(الصفحة 178)
القربة عند كلّ صلاة مرجعها إلى الإتيان بها ، مع قصد الامتثال لو كانت هي المأمور به لا بخصوصها ، لعدم العلم بكونها مقرّبة .
وأمّا قصد التعيين ، فإن اقتصر على الثلاث يلزم الاخلال به بالنسبة إلى الأربع المردّدة ، لعدم تعنونها بخصوص عنوان الظهرية ، وكذا العصرية والعشائية ، وأمّا مع عدم الاقتصار عليها والإتيان بخمس صلوات لا يلزم الاخلال به ، لأنّ كل صلاة مأتيّ بها معنونة بعنوان خاصّ ، فاللاّزم مراعاة هذه الجهة مع إمكانها كما هو المفروض .
ويرد عليه أنّه كما يكفي قصد القربة المردّد الراجع إلى قصدها على تقدير كون العمل مقرّباً ، كذلك يكفي قصد التعيين المردّد أيضاً ، بحيث قَصَد عند الإتيان بالأربع ، العنوان الواقعي المردّد بين الظهرين والعشاء ، لو كانت الفائتة عبارة عن واحدة منها .
هذا ، مضافاً إلى أنّه ورد في المقام روايتان تدلاّن على المذهب المشهور:
1 ـ
ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن عليّ الوشا ، عن عليّ بن أسباط ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: «من نسي صلاة من صلاة يومه واحدة ولم يدر أيّ صلاة هي ، صلّى ركعتين وثلاثاً وأربعاً»(1) .
وهي وإن كانت مرسلة إلاّ أنّه باعتبار أنّ مرسلها عليّ بن أسباط الذي هو من أجلاّء الطبقة السادسة الواقع في طبقة ابن أبي عمير وغيره من أصحاب الرضا عليه الصلاة والسلام ، وهو وإن كان فطحيّاً ، إلاّ أنّ التتبّع في رواياته يقتضي بتورّعه وتثبته ، وأنّه لا يروي إلاّ عن ثقة ، فلا يضرّ الإرسال أصلا .
- (1) التهذيب 2: 197 ح774 و 775; الوسائل 8: 275 . أبواب قضاء الصلوات ب11 ح1 .
(الصفحة 179)
ثانيتهما:
ما رواه البرقي في محكي المحاسن عن أبيه ، عن العبّاس بن معروف ، عن عليّ بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد يرفع الحديث قال: سئل أبو عبدالله(عليه السلام)عن رجل نسي صلاة من الصلوات الخمس لا يدري أيّتها هي؟ قال: «يصلّي ثلاثة وأربعة وركعتين ، فإن كانت الظهر والعصر والعشاء كان قد صلّى ، وإن كانت المغرب والغداة فقد صلّى»(1) .
ويحتمل قويّاً عدم كونها رواية اُخرى ، بل كانت هي الرواية الاُولى بعينها ، كما أنّه يحتمل أن تكون إضافة هذا الذيل الخالي منه الرواية الاُولى من البرقي ، وكان غرضه منها التوضيح وبيان الاكتفاء بالثلاث .
وكيف كان ، فلا مجال للمناقشة في الاستدلال بهما من جهة الإرسال والرفع ، بعد استناد مثل المفيد والشيخ وغيرهما من أعلام القدماء في مقام الفتوى إليهما ، حيث أفتوا بمضمونهما(2) . هذا كلّه بالنسبة إلى الحاضر ، وأمّا المسافر فالظاهر فيه الاكتفاء بثلاث بعنوان المغرب ، وإثنتين مردّدة بين الصبح والظهرين والعشاء على ما هو المشهور(3) .
ولكن حكي عن السرائر الفرق بين المسألتين بوجوب الثلاثة في الاُولى والخمس في الثانية ، نظراً إلى أنّ القاعدة إنّما هي تقتضي الخمس ، لكن خولف ذلك بالنسبة إلى الاُولى ، للإجماع والروايتين ، ولا دليل على مخالفتها هنا(4) .
وأنت خبير بأنّه يمكن دفعه مضافاً إلى أنّه لا استبعاد في دعوى إلغاء الخصوصية من الروايتين الواردتين في الحاضر ، بأنّك قد عرفت أنّه لا يلزم من
- (1) المحاسن 2 : 47 ح1139; الوسائل 8: 276 . أبواب قضاء الصلوات ب11 ح2 .
- (2) راجع 3 : 176 .
- (3) المهذّب 1 : 126; مختلف الشيعة 3: 24 ـ 25; تذكرة الفقهاء 2: 360 مسألة 62; فرع أ; روض الجنان : 358 .
- (4) السرائر 1: 275 .
(الصفحة 180)
الاقتصار على الثلاث في المسألة المتقدّمة الاخلال بشيء من قصد القربة وقصد التعيين أصلا ، فالقاعدة في المقام تقتضي الاكتفاء بصلاتين . نعم تبقى خصوصية الجهر والاخفات ، والمستفاد من الروايتين سقوطهما في مثل المقام كما هو واضح .
الثانية: الاتيان بما فات كما فات ، قصراً أو تماماً
لا ريب نصّاً وفتوى في أنّ الفائتة في السفر تقضى قصراً وإن كان في الحضر ، والفائتة في الحضر تقضى تماماً وإن كان في السفر ، ولا خلاف فيه من علمائنا الإمامية رضوان الله عليهم(1) ، كما أنّه مقتضى الروايات الكثيرة الواردة في المقام ، مثل مضمرة زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؟ قال: «يقضي ما فاته كما فاته ، إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته»(2) .
ورواية عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: سألته عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها وهو مسافر؟ قال: «نعم ، يقضيها بالليل على الأرض ، فأمّا على الظهر فلا ، ويصلّي كما يصلّي في الحضر»(3) .
ورواية اُخرى لزرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إذا نسي الرجل صلاة أو صلاّها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه ، لا يزيد على ذلك ولا ينقص ، من نسي أربعاً فليقض أربعاً مسافراً كان أو مقيماً ، وإن نسي
- (1) المقنعة : 211; شرائع الإسلام 1 : 111; المعتبر 2: 411; تذكرة الفقهاء 2: 363 مسألة 65; الجامع للشرائع: 88 ; مفاتيح الشرائع 1 : 168; مسالك الأفهام 1 : 303 ; جواهر الكلام 13: 112 .
- (2) الكافي3: 435 ح7; التهذيب 3: 162 ح350; الوسائل 8: 268 . أبواب قضاء الصلوات ب6 ح1 .
- (3) التهذيب2 : 273 ح1068 ; الوسائل 8: 268 . أبواب قضاء الصلوات ب6 ح2 .
- والظهر: الحيوانات التي تحمل الاثقال في السفر; (لسان العرب 4: 522) .
(الصفحة 181)
ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر مسافراً كان أو مقيماً»(1) .
وغير ذلك من الروايات الدالّة على وجوب الإتيان بما فات كما فات قصراً أو تماماً . هذا ، وخالف فيما ذكرنا بعض العامّة حيث اعتبر حال الإتيان بالقضاء لا حال الفوت(2) ، ولكنّه دعوى بلا دليل .
الثالثة: اشتراك القضاء مع الأداء في أحكام الشك
الظاهر اشتراك القضاء مع الأداء في الأحكام المترتّبة على نسيان بعض الأجزاء ، أو على الشكّ في الإتيان بها بعد المحلّ ، أو قبله ، أو على الشكّ المتعلّق بالركعات الذي يوجب البطلان ، أو البناء على الأكثر .
ودعوى إنّه يمكن أن لا يكون حين الفوات عارضاً له هذا الأمر ، أي الشكّ أو السهو على تقدير الإتيان به .
مدفوعة بأنّ ذلك لا يوجب خروج القضاء عن الأحكام المترتّبة على السهو في الأداء ، بالمعنى الأعمّ الشامل للشكّ كما لا يخفى .
الرابعة: رعاية الهيئات وقت الفعل لا وقت الفوات
لو كان الواجب عليه في حال أداء الصلاة مع بعض الحالات التي لا ينتقل إليها إلاّ في صورة الاضطرار كالجلوس والاضطجاع ونحوهما ، فهل الواجب عليه مراعاة تلك الحال عند الإتيان بالقضاء وإن زال عنه العذر وارتفعت الضرورة ، أو أنّ الواجب عليه حينئذ الصلاة الواجبة في حال التمكّن وعدم الضرورة؟ ، وجهان .
- (1) التهذيب 3 : 225 ح 568; الفقيه 1: 282 ح1283; الوسائل 8 : 269 . أبواب قضاء الصلوات ب6 ح 4 .
- (2) المجموع 4: 367; تذكرة الفقهاء 2: 363 مسألة 65 .
(الصفحة 182)
والظاهر هو الوجه الثاني ، كما نصّ عليه غير واحد من الأصحاب(1) ، بل حكي في مفتاح الكرامة عن إرشاد الجعفرية: أنّ وجوب رعاية الهيئات وقت الفعل لا وقت الفوات أمر إجماعيّ لا خلاف لأحد من أصحابنا فيه(2) ، بل في الجواهر: أنّه من الواضحات التي لا تحتاج إلى تأمّل(3) .
والفرق بين هذه المسألة والمسألة الثانية أنّ هيئة الأداء من القصرية والإتمامية هي المطلوبة للشارع بخصوصها ، وإن كان المكلّف متمكّناً من غيرها ، ضرورة أنّه لا يجوز للمسافر الإتمام ، بل المطلوب في حال السفر هو القصر ، لأنّه من الصدقات التي تصدّق بها الله عزّوجلّ ، ويجب على الناس قبولها كما ورد في الرواية(4) ، وهذا بخلاف الهيئة التي كان المطلوب الأصلي غيرها ، إلاّ أنه اقتضى سهولة الشريعة وسماحة الملّة جواز الانتقال إليها كالجلوس والاضطجاع كما عرفت .
ولو انعكس الفرض بأن كان الواجب عليه في حال الأداء الصلاة الاختياريّة التي لم يكن مضطرّاً فيها إلى شيء من الجلوس والاضطجاع وغيرهما ، فهل يكفي في مقام القضاء والتدارك الإتيان بها جالساً أو ماشياً أو نائماً ، أو غيرها من الأحوال الاضطرارية المجزية في خصوص حال الاضطرار ، أو يجب توقع زوال العذر وحدوث حالة الاختيار والقضاء معها؟
لا ينبغي الإشكال في الجواز والاكتفاء بذلك ، لو علم بعدم زوال العذر وبقائه
- (1) منهم: العلاّمة في نهاية الأحكام 1 : 327; وابن فهد الحلّي في الموجز الحاوي (رسائل العشر): 109; والطباطبائي في رياض المسائل 4 : 288 .
- (2) مفتاح الكرامة 3: 397 .
- (3) جواهر الكلام 13: 113 .
- (4) الوسائل 8 : 519 ، 520 . أبواب صلاة المسافر ب22 ح7 و 11 .