جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 68)

إذن ، فالآية القرآنية المُباركة قد خاضت بوضوح في أصالة الإمامة وضخامة ثقلها في المجتمع ، وأشارت بصراحة إلى صفوة من بني هاشم من شأنها زعامة وإمامة الأُمّة الإسلامية .
يبدو أنّ إثبات هذا الإدّعاء يتطلّب مزيداً من الدقّة والتأمّل في عدّة آيات من سورة البقرة وردت بهذا الشأن ، راجين من القُرّاء الأعزّاء الالتفات إلى النقاط التي بحثت سابقاً ، ليصدروا بعدها أحكامهم المنصفة بهذا الخصوص .

دعوة النبي إبراهيم (عليه السلام) :

ماالذي أراده إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) من الحقّ تبارك وتعالى؟
يقول القرآن: إنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) هما رافعا قواعد بيت الله والكعبة ، فقد كان إبراهيم يبني البيت وكان إسماعيل يساعده في هذا البناء ، بينما كان إبراهيم منهمكاً بالبناء ـ يساعده في ذلك إسماعيل ـ سأل الله تعالى أن يتقبّل منهما هذا العمل .
إذن فالبنّاء هو إبراهيم ، والعامل إسماعيل ، والمقاول هو الله جلّ وعلا . فالبناء كان يهدف إلى إنشاء مركز التوحيد والعبادة وهذا المركز هو الكعبة ، ويصرّح القرآن بأنّ لإبراهيم وإسماعيل خمس دعوات سألاها الله سبحانه ، وهي:
1 ـ ربّنا اجعلنا مسلمَين لك .
2 ـ ومن ذرّيتنا أُمّة مسلمة لك .
3 ـ أرنا مناسكنا وتُب علينا .
4 ـ وابعث فيهم رسولا منك .
5 ـ يتلو عليهم آياتك ويعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم .

(الصفحة 69)

الآيات والالتفاتات:

تطالعنا في هذه الآيات عدّة أُمور ، منها:
1 ) فنّدت الآية مزاعم اليهود بشأن الكعبة وقبلة المسلمين حين كثر اللغط الذي يصرّح بعدم صحّة نبوّة النبي (صلى الله عليه وآله) فهو يصلّي الصبح صوب بيت المقدس ، ثمّ يستقبل الكعبة في صلاة العصر ، وإنّ مثل هذه الأعمال لا تصدر من عاقل ، وإلاّ لما غيّر القبلة ، فقد كان الهدف المهم هو بيان أصالة الكعبة ; لأنّ إبراهيم هو الذي بناها ورفع قواعدها ، وإن كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد اِستقبل بيت المقدس لمدّة قصيرة فإنّما كان ذلك طبقاً لمقتضيات المصالح الإسلامية العُليا لا على أساس عدم العلم والإحاطة بالمغيبات .
2 ـ نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) شخصية أصيلة متجذّرة تستند رسالته ونبوّته لدعاء إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)  ، إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) الّذان أعادا بناء مركز التوحيد ، وهما عبْدا الله ، الذين أخلصا له العبوديّة والطاعة ، فسألاه تبارك وتعالى أن يبعث من ذريّتهما رسولا ينطلق من قاعدة الإخلاص والعبودية والطاعة ، وعليه فاليهود ينظرون أعمق من غيرهم إلى أصالة محمّد (صلى الله عليه وآله)  .
3 ـ أنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) الذي ينتمي إلى ذريّة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) هو من طائفة بني هاشم ، وقد سألا الحقّ سبحانه أن يبعث هذا النبي من تلك الطائفة لينهض بمسؤولية تعليم وتزكية هذه الطائفة: {وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ  . . .} .
وبعبارة اُخرى: أنّهما سألا الله أن يبعث رسولا من بني هاشم يتولّى تعليم وتزكية جماعة من بني هاشم ، أمّا كيف ندّعي أنّ الرسول المطلوب من بني هاشم وأنّه يعلّم ويزكّي جماعة من بني هاشم ، فممّا لاشكّ فيه أنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) طلبا رسولا من عقبهما لتعليم وتزكية ذريّتهما ، حيث سألا أن يكون
(الصفحة 70)

ذلك الرسول المبعوث هو معلّم تلك الذريّة ، فقد قالا: {وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ  . . .} وحيث استجيب الدعاء المطلوب ; وهو بعث محمّد (صلى الله عليه وآله) كنبيّ ، ومحمّد من نسل إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) ومن نسل بني هاشم ، فالطائفة التي يتوجّه إليها التعليم والتزكية لابدّ أن تكون تلك الطائفة الصالحة المُنقادة لله من نسل بني هاشم .
فالخلاصة ، تفيد الآية: {وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ. . .} أنّ نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) يجب أن يتلو آيات القرآن على بني هاشم ويعلّمهم القرآن وأسرار الدين ، لينتهي بهم إلى التزكية والطهر والنزاهة .

دليل حي:

قلنا: إنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) سألا الله سبحانه أن يبعث من ذريّتهما رسولا من بني هاشم ، ثمّ سألاه أن يعلّم هذا الرسول طائفة من بني هاشم خفايا الدين وأسرار القرآن ومعالم الإسلام .
أمّا شاهدنا على ذلك فرواية وردت في تفسير العياشي وهو من الكُتب المعتبرة ، ففيه : عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) من هم؟ قال: أُمّة محمّد بنو هاشم خاصّة ، قلت: فما الحجّة في اُمّة محمّد أ نّهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم ؟ قال: قول الله عزّوجل: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ  . . .}(1) فلمّا أجاب الله إبراهيم وإسماعيل وجعل من ذريتهما اُمّة مسلمة ، وبعث فيها رسولاً منها ـ يعني من تلك الاُمّة ـ يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة (2).

  • (1) سورة البقرة: الآية 127 .
  • (2) تفسير العيّاشي 1: 60 ح 101.

(الصفحة 71)

مزيد من التوضيح:

نورد مزيداً من الإيضاح رغم أنّ الحديث المذكور صريح في ما ادّعيناه ، فالواو في الآية المُباركة: {وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ}(1) عاطفة ، أي واجعل من ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ نسألك لبعض هذه الذريّة ما سألناك لأنفسنا أن اجعلنا مسلمين لك ، فاجعلهم مسلمين لك ، وبناءً على هذا فكلمة «من» في قوله : «ومن ذريّتنا» تفيد التبعيض ، أي بعض هذه الذريّة .
إذن ، فسنخ تسليم هذه الطائفة من سنخ تسليم إبراهيم وإسماعيل ، ومن هنا يعلم أن عطف طلب إبراهيم وإسماعيل ، يعود إلى ظهور طائفة مصطفاة من الأُمّة الإسلامية تكون في مصاف آبائها إبراهيم وإسماعيل في الخشوع والطاعة والتسليم .
وعليه : فدعاء إبراهيم وإسماعيل لا يشمل كافّة ذريّة إسماعيل ليكونوا على هذه الدرجة من التسليم ، ليصدق ذلك على جميع قريش ، وذلك لأنّنا أشرنا إلى أنّ «من» تفيد التبعيض لا التبيين ، أضف إلى ذلك ـ كما ذكرنا ـ أنّ الرسول المبعوث من ذريّة هاشم ، وذلك الرسول هو معلّم هذه الذريّة طبق ظاهر الآية ، وهذا ما ذكّر به الإمام الصادق (عليه السلام)  .

كشف النقاب عن أصالة الإمامة:

قلنا: إنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) سألا الله سبحانه طائفة من الذريّة تكون بمستوى آبائها في الإخلاص والطاعة والتسليم ، كما قلنا: إنّ هذه الطائفة ليست إلاّ الصفوة من بني هاشم ، وهنا تتضّح حقيقة اُخرى ; وهي أنّ إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) كما سألا الله بعث رسول لهداية الاُمّة ، قد سألاه أيضاً مثل هذه الهداية لطائفة من بني هاشم ، سألاه أن يبعث رسولاً من بني هاشم ، وأن تتربّى وتتلمّذ على يديه

  • (1) سورة البقرة: الآية 128 .

(الصفحة 72)

هذه الطائفة المتّصفة بالعبوديّة والإخلاص والتسليم الكامل لله ، لتكون جديرة مؤهّلة وصالحة لزعامة الإسلام وإمامة المسلمين ، وإلاّ لما كان هناك من هدف لسؤالهما الله ظهور تلك الطائفة التي تضاهي آباءها في الطاعة والتسليم ، وسؤال الله تعليمهم وتزكيتهم من قِبل الرسول المبعوث .

ما نخلص إليه من هذه الآيات :

بعد أن رفع إبراهيم وإسماعيل قواعد البيت بأمر الله ومن أجل الله وإعادة بناء مركز التوحيد ، سألا الله ثلاثة اُمور أساسية مهمّة من أجل تحقيق السعادة والفلاح لذريتهما على مدى التأريخ ، وهي:
1 ـ سألاه أن يبعث رسولا من ذريّتهما .
2 ـ أن يكون هذا الرسول من بني هاشم ، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله) : أنا دعوة إبراهيم (عليه السلام) (1) .
3 ـ أن تكون طائفة من بني هاشم مطيعة ومسلمة تنهض بزعامة وإمامة الأُمّة الإسلامية ، وأن تستند في إمامتها إلى تعاليم النبي (صلى الله عليه وآله) وتعليمه وتزكيته لهم وإلى القرآن وآياته الحكيمة .

نتيجة هذه الدراسات:

كما أنّ رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) أصيلة متجذّرة ليست حادثة طارئة; فإنّ إمامة الأئمّة هي الأُخرى أصيلة متجذّرة ، وهي استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)  . وعلى ضوء هذا المشروع الذي تضمنه الدُعاء ، كان لابدّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يخضع تلك الطائفة من بني هاشم لتعليمه المُباشر ويحيطهم علماً بكافّة أسرار وخفايا القرآن ،

  • (1) الفقيه 4: 369، بحار الأنوار 38: 62.