(الصفحة 330)
نعم، مع اختلال شيء من القيود الثلاثة المتقدّمة لا يحصل له العلم بفراغ الذمّة عن التكليف بالصلاة ، لأنه يحتمل معه البطلان ولكن ذلك التكليف خارج عن طرفي العلم الإجماليّ ، لأنّه تكليف معلوم بالتفصيل ، والغرض هو التكلّم في ما يقتضيه العلم الإجماليّ الموجود في البين وطرفاه هما التكليف النفسيّ المتعلّق بالمتابعة ووجوبها الشرطي وأمّا أصل التكليف بالصلاة فهو خارج عن الطرفية للعلم الإجمالي .
وبالجملة:
العلم الإجمالي هنا لا يؤثّر في تنجّز التكليف على تقدير ثبوته ، لأنّه لا يترتّب على مخالفة بعض أطرافه على تقدير ثبوته إلاّ بطلان القدوة فقط لا أصل الصلاة .
نعم قد عرفت أنه مع اختلال شيء من القيود المتقدّمة لا يحصل له العلم بالفراغ ، كما أنه مع عدم اختلاله أيضاً لا يحصل ، لأنّ مقتضى احتمال كون وجوب المتابعة نفسيّاً حرمة مخالفته المتحقّقة بالركوع الذي سبق فيه ، ومع اتّصاف الركوع بالحرمة وكونه مبغوضاً لا يعقل أن يكون مقرّباً ، فمقتضاه بطلان أصل الصلاة حينئذ .
ثمّ إنّه ذكر بعض الأعاظم من المعاصرين كلاماً في مقام الشكّ ، في أنّ المتابعة هل تكون واجبة نفساً أو شرطاً؟، ولا بأس بذكره ، فنقول:
قال: لو كانت المتابعة في كلّ فعل واجبة إجمالا ، ولم نعلم كونها من قبيل الوجوب النفسي أو الشرطي ، فاللازم مراعاة كليهما ، بمعنى أنّه لو خالف وكان وجوب المتابعة نفسيّاً لصحّت العقوبة وإن صحت صلاته ، لكون الوجوب النفسي طرفاً للعلم الإجمالي ، إلاّ أن يقال: إنّ العلم الإجمالي إنّما ينجّز الواقع إن كان الأخذ بالأصول في أطرافه موجباً للمخالفة القطعية ، وليس ما نحن فيه من ذلك .
فإنّ المفروض أنّ الشكّ في الشرطية في باب الجماعة يقتضي مراعاتها لا
(الصفحة 331)
معاملة الشكّ في القيد أو جزء من أجزاء المركّب الذي بنينا على البراءة ، فحينئذ لو بنى على بطلان الجماعة ويأتي بالصلاة تامّة بوظيفة الفرادى لا يكون قاطعاً بالمخالفة ، نعم لو كان المبنى على البراءة في القيد المشكوك في باب الجماعة لكان الأخذ بالبراءة من حيث التكليف النفسيّ ، ومن حيث الشرطية موجباً للمخالفة القطعية .
فإن قلت:
بأيّ وجه يسقط العلم الإجمالي المفروض عن الأثر بمجرّد لزوم مراعاة الشرطية من جهة اُخرى ، أليس يمكن أن يكون لزوم مراعاة الشرطية مستنداً إلى جهتين: إحداهما ما ذكرت من القاعدة في باب الجماعة ، والاُخرى من جهة العلم الإجمالي؟.
قلت:
لو كان الأخذ بمقتضى الشرطية هنا من باب الأصل التعبّدي وهو حكم الشكّ لكان لما ذكرت وجه ، وإن كان قابلا للخدشة أيضاً ، ولكنك عرفت أنّ ذلك من باب الدليل اللفظيّ الدالّ على لزوم فاتحة الكتاب في الركعة المتأخّرة عن الركعة التي سبق الإمام إلى الركوع ، ومقتضى العموم المذكور إحتياج الركعة الآتية إلى فاتحة الكتاب اللازم منه بطلان الجماعة ، فيكون من قبيل ما إذا قامت الأمارة الشرعيّة المثبتة لأحد طرفي العلم الإجمالي ، وقد قرّر في الاُصول انحلال العلم الإجمالي بذلك ، وصيرورة الشكّ في الطرف الآخر بدويّاً .
نعم، ما ذكرت يمكن تقريبه بالنسبة إلى غير الركعة الاُولى ، كمن سبق الإمام في ركوع الركعة الثانية أو الثالثة مثلا ، لعدم ما يدلّ على بطلان الجماعة في غير الأوليين ، فيدور الأمر بين كون المتابعة واجبة نفساً أو شرطاً ، فإن كانت واجبة نفساً يحرم ، وإن كانت واجبة شرطاً تبطل الجماعة ، لكن يرد على ذلك أيضاً أنّ السبق إلى الركوع لا يكون مخالفة قطعيّة للشارع ، فإنّه لو عامل مع هذه الصلاة معاملة غير الجماعة ولم يأت بعد ذلك بما هو وظيفة الجماعة لم يحصل منه المخالفة
(الصفحة 332)
القطعيّة . . .(1) .
ويرد عليه ما أوردناه عليه في السابق من أنّ التمسّك بقوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(2) في موارد الشكّ في اعتبار شيء في الجماعة ، تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية للمخصّص ، والجواز فيه وإن كان مورداً للاختلاف بينهم إلاّ أنّ الظاهر وفاقاً للقائل عدم الجواز .
وذلك لأنّ محصل دليل المجوّز يرجع إلى أنّ الحجّة من قبل المولى لا تتمّ إلاّ بعد ثبوت الكبرى والصغرى معاً ، والموجود في المقام كبريان معلومتان: إحداهما ما يدلّ على وجوب إكرام كلّ عالم مثلا ، والاُخرى ما يدلّ على النهي عن إكرام الفسّاق من العلماء ، وقد انعقد الظهور لكلّ منهما ، ولكن فرديّة زيد للاُولى معلومة وللثانية مشكوكة ، فبضميمة الصغرى المعلومة إلى الكبرى الاُولى ينتج وجوب إكرام زيد ، وليس في البين ما يزاحمها ، لكون فرديّته لموضوع الثانية مشكوكة ، والحجّة لا تتمّ بالكبرى وحدها ، بل لابدّ من ثبوت الصغرى أيضاً .
ويرد عليه أنّ حكم المخصّص لا يختصّ بالأفراد المعلومة ، وليس وظيفة المولى إلاّ إلقاء الكبريات وبيانها للناس ، وهذه الكبريات حجّة بأنفسها من دون توقّف على تشخيص صغرياتها ، نعم حجّيتها بالنسبة إلى الخارجيّات تتوقّف عليه ، فقول المولى: أكرم العلماء مثلا حجّة على العبد يجب عليه امتثاله ، وإن كان لا يتعين عليه في الخارج إلاّ إكرام من ثبت كونه عالماً .
وبالجملة:
فالتمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص لا يجوز على ما قرّر في محلّه ، وحينئذ يرد على هذا القائل إنّه مع اعترافه بعدم الجواز كيف تمسّك به هنا؟
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 490 ـ 491 .
- (2) مستدرك الوسائل 4 : 158 ح5 و 8 ; يراجع الوسائل 6 : 37 . أبواب القراءة في الصلاة ب1 ح1 . وص88 ب27 ح4 .
(الصفحة 333)
إن قلت:
إنّ مراده ليس هو التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، بل مراده هو التمسّك به مع الشكّ في مفهوم عنوان المخصّص ، نظير ما إذا تردّد مفهوم الفاسق الخارج عن العلماء الذين يجب إكرامهم بين خصوص مرتكب الكبيرة أو الأعمّ منه ومن مرتكب الصغيرة ، ولا بأس بالتمسّك بالعامّ في مثل ذلك .
قلت:
لو سلّمنا ذلك نقول: إنّ التمسّك بالعامّ في الشبهة المفهومية وإن كان جائزاً إلاّ أنّه لا مجال بعد الجواز لاستكشاف عدم كون المورد المشكوك مصداقاً لعنوان المخصّص ، كما صرّح به ، حيث استكشف من التمسّك بعموم ما يدلّ على احتياج الصلاة إلى فاتحة الكتاب عدم كون المورد المشكوك من أفراد الجماعة .
فإنّه يرد عليه أنّه لا وجه لهذا الاستكشاف ، ضرورة أنّ الحكم الجاري في موضوع الشكّ كيف يمكن أن يرفع الشكّ ؟ فإنّ مورد التمسّك بالعامّ هو المشكوك بما أنّه مشكوك ، فكيف يرفع التمسّك بالعامّ للشكّ ، ويثبت به عدم كونه من أفراد المخصّص كما لايخفى؟!(1)
وكيف كان، ففي مسألة السبق إلى الركوع لو لم يعلم حال المتابعة وأنها واجبة نفساً أو شرطاً بل علم بوجوبها إجمالا وجهان:
أحدهما:
بطلان الصلاة من رأس وعدم صحّتها جماعة ولا فرادى ، نظراً إلى أنّ أمر المتابعة يدور بين الوجوب النفسي والشرطي ، وعلى التقديرين يكون الإخلال بها مبطلا .
- (1) والانصاف أنّ عباراته في هذا المقام مختلفة جدّاً ، حيث إنّه يستفاد من بعضها أنّ التمسّك بعموم قوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص ، وقد صرّح في بعضها بأنّ الشبهة هنا من جهة المفهوم ، وأنّه ليس لنا مشكوك في الخارج ، وفي ثالث بعدم كون الشبهة في الموضوع ولا في المفهوم ، لعدم كون مفهوم الجماعة من المفاهيم المجملة ، بل الدليل الدالّ على مشروعيّتها ليس له إطلاق ، وأنّ المتيقّن منه قسم خاصّ من الجماعة ، والموارد المشكوكة تبقى بلا دليل ، فلا مانع من التمسّك بالعموم الدالّ على لزوم القراءة ، فلا تغفل . «المقرّر».
(الصفحة 334)
أمّا على التقدير الأول فلأنّ المتابعة وإن لم تكن على هذا التقدير شرطاً لا في أصل الصلاة ولا في القدوة ، إلاّ أنّ الاخلال بها بالسبق إلى الركوع يوجب أن يكون الركوع محرّماً ، لأنّ الأمر بالشيء وإن كان لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ ، إلاّ أنّه فيما لو لم يكن الضدّ الخاصّ عصياناً للأمر بحيث كانت مخالفته متحقّقة بنفس ذلك الضد ولم يكن لعصيانه واقع غيره .
وأمّا فيما كان عصيان الأمر بالضدّ متحقّقاً بنفس إيجاد الضدّ الآخر كما في الضدّين اللّذَين لا ثالث لهما ، فالأمر بالشيء فيه يقتضي النهي عن الضدّ بلا ريب ، فعلى تقدير كون وجوب المتابعة نفسيّاً لا مجال للإشكال في أنّ مخالفته بالسبق إلى الركوع يوجب وقوع الركوع محرّماً ، ومعه لا يصلح لأن يقع مقرّباً أو جزءً لما هو مقرّب .
وأمّا على التقدير الثاني فلأنّه مع الاخلال بالمتابعة على فرض كونها شرطاً للقدوة لا لأصل الصلاة لا تقع الصلاة صحيحة لا جماعة ولا فرادى ، أمّا جماعة فواضح ، لأنّ المفروض الاخلال بشرطها ، وأمّا فرادى فلأنّها غير مقصودة والمقصود وقوعها جماعة ، وهي غير واقعة ، فلا تكون صحيحة أصلا .
ثانيها:
صحة الصلاة فرادى لا البطلان ولا الصحّة جماعة ، لأنّ التكليف النفسيّ الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي أعني الحجّة الإجمالية لا يكون على تقدير ثبوته بمنجّز ، لأنّ الطرف الآخر لا يكون تكليفاً ، ومع عدم التنجّز لا يكون الركوع الذي به تتحقّق مخالفته محرّماً لكي لا يصلح للجزئية لما هو المقرّب ، واحتمال الشرطية للقدوة لا يترتّب عليه على تقدير كونه موافقاً للواقع إلاّ بطلان القدوة دون أصل الصلاة .
ودعوى كون وقوعها فرادى غير مقصود فكيف تقع فرادى؟!
مدفوعة بأنّ ما يفتقر إلى القصد إنّما هو نفس عنوان الصلاة ، وكذا صيرورتها