(صفحه282)
مخصوصة فيه، بل لوحظ المركّب بنحو اللابشرط، والملاك فيه ترتّب غرضخاصّ وأثر مخصوص بأيّ مادّة وهيئة حصلت، وذلك مثل البيت والسيّارةوأمثال ذلك، فإنّ البيت بيت سواء اُخذت موادّه من الحجر أو الطين أو الجصّأو الخزف، بني على هيئة المربّع أو المثلّث أو غيرهما.
ثمّ قال: لا مانع عن القول بأنّ الصلاة وأضرابها موضوعة للمركّباتالاعتباريّة الشرعيّة التي لا تكون محدودة من حيث الهيئة والمادّة حتّى بصورةأنّه يقال: الصلاة ماهيّة إذا وجدت في الخارج لا تنطبق إلاّ على الأفرادالصحيحة؛ إذ قلنا بخروج بعض الشرائط الدخيلة في الصحّة عن الموضوع له،فيصدق على الفرائض والنوافل قصرها وتمامها وما وجب على الصحيحوالمريض بأقسامها.
ثمّ قال: ولكنّ هذا الجامع لا ينطبق على صلاة الغرقى؛ إذ الغريق إذا لم يكنقادراً عليها إلاّ بالتوجّه القلبي فكيف ينطبق عليه عنوان الصلاة؟! إلاّ أنّه ليسبصلاة حقيقةً، وإطلاق لفظ الصلاة عليه يكون من باب المسامحة. والإشكالالمهمّ الموجود في المقام هو: أنّ الشرائط الدخيلة في الموضوع له عندالصحيحي ـ كالطهارة ـ لا تكون قابلةً للرؤية؛ إذ لا دخل لنفس الشرائط فيه،بل للتقيّد بها ومعيّتها دخل في الموضوع له، فحينئذٍ بأيّ طريق نعلم واجدهمن فاقدها مع أنّه لا فرق بين الواجد والفاقد من حيث التركيب الخارجيأصلاً. هذا تمام كلامه ـ دام ظلّه ـ في المقام.
ومعلوم أنّ هذا الجامع بعد توجّه الإشكالين المذكورين في كلامه ـ دامظلّه ـ عليه لا يكون قابلاً للمساعدة كسائر الجوامع المذكورة في المقام.
والحاصل: أنّ تصوير الجامع على القول بالصحيح حسب ما ذكرنا من
(صفحه 283)
كلام صاحب الكفاية والأجلاّء من تلامذته يكون مخدُوشاً.
ولكنّ التحقيق في المقام أنّه قد يكون الغرض من تصوير الجامع على القولبالصحيح إثبات القول بالصحّة، كما هو الظاهر من كلام المحقّق الخراساني(1)فإنّه قال: لابدّ على كلا القولين من قدر جامع في البين، ولا إشكال في وجودهبين الأفراد الصحيحة، وإمكان الإشارة إليه بخواصّه وآثاره. وأمّا تصويرالجامع على القول بالأعمّ ففي غاية الإشكال، ثمّ استفاد منه أنّ الحقّ معالصحيحي؛ إذ يمكن له تصوير الجامع بخلاف الأعمّي.
وجوابه: أوّلاً: أنّه لا يمكن للصحيحي أيضاً تصوير الجامع كما مرّ أن ذكرناهأكثر ممّا قيل في تصويره وجوابه مفصّلاً.
وثانياً: أنّ المهمّ في هذا البحث بحث الحقيقة والمجاز؛ إذ القائل بالحقيقةالشرعيّة يقول: إنّ الصلاة حقيقة في الصحيح ومجاز في الأعمّ، أو حقيقة فيالأعمّ، فيكون تصوير الجامع أيضاً من علائم الحقيقة كالتبادر ونحوه، بأنّه إذكان تصوير الجامع على القول بالصحيح ممكناً فالصلاة حقيقة في الصحيح،وإذا كان تصوير الجامع على القول بالأعمّ ممكناً فهي حقيقة في الأعمّ، مع أنّهلا دخل لتصوير الجامع وعدمه في تشخيص الحقيقة عن المجاز، فتصويرالجامع لهذا الغرض لا فائدة فيه.
وأمّا إذا كان الدليل على القول بالصحيح التبادر وصحّة السلب عن الفاسدوأمثال ذلك كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى، فلا نحتاج إلى تصوير الجامع والعلمبه ولو من طريق الإشارة إليه بآثاره وخواصّه، فإنّا نستكشف من ضمّعموميّة الوضع والموضوع له في ألفاظ العبادات إلى أنّها لا تنطبق على الأفراد
- (1) كفاية الاُصول 1: 36 ـ 42.
(صفحه284)
الفاسدة، أنّ الجامع موجود ولاحظه الشارع حين الوضع، ولا ضرورة تدعوإلى العلم بها أصلاً.
ولو قيل: إنّ الجامع إذا كان مبهماً فكيف ينسبق إلى الذهن ولا مناسبة بينإبهام الشيء وتبادره إلى الذهن كما لا يخفى؟!
قلت: لا مانع من ذلك، فإنّا نرى كثيراً مّا تبادر معنى في الذهن مع أنّ كنههوحقيقته مبهم عندنا، ومنها حقيقة الوجود، فإنّها بكنهها غير معلومة عندنا،مع أنّها من أظهر المعاني والمفاهيم كما هو المعلوم.
نعم، لقائل أن يقول: إنّه لا يعقل تصوير الجامع على القول بالصحيح أصلاً،بل هو مستحيل، كما أشار إليه صاحب الكفاية وأجاب عنه.
وتوضيح ذلك: أنّ الجامع إمّا أن يكون أمراً مركّباً أو أمراً بسيطاً، وكلاهمأمر غير معقول، فإن كان الجامع أمراً مركّباً ذا أجزاء ففيه: أوّلاً: أنّ كلّ مفرض جامعاً فله حالتان: أنّه إذا كان واجداً لجميع الأجزاء فيتّصف بالصحّة،وإذا كان فاقداً لبعض الأجزاء فيتصف بالفساد.
وثانياً: أنّه يكون في حالة صحيحاً وفي حالة فاسداً.
وإن كان الجامع أمراً بسيطاً فهو إمّا أن يكون عنوان المطلوب أو ملزوممساوياً له، والأوّل غير معقول؛ لبداهة استحالة أخذ ما لا يتأتّى إلاّ من قبلالطلب في متعلّقه، مع استلزامه الترادف بين لفظة «الصلاة» والمطلوب، وعدمجريان البراءة مع الشكّ في أجزاء العبادات وشرائطها، والشكّ بين الأقلّوالأكثر الارتباطيّين؛ لعدم الإجمال حينئذٍ في المأمور به في العبادات، وإنّمالإجمال والشكّ فيما يتحقّق به ـ أي في المحصّل ـ وفي مثله لا مجال للبراءة كمحُقِقَ في محلّه، مع أنّ المشهور القائلين بالصحيح قائلون بها في الشكّ
(صفحه 285)
في أجزاء العبادات.
والثاني أيضاً غير معقول؛ إذ لابدّ لنا في مقام العمل من القطع بتحقّق عنوانملازم للمطلوب، ففي صورة الشكّ في جزئيّة السورة ـ مثلاً ـ لابدّ من القولبالاحتياط؛ إذ هو شكّ في المحصّل، مع أنّهم قائلون بالبراءة في الشكّ فيها.
وإذا لم يمكننا الجواب عن هذا الإشكال فهو أقوى شاهد على بطلان القولبالصحيح، فلا مناص عن القول بالأعمّ؛ إذ الوضع والموضوع له في ألفاظالعبادات كانا عامّين، فلابدّ لنا من الجامع ولو بصورة الإمكان.
ولكنّ المحقّق الخراساني قدسسره (1) قال في مقام الجواب عنه: إنّا نختار منالفروض الثلاثة الشقّ الأخير منها، وهو كون الجامع أمراً بسيطاً وملازممساوياً للمطلوب، وفي صورة الشكّ في الأجزاء نقول بجريان البراءة أيضاً.
بيان ذلك: أنّ مورد جريان أصالة الاشتغال هو صورة تعدّد وجود السببوالمسبّب وامتيازهما وجوداً، كالطهارة من الحدث فإنّها ـ بناء على كونهحالة نفسانيّة ـ مغايرة وجوداً لأسبابها من الغسل والوضوء ونحوهما، فإذشكّ في دخل شيء جزءً أو شرطاً في أسباب الطهارة فمحصّلها تجري فيهأصالة الاشتغال.
وأمّا الجامع في المقام فيكون متّحداً مع المركّبات الخارجيّة وجوداً ـ كاتّحادالطبيعي مع أفراده ـ حيث لا وجود له إلاّ بوجود أفراده، فالشكّ في الأجزاءلا محالة يرجع إلى الشكّ في دخل شيء في نفس المأمور به، فتجري فيهالبراءة.
فالجامع هو مفهوم واحد بسيط ومتّحد مع الأفراد المختلفة زيادة ونقيصة
- (1) كفاية الاُصول 1: 36 ـ 37.
(صفحه286)
بحسب اختلاف الحالات. ومن هنا نرجع إلى ثمرة النزاع بين الصحيحيوالأعمّي، ولا نتعرّض لنقل الجوامع المذكورة في المقام على القول بالأعمّ،فإنّه: أوّلاً: أنّ ما قال به صاحب الكفاية قدسسره في بحث الثمرة يرتبط بما نقلناه عنهآنفاً في جواب القائل بالاستحالة.
وثانياً: أنّه لا فائدة في نقل الجوامع المتصوّرة على القول بالأعمّ ونقدها؛لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون باطلاً ـ كما قال به المحقّق الخراساني قدسسره فلا ثمرة فينقلها ـ وإمّا أن يكون صحيحاً، فماذا يستفاد من تصوير الجامع بعد أن لم يكنصحّة تصوير الجامع دليلاً لصحّة قول الأعمّي، كما قلنا في تصوير الجامع علىالقول بالصحيح، فلا فائدة في إطالة الكلام في هذا المقام.
ثمرة المسألة:
ذكروا لها عدّة ثمرات:
منها: أنّه بناء على الأعمّ لابدّ من الرجوع إلى البراءة في مورد الشكّ فيالأقلّ والأكثر الارتباطيّين إذا كان الشكّ في جزئيّة شيء أو شرطيّته للمأموربه، وأمّا بناء على الصحيح فلابدّ من الرجوع إلى الاشتغال في المورد المذكور.
ولكنّ الالتزام بهذه الثمرة يستلزم ألاّ تكون مسألة دوران الأمر بين الأقلّوالأكثر الارتباطيّين مسألة مستقلّة، بل هي متفرّعة على مسألة الصحيحوالأعمّ، ولذا أورد عليها صاحب الكفاية بأنّه لا وجه لجعلها ثمرة البحث هنا؛إذ القول بالبراءة أو الاشتغال في مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثرالارتباطيّين لا يبتني على القول بالأعمّ أو الصحيح في هذه المسألة، بل لا ربطبين المسألتين أصلاً، بحيث يجوز للصحيحي القول بالبراءة في تلك المسألة،وللأعمّي القول بالاشتغال في تلك المسألة، ولذا ذهب المشهور إلى البراءة مع