(الصفحة 56)
مسألة 5 ـ الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصراً في العلم أو العمل ولو كان مأذوناً أو عالج قاصراً بدون إذن وليّه أو بالغاً بلا إذنه وإن كان عالماً متقناً في العمل ولو اذن المريض أو وليه الحاذق في العلم والعمل قيل لا يضمن والأقوى ضمانه في ماله وكذا البيطار هذا كله مع مباشرة العلاج بنفسه وأما لو وصف دواءً وقال إنه مفيد للمرض الفلاني أو قال له إن دوائك كذا من غير أمر بشربه فالأقوى عدم الضمان نعم لا يبعد الضمان في الطبيب على النحو المتعارف1 .
1 - أمّا ضمان الطبيب أو البيطار فيما يتلف بعلاجه فيما إذا كان قاصراً في العلم أو غير مأذون في العمل أو كان المريض الذي عالجه فمات قاصراً ولم يكن هناك إذن وليه فهو مقتضى قاعدة الاتلاف التي هي الأصل في أمثال هذه الموارد وقد أشرنا إليها وإلى أن جريانها لا يكون مشروطاً بقصد الاتلاف والتلف ولا دخالة لالة مخصوصة فيها مضافاً إلى أنه قد إدعى عدم وجدان الخلاف بل الاجماع عليه قال في محكي التنقيح الطبيب القاصر المعرفة ضامن لما يتلفه بعلاجه إجماعاً وكذا العارف إذا عالج صبّياً أو مجنوناً أو مملوكاً من غير إذن الولي والمالك أو عالج عاقلا حرّاً من غير إذن فيه.
وأمّا لو كان عالماً متقناً في العمل أو أذن المريض أو وليه للطبيب الكذائي الحاذق في العلم والعمل فقال ابن إدريس بعدم ضمانه نظراً إلى إن الضمان يسقط بالاذن وإلى أنه فعل سائغ شرعاً فلا يستعقب ضماناً وقال الشيخان وابن البراج وسلار وأبو الصلاح والعلامة والشهيدان وجمع آخر بأنه ضامن لمباشرته الاتلاف وجعل هذا
(الصفحة 57)
القول في الشرائع هو الأشبه أي باُصول المذهب وقواعده بل حكي عن نكته الاتفاق على الضمان نظراً إلى أنّ الاذن في العلاج ليس إذناً في الاتلاف بل غايته عدم الاقتصاص منه لعدم كون من موارد قتل العمد والجواز الشرعي لا ينافي الضمان ولا يستلزم عدمه كما في موارد الضرب للتأديب المتقدمة مضافاً إلى رواية السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من تطبب أو تبيطر فليأخذ البرائة من وليه وإلاّ فهو له ضامن(1). ورواية اُخرى الحاكية لأن أمير المؤمنين (عليه السلام)ضمّن ختانا قطع حشفة غلام(2) وإن أورد على الاستدلال بها صاحب الجواهر (قدس سره)بأنه قضية في واقعة محتملة لتفريط الختان المذكور فيها بقطع الحشفة.
وكيف كان فالظاهر ثبوت الضمان كما قواه في المتن والوجه فيه ما أشرنا إليه من إن ثبوت الدية على العاقلة يكون على خلاف القاعدة المقتضية لثبوت الدية في مال الجاني لأن الدية عوض عن الجناية الصادرة منه ولو لم يكن هناك قصد وإرادة قال في الشرائع فان قلنا لا يضمن فلا بحث وإن قلنا يضمن فهو يضمن في ماله.
ثم إن هذا كله مع مباشرة الطبيب العلاج بنفسه بحيث تصح نسبة القتل إليه التي هي الأساس في هذه الموارد وأما لو وصف الدواء الكذائي بنحو الاطلاق وقال إن هذا الدواء مفيد للمريض الفلاني أو قال خطاباً للمريض إن دوائك الدواء الفلاني من غير أن يأمر بشيء فالظاهر عدم الضمان لما ذكرنا من عدم صحة نسبة التلف إليه.
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الرابع والعشرون، ح1.
- (2) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الرابع والعشرون، ح2.
(الصفحة 58)
مسألة 5 ـ الختّان ضامن إذا تجاوز الحدّ وإن كان ماهراً، وفي ضمانه إذا لم يتجاوزه كما إذا أضرّ الختّان بالولد فمات إشكال والأشبه عدم الضمان1 .
نعم في التطبب المتعارف الذي يكتب الطبيب الدواء ويسلّمه إلى المريض فيعمل على طبقه هَل يتحقق الضمان بلحاظ كونه متلفاً عرفاً وإن كان المريض مختاراً في شربه وكان من الممكن أن لا يعمل به أصلا أو لا يتحقق الضمان لأجل ما ذكر فيه وجهان نفى في المتن البُعد عن الأول وهو الحق لأن الصدق العرفي الذي هو الملاك في أمثال المقام يوجب كونه هو المتلف وإن كان حاذقاً في العلم ومتقناً في العمل الخارجي ومأذوناً في العلاج الكلي.
1 - لا شبهة في إن الختان إذا تجاوز الحدّ يكون ضامناً وإن كان ماهراً لأنه مضافاً إلى قاعدة الاتلاف التي أشرنا إليها لا يكون العمل منه سائغاً شرعاً حتى يتوهم إنه لا يستعقب ضماناً لفرض التجاوز وهكذا في صورة عدم التجاوز مضافاً إلى خبر السكوني الذي أشرنا إليه ولا يرد على الاستدلال به ما أفاده صاحب الجواهر من احتمال إنها قضية شخصية في واقعة فإنا قد ذكرنا مراراً إن هذا الاحتمال إنما هو فيما إذا لم يكن الحاكي الامام (عليه السلام) أو لم يكن الغرض من حكايته بيان الحكم بل مجرد نقل القضيّه وأمّا فيما إذا كان الحاكي هو الامام (عليه السلام)وكان الغرض من حكايته بيان الحكم الالهي بحكاية فعل معصوم فلا مجال لمثل هذا الاحتمال بل لا مانع من التمسك بإطلاق كلامه كما في المقام فمقتضى الاطلاق الضمان في صورة عدم التجاوز أيضاً لكن الكلام
(الصفحة 59)
مسألة 6 ـ الظاهر برائة الطبيب ونحوه من البيطار والختان بالابراء قبل العلاج، والظاهر إعتبار إبراء المريض إذا كان بالغاً عاقلا فيمـا لا ينتهي إلى القتل والولي فيمـا ينتهي إليه وصاحب المال في البيطار والولي في القاصر ولا يبعد كفاية إبراء المريض الكامل العقل حتى فيمـا ينتهي إلى القتل والأحوط الاستبراء منهما1 .
في حجية الرواية من جهة السكوني وإلاّ فلا إيراد على الرواية أصلا والوجه في عدم الضمان حينئذ مع إن قاعدة الاتلاف عامة; كون الختان أمراً واجباً ومن علائم الاسلام ولا يجتمع الوجوب الشرعي مع الضمان والمفروض عدم تجاوز الحد كما لايخفى.
1 - قال المحقق في الشرائع وهل يبرء بالابراء قبل العلاج قيل نعم لرواية السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال من تطبب أو تبيطر فليأخذ البرائة من وليه وإلاّ فهو ضامن(1) ولأن العلاج مما تمسّ الحاجة إليه فلو لم يشرع الابراء تعذر العلاج وقيل لا يبرء لأنه إسقاط الحق قبل ثبوته انتهى.
والقائل بالقول الأول الشيخان وأتباعهما وجمع كثير من الفقهاء وفي محكي المسالك إنه المشهور بل في محكي ظاهر الغنية أو صريحها الاجماع عليه وبالقول الثاني ما حكي عن ابن إدريس ـ غير القائل بحجية خبر الواحد ـ بل قال صاحب الجواهر لم يتحقق القائل به قبل المصنف الذي ظاهره التردد ويدل على القول الثاني مضافاً إلى ما ذكر إن الخبر المزبور يحتمل البرائة بعد الجناية مجّاناً أو على مال إحتمالا
- (1) الوسائل: أبواب موجبات الضمان، الباب الرابع والعشرون، ح1.
(الصفحة 60)
ظاهراً وربما يرشد إليه لفظ وليّه.
ولكنه ربما يقال إنه لا مانع من الاستشهاد بالرواية وإن كانت ضعيفة بعد الانجبار بفتوى المشهور مع أن الاحتمال المزبور فيها خلاف الظاهر الذي هي الحجة في الأحكام الشرعية فلا مانع من الخروج بها عن قاعدة عدم إسقاط الحق قبل ثبوته والظاهر من الولي الذي تؤخذ منه البرائة هو من يرجع إليه الأمر فإن كانت المعالجة معالجة حيوان فوليّه مالكه وإن كانت معالجة إنسان فإن كان بالغاً عاقلا فالولي هو نفسه وإن كان صبيّاً أو مجنوناً فالولي وليه.
ثم إنه ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) إنه ينبغي الجزم به ـ أي بالقول الثاني ـ إذا أخذ بعنوان الشرطية في عقد اجارة الطبيب مثلا إذ هو حينئذ كاشتراط سقوط خيار الحيوان والمجلس ونحوهما مما يندرج تحت قولهم المؤمنون عند شروطهم إلى أن قال مضافاً إلى إمكان القطع به في مثل الأموال التي منها ما هو محل البيطرة ضرورة إنه إذن في الاتلاف على وجه يجري مجرى أفعال العقلاء نحو غيره من الاتلافات ومنه يعلم الوجه في غير المال مما له الاذن فيه إذا كان جارياً مجرى أفعال العقلاء كما في العلاج وليس هذا من الابراء قبل ثبوت الحق بل من الاذن في الشيء المقتضية لعدم ثبوته نحو الاذن في أكل المال انتهى.
وحكي عن نكت النهاية للمحقق قوله: وإنما عدل ـ أي في الخبر ـ إلى الولي لأنه هو المطالب على تقدير التلف فلما شرع الابراء قبل الاستقرار لمكان الضرورة صرف إلى من يتولى المطالبة بتقدير وقوع ما يبرء منه. ولا أستبعد الابراء من المريض فإنه يكون فعلا مأذوناً فيه والمجني عليه إذا أذن في الجناية سقط ضمانها