ، وعنهما الوسائل : 24 / 42 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب22 ح2 .
(2) الكافي : 6 / 238 ح8 ، وعنه الوسائل : 24 / 42 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب22 ح3 .
(3) القواعد الفقهيّة للمؤلّف دام ظلّه : 1 / 341 ـ 356 .
(4) الكافي : 3 / 51 ح12 ، تهذيب الأحكام : 1 / 130 ح357 ، الاستبصار : 1 / 116 ح391 ، وعنها الوسائل : 24 / 32 ، كتاب الصيد والذبائح ب17 ح2 .
(5) قرب الإسناد : 50 ح161 ، وعنه الوسائل : 24 / 32 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب17 ح3 والبحار : 65 / 320 ح20 .

(الصفحة364)

مسألة : لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار ، فإن ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ وإن كان من المعادن المنطبعة; كالصفر والنحاس والذهب والفضّة وغيرها . نعم ، لو لم يوجد الحديد وخيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها ، أو اضطرّ إليه ، جاز بكلّ ما يفري أعضاء الذبح; ولو كان قصباً أو ليطة أو حجارة


أبا الحسن (عليه السلام) عن ذبيحة ولد الزنا قد عرفناه بذلك؟ قال : لا بأس به ، والمرأة والصبيّ إذا اضطرّوا إليه(1) ، ويحتمل أن يكون القيد ناظراً إلى خصوص المرأة والصبيّ ، وقد عرفت أنّه في هذه الصورة لا داعي إلى كون أحدهما ذابحاً مع إمكان غيره كما هو الغالب ، وعلى أيّ فلا دلالة للرواية على الاختصاص بصورة الضرورة ; لأنّه معها يحلّ أكل الميتة من أيّ طريق تحقّقت ، كما هو ظاهر .
كما أنّه يدلّ على حلّية ذبيحة الأعمى رواية ابن اُذينة ، عن غير واحد رووه ، عنهما (عليهما السلام) جميعاً : أنّ ذبيحة المرأة إذا أجادت الذبح وسمّت فلا بأس بأكله ، وكذلك الصبيّ ، وكذلك الأعمى إذا سدّد(2) .
وأمّا عدم اعتبار الخلوّ من الحيض والنفاس ، فلأنّ الذبح لا يكون عبادة حتّى يحتمل كونهما مانعين عنه ، وقد عرفت أنّ عباديّة الذبح بمنى لا تستلزم عدم حصول الحلّية لو لم تقع عبادة ، وفي المرسل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنّه سُئل عن الذبح على غير طهارة ، فرخّص فيه(3) .

(1) الفقيه : 3 / 210 ح969 ، وعنه الوسائل : 24 / 47 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب25 ح1 .
(2) الكافي : 6 / 238 ح5 ، تهذيب الأحكام : 9 / 73 ح311 ، الفقيه : 3 / 212 ح982 ، وعنها الوسائل : 24 / 45 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب23 ح8 .
(3) دعائم الإسلام : 2 / 178 ح643 وعنه مستدرك الوسائل : 16 / 139 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ب15 ح1 وبحار الأنوار : 65 / 329 ح59 .

(الصفحة365)

حادّة أو زجاجة أو غيرها . نعم ، في وقوع الذكاة بالسنّ والظفر مع الضرورة إشكال ، وإن كان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ لا يخلو من رجحان ، والأحوط الاجتناب مع الانفصال أيضاً ، وإن كان الوقوع لا يخلو من قرب1 .


1 ـ لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار ، فإن ذبح بغيره لم يحلّ وإن كان من المعادن المنطبعة، كالأمثلة المذكورة في المتن ، وأمّا الآلة المسمّـاة بـ «استيل» فقد حقّقنا من المتخصّصين المتمركزين في بعض الأمكنة التي فيها معدن الحديد بواسطة بعض الموثّقين من الروحانيّين : أنّها حديدة أيضاً لا شيء آخر ، غاية الأمر أنّها النوع الممتاز من الحديد ، وقد حكى الواسطة عنهم أنّ كلمة «استيل» في لغة اللاتين بمعنى الحديد الممتاز ، ولذا أجبنا في جواب الاستفتاءات الكثيرة الواقعة مخصوصاً بلحاظ الذبح يوم النحر بجواز الاستفادة منها ، خصوصاً مع شدّة الابتلاء بها وكثرة الاستفادة منها .
وكيف كان ، يدلّ على انحصار الآلة بالحديد في حال الاختيار روايات كثيرة :
منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذبيحة بالليطة وبالمروة؟ فقال : لا ذكاة إلاّ بحديدة(1) .
قال في مجمع البحرين : اللِّيطة هي قِشرُ القَصَبة والقناة . وقال فيه أيضاً : المَرْوُ حجارة بيضاء برّاقة تُقدَح منها النار(2) .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن ذبيحة العود

(1) الكافي : 6 / 227 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 51 ح211 ، الاستبصار : 4 / 79 ح294 ، وعنها الوسائل : 24 / 7 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب1 ح1 .
(2) مجمع البحرين : 3 / 1664 و1690 .

(الصفحة366)



والحجر والقصبة؟ فقال : قال عليّ (عليه السلام) : لا يصلح إلاّ بالحديدة(1) .
ومنها : رواية أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّه قال : لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة(2) .
ومنها : رواية سماعة بن مهران قال : سألته عن الذكاة؟ فقال : لا تذكّ إلاّ بحديدة ، نهى عن ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)(3) .
ولكن في مقابلها روايات دالّة على الجواز بغير الحديد في صورة الضرورة .
منها : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن المروة والقصبة والعود يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجد سكّيناً؟ فقال : إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك(4) .
ومنها : رواية زيد الشحّام قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل لم يكن بحضرته سكّين أيذبح بقصبة؟ فقال : إذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة ، إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به(5) .

(1) الكافي : 6 / 227 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 51 ح212 ، الاستبصار : 4 / 80 ح295 ، وعنها الوسائل : 24 / 7 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب1 ح2 .
(2) الكافي : 6 / 227 ح3 ، تهذيب الأحكام : 9 / 51 ح209 ، الاستبصار : 4 / 79 ح292 ، وعنها الوسائل : 24 / 8 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب1 ح3 .
(3) الكافي : 6 / 227 ح4 ، تهذيب الأحكام : 9 / 51 ح210 ، الاستبصار : 4 / 79 ح293 ، وعنها الوسائل : 24 / 8 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب1 ح4 .
(4) الفقيه : 3 / 208 ح954 ، الكافي : 6 / 228 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 52 ح214 ، الاستبصار : 4 / 80 ح297 ، وعنها الوسائل : 24 / 8 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب2 ح1 .
(5) الكافي : 6 / 228 ح3 ، تهذيب الأحكام : 9 / 51 ح213 ، الاستبصار : 4 / 80 ح296 ، وعنها الوسائل : 24 / 9 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب2 ح3 وص25 ب12 ح3 .

(الصفحة367)



ومنها : رواية محمّد بن مسلم قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) في الذبيحة بغير حديدة ، قال : إذا اضطررت إليها فإن لم تجد حديدة فاذبحها بحجر(1) .
ومقتضى الجمع حمل الطائفة الاُولى المطلقة على صورة الاختيار ، بقرينة الطائفة الثانية الواردة في مورد الاضطرار ، لكن الضرورة المسوّغة للذبح بغير الحديد من الاُمور المذكورة لابدّ أن تكون ناشئة إمّا من ناحية الحيوان لأجل الخوف على تلفه مع الصبر إلى القدرة على الحديد ، وإمّا أن تكون جائية من قبل الشخص لأجل الاضطرار إلى أكل لحمه فوراً ، وإلاّ فمجرّد إرادة الذبح ولو مع عدم الضرورتين معاً ـ غاية الأمر عدم وجود الحديد فعلاً ، ومن الممكن الوصول إليه بعداً ـ لا تجوّز الذبح بغير الحديد ، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّه استدرك في المتن وقوع الذكاة بالسنّ أو الظفر ولو في حال الضرورة ، واستشكل فيه أوّلاً ، وإن نفى الخلوّ عن الرجحان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ ، واحتاط بالاجتناب مع الانفصال أيضاً ، وإن نفى الخلوّ عن القرب في الوقوع في هذه الصورة .
والمنشأ دلالة بعض الروايات المتقدّمة على الجواز بالعظم في مورد الضرورة ، ودلالة بعض الروايات على العدم ولو في مورد الضرورة ; وهي الرواية المرويّة عن الحسين بن علوان ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) ، أنّه كان يقول : لا بأس بذبيحة المروة والعود وأشباههما ما خلا السنّ والعظم(2)، فإنّها ظاهرة ـ بقرينة

(1) الكافي : 6 / 228 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 52 ح215 ، الاستبصار : 4 / 80 ح298 ، وعنها الوسائل : 24 / 9 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب2 ح4 .
(2) قرب الإسناد : 106 ح363 ، وعنه الوسائل : 24 / 10 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب2 ح5 والبحار : 65 / 321 ح21 .

(الصفحة368)

مسألة : الواجب في الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة : الحلقوم ; وهو مجرى النفس دخولاً وخروجاً ، والمريء ; وهو مجرى الطعام والشراب ، ومحلّه تحت الحلقوم ، والودجان ; وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم أو


أنّ عدم البأس بذبيحة المروة والعود منحصر بصورة الضرورة ـ في أنّ السنّ والعظم لا يجديان في هذه الصورة أيضاً .
والجمع بينهما ـ على ما يظهر من المتن بالفرق بين صورتي الاتّصال والانفصال ـ لا شاهد له ، إلاّ أن يقال بأنّه في صورة الاتّصال لا يظهر فري الأوداج الأربعة نوعاً ، وهذا ـ مضافاً إلى أنّه خلاف المفروض ـ لا دليل عليه ، وإن ذكر صاحب الوسائل عقيب نقل هذه الرواية : لعلّه مخصوص بالعظم الذي لا يقطع الأوداج ، أو محمول على الكراهة ، ولعلّ الثاني أولى . والمحكيّ عن أبي حنيفة الفرق بينهما ، فمنع في الأوّل وأجاز في الثاني(1) ، وإليه أشار في المسالك ، حيث قال في المحكيّ عنها : وربما فرّق بين المتّصلين والمنفصلين; من حيث إنّ المنفصلين كغيرهما من الآلات ، بخلاف المتّصلين ، فإنّ القطع بهما يخرج عن مسمّى الذبح ، بل هو أشبه بالأكل والتقطيع ، والمقتضي للذكاة هو الذبح ، ويحمل النهي في الخبر على المتّصلين جمعاً ، انتهى(2) . وفي محكيّ الرياض احتاط بالمنع مطلقاً(3) ، والظاهر ما ذكرنا .

(1) الخلاف : 6 / 23 مسألة 22 ، شرح معاني الآثار : 4 / 183ـ 184 ، الحاوي الكبير : 19 /33 ، المحلّى بالآثار : 6/137 مسألة 1052 ، النتف في الفتاوى : 147 ، المبسوط للسرخسي : 12 / 2 ، حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء : 3 / 422 ، بدائع الصنائع : 4 / 158 ـ 159 ، الهداية شرح بداية المبتدي : 4/397 ، بداية المجتهد : 1 / 468 ، المغني لابن قدامة : 11 / 43 ، الشرح الكبير لابن قدامة : 11 / 50 ، تبيين الحقائق لشرح كنز الدقائق : 5 / 290 ، اللباب في شرح الكتاب : 3 / 227 .
(2) مسالك الأفهام : 11 / 472 .
(3) رياض المسائل : 12 / 96 .

(الصفحة369)

المريء ، وربما يطلق على هذه الأربعة: الأوداج الأربعة ، واللازم قطعها وفصلها ، فلا يكفي شقّها من دون القطع والفصل1 .

مسألة : محلّ الذبح في الحلق تحت اللحيين على نحو يقطع به الأوداج الأربعة ، واللازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة في لسان أهل هذا الزمان


1 ـ قال المحقّق في الشرائع بعد الحكم بوجوب قطع الأعضاء الأربعة : ولا يجزئ قطع بعضها مع الإمكان ، وهذا في قول مشهور ، وفي الرواية : إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس(1) ، والظاهر أنّ المراد بها هي صحيحة زيد الشحّام السابقة ، لكن في صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج السابقة الواردة في مورد المروة والقصبة والعود يذبح بهنّ الإنسان إذا لم يجد سكِّيناً ، قال (عليه السلام) : «إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك» ومن البعيد اختصاص فري الأوداج بصورة الضرورة ، بحيث يكون مرجعه إلى عدم الاعتبار في صورة عدمها ، كما أنّ احتمال إرادة خصوص الودجين ولو من باب التجوّز خلاف الظاهر ، وعلى فرض التعارض فموافقة الشهرة(2)التي هي أوّل المرجّحات على ما ذكرناه مراراً تقتضي الأخذ بصحيحة ابن الحجّاج والالتزام بفري الأوداج الأربعة ، وإطلاقها على الحلقوم والمريء ـ مع أنّ المحيط بهما هو الودجان فقط ـ إنّما هو لعدم إمكان القطع بدونه .
ثمّ إنّ التعبير بالقطع كما في بعض الروايات المتقدّمة ، أو بالفري كما في البعض الآخر ، يدلّ على أنّ المعتبر هو القطع ، فلا يكفي الشقّ والفصل من دون تحقّق عنوان القطع .

(1) شرائع الإسلام : 3 / 205 .
(2) مسالك الأفهام : 11 / 473 ـ 474، رياض المسائل : 12 / 97ـ 98.

(الصفحة370)

بـ «الجوزة» وجعلها في الرأس دون الجثّة والبدن ، بناءً على ما يدّعى من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلك العقدة على وجه لو لم تبق في الرأس بتمامها ، ولم يقع الذبح من تحتها ، لم تقطع الأوداج بتمامها ، وهذا أمر يعرفه أهل الخبرة ، فإن كان الأمر كذلك ، أو لم يحصل العلم بقطعها بتمامها بدون ذلك فاللازم مراعاته ، كما أنّه يلزم أن يكون شيء من كلّ من الأوداج الأربعة على الرأس حتّى يعلم أنّها انقطعت وانفصلت عمّا يلي الرأس1 .


1 ـ لا شبهة في اعتبار إحراز فري الأوداج الأربعة في الحكم بالحلّية ، وفي المتن : أنّ اللازم وقوعه تحت العقدة المسمّـاة في لسان أهل هذا الزمان بـ «الجوزة» وجعلها في الرأس دون الجثّة والبدن الخ ، وقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) بعد اعتبار فري الأوداج الأربعة كما ذكرنا ، أنّه بقي شيء كثر السؤال عنه في زماننا هذا ; وهو دعوى تعلّق الأعضاء الأربعة بـ «الخرزة» التي تكون في عنق الحيوان المسمّـاة بـ «الجوزة» على وجه إذا لم يبقها الذابح في الرأس لم يقطعها أجمع، أو لم يعلم بذلك وإن قطع نصف الجوزة ، ولكن لم أجد لذلك أثراً في كلام الأصحاب ولا في النصوص ، والمدار على صدق قطعها تماماً أجمع ، وربما كان الممارسون لذلك العارفون أولى من غيرهم في معرفة ذلك; وهم الذين اُشير إليهم في بعض النصوص بمن يحسن الذبح ويجيده(1) ، انتهى .
وكيف كان ، فلا دليل على اعتبار الأمر المذكور عدا لزوم إحراز فري الأوداج الأربعة فقط ، واللازم الرجوع إلى أهل الخبرة ، كما أنّه ذكر في الذيل أنّه يلزم أن يكون مقدار يسير من الأوداج الأربعة على الرأس حتّى يعلم أنّها انقطعت

(1) جواهر الكلام : 36 / 109 .

(الصفحة371)

مسألة : يشترط أن يكون الذبح من القدّام ، فلو ذبح من القفا وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حرمت . نعم ، لو قطعها من القدّام لكن لا من الفوق; بأن أدخل السكّين تحت الأعضاء وقطعها إلى الفوق ، لم تحرم الذبيحة وإن فعل مكروهاً على الأوجه ، والأحوط ترك هذا النحو1 .


وانفصلت عمّا يلي الرأس ، والوجه فيه واضح .

1 ـ أمّا اشتراط أن يكون الذبح من القدّام متفرّعاً عليه، أنّه لو ذبح من القفا وأسرع إلى أن قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح ، فالظاهر أنّ الوجه فيه عدم استقرار الحياة مع الذبح كذلك حين فري الأوداج وقطعه ، ولذا يتحقّق منه السرعة إلى قطع الأوداج قبل خروج الروح ، وسيأتي البحث في ذلك مفصّلاً إن شاء الله تعالى موضوعاً وحكماً .
وأمّا لو تحقّق القطع من القدّام لكن لا من الفوق; بأن أدخل السكّين تحت الأعضاء وقطعها إلى الفوق ، فقد قال المحقّق في الشرائع : و ـ يعني وكذا يكره ـ أن تقلّب السكين فيذبح إلى الفوق ، وقيل فيهما : يحرم ، والأوّل أشبه(1) ، معلّلاً له في الجواهر بقول الصادق (عليه السلام) في خبر حمران : ولا تقلّب السكّين لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق(2) (3) ، والقائل بالحرمة بعض القدماء(4) ، لكن الرواية قاصرة عن

(1) شرائع الإسلام : 3 / 206 .
(2) الكافي : 6 / 229 ح4 ، تهذيب الأحكام : 9 / 55 ح227 ، وعنهما الوسائل : 24 / 10 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب3 ح2 .
(3) جواهر الكلام : 36 / 136 .
(4) النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى : 584 ، المهذّب : 2 / 440 .

(الصفحة372)

مسألة : يجب التتابع في الذبح; بأن يستوفي قطع الأعضاء قبل زهوق الروح ، فلو قطع بعضها وأرسل الذبيحة حتّى انتهت إلى الموت ثمّ قطع الباقي حرمت ، بل لا يترك الاحياط بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف المعتاد ، ولا يعدّ معه عملاً واحداً عرفاً ، بل يعدّ عملين وإن استوفى التمام قبل خروج الروح منها1 .

مسألة : لو قطع رقبة الذبيحة من القفا وبقيت أعضاء الذباحة ، فإن بقيت لها الحياة ـ المستكشفة بالحركة ولو يسيرة ـ بعد الذبح وقطع الأوداج


إفادة الحرمة لقرائن دالّة على ذلك ، لكن مقتضى الاحتياط الاستحبابي ترك هذا النحو أيضاً .

1 ـ الوجه في وجوب التتابع في الذبح ولزوم استيفاء قطع الأعضاء الأربعة قبل زهوق الروح أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ زهاق الروح لابدّ وأن يكون مستنداً إلى قطع الأوداج الأربعة بتمامها ، بحيث كان قطع كلّ عضو علّة ناقصة لتحقّق الزهوق ، وعليه لو قطع بعض تلك الأعضاء وأرسل الذبيحة حتّى انتهت إلى الموت ثمّ قطع الباقي ولم يكن له أثر في الزهوق أصلاً حرمت ، بل في المتن النهي عن ترك الاحتياط بأن لا يفصل بينها بما يخرج عن المتعارف ، بحيث يعدّ عملين وإن كان استيفاء التمام قبل خروج الروح منها ; لأنّ المنساق من الأدلّة والمنصرف منها كون الذبح الذي هو السبب في زهوق الروح عملاً واحداً وفعلاً فارداً ، لا أعمالاً متعدّدة أو عملين كذلك ، فالنهي عن ترك الاحتياط المذكور في محلّه ، كما أنّ مقتضى الاحتياط صدور العمل الواحد من شخص واحد لا من شخصين أو أزيد ، ولعلّه سيجيء الكلام فيه .


(الصفحة373)

حلّت ، وإن كان لها حركة ولو يسيرة قبل الذبح ذبحت ، فإن خرج مع ذلك الدم المعتدل حلّت ، وإلاّ فإن لم تتحرّك حتّى يسيراً قبل الذبح حرُمت ، وإن تحرّكت قبله ولم يخرج الدم المعتدل فمحلّ إشكال1 .


1 ـ قال المحقّق في الشرائع : إذا قُطِعت رقبة الذبيحة ، وبقيت أعضاء الذباحة ، فإن كانت حياتها مستقرّة ذبحت وحلّت بالذبح ، وإلاّ كانت ميتة ، ومعنى المستقرّة ، التي يمكن أن يعيش مثلها اليوم والأيّام. وكذا لو عقرها السبع . ولو كانت الحياة غير مستقرّة; وهي التي يقضى بموتها عاجلاً، لم تحلّ بالذباحة; لأنّ حركتها كحركة المذبوح(1).
أقول : لا إشكال في أنّه إذا قطعت رقبة الذبيحة من القفا مثلاً ، كما مثّل به في الجواهر(2) وبقيت أعضاء الذباحة ، ففيه تفصيل بين صورة بقاء الحياة في الجملة وعدم البقاء ، فيحلّ بالذبح وقطع الأوداج الأربعة في الصورة الاُولى دون الثانية .
إنّما الإشكال والكلام في اعتبار مقدار الحياة ، وقد عرفت اعتبار الحياة المستقرّة وتفسيرها في كلام المحقّق ، ووافقه العلاّمة في محكيّ التحرير والقواعد والإرشاد(3)، واستظهر صاحب الجواهر من أكثر القدماء وجملة من المتأخِّرين حتّى المحقّق في النافع(4) ، وصريح بعضهم الاكتفاء في حلّ الذبيحة بالحركة وحدها ، أو مع خروج الدم المعتدل جمعاً أو تخييراً ، من غير اعتبار

(1) شرائع الإسلام : 3 / 207 ، المسألة الثالثة .
(2) جواهر الكلام : 36 / 141 .
(3) تحرير الأحكام الشرعية : 4 / 611 ، قواعد الأحكام : 3 / 322 ، إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان : 2/108 .
(4) المختصر النافع : 358 .

(الصفحة374)



استقرار الحياة بالمعنى المزبور(1) .
وفي المتن الاستشكال مع التحرّك وعدم خروج الدم المعتدل ، والحكم بالحلّية مع الحركة ولو يسيراً وخروج الدم المعتدل . وقد حكي عن المبسوط أنّه مع اشتراطه لاستقرار الحياة ذكر أنّه قال أصحابنا : إنّ أقلّ ما يلحق معه الذكاة أن يجده تطرف عينه ، أو تركض رجله ، أو يحرّك ذنبه ، فإنّه إذا وجده كذلك ولم يذكّه لم يحلّ أكله(2) ، بل عنه : روى أصحابنا : أنّ أقلّ ما يلحق معه الذكاة أن تجد ذنبه يتحرّك ، أو رجله تركض ، محتجّاً بذلك على تحريم الصيد إذا أدركه وهو مستقرّ الحياة ولم يتّسع الزمان لذبحه ، قال : وهذا أكثر من ذلك(3) .
أقول : ومن البعيد جدّاً الحكم باختلاف الصيد والحيوان المذبوح في ذلك .
ثمّ إنّ القائلين باعتبار الحياة المستقرّة قد اختلفت عباراتهم في تفسيرها ، ففي عبارة الشرائع ما عرفت ، وفي بعض الكلمات مثل ذلك ، مع أنّها في نفسها مجملة ، فإنّ الجمع بين أن يعيش يوماً أو يومين ، بل ربما يعزى أقلّ من ذلك إلى المشهور(4) ، للاكتفاء بتعيّش نصف يوم ، وبين أن يكون عدم استقرار الحياة راجعاً إلى أن تكون حركته كحركة المذبوح ربما لا يلتئم ; لأنّ كون الحركة كحركة المذبوح لا تقتضي أن يكون مقابلها التعيّش ولو نصف يوم ، وقد عرفت(5) أنّ الرواية

(1) كالأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان : 11 / 122 والنراقي في مستند الشيعة : 15 / 418ـ 423 وغيرهما على ما في الجواهر : 36/142 .
(2) المبسوط : 6 / 260 .
(3) الخلاف : 6 / 14 مسألة 10 .
(4) تلخيص الخلاف : 3 /219 مسألة 12 .
(5) في ص324 ـ 325 .

(الصفحة375)

مسألة : لو أخطأ الذابح وذبح من فوق العقدة ولم يقطع الأعضاء الأربعة ، فإن لم تبق لها الحياة حرمت ، وإن بقيت يمكن أن يتدارك; بأن يتسارع إلى إيقاع الذبح من تحت وقطع الأعضاء وحلّت ، واستكشاف الحياة كما مرّ1 .


الواردة في الصيد دالّة على أنّه إن أدركه مع الأوصاف المذكورة واتّسع الزمان لذبحه فاللازم الذبح .
ثمّ الظاهر أنّ توصيف الحياة بالاستقرار لم يؤخذ في شيء من الأدلّة شرطاً لتحليل الذبح ، كما أنّ جعل الملاك هي الحركة ولو يسيرة مع خروج الدم المعتدل لا يوجد في شيء منها . نعم ، في رواية زيد الشحّام المتقدّمة(1) : إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به ، والظاهر أنّ المراد من خروج الدم هو الدم المعتدل المتعارف ، وعليه فيمكن توجيه ما في المتن من أنّه مع اجتماع الحركة اليسيرة مع خروج الدم المعتدل يكون حلالاً ، وإن تحرّكت مع عدم خروج الدم المعتدل ففيه إشكال ، والوجه في الإشكال عدم جعل المدار على خروج الدم المتعارف في شيء من الأدلّة غير هذه الرواية .
ويبدو في النظر أن يقال : إنّ الملاك هي الأوصاف المتقدّمة المذكورة في الصيد ; لعدم الفرق بينه وبين الحيوان المذبوح بوجه .

1 ـ لو أخطأ الذابح وذبح من فوق العقدة المذكورة في بعض المسائل السابقة بناءً على لزوم عدم كون الذبح من فوق العقدة ولم يتحقّق قطع الأعضاء الأربعة ، فإن لم تبق له الحياة بالمعنى المتقدّم يصير الحيوان المذبوح بهذا النحو محرّماً ، وإن بقيت له الحياة بحيث يمكن التدارك; بأن يتسارع إلى إيقاع الذبح من تحت وقطع

(1) في ص366 .

(الصفحة376)

مسألة : لو أكل الذئب مثلا مذبح الحيوان وأدركه حيّاً ، فإن أكل تمام الأوداج الأربعة بتمامها; بحيث لم يبق شيء منها ولا منها شيء ، فهو غير قابل للتذكية وحرمت ، وكذا إن أكلها من فوق أو من تحت وبقي مقدار من الجميع معلّقة بالرأس أو متّصلة بالبدن على الأحوط ، فلا يحلّ بقطع ما بقي منها ، وكذلك لو أكل بعضها تماماً وأبقى بعضها كذلك ، كما إذا أكل الحلقوم بالتمام وأبقى الباقي كذلك ، فلو قطع الباقي مع الشرائط يشكل وقوع التذكية عليه ، فلا يترك الاحتياط1 .


الأعضاء حلّ الحيوان; لتحقّق التذكية الشرعيّة في حال الحياة المعتبرة على ما مرّ  .

1 ـ في هذه المسألة فروض :
الأوّل : ما إذا أكل الذئب مثلاً تمام الأوداج الأربعة ; بحيث لم يبق شيء منها ولو واحداً ، ولا منها شيء ولو كان قليلاً ، فهو غير قابل للتذكية ، ويكون محرّماً بالكلّية ; لأنّ المفروض عدم استناد زهوق الروح إلاّ إلى الذئب فقط ، ولا يكون محلّ التذكية باقياً بوجه .
الثاني : ما إذا أكل الذئب الأوداج الأربعة لكن لا بتمامها ، بل بقي مقدار من الجميع متعلّقة بالرأس ، لكن المأكول منها فوق العقدة المذكورة التي ذكرنا لزوم عدم كون الذبح من فوقها ، فالحيوان حينئذ حرام أيضاً ; لما ذكرنا ، ولو فرض بقاء مقدار متّصلة بالبدن وكون محلّ أكل الذئب تحت العقدة ، فاحتاط وجوباً في المتن بعدم حلّية الحيوان بقطع ما بقي من الأوداج ولو فرض اتّصاله بالبدن وكون محلّ

(الصفحة377)

مسألة : يشترط في التذكية الذبحيّة مضافاً إلى ما مرّ اُمور :
أحدها: الاستقبال بالذبيحة حال الذبح ; بأن يوجّه مذبحها ومقاديم بدنها إلى القبلة ، فإن أخلّ به ، فإن كان كان عامداً عالماً حرمت ، وإن كان ناسياً أو جاهلاً أو مخطئاً في القبلة أو في العمل لم تحرم . ولو لم يعلم جهة القبلة ، أو لم يتمكّن من توجيهها إليها سقط هذا الشرط ، ولا يشترط استقبال الذابح على الأقوى وإن كان أحوط وأولى1 .


أكل الذئب تحت العقدة ، ووجه الاحتياط بالحرمة الدالّ على الإشكال في الحلّية لزوم إحراز كون زهوق الروح مستنداً إلى فري الأوداج الأربعة بتمامها لا ببعضها ، كما هو المفروض ; لأنّ المنساق من الأدلّة ذلك .
الثالث : ما إذا أكل بعضها تماماً وأبقى البعض كذلك ، كما في المثال المذكور في المتن ، فلو قطع الباقي حينئذ مع الشرائط فقد استشكل فيه في وقوع التذكية عليه ، وفرّع عليه النهي عن ترك الاحتياط ، والوجه فيه أيضاً ما ذكرنا ، ولا مجال لقياس هذا بما إذا لم يكن للحيوان بعض تلك الأوداج من حين الولادة مثلاً ، فإنّه لا ينبغي الإشكال في الحكم بالحلّية بقطع الباقي منها ; لثبوت الفرق بين المقامين; بأنّ عدم بعض الأوداج لا أثر له في زهوق الروح أصلاً ، بخلاف المقام الذي أكله الذئب وإن كان الفرض بعيداً في نفسه .

1 ـ يعتبر في التذكية اُمور :
أحدها : الاستقبال بالذبيحة حال الذبح ; بأن يوجّه مذبحها ومقاديم بدنها إلى القبلة ، ويدلّ عليه روايات :
منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ذبح ذبيحة ،

(الصفحة378)



فجهل أن يوجّهها إلى القبلة؟ قال : كُل منها . فقلت له : فإنّه لم يوجّهها؟ فقال : فلا تأكل منها ، ولا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم الله عليها . وقال : إذا أردت أن تذبح فاستقبل بذبيحتك القبلة(1) ، وقد نقلها في الوسائل في باب واحد ثلاث مرّات ، مشعراً بأنّها روايات متعدّدة ، مع أنّا ذكرنا غير مرّة عدم التعدّد في مثله .
ومنها : رواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سُئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة؟ فقال : لا بأس إذا لم يتعمّد ، الحديث(2) .
ومنها : رواية عليّ بن جعفر في محكيّ كتابه ، عن أخيه قال : سألته عن الرجل يذبح على غير قبلة؟ قال : لا بأس إذا لم يتعمّد ، وإن ذبح ولم يسمِّ ، فلا بأس أن يسمّي إذا ذكر ، بسم الله على أوّله وآخره ، ثمّ يأكل(3) .
والمستفاد من مجموع هذه الروايات أنّ اعتبار الاستقبال بالذبيحة إنّما هو في صورة العلم والعمد ، وأمّا صورة الجهل أو النسيان أو الخطأ في القبلة أو تعصّي الدابّة عن التوجيه إليها فلا يشترط فيها الاستقبال ، ومثله الخطأ إلى القبلة في مقام العمل ، هذا بالإضافة إلى استقبال القبلة بالذبيحة .
وأمّا بالنسبة إلى استقبال الذابح ، فقد قوّى في المتن عدم الاشتراط وإن جعله أحوط وأولى ، والوجه في ذلك ظهور الروايات المتقدّمة في أنّ المدار هو استقبال

(1) الكافي : 6 / 233 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 60 ح253 ، وعنهما الوسائل : 24 / 27 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب14 ح2 .
(2) الكافي : 6 / 233 ح3 ، تهذيب الأحكام : 9 / 59 ح251 ، وعنهما الوسائل : 24 / 28 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب14 ح3 .
(3) مسائل عليّ بن جعفر : 142 ح164 ، وعنه الوسائل : 24 / 28 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب14 ح5 .

(الصفحة379)

ثانيها: التسمية من الذابح; بأن يذكر اسم الله عليها حينما يتشاغل بالذبح ، أو متّصلاً به عرفاً ، أو قبيله المتّصل به ، فلو أخلّ بها ، فإن كان عمداً حرمت ، وإن كان نسياناً لم تحرم . وفي إلحاق الجهل بالحكم بالنسيان أو العمد قولان ، أظهرهما الثاني ، والمعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد; أعني بعنوان كونها على الذبيحة ، ولا تجزئ التسمية الاتّفاقيّة الصادرة لغرض آخر1 .


الذبيحة وتوجيهها نحو القبلة ، وأمّا مثل قوله (عليه السلام) : «استقبل بذبيحتك القبلة» فلا دلالة له أيضاً إلاّ على لزوم كون الذبيحة مستقبل القبلة ، وأمّا جعل الباء بمعنى «مع» حتّى يكون مرجعه إلى لزوم استقبال كليهما فهو خلاف الظاهر ، بل الباء للتعدية ، كقوله تعالى : {ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ}(1) ومثله ، ومع ذلك يكون هو أحوط ، خصوصاً مع احتمال دلالة بعض الروايات غير المعتبرة عليها .

1 ـ الأصل في اعتبار هذا الأمر قوله تعالى : {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}(2) . وكذا قوله تعالى : {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}(3) الدالّ على الجواز ; لوقوعه في مقام توهّم الحظر ، ويدلّ على ذلك أيضاً روايات :
منها : بعض الروايات المتقدّمة في الأمر الأوّل .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : ولا تأكل من ذبيحة ما لم يذكر اسم الله عليها(4) .

(1) سورة البقرة : 2 / 17 .
(2) سورة الأنعام : 6 / 121 .
(3) سورة الأنعام : 6 / 118 .
(4) الكافي : 6 / 233 ح1 ، تهذيب الأحكام : 9 / 60 ح253 ، وعنهما الوسائل : 24 / 29 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب15 ح1 .

(الصفحة380)



ومنها : صحيحة اُخرى لمحمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يذبح ولا يسمّي؟ قال : إن كان ناسياً فلا بأس إذا كان مسلماً وكان يحسن أن يذبح ، ولا ينخع ، ولا يقطع الرقبة بعدما يذبح(1) .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث ، أنّه سأله عن الرجل يذبح فينسى أن يسمِّي ، أتؤكل ذبيحته؟ فقال : نعم ، إذا كان لا يتّهم وكان يحسن الذبح قبل ذلك ، ولا ينخع ولا يكسر الرقبة حتّى تبرد الذبيحة(2) .
ومنها : صحيحة ثالثة لمحمّد بن مسلم في حديث ، أنّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل ذبح ولم يسمِّ؟ فقال : إن كان ناسياً فليسمّ حين يذكر ، ويقول : بسم الله على أوّله وعلى آخره(3) .
ثمّ إنّه لو ترك التسمية ، فإن كان عالماً عامداً فالظاهر الحرمة ، بمقتضى ما عرفت من الكتاب والسنّة ، كما أنّه لو كان ناسياً فلا إشكال في عدم الحرمة ، وأمّا لو كان جاهلاً ، فإن كان جاهلاً بالموضوع فهو ملحق بالناسي ; لعدم الفرق بينهما ، وإن كان جاهلاً بالحكم ففي إلحاقه بالعمد أو النسيان قولان ، استظهر في المتن الأوّل ، ولعلّه لشمول الإطلاقات له وعدم مساواته مع النسيان ، خصوصاً مع بطلان القياس .
ثمّ الظاهر اعتبار وقوع التسمية بهذا القصد ، فلا يجتزئ بالتسمية الاتّفاقية ; لظهور الأدلّة في ذلك ، خصوصاً كلمة «على» المذكورة في الآية .

(1) الكافي : 6 / 233 ح2 ، تهذيب الأحكام : 9 / 60 ح252 ، وعنهما الوسائل : 24 / 29 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب15 ح2 .
(2) الكافي : 6 / 233 ح3 ، الفقيه : 3 / 211 ح979 ، تهذيب الأحكام : 9 / 59 ح251 ، وعنها الوسائل : 24 / 29 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب15 ح3 .
(3) الكافي : 6 / 233 ح4 ، الفقيه : 3 / 211 ح977 ، تهذيب الأحكام : 9 / 59 ح250 ، وعنها الوسائل : 24 / 30 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ب15 ح4 .

<<التالي الفهرس السابق>>