جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه ثلاث رسائل
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 94)

التكاليف الحرجيّة كانت تواجه من قبل كافّة النّاس بالمخالفة والعصيان لكان من الممكن أن نقبل الرأي الذي يقول بعقلانيّة قاعدة نفي الحرج .
ولكنّنا نشاهد أ نّ التكاليف الحرجيّة كسائر التكاليف الاُخرى ، البعض يعمل بها ، لأ نّه إنسان متعبّد ومقيّد ، والبعض الآخر يتركها ، لكونه إنسان غير ملتزم وغير متعبّد .
فالإنسان غير الملتزم نراه لايلتزم بأسهل التكاليف الإلهيّة الخالية من أيّة مشقّة . وفي المقابل فإنّ الإنسان الملتزم والمتعبّد نراه مستعدّاً لأن يصوم سبعة عشر ساعة في طقس حارّ قد تصل فيه الدرجة إلى خمسين درجة مئوية . إذن الأساس في العمل بالتكاليف وعدم العمل التقوى والإلتزام ، ليس إلاّ .
ومن هنا نصل إلى هذه النتيجة ، وهي أ نّه لايوجد هناك دليل عقلي يمكن التعويل عليه في هذه المسألة . وما يدّعى أن يكون دليلاً عقلياً إمّا أن يكون خارجاً عن قاعدة نفي الحرج ، وإمّا أن يكون داخلاً في حوزة قاعدة نفي الحرج ، إلاّ أ نّه ناقص وغير تامّ .
من هنا نخلص إلى هذه النتيجة ، وهي أ نّ الدليل على قاعدة نفي الحرج ينحصر في خصوص الآيات والروايات ، وأمّا الإجماع والعقل فلا يمكن أن نعتبرهما دليلان مستقلاّن .

العناوين المختلفة للحرج

العناوين التي ذكرت في مجموع الآيات والروايات هي أربعة عناوين ، الحرج ، العسر ، الإصر ، الضيق . وعنوان الضيق نصّت عليه الروايات خاصّة . والآن لنرى هل يوجد هناك اختلاف بين هذه العناوين ، أو أنّها متساوية في المفهوم والمعنى أو قل : متقاربة؟ وإذا كان هناك تباين بين هذه العناوين ، فما هي كيفيّة هذا
(الصفحة 95)

التباين؟ وعلى فرض التباين ، كيف يكون الحكم؟
في البداية يجب أن ندقّق في معاني هذه العناوين خصوصاً عنوان الحرج ، باعتبار أ نّ القاعدة عرّفت بهذا العنوان .
العنوان الأوّل هو عنوان الحرج . عرّف كبار أهل اللغة الحرج بما يلي:
يقول الجوهري في كتاب الصحاح : ـ مكانٌ حرج: أي ضيّق . فهنا أوّلاً جعل الحرج صفة للمكان ، ثمّ عرّفه بأن قال عنه: ضيّق . وفي الحقيقة فإنّ الحرج أساساً يعني الضيق كما أنّه فسّره بالإثم أيضاً . حيث يقول الجوهري في الصحاح قد يستعمل كلمة الحرج بمعنى الإثم .
وجاء في القاموس ، الحرج: «المكان الضيق الكثير الشجر» ومن هنا يمكن أن نستفيد من القاموس فائدة جديدة لم يشر إليها في الصحاح ، وهي أ نّ المعنى الأوّل للحرج أخذ فيه المكان . لأ نّ عبارة الصحاح هي الحرج ، أي الضيّق ، وأمّا القاموس فقد عرّف فيها الحرج قائلاً: المكان الضيّق ، الكثير الشجر . وفي الحقيقة فإنّ هذا المعنى راجع إلى المعنى الأوّل . لأ نّ المكان الذي يكثر فيه الشجر ، يكون ضيقاً . لأنّ كثرة الشجر تعني المسافة بين الأشجار متقاربة جدّاً ، وبالتالي فهذا يتضمّن حالةً من الضيق .
المعنى الثالث للحرج ـ الذي ينصّ عليه القاموس ـ هو الإثم . وهذا المعنى بنفسه قد اشير إليه في الصحاح ، ويضيف ابن الأثير في كتاب النهاية إضافة جديدة على المعنيين المتقدّمين فيقول: إنّ الحرج في الأصل الضيق ، ويقع على الإثم والحرج . إلاّ أ نّ المعنى الأصلي للكلمة هو الضيق ، وأمّا معنى الإثم والحرام فهو ليس أصلاً ، ثمّ يقول: وقيل: الحرج ، أضيق الضيق . أي لا مطلق الضيق ، بل الضيق الشديد .
ومحصّله أ نّ للضيق عدّة مراتب ، أعلى هذه المراتب هي الحرج .

(الصفحة 96)

وورد في مجمع البحرين: أ نّ {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} أي ما ضيّق . وهذا يعني أنه فسّر الحرج بالضيق . ولكن أرى أ نّ تفسيره بـ«ما ضيّق» يستقيم معه معنى الجملة . فيكون معنى الآية «ما ضيّق بأن يكلّفكم مالا طاقة لكم به وما تعجزون عليه» وسبق وأن قلنا : إنّ العجز وعدم الطاقة ليس بمعنى الحرج . لكن نعود فنقول: إنّ الأساس هو أ نّه فسّر الحرج بالضيق والتضيّق .
بعد ذلك يورد صاحب مجمع البحرين قولاً يؤيّد فيه ما جاء في كتاب النهاية . يقول صاحب مجمع البحرين: وفي كلام الشيخ علي بن إبراهيم ـ وهو من الأدباء واللغويين ـ الحرج الذي لا مدخل له ، والضيقة ماله مدخل . إذن الضيق فيه مندوحة ومهرب ، وأمّا الحرج فلا مفرّ منه ولا مهرب .
وظاهر هذا الكلام ، أ نّه مرادف لما جاء في النهاية من أ نّ الحرج هو أضيق الضيق .
وأدقّ ماورد في تفسير هذا الكلمة ، هو ما قال الراغب الأصفهاني في مفرداته ، ـ وهو من الكتب النفيسة جدّاً ـ من أ نّ أصل الحرج والحراج ، هو مجتمع الشيء وتصوّر منه ضيق بينها ، فقيل للضيق حرج ، وللإثم حرج . إذن من هنا نفهم أ نّ الحرج ليس بمعني الضيق ، ولا بمعنى الإثم ، بخلاف ما أورده صاحب النهاية إذ يقول: الحرج في الأصل الضيق ، بل هو اجتماع أجزاء شيء واحد وحدوث تداخل وترابط فيما بينهم . هذا الاجتماع هو ما يسمّى بالحرج . ويلزم عن حالة الاجتماع هذه الضيق . لأ نّ الشيء إذا كانت أجزاؤه متفرّقة فلا ضيق ، وأمّا إذا تجمّعت في مكان واحد ، خاصّة إذا كان الشيء من قبيل السوائل التي لها تركيب خاص ، حينئذ فإنّ الإجتماع يستلزم الضيق . أي أ نّ الأشياء تداخلت فيما بينها وترابطت ، ومن هنا عبرّ عن المعنى الحقيقي للحرج بأن قال: هو مجتمع الشّيء ـ على حدّ تعبيره ـ وقوله تصوّر منه ، يعني استلزم من حالة الاجتماع ضيق فيما بين الأجزاء .

(الصفحة 97)

وبذلك فهو يعطي لكلمة الحرج معنى لانجده من أيّ من الكتب التي أشرنا إليها آنفاً . ثمّ يقول: فقيل للضيق حرج ـ أي أ نّ استعمال كلمة الحرج في معنى الضيق جاء في رتبة متأخّرة ـ وللإثم حرج .
أمّا استعمال كلمة الحرج في معنى الإثم فقد ورد في التفاسير . والإثم أحد مصاديق الضيق . لأ نّ الإثم يعني أ نّ هناك تقصير من قبل العبد تجاه المولى ، وبعبارة اُخرى ، هناك مؤاخذة على العبد في مقابل الباري تعالى ، وهذه المؤاخذة تعدّ ضيقاً على العبد وضيقاً على العاصي . وحتّى مع عصيان العبد وتمّرده فإنّ الضيق متحقّق . إذن الإثم أيضاً هو من مصاديق الضيق بالشكل الذي أشرنا إليه .
ومن جهة اُخرى هناك بعض الآيات الكريمة التي يستفاد منها بأ نّ الحرج بمعنى الضيق كما اُستفيد هذا المعنى من مفردات الراغب هذا . فالآية الكريمة تنصّ على ذلك حيث قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً}(1) هنا كلمة «حرجاً» يقصد بها نفس الضيق ، ولا يراد بها معنىً آخر . بل يمكن أعتباره نوعاً من الفنّ في التعبير ، حيث ذكر كلمة «ضيّقاً» ابتداءً ثمّ قال «حرجاً» فالجمع بينهما في هذه الآية يمكن أن نسوقه كدليل على أ نّ الحرج هو نفس الضيق ، وإلاّ لايمكن أن نتصوّر أ نّ الآية تريد أن تخطر في الذهن معنيين مختلفين .
وقد اختلف في تفسير الآية ، وخاصّة في كيفية: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً}؟ ويمكن تصوّر هذا المعنى بأن نقول: إنّ كلّ من كان على صراط غير مستقيم ، وعلى غير الإسلام ، فإنّه يفتقد الإطمئنان والسكينة ، وهذا ما يظهر من قوله تعالى: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(2) والقلب الذي يفتقد الطمأنينة والسكينة هو قلب
  • 1  . الأنعام : 125 .
  • 2  . الرعد: 28 .

(الصفحة 98)

يعيش الضيق والحرج . وطمأنينة القلب لا تحصل إلاّ في ظلّ ذكر الله والاعتقاد به والتوجّه إليه في كافّة الاُمور .
وتوجد هناك آيتان إذا جمعنا بينهما ، يمكن أن نتوصّل من خلال ذلك أ نّ الحرج هو بمعنى الضيق ، أحدهما قوله تعالى: {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}(1)وكلمة «لايكن» مثار للبحث ، هل أ نّها تفيد النهي ، أو الدعاء ، أو ماشابه ذلك؟ وهذا خارج عن دائرة بحثنا .
وأمّا ما نحن بصدد بحثه هو أ نّ الله سبحانه وتعالى يخاطب رسوله من جهة بقوله: {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}(2) ومن جهة اُخرى يقول في آية أخرى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} فشرح الصدر هذا في مقابل ذلك الحرج . فالشرح هو التوسيع والإنارة ، إذن لو أخذنا الآيتين معاً بنظر الإعتبار ، حينئذ يمكن أن نستفيد من القرآن أيضاً على أ نّ الحرج هو بمعنى الضيق . وهناك آيات اُخرى فيها كلمة الحرج . من قبيل قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الاَْعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الاَْعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}(3) .
وقد فسّر البعض «الحرج» هنا بالإثم ، أي ليس على المريض إثم ، وليس على الأعمى إثم . في حين أ نّه لا داعي لأن نفسّر الحرج بالإثم . فلو قلنا في خصوص هذه الآيات أ نّ الحرج يعني الضيق ، فيلزم عن ذلك أ نّ نفس قوله تعالى: {وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} بأ نّ المريض والمجنون لا ضيق عليهما ، ولايناط بها ما من شأنه أن يشكّل صعباً عليهما . لأ نّ كلٌ يتحمّل بقدره . فالأعرج لكونه أعرج ينبغي أن نلاحظ ماهو ضيق بالنسبة إليه وما هو ليس بضيق . ومن هنا يتّضح أ نّ قوله
  • 1 . الأعراف : 2 .
  • 2  . الانشراح : 2 .
  • 3  . سورة النور : 61 .