جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 272)

إذن ، فقد ذهبت أدراج الرياح جميع تلك المدّة المديدة من الدعايات المسمومة خلال المرحلة الاُولى من حادثة كربلاء ، ثمّ اتّضح ظلم يزيد وجوره ، وما زالت الحادثة الحسينيّة إلى يومنا هذا تدمع العيون وتجدّد الأحزان كلّ عام كما تجنّد الطاقات وتعبّئها باتجاه العدل والحرّية .

النظرة السطحية :

قد يظنّ البعض بأنّ حادثة كربلاء قد ضاعفت قدرة بني اُميّة ، وأنّ فقدان القائد قد أدخل اليأس على قلوب الناس ، كما أدّت بعيالات الحسين (عليه السلام) إلى الأسر والسبي ، دون الالتفات إلى أ نّ هذه الحادثة قد هزّت عرش يزيد وقلبت خططه وأفكاره رأساً على عقب ، فكلّنا نعلم أنّ يزيد قد هَمّ بتقويض صرح الإسلام وهدم معالم الدين ، وكان يتحيّن الفرص للثأر من بدر وحنين ، في حين دفعت كربلاء بيزيد لأن يتظاهر بالدين ويلقي باللائمة على ابن مرجانة في تعجيله بقتل الحسين  (عليه السلام) .

يأس الاُمّة:

أمّا الاُمّة فلم تشعر باليأس بقدر ما عاشت حالة من الثورة والغليان والغضب والنقمة ، الأمر الذي تمخّض عن قيام المختار ، ولم تستطع الزعامة الغاشمة مواصلة حكومتها إلاّ بقوّة الحديد والنار .
نعم ، لقد آتت تلك الحادثة أُكُلها منذ لحظاتها الاُولى ، ثمّ أعقبتها تلك الحملة الإعلامية التي قادها أهل البيت بعد الحادثة بيومين ، لتشهد الكوفة من جديد الهدير العلوي المدوّي على لسان كريمته زينب الكبرى ، ففضحت يزيد وأسقطت الأقنعة عن وجهه الكريه ، كيف يزعم أنّ سبي زينب لم يكن من ضمن أهداف
(الصفحة 273)

الإمام (عليه السلام) ؟ يا له من زعم أجوف; ما الذي حدا بالإمام لاصطحاب النسوة وهو يعلم بقتله في كربلاء؟ ليس هنالك ما يدعو إلى القلق فيما لو بقين في الحرم المكّي الآمن؟ ألا يشعر الإمام بالقلق على عيالاته بالإتيان بهنّ إلى كربلاء وهو يعلم بقتله ، فهل هنالك مثل هذا القلق لو بقين في مكّة؟ لو بقين في مكّة لما كان لهنّ من ملاذ بينما يتمتعنّ بالحصانة السياسية لو رافقن الحسين (عليه السلام) !! أو لم يبق ابن عباس ومحمّد بن الحنفية في مكّة أو المدينة؟ لو لم يكن الأسر والسبي من ضمن الأهداف ، أفلا يعتبر الحسين (عليه السلام) مُقصّراً؟ فالحسين (عليه السلام) كان يعلم بأنّه مقتول ، أفلم يحتمل أنّ ذلك القتل سيؤدّي إلى سبي عيالاته ؟ وعلى فرض هذا الإحتمال فهل هو احتمال منجّز؟ اللهمّ إلاّ أن يُقال: إنّ الإمام لم يكن قد تكهّن بعاقبة الأمر!
طبعاً إن كنت ممّن يؤمن بأنّ الإمام معصوم بعيد عن الزلل والخطأ فكيف تحلّ هذا الإشكال؟ وكيف توفّق بين هذه التناقضات؟ نفترض أنّك تعتقد بأنّ الإمام لم يكن عالماً بعاقبة الأمر منذ البداية ، ولكن حين اعترضه الحرّ وقد اتّضحت عواقب الاُمور كما ذكرت فلِمَ لَمْ يقترح رجوع نسائه؟ هل كان الحرّ مأموراً بتسليم عيالات الحسين (عليه السلام) إلى عبيدالله أيضاً؟ لو كان الحسين (عليه السلام) اقترح على الحرّ رجوع عيالاته ألم يكن ذلك كافياً في قبول عذر الحرّ عند عبيدالله؟ لقد أقررت بعذره حيث قلت: لو ترك الحرّ الإمامَ يرجع لما آخذه عبيدالله ، فلم لم يقترح الإمام رجوع عيالاته؟ ولما شعر بأنّ الخطر قد أحدق به ـ كما زعمت ـ فهل الإصرار على اصطحاب أولئك الأعزّة يُفيد عدم التنبؤ بوقوع الأحداث؟ إذن لا يمكن القول بأنّ الأسر لم يكن من الأهداف المرسومة ، بل من المتيقّن كان جزءاً مكمِّلا للشهادة ، فكان لابدّ لتلك القافلة من القيام بمهمّتها الإعلاميّة .
فوظيفة الحسين (عليه السلام) التضحية من أجل الإسلام ، بينما كانت مهمّة زينب تكمن
(الصفحة 274)

في تغطية وقائع كربلاء والتعريف بشخص الإمام وفضح يزيد والحيلولة دون ضياع دم الإمام وسائر الشهداء .

خطبة زينب الكبرى :

لقد فهمت الاُمّة من خطبة زينب في الكوفة أنّ حكومة يزيد إنّما استهدفت القضاء على الإسلام ومحو آثار الرسالة ، وقد حال الحسين (عليه السلام) بدمه الشريف دون هذا الهدف ، فالحسين (عليه السلام) لم يمت ، فهو قتيل في سبيل الله {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}(1) بل يزيد هو الذي قتل وقذف بنفسه في الهاوية ، فالإسلام باق ويزيد زائل .
وهذا هو المنطق الذي نهجه علي بن الحسين (عليه السلام) في مسجد الشام ، لـمّا سمع الأذان وأقرّ الشهادة الثانية بلحمه ودمه وجسمه وكلّ شيء في جسده ، ليثبت حياته من خلال حياة الرسالة والشهادة بالنبوّة لجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، ولم يفلح يزيد في محوه للرسالة ، وعليه : فقد كانت حادثة كربلاء ـ منذ انعقاد نطفتها ومروراً بأحداثها وما أعقبها من سبي وأسر ـ عنصر فاعل يفيض حيويّة على الإسلام .

المنطق الغاشم :

طبعاً ، يمكن لمنطق القوّة ـ الذي يستند إلى القمع وكَمّ الأفواه والتلويح بالحديد والنار ـ أن يشيع الخوف والهلع والرعب والاضطراب كسحابة في سماء الاُمّة ، إلاّ أنّ فجر الحرية والعدالة إنّما يشقّ لا محالة عباب هذه السحب الزائفة ، فينهض حماة الدين ليحطّموا تلك القوى الفارغة .
وعوداً على بدء فإنّ المؤلّف قد ساء فهم وجود الإمام وعدمه ، فقد افترض

  • (1) سورة آل عمران : الآية 169  .

(الصفحة 275)

أنّ الإمام لو كان حيّاً وأصبح زعيماً للمسلمين ودارت القيادة الإسلاميّة حول محوره ، لساد العدل والقسط ربوع العالم الإسلامي ، وبالتالي لتحقّقت حكومة العدل التي نتطلّع إلى تشكيلها من قِبل إمام العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، فتزول الفرقية الطارئة على الدين ولا تبقى إلاّ الطائفة الإمامية الحقّة التي تمثّل الدين ، وحين افترض فقدان الإمام وعدمه ظنّ بأنّ هذا العدم يتضمّن زوال كلّ شيء بما فيه الإسلام واستفحال الظلم والجور والطغيان اليزيدي!
وعليه : فيخلص من خلال الفرضين إلى أنّ شهادة الإمام قد أدّت إلى ضرر عظيم لحق بالإسلام العزيز . وهنا يكمن الخطأ الذي ارتكبه المؤلّف في إطلاق العنان لخياله في أن يسرح ويمرح كما يشاء .
لنفترض أنّ الحسين (عليه السلام) قد انتصر ـ عسكرياً ـ على يزيد وتولّى الحكم ، فهل ستسود الأحكام الإسلامية والتعاليم القرآنية حقّاً على جميع أنحاء المعمورة ، بحيث يشهد العالم الإسلامي المترامي الأطراف اندحار الجهل والاضطراب والظلم والفوضى وسيادة العدل والمواساة والمساواة والأمن والاستقرار و . . . ؟
لا نعتقد بأنّ الأمر كذلك . وبالطبع فإنّ هذا ليس بمتعذّر على الإمام الحسين (عليه السلام) في أن يملأ العالم بهذه المفاهيم السامية ، إلاّ أنّ هذا الأمل مشروط باندحار الأشقياء والجهّال والطغاة وإزالة كافّة العراقيل التي تعترض سبيل الإمام ، ولا نرى لحدّ الآن مَن تمكّن من مثل هؤلاء الزعماء من اجتثاث جذور الظلم والجور وإبادة صروح الجهل والحمق وتطهير المجتمع من دنس الأرذال والأوباش والأشقياء وإخضاعهم لمنطقهم وسلطنتهم .
فأيّ من أنبياء الله طبّق مثل هذه المفاهيم والأهداف؟ هل استطاع موسى (عليه السلام) بيده البيضاء وعصاه أن يخلق من بني إسرائيل مجتمعاً دينياً متطوّراً ويجتثّ جذور الوثنية والسامرية؟ فلم تجفّ أرجلهم من الماء حتّى طلبوا من موسى (عليه السلام) أن يجعل
(الصفحة 276)

لهم إلهاً كما كان للآخرين ، وفي نهاية الأمر يخبر القرآن عنهم بقوله: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْذِلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ}(1) .
وهذا نبيّ الإسلام أعظم زعيم عرفه العالم الإنساني ، فرغم جهوده الجبّارة ونجاحه في نشر رسالة السماء في أنحاء العالم ، إلاّ أنّه لم يستطع أن يجعل الإسلام بكماله وتمامه هو الحاكم المطلق للعالم . هل استطاع نبيّ الإسلام إبّان حياته أن يضع الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) صراحة في مواقعهم؟ نعم ، بعد كلّ تلك المدّة من الزعامة والجهود المضنية في رفع مستوى الاُمّة وتعويدها على ممارسات الدين ومفاهيمه وربطها بعجلة الحضارة والرقيّ والتمدّن وإنقاذها من الجهل والوثنية والتعنّت والتعصّب والمنطق الغاشم لأمثال أبي سفيان وصنمية أمثال أبي جهل ، طرح أواخر حياته الشريفة قضية الغدير التي صرّحت بخلافة علي (عليه السلام)  ، فأطلق ذلك الرجل الذي كان قربه ـ وقد تغذّى على مفاهيم الإسلام ـ عبارته المعروفة «إنّ الرجل ليهجر»(2)!
هل استطاع الإسلام آنذاك إجتثاث جذور اليهود؟ هل استقطب إليه النصارى؟ هل استطاع إفهام تلك البشارة الصريحة والميثاق الغليظ الذي اشتملت عليه التوراة والإنجيل بشأن نبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) ويجعلهم يذعنون لصحّة ما يقول؟ وهل استطاع النبي (صلى الله عليه وآله) أن يخضع كافّة تلك الحكومات الجبّارة لحكومته ويجعلها تنضوي تحت لواء الإسلام؟
وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)  ، ألم يتزعّم الاُمّة ويأخذ بزمام الاُمور؟ ألم تندفع إليه الجماهير وتضطرّه لقبول الخلافة؟ وعليه : فقد امتلك الجيش الجرّار والإمكانات وما من شأنه أن يجعل الحكومة تطبّق الأهداف القرآنية

  • (1) سورة البقرة: الآية 61 .
  • (2) مسند أحمد 1: 760 ح 3336 .