جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه تفسیر مدخل التفسير
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 64)

البالغ مرتبة الإعجاز ، والرتبة الفائقة على قدرة البشر ، مع أنّ القرآن كثيراً ما يورد في المعنى الواحد والمقصود الفارد عبارات مختلفة ، وبيانات متعدّدة ، وتراكيب متفرّقة ، سيّما في باب القصص والحكايات الماضية ؟

والجواب عن هذا الإشكال: أ نّ حديث الوضع ، ودلالة الألفاظ على معانيها وإن كان كما ذكر ، إلاّ أنّ استلزام ذلك لعدم كون البلاغة من وجوه الإعجاز ممنوع ; فإنّ الموضوع في باب الألفاظ ووضعها للمعاني إنّما هو المفردات . وأ مّا البلاغة ، فهي لا تتحقّق بمجرّد ذلك ; فإنّه من أوصاف الجملة والكلام ، والاتّصاف بها إنّما هو فيما إذا كانت الجملة التي يركبها المتكلّم ، والكلمات التي يوردها ، حاكية عن الصورة الذهنيّة المتشكِّلة في الذهن ، المطابقة للواقع .

ومن الواضح: أنّ تنظيم تلك الصورة ، وإيراد الألفاظ الحاكية لها من الاُمور التي لا ترجع إلى باب الوضع ودلالة مفردات الجمل وألفاظ الكلمات ، بل يحتاج إلى مهارة في صناعة البيان ، وفنّ البلاغة ، ونوع لطف في الذهن يقتدر به على تصوير الواقع وخصوصيّاته ، وإيجاد الصورة المطابقة له في الذهن .

فانقدح أ نّ اتّصاف الكلام بالبلاغة يتوقّف على جهات ثلاث يمكن الانفكاك بينها ، ومسألة الوضع والدلالة إحدى تلك الجهات ، ولا ملازمة بينها وبين الجهتين الاُخريين .

نعم ، لو قلنا بثبوت وضع للمركّبات زائداً على وضع المفردات التي منها الهيئة التركيبيّة ـ بأن كان في مثل «زيد قائم» وضع آخر زائداً على وضع «زيد»، ووضع «قائم» بمادّته وهيئته ، ووضع هيئة الجملة الإسميّة ، وكان الموضوع في الوضع الزائد مجموع هذه الجملة بما هو مجموعها ، ولا محالة يصير الوضع حينئذ شخصيّاً لا نوعيّاً ، كما هو ظاهر ـ لكان لهذا الإشكال مجال ; إذ كلّ جملة مؤلّفة لابدّ وأن  تنتهي إلى وضع الواضع .

(الصفحة 65)

إلاّ أن يقال بثبوت الإعجاز على هذا القول أيضاً ، إمّا بالإضافة إلى تركيب الجملات وتأليفها ; لأنّ انتهاء كلّ جملة إلى وضع الواضع لا يستلزم الاستناد إلى الوضع في مجموع الجملات المؤلّفة ، خصوصاً بعد ملاحظة ما ذكرنا سابقاً(1) من عدم كون الإعجاز وصفاً لكلّ آية من الآيات ، بل غاية ما تحدّى به في الكتاب هو السورة المؤلَّفة من الجملات المتعدّدة ، فالالتزام بالوضع في كلّ جملة لا ينافي الاتّصاف بالإعجاز في المجموع المركّب من الجملات ، كما هو ظاهر ، وإمّا بالإضافة إلى الاستعمالات المجازية التي لا يلزم الانتهاء فيها إلى الوضع بشخصها ، كما لا يخفى .

لكنّ الذي يسهّل الخطب: أ نّه لا مجال لأصل هذا القول ; لعدم كون المركّب أمراً زائداً على مفرداته التي منها الهيئة التركيبيّة ، حتّى يتعقّل فيه الوضع ، وليس هنا من سنخ المعاني معنى أيضاً ، حتّى يفتقر إلى وضع لفظ بإزائه ، وإن نسب هذا القول ابن مالك في بعض كتبه إلى بعض ، ولكنّه أجاب عنه بنفسه وأجاد في مقام الجواب (2) . والتحقيق الزائد في محلّه(3) .

ثمّ إنّه قد ظهر من جميع ما ذكرنا: أنّه قد وقع التحدّي في الكتاب العزيز ببعض وجوه الإعجاز ، وقد مرّ تفصيله(4) ، وهاهنا وجوه اُخر كثيرة صالحة لأن تكون من وجوه الإعجاز وإن لم يقع التحدّي بها فيه ، ولكنّه لا مجال للنقاش في اتّصافها بذلك ، ولا بأس بالتعرّض لبعضها:

  • (1) في ص 36 ـ 38 .
    (2) نهاية الدراية: 1 / 76 ، محاضرات في اُصول الفقه : 1 / 125 ، وضع المركّبات ، تهذيب الاُصول: 1 / 74 . حاكياً عن «شرح المفضّل» .
    (3) سيرى كامل در اصول فقه: 1 / 582 ـ 592 .
    (4) في ص43 وما بعدها .

(الصفحة 66)

القرآن ومعارفه الاعتقاديّة

من جملة وجوه الإعجاز اشتمال القرآن على الاُصول الاعتقاديّة ، والمعارف القلبيّة الراجعة إلى وجود البارئ وصفاته الجماليّة والجلاليّة ، وإلى ما يرجع إلى الأنبياء وأوصافهم الكماليّة ، وفضائلهم الاختصاصيّة ، بنحو ينطبق على ما هو مقتضى حكم العقل السليم ، والذوق المستقيم ، مع أنّ المحيط الذي نزل فيه الكتاب لم يكن له سنخيّة مع هذه المعارف والاُصول ، ووجه شباهة مع هذه الحقائق والمطالب ; فإنّ هؤلاء الذين نشأ النبيُّ بينهم وفيهم على طائفتين:

طائفة كثيرة كانت وثنيّة معتقدة بالخرافات والأوهام .

وطائفة من أهل الكتاب كانت معتقدة بما في كتب العهدين المحرّفة المنسوبة إلى الوحي .

ولو فرضنا أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يكن اُمّياً ـ مع أنّه من الوضوح بمكان ، وقد ادّعاه لنفسه مكرّراً ولم يقع في قباله إنكار ، وإلاّ لنقل كما هو ظاهر ـ وقد أخذ تعاليمه ومعارفه من تلك الكتب ، وكانت هي المصدر لكتابه والمأخذ لقرآنه ; لكان اللاّزم أن ينعكس على أقواله ومعارفه ظلال هذه العقائد الموجودة في المصادر المذكورة ، مع أ نّا نرى مخالفة القرآن لتلك الكتب في جميع النواحي ، واشتماله على المعارف والاُصول الحقيقيّة المغايرة لما في تلك الكتب ; من الخرافات التي لا ينبغي أن  يشتمل عليها كتاب البشر ، فضلاً عن الكتاب المنسوب إلى الوحي والنبيّ (صلى الله عليه وآله)  ، وهذا الذي ذكرناه له مجال واسع ، وعليه شواهد كثيرة وأمارات متعدّدة ، ولكنّا نقتصر على البعض خوفاً من التطويل .

فنقول: غير خفيّ على من لاحظ القرآن ، أ نّه وصف الله ـ تبارك وتعالى ـ بما ينطبق على العقل السليم ويتمشّى مع البرهان الصريح ، فأثبت له ـ تعالى ـ ما يليق بشأنه من الصفات الجماليّة ، ونزّهه عمّا لا يليق به من لوازم النقص والحدوث ،

(الصفحة 67)

فوصفه بأنّه تعالى خالق كلّ شيء (1) ، وأ نّه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء (2) ، وأ نّه الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء (3) ، وأ نّه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير (4) ، وأ نّه الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها (5) ، وأ نّه سخّر الشمس والقمر(6) ، وأ نّه عالم الغيب والشهادة وهو العزيز الحكيم (7) ، وأ نّه هو الذي ينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام(8) ، وغير ذلك من الصفات الكماليّة اللاّئقة بشأنه تبارك وتعالى ، وكذا نزّهه عن أن يكون له ولد (9) ، وعن أخذ السِّنة والنوم له (10) ، وغير ذلك ممّا يلازم النقص والإمكان .

وكذلك وصف الأنبياء بما ينبغي أن يوصفوا به  ـ وما يناسب ويلائم مقام النبوّة وقدس السفارة ـ في آيات كثيرة (11) ، وإن وقع من بعض المعاندين جمع ما يشعر بصدور ما لا يلائم مقام النبوّة وقدس السفارة من الآيات الظاهرة بدواً في ذلك ، ولكنّه قد اُجيب عنه بأجوبة شافية ، ونزّه الأنبياء من طريق نفس الكتاب ، وبيّن أنّ التأويل في تلك الآيات وضمّ البعض يرشد إلى خلافه .

  • (1) سورة الأنعام 6 : 101 ، سورة الفرقان 25 : 2 . (2  ، 3) سورة آل عمران 3 : 5 ـ 6 .
    (4) سورة الأنعام 6 : 103  (5  ، 6) سورة الرعد 13 : 2 .
    (7) سورة التغابن 64 : 18 . (8) سورة لقمان 31: 34 . (9) سورة الإسراء 17 : 111 . (10) سورة البقرة 2 : 255 . (11) سورة القلم 68 : 3 ـ 4 ، سورة الأحزاب 33 : 39 ـ 40 ، سورة الفتح 48 : 28 ـ 29 ، سورة التوبة 9 : 33 . سورة النساء 4 : 163 ـ 166 ، سورة النمل 27 : 15 ، سورة الأعراف 7 : 157 ، سورة الجمعة 62:2 ، سورة آل   عمران 3 : 33 ، سورة الزخرف 43: 26 ـ 27 ، سورة الأنعام 6 : 75 ، 84 ، 85 ، 86 ، 87 ، وهناك كثير من الآيات التي تشيد بالأنبياء والرسل وصفاتهم ودورهم ووظيفتهم في تبليغ رسائل السماء وهداية مجتمعاتهم .

(الصفحة 68)

وبالجملة: لا مجال للارتياب في أنّ الكتاب قد وصف الأنبياء بكلّ جميل ، ونزّههم عن كلّ ما لا يليق مع قداسة النبوّة .

وأ مّا كتب العهدين: فتراها في مقام توصيف الله ـ تبارك وتعالى ـ وتوصيف الأنبياء السفراء ، مشتملة على ما لا يرضى به العقل أصلاً ، وما لا ينطبق على البرهان قطعاً ، وقد تعرّض لكثير من هذه الموارد الشيخ العلاّمة البلاغي(قدس سره) (1) في كتابيه «الهدى إلى دين المصطفى» ، و«الرحلة المدرسيّة» .

ومن جملة ذلك ما وقع في محكيّ الإصحاح الثاني والثالث من سفر التكوين من «كتاب التوراة» في قصّة آدم وحوّاء ، وخروجهما من الجنّة ، حيث ذكرت:

«أنّ الله أجاز لآدم أن يأكل من جميع الأثمار إلاّ ثمرة شجرة معرفة الخير والشرّ ، وقال له : «لأنّك يوم تأكل منها موتاً تموت »، ثمّ خلق الله من آدم زوجته حوّاء ، وكانا عاريين في الجنّة ; لأنّهما لا يدركان الخير والشرّ ، وجاءت الحيّة ودلّتهما على الشجرة ، وحرّضتهما على الأكل من ثمرها ، وقالت: إنّكما لا تموتان ، بل إنّ الله عالم أ نّكما يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما ، وتعرفان الخير والشرّ ، فلمّا أكلا منها انفتحت أعينهما وعرفا أ نّهما عاريان ، فصنعا لأنفسهما مئزراً(2) ، فرآهما الربّ وهو يتمشّى في الجنّة ، فاختبأ آدم وحوّاء منه ، فنادى الله آدم أين أنت؟

  • (1) الإمام المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي ، ولد سنة 1282 هـ في اُسرة هي من أرقى الاُسر العراقيّة ، عرفت بالدين والعلم والأدب ، درس على كبار علماء حوزة النجف الأشرف يومذاك ، منهم: الشيخ محمد كاظم الخراساني ، والميرزا محمد تقي الشيرازي والشيخ محمد طه نجف ، ترك مؤلّفات كثيرة قاربت الخميسن مؤلّفاً في الفقه والاُصول والتفسير ومقارنة الأديان وغيرها ، توفّي سنة 1352 هـ عن سبعين عاماً قضاها عالماً مجاهداً واعياً . الكنى والألقاب: 2 / 94 ـ 95 ، ريحانة الأدب: 1 / 278 ـ 279 ، طبقات أعلام الشيعة ، نقباء البشر في القرن الرابع عشر: 1 / 323 ـ 326 ، معجم المؤلّفين: 3 / 201 ، الرقم 12661 .
    (2) مدرسة سيّار ، ترجمة الرحلة المدرسيّة أو المدرسة السيّارة: 9 ـ 10 . الهدى إلى دين المصطفى للبلاغي: 2 / 136 .