جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 71)

مزيد من التوضيح:

نورد مزيداً من الإيضاح رغم أنّ الحديث المذكور صريح في ما ادّعيناه ، فالواو في الآية المُباركة: {وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}(1) عاطفة ، أي واجعل من ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ نسألك لبعض هذه الذريّة ما سألناك لأنفسنا أن اجعلنا مسلمين لك ، فاجعلهم مسلمين لك ، وبناءً على هذا فكلمة «من» في قوله : «ومن ذريّتنا» تفيد التبعيض ، أي بعض هذه الذريّة .
إذن ، فسنخ تسليم هذه الطائفة من سنخ تسليم إبراهيم وإسماعيل ، ومن هنا يعلم أن عطف طلب إبراهيم وإسماعيل ، يعود إلى ظهور طائفة مصطفاة من الأُمّة الإسلامية تكون في مصاف آبائها إبراهيم وإسماعيل في الخشوع والطاعة والتسليم .
وعليه : فدعاء إبراهيم وإسماعيل لا يشمل كافّة ذريّة إسماعيل ليكونوا على هذه الدرجة من التسليم ، ليصدق ذلك على جميع قريش ، وذلك لأنّنا أشرنا إلى أنّ «من» تفيد التبعيض لا التبيين ، أضف إلى ذلك ـ كما ذكرنا ـ أنّ الرسول المبعوث من ذريّة هاشم ، وذلك الرسول هو معلّم هذه الذريّة طبق ظاهر الآية ، وهذا ما ذكّر به الإمام الصادق (عليه السلام)  .

كشف النقاب عن أصالة الإمامة:

قلنا: إنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) سألا الله سبحانه طائفة من الذريّة تكون بمستوى آبائها في الإخلاص والطاعة والتسليم ، كما قلنا: إنّ هذه الطائفة ليست إلاّ الصفوة من بني هاشم ، وهنا تتضّح حقيقة اُخرى ; وهي أنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) كما سألا الله بعث رسول لهداية الاُمّة ، قد سألاه أيضاً مثل هذه الهداية لطائفة من بني هاشم ، سألاه أن يبعث رسولاً من بني هاشم ، وأن تتربّى وتتلمّذ على يديه

  • (1) سورة البقرة: الآية 128 .

(الصفحة 72)

هذه الطائفة المتّصفة بالعبوديّة والإخلاص والتسليم الكامل لله ، لتكون جديرة مؤهّلة وصالحة لزعامة الإسلام وإمامة المسلمين ، وإلاّ لما كان هناك من هدف لسؤالهما الله ظهور تلك الطائفة التي تضاهي آباءها في الطاعة والتسليم ، وسؤال الله تعليمهم وتزكيتهم من قِبل الرسول المبعوث .

ما نخلص إليه من هذه الآيات :

بعد أن رفع إبراهيم وإسماعيل قواعد البيت بأمر الله ومن أجل الله وإعادة بناء مركز التوحيد ، سألا الله ثلاثة اُمور أساسية مهمّة من أجل تحقيق السعادة والفلاح لذريتهما على مدى التأريخ ، وهي:
1 ـ سألاه أن يبعث رسولا من ذريّتهما .
2 ـ أن يكون هذا الرسول من بني هاشم ، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) : أنا دعوة إبراهيم (عليه السلام) (1) .
3 ـ أن تكون طائفة من بني هاشم مطيعة ومسلمة تنهض بزعامة وإمامة الأُمّة الإسلامية ، وأن تستند في إمامتها إلى تعاليم النبي (صلى الله عليه وآله) وتعليمه وتزكيته لهم وإلى القرآن وآياته الحكيمة .

نتيجة هذه الدراسات:

كما أنّ رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) أصيلة متجذّرة ليست حادثة طارئة; فإنّ إمامة الأئمّة هي الأُخرى أصيلة متجذّرة ، وهي استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)  . وعلى ضوء هذا المشروع الذي تضمنه الدُعاء ، كان لابدّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يخضع تلك الطائفة من بني هاشم لتعليمه المُباشر ويحيطهم علماً بكافّة أسرار وخفايا القرآن ،

  • (1) الفقيه 4: 369، بحار الأنوار 38: 62.

(الصفحة 73)

بفضل ما منحهم الله من أهلية واستعداد ، ليعدّهم لإمامة المسلمين ، وعليه : فإنّ هذه الطائفة حائزة على شرائط الإمامة من خلال تعليم النبي وما أفاض الحقّ عليهم من إخلاص وتسليم .
فالذي نخلص إليه من هذه الأبحاث هو أنّ الإمامة أصيلة متجذّرة كالرسالة ، وليست الإمامة سوى للطائفة المصطفاة من بني هاشم .

سؤال يطرح نفسه :

هنالك سؤال يطرح نفسه على ضوء الشرح الذي أوردناه على الآيات ، وهو هل أنّ رسول الله مبعوث لبني هاشم فقط ليجتهد في إرشادهم وهدايتهم وتزكيتهم؟ وهل سأل إبراهيم الله سبحانه نبياً عائلياً لتعليم وتربية أولاده وذريّته؟ حتّى يقال: إنّ الله استجاب دعوة إبراهيم من أجل تعليم وتربية أولاده ، إذن فهو معلّم خصوصي من أجل طائفة خاصّة من ولد إسماعيل .

جواب :

لاشكّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) إنّما بعث لكافّة الناس إلى يوم القيامة ، فقد اعتبره القرآن الكريم خاتم الأنبياء(1) ، ومنذر من بلغ(2) . فما الذي حدث ليدعو إبراهيم بأن يكون النبي المبعوث من ذريّة إسماعيل لتزكية وتعليم طائفة من ذريّتهما؟ فإبراهيم (عليه السلام) يعلم بأنّ رسول الله محمّد المصطفى (صلى الله عليه وآله) سيبعث بالرسالة ، وأنّه من ذريّته وهو خاتم الأنبياء ، ودينه ناسخ لكافّة الشرائع ومكمّل لكافّة الأديان ، وأنّه سيصبح إماماً للبشرية جمعاء ، وهذه ليست من الاُمور التي لا يعرفها إبراهيم (عليه السلام)  ، فالقرآن

  • (1) سورة الأحزاب : الآية 40  .
  • (2) سورة الأنعام: الآية 19  .

(الصفحة 74)

يصرّح بأنّ موسى وعيسى (عليهما السلام) يعلمان بأنّه النبي الخاتم ، وهذا ما تشهد به سائر الكُتب السماوية ، بل أبعد من هذا هو أنّ الاُمم الماضية ـ وبغضّ النظر عن الأغراض ـ تعلم بوضوح كافّة خصائص آخر قائد للعالم ، فلِمَ كانت هذه الدعوة من إبراهيم وإسماعيل؟
الجواب على هذا السؤال هو ما أوردناه سابقاً من أنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) سألاالله أن يبعث نبياً من ذريّتهما ، وأن يقوم هذا المبعوث بتربية وتزكية طائفة ليبلغ بها السموّ والكمال الذي يؤهّلها لزعامة الأُمّة الإسلامية ، وعليه فقد بلورا وأسَّسا مبدأ الإمامة، وسألا تحقيق وتفعيل هذا المبدأ الحيوي من أجل الزعامة الإسلاميّة.
وبناءً على ما تقدّم لم يكن هناك ما يستدعي لأن يكون هذا المبعوث لطائفة معيّنة ، بل كان ذلك يستدعي أن يكون مبعوثاً للعالم كافّة ، يكون من ذريّتهما ، وأن يعدّ طائفة معيّنة من تلك الذرّية لبعض الأهداف والغايات العليا السامية .
وبعبارة اُخرى: فإنّ الدعوة كانت لجعل النبوّة والإمامة في ذريّة بني هاشم ، وهي في ذات الوقت تفيد كون النبوّة والإمامة زعامة عالمية إلى الأبد .
جدير بالذكر أنّ دعوة إبراهيم (عليه السلام) ليست جديدة ، فقد سأل الله بشأن منصب الإمامة في ذريّته لما استكمل شرائط الإمامة وبشّره سبحانه: {إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً} ، فردّ الله سبحانه هذا المنصب عمّن لا يستحقّه من تلك الذريّة {لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ}(1) . حيث استثنى سبحانه الظلمة من النهوض بهذه المسؤولية العظيمة .

حديث مع صاحب تفسير المنار:

أعتقد أنّ صاحب «تفسير المنار» قد التفت إلى ذلك الأمر المهمّ في الآيات

  • (1) سورة البقرة: الآية 124 .

(الصفحة 75)

الشريفة ودعوة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)  ، فهو يستند في فهمه للقرآن إلى ظواهر الألفاظ وخصائص الكلمات ، إلاّ أنّ روح التعصّب إذا استولت على عالم تدفعه إلى ما يأباه الذوق السليم والطبع القويم ، بحيث أخذ يتخبّط تخبط عشواء ليموّه على الحقائق التي انطوت عليها الآية الكريمة .
فقد علّق صاحب تفسير المنار على عبارة «إنّك أنت العزيز الحكيم» بأنّها وردت لتزيل إشكالا قد يتبادر إلى الأذهان بأنّ دعوة إبراهيم تتنافى والطبع العربي ; لأنّ العرب تقولبت بالبداوة وأنست بالغلظة والخشونة ، وعليه فالأقوام العربية لا تأنس بالعلم والحكمة ، بل هي عدوة للتهذيب والتربية ، فالبداوة العربية لا تخضع قطّ للنظم الاجتماعية وهي بعيدة عن الحضارة والمدنية ، فطبيعتهم البداوة ، ولمّا كان تعليم الكتاب والحكمة وتهذيب الأخلاق لا يعني سوى التسليم للنظام الاجتماعي وتقبّل الحضارة والمدنية والتطبّع بالعادات الإنسانية ، فأنّى لإبراهيم أن يدعو الله بأن يبعث محمّداً (صلى الله عليه وآله) ليعلّم أولئك العرب الكتاب؟ ويعلّمهم الحكمة ويزكّيهم ويهذّب أخلاقهم .
فقد حصر صاحب «المنار» هذا السؤال في زاوية حرجة ، ثمّ قال للهرب منه: نعم ، إنّ هذا الوهم وارد لو لم يكن الله عزيزاً وحكيماً ، وحيث إنّ إبراهيم (عليه السلام) يعلم بأنّ الله عزيز وحكيم ، فإنّ ذلك الوهم ليس بوارد . أجل ، فالله عزيز وحكيم وبيده حلّ جميع المشاكل ، وليس هنالك من شيء يمكنه أن يقف حائلا أمام إرادته ، إذن ، صحيح أنّ العرب تعادي العلم والحكمة والمدنية ، إلاّ أنّ إبراهيم (عليه السلام) يعلم بأنّ الله عزيز وحكيم ، وعليه فدعوته ليست مستحيلة ، فللقادر العزيز أن يبلغ بهذه الأُمّة منتهى العلم والتمدّن ويجعلها مستعدّة لحمل أعباء الرسالة (1).
كانت هذه بعض العبارات التي ذكرها صاحب المنار بشأن الآيات الكريمة ،

  • (1) تفسير القرآن الحكيم، الشهير بـ«تفسير المنار»: 1 / 465 ـ 473.