جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه تفسیر آیة التطهیر
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 99)

التكاليف هو السبيل الوحيد للخلاص من الأرجاس والتحلّي بالطهارة ، وهذا التركيب لا ينطبق إلاّ مع الإرادة التشريعية التي تبيّن لنا أنّها متعلّقة بفعل المكلّف . على هذا يمكننا القول: إنّ سيّد قطب يذهب إلى أنّ الإرادة الإلهية في آية التطهير تشريعية لكنّه لم يصرّح بهذا المعنى ، كما أنّه جاء ببعض خصائص ومميّزات الإرادة التكوينية وطبّقها على الآية .

هل الإرادة في آية التطهير تشريعيّة ؟

بعدما اتّضح أنّ كلتا الإرادتين ـ التكوينية والتشريعية ـ مذكورتان في القرآن الكريم ، نقول: إنّ الإرادة في آية التطهير تكوينية بعدّة أدلّة:
1 ـ ينبغي في تحديد معنى «إرادة» وغيرها من الكلمات ملاحظة الظهور النوعي لها ، والمعنى الذي يشكّل الغلبة ويحقّق لنفسه حالة الأصل ، بحيث يفتقر صرفه لمعنى آخر إلى القرينة ، وعند خلوّ الذكر والإطلاق عن القرائن تُحمل الكلمة على معناها الظاهر . وممّا لا شكّ فيه أنّ ظهور «الإرادة» وشيوع استعمال هذا اللفظ في القرآن الكريم هو في المعنى التكويني ، بحيث يمكننا القول: إنّ المعنى المقابل ، أي
التشريعي (أي نفس التكاليف الشرعية من أوامر ونواه) لم يكن في القرآن إلاّ نزراً يسيراً ، ووفق ما تحرّيناه فإنّه من 138 مورداً ذكرت
فيه «الإرادة» فقد استعملت في 135 مورداً في المعنى التكويني (ونقصد ـ بطبيعة الحال ـ الإلهي منه والإنساني) ، واستعملت في 3 موارد فقط

(الصفحة 100)

في المعنى التشريعي(1) .
من هنا نخلص إلى أنّه عند الشكّ في إحدى معنيي اللفظ ، فإنّه يُحمل على ظاهره ما لم تكن هناك قرينة صارفة ، وهكذا عند الشكّ في مدلول «الإرادة» في آية التطهير ، وهل المراد منها التكوينية أم التشريعية ، فإنّها تُحمل على التكوينية لأنّه مقتضى الأصل ، لما ثبت من غلبة استعماله في هذا المعنى وبالتالي ظهوره فيه ، اللهمّ إلاّ أن يُؤتى بقرينة تصرفه عن هذا الظاهر والأصل ، ولا قرينة .
2 ـ وهاك دليل آخر أكثر وضوحاً يحدّد معنى «الإرادة» في الآية الشريفة ، وهو مبتن على الأساس الذي ذكرناه في التفريق بين نوعي الإرادة ، والفصل المميّز لقسمي الإرادة ـ التكوينية والتشريعية ـ أي تعلّق الفعل في الإرادة التكوينية بالمريد نفسه لا بغيره ، على عكس التشريعية التي تتعلّق فيها الإرادة بفعل الغير . وفي آية التطهير فإنّ المريد هو الله جلّ وعلا ، والمُراد هو إذهاب الرجس والتطهير ، والإذهاب والتطهير في الآية متعلّقان بالله ، وهما من فعله وعمله ، إذ يرجع الضمير في «ليُذهب» وفي «يطهِّركم» إلى الله سبحانه ، وهو فاعل هذين الفعلين ، وبناءً على هذا الأساس لابدّ أن يقال: عند تعلّق الإرادة على فعل المريد فهي تكوينية ، والمريد هنا هو الله جلّ جلاله ، فالإرادة إرادة إلهيّة تكوينية وليست تشريعية ، إذ تتعلّق التشريعية بفعل الغير لا بفعل المريد .

  • (1) أي بنسبة 2 % فقط ، وقد قمت بإحصاء الموارد التي ذكرت فيها «الإرادة» ومشتقّاتها في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن فوجدتها 138 كما ذكر المؤلف .

(الصفحة 101)

تساؤل

يُثار هنا تساؤل حول ما قلناه في آية الوضوء والغسل والتيمّم {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}(1) من أنّ «الإرادة» فيها إرادة تشريعية ، مع أنّها على نفس شاكلة «الإرادة» التي جاءت في آية التطهير ، وقلنا: بأنّها إرادة تكوينية ، فكما «الإذهاب والتطهير» هنا ـ في آية التطهير ـ من فعل الله (المريد) فهي هناك كذلك من فعل الله سبحانه ، وفاعل «ليطهركم» ضمير يعود للباري تعالى(2) .

ردّ وتوضيح

المسلّم في آية الوضوء والغسل والتيمّم أنّ الله سبحانه وتعالى في مقام تشريع ووضع قوانين الطهارات الثلاث واشتراطها في الصلاة . ويقتضي التناسب في الوضع والتقنين أنّ المقصود من التطهير هو رفع وإزالة القذارات العالقة أو الخارجة من جسم الإنسان ، وما يتبعها من بلوغ الطهارة الواقعية والمعنوية ، وبديهيّ أنّ إزالة هذه القذارات ورفع تلك النجاسات هو فعل الإنسان المكلّف لا فعل الله تعالى!
ومن قرينة صدر الآية يتّضح أنّ غرض الباري تعالى هو سنّ ووضع «قانون الطهارة» ، حتّى يتمكّن الناس ويعرفوا كيفيّة تطهير أجسامهم وإزالة القذارات عن أبدانهم ، وبهذا نعلم أنّ «إرادته» تعالى
  • (1) المائدة : 6  .
  • (2) ممّن أثار هذه الشبهة الآلوسي صاحب تفسير روح المعاني ، وزاد وأمعن حين قال: بل لعلّ هذا أفيد (للعصمة) لما فيه من قوله {وَلِيُتمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُم} فإنّ وقوع هذا الإتمام لا يتصوّر بدون الحفظ عن المعاصي! (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم 22 : 18) .

(الصفحة 102)

ليست سوى تشريع هذا القانون ، إذن الإرادة هنا تشريعية .
3 ـ وردت كلمة «إرادة» واستُعملت في الآيات التي خاطبت زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) في موضعين آخرين أيضاً: {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}(1) ، {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ}(2) ، والمسلّم أنّ الإرادة في هذين الموضعين تكوينيّة (بشرية) ، وهذه قرينة اُخرى خاصّة تؤكّد مسألة ظهور المعنى في التكوينية ، وكونه الأصل في آية التطهير التي تلي هذه الآيات ، فالإرادة هي من النوع نفسه في جميع هذه الآيات (تكوينية) وتدور حول هذا المحور ، بفارق أنّ المريد في الآيتين السابقتين هو نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وفي آية التطهير هو الله سبحانه وتعالى .
4 ـ من المسلّم لدى الجميع (عند من قال: بأنّ الإرادة في آية التطهير تشريعيّة ومن قال: بأنّها تكوينيّة) أنّ هذه الآية الشريفة تشكِّل امتيازاً وخصوصيّة وتُعتبر تشريفاً ونوعاً من التفوّق والفضل لأهل البيت(عليهم السلام) . فإذا قلنا: إنّ «الإرادة» في آية التطهير تشريعية فعلينا أن نحدّد موقع التشريع فيها ، وبعبارة اُخرى: ما هي القوانين التي وضعها الشارع المقدّس في هذه الآية؟ هل تراها شيئاً آخر غير الحثّ على طاعة الرسول(صلى الله عليه وآله) والتوجّه للآخرة والاهتمام بها ، والإعراض عن الدنيا وعدم ارتكاب الفواحش والمعاصي؟ وهل هذه التكاليف تشكّل برنامجاً لأهل البيت(عليهم السلام) ونساء النبيّ(صلى الله عليه وآله)خاصّة أم أنّها أحكام وتشريعات تشمل جميع المسلمين والمسلمات ، فأين التكريم والتشريف
  • (1) الأحزاب : 28  .
  • (2) الأحزاب : 29  .

(الصفحة 103)

إذن؟ وأين التفوّق والفضل؟! فمن يقول: بأنّ الإرادة هنا في هذه الآية تشريعية لابدّ له من مخالفة إجماع المفسِّرين ، واتّفاق العلماء على أنّ في الآية خصوصيّة وفضيلة ما لأهل البيت(عليهم السلام)! إذ إنّ حمل الإرادة على التشريعية يلغي أيّة مزيّة وخصوصيّة لأهل البيت(عليهم السلام) ، إذ يعود شأنهم كشأن غيرهم من التكليف بالأحكام السابقة التي ثبت وجوبها على الجميع(1) . من هنا لا محيص ـ لمجاراة المفاد المتّفق عليه من وجود
  • (1) قد تكون في بعض التشريعات خصوصيّة وامتياز وما ينتزع منه الفضيلة والتفوّق للمكلّفين بها ، من قبيل وجوب قيام الليل على النبيّ(صلى الله عليه وآله) وإباحة زواج أكثر من أربعة نساء له ، وزيادة التكبيرات في صلاة الميّت على بعض الشهداء كحمزة بن عبد المطّلب(عليه السلام) ، وحرمة الصدقة على ذريّة رسول الله(صلى الله عليه وآله) .
  • ولكن الملاحظ في الآيات محلّ البحث أنّ التشريعات التي جاءت بها لا تشكّل أيّة مزيّة وفضيلة للمخاطبين بها ، ومجرّد الخطاب لا يعني أكثر من شأن النزول ، وهي سيرة القرآن في بيان أكثر الأحكام والتشريعات السماوية ، فإذا ما شُرع على سبيل المثال وجوب التوجّه إلى القبلة في جميع الصلوات وحيثما كان الإنسان إثر حادثة معيّنة (روى جابر قال: بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله)سرية كنت فيها ، فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة ، فقالت طائفة منّا: قد عرفنا القبلة هي هاهنا قبل الشمال وخطوا خطوطاً ، فلمّا أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة ، فلمّا قفلنا من سفرنا سألنا النبيّ(صلى الله عليه وآله) عن ذلك فسكت فأنزل الله تعالى: (وَللهِِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)(1 ،2) فهل يعني أن لهؤلاء النفر فضيلة أو مزيّة اكتسبوها بكونهم سبباً لبيان الحكم وشأناً لنزول الآية؟ كلاّ بطبيعة الحال .
  • نعم ، قد يقال: إنّ مضاعفة الأجر عند الإحسان ومضاعفة العقاب عند الإساءة ممّا ورد في الآيات يمكن عدّه نوعاً من التميّز لنساء النبيّ ، ولكن لا يخفى أنّ هذا التميّز خارج عن نطاق التشريع ولا يمس الوضع القانوني ، وأنّه يتعلّق ببعد آخر هو نتيجة العمل ، لا العمل (التكليف المتعلّق بالتشريع) نفسه ممّا لا يُعالج الثغرة والإشكال على القائلين بالإرادة التشريعية هنا .
  • 1 ـ سورة البقرة 2 : 115  .
  • 2 ـ مجمع البيان 1 : 320 ، بحار الأنوار 84 : 31 .