جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه تفسیر آیة التطهیر
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 115)

ولم يشمل الباري تعالى الجميع بخاصّة عنايته ومخصوص لطفه ، إنّه توفيق وفضل إلهي لا يؤتيه الله إلاّ من يشاء ولا يلقّاه إلاّ ذو حظّ عظيم .
لقد مضت البُنية والحركة الاجتماعية لبعض الأفراد على نحو جعل حياتهم أقرب ما تكون لأجواء المعصية وفي معرض الفساد ومتناوله ، فيعيشون إلى جوار الخمارات وفي أوساط تعجّ بدور اللهو والرذيلة ، حقّاً إنّه لسوء توفيق وتعاسة تلازم عالم ومجتمعات اليوم حيث يعيش الناس في بيئة فاسدة ومحيط يغطّ بالفسق والفجور ، ولكنّنا نجد أنّ في وسط هذا العالم المضطرب العاصف بالفساد مَنْ منَّ الله عليه ولطف به ففصل بينه وبين هذا الخضم المتلاطم ونجّاه من الوقوع في المعاصي ، لاشكّ في أنّ هؤلاء مشمولون بلطف وعناية إلهية خاصّة ، وهكذا «أهل البيت»(عليهم السلام) الذين شملتهم بلطف الرحمن ـ جلّ وعلا ـ أعظم عناية بظهور فاصل أبدي بينهم وبين مطلق الرجس ، فانصرفوا عن توافه الأمور وأصبح بينهم وبين المعاصي بون شاسع لا تطويه ملايين الفراسخ ، فلا يتلوّثون بالذنوب ولا تنالهم المعاصي ، ولكن هذه الطهارة عن الذنب ليست أمراً قهرياً اُجبر عليه «أهل البيت»(عليهم السلام) ، بل لما كانت أرواحهم السامية تسبح في بحر الفضيلة والطاعة بعيداً عن المعاصي والذنوب ، فإنّ المعاصي والذنوب ـ المُبعدة والمنفية ـ لا تجد سبيلاً ولا تعثر على منفذ وملمز يمكنها من اختراق الحُجب الفاصلة بينها وبين تلك الأرواح الطاهرة ، فلا يعتري ضمائرهم شيء من شوائب الأرجاس وكدر المعاصي!
على هذا فإنّ دور الإرادة الإلهية كان مجرّد إيجاد الفاصل بين
(الصفحة 116)

«أهل البيت»(عليهم السلام) والرجس(1) لا تحصينهم من الذنوب على نحو يسلبهم الاختيار ويُدخل الأمر في الجبر ، والفصل ـ بطبيعة الحال ـ هو من قبيل اللطف الخاصّ والعناية ، وهو ما يُعبّر عنه بـ «التوفيق» ، ولا يصحّ بحال أن يوسم هذا التوفيق بالجبر .
وللمزيد من الدراسة لهذا المبحث الدقيق سنعرض في الفصل القادم للبحث في معنى الرجس .

  • (1) وهذه الحالة ليست ضرباً من الإبهام والوضع الغريب ، بل هي حالة معهودة ومعروفة عند سائر المؤمنين ، وتشكِّل أملاً وأمنية دائمة يرجونها ، فيكرّرون في أدعيتهم ويسألون الله سبحانه إبعاد الأرجاس والذنوب عنهم ، ويدأبون على الاستعاذة من «إبليس» مصدر الأرجاس والذنوب «نعوذ بالله من الشيطان الرجيم» ، والرجيم أي: المطرود والمنفي المُبعد .

(الصفحة 117)


النكتة الرابعة:



الرجس في النظرة القرآنية



ذكرت كلمة «الرجس» في عشرة مواضع من القرآن الكريم ضمن آيات مختلفة ، وبشيء من التدقيق في هذه الآيات العشر يتّضح معنى الرجس .
وللرجس بطبيعة الحال معنى عام جامع هو الشيء المستقذر ، ولكن إطلاق الرجس في القرآن الكريم شمل منابع القذارة المتعدّدة واستعمل بلحاظ المنشأ الذي ينبعث منه التلوّث الروحي أيضاً .
على سبيل المثال في الآية: { . . . إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالاَْنصَابُ وَالاَْزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(1) أطلق الرجس على الخمر والقمار والأصنام وأعواد الخشب التي كان أهل الجاهلية يتّخذونها على هيئة السهام ويقتسمون بها (الأزلام) ، وقد حُمل هذا المفهوم على تلك الذوات الأربع بلحاظ أنّ تلك الموضوعات عوامل يستتبعها الرجس وينشأ عنها ، ويشهد على ذلك الآية التالية: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنْ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ}(2) .

  • (1) المائدة : 90  .
  • (2) المائدة : 91  .

(الصفحة 118)

ومن هاتين الآيتين يتّضح معنى الرجس: فالخمرة تُذهب العقل ، والمقامرة تورث العداوة وتزرع الخسّة والدناءة ، وذهاب العقل يجعل النفس مرتعاً للرذائل ، وبالنتيجة تصاب الروح بالغفلة وتصبح وكراً لعبث الشيطان ، فيحرم الإنسان عن التكامل الروحي والسموّ الأخلاقي ، وقد اُطلق على هذه الظواهر (زوال العقل ونموّ الرذيلة) في لغة القرآن «رجس» بلحاظ عامل بروزها ومنشأ ظهورها وهو الخمر والميسر و . . .  ، باعتبار آثارها التي تتحقّق عند ممارستها وارتكابها ، ولذا جاء في ذيل الآية {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} أي أنّها تأتي بتحريض منه ، وأنّ غرضه من ذلك هو ما ذكرته الآية 91 {أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ . . .} ، بناءً على ذلك فإنّ الرجس الحقيقي هو تلك النتائج المترتّبة على ارتكاب هاتيك الأفعال وما ينتظره الشيطان منها!
أمّا الآية الاُخرى من سورة الأنعام فقد عبّرت عن ضيق الصدر وانقباض النفس بـ «الرجس» إذ يقول تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلاِْسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ}(1) ويلاحظ أنّ الآية عبّرت عن ضيق الصدر بـ «الرجس» ، وأنزلته منزلة . إذن فالروح الكدرة بالمعاصي المضطربة بالآثام ، المنقبضة التي تعيق القذارات تنفّسها الصحيح ، كالمصابين بالربو وضيق التنفّس! . . . تُسمّى رجساً . فالروح التي استحوذت عليها الأرجاس روح نسجتها القبائح ، هي روح تعيش حياة مأساوية ، وتجدها عاصية
  • (1) الأنعام : 125  .

(الصفحة 119)

متمرّدة على تطلّعات النور ومنقبضة عن إشراقات الحقّ في الحياة الإنسانية يعسر عليها هضم الحقائق وفهم البيّنات . وتراها ـ في الجهة المقابلة ـ على النقيض من ذلك روحاً مفعمة بالحياة ، تتحلّى بأرضية خصبة ، تسبح في صدر رحب يتلقّى الحقائق بيسر وسهولة ويهتدي لنورها في رفق ودون تكلّف . ونرى ـ بتناسب ما ـ أنّ آية اُخرى تعبّر عن الأمراض الروحية والآفات القلبية ، كالبخل والحسد والحقد والجهل بـ «الرجس» أيضاً ، يقول الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}(1) ، فالآية تقرّر أنّ ذوي الأرواح المريضة والأنفس السقيمة يزدادون علّة وسقماً كلّما نزلت سورة من القرآن ، وأنّ الداء القلبي يستفحل في نفوسهم بتراكم الأمراض والأرجاس حتّى يصابوا بالكفر والإلحاد ، ومن التعبير «يزدادون رجساً على رجسهم» المسبوق بقوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}يثبت أنّ المرض النفسي والآفة الأخلاقية هي أيضاً «رجس» . وممّا ذهب إليه ابن عبّاس ، وهو المفسِّر الكبير وأحد تلاميذ مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) ، في معنى «الرجس» المذكور في آية التطهير ، حيث فسّره بالمرض القلبي والسقم الروحي ، ففي محاورة له مع عمر بن الخطّاب يرد عليه مقالته التي ذكر فيها بني هاشم بالسوء ، إذ قال عمر: «على رِسلك يا ابن عبّاس! أبت قلوبكم يا بني هاشم إلاّ غشّاً في أمر قريش لا يزول
  • (1) التوبة : 124 ـ 125  .