جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه تفسیر آیة التطهیر
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 96)

وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(1) . من المسلّم أنّ الإرادة في هذه الآية الشريفة {يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} إرادة تشريعية ، أي أنّ الهدف الإلهي من جعل هذه الأحكام هو تطهير الناس ، إذن فالإرادة التشريعية هنا هي وضع أحكام الطهارة من غسل ووضوء وتيمّم ، والهدف هو طهارة الناس من الحدث والخبث ، وبديهي أنّ البعض سيمتثل لهذه الأحكام ويعمل بها ، بينما سيعرض عنها آخرون ولا ينفذونها ، أمّا لو كانت إرادة إلهية على نحو التكوين لما أمكن لأحد أن يتخلّف عن تطهير نفسه .
وقد ذكرنا في معنى الإرادة التشريعية أنّها تتعلّق بفعل الغير ـ على ضوء إرادته واختياره ـ وفي هذه الآية اُضيفت إرادة الله سبحانه وتعالى إلى أفعال الناس ، وغايتها أن يقوم المؤمنون وفق اختيارهم بالوضوء والغسل والتيمّم ، وكون الإرادة هنا تعلّقت بفعل الإنسان ، إذن لا ترديد أنّ الإرادة في هذه الآية {يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} إرادة تشريعية لا تكوينية .
2 ـ { . . . فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُم الْعُسْرَ . . .}(2) . وممّا سبق بيانه في الآية السابقة يتّضح أنّ «الإرادة» في هذه الآية من قبيل سابقتها تشريعية أيضاً ، وأنّها بصدد وضع قانون الصيام وضوابطه المختلفة المتعلّقة بالسفر والحضر أو الصحّة والمرض ، بما يخفّف على المضطرّين ، ولا يوقعهم في العُسر والمشقّة ، ويجعل الصيام
  • (1) المائدة : 6  .
  • (2) البقرة : 185  .

(الصفحة 97)

مفروضاً على الجميع دون مراعاة للحالات الخاصّة ، إذن الإرادة في الآية تتعلّق بتشريع الأحكام والفروض ، وليست هذه إلاّ الإرادة التشريعيّة بعينها .

الإرادة في آية التطهير

بعد بيان نوعيّ الإرادة  ، لننظر في آية {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} من أيّ القسمين هي؟
ذهب بعض مفسِّري العامّة وكبار علمائهم إلى أنّ الإرادة في آية التطهير هي من قبيل الإرادة التشريعية ، ويرجع هذا الرأي إلى ما افترضوه في أنّ مخاطب الآية هو زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، أو ما هو أعمّ من الزوجات وأهل البيت ، وذلك لوقوعها في سياق الآيات التي كانت تحثّ الزوجات وترغبهنّ بأعمال معيّنة وتحدّد لهنّ تكاليفهنّ تجاه الرسول(صلى الله عليه وآله) ، فافترضوا أنّ التطهير المشار إليه في الآية هو محصلة امتثالهنّ وقيامهنّ بما اُمرن به ، وعلى هذا يكون الغرض من هذا التشريع (في الآية) تطهير زوجات النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام)وتنزيههنّ عن الذنب وعصيان الرسول(صلى الله عليه وآله) ، وأنّه تطهير تشريعي يعقّب العمل الذي يقوم به المكلّف وفق اختياره ورغبته ، لا تكويني سيتحقّق بإرادة الباري عزّوجلّ وبصرف النظر عن فعل ورغبة المكلّف .

ماذا يقول سيّد قطب في ظلاله ؟

يقول في ذيل آية التطهير: «في العبارة تلطّف ببيان علّة التكليف وغايته ، تلطّف يشي بأنّ الله سبحانه ـ يشعرهم بأنّه بذاته العلّية ـ
(الصفحة 98)

يتولّى تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم; وهي رعاية علوية مباشرة بأهل هذا البيت ، وحين نتصوّر من هو القائل ـ سبحانه وتعالى ـ ربّ هذا الكون ، الذي قال للكون: كن فكان . الله ذو الجلال والإكرام ، المهيمن العزيز الجبّار المتكبِّر . وأخيراً فإنّه يجعل تلك الأوامر والتوجيهات وسيلة لإذهاب الرجس وتطهير البيت ، فالتطهير من التطهّر ، وإذهاب الرجس يتمّ بوسائل يأخذ الناس بها أنفسهم ويحقّقونها في واقع الحياة العملي»(1) .
على هذا المبنى الذي يفرضه سيّد قطب في آية التطهير فلا سبيل أمامه إلاّ اعتبار الإرادة هنا تشريعية ، إذ هو يفرض العلّة في التكليف إزالة الرجس والتحلّي بالطهارة ، وعليه فإنّ الأوامر والنواهي التي جاءت بها الآيات السابقة للنساء كانت لتحقّق هذه الحالة ، الحالة التي لن توجد وتتحقّق إلاّ من خلال العمل بتلك التكاليف ، ومن ثمّ ليست إرادة الباري سوى تشريع الأحكام لهنّ ، وهذا التشريع جاء لمجرّد إزالة الرجس وإيجاد الطهارة . ومع أنّ سيّد قطب يصرّح في بعض عباراته بأنّ الله سبحانه وتعالى باشر بذاته المقدّسة تطهير أهل البيت وتولّى إذهاب الرجس عنهم ، (الله الذي يخلع الوجود على مخاطبيه بمجرّد «كن» فيكونون ، وهذه العبارات لا تليق ولا تناسب إلاّ شأن الإرادة التكوينية ، فالخطاب بـ «كن» من أبرز مصاديق الحالة التكوينية) لكن الرجل في بداية حديثه ونهايته جعل آية التطهير علّة وغاية لفرض واجبات وإلقاء تكاليف إلهية على نساء النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وأنّ الامتثال لهذه

  • (1) في ظلال القرآن / سيّد قطب 5 : 2862  .

(الصفحة 99)

التكاليف هو السبيل الوحيد للخلاص من الأرجاس والتحلّي بالطهارة ، وهذا التركيب لا ينطبق إلاّ مع الإرادة التشريعية التي تبيّن لنا أنّها متعلّقة بفعل المكلّف . على هذا يمكننا القول: إنّ سيّد قطب يذهب إلى أنّ الإرادة الإلهية في آية التطهير تشريعية لكنّه لم يصرّح بهذا المعنى ، كما أنّه جاء ببعض خصائص ومميّزات الإرادة التكوينية وطبّقها على الآية .

هل الإرادة في آية التطهير تشريعيّة ؟

بعدما اتّضح أنّ كلتا الإرادتين ـ التكوينية والتشريعية ـ مذكورتان في القرآن الكريم ، نقول: إنّ الإرادة في آية التطهير تكوينية بعدّة أدلّة:
1 ـ ينبغي في تحديد معنى «إرادة» وغيرها من الكلمات ملاحظة الظهور النوعي لها ، والمعنى الذي يشكّل الغلبة ويحقّق لنفسه حالة الأصل ، بحيث يفتقر صرفه لمعنى آخر إلى القرينة ، وعند خلوّ الذكر والإطلاق عن القرائن تُحمل الكلمة على معناها الظاهر . وممّا لا شكّ فيه أنّ ظهور «الإرادة» وشيوع استعمال هذا اللفظ في القرآن الكريم هو في المعنى التكويني ، بحيث يمكننا القول: إنّ المعنى المقابل ، أي
التشريعي (أي نفس التكاليف الشرعية من أوامر ونواه) لم يكن في القرآن إلاّ نزراً يسيراً ، ووفق ما تحرّيناه فإنّه من 138 مورداً ذكرت
فيه «الإرادة» فقد استعملت في 135 مورداً في المعنى التكويني (ونقصد ـ بطبيعة الحال ـ الإلهي منه والإنساني) ، واستعملت في 3 موارد فقط

(الصفحة 100)

في المعنى التشريعي(1) .
من هنا نخلص إلى أنّه عند الشكّ في إحدى معنيي اللفظ ، فإنّه يُحمل على ظاهره ما لم تكن هناك قرينة صارفة ، وهكذا عند الشكّ في مدلول «الإرادة» في آية التطهير ، وهل المراد منها التكوينية أم التشريعية ، فإنّها تُحمل على التكوينية لأنّه مقتضى الأصل ، لما ثبت من غلبة استعماله في هذا المعنى وبالتالي ظهوره فيه ، اللهمّ إلاّ أن يُؤتى بقرينة تصرفه عن هذا الظاهر والأصل ، ولا قرينة .
2 ـ وهاك دليل آخر أكثر وضوحاً يحدّد معنى «الإرادة» في الآية الشريفة ، وهو مبتن على الأساس الذي ذكرناه في التفريق بين نوعي الإرادة ، والفصل المميّز لقسمي الإرادة ـ التكوينية والتشريعية ـ أي تعلّق الفعل في الإرادة التكوينية بالمريد نفسه لا بغيره ، على عكس التشريعية التي تتعلّق فيها الإرادة بفعل الغير . وفي آية التطهير فإنّ المريد هو الله جلّ وعلا ، والمُراد هو إذهاب الرجس والتطهير ، والإذهاب والتطهير في الآية متعلّقان بالله ، وهما من فعله وعمله ، إذ يرجع الضمير في «ليُذهب» وفي «يطهِّركم» إلى الله سبحانه ، وهو فاعل هذين الفعلين ، وبناءً على هذا الأساس لابدّ أن يقال: عند تعلّق الإرادة على فعل المريد فهي تكوينية ، والمريد هنا هو الله جلّ جلاله ، فالإرادة إرادة إلهيّة تكوينية وليست تشريعية ، إذ تتعلّق التشريعية بفعل الغير لا بفعل المريد .

  • (1) أي بنسبة 2 % فقط ، وقد قمت بإحصاء الموارد التي ذكرت فيها «الإرادة» ومشتقّاتها في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن فوجدتها 138 كما ذكر المؤلف .