جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه تفسیر آیة التطهیر
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 93)

وفي الإرادة التكوينية تتعلّق الإرادة بفعل المريد والطالب نفسه لا الغير ، فالله يريد خلق العالم ، أو إحداث زلزال ، أو إفاضة الوجود على إنسان . والشخص يريد أن يأكل ، أو يمشي ، أو يتعلّم أو . . . ولكن هناك تفاوت بين إرادة الله وإرادة الإنسان ، ففي الإرادة الأزليّة للبارئ تعالى لا يتخلّف المُراد عن الإرادة ، ولابدّ من تحقّق كلّ ما أراده المريد ، أمّا في الإنسان فالإرادة والمراد قابلة للتفكيك ، وقد يتخلّف المراد عن الإرادة ولا يتحقّق لعلّة ما .

الإرادة التشريعية

الإرادة التشريعيّة هي إرادة شخص إنجاز عمل ما وفقاً لرضاه واختياره ، كأن يريد الأب من ابنه أن يدرس ، وحتّى يبلغ هذا الأمر مرحلة التطبيق والتنفيذ ، فإنّه يطوي مقدّمات ، فالأب تحكمه رغبة وشوق مؤكّد لأن ينشغل ابنه بالدرس ، أو يعيش هاجس المحافظة على ابنه من التسكع واللهو وبالتالي الفساد ، وصنع مستقلّ جيّد له ، هذه الرغبة تدفعه لإصدار أمر الانشغال بالدراسة والنهي عن التسكع واللهو المنجرّ إلى الفساد .
هذه الرغبة الملحّة وهذا الشوق المؤكَّد الذي يستتبعه الأمر والنهي هو الإرادة التشريعية ، وفي ضوء الدراسة التي تمّت حول الإرادة التكوينية للباري تعالى نقول: إنّ الإرادة التشريعية لله سبحانه هي الأوامر والنواهي الشرعية .

(الصفحة 94)

الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية في القرآن الكريم

نلمح في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تضمّنت الإرادتين ، نستعرض بعضها باختصار ، ونذكر أوّلاً بعض التي تشير إلى الإرادة التكوينية:
1 ـ {إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}(1) . والإرادة في لفظة «يريد» في الآية الكريمة من قبيل الإرادة التكوينية ، والمعنى أنّ إرادة الباري غير قابلة للتخلّف ، وأنّ كلّ ما يريده الله سبحانه وتعالى متحقّق لا محالة .
2 ـ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(2) . وهذه الآية في غاية الوضوح على الإرادة التكوينية ، وكيف أنّ الشيء يرتدي حلّة الوجود ، والمراد يكتسب نور التحقّق بمجرّد توجّه العناية والرغبة الربّانية إليه .
3 ـ { . . . إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}(3) ، {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}(4) . وجملة «فعّال لما يريد» من مصاديق الإشارة إلى الإرادة الربانية التكوينية ، إذ بمجرّد انبعاثها يتحقّق المراد ، وما يريده الباري فهو ما سيقع ويتحقّق .
كانت هذه نماذج من آيات مستفيضة تشير إلى وجود إرادة لله سبحانه ، وأنّ هذه الإرادة مُنجزّة ومُتحقّقة قطعاً .

  • (1) الحج : 14  .
  • (2) يس : 82  .
  • (3) هود : 107  .
  • (4) البروج : 15 ـ 16  .

(الصفحة 95)

ومن الآيات التي تتضمّن وجود إرادة تكوينية للإنسان وإمكان تخلّف المراد عن الإرادة في هذه الحالة ، نذكر جملة منها:
1 ـ {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(1) .
2 ـ {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}(2) .
وفي هذه الآيات يتّضح معنى أنّ الإرادة التكوينية للبشر ورغبتهم لا تتحقّق دائماً ، وبطبيعة الحال فهي ليست نافذة بالضرورة ، ويستفاد كذلك من هذه الآيات أنّ هذه الإرادة البشرية محكومة ومقهورة بالإرادة الأزلية للباري تعالى ، وعندما تصطدم وتتعارض الإرادتان ، فإنّ ما يريده الله هو ما سيجري ويتحقّق لا ما يريده الناس .

أمّا الآيات التي تشير إلى الإرادة التشريعية ، فمنها:

1 ـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَج
  • (1) الصفّ : 8  .
  • (2) المائدة : 37  .

(الصفحة 96)

وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(1) . من المسلّم أنّ الإرادة في هذه الآية الشريفة {يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} إرادة تشريعية ، أي أنّ الهدف الإلهي من جعل هذه الأحكام هو تطهير الناس ، إذن فالإرادة التشريعية هنا هي وضع أحكام الطهارة من غسل ووضوء وتيمّم ، والهدف هو طهارة الناس من الحدث والخبث ، وبديهي أنّ البعض سيمتثل لهذه الأحكام ويعمل بها ، بينما سيعرض عنها آخرون ولا ينفذونها ، أمّا لو كانت إرادة إلهية على نحو التكوين لما أمكن لأحد أن يتخلّف عن تطهير نفسه .
وقد ذكرنا في معنى الإرادة التشريعية أنّها تتعلّق بفعل الغير ـ على ضوء إرادته واختياره ـ وفي هذه الآية اُضيفت إرادة الله سبحانه وتعالى إلى أفعال الناس ، وغايتها أن يقوم المؤمنون وفق اختيارهم بالوضوء والغسل والتيمّم ، وكون الإرادة هنا تعلّقت بفعل الإنسان ، إذن لا ترديد أنّ الإرادة في هذه الآية {يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} إرادة تشريعية لا تكوينية .
2 ـ { . . . فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُم الْعُسْرَ . . .}(2) . وممّا سبق بيانه في الآية السابقة يتّضح أنّ «الإرادة» في هذه الآية من قبيل سابقتها تشريعية أيضاً ، وأنّها بصدد وضع قانون الصيام وضوابطه المختلفة المتعلّقة بالسفر والحضر أو الصحّة والمرض ، بما يخفّف على المضطرّين ، ولا يوقعهم في العُسر والمشقّة ، ويجعل الصيام
  • (1) المائدة : 6  .
  • (2) البقرة : 185  .

(الصفحة 97)

مفروضاً على الجميع دون مراعاة للحالات الخاصّة ، إذن الإرادة في الآية تتعلّق بتشريع الأحكام والفروض ، وليست هذه إلاّ الإرادة التشريعيّة بعينها .

الإرادة في آية التطهير

بعد بيان نوعيّ الإرادة  ، لننظر في آية {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} من أيّ القسمين هي؟
ذهب بعض مفسِّري العامّة وكبار علمائهم إلى أنّ الإرادة في آية التطهير هي من قبيل الإرادة التشريعية ، ويرجع هذا الرأي إلى ما افترضوه في أنّ مخاطب الآية هو زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، أو ما هو أعمّ من الزوجات وأهل البيت ، وذلك لوقوعها في سياق الآيات التي كانت تحثّ الزوجات وترغبهنّ بأعمال معيّنة وتحدّد لهنّ تكاليفهنّ تجاه الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فافترضوا أنّ التطهير المشار إليه في الآية هو محصلة امتثالهنّ وقيامهنّ بما اُمرن به ، وعلى هذا يكون الغرض من هذا التشريع (في الآية) تطهير زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)وتنزيههنّ عن الذنب وعصيان الرسول(صلى الله عليه وآله) ، وأنّه تطهير تشريعي يعقّب العمل الذي يقوم به المكلّف وفق اختياره ورغبته ، لا تكويني سيتحقّق بإرادة الباري عزّوجلّ وبصرف النظر عن فعل ورغبة المكلّف .

ماذا يقول سيّد قطب في ظلاله ؟

يقول في ذيل آية التطهير: «في العبارة تلطّف ببيان علّة التكليف وغايته ، تلطّف يشي بأنّ الله سبحانه ـ يشعرهم بأنّه بذاته العلّية ـ