جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه ثلاث رسائل
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 15)

هؤلاء المخاطبين قد أحرزوا مقام الإجتباء أوّلاً ، ومن ثمّ تقول: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} .

هل كلمة (أبيكم) مجاز ، أم حقيقة؟

والمقصود من الأب هنا هو الأب الحقيقي ، وليس هناك ما يبرّر لنا صرف كلمة «الأب» عن معناها الحقيقي ، فما لم توجد هناك قرينة على المجاز ، لابدّ من حمل كلمة الأب على معناها الواقعي . وهذه قرينة اُخرى على استبعاد أن يكون المراد في ضمير «كم» كافّة المسلمين والإلتزام بأن لفظة: {أبيكم} مجاز .
إذن الآية الكريمة تقول: إنّ هؤلاء هم أبناء إبراهيم الحقيقيّون ـ ملّة إبراهيم ـ وإبراهيم الأب الحقيقي لهؤلاء ، وهذه خصوصيّة تطرحها الآية الكريمة ، وتعيننا على التعرّف على هؤلاء الأفراد .
{هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} الضمير «هو» يعود على الله ، و «من قبل» يعني في الماضي ، و «في هذا» يعني في القرآن ، أي في الكتب السابقة وفي القرآن أيضاً الله سبحانه وتعالى هو الذي أطلق عليكم اسم المسلمين . ومن ثمّ تخلص الآية إلى أخذ النتيجة من هذا القول ، لتبيّن الهدف من جميع هذه الخصائص ، وهو {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ} . اللام هنا لام الغاية {وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} أي على غير المسلمين من اليهود والنصارى ، فهو المقصود هو أ نّكم أيّها المسلمون تكونون شهداء على اليهود والنصارى ، أم أ نَّ المراد هم أنتم الصنف الخاص ، الجماعة الخاصّة ، والاُمّة الخاصّة كونوا شهداء على الآخرين؟ وسنتطرق فيما بعد إلى معنى هذا القول .
وظاهر الكلام هو ما قلناه ، فليس المقصود من الناس هم اليهود والنصارى ، وأما ما يبدو بالنظرة البدوية من أ نّ الله سبحانه وتعالى هو الذي سماكم بالمسلمين ،
(الصفحة 16)

لتكونوا أنتم ـ أيّها المسلمون ـ شهداء على النّاس ، بهذا المعنى لابدّ أن يكون الناس من غير المسلمين ، ويحب أن ندخل اليهود ضمن الناس ، في حين أ نّ ظاهر الآية يرشدنا إلى معنى آخر ، فالناس هنا هم المسلمون أنفسهم ، إذن الجملة {سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ} هو عنوان خاص ومرتبط بجماعة خاصّة . وهذه الجماعة الخاصّة لها عدّة خصائص يمكن أ نّ نستفيدها من الآية الكريمة .
أحد هذه الخصائص التي غفلنا عنها في البداية ، هو نفس هذا الخطاب ـ {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ} أي أ نّكم مكلّفون بطيّ جميع مراحل المجاهدة ، لماذا ؟ لأ نّ الله هو الذي اختاركم ، أنتم لستم أفراداً عاديين تريدون أن تقوموا بتكاليفكم بين الناس العاديين .
ونفس الخطاب هذا لايمكن أن يكون موجّهاً إلى كافّة الناس «وجاهدوا في الله حقّ جهاده» بتعليل «هو اجتباكم » ، أي لا يصحّ القول أن الله سبحانه وتعالى لمّا اجتباكم واختاركم ، القى على عاتقكم مسؤوليّة أكبر وأثقل ، وهل أ نّ هذا التعبير يتناسب مع عامّة الناس ؟ وهل هذا التكليف يمكن أن يتوجّه إلى النّاس كافّة ؟
الآية بنفسها تدلّنا على أ نّ المسألة ليست بهذا الشكل ، والمخاطب والمكلّف المسمّى بالمسلمين وأبناء إبراهيم هم أفراد خاصّ من المسلمين ، فهم من جهة لاينطبق عليهم عنوان الرسول ، ومن جهة اُخرى ليسوا من الناس العادييّن ، وهذا مايدلّنا أ نّهم يحملون عنواناً خاصّاً بين الرسول وبين الناس ، ومسؤوليّتهم أكبر وأصعب بكثير من مسؤوليّة عامّة النّاس .
هذه الآية لوحدها ومن دون أن ندعمها بآية اُخرى أو برواية صحيحة وردت في تفسير هذه الآية ـ وسنتعرّض إليها لتأييد ما قلناه فيما بعد ـ تشير إلى أن هناك عنواناً آخر يتوفّر على جميع هذه الخصائص .
والآن نتطرّق إلى آية اُخرى تساعد في فهم الآية {سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ
(الصفحة 17)

وَفِي هَذَا . . .} وكما قلت فإن بحثنا معنى تفسيري ويرتبط أيضاً بمسألة الإمامة وبعلم الإمام ، ومن جانب آخر له علاقة بقاعدة لا حرج الّتي هي محل بحثنا بالأساس ، وبما أ نّ هذه الآية الكريمة بالذات هي من أهمّ الآيات التي يستدلّ بها على قاعدة لا حرج ـ فلذلك يجب أنْ تدرس وتناقش بدّقة . . .

الآية الثانية:

يقول الله تعالى : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ}(1) بناءاً على الشواهد التأريخية فإنّ إبراهيم (عليه السلام) هو الذي بنى الكعبة وساعده في ذلك إسماعيل (عليه السلام) وخلال عملية البناء يرفعان أيديهما ويدعوان الله بعدّة دعوات: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .
ومن هنا يتّضح لنا إنّهما إنّما قاما بهذا العمل بأمر من الله تعالى ، وتزامناً مع امتثالهما لأمر الله رفعا أيديهما بالدعاء بأن يتقبّل منهما ذلك .
الدعاء الثّاني الذي دعوا به هو: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}(2) هذا الدعاء يحتاج إلى وقفة وتأمّل ، واستعراض الظروف التي كانت تحيط بالنبي إبراهيم (عليه السلام)عند دعائه بهذا الدعاء ، ففي ذلك الوقت كان إبراهيم (عليه السلام) يمتاز بمقام النّبوة وبمقام الإمامة أيضاً نظراً لمقتضى الآية الكريمة: {وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} (3) ، وبحسب الرّوايات والقرائن فإنّ أهمّ الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم (عليه السلام) هو ذبح إسماعيل (عليه السلام) وتقديمه قرباناً ، وفي الحقيقة فإنّ ذبح إسماعيل من الإبتلاءات التي لم يسبق لها مثيل ، كما أ نّها لا مثيل لها في اللاحق أيضاً ،
  • 1  . البقرة: 127 .
  • 2  . البقرة: 128 .
  • 3  . البقرة: 124 .

(الصفحة 18)

حيث يتلقّى أب ونبيّ أمراً من الله تبارك وتعالى أن يذبح إبنه بيده ، ذلك الابن الذي رزقه الله إيّاه في أواخر عمره .
والآن لننظر إلى إسماعيل في غضون تلك الحادثة حيث يعمل مساعداً لإبراهيم في بناء الكعبة ، فيحتمل أن يكون عمر إسماعيل في ذلك الوقت خمس وعشرين سنة إلى ثلاثين سنة ، وبالطبع فإنّ إبراهيم (عليه السلام) في ذلك الوقت كان حائزاً لمقام النبوّة ، وباعتقادي أ نّه كان حائزاً على مقام الإمامة أيضاً ، ومع ذلك نراه يقول داعياً: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} ، وهذا تحصيل حاصل بالنسبة لإبراهيم ، ومع ذلك نجده (عليه السلام) يطلب شيئاً محصّلاً ، أو أ نّه يطلب ديمومة ما كان حاصلاً ، وهذا يشبه ما نقول نحن في الصلاة : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} .
ويشبه الطريقة التي نوجّه بها هذا الدعاء لأنفسنا ونفسّره . فهنا نبحث في الآية الكريمة: {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} فظاهر الآية أن المقام الذي كان الأب والابن يدعوان الله سبحانه تعالى للوصول إليه ، مقام رفيع جدّاً ، تتوفّر فيه جهتان وخصيصتان :
أحدهما في قوله ـ مسلمين ـ أي التسليم المطلق بدون أيّ قيد مهما صغر ، وبدون أيّ تعليق ولو مختصر .
الثانية إنّ الجهة التي نسلّم إليها هي {مسلمين لك} ، وهذا مقام رفيع جدّاً ، وهو المقام الذي يكون فيه الإنسان أمام الله تعالى في حالة من التسليم المحض ، لا في مقام العمل فقط ، وإنّما في مقام الإعتقاد ، وفي مقام الفكر . لأ نّنا قد نرى مسلماً يعيش حالة التسليم في مقام العمل ، لكنّه في مقام الإعتقاد قد يحمل بعض الأفكار غير السليمة ، فقد يذهب هذا الشخص إلى مكّة وهو يعيش حالة التسليم والامتثال ، ولكن قد تخطر في باله بعض الأفكار من قبيل أن يقول لنفسه: أليس من الأفضل أن تبنى هذه الكعبة على سفوح الجبال الخضراء ذات الحدائق ،
(الصفحة 19)

ليرتوي الإنسان من الماء البارد هناك؟
وهذا اللون من الخواطر والتفكير معناه أ نّ هذا الشخص ليس لديه تسليم قلبيّ خالص ، فالتسليم القلبيّ الخالص يعني أن لايخطر في باله شيء من هذا القبيل قيد أنملة .
وبعبارة اُخرى: إنّنا في البحوث العلميّة قد تواجهنا ثمّة إشكالات نحاول أن نردّ عليها ، أمّا التسليم الخالص فمعناه أن لا يوجد هناك أيّ إشكال ، وهذا يكشف عن اعتقاد راسخ ، وإيمان ويقين في مستوى عال جداً ، بحيث لا يرقى إليه أيّ إشكال ، فلا إشكال في البين كي يستتبع تبرير .
مثل هذا الإنسان ذو الأيمان الصلب لايرد عليه مثل هذا الإشكال ليبرّره بعد ذلك بأ نَّ الله أعلم بما يصلح ، وأ نّه أحاط بكل شيء علماً ، والأجوبة من هذا القبيل تجاه الواردات القلبية لاتمثّل حالة التسليم المطلق ، فالتسليم المطلق أعلى وأرفع مقاماً ورتبةً بكثير ، ويتمثّل بالانقياد التامّ لله تبارك وتعالى في جميع المجالات .
فعلى سبيل المثال فإن كلام سيدنا آدم (عليه السلام) بحسب الظاهر دون مستوى التسليم المطلق ، حيث طرأ على ذهنه هذا الإشكال وهو: لماذا نهاني الله عن الأكل من هذه الشجرة؟ ولو لم يخطر هذا التسأول على باله لما استطاع الشيطان بوسوسته أن يغيّر شيئاً من الأمر ، ومع التسليم المطلق لايبقى أيّ مجال لخطور مثل هذه الأفكار في مخيّلة الإنسان .
وهنا نقول: إنّ الدعوى المطروحة للبحث هي قوله تعالى: {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} ، لقد دعا إبراهيم بهذا الدعاء في أواخر عمره وفي حال بنائه للكعبة رمزاً لتوحيده ومركزه حتّى تقوم القيامة ، ومن ثمّ يكمل دعاءه بقوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} ولنا وقفة طويلة مع هذه الآية ، حيث نرى إبراهيم وإسماعيل (عليه السلام) وفي ظلّ تلك الظروف الحسّاسة دعوا الله سبحانه وتعالى أن يجعل من ذريّتهما ـ أي من