(الصفحة 19)
الثاني: الجمود على ظاهر بعض الروايات وإن كان يقتضي إختصاص كل واحد من الاُمور الستة المتقدمة بطائفة خاصة فيكون الابل على اهلها والبقر على أهلها وهكذا ولكن بقرينة غيرها من الروايات والفتاوي يمكن حملها على إرادة التسهيل على القاتل بل ذكر صاحب الجواهر (قدس سره)عدم تحرير هذا الخلاف ممن عادته ذلك كابن إدريس والفاضل في المختلف وغيره يشعر بعدم فهم الخلاف منهم في ذلك والأمر سهل إذ على تقديره واضح الضعف. وعليه فليس للولي الامتناع من قبول أحدها مع بذله وإن لم يكن الباذل من إهل المبذول.
الثالث: قد حقق في المباحث الاُصولية في الواجب التخييري إنه يمكن التخيير بين الأقل والأكثر فضلا عن مثل المقام الذي يكون التخيير بين الاُمور المختلفة وإن كان مختلفي القيمة كما عرفت في رواية الشيخ المتقدمة الناظرة إلى رجوع إثنا عشر ألف درهم إلى عشرة آلاف.
الرابع: إن التخيير بين الاُمور الستة التي تكون مختلفة القيمة لا مانع من تصويره وعليه فيرتفع الاستشكال فيه من بعض معاصرينا والوجه في تصويره مع الالتزام بكون جميعها من الاُصول لا أن يكون بعضها منها وبعضها قائماً مقامه إنّ الاسلام بما إنه دين عالمي من ناحية ودين أبدي من ناحية اُخرى فقد راعى جميع الطوائف في جميع الأزمنة ومن ناحية ثالثة مع اهتمامه بحفظ النفس حتى جعل بعضهم حفظها من أوجب الواجبات فقد جعل الاُمور الستة دية النفس بنحو التخيير للقاتل الجاني ومع ذلك فيمكن أن يختار الجاني ما هو الأسهل عنده وإن كان أغلى قيمة من غيره فالتخيير له يرجع إلى التسهيل كما هو إمتياز دين الاسلام على غيره من الأديان كما لا يخفى.
(الصفحة 20)
مسألة 2 ـ يعتبر في الابل أن تكون مسنّة وهي التي كملت الخامسة ودخلت في السادسة، وأمّا البقرة فلا يعتبر فيها السنّ ولا الذكورة والاُنوثة وكذا الشاة فيكفي فيهما ما يسمى البقرة أو الشاة، والأحوط إعتبار الفحولة في الابل وإن كان عدم الاعتبار لا يخلو من قوة1 .
مسألة 3 ـ الحلّة ثوبان والأحوط أن تكون من برود اليمن والدينار والدرهم هما المسكوكان ولا يكفي ألف مثقال ذهب أو عشرة آلاف فضة غير مسكوكين2 .
مسألة 4 ـ الظاهر إن الستة على سبيل التخيير والجاني مخير بينها وليس للولي الامتناع عن قبول بذله لا التنويع بأن يجب على أهل الابل الابل وعلى أهل الغنم الغنم وهكذا فلأهل البوادي أداء أي فرد منها وهكذا غيرهم وإن كان الأحوط التنويع3 .
1 - قد تقدم البحث عن ذلك في المباحث السابقة وعرفت أيضاً إن إعتبار الفحولة لا دليل عليه نعم مقتضى الاحتياط الاستحبابي رعايته.
2 - قد عرفت إن الحلّة لا تكون أقل من ثوبين إزار ورداء وبالعمامة يتحقق التكامل نعم لا دليل على إعتبار كونها من برود اليمن أو أبرادها كما تقدم البحث في إعتبار المسكوكية في ألف مثقال من الذهب أو عشرة آلاف مثقال من الفضة وإن ورد في بعض الروايات ما يشعر بالخلاف.
3 - تقدم أيضاً إن الاُمور الستة إنما تكون واجبة على سبيل التخيير للجاني
(الصفحة 21)
مسألة 5 ـ الظاهر إن الستّة اُصول في نفسها وليس بعضها بدلا عن بعض ولا بعضها مشروطاً بعدم بعض ولا يعتبر التساوي في القيمة ولا التراضي فالجاني مخيّر في بذل أيها شاء1 .
مسألة 6 ـ يعتبر في الأنعام الثلاثة هنا وفي قتل شبيه العمد والخطأ المحض السلامة من العيب والصحة من المرض ولا يعتبر فيها السّمن نعم الأحوط أن لا تكون مهزولة جدّاً وعلى خلاف المتعارف بل لا يخلو ذلك من قوة وفي الثلاثة الاُخر السلامة من العيب فلا تجزي الحلة المعيوبة ولا الدنيار والدرهم المغشوشان أو المكسوران ويعتبر في الحلة أن لا تقصر عن الثوب فلا تجزي الناقصة عنه بأن يكون كل من جزئيها بمقدار ستر العورة فإنه لا يكفي2 .
القاتل لا بنحو التنويع وإن التزم به بعض.
1 - عرفت أيضاً إن الستّة اُصول في نفسها ولا يكون بعضها بدلا عن بعض ولا يعتبر التساوي في القيمة ولا التراضي أصلا وتقدم الوجه في ذلك فراجع.
2 - والدليل على إنه يعتبر في الأنعام الثلاثة مطلقاً في العمد وشبهه والخطأ المحض السلامة من العيب والصحة من المرض إنصراف الأدلة إلى السالم والصحيح على ما هو المتفاهم منها عند العرف فلا يفهم العرف من مائة إبل إلاّ مائة إبل سالم وخال عن العيب وعليه يبتني ثبوت خيار العيب في البيع ـ مثلا ـ مع عدم إشتراط عدمه في
(الصفحة 22)
مسألة 7 ـ تستأدي دية العمد في سنة واحدة ولا يجوز له التأخير إلاّ مع التراضي وله الأداء في خلال السنة أو أخرها وليس للولي عدم القبول في خلالها; فدية العمد مغلظة بالنسبة إلى شبه العمد والخطاء المحض في السنّ في الابل والاستيفاء كما يأتي الكلام فيهما1 .
العقد بل وحتى في مورد عدم التوجه إلى الصحة والسلامة كما بين في محله كما إن الملاك في إعتبار السلامة وعدم العيب في الحلة والدينار والدرهم أيضاً ذلك.
نعم لا دليل على إعتبار السمن في الأنعام الثلاثة نعم مقتضى الاحتياط الوجوبي عدم كونها مهزولة خارجة عن المتعارف للانصراف المذكور بل لا يبعد إعتبار عدمه كما في المتن.
ومما ذكرنا ظهر إنه يعتبر أن لا يكون الدينار والدرهم مغشوشين أو مكسورين لخروجهما عن السلامة بالغش والكسر ولذا ذكر الشيخ في روايته المتقدمة إن إثنا عشر ألف درهم في بعض الروايات يرجع إلى عشرة آلاف درهم والوجه فيه الخروج عن السلامة والاتصاف بالصحة فتدبر كما إنه يظهر إنه يعتبر في الحلّة التي أقلها ثوبان أن لا تقصر عن الثوب فإن الثوب يكون أقلّه ساتراً للعورة فلا تجزي الناقصة عن المقدار المذكور في الحلّة لأن الحلّة نوع خاص من الأثواب ولا يجوز أن تكون أقلّ منه مضافاً إلى إن القدر المتيقن من الحلّة التي يكون أحد الاُمور الستة المتقدمة مع إنه لم يرد فيها نص إلاّ ما عرفت ذلك فتدبر.
1 - أمّا إنه تستأدي دية العمد في سنة واحدة بمعنى إنه لا يجوز التأخير عنها فهو
(الصفحة 23)
مسألة 8 ـ للجاني أن يبذل من إبل البلد أو غيرها. أو يبذل من إبله أو يشتري أدون أو أعلى مع وجدان الشرائط من الصحة والسلامة والسنّ فليس للولي مطالبة الأعلى أو مطالبة الابل المملوك له فعلا1 .
المعروف بين الأصحاب بل إدعى عليه الاجماع ويدل عليه صحيحة أبي ولاد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) يقول تستأدي دية الخطاء في ثلاث سنين وتستأدي دية العمد في سنة(1). نعم يجوز التأخير مع التراضي وبدونه يجوز للجاني الأداء في خلال السنة أو أخرها لأنه على كلا التقديرين يصدق السنة.
ثم إن الظاهر إن مبدء السنة حين تحقق الدية إما بالتصالح عليها كما في قتل العمد الموجب للقصاص أوّلا وإمّا بثبوتها في نفسها أولا وهو حين الجناية كما في موارد ثبوتها في قتل العمد كذلك كقتل الوالد ولده ونحوه.
وعلى ما ذكرنا فدية العمد مغلظة بالاضافة إلى شبه العمد والخطاء المحض وذكر الماتن (قدس سره) إنها مغلظة بالنسبة إليهما في السنّ في الابل وكذا الاستيفاء.
ومما ذكرنا ظهر إنه في صورة التراضي يجوز التأخير عن السنة كما إنه يجوز على الأقل من مقدار الدية فهو على حسب ما يقع من الصلح مقداراً وأجلا بل ومستحقاً عليه وغير ذلك مما هو جائز بعد التراضي عليه.
1 - قد عرفت إن مقتضى النص والفتوى التخيير بين الاُمور الستة في دية العمد كما إنك عرفت إعتبار بعض الشرائط في بعضها فاعلم إنه مع وجدان الشرائط من
- (1) الوسائل: أبواب ديات النفس، الباب الرابع، ح1.