جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه تفسیر مدخل التفسير
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 71)

عبادة الآلهة المصنوعة ، واتّخاذها شفعاءً إلى الله تعالى (1) ، وبعد ذلك شيوع النهب والغارة بينهم ، وابتهاجهم بإقامة الحروب والمعارك ، وقتل الأنفس واغتنام الأموال(2) ، وشيوع الاستقسام بالأنصاب والأزلام ، واعتيادهم شرب الخمر ، واللعب بالميسر ، وافتخارهم بذلك (3) ، والتزويج بنساء الآباء(4) ، ودسّ البنات في التراب (5) ، كما حكاه القرآن بقوله ـ تعالى ـ :

(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالاُْنثَى ظَـلَّ وَجْهُهُو مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ  * يَتَوَ رَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِأَيُمْسِكُهُو عَلَى هُون أَمْ يَدُسُّهُو فِى التُّرَابِ) (6) .

ولكنّ البناء العملي غالباً إنّما كان على الدسّ والدفن في حال الحياة .

ومن القوانين الشائعة بين أهل الكتاب التابعين لكتب العهدين المحرّفة: أ نّ التوراة ـ مع كبر حجمها ـ لا يكون فيها مورد تعرّضت فيه لوجود القيامة ، وعالم الجزاء على الأعمال أصلاً ، مع أنّه من الواضح أنّ الغرض الأقصى والمطلوب الأوّلي في باب الأديان هو تأمين عالم الآخرة ، والدعوة إلى الأعمال الحسنة التي يترتّب عليها الثواب والراحة ، ودخول الجنّة .

وعليه: فكيف يمكن أن يكون كتاب الوحي خالياً عن التعرّض لمثل ذلك العالم ، الذي لا تدركه الحواسّ ، ويحتاج إلى التعرّض والهداية ، وإراءة الطريق إليه ، فضلاً عن الدعوة إلى الأعمال النافعة في ذلك العالم ، الرابحة في سوقه؟!

نعم ، حرّضت التوراة الناس إلى الطاعة والتجنّب عن المعصية من جهة تأثير

  • (1) انظر بُلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب: 2 / 197 ـ 221 .
    (2) المصدر نفسه: 2 / 562 .
    (3) المصدر نفسه: 3 / 42 ـ 70 .
    (4) المصدر نفسه: 2 / 52 ـ 54 .
    (5) المصدر نفسه: 3 / 42 ـ 44 .
    (6) سورة النحل 16 : 58 ـ 59 .

(الصفحة 72)

الطاعة في حصول الغنى في الدنيا ، والتسلّط على الناس باستعبادهم ، وتأثير المعصية في تحقّق السقوط من عين الربّ ، وسلب الأموال والشؤون المادّية ، ولأجل عدم دلالة التوراة على وجود عالم الآخرة والدعوة إلى ما يؤثّر فيه; نرى التابعين لها في مثل هذه الأزمنة غير متوجّهين إلاّ إلى الجهات الراجعة إلى عالم المادّة والغنى والمكنة ، ولا نظر لهم أصلاً إلى عالم الآخرة ، ولهم في هذا المجال قصص مضحكة مشهورة .

وفي مقابلها: شريعة الإنجيل ناظرة إلى الآخرة فقط ، ولا تعرّض فيها لصلاح حال الدنيا وشؤونها بوجه من الوجوه .

أ مّا القرآن الكريم: فقد نزل في عصر كان الحاكم عليه القوانين الرائجة بين الوثنيّة من ناحية ، وقوانين التوراة والإنجيل المحرّفة من ناحية اُخرى ، وملاحظة نظامه وتشريعه من حيث هو ـ ولا سيّما مع المقايسة لتلك القوانين الحاكمة في ذلك العصر ـ ترشد الباحث إرشاداً قطعيّاً إلى كونه نازلاً من عند الله تبارك وتعالى .

أ مّا من جهة اشتماله على نظام الدنيا ونظام الآخرة ، وتضمّنه لما يصلح في كلا العالمين ، وتكفّله لما يؤثّر في السعادتين; فلا موقع للارتياب في البين ، ويكفي في الدعوة إلى عالم الآخرة ، الذي قد عرفت أ نّه الغرض الأقصى والمطلوب الأهمّ في الأديان والشرائع الإلهيّة ، مثل :

قوله ـ تعالى ـ : (وَ ابْتَغِ فِيمَآ ءَاتَـئـكَ اللَّهُ الدَّارَ الاَْخِرَةَ وَ لاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ) (1) .

بل أنّ هذه الآية تدلّ على كلا النظامين ، وعلى أهمّية النظام الاُخروي ورجحانه على النظام الدنيوي .

  • (1) سورة القصص 28 : 77 .

(الصفحة 73)

وقوله ـ تعالى ـ : (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ * وَ مَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ) (1) .

خصوصاً مع ملاحظة ما حكي في شأن هذه الآية عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) من أنّها أحكم آية في القرآن (2) ، ومع ظهورها في أنّ المرئي في عالم الآخرة نفس عمل الخير والشرّ ، الظاهر في تصوّرهما بأنفسهما بالصور الخاصّة المرئيّة في ذلك العالم ، كما يدلّ عليه بعض الآيات الاُخر(3) ، وكثير من الروايات(4) ، وذلك لرجوع الضمير إلى نفس العمل كما هو ظاهر ، فتدبّر!

وأمّا من جهة انطباق قوانينه وشرائعه مع البراهين الواضحة ، والفطرة السليمة ، والأخلاق الفاضلة ، بحيث لا تبقى مع رعايتها بأجمعها وتطبيق العمل عليها ، والالتزام بعدم التخطّي عنها في الأعمال القلبيّة والخارجيّة ، والأفعال الجانحيّة والجارحيّة ، مجالٌ لشائبة النقص والقصور ، وموقعٌ لاحتمال عروض الضعف والفتور ، وبها يمكن التوسّل إلى السعادة المطلوبة ، والوصول إلى الراحة المقصودة في النشأة المادّية والمعنويّة .

فتراه في مواضع متعدّدة يأمر الناس بسلوك العدل ، الذي هي الجادّة الوسطى التي لا انحراف عنها يميناً وشمالاً ; كما في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ

  • (1) سورة الزلزلة 99 : 7 ـ 8 .
    (2) ذكر في مجمع البيان 10: 375 في تفسير الآية، أنّ عبدالله بن مسعود قال: أحكم آية في القرآن: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْرًا يَرَهُ . . .) إلى آخر السورة . ولم أجد فيما تيسّر أنّ هذا القول للإمام زين العابدين(عليه السلام)  .
    (3) مثل الآية 30 من سورة آل عمران: 3 ، والآية 160 من سورة الأنعام: 6 ، والآية 17 من سورة غافر: 4 .
    (4) توحيد المفضّل بن عمر: 92 ، أوّل المجلس الثاني ، الكافي 8: 72 ح29 ، تفسير القمّي 2: 433 ـ 434 ، وعنها تفسير كنز الدقائق 11: 479ـ 480 . وفي بحار الأنوار: 3 / 90 عن توحيد المفضّل ، وفي ج6 / 223 ح24 عن أمالي الصدوق: 593 ح822 ، وفي ج78 / 143 ـ 146 ح6 عن أمالي الصدوق وتحف العقول: 249 ـ 259 .

(الصفحة 74)

وَ الاِْحْسَـنِ وَ إِيتَآىِ ذِى الْقُرْبَى) (1) .

وكذا يأمرهم بأن يطلبوا منه الهداية إلى الصراط المستقيم ; كما في قوله ـ تعالى ـ : (اهْدِنَا الصِّرَ طَ الْمُسْتَقِيمَ )  (2) .

وكذا ملاحظة سائر قوانينه المؤثّرة في تحصيل السعادة الدنيويّة أو الاُخرويّة ، والخالية عن وصفي الكلفة والحرج ، بحيث أخبر الله ـ تعالى ـ بأنّ ما يكون حرجيّاً لم يكن مجعولاً في الدين والشريعة ، وأ نّه تعلّقت إرادته باليسر ولم تتعلّق بالعسر .

وبالجملة: ملاحظة نظام القرآن وتشريعه ترشد الباحث غير المتعصّب إلى عدم كونه مصنوعاً للبشر ، وأ نّه كيف يمكن له الإحاطة بجميع الخصوصيّات الدخيلة في سعادة الدارين ، حتّى يضع قانوناً منطبقاً عليها ، فضلاً عن القوانين الكثيرة الثابتة في جميع الوقائع والحوادث المبتلى بها ؟

ومن باب المثال: اُنظر إلى قانوني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، اللذين هما من الواجبات المسلّمة في الشريعة ، الدالّ عليها الكتاب العزيز والسنّة الشريفة ، وقايس هذا القانون مع التشكيلات العصريّة الكاملة تدريجاً ، التي يكون الغرض من تأسيسها ، والغاية الباعثة على جعلها حفظ القوانين البشريّة ولزوم تطبيق العمل عليها ; فإنّها ـ مع سعتها المحيّرة ، وعظمتها المعجبة ، واستلزامها لصرف مؤنة كثيرة ـ لا تقدر على تحصيل هذا الغرض كما نراه بالوجدان ، فلا تكاد تقدر على الردع عن مخالفتها ، وسدّ باب نقضها مع جعل عقوبات عجيبة ، وتعذيبات شديدة ، لفرض صورة المخالفة ، والفرار عن الموافقة .

وأ مّا قانون القرآن ، فمضافاً إلى عدم افتقاره إلى تشكيلات مخصوصة ومؤنة زائدة ، وما يتضمّن لحفظ القوانين من طريق لزوم مراقبة كلّ فرد بالإضافة إلى

  • (1) سورة النحل 16: 90 .
    (2) سورة الفاتحة 1: 6 .

(الصفحة 75)

آخر ، وكونه عيناً عليه، ناظراً له ، فهو ـ أي كلّ واحد من المسلمين ـ يتّصف بأنّه مراقب ـ بالكسر ـ ومراقب ـ بالفتح ـ ولا يتصوّر فوق هذا المعنى شيء ; ضرورة أنّ أعضاء تلك التشكيلات محدودة لا محالة ، وهي لا تتّصف إلاّ بعنوان المراقبة ـ بالكسر ـ بخلاف قانون القرآن .

والإنصاف أ نّ التدبّر في كلّ واحد من القوانين الثابتة في القرآن ـ فضلاً عن جميعها ـ لا يبقي للمرتاب شكّ ولا للمريب وهم ، ويقضي إلى الحكم الجازم ، والتصديق القطعي ، الذي لا ريب فيه بأنّه كتاب نازل من عند الله العالم الخبير ، والحكيم البصير ; كما قال الله ـ تعالى ـ : (ذَ لِكَ الْـكِتَـبُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) (1) .

ولكنّ الاهتداء بهدايته والاستضاءة بنوره يحتاج إلى تقوى القلب ، وسلامته عن مرض العناد والتعصّب واللجاج ، وبقائه على الفطرة الأصليّة السليمة القابلة لنور الهداية ، غير المنحرفة عن الجادّة المستقيمة ، التي يكون السالك فيها مطيعاً للفعل ، ومجتنباً عن الضلالة والجهل .

القرآن وأسرار الخلقة

من جملة وجوه الإعجاز الهادية إلى أنّ القرآن قد نزل من عند الله تبارك وتعالى; اشتماله على التعرّض لبعض أسرار الخلقة ، ورموز عالم الكون ، ممّا لا يكاد يهتدي إليه عقل البشر في ذلك العصر ، ولا سيّما من كان في جزيرة العرب ، البعيدة عن التمدّن العصري بمراحل كثيرة ، وهذه الأنباء في القرآن كثيرة ، ولعلّ مجموعها يتجاوز عن كتاب واحد ، وكما أنّ جملة ممّا أخبر به القرآن لم تتّضح إلاّ بعد توفّر

  • (1) سورة البقرة 2: 2 .