تنبيهات
وينبغي التنبيه على اُمور:
التنبيه الأوّل: في معنى التخيير في المسألة الاُصوليّة:
لا إشكال في أنّ المستفاد من أخبار التخيير هو التخيير في المسألةالاُصوليّة، ومرجعه إلى كون المجتهد المتحيّر مخيّرا في الأخذ بأحد الخبرين فيمقام الفتوى ومعاملته معاملة الحجّة، كما لو كان بلامعارض، لا التخيير فيالمسألة الفقهيّة مثل: تخيير المكلّف بين الخصال الثلاث في كفّارة الإفطار فيمقام الامتثال.
وإنّما الإشكال في كيفيّة الجمع والتوافق بين مقتضى القاعدة العقلائيّة ـ أيالتساقط ـ وحكم الشارع بالتخيير في ضمن الأخبار العلاجيّة.
قد يقال بأنّ حكم الشارع بالتخيير في الخبرين المتعارضين لايكون معغضّ النظر عن حكم العقل والعقلاء وتخطئتهما، بل الشارع مع ملاحظة حكمالعقل والعقلاء بتساقط الطريقين وعدم كاشفيّتهما عن الواقع جعل حكمظاهريّا للمتحيّر، وهو التخيير والسعة في الأخذ بأيّهما، فيكون التساقطبلحاظ الطريقيّة، والتخيير بعنوان الحكم الظاهري كسائر الاُصول المعتبرة فيموارد الشكّ. ويؤيّده ما في بعض الروايات المتقدّمة كقوله عليهالسلام : «وما لمتعلم
(صفحه 429)
فموسّع عليك»(1).
ويرد عليه: أنّ الفرق بين الأمارات والاُصول العمليّة عبارة عن ترتّبالآثار واللوازم والملازمات العقليّة والعاديّة على الأمارات، بخلاف الاُصول؛لعدم حجّيّة مثبتات الاُصول، ولازم هذا القول الاقتصار في مقام الأخذ بأحدالخبرين على مجرّد مدلوله المطابقي دون لازمه؛ لما ذكرنا من كون التخيير هنبعنوان الأصل العملي والحكم الظاهري لتساقط الأمارتين، مع أنّ هذا مخالفلما استفاده المحقّقين في هذا الفن من التخيير المستفاد من الأخبار العلاجيّة منترتّب جميع المداليل المطابقيّة والالتزاميّة على الخبر الذي أخذه في هذا المقام،ومعاملته كأنّ لم يكن له معارض، فلا يمكن الالتزام بهذا القول.
وقد يقال بأنّ مرجع جعل التخيير لتلك الأخبار إلى جعل الطريقيّة منالشارع عند التعارض في مقابل إمضائه طريقيّة ما هو طريقا عند العقلاء فيصورة عدم المعارضة، مثل: إمضاء طريقيّة الخبر.
ويرد عيه: أوّلاً: أنّ أصل جعل الطريقيّة والكاشفيّة ولو مع عدم التعارضغيرمعقول؛ لكونها من الاُمور التكوينيّة ومن اللوازم العقليّة للكاشف، وليعقل تعلّق الجعل الشرعي بها.
وبعبارة اُخرى: أنّ الكاشفيّة والطريقيّة محفوظة لجميع الطرق الظنّية، ولتكون قابلة للسلب عنها، وما يكون قابلاً للجعل من الشارع هو اعتبارهوحجّيّتها، فلذا يعبّر عن بعضها بالأمارة الغير المعتبرة، وعن بعض آخربالأمارة المعتبرة.
وثانياً: أنّه إن كان المراد جعل الطريقيّة لكلا الخبرين فهو مستحيل بعدفرض التعارض وعدم إمكان الاجتماع؛ إذ لو لميكن مستحيلاً لما حكم العقل
- (1) الوسائل 18: 88 ، الباب 9، من أبواب صفات القاضي، الحديث 44.