(الصفحة 64)
مسألة 9 ـ من حمل شيئاً فأصاب به إنساناً ضمن جنايته عليه في ماله1 .
ضمان لأنا نمنع ولا نجيز له العنف. وأنت خبير بأن الجواز وَ عدمه لا أثر له في الضمان فقد عرفت الضمان في مسألة النائم غير الظئر والنائمة الظئر مع أن النائم لا يكون مكلفاً ولكن حكى المحقق في الشرائع عن النهاية قوله إن كانا مأمونين لم يكن عليهما شيء والظاهر إن الدليل عليه هي الرواية وقد ضعفها وهي رواية مرسلة رواها يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال سألته عن رجل أعنف على إمرأته أو امرأة أعنفت على زوجها فقتل أحدهما الآخر قال لا شيء عليهما إذا كانا مأمونين فإن إتهما الزِما اليمين بالله إنهما لم يردا القتل(1). ولكن الرواية مضافة إلى الضعف بالارسال يجري فيه إحتمال إرادة نفي القود قال صاحب الجواهر (قدس سره) بل لعلّه متعين بملاحظة قاعدة الاطلاق والتقييد كما إنه يمكن حمل اليمين فيها على القسامة إثباتاً للقود دون الدية.
1 - قد صرّح به الشيخ والحلي والفاضلان والشهيدان وبعض آخر ويدل عليه رواية داود بن سرحان عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل حمل متاعاً على رأسه فأصاب إنساناً فمات أو إنكسر منه قال هو ضامن(2). وفي الجواهر إن في الكافي وموضع من التهذيب بطريق فيه سهل وفي الفقيه وموضع آخر من التهذيب بطريق صحيح. فلا مجال للاشكال على الرواية كما في المسالك نظراً إلى أن في طريق الرواية سهل بن زياد وهو ضعيف، وهي بإطلاقها مخالفة للقواعد لأنه إنما يضمن المصدوم في ماله مع
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الواحد والثلاثون، ح4.
- (2) الفقيه، ج4 ص111، والتهذيب، ج7 ص222.
(الصفحة 65)
قصده إلى الفعل وخطائه في القصد فلو لم يقصد الفعل كان خطاء محضاً. أقول الرواية إنما يقتصر إليها في الاُمور المخالفة للقواعد وإلاّ فلا حاجة بها كما لا يخفى مع إنك عرفت إنه لم يقع سهل بن زياد إلاّ في الطريقين من الطرق الأربعة هذا ولكن الشيخ الصدوق روى هذه الرواية بسند صحيح إلى داود بن سرحان عن أبي عبدالله (عليه السلام)وقال مكان هو ضامن هو مأمون(1) وعليه فالرواية تدل على عدم الضمان لا ثبوت الضمان ويؤيده صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الرجل يستأجر الحمال فيكسر الذي يحمل عليه أو يهريقه قال إن كان مأموناً فليس عليه شيء وإن كان غير مأمون فهو ضامن(2) ولأجلهما ربما يقال بعدم ثبوت الدية في ماله لأن هذا من مصاديق القتل الخطائي الذي يكون الدية فيه على العاقلة وصحيحة أبي بصير نص في عدم الضمان إذا كان مأموناً غير مفرط فلا دليل على الضمان في ماله فتدبر وقد تقدم في كتاب الاجارة البحث في ذلك تفصيلا فراجع.
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب العاشر، ح10.
- (2) الوسائل: أبواب أحكام الاجارة، الباب التاسع والعشرون، ح11.
(الصفحة 66)
مسألة 10 ـ من صاح ببالغ غير عاقل فمات أو سقط فمات فلا دية إلاّ مع العلم باستناد الموت إليه فحينئذ إن كان قاصداً فهو عمد يقتص منه وإلاّ شبيه عمد فالدية من ماله فلو صاح بطفل أو مريض أو جبان أو غافل فمات فالظاهر ثبوت الدية إلاّ أن يثبت عدم الاستناد فمع قصد القتل بفعله فهو عمد وإلاّ فشبيهه مع عدم الترتب نوعاً أو غفلة عنه ومن هذا الباب كل فعل يستند إليه القتل ففيه التفصيل المتقدم كمن شهر سيفه في وجه إنسان أو أرسل كلبه إليه فأخافه إلى غير ذلك من أسباب الاخافة1 .
1 - من صاح على أحد فمات فإن كان قصد ذلك أو كانت الصيحة في محل يترتب عليها الموت عادة وكان الصائح عالماً بذلك فهو قتل عمد يترتب عليه القود والقصاص وإلاّ فعليه الدية مع العلم باستناد الموت إلى الصيحة وإلاّ فلا شيء عليه ويدل عليه مضافاً إلى القاعدة صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال أيما رجل فزع رجلا من الجدار أو نفر به عن دابته فخرّ فمات فهو ضامن لديته وإن إنكسر فهو ضامن لدية ما ينكسر منه(1). وحيث إن الحكم على طبق القاعدة فيجري في جميع الموارد المشابهة التي ذكر جملة منها في المتن غاية الأمر إنه لابد من إحراز استناد الموت اَو الكسر إليه ومما ذكرنا ظهر إن تقييد الماتن (قدس سره)البالغ بغير العاقل في غير محله لعدم الفرق من هذه الجهة أصلا والفرق بينهما بلزوم إحراز الاستناد وكفاية عدم ثبوت الاستناد ليس على ما ينبغي وإن كان تشعر به العبارة فتدبر.
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الخامس عشر، ح2.
(الصفحة 67)
مسألة 11 ـ لو أخافه فهرب فأوقع نفسه من شاهق أو في بئر فمات فإن زال عقله وإختياره بواسطة الاخافة فالظاهر ضمان المخيف وإلاّ فلا ضمان، ولو صادفه في هربه سبع فقتله فلا ضمان1 .
1 - التفصيل في الضمان وعدمه بين ما إذا زال عقله وإختياره بواسطة الاخافة وبين غيره إنما هو باعتبار الاستناد إليه في الفرض الثاني وعدم الاستناد إليه في الفرض الأول وإلاّ فلا فرق بين الصورتين والحكم فيه على طبق القاعدة المقتضية للضمان مع الاستناد وعدم وجود نص في مقابلها ولذا ذكر المحقق في الشرائع أمّا لو فر فألقى نفسه في بئر أو على سقف قال الشيخ لا ضمان لأنه ألجأه إلى الهرب لا إلى الوقوع فهو المباشر لاتلاف نفسه فيسقط حكم التسبيب وكذا لو صادفه في هربه سبع فأكله انتهى وذكر الشهيد الأول على ما حكي لأنّ الهارب إما مختار أو مكره فإن كان مختاراً فلا ضمان وإن كان مكرهاً فغايته أن يكون مثل مسألة اُقتل نفسك وإلاّ قتلتك فقتل نفسه فإنه لا ضمان إذ لا معنى للخلاص عن الهلاك بالهلاك.
وكيف كان فظهر مما ذكرنا صحة ما أفاده في المتن من الضمان في بعض الصور وعدمه في البعض الآخر فتدبر.
(الصفحة 68)
مسألة 12 ـ لو وقع من علّو على غيره فقتله فمع قصد قتله فهو عمد وعليه القود، وإن لم يقصده وقصد الوقوع وكان مما لا يقتل به غالباً فهو شبيه عمد يلزمه الدية في ماله وكذا لو وقع الجاءاً وإضطراراً مع قصد الوقوع، ولو ألقته الريح أو زلق بنحو لا يسند الفعل إليه فلا ضمان عليه ولا على عاقلته، ولو مات الذي وقع فهو هدر على جميع التقادير1 .
1 - هذه المسألة أيضاً داخلة في الضابطة الكلية الواردة في أقسام القتل وثبوت القود والقصاص في بعضها والدية في ماله في بعضها الثاني وعلى العاقلة في البعض الثالث وعليه لو وقع من علو على غيره فقتله مع كون الوقوع إختيارياً والقتل مقصوداً بحيث إن الغرض من وقوعه هو قتل الغير ويكون عالماً بذلك فهو عمد وعليه القود والقصاص وإن لم يكن الوقوع مما يقتل به غالباً نعم لو قصد مجرد الوقوع من دون أن يكون مقروناً بقصد القتل وفرض إن الوقوع مما لا يقتل به غالباً فهو شبه عمد وقد عرفت إن الحكم فيه ثبوت الدية في ماله وكذا في صورة كون قصد الوقوع إضطراراً أو كان الوقوع إلجاءاً ولو ألقته الريح أو زلق بنحو لا يسند الفعل إليه فلا ضمان أصلا لما عرفت من أن المفروض في جميع أقسام القتل ثبوت الاسناد والاضافة حتى في القتل الخطائي فإن القاتل معلوم إسناد القتل إليه وصدوره منه غاية الأمر وقوعه خطاءاً وأمّا في مورد عدم الاسناد فلا وجه للضمان بوجه كما إنه لو فرض تحقق الموت بالاضافة إلى الشخص الواقع فإن دمه هدر على جميع التقادير ولا يثبت شيء على الغير لأن أمر موته دائر بين أن يكون مستنداً إلى نفسه وبين أن يكون مستنداً إلى الريح ونحوها فلا يكون هناك شخص يتوجه عليه القود والقصاص أو الدية على نفسه أو على عاقلته أصلا كما هو أوضح من أن يخفى.