جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 177)

وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته (1).
أبو بصير: هو ليث بن البُختري المرادي المُكنّى بأبي بصير ، وهو ممّن لا نقاش في وثاقته ، وهو من أصحاب الإمام الباقر والصادق والكاظم (عليهم السلام)  ، فإنّه وإن طعن فيه علماء الرجال باجتهاداتهم إلاّ أنّه في جلالة قدره رواية ذكرها محمّد بن قولويه القمي بسند معتبر عن أبي عبدالله (عليه السلام)  ، أنّ الصادق (عليه السلام) قال: «إنّ أصحاب أبي كانوا زيناً أحياءً وأمواتاً ، أعني زرارة ومحمّدبن مسلم ، ومنهم ليث المرادي وبريد العجلي ، هؤلاء القوّامون بالقسط ، هؤلاء القوّامون بالقسط ، هؤلاء السابقون السابقون أولئك المقربون(2) .
كان هؤلاء ثلاثة نفر ممّن حضر مجلس الإمام . أمّا الرابع وهو يحيى البزّاز فلم نعرفه ، و يحتمل أن يكون الخزّاز ، وهو من أصحاب الصادق و الكاظم (عليهما السلام)  (3).
فهؤلاء الرجال الذين حضروا مجلس الإمام الصادق (عليه السلام) هُم من كِبار الفُقهاء والعُلماء ، وقد قارن الإمام منزلة داود بن كثير بمنزلة المقداد لدى رسول الله (صلى الله عليه وآله)  ، والحال أنّ المقداد من كِبار صحابة النبي (صلى الله عليه وآله)  . وهم ممّن وقف على منزلة الإمام والإذعان له بعلم الغيب ، وهذا ما يفيده صدر الرواية .

شرح الرواية :

لقد تحاشى الإمام (عليه السلام) في بداية الرواية علمه بالغيب ، وقد تنزّل عن مكانته بحيث صعب عليه العثور على الجارية في إحدى غُرف الدار . ونعلم أنّ دار الإمام (عليه السلام) لم تكن من قَبيل ناطحات السحاب أو قصر الكرملن ، بحيث إذا اختفى

  • (1) الإرشاد للمفيد: 2 / 247 ـ 248.
  • (2) اختيار معرفة الرجال المعروف بـ«رجال الكشي»: 170 رقم 287 و ص 239 رقم 433 .
  • (3) رجال الشيخ الطوسي: 322 رقم 4807، معجم رجال الحديث: 20 / 99 رقم 13614 .

(الصفحة 178)

فيه فرد تعذّر حتّى على جهاز المباحث العثور عليه ، فقد كانت داراً مُتواضعة لا تضمّ إلاّ عدّة غُرف . وكيف لا يقف الإمام على مكانها إذا ما بحث عنها؟!
إذن ، فالعثور عليها على ضوء المجاري الطبيعية لم يكن قضية صعبة ، إلاّ أنّ الإمام يعرب عن عجزه عن العثور عليها ، فالقضية طبق الظواهر لا تبدو مقبولة ، وهذا هو الأمر الذي أذهل خواص الأصحاب .
أمّا ذيل الرواية ، فقد كان دليلا قاطعاً على قدرة الإمام اللامتناهية ، فقد قال: إنّ آصف بن برخيا قد أتى سليمانَ بعرش بلقيس بتلك المسافة في طرفة عين ولم يؤت من العلم إلاّ قطرة من بحر ، فهو عالم ببعض الكتاب ، أو ليس لمن أوتى علم الكتاب كلّه أن يعثر على تلك الجارية التي لا تبعد عنه سوى بضعة أمتار؟ قطعاً هنالك مصلحة جعلت الإمام يصدّر الرواية بذلك العجز عن العثور على الجارية ، وأنّى لداود أن يصدّق عجز الإمام (عليه السلام) عن العثور على الجارية ; وهو الذي وصل ابن عمّه في المدينة بذلك البعد الشاسع عن الإمام (عليه السلام) وقد أحسن إليه خفية ، فلمّا حضر استقبله الإمام وأشاد بعمله!(1)
وكيف يصدّق أبو بصير عدم استطاعة الإمام العثور على تلك الجارية وقد بشّره حين دخوله الكوفة بولادة ابنه عيسى ، وأنّ الله سيرزقه ولَدين وبنتين غيره(2)!
أجل هذه الشواهد وما شابهها تؤكّد وجود بعض العلل والدوافع التي جعلت الإمام (عليه السلام) ينفي عن نفسه في صدر الرواية العلم بالغيب ، ويكفي ذيل الرواية شاهداً على ما نقول في دحض صدرها . وعليه فلابدّ من تحرّي الدوافع .

  • (1) بصائر الدرجات: 429 ح 3 أمالي الطوسي: 3 / 4 ح 929، الخرائج والجرائح: 2 / 612 ح 8، مناقب آل أبي طالب (عليه السلام) لابن شهر آشوب: 4 / 227، وسائل الشيعة: 16 / 111، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس ب 101 ح 15 .
  • (2) دلائل الإمامة:263ح193، الخرائجوالجرائح: 2/636ح37، كشف الغمّة: 2/190، المحجّة البيضاء:4 /261.

(الصفحة 179)

دوافع نفي الإمام علمه بالغيب

الدافع الأوّل :

إنّ أهمّ دافع جعل الإمام (عليه السلام) يسلب عن نفسه العلم بالغيب ، هو الظرف الخاصّ الذي عاشه الإمام في ذلك الزمان والذي شهد تفتّح آفاق العلم ، لينهمك الإمام في بيان أحكام الإسلام وحقائق القرآن ونشر العلم وتفادي كلّ ما من شأنه أن يحول دون القيام بهذه الوظائف .
كان خليفة زمانه الطاغية السفّاح المنصور الدوانيقي الذي كان يتحيّن الفُرَص لقتل الإمام وإزالة هذه العقبة عن طريقه . كان الإمام شديد الحرض على عدم اِثارة مثل هذه المواضيع التي تؤلّب ذلك الجبّار الغاشم من أجل تصفيته والقضاء عليه ، الأمر الذي يعني الحيلولة دون نشر معارف الدين والأحكام . فلو قال الإمام: أنا عالم بالغيب جدير بالإمامة والخلافة ، لكان ذلك كافياً لسلّ المنصور سيفه وقتله ، وعليه فلا ينبغي أن يشيع هذا الأمر بين الأوساط الاجتماعيّة ، ويكفي أن يعلم ذلك بعض خواصّه وحملة أسراره ، وسوف لن تستطيع الغربان أن تحجب الشمس إلى الأبد ، فلابدّ للّيل أن ينجلي ولابدّ للطوق أن ينكسر . ولنعد ثانية إلى مجلس الإمام:
لقد اجتمعت أُمّة عظيمة في مجلس الإمام (عليه السلام)  ، وكلام الإمام يفيد أنّ علمه بالغيب قد شاع في المدينة ، وأنّ الألسن تتناقل علم الإمام بالغيب ، وقطعاً كان الأمر قد بلغ المنصور . فما أحسن هذه الفرصة التي تجعل الإمام يتصدّى للدفاع عن نفسه فيستدلّ بمثل بسيط يقنعهم بعدم علمه بالغيب ، ولم يكن هنالك أعمق من ذلك المثال الذي اعتمده الإمام للقضاء على تلك الشائعة . أنّى للإمام العلم بالغيب وهو الذي عجز عن العثور على جارية في غرفة من غرف داره؟!
لاشكّ أنّ ذلك الكلام سيؤثّر كثيراً ويؤتي أُكله ، كما لاشكّ أنّ جلاوزة المنصور ـ الذين لم ينفكّوا عن تفتيش دار الإمام ـ سينقلون كلامه إلى المنصور
(الصفحة 180)

وسيسكن روعه وتهدأ فورته ، ثمّ يتاح المجال من جديد أمام الإمام لمواصلة دروسه ونشر علمه .
وبناءً على ما تقدّم فلم يبق لصدور تلك الرواية من محمل سوى التقيّة ، ولكن لم يبق لدى الإمام سوى الخواصّ من أصحابه وهم ليسوا بالمذاييع ، فلم يعد للخوف من سبيل ، فأبو بصير وصحبه ليسوا من أعوان المنصور ، بل هم من حملة العلم ورواة الحديث وفقهاء الإسلام ، والتحدّث إليهم وظيفة شرعية تأريخية لا تدع للتقيّة من شأن ، فيعمد الإمام هنا إلى إظهار مكنون علمه والإفصاح عن مقامه على ضوء القرآن ، فحقيقة علمه لا يعزب عنها صغير ولا كبير في هذا العالم فضلاً عن مكان تلك الجارية . وهو لا يستطيع الإتيان بتلك الجارية بحركة فحسب بل يسخّر العالم بأسره ، ما نفهمه من كلمات الإمام (عليه السلام) أنّه مطّلع على كافّة أصناف العلم ، وكيف لآصف بن برخيا الذي تجرّع قطرة من بحر علم الكتاب أن يفعل ما فعل ، ويغيب عن علم الإمام شيء وهو الذي يعوم في بحر علوم الكتاب ومحيطاته؟
وعلى ضوء هذا التحقيق والتأمّل في هذه الرواية التي تصرّح بعلم الإمام بكافّة الحوادث وتمتّعه بالقوّة والقدرة التامّة على فعل الأفاعيل ، فهل هنالك من ماء عكر يمهّد السبيل أمام بعض السذّج ممّن تأثروا بالوهابية للاصطياد فيه؟ وهل يسع أحد أن يقول لنا بعد ذلك: إنّكم من المغالين في شخصية الإمام؟ فهذا الإمام وقد عجز عن العثور على جاريته!

الدافع الثاني :

أمّا الدافع الثاني الذي أغضب الإمام وجعله ينفي عنه علم الغيب فهو قضية الإفراط أو التفريط والغلوّ أو الإنكار ، التي سيطرت على أغلب الأفراد تجاه الإمام ، وهذا ما يتوصّل إليه بسهولة من سياق الرواية ، في أنّ البعض قد أفرط
(الصفحة 181)

بالاعتقاد بعلم الإمام للغيب حتّى رآه أفضل من النبي (صلى الله عليه وآله) وبلغوا به حدّ الأُلوهية ، على الرغم من أنّ محور الإمامة كان يهدف إلى تحقيق التوحيد وإيصال الأُمّة إلى العبودية الحقّة ، فالإمام بمثّل العبودية الخالصة لله ، وجلّ سعيه هو ربط الأُمّة بمعبودها الأوحد وتطهيرها ممّا علق بها من الأوهام والخرافات ، وإلاّ فلو قدر للاُمّة أن تضلّ طريقها في تعاملها مع الإمام فإنّ جهوده ستذهب أدراج الرياح ، وهو الأمر الذي يأخذ مأخذه من الإمام ويجعل الغضب والتوتّر يسيطر على جميع كيانه ، فيبدو أنّ دافع الإمام من نفيه لعلم الغيب عن نفسه وحصره بالقادر العليم ، إنّما يهدف إلى تثبيت الهدف المقدّس المُتبلور في التوحيد وإزالة الأفكار المنحرفة تجاه شخصية الإمام .
ولم يكن هناك من سبيل أمام الإمام سوى التنازل عن واقعه ليعلم الجميع بأنّ الإمام الصادق (عليه السلام) إنسان كسائر الناس الذين نشأوا وترعرعوا في المدينة ، فهو ليس بملك هبط من السماء أو عيسى (عليه السلام) الذي حلّ فيه روح القدس ليصبح ابن الله!!!
وقد اعتمد الإمام الأسلوب العلمي في سبيل تهذيب أفكار الأُمّة ، فينفي عن نفسه العلم بالغيب ويقتصر بهذا الأمر على الله تبارك وتعالى . والأمر ليس ببدعة فهو يقتدي بالأُسلوب الذي نهجه القرآن ، الذي يقتصر علم الغيب بذات الله تعالى ، بينما يتوصّل إليه النبي (صلى الله عليه وآله) من خلال الوحي ، والإمام من خلال تعليم الرسول له إلى جانب الإلهامات الربانيّة والفيوضات الرحمانية التي توصله إليه .
ولا يستبعد أن يكون الإمام قد استهلّ كلماته بنفي علم الغيب الذاتي تقيّة ، في حين أوكل الحديث عن علمه بالغيب العرضي إلى مجلسه الذي يضمّ خواصّه وحملة أسراره ، فقد كشف لهم النقاب عن مدى علمه وقدرته ، ثمّ يسند ذلك لعلمه بالكتاب ، ومن المفروغ منه أنّ العلم بالكتاب لا يتسنّى دون المعلّم .