( صفحه 88 )
المتقدّمة، وعدمه; بمعنى أنّه هل يكون هنا استحبابان تعلّق أحدهما بعنوان التنفّل في ساعة الغفلة، والآخر بالصلاة بالكيفيّة المعروفة، أو أنّه لا يكون في البين إلاّ تكليف استحبابيّ واحد، غاية الأمر أنّ الإتيان بها بتلك الكيفيّة أفضل؟
والظاهر هو التعدّد وإن جاز التداخل في مقام الامتثال; لأنّ الرواية الدالّة على مطلوبيّة مطلق التنفّل في ساعة الغفلة إنّما تدلّ على أنّ المطلوب هو عدم خلوّ هذا الزمان ـ الذي هو زمان الغفلة ـ من التنفّل الذي يكون حقيقته التوجّه إلى المعبود، والتخضّع والتخشّع لديه، فالمطلوب فيه أمر عامّ ينطبق على القليل والكثير، ولا دلالة لها على كيفيّة مخصوصة.
والرواية الاُخرى تدلّ على استحباب ركعتين بالكيفيّة الخاصّة، وهو عنوان آخر يغاير العنوان المأخوذ في تلك الروايات من حيث المفهوم، ولكن لا يأبى من الاجتماع معه في الخارج ومقام الامتثال، فالعنوانان في عالم تعلّق الحكم متغايران، وفي عالم الامتثال يمكن تصادقهما على أمر واحد، فإذا قصد كليهما يتحقّق امتثالان، وإذا أتى بالركعتين بغير تلك الكيفيّة لا تتحقّق صلاة الغفيلة.
كما أنّه إن أتى بها بدون قصد امتثال الأمر المتعلّق بالتنفّل ساعة الغفلة لا يتحقّق امتثال أمره، وإن كان يمكن أن يقال بأنّ المقصود من الأمر المتعلّق به، هو أن لا يكون ذلك الوقت خالياً من التوجّه إلى الله، من دون أن يكون للمأمور به عنوان خاصّ مستقلّ، فلا حاجة في امتثاله إلى قصد متعلّقه، بل الظاهر هو ذلك. وعليه: فلا يتوقّف على قصد عنوان التنفّل في ساعة الغفلة،
( صفحه 89 )
بل يتحقّق الامتثالان معاً بقصد صلاة الغفيلة.
الجهة الثالثة: في اتّحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب وعدمه، ونقول:
ربما يقال(1) بالاتّحاد، وأنّ الرواية المتضمّنة لصلاة الغفيلة ناظرة إلى أدلّة نافلة المغرب، والمقصود من قوله (عليه السلام) في هذه الرواية: «من صلّى بين العشاءين ركعتين...» هو الركعتان من أربع ركعات المعروفة بنافلة المغرب، فكأنّه قال: من صلّى الركعتين من نافلة المغرب بهذه الكيفيّة يترتّب عليها أثر مخصوص; وهو قضاء حاجته، وإعطاء الله إيّاه ما سأل.
ويترتّب على ذلك عدم جواز الاقتصار على الغفيلة، ولزوم الإتيان بركعتين آخرتين قبلها أو بعدها بناءً على ما ذكرنا سابقاً(2) من عدم تعدّد النوافل المركّبة وترتّب الأثر على مجموعها.
كما أنّه يترتّب على ذلك عدم جواز الإتيان بالغفيلة بعد الإتيان بنافلة المغرب بأجمعها.
والذي يقرّب هذا القول أمران:
أحدهما: أنّه ليس في الروايات المتعرّضة لتعداد النوافل(3) اليوميّة من التعرّض لصلاة الغفيلة عين ولا أثر، لاسيّما ما يدلّ(4) على أنّ مجموع عددها بضميمة الفرائض لا يتجاوز عن إحدى وخمسين ركعة، وما ورد(5)منها حكاية لعمل النبيّ أو الوصيّ صلوات الله وسلامه عليهما، حيث لا إشعار فيها بثبوت صلاة الغفيلة والإتيان بها زائدة على نافلة المغرب.
- (1) راجع نهاية التقرير 1: 63 ـ 64.
- (2) في ص26 ـ 36.
- (3 ـ 5) وسائل الشيعة 4: 45، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13.
( صفحه 90 )
ثانيهما: النهي عن التطوّع(1) في وقت الفريضة، حيث إنّه على تقدير استقلال صلاة الغفيلة تكون مصداقاً للتطوّع في وقت فريضة العشاء، وهو منهيّ عنه، فلا محالة تحسب جزءاً من نافلة المغرب لتخرج من هذا العنوان.
ويدفع الأوّل: أنّ عدم التعرّض في تلك الروايات لصلاة الغفيلة إنّما هو لأجل عدم كونها من الرواتب اليوميّة المضافة إلى الفرائض، أو إلى اليوم والليل، بل هي عبادة مستقلّة يترتّب عليها أثر مخصوص، غاية الأمر أنّ وقتها بين العشاءين، فلاتكون جزءاً للرواتب.
ويدفع الثاني ـ مضافاً إلى لزوم ملاحظة أنّ النهي هل هو تحريميّ أو تنزيهيّ؟ وأنّ المراد بالتطوّع هل هو مطلق التطوّع أو خصوص النوافل الابتدائيّة التي لايكون لها عنوان خاصّ؟ وأنّ الوقت هل هو الوقت الاختصاصي، أو الأعمّ منه ومن وقت الفضيلة، بل الإجزاء؟: ـ أنّ الدليل على خروجها عن ذلك العنوان هو الدليل الدالّ على مشروعيّتها وثبوتها في الشرع، فلا فرق بينها، وبين أصل نافلة المغرب من هذه الجهة أصلاً.
فانقدح أنّ اتّحاد صلاة الغفيلة مع نافلة المغرب ممّا لا سبيل إليه، ويبعّده أيضاً أنّ ظاهر دليل الغفيلة(2) تشريع الصلاة بالكيفيّة المخصوصة، لا بيان الخصوصيّة في الصلاة المشروعة، فافهم.
وربما يقال(3) بتغايرهما بحيث لا يمكن تصادقهما حتّى في مقام الامتثال
- (1) وسائل الشيعة 4: 226 ـ 229، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت ب35، ويأتي البحث عنه مفصّلاً في ص305 ـ 327، مسألة13.
- (2) تقدّم في ص84 ـ 87 .
- (3) راجع نهاية التقرير 1: 63.
( صفحه 91 )
والتحقّق في الخارج; نظراً إلى أنّه حيث استقرّت سيرة المسلمين على الإتيان بنافلة المغرب بعد فريضته، صار في ارتكازهم أنّ نافلة المغرب من توابعها المتّصلة بها، فالمراد من قول الإمام (عليه السلام) في رواية هشام: من صلّى بين العشاءين ركعتين(1)، الإتيان بالركعتين بين المغرب ونافلته، وبين العشاء، فكأنّه قال: من صلّى بين العشاءين ركعتين غير نافلة المغرب.
ويترتّب على ذلك عدم إمكان التصادق ولزوم مغايرة الغفيلة مع النافلة خارجاً، فلو أتى بنافلة المغرب بصورة الغفيلة لا يسقط الأمر الاستحبابي المتعلّق بصلاة الغفيلة، كما أنّه لا يتحقّق امتثال الأمر المتعلّق بنافلة المغرب إذا ضمّ إلى صلاة الغفيلة ركعتين آخرتين فقط.
ويدفعه: أنّ استقرار السيرة على الإتيان بالنافلة بعد الفريضة لا يوجب التضيّق في مداليل الألفاظ وتقيّد الإطلاق في الرواية; فإنّ المراد من العشاءين هو نفس الفريضتين. وعليه: فالركعتان في الرواية مطلقة، ولا تكون موصوفة بكونهما غير نافلة المغرب، فكما أنّ الاتّحاد لا يساعده ظاهر الدليل، فكذلك المغايرة بهذه الكيفيّة المانعة عن التصادق في مقام الامتثال.
والظاهر أنّه كما أنّ أدلّة نافلة المغرب(2) مطلقة من جهة الكيفيّة، ولا تكون مشروطة بصورة خاصّة، كذلك دليل صلاة الغفيلة مطلق من جهة الوقت بالإضافة إلى نافلة المغرب، ومن جهة وقوعها في ضمنها وعدمه.
- (1) تقدّمت في ص84 ـ 85 .
- (2) راجع وسائل الشيعة 4: 45 ـ 62، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض ب13 و14.
( صفحه 92 )
وعليه: فيمكن اجتماعهما في صلاة الغفيلة، غاية الأمر أنّه حيث تكون نافلة المغرب من العناوين القصديّة التي لا تكاد تتحقّق بدون القصد، فلابدّ من قصدها، كما أنّ عنوان صلاة الغفيلة وإن لم يكن مذكوراً في الرواية، إلاّ أنّ إرادة الإتيان بالصلاة بالكيفيّة الخاصّة ـ المترتّب عليها أثر مخصوص ـ لا محيص عنها، فيمكن الاجتماع ويمكن الانفكاك.
وعلى ما ذكرنا لا يبقى فرق بين صورة الإتيان بالغفيلة قبلها أو بعدها; للزوم نيّة النافلة وعدم التحقّق بدونها، فالفرق كما أفاده بعض(1) الأعلام لا وجه له، فتدبّر.
الجهة الرابعة: في وقت صلاة الغفيلة، وفيه احتمالان:
الأوّل: أنّ وقتها بعد المغرب وقبل العشاء في أيّ وقت صلاّهما في وقتهما، فلو أخّر العشاء إلى نصف الليل يجوز الإتيان بالغفيلة قبلها.
الثاني: أنّ وقتها إلى زوال سقوط الشفق الغربي الذي هو وقت فضيلة العشاء; وهو الذي قوّاه في المتن.
ومنشأ الاحتمالين: أنّ المراد من قوله (عليه السلام) في رواية هشام المتقدّمة(2): «من صلّى بين العشاءين» هل هي الصلاة بين الفريضتين، فيكون مقتضى إطلاقه جواز الإتيان بها في أيّ وقت صلّى الفريضتين، أو أنّ المراد منه هي الصلاة بين الوقتين، ولا محالة يكون المراد وقتي الفضيلة لا وقت الإجزاء; لعدم
- (1) التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الصلاة 1: 107، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 11: 75 ـ 76.
- (2) في ص84 ـ 85 .