(الصفحة 99)
بوقوع إحداهما صحيحة ، وهذا ممّا لا اشكال فيه .
وأمّا لو كان قبل السلام من العصر ، فبالنسبة إلى الظهر يكون الشكّ من مصاديق الشكّ بعد السلام الذي هو مجرى قاعدة الفراغ ، وبالنسبة إلى العصر يكون من الشكّ بين الأربع والخمس ، فمع قطع النظر عن العلم الإجمالي وكون الاحتمالين طرفين له ، لا مانع من إعمال القاعدتين ، وأمّا مع ملاحظته ففي المسألة وجوه ثلاثة :
أحدها :
ما اختاره سيّد الأساطين في العروة ، من أنه لا يمكن إعمال الحكمين ، لكن لو كان بعد إكمال السجدتين عدل إلى الظهر ، وأتمّ الصلاة وسجد للسهو يحصل له اليقين بظهر صحيحة ، إمّا الاُولى أو الثانية(1) ، وتبعه في ذلك بعض الأعاظم من المعاصرين مصرّحاً بأنّه لا فرق فيما ذكرنا من العلم بصحّة الظهر إجمالا بعد العدول من العصر إليها ، بين أن يكون بعد إكمال السجدتين أو قبله ، بل ذكر أنه يصحّ لو كان في حال القيام أيضاً(2) .
ثانيها :
ما حكي عن المحقّق العراقي(قدس سره) في الحاشية(3) على العروة ، من انحلال العلم الإجمالي بوقوع الزيادة المبطلة في إحداهما إلى العلم التفصيلي ببطلان العصر ، إما من جهة اشتمالها على الزيادة المبطلة ، وإمّا من جهة بطلان الظهر المترتّب عليه بطلان العصر ، مع عدم العدول وعدم تحقّق الفراغ منها ـ كما هو المفروض ـ والشكّ البدوي بالنسبة إلى صلاة الظهر ، فتجري فيها قاعدة الفراغ ولا يجب إلاّ إعادة خصوص صلاة العصر والإتيان بأربع ركعات بعنوانها .
ثالثها:
القول بإعمال القاعدتين لعدم التدافع بينهما ، كما اخترناه فيما لو علم
- (1) العروة الوثقى 1: 700 المسألة الثلاثون .
- (2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 432 .
- (3) تعليقة المحقّق العراقي على العروة الوثقى: 145 .
(الصفحة 100)
بالنقص في إحدى الصلاتين نظراً إلى أن العلم الإجمالي بتحقّق زيادة في إحدى الصلاتين لا يستلزم العلم الإجمالي ببطلانها ، لأنّ الزيادة إن كانت واقعة في صلاة الظهر فلا توجب بطلانها لأجل قاعدة الفراغ الجارية بالنسبة إلى الظهر ، لكون الشكّ حادثاً بعد الفراغ عنها ، وإن كانت متحقّقة في صلاة العصر ، فلا توجب أيضاً بطلانها ، نظراً إلى أدلّة الشكّ بين الأربع والخمس .
وهذا لا فرق فيه بين أن نقول بكون سجدتي السهو الواجبتين في الشكّ بين الأربع والخمس إنّما هما عقوبتان للسهو والذهول عن ركعات الصلاة ، وأنّ احتمال الزيادة مندفع بالأصل كما نفينا عنه البعد فيما سبق ، أو نقول بكون السجدتين جابرتين للزيادة المحتملة وإن كان عدم البطلان بناءً على الاحتمال الثاني أوضح .
وذلك لأنّه لا يكون حينئذ فرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة ، وهي ما لو علم قبل السلام بنقصان إحدى الصلاتين ، لأنّه كما يكون النقص المحتمل مجبوراً هناك بصلاة الإحتياط ، كذلك الزيادة المحتملة هنا مجبورة بالسجدتين .
ثمّ إنّه بناءً على هذا الوجه يختصّ إعمال القاعدتين بما إذا كان العلم عارضاً بعد إكمال السجدتين ، وذلك لأنّ مورد أدلّة الشكّ بين الأربع والخمس على ما عرفت سابقاً إنّما هو خصوص هذه الصورة .
هذا ، ويرد على هذا الوجه الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة ، وذلك لأنّ المصلّي هناك ، وإن كان يحصل له العلم الإجمالي بالنقص في إحدى الصلاتين إذا بنى على الأربع وسلّم; إلاّ أنّ النقص على تقدير وقوعه في صلاة العصر كان منجبراً بصلاة الإحتياط ، ولم يكن قادحاً في صحة الصلاة أصلا ، وهنا كان العلم الإجمالي بالزيادة المبطلة في إحدى الصلاتين حاصلا له قبل أن يسلّم .
ومقتضى هذا العلم الإجمالي مع ملاحظة اعتبار الترتيب في الصلاة اللاحقة وإن كان هو العلم التفصيلي ببطلانها ، إمّا لوقوع الزيادة المبطلة فيها ـ ودعوى كون
(الصفحة 101)
السجود جابراً لها مدفوعة بأنّها خالية عن الدليل بل لا يتجاوز عن الاحتمال ـ وإمّا لبطلان السابقة المترتّب عليه بطلانها ، إلاّ أنه باعتبار أدلّة العدول الدالّة على جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة مع عد إحراز الإتيان بها صحيحة ، ينسد باب البطلان ، وبه يتحقّق العلم باتيان الظهر صحيحة ، إمّا لخلّو الصلاة الاُولى عن الزيادة وإمّا لخلوّ المعدول عنه عنها .
فانقدح من ذلك الخلل في الوجه الثاني أيضاً الذي مرجعه إلى انحلال العلم الإجمالي إلى التفصيلي ببطلان العصر والشكّ البدوي بالنسبة إلى الظهر ، وهو مجرى قاعدة الفراغ ، وذلك لانّ العلم التفصيلي متفرّع على عدم العدول ، ومع إمكانه وجوازه لا يبقى له مجال أصلا .
فالحقّ ما اختاره في العروة من العدول والاتمام ثمّ سجود السهو .
ويمكن أن يقال بعدم الإحتياج إلى سجود السهو(1) ، وذلك من أنّ زيادة الركعة غير محتملة في صلاة الظهر الواقعية منهما ، لأنه بعد العدول والإتمام ظهراً يحصل له اليقين بالإتيان بظهر صحيحة خالية عن الزيادة ، فلا حاجة إلى سجود السهو .
ثمّ إنّه ربما يمكن أن يقال : إنّ العدول بالنحو المذكور وإن كان موجباً لحصول اليقين بظهر صحيحة خالية عن الزيادة ، إلاّ أنه لا دليل على لزومه وتعيّنه ، فيمكن أن يكون مخيّراً بينه وبين عدم العدول الموجب للعلم التفصيلي ببطلان العصر والشكّ البدوي بالنسبة إلى الظهر ، وهو مجرى قاعدة الفراغ .
وبعبارة اُخرى كان مخيّراً بين تحصيل العلم بفراغ الذمّة عن الظهر بسبب العدول وبين احراز صحتها بقاعدة الفراغ الجارية فيها بعد إنحلال العلم الإجمالي ،
- (1) راجع ما أفاده سيّدنا العلامة الاستاذ (مدّ ظلّه) في حاشية العروة: 71 . «المقرّر»
(الصفحة 102)
نعم يقع الكلام في جهة اُخرى ، وهي أنه عند دوران الأمر بين العلم باتيان الواقع وبين إحرازه باصل أو أمارة هل يكون الترجيح مع الأول أم لا وللتكلّم في هذه الجهة مقام آخر .
الرابعة عشر:
إذا علم بعد الفراغ من الصلاة أنه ترك سجدتين ، ولكن لم يدر أنّهما من ركعة واحدة كي يكون تاركاً للركن فيجب عليه الإعادة والاستئناف ، أو من ركعتين حتّى لا يجب عليه إلاّ القضاء وسجود السهو . قال في العروة : وجب عليه الإعادة ، ولكن الأحوط قضاء السجدة مرّتين ، وكذا سجود السهو مرّتين أوّلا ثمّ الإعادة(1) .
وحكى عن الشيخ في المبسوط وجماعة ، القول بوجوب الإعادة(2) ولو علم أنّهما كانتا من ركعتين ولكن لم يدر الركعتين ، وأنّهما هل هما الركعتان الاُوليان أو الأخيرتان ، وذلك لأنّه لم تسلّم الاُوليان يقيناً مع أنّ سلامتهما معتبرة بمقتضى النصوص ، ولكن هذا مبنيّ على ما ذهب إليه من اعتبار سلامة الأوّلتين مطلقاً .
وقد تقدّم أنّ الأظهر أنه لا فرق بين الاُوليين وغيرهما في شيء من الأحكام إلاّ في خصوص السهو المساوق للشكّ والترديد المتعلّق بخصوص عدد الركعات .
وقال المحقّق في الشرائع في هذا المقام : إنّه لو ترك سجدتين ولم يدر أنّهما من ركعة أو ركعتين رجحنا جانب الإحتياط(3) .
والظاهر بحسب بادئ النظر أنّ مراده من الإحتياط الذي رجّح جانبه هو
- (1) العروة الوثقى 1: 692 ، المسألة الرابعة عشر .
- (2) المبسوط 1: 120 ـ 121; المعتبر 2: 379; تذكرة الفقهاء 3: 307; مسالك الأفهام 1: 288; مستند الشيعة 7 : 94; جواهر الكلام 12: 273 .
- (3) شرائع الإسلام 1: 105 .
(الصفحة 103)
الجمع بين الإعادة وقضاء السجدتين ، ولكنّ الذي يقتضيه التأمّل ـ كما حكي أنه قد يلوح من كلام بعض ـ أنّ مراده منه هو خصوص الإعادة لا الجمع ، وذلك لأنّ وجوب القضاء وسجود السهو وعدم وجوبهما ليس في عرض صحة الصلاة وبطلانها بل في طولها ، ضرورة أنّ الوجوب متفرع على الصحّة ، وقد استوجه ذلك صاحب المصباح واستدلّ عليه بأنّ الأصل براءة الذمّة عن التكليف بقضاء السجدتين ثمّ قال : ولا يعارضه أصالة براءة ذمّته عن التكليف بالاعادة ، لأنها من آثار بقاء الأمر الأول وعدم حصول امتثاله ، وهو موافق للأصل ، فعلمه الإجمالي بأنّ عليه إمّا قضاء السجدتين أو الإعادة غير موجب للاحتياط بعد أن كان مقتضى الأصل في أحد طرفيه الاشتغال وفي الآخر البراءة فليتأمّل ، انتهى(1) .
وكيف كان ، فيمكن أن يقال في المسألة: بوجوب الجمع بين الإعادة وقضاء السجدتين وسجود السهو مرّتين ، نظراً إلى أنه مقتضى العلم الإجمالي ، بأنّ صلاته إمّا باطلة أو أنه يجب عليه قضاء المنسي . ويمكن أن يقال: بأنّ مرجع الشكّ في أنّ السجدتين هل كانتا من ركعة أو ركعتين إلى الشكّ في صحة الصلاة وبطلانها؟ .
والشك في الصحة والبطلان إذا كان حادثاً بعد التسليم ، يكون مجرى قاعدة الفراغ الحاكمة بالصحّة . وعدم لزوم الإعادة ، فمقتضى قاعدة الفراغ عدم وجوب الاستئناف ، وأمّا وجوب القضاء وسجود السهو ، فهو منفيّ بأصالة براءة الذمّة عنه للشكّ في تحقّق موجبه .
ودعوى مخالفته للعلم الإجمالي بأحد التكليفين وهو منجّز كالعلم التفصيلي فلا محيص عن الجمع .
مدفوعة بأنّه لا شكّ أنه ليس في البين إلاّ التكليف بأصل الصلاة وهو معلوم تفصيلا لا إجمالا ، فلا بدّ من تحصيل فراغ الذمّة عنه إمّا بالعلم أو بغيره من أمارة أو
- (1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 545 .