(الصفحة 63)
وأمّا بناءً على الوجـه الثاني: فالظاهر أنّـه يجب الاحتياط بالإتيان بـه ولو بعد سبق الغير بـه; لأنّ الشكّ في كون الواجب عينيّاً أو كفائيّاً وإن كان مرجعـه إلى الشكّ في تعلّق التكليف بالجامع أو الأفراد بناءً على هـذا الوجـه، إلاّ أنّ كون كلّ واحد من المكلّفين مكلّفاً بذلك معلوم إمّا لأجل انطباق الجامع عليـه، وإمّا لأجل كونـه مكلّفاً بخصوصـه، وحينئذ يشكّ في سقوط هذا التكليف بإتيان الغير بـه، والشكّ في السقوط هو تمام المناط لجريان قاعدة الاشتغال كما عرفت.
وأمّا بناءً على الوجـه الثالث: فالظاهر أيضاً وجوب الاحتياط; لأنّـه وإن كان شاكّاً في كون الواجب هل هي نفس الطبيعـة حتّى يسقط الوجوب بإيجاد الغير أو الطبيعـة المتقيّدة بصدورها عن كلّ فرد من المكلّفين، إلاّ أنّـه يعلم إجمالا بكونـه مكلّفاً بذلك ويشكّ بعد إيجاد الغير في سقوط التكليف المتوجّـه إليـه قطعاً، وهو مجرى قاعدة الاشتغال.
ومنـه يظهر الفرق بين المقام وبين ما إذا شكّ في كونـه قادراً على امتثال التكليف المتوجّـه إليـه، فإنّـه لو قلنا بأنّ القدرة من شرائط التكليف ـ خلافاً لما هو الحقّ والمحقّق من عدم كون القدرة شرطاً، بل العجز عذر عقلي كما مرّ في بعض المباحث السابقـة ـ يكون الشكّ فيها راجعاً إلى الشكّ في حصول شرط الوجوب ومع الشكّ في الشرط يشكّ في أصل ثبوت المشروط، فمرجع الشكّ في القدرة إلى الشكّ في أصل ثبوت التكليف، وهو مجرى البراءة. وهذا بخلاف المقام، فإنّ الشكّ في خصوصيّـة التكليف من حيث المتعلّق لا يوجب الشكّ في أصل ثبوتـه، كما هو واضح.
(الصفحة 64)
نعم، ما ذكرنا من اقتضاء العلم الإجمالي للاحتياط إنّما هو فيما إذا حصل العلم قبل سبق الغير بإيجـاد الطبيعـة، وأمّا إذا حصل بعده فمرجـع الشكّ في كونـه عينيّاً أو كفائيّاً حينئذ إلى الشكّ في أصل ثبوت التكليف; لأنّـه لو كان متعلّقـه هـو نفس الطبيعـة لسقط بإيجـاد الغير قطعاً، هـذا.
وأمّا بناءً على الوجـه الرابع: فمقتضى القاعدة أيضاً وجوب الاحتياط; لعين ما ذكر في الوجـه الثالث، كما أنّـه في الوجـه الخامس يجري عين ما ذكر في الوجـه الثاني.
وأمّا بناءً على الوجـه السادس فيبتني الحكم على ما ذكر في كيفيّـة تصوير الواجب التخيـيري، فإن قلنا: بأنّ مرجع الواجبات التخيـيريّـة إلى الاشتراط الذي مرجعـه في المقام إلى كون ثبوت التكليف بالنسبـة إلى كلّ مكلّف مشروطاً بعدم سبق الغير بفعل متعلّق التكليف، فالمرجع هي أصالـة البراءة، وإن قلنا بغير ذلك وأنّها سنخ آخر فالمرجع هي أصالـة الاشتغال، فتدبّر.
(الصفحة 65)
القول
في أصل التخيـير
(الصفحة 66)
(الصفحة 67)دوران الأمر
بين المحذورين
فصل في دوران التكليف بين الوجوب والحرمـة بأن علم إجمالا بوجوب شيء معيّن أو حرمتـه.
وليعلم أنّ دوران التكليف بينهما في فعل واحد تارة يكون مع وحدة الواقعـة، كما لو فرض العلم الإجمالي بوجوب صوم يوم معيّن أو حرمتـه، واُخرى مع تعدّد الواقعـة، كما لو فرض دوران الأمر في صلاة الجمعـة في حال الغيبـة بين الوجوب والحرمـة، فلو كانت الواقعـة واحدة لا يمكن المخالفـة القطعيـة كما لا يمكن الموافقـة القطعيـة.
نعم لو كان شيء من الوجوب والحرمـة تعبّدياً يتمكّن المكلّف من المخالفـة القطعيـة، كما أنّـه لو كانت الواقعـة متعدّدة يتمكّن أيضاً من المخالفـة القطعيـة، كما لايخفى.
وعلى أيّ تقدير فقد يكون الفعل أو الترك معلوم الأهمّيـة في نظر العقل، كما لو تردّد أمر الشخص بين أن يكون نبيّاً يجب حفظـه أو سابّ نبي مهدور الدم، وإمّا أن يكون محتمل الأهمّيـة، وإمّا أن يعلم تساويهما.
|