جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 113)

يحرزون مقام الإمامة بعد اجتيازهم لعدد من الاختبارات والتمحيصات .
وعليه : فالشرائط التي ينبغي توفّرها في الإمام إن كانت معتبرة في زعامة بني إسرائيل فهي بطريق أولى واجبة التطبيق في الإسلام .
بعبارة اُخرى: إذا كان طالوت ينبغي أن ينصّب من قِبل الله قائداً للجيش فقط ، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) الحاكم المطلق لعالم الإسلام يجب أن ينصّب أيضاً من جانب الله ويقوم بوظيفة الإمامة ، وإن كان شرط إمرة طالوت يتمثّل بالقدرة العلمية ، والخبرة بفنون الحرب والقتال والكفاءة والجدارة ، وحفظ استقلال بعض المناطق ، فلابدّ أن تتوفّر قمّة هذه الشرائط في أمير المؤمنين علي (عليه السلام)  ، ولا يمكن القول بأنّ الإسلام لا يلتفت لهذه الأُمور بدون اقتضاء ولا شرط ، وأنّ إمام المسلمين سواءً كان عالماً أم لم يكن ، كفوءاً أم ليس بكفوء وما إلى ذلك ليست قضية مهمّة من وجهة نظر الإسلام الذي يمثّل آخر مراحل السير التكاملي للبشرية .
وعليه : فقد اتّضحت النقطة الأُولى من الإجابة على السؤال الأوّل ، مع ذلك نواصل طرح النقطة الثانية ليتّضح الأمر أكثر .

النقطة الثانية :

يمكن تناول النقطة الثانية من زاويتين:
زاوية عمومية وتحقيقية بشأن قصص الأُمم المذكورة في القرآن الكريم ، والهدف من هذا البحث هو التحقيق بشأن علّة سرد قصص الأُمم السالفة في القرآن الكريم ، والوقوف على الهدف العقلائي والمراد الأساسي الذي أراده الكتاب السماوي من طرح هذه القصص .
والزاوية الثانية في دراسة القصّة التي نحن بصددها وقصة طالوت وبني
(الصفحة 114)

إسرائيل . وبالطبع فإنّ النتائج التي توصّلنا إليها في الزواية الأُولى تعتبر مفيدة للحصول على النتائج من الزاوية الثانية ، وكذلك في الإجابة على السؤال الأوّل . أمّا إذا أردنا أن نخوض بالتفصيل في العنوان الأوّل فإنّ ذلك سيبعدنا عن البحث الأصلي «شرائط الإمامة من وجهة نظر القرآن» ولذلك سنمرّ سريعاً على العنوان الأوّل .

العنوان الأوّل: قصص الأنبياء والاُمم الماضية:

لقد وردت قصص الأنبياء كثيراً في القرآن الكريم ، وقد تكرّر بعضها ، ولكن أصل القصّة لم يتكرّر في الحقيقة ، بل كان الاستنتاج متنوّع في نقل الحوادث في مختلف الموارد . ولابدّ من القول بأنّ تعليم الأُمّة الإسلامية كان من الأهداف الأصيلة البارزة في التعرّض لتأريخ الماضين ، تعليمهم السبل التي تؤدّي إلى السعادة والشقاء ، وإلفات النظر إلى ردود الفعل التي أبدتها الأُمم السالفة إزاء دعوة الأنبياء والنتائج التي ترتبت على كلّ ردّ فعل ، إلى جانب تنبيه الأُمّة الإسلامية إلى الاُصول الروحية وأُسلوب تفكير سائر الاُمم ، ولا سيّما أهل الكتاب وأوضاعهم الأخلاقية . فمثلا تعرّضت عدّة آيات من سورة البقرة إلى أوضاع أهل الكتاب ولاسيّما اليهود ، ليقف المسلمون على طبيعة أخلاقهم واُسلوب تفكيرهم ومدى العداء الذي يكنّونه للإسلام والقرآن ، فلا يتّخذونهم أولياء ويظهرون لهم المودّة أبداً ، بل يكونوا على حذر من هذه الأُمّة العنيدة والخطرة .
وعلى هذا فإنّ هناك تعليمات تجاه نوع من الأُصول المسلّمة التي تأبى التبدّل والتغيّر ، وإلاّ لو كانت مرنة يمكن أن تعتريها حالة التغيير ، لما كانت من قبيل الأُصول الكلّية التي ينبغي تعليمها الأُمّة الإسلامية; فهناك حقائق ذات دروس وعبر في هذه القصص التي من شأنها خلق الإنسان الفاضل ، فمثلا إذا واجهتنا
(الصفحة 115)

بعض المباني المصيرية للإنسان في قصّة موسى فإنّه لا يمكننا أن نقول بأنّها مختصّة ببني إسرائيل والأُمّة الإسلامية مستثناة من هذا الأمر ، ولا يسعنا هنا إلاّ أن نشير إلى بعض هذه المباني بصورة مختصرة ونترك الخوض في تفاصيلها إلى أهل التفسير .
1 ـ يزعم أحبار اليهود أنّ لهم الجنّة خالصة دون أن ينازعهم أحد فيها ، وإن كان ولابدّ من عذاب النار فهي لن تطالهم سوى أيّام معدودة {وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً}(1) .
أمّا القرآن فقد ردّ بمنطق رصين على هذا الزعم ـ الذي كان يبديه المضلّون من أحبار اليهود بهدف التملّص من الإقرار بنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) والإسلام ـ فرفضه رفضاً قاطعاً وأثبت أنّهم من أصحاب النار والشقاء الخالد يوم القيامة ، وقد أوجز دليله وبرهانه الرصين في هذه الآية من سورة البقرة: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(2) . فهم يغرون الناس ويغلقون عليهم كلّ المنافذ ليفعلوا ما شاءوا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
وبناءً على ما تقدّم فإنّ هؤلاء الناس سيملأون حياتهم بالأعمال الشائنة والأفعال التي تسوّد القلب وتنتهي بالإنسان إلى أدنى المراتب الحيوانية ، فهل لمثل هؤلاء الأفراد أن يبلغوا بعد ذلك السموّ الإنساني؟ وهل لهم أن يتخلّصوا من طبائعهم العدوانية؟ وهل لمثل هؤلاء الأفراد من حظّ يجعلهم يعيشون الحياة الأُخروية الهانئة؟ أم أنّهم سيذوقون وبال أمرهم ليكبّوا على وجوههم في النار من جرّاء أعمالهم القبيحة ، وهل لهم إلاّ الخلود في النار؟ حقّاً لا يرى العقل والإنصاف لهؤلاء سوى عذاب النار خالدين فيها وبئس المصير .

  • (1) سورة البقرة : الآية 80  .
  • (2) سورة البقرة: الآية 81.

(الصفحة 116)

وبناءً على هذا البرهان والاستدلال الواضح فلا تزعموا أيّها اليهود ولاسيّما الأحبار بأنّ مأواكم الجنّة ولن تمسّكم النار إلاّ أيّاماً معدودة ، واعلموا أنّ سيرتكم ونهجكم سيجعلكم خالدين في النار ، وهذا ما قدّمته أيديكم فلم يكن فعلكم سوى حرف الناس عن الصراط المُستقيم ، وتحريف الآيات وإنكار الحقائق التي أوردتها التوراة ، والمتاجرة بالدين من أجل ضمان منافعكم ومصالحكم ، وتظنّون أنّكم إنّما تنفّرون الناس من محمّد (صلى الله عليه وآله) لتستمرّوا في رئاستكم وزعامتكم ، ولم تفكّروا بعواقب أفعالكم حتّى رانت السيّئات وأحاطت بقلوبكم ، فذوقوا النار التي أوقدتموها بأيديكم خالدين فيها وبئس المصير .
إثر تعرّض القرآن لأحبار اليهود ، اندفع اليهود ليقيّموا أدلّتهم في عدم التسليم للقرآن ، وأنّ الجنّة خالصة لهم من دون الناس ، وأنّهم لن يردوا النار ، فما الذي يدعوهم للانصياع لمحمد (صلى الله عليه وآله)  ، فجاءهم الردّ القرآني الحاسم في أنّ هذا الزعم باطل ، وأنّكم تستحقون الخلود في النار .
أمّا أُسلوب الاستدلال الذي ساقه القرآن فقد كان: أنّ الإنسان إذا درج على ارتكاب السيّئات والمعاصي فإنّها تغمسه في هوى نفسه ، بحيث لا تدع له مجالا للعودة والكفّ عن الذنوب ، فتسيطر الظلمات على قلبه حتّى تغلق كافّة منافذ العلم والعقل فيغرق في مستنقع من البؤس والشقاء ، هذا هو الاستدلال الذي أقامه القرآن ضدّ أحبار اليهود ليخلص بالتالي إلى أنّ مأواهم النار خالدين فيها .
وهنا نقول : هل أنّ هذا الأمر يقتصر على اليهود؟ أم أنّه مبدأ كلّي للبشرية جمعاء؟
لاشكّ أنّ هذا الإستدلال يعدّ مبدأً كلّياً ولاسيّما بالنسبة للأُمّة الإسلامية ، فالمصير الذي لاقاه اليهود سيلقاه كلّ فرد مهما كان موقعه ودينه ، إذا أوغل في الذنوب وقضى عمره في المعاصي والسيئات ، ما لم يتب ويقلع عن تلك السيئات  .

(الصفحة 117)

نعم ، إنّ هذه المحاجّة القرآنية لأحبار اليهود إنّما تهدف إلى تنبيه المسلمين ، بل كلّ إنسان ، إلى أصل مسلَّم من الأُصول التي تأبى التغيير ، وتنبيه الأُمّة من أجل سلوك السبيل القويم للفوز بالآخرة والابتعاد عن سبل الهلكة .
وخلاصة هذا الأصل: أنّ الإنسان إذا اعتاد الذنوب ولم يلتفت إلى نفسه ، وقضى عمره في الأفعال القبيحة ، فلن يكون مصيره سوى النار والخلود فيها .
2 ـ كان اليهود يسعون لإثبات أصالة دينهم ونفي الشرعية عن دين النصارى من خلال تشبّثها بإبراهيم (عليه السلام)  ، وهذا ما كانت تدّعيه النصارى أيضاً {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْء . . .}(1) ، فردّت عليهم الآية القرآنية من سورة آل عمران قائلة: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِى إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَيةُ وَالاِْنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(2) . وقد أشارت آية اُخرى صراحة إلى مفهوم هذه الآية فقالت {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(3) . فما الذي يمكن استنباطه من هذه الآية؟
نفهم من هذه الآية أنّ اليهوديّة والنصرانيّة قد تجاوزت أهداف موسى وعيسى ، فأتباع موسى ليسوا بيهود ، كما لا يمكن لأتباع عيسى أن يكونوا نصارى ; لأنّ إبراهيم مسلم ، لا يهودي ولا نصراني .
إذن ، فاليهودية والنصرانية أسماء ابتدعها أهل الكتاب لأنفسهم ، وهي تتنافى والتسليم لله وسلوك الصراط المستقيم ، وما سبيل موسى وعيسى سوى الإخلاص والتسليم والعبودية لله ، فقد قال عيسى (عليه السلام) : {إِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(4) . ولا نبالغ إذا قلنا بأنّ الآية تلمّح إلى شرك اليهود والنصارى ،

  • (1) سورة البقرة: الآية 113 .
  • (2) سورة آل عمران: الآية 65 .
  • (3) سورة آل عمران: الآية 67 .
  • (4) سورة آل عمران: الآية 51 .