جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 155)

إلاّ أنّه يطّلع عليها وعلى تفاصيل سائر الحوادث من خلال الاستمداد من الغيب ، فالغيب من شأنه أن يحدّد الخائن والسارق والبريء . فلايخفى شيء على الحاكم الإسلامي ، وهو عليم بالأسرار الخفيّة ، وأنّ الله قد أراه ما تقوم به حكومته .
وإذا تأمّلنا العبارة «ما أراك الله» التي وردت بصيغة الماضي وطبّقناها على هذه الواقعة ، لإفادتنا عدم وجود أيّ شيء مخفي ومستور على النبي (صلى الله عليه وآله)  ، وهو عليم بالأشياء بنبوّته المستندة إلى المدد الغيبي ، فليس هنالك من ترديد بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) في أنّ أولئك الإخوة الثلاث سارقون خائنون .

نظرة أعمق:

رغم أنّ الآية الكريمة ـ بالالتفات إلى سبب النزول ـ مختصّة بحادثة مع النبي (صلى الله عليه وآله)  ، إلاّ أنّ التعمّق في الآية يفيد ضرورة استناد حكومة وزعامة الحاكم الإسلامي ـ الذي نصّبه الله على الخلق ـ إلى علم الغيب وما يريه الله ويكشف له من مكنونات الأُمور ; لأنّ مفاد الآية {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَهُ}ـ مع إلغاء خصوصية هذا المورد ـ أنّ الحاكم الإسلامي لا يحكم إلاّ بما يريه الله ويرشده إليه ، وهذا ما يستلزم الاستنتاج بعلم الحاكم والإمام بالمغيّبات والحوادث الخفيّة ، ولو كانت تلك الحادثة جزئية وفي زمان خاصّ ، وحيث نصّت الآيات السابقة على أ نّ الإمام خليفة النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الحوادث الواقعة وزعامة الأُمّة وولاية شؤونها الإسلامية فهو يتمتّع بما يتمتّع به النبي (صلى الله عليه وآله) من علم ، والله أعلم .

الآية الثانية:

{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ}(1) .

  • (1) سورة يوسف: الآية 101 .

(الصفحة 156)

الأحاديث بمعنى «الإخبار عن حوادث الزمان» ، فالآية تفيد تعليمه حوادث الزمان بتفاصيلها ، أي العلم الغيبي .

منصب يوسف (عليه السلام) :

إنّ يوسف الصدّيق الذي واجه تلك المصائب والويلات التي ملأت حياته بالألم والمعاناة والحرمان والفِراق ، وبعد أن أثبت خلوصه في عبودية الله وكفاءته حظي بشيء من زعامة مصر وأصبح أميناً لخُزانتها ، وحيث كان من أنبياء الله وقد جعله الله في ذلك المقام وفوّض إليه إدارة الشؤون الماليّة للبلاد ، وجب أن يكون عالماً بخزائن الغيب ومكنوناته وحوادث الزمان والمرجع في تلك الوقائع والأحداث .
وبناءً على هذا فإنّ الحاكم وإن كان دون الزعيم العام وأوطأ درجة منه ، فإن كان يشغل هذا المنصب من جانب الله فهو عالم بالمغيّبات والحوادث الخفيّة . وقد نبّه القرآن الكريم إلى قبس منه في تأويل الأحلام وارتداد يعقوب بصيراً (1)، وعليه : فإنّ الزعامة الإلهية تتطلّب العلم بالمغيّبات والإحاطة بالحوادث سواء كانت هذه الزعامة متمثّلة بيوسف (عليه السلام)  ، أم غيره من الزعماء الربّانيين ، وذلك لأنّ الآية الكريمة صريحة في أنّ مَن تصدّى للملك من قِبل الله لابدّ أن يكون ملمّاً باُسلوب إدارة شؤون البلاد والاستمداد الغيبي .

الآية الثالثة :

{وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}(2) .
يتّضح من التأمّل في قصّة طالوت وجالوت ـ التي ذكرنا تفاصيلها سابقاًـ أنّ

  • (1) سورة يوسف: الآيات 43 ـ 49 و 96 .
  • (2) سورة البقرة: الآية 251 .

(الصفحة 157)

زعامة الاُمّة إنّما تفوّض إلى الصالحين من الأفراد ممّن تتوفّر فيهم شرائطها ، من قبيل العلم والقدرة و . . . وأنّ الله هو الذي زوّد الملك بتلك القدرة العلمية ، حيث صرّحت الآية قائلة: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} . ولعلّ فاعل «يشاء» ضمير يعود إلى داود ، أي أنّ الله آتى داود كلّ ما شاء من العلم . وربّما عاد الضمير إلى «الله» أي أنّ علم داود من الله ، وقد أفاض الله ما شاء من العلم على داود .
على كلّ حال فالمعنى المستفاد هو أنّ زعيم البلاد ـ الملك ـ ينبغي أن يكون عالماً بالمغيّبات محيطاً بالمكنونات ، وأنّ زعامته لا تستند إلى الطرق والجهود المتعارفة في الحصول على العلم ، بل وسيلته فيها إفاضات الحقّ سبحانه في الوقوف على الأسرار ، سواء كان هذا الزعيم داود ، أو أيّ فرد آخر ينصّبه الله .

الآية الرابعة :

{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الْصَّلَوةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَوةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}(1) . ترى الآية أنّ الإمامة منصب إلهي ، كما تدلّ على أنّ الإمام يتولّى الأمر بالاستمداد الغيبي ، والذي تفيده هذه الدلالة استناد الإمام في زعامته إلى العلم الغيبي .
وبناءً على هذا فللائـمّة الأطهار (عليهم السلام) مثل هذا الامتياز ; لأنّهم مصطفون من قبل الله ، غاية ما في الأمر أن لا سبيل إلى الوحي ، وأمّا سائر السبل فمفتوحة .

ثمرة هذا البحث القرآني :

لقد أصبح الأمر جليّاً بأنّ أئـمّة الإسلام إنّما يستندون إلى الغيب في زعامتهم

  • (1) سورة الأنبياء: الآية 73 .

(الصفحة 158)

وأنّهم مطّلعون على خفايا الأُمور ، ولكن ما مدى هذا الإطّلاع والعلم ، وكيف يتأتّى لهم هذا العلم؟
لا يمكن الاستدلال بهذه الآيات في هذا الخصوص ، ولكن ما يمكن الجزم بقوله هو أنّ علمهم بكيفيّة تؤدّي إلى هدايتهم إلى الصراط المُستقيم وإلى سبل السلام ، وأن تكون هدايتهم صائبة صحيحة تماماً ، فهم الهُداة إلى الحقّ والحقائق المسلّمة ، وذلك بفعل استنادهم إلى الغيب ، وليس هنالك من سبيل إلى خطأ هذه الهداية ، وبالتالي فشل وهلاك الاُمّة {أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَى}(1) .
كما نعلم من جانب آخر أنّ هؤلاء زعماء إلى الأبد ، وقد تقدّم هذا البحث وثبت في حينه أنّ العالم الإسلامي لابدّ أن يخضع ـ وإلى قيام الساعة ـ في قيادته لمثل هؤلاء الزُعماء .
وبناءً على هذه النتيجة والمقدّمتين فإنّ علمهم بالحوادث الخفيّة وما ستواجهه الأُمّة الإسلامية في المستقبل ، ولاسيّما الحوادث ذات الصلة بكيان الإسلام والمسلمين إنّما تثبت وتوضّح أمرين ، هما:
1 ) أنّ الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) هم الزعماء والقادة إلى الأبد .
2 ) أنّ زعامتهم وبالاستناد إلى المدد الغيبي والعناية الإلهية هي عين الصواب والتي تتضمّن الهداية المطلقة إلى الحقّ .
وأمّا ثمرة هاتين المقدّمتين ; فهي أنّ الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) عالمون بالحوادث الخفيّة وما ستواجهه الاُمة الإسلامية إلى يوم القيامة ، وذلك لأنّه لا يمكنهم أن يكونوا زُعماء إلى الأبد ما لم يكونوا عالمين . وإن قُلنا بأنّهم زعماء إلى الأبد ، ولكن ليس من الضروري أن يكونوا عالمين بجميع الحوادث ، فإنّ هذا ينقض الفرض

  • (1) سورة يونس : الآية 35  .

(الصفحة 159)

القائل بأنّ زعامتهم هي عين الصواب .
إذن ، فالعلم والإطّلاع من مستلزمات خلود زعامتهم . كما أنّ ملزوم هدايتهم المطابقة للواقع والبعيدة عن الفساد هو علمهم بجميع الحوادث .
وهنا يبرز هذا السؤال: أيمكن أن تكون توجيهات وهداية الزعيم صائبة ودون شائبة في حين ليس له من علم بالحوادث ، وأنّه يقود الأُمّة إلى سبل السلام ويهديها إلى الصراط المستقيم حين تعترضها بعض الأحداث التي لم يتكهّن بها؟
كيف يمكن الاعتقاد بأنّ الأئـمّة (عليهم السلام) هم الزعماء إلى الأبد ، وأنّ الاُمّة تحذو حذوهم بينما يجهلون عواقب الاُمور والأحداث! وكيف لنا أن نتصور أنّ هدايتهم عين الواقع إلى الأبد وهم جاهلون بالوقائع؟! وعليه : فإنّ افتراض عدم علم الأئـمّة (عليهم السلام) إنّما يستلزم إنكار أصلين قرآنيين مسلّمين ، وهما:
1 ـ الزعامة الأبديّة للإمام .
2 ـ الهداية الواقعية التي تأبى الفساد {أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى}(1) . فكأن مفهوم الآية هو أنّ مَن يهدي إلى الحقّ وليس للباطل من سبيل إليه هو الإمام الأبدي ، والإمام الأبدي لن يخطئ ; لأنّ الإتّباع ورد مطلقاً في الآية ، وعليه : فالإمامة دائمة أيضاً ، أمّا نفي العلم بالحوادث المستقبلية عن الإمام الأبدي ذي الهداية الواقعية الصائبة إنّما هو مكابرة وجدل فارغ .

علائم الإمام (عليه السلام) :

بغضّ النظر عن الشرائط التي بحثت في الآيات الماضية التي تكشف النقاب عن علائم الإمام وشرائط الإمام من وجهة نظر القرآن الكريم ، فقد اتّضحت

  • (1) سورة يونس : الآية 35  .