(صفحه 267)
اشتراكها مع المرتبة العليا في الأثر، فيستفاد من ذلك أنّ الموضوع له هو الجهةالجامعة بين جميع المراتب لا خصوص المرتبة العليا، من دون فرق في ذلك بينالعبادات وغيرها من المركّبات.
وتوهّم إطلاق لفظ «الصلاة» على المراتب النازلة عند الشارع كان معالعناية والتنزيل، مدفوع؛ بأنّ مستند استعمال المتشرّعة لا يكون إلاّ استعمالالشارع كما لا يخفى، مع أنّه لا دليل لنا على ذلك.
ولكنّ الإشكال المهمّ هو: أنّ الحاجة إلى تصوير الجامع لا تختصّ بالقصروالإتمام، بل لابدّ من تصويره بين جميع المراتب العالية، فإنّ المراتب العليا منالعبادات مختلفة ومتشتّة من حيث الكمّيّة أو الكيفيّة، مثلاً: المرتبة العليا منصلاة الصبح غير المرتبة العليا من صلاة الظهرين، وكلتاهما غير المرتبة العليمن صلاة المغرب، وكلّ ذلك غير المرتبة العليا من صلاة العشاء بحسب الكمّيّةأو الكيفيّة، وهي بأجمعها غير المرتبة العليا من صلاة الآيات وصلاة العيدينوغيرهما.
والحاصل: أنّ المراتب العالية أيضاً متعدّدة، فلابدّ من تصوير جامع بينهليكون اللفظ موضوعاً بإزاء ذلك الجامع.
والحقّ في المسألة: أنّه لابدّ من تصوير الجامع على كلا القولين، كما قال بهصاحب الكفاية قدسسره .
واعلم أنّ الجامع على كلا القولين لابدّ له من خصوصيّات ثلاثة:
إحداها: كونه مقدوراً عليه للمكلّف ولو مع الواسطة، فإنّ المُسمّى بلفظ«الصلاة» هو المأمور به، ولا يتعلّق التكليف بغيره، فلابدّ من كونه مقدورعليه لو مع الواسطة؛ لأنّ تحصيل الطهارة وإن لم يكن مقدوراً للمكلّف بدون
(صفحه268)
الواسطة؛ إذ هو أمرٌ معنوي يحصل من هذه الأفعال، ومقدور بواسطةالأسباب كالغسل والوضوء والتيمّم كما هو المعلوم.
الثانية: كونه أمراً واقعيّاً وحقيقيّاً قبل تعلّق الأمر به، ولا يكون عنوانناشئاً من قبل الأمر مثل: عنوان ما هو المأمور به، فإنّ هذا العنوان متأخّر عنالأمر، وكون المسمّى بلفظ «الصلاة» عبارة عمّا هو المتأخّر عن الأمر، هوخلاف الظاهر وإن لم يكن محالاً كما مرّ، مع أنّه لو كان الجامع نفس عنوان مهو المأمور به بلا قيد يشمل جميع الواجبات، ولا يكون جامعاً بين أفرادالصلاة الصحيحة فقط، ولو اُضيف إليه قيداً بأنّه عبارة عمّا هو المأمور به فيالأمر المتعلّق بالصلاة؛ ليلزم دخالة الاسم في المسمّى، وهو أيضاً خلافالظاهر.
الثالثة: كونه أمراً بسيطاً غير مركّب؛ إذ لم تكن لنا صلاة مركّبة تتّصف فيجميع الحالات بصفة الصحّة؛ لأنّ الصلاة المركّبة من أربع ركعات صحيحة فيالحضر دون السفر، والصلاة المركّبة من ركعتين صحيحة للصبح لا للظهرينوالعشاءين.
ولا يخفى أنّه لا يوجد دليل عقلي يدلّ على اعتبار هذه الخصوصيّات فيالجامع بحيث يكون فقدان أحدها مستلزماً للمحال العقلي، لكنّ الظاهر يحكمباعتبارها كما قلنا.
ومعلوم أنّ كلّ واحدٍ من الصحيحي والأعمّي لو لم يكن قادراً علىتصوير الجامع بهذه الخصوصيّات يستكشف أنّ الحقّ مع مقابله. نعم،لو كان كلاهما قادراً عليه فتصل النوبة إلى الأدلّة التي يُرجّح أحدالقولين بها.
(صفحه 269)
قال المحقّق الخراساني قدسسره (1) في مقام تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة: إنّهلا إشكال في وجوده بين الأفراد الصحيحة، وإمكان الإشارة إليه بخواصّهوآثاره التي تستفاد من الآيات والروايات، كقوله تعالى في باب الصلاة: «إِنَّالصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَ الْمُنكَرِ»، وكما في عدّة من الروايات: «الصلاةعمود الدين» و «الصلاة قربان كلّ تقي»، و«الصلاة معراج المؤمن» ونحو ذلك،مع أنّه لا تترتّب هذه الآثار والخواصّ إلاّ على الصلوات الصحيحة، وأنّهمشتركة في هذه الآثار، بلا فرق بين صلاة الحاضر والمسافر والمتوضئوالمتيمّم و... ثمّ قال: وهذا الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامعواحد بين تلك الأفراد الصحيحة، يكون هو المؤثر في ذلك الأثر الوحداني،وإلاّ لانتقضت القاعدة الفلسفيّة، بأنّ «الواحد لا يصدر إلاّ من واحد». انتهى.
وأمّا ما أورد عليه اُستاذنا المرحوم السيّد البروجردي قدسسره (2) على ما فيتقريراته من أنّ المتبادر من لفظ «الصلاة» ليس هذا السنخ من المعاني والآثار،كيف ولو كان لفظ «الصلاة» موضوعاً لعنوان الناهي عن الفحشاء ـ مثلاً لصار قوله تعالى: «إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَ الْمُنكَرِ» بمنزلة أن يقول:الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر ينهى عن الفحشاء والمنكر؟! وهذا واضحالفساد.
مدفوعٌ بأنّه لم يقل بموضوعيّة هذا العنوان للفظ «الصلاة»، بل هو عنوانمشير إلى الموضوع له، فلا محلّ لهذا الإشكال، ولا سيّما بعد تصريحه بأنّ الأثرإنّما يشار به الى الجامع، لا أنّه الموضوع له، كما في قول الصادق عليهالسلام حيث سأله
(صفحه270)
أحدهم: عمّن آخذ معالم ديني؟ قال عليهالسلام : «عليك بهذا الجالس»، وأشار بيدهإلى زرارة، ومعلوم أنّه لا ربط لعنوان الجلوس في هذا الحكم، بل هو عنوانمشير، وهكذا في ما نحن فيه. وإذا كان الأمر كذلك فلا دخل لتحقّقه وعدمه فيتحقّق الجامع، ولذا لو كانت الصلاة صحيحة ولم تكن ناهية عن الفحشاء علىالفرض فلا يضرّ بالمسمّى وما هو الموضوع له.
ولكن يرد على تصوير الجامع المذكور إشكالات متعدّدة، وهي:
الأوّل: ما قاله اُستاذنا السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ(1) وهو: أنّ جريان القاعدةالمذكورة التي جعلت أساساً لتصوير الجامع المذكور منحصرٌ في الواحد البحتالبسيط الذي ليست فيه رائحة التركيب ـ أي الباري ـ ولا يجري في الواحدالاعتباري أصلاً، كما حقّق في محلّه، مع أنّ كيفيّة هذه القاعدة أيضاً وقعتمورداً للبحث والكلام، كما لا يخفى على المتأمّل.
وعلى فرض توسعة دائرة هذه القاعدة فهي تجري في التكوينيّات وما هومتّصف بالوحدة الواقعيّة، ولا يكون توسعتها أزيد من ذلك، فكيف تجري فيالصلاة المركّبة من المقولات المتباينة التي لاحظها الشارع في مقام الاعتبارواحدة؟! فلا دخل لهذه القاعدة في ما نحن فيه أصلاً.
الإشكال الثاني: أيضاً ما قاله اُستاذنا السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ(2) وهو: أنّهلو فرض جريان هذه القاعدة في الاُمور الاعتباريّة لا معنى لجريانها في منحن فيه؛ لأنّ أثر الصلاة ـ بناءً على ما ذكره كثير ـ كونها ناهية عن الفحشاءغير كونها عمود الدين، وهكذا، ولازم جريان هذه القاعدة تحقّق أثر واحد
- (1) تهذيب الاصول: 72 ـ 73.
(صفحه 271)
لجميع أفراد الصلاة الصحيحة، بل يمكن أن يقال: إنّه على فرض تحقّق أثرواحد لها لا معنى لجريانها؛ إذ لأثر واحد ـ كالنهي عن الفحشاء والمنكر مصاديق متعدّدة مستقلّة، كالغصب وشرب الخمر والكذب والسرقة وأمثالذلك.
والحاصل: أنّ الناهية عن الفحشاء والمنكر تنحلّ إلى آثار متعدّدة، بأنّالصلاة تنهى عن شرب الخمر، وأنّ الصلاة تنهى عن الغصب... فلا يكونالأثر واحداً حتّى تجري القاعدة.
ولكنّ الظاهر أنّ هذا الإشكال مندفع؛ لأنّ استدلاله قدسسره ليس مبتنياً علىتعدّد الآثار، بل هو مبتن على الاشتراك في أثر واحد، وحينئذٍ إذا كان جميعأفراد الصلاة الصحيحة مشتركة في المعراجيّة ـ مثلاً ـ فهو كافٍ في جريانالقاعدة، سواء كانت في سائر الآثار مشتركة أم لا، فإذا كانت المؤثّراتمتعدّدة والأثر واحد يستكشف أنّ المؤثّر أيضاً واحد، فلا يضرّ اشتراكها فيسائر الآثار لجريان القاعدة هنا أيضاً.
نعم، لو كان المؤثّر في إحدى الآثار غير المؤثّر في أثر آخر ـ كما إذا كان أثربعضها المعراجيّة مثلاً وأثر بعضها الآخر القربانيّة ـ لأضرّ بجريانها، ولكنالمفروض اشتراك الجميع في جميع الآثار، وهو ليس بمانع أصلاً.
الإشكال الثالث ـ وهو الإشكال المهمّ في المقام ـ : أنّ الموضوع والملزوملهذه الآثار هل هو عبارة عن ماهيّة الصلاة وطبيعتها الكلّيّة أو وجودهالخارجي أو وجودها الذهني؟ ويمكن أن يتوهّم كونها من لوازم الماهيّةكالزوجيّة للأربعة التي لا دخل لوجودها الخارجي أو الذهني في لازميّتها لها،ولذا يعبّر عنها بلازم الماهيّة.