(صفحه312)
والزكاة والحجّ والصوم والولاية، ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذالناس بالأربع وتركوا هذه»(1).
وتقريب الاستدلال بأنّه لا يخفى أنّ المراد من كلمة «لم يقبل» في ذيلالحديث عبارة عن عدم الصحّة، وأنّ الولاية شرط صحّة العبادات، فلابدّ أنتكون ألفاظ العبادات موضوعة للأعمّ ليصدق أخذهم بالأربع، وإلاّ لما كانوآخذين بالأربع، وعلى الوضع للصحيح لا يصحّ القول بأنّهم آخذون بالأربع.
وأجاب عنه صاحب الكفاية(2): أوّلاً: بأنّه لو تمّ الاستدلال المذكور فغايتهإثبات استعمال الألفاظ المذكورة في الفاسدة، وهو غير مثبت للوضع للأعمّالذي هو المدّعى، فإنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة، ويمكن أن يكون الاستعمالبنحو المجاز.
ولكنّه ليس بتامّ؛ لأنّ للاستعمال المجازي مورداً مخصوصاً ـ كما مرّ ـ وليسهذا الحديث مورداً له، فإنّه عليهالسلام كان في مقام بيان عظمة مرتبة الولاية، فلوكان المراد من الأربع: «الصلاة والصوم...» المجازي فلا عظمة للولاية، فلمحالة يكون معنى الحديث أنّه لو أنّ أحداً صام نهاره بالصوم الحقيقي... لم يقبلله صوم ولا صلاة.
وثانياً: بأنّه لا نسلّم أن يكون الاستعمال في الحديث للأعمّ؛ إذ لا شكّ في أنّالمراد من الأربع في صدر الرواية هو الصحيح بقرينة بناء الإسلام عليها، فلابدّمن أن يحمل الأربع في الذيل وقوله عليهالسلام : «صام نهاره...» أيضاً على الصحيح،فإنّا نعلم أنّ المراد من الأربع في ذيل الحديث هو الأربع المذكورة في الصدر؛
- (1) الكافي 2: 18، الحديث 3.
- (2) كفاية الاُصول 1: 47 ـ 48.
(صفحه 313)
لأنّ الألف واللام في كلمة الأربع للعهد الذكري، فاستعمل الأربع ههنا فيالصحيح، غايته هو الصحيح باعتقادهم دون الصحيح الواقعي النفس الأمري،فيكون الاختلاف بيننا وبينهم في معنى الصحّة نظير اختلاف فقهائنا فيه،فالألفاظ لم تستعمل إلاّ في الصحيح، إلاّ أنّ تاركي الولاية أخطأوا في تطبيقالصحيح على عباداتهم.
ومن الأخبار المذكورة قوله عليهالسلام : «دعي الصلاة أيّام أقرائك»(1).
وتقريب الاستدلال به يكون على نحوين على حسب احتمالين:
الأوّل: أن يكون النهي في الحديث مولويّاً؛ بأن تكون صلاة الحائضمبغوضة عند المولى بحيث لو ارتكبتها استحقّت العقاب، فالاستدلال على هذالاحتمال بأنّه لا شكّ في اعتبار القدرة في متعلّق النهي والأمر، وكون التكليفمقدوراً عليه، فنستكشف من توجّه التكليف إلى الحائض وأنّها تقدر عليه،مع أنّ الصلاة الصحيحة ليست مقدورة لها، فلابدّ من الوضع للأعمّ، وإليستلزم النهي عن الأمر الغير المقدور. فهذا الحديث يدلّ على الوضع للأعمّ.
وجوابه: أنّ هذا المعنى يستلزم أن يكون إتيان الصلاة محرّماً على الحائضذاتاً وإن لم تقصد به القربه، ولا أظنّ أن يلتزم به أحد حتّى المستدلّ بالرواية،فلم تستعمل الصلاة ههنا إلاّ في الصلاة الصحيحة مع قطع النظر عن الحيض،فالصلاة الواجدة لجميع الأجزاء والشرائط سوى الطهارة من الحيض محرّمةعلى الحائض وتوجب العقوبة، فهذه ليست بصلاة عند الصحيحي، ولا تنطبقعلى ما ادّعاه الأعمّي، فإنّ الطهارة من الحيض دخيلة في التسمية عندالصحيحي؛ لكونها من شرائط القسم الأوّل، ولا ينحصر الموضوع له بالفاسد
- (1) الوسائل 2: 287، الباب 7 من أبواب الحيض، الحديث 2.
(صفحه314)
من حيث الطهارة عند الأعمّي. فهذا التقريب ليس بتامّ.
وأمّا الاحتمال الثاني فأن يكون النهي في الحديث إرشاديّاً، بأن يكون الخلومن الحيض من شرائط الصحّة عند الشارع، مثل قوله عليهالسلام : «لا تبع ما ليسعندك»(1)، فلا يكون معناه حرمة البيع رأساً، بل معناه عدم وقوع البيع لغيرالمالك، فإنّه مشروط بأن يكون البائع مالكاً أو مأذوناً في البيع، وهكذا في منحن فيه؛ لأنّ صلاة الحائض مشتملة على المانع، فتكون الصلاة في حالالحيض باطلة، وأمّا إتيانها بعنوان المأمور به فيوجب إسناد ما ليس منالشارع إليه، فتكون الحرمة من حيث التشريع لا من جهة نفس العمل.
وأمّا تقريب الاستدلال على هذا الاحتمال بأنّه يشترط في التكليف ـ سواءكان مولويّاً أو إرشاديّاً ـ أن يكون متعلّقه مقدوراً للمكلّف، فحينئذٍ لو قالالشارع: الحيض مانع من الصلاة أو يشترط في الصلاة الخلو عن الحيض، فلشكّ في أنّ المراد من الصلاة هنا هي الصلاة الصحيحة، ولا يكون قابلللاستدلال.
وأمّا لو قال: «دعي الصلاة أيّام أقرائك»، فلازمه أن تكون الصلاة مقدورةللمكلّف من حيث الفعل والترك، ومعلوم أنّ الصلاة الصحيحة ليست مقدورةلها، فلا محالة يكون متعلّق النهي ما هو الأعمّ من الصحيح والفاسد حتّىيكون المكلّف قادراً على إيجاده وتركه، وهذا لا يستلزم أن تكون للصلاةحرمة ذاتيّة؛ إذ النهي إرشادي بمعنى عدم وقوع صلاتك صحيحة.
ومن الوجوه التي استدلّ بها الأعمّي أنّه لا شبهة ولا إشكال في صحّة تعلّقالنذر بترك الصلاة في مكان تكره فيه ـ كالحمّام مثلاً ـ بأن يقال: للّه عليّ أل
- (1) الوسائل 18: 47، الباب 7 من أبواب أحكام العقود، الحديث 2.
(صفحه 315)
اُصلّي في الحمّام، وأيضاً لا إشكال في حصول الحنث بفعلها فيه، فيستفاد منهمأنّ كلمة «الصلاة» وضعت للأعمّ؛ إذ الصلاة في الحمّام بعد تعلّق النذر بهتكون منهياً عنها، ومعلوم أنّ النهي في العبادة يقتضي الفساد، فلا محالة تكونالصلاة فيه بعد النذر فاسدة ومع ذلك يوجب الحنث فيه، فيستكشف أنّ معنىالصلاة في عقد النذر هو الأعمّ من الصحيح، وإلاّ لم يحصل الحنث بها أصلاً،مع أنّ من شرائط انعقاده ألاّ يوجب النذر سلب القدرة عن الناذر، ولا شكّفي أنّه لو كان المراد من الصلاة في العقد الصلاة الصحيحة فلا يقدر الناذر علىإتيانها، بل هو قادر على إتيان الصلاة بالمعنى الأعمّ فقط.
ولكن هذا الاستدلال مردود لوجوه:
الأوّل: أنّ غاية ما يستفاد منه على فرض التماميّة هو استعمال كلمة«اُصلّي» في المعنى الأعمّ حسبما يقتضيه الدليلان المذكوران، ومن المعلوم أنّهذا المعنى لا ينطبق على ما ادّعاه الأعمّي من أنّ كلمة «الصلاة» وضعتللأعمّ؛ إذ يمكن أن يكون الاستعمال هنا مجازيّاً، فإنّه لم تكن قاعدة فقهيّة كلّيّة،بل هو استعمال صدر من المكلّف، ولا مانع من كونه مجازيّاً.
الثاني: أنّ الأعمّي يدّعي استعمال كلمة «اُصلّي» في معنى الأعمّ، وهكذيدّعى أنّ ألفاظ العبادات تشمل جميع ما تصدق عليه هذه الألفاظ منالصحيح والفاسد، ولكن تسأل بأنّ الناذر إذا صلّى أربع ركعات للظهر فيالحمّام بدون طهارة، هل يحصل الحنث بها أم لا؟
إن قلت: بالحنث بها.
قلنا: لم يلتزم به أحد من الفقهاء.
وإن قلت: بالفرق بين فساد الصلاة في الحمّام من ناحية تعلّق النذر بتركها
(صفحه316)
وبين فسادها فيه من ناحية فقدان الطهارة أو فقدان بعض الأجزاء والشرائط،وتحكم بصدق الصلاة عليها في الأوّل دون الثاني.
قلنا: هذا يوجب الاستهزاء بين الناس، مع أنّه لا رجحان في ترك الصلاةالفاسدة في الحمّام حتّى تعلّق النذر بها.
الثالث: أنّه لو سلّمنا جميع ما ذكره الأعمّي هنا فلا ريب في أنّ الإشكالينالمذكورين مشتركا الورود على الصحيحي والأعمّي؛ إذ لو قال الناذر: «للّهعليّ ألاّ اُصلّي صلاة صحيحة في الحمّام»، فلا شكّ في صحّة هذا النذر عندالصحيحي والأعمّي، فإنّ ترك الصلاة الصحيحة في الحمّام راجح عند الكلّ،وهكذا لا شكّ في أنّه لو صلّى في الحمّام يوجب الحنث عند الكلّ مع كونهفاسدة، ومع أنّ هذا النذر موجب لسلب القدرة عن الناذر، فكيف الحلّ فيهذا المثال حتّى نلتزم به في مثل: «للّه عليّ ألاّ اُصلّي في الحمّام»؟ فهذالاستدلال ليس بتامّ.
وأمّا حلّ المسألة وكيفيّة انعقاد النذر بما أشار إليه المحقّق العراقي والمرحومالحائري وكمّله اُستاذنا السيّد الإمام ـ دام ظلّه ـ وهو: أنّ النذر علىنحوين؛ إذ الناذر قد يقول: «للّه عليّ ألاّ اُصلّي في الحمّام»، فهذا مطلق، وكان لهمصداقان: أحدهما: ترك الصلاة في الحمّام فقط، وثانيهما: ترك الصلاة رأساً؛ إذيصدق عليه أنّه لم يصلّ في الحمّام، كما أنّه يصدق عليه أنّه لم يُصلّ في المسجدوالدار، وإذا كان النذر بهذه الكيفيّة فهو باطل ولم ينعقد أصلاً، فإنّ أحدمصداقي النذر لو لم يتحقّق بترك الصلاة رأساً فلا رجحان فيه، فلم ينعقد النذركما هو معلوم.
وقد يقول: «للّه عليّ ألاّ اُصلّي صلاتي الواجبة في الحمّام»، فإذا كان العنوان