وأمّا الآمر فالآمر فيه بالعكس، فإنّه يتصوّر أوّلاً الأجزاء والشرائط كلّواحد منها مستقلاًّ، ثمّ يلاحظ أنّ الغرض والمصلحة تترتّب على مجموعها،بحيث يكون اجتماعها مؤثّرا في حصول الغرض، فيلاحظها أمرا واحدا وتعلّقأمره به، ويحرّك المكلّف نحو إتيانه، فهو ينتهي من الكثرة إلى الوحدة، كما أنّالمأمور ينتهي من الوحدة إلى الكثرة.
والفرق بين قسمي المقدّمة: أنّ المقدّمة الخارجيّة يكون الداعي إلى إتيانهأمر آخر ناش عن الأمر بذي المقدّمة بناء على وجوب المقدّمة، أو اللزومالعقلي بناءً على عدم الوجوب، والمقدّمات الداخليّة يكون الداعي إليها هونفس الأمر المتعلّق بذي المقدمّة؛ لعدم كون المركّب مغايرا لها؛ لأنّه إجمالهوصورتها الوحدانيّة، وهي تفصيله وتحليله، وهو لاينافي مقدميّة الأجزاء؛ لأنّالمقدّمة إنّما هي كلّ جزء مستقلّ لا مجموع الأجزاء.
ذلك أن يكون الأمر داعيا إلى غير متعلّقه؛ لأنّ الأجزاء هي نفس المركّب،والفرق بينهما بالإجمال والتفصيل والبساطة والتحليل.
بخلاف ما ذكره المرحوم البروجردي رحمهالله وقرّرته في كتاب صلاته، وهو أنّالأمر متعلّق بالمجموع، وكيفيّته: أنّ الأمر كأنّه أبعاض، وكلّ بعض منه يتعلّقبجزء من أجزاء المركّب المأمور به، كالعباءة الواحدة الواقع على نفرات ـ مثلاً واستدلّ له بأنّ الماء الموجود في الحوض مع وحدته ـ إذ الأتصال مساوق معالوحدة ـ يمكن اتّصاف أبعاضه بالأوصاف المتضادّة بتلوّن كلّ زاوية منالحوض بلون مختلف، فالماء مع كونه واحدا يقع معروضا للأوصاف المتضادّةبلحاظ الأبعاض، فلا مانع من تعلّق الأمر مع كونه واحدا بالأجزاء المتعدّدةوالمتكثّرة للمأمور به، بحيث كان لكلّ جزء منه سهم وبعض من الأمر(1).
وهذا الكلام وإن كان مشابها لما ذكرناه ولكنّه مخالف للواقع؛ إذ الداعيوالمحرّك حين الإتيان بكلّ جزء من المركّب لايكون بعض الأمر، بل هو عبارةعن تمام الأمر، وهذا أمر وجداني ليس قابلاً للإنكار، كما لا يخفى.
إذا عرفت ذلك فنقول: أنّ الأمر يدعو إلى الأجزاء بعين دعوته إلى المركّب،فالحجّة على الأجزاء إنّما هي بعينها الحجّة على المركّب، لكن مع تعيينالأجزاء التي ينحلّ إليها، وأمّا مع عدم قيام الحجّة على بعض ما يحتملجزئيّته فلا يمكن أن يكون الأمر المتعلّق بالمركّب داعيا إلى ذلك الجزءالمشكوك أيضا بعد عدم إحراز انحلال المأمور به إليه.
وبالجملة، فتماميّة الحجّة تتوقّف على إحراز الصغرى والكبرى معا ـ أيالصلاة المأمور بها وهذه أجزاؤها ـ وإلاّ فمع الشكّ في إحداهما لا معنىلتماميّـتها، فاللازم العلم بتعلّق الأمر بالمركّب وبأجزائه التحليليّة أيضا، وبدون
- (1) نهاية التقرير 1: 332 ـ 333.
(صفحه 413)
ذلك تجري البراءة عقلاً، الراجعة إلى قبح العقاب بلابيان والمؤاخذة بلابرهان.
ودعوى: أنّ مع ترك الجزء المشكوك لايعلم بتحقّق عنوان المركّب، ومنالواضح لزوم تحصيله.
مدفوعة: بأنّ مرجع ذلك إلى كون أسامي العبادات موضوعة للصحيحةمنها، والكلام إنّما هو بناء على القول الأعمّي الذي مرجعه إلى صدق الاسممع الإخلال بالجزء المشكوك.
وكيف كان، فتعلّق الأمر بالمركّب الذي هو أمر وجداني معلوم تفصيللاخفاء فيه، وعدم كون الأجزاء متعلّقة للأمر بوجه أيضا معلومة كذلك، إلأن ذلك الأمر المعلوم إنّما يكون حجّة بالنسبة إلى ما قامت الحجّة على انحلالالمركّب به، وأمّا ما لم يدلّ على جزئيّته له فلا يكون الأمر بالمركّب حجّةبالنسبة إليه ولا يحرّك العبد نحوه. ولسنا نقول بأن متعلّق الأمر معلوم إجمالاً،وهذا العلم الإجمالي ينحلّ إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقلّ والشكّ البدويفي وجوب الأكثر، كيف؟ وقد عرفت أن متعلّق الأمر هو الأمر المركّب وتعلّقهبه معلوم تفصيلاً، والشكّ إنّما هو في أجزاء المركّب، وهي غيرمأمور بها أصلاً،سواء فيه الأقلّ والأكثر، غاية الأمر أنّ هذا الأمر لايكاد يدعو إلاّ إلى ما علمبتركيب المركّب منه، كما عرفت.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الحقّ جريان البراءة العقليّة.
إشكالات جريان البراءة العقليّة عن الأكثر ودفعه
ثمّ إنّ هنا إشكالات على ذلك لابدّ من ذكرها والجواب عنها، وهي:
الأوّل: أنّ دوران الأمر في باب الأقلّ والأكثر هو دوران بين المتباينين؛ لأنّالمركّب من الأقلّ الذي هو الأمر الوحداني الحاصل من ملاحظة أجزائه شيئ