جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 115)

بعض المباني المصيرية للإنسان في قصّة موسى فإنّه لا يمكننا أن نقول بأنّها مختصّة ببني إسرائيل والأُمّة الإسلامية مستثناة من هذا الأمر ، ولا يسعنا هنا إلاّ أن نشير إلى بعض هذه المباني بصورة مختصرة ونترك الخوض في تفاصيلها إلى أهل التفسير .
1 ـ يزعم أحبار اليهود أنّ لهم الجنّة خالصة دون أن ينازعهم أحد فيها ، وإن كان ولابدّ من عذاب النار فهي لن تطالهم سوى أيّام معدودة {وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً}(1) .
أمّا القرآن فقد ردّ بمنطق رصين على هذا الزعم ـ الذي كان يبديه المضلّون من أحبار اليهود بهدف التملّص من الإقرار بنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله) والإسلام ـ فرفضه رفضاً قاطعاً وأثبت أنّهم من أصحاب النار والشقاء الخالد يوم القيامة ، وقد أوجز دليله وبرهانه الرصين في هذه الآية من سورة البقرة: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(2) . فهم يغرون الناس ويغلقون عليهم كلّ المنافذ ليفعلوا ما شاءوا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
وبناءً على ما تقدّم فإنّ هؤلاء الناس سيملأون حياتهم بالأعمال الشائنة والأفعال التي تسوّد القلب وتنتهي بالإنسان إلى أدنى المراتب الحيوانية ، فهل لمثل هؤلاء الأفراد أن يبلغوا بعد ذلك السموّ الإنساني؟ وهل لهم أن يتخلّصوا من طبائعهم العدوانية؟ وهل لمثل هؤلاء الأفراد من حظّ يجعلهم يعيشون الحياة الأُخروية الهانئة؟ أم أنّهم سيذوقون وبال أمرهم ليكبّوا على وجوههم في النار من جرّاء أعمالهم القبيحة ، وهل لهم إلاّ الخلود في النار؟ حقّاً لا يرى العقل والإنصاف لهؤلاء سوى عذاب النار خالدين فيها وبئس المصير .

  • (1) سورة البقرة : الآية 80  .
  • (2) سورة البقرة: الآية 81.

(الصفحة 116)

وبناءً على هذا البرهان والاستدلال الواضح فلا تزعموا أيّها اليهود ولاسيّما الأحبار بأنّ مأواكم الجنّة ولن تمسّكم النار إلاّ أيّاماً معدودة ، واعلموا أنّ سيرتكم ونهجكم سيجعلكم خالدين في النار ، وهذا ما قدّمته أيديكم فلم يكن فعلكم سوى حرف الناس عن الصراط المُستقيم ، وتحريف الآيات وإنكار الحقائق التي أوردتها التوراة ، والمتاجرة بالدين من أجل ضمان منافعكم ومصالحكم ، وتظنّون أنّكم إنّما تنفّرون الناس من محمّد (صلى الله عليه وآله) لتستمرّوا في رئاستكم وزعامتكم ، ولم تفكّروا بعواقب أفعالكم حتّى رانت السيّئات وأحاطت بقلوبكم ، فذوقوا النار التي أوقدتموها بأيديكم خالدين فيها وبئس المصير .
إثر تعرّض القرآن لأحبار اليهود ، اندفع اليهود ليقيّموا أدلّتهم في عدم التسليم للقرآن ، وأنّ الجنّة خالصة لهم من دون الناس ، وأنّهم لن يردوا النار ، فما الذي يدعوهم للانصياع لمحمد (صلى الله عليه وآله)  ، فجاءهم الردّ القرآني الحاسم في أنّ هذا الزعم باطل ، وأنّكم تستحقون الخلود في النار .
أمّا أُسلوب الاستدلال الذي ساقه القرآن فقد كان: أنّ الإنسان إذا درج على ارتكاب السيّئات والمعاصي فإنّها تغمسه في هوى نفسه ، بحيث لا تدع له مجالا للعودة والكفّ عن الذنوب ، فتسيطر الظلمات على قلبه حتّى تغلق كافّة منافذ العلم والعقل فيغرق في مستنقع من البؤس والشقاء ، هذا هو الاستدلال الذي أقامه القرآن ضدّ أحبار اليهود ليخلص بالتالي إلى أنّ مأواهم النار خالدين فيها .
وهنا نقول : هل أنّ هذا الأمر يقتصر على اليهود؟ أم أنّه مبدأ كلّي للبشرية جمعاء؟
لاشكّ أنّ هذا الإستدلال يعدّ مبدأً كلّياً ولاسيّما بالنسبة للأُمّة الإسلامية ، فالمصير الذي لاقاه اليهود سيلقاه كلّ فرد مهما كان موقعه ودينه ، إذا أوغل في الذنوب وقضى عمره في المعاصي والسيئات ، ما لم يتب ويقلع عن تلك السيئات  .

(الصفحة 117)

نعم ، إنّ هذه المحاجّة القرآنية لأحبار اليهود إنّما تهدف إلى تنبيه المسلمين ، بل كلّ إنسان ، إلى أصل مسلَّم من الأُصول التي تأبى التغيير ، وتنبيه الأُمّة من أجل سلوك السبيل القويم للفوز بالآخرة والابتعاد عن سبل الهلكة .
وخلاصة هذا الأصل: أنّ الإنسان إذا اعتاد الذنوب ولم يلتفت إلى نفسه ، وقضى عمره في الأفعال القبيحة ، فلن يكون مصيره سوى النار والخلود فيها .
2 ـ كان اليهود يسعون لإثبات أصالة دينهم ونفي الشرعية عن دين النصارى من خلال تشبّثها بإبراهيم (عليه السلام)  ، وهذا ما كانت تدّعيه النصارى أيضاً {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْء . . .}(1) ، فردّت عليهم الآية القرآنية من سورة آل عمران قائلة: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِى إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَيةُ وَالاِْنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}(2) . وقد أشارت آية اُخرى صراحة إلى مفهوم هذه الآية فقالت {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(3) . فما الذي يمكن استنباطه من هذه الآية؟
نفهم من هذه الآية أنّ اليهوديّة والنصرانيّة قد تجاوزت أهداف موسى وعيسى ، فأتباع موسى ليسوا بيهود ، كما لا يمكن لأتباع عيسى أن يكونوا نصارى ; لأنّ إبراهيم مسلم ، لا يهودي ولا نصراني .
إذن ، فاليهودية والنصرانية أسماء ابتدعها أهل الكتاب لأنفسهم ، وهي تتنافى والتسليم لله وسلوك الصراط المستقيم ، وما سبيل موسى وعيسى سوى الإخلاص والتسليم والعبودية لله ، فقد قال عيسى (عليه السلام) : {إِنَّ اللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(4) . ولا نبالغ إذا قلنا بأنّ الآية تلمّح إلى شرك اليهود والنصارى ،

  • (1) سورة البقرة: الآية 113 .
  • (2) سورة آل عمران: الآية 65 .
  • (3) سورة آل عمران: الآية 67 .
  • (4) سورة آل عمران: الآية 51 .

(الصفحة 118)

فقد صرّحت قائلة {وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، ونترك الخوض في التفاصيل إلى موضع آخر .

النتيجة :

الآيتان المذكورتان تعرّضتا للمحاجّة بين أهل الكتاب: اليهود والنصارى ، كما اشترك القرآن في هذه المحاجّة ليقول: لستم ـ اليهود والنصارى ـ تابعين لإبراهيم ، وليس لإبراهيم من ارتباط بكم ، فطريق إبراهيم هو الصراط المُستقيم الذي يقود إلى الحقّ ، وسبيل إبراهيم هو الإخلاص لله ، وسبيل إبراهيم لا عوج فيه ولا انحراف ، وأخيراً سبيل إبراهيم هو التسليم لله والعبودية له .
وعليه : فهاتان الآيتان اللتان تتحدّثان عن محاجّة أهل الكتاب وأوردهما القرآن ، إنّما الغرض منهما هو الالتفات إلى أصل مسلَّم أيضاً من قبل المسلمين ، بل من قِبل كلّ إنسان .
لاشكّ أنّ دعوة إبراهيم (عليه السلام) أصيلة ، والإسلام إنّما واصل دعوته في عبودية الله . إذن محور النجاة والصراط القويم يتمثّل في سلوك النبيّ العظيم إبراهيم (عليه السلام)  ، والمسلمون ينبغي أن يلتفتوا إلى ما أورده القرآن بشأن إبراهيم ، ويعلموا بأنّ المسلم هو إبراهيم (عليه السلام)  ، فإذا أراد أيّ فرد مسلم أن يكون خليل الرحمن يجب أن يسلم لله ولا  يرى سواه ، ولا يسلك سوى صراطه ، ويصرف نفسه عن الدنيا ولا يكترث لزبرجها وزخرفها وأطماعها .
كان هذان نموذجين من مئات النماذج التي ذكرها القرآن الكريم ضمن سرده لقصص الماضين على أنّهما من الحقائق المسلّمة التي لا تختصّ بجماعة معينة ، بل هي اُصول ذات علاقة بمصير البشرية جمعاء ، وذكرها في القرآن دليل على عدم اقتصارها على شخوص القصّة وأبطالها ، بل من أجل لفت انتباه البشرية إليها ،
(الصفحة 119)

وهي من قبيل المباني السامية التي تبلغ بالإنسان السموّ والكمال .
بعبارة أوضح: أنّ القرآن عبارة عن اُصول مسلَّمة ، حيث أفرد هذا الكتاب السماوي قسماً منه لدراسة بعض الأُصول العلمية الواقعية التي ينبغي أن تبتني عليها الحياة الإنسانيّة العقلائية ، غير أنّ هذه الأُصول قد وردت أحياناً ضمن سياق الآيات القرآنية بصورة مباشرة ، وأحياناً اُخرى وردت ضمن سرد قصص الاُمم السالفة .

خلاصة الحديث :

كان السؤال الأوّل هو هل أنّ شرائط الزعامة في بني إسرائيل هي ذاتها في الإسلام ، بحيث يجب أن نلتزم في الزعامة الإسلامية بكلّ شرط كان معتبراً في زعامة بني إسرائيل؟
وقد أجبنا على هذا السؤال ضمن ذكر نقطتين:
1 ـ أنّ اُصول الأديان واحدة من حيث جذورها العقائدية ولا يعتريها التغيير أبداً ، وليس للنسخ من سبيل إليها ، وبدوره أقرّها القرآن ولم يبطلها .
2 ـ وردت أغلب الحقائق القرآنية مباشرة من خلال الآيات القرآنية التي تلفت نظر المسلمين إلى الاهتمام والالتزام بها ، كما وردت بصورة غير مباشرة من خلال سرد قصص الاُمم الماضية .

نتيجة هاتين النقطتين:

تعدّ زعامة الأُمّة في كافّة الأديان من الوظائف التي نصّ عليها الحكيم العليم ، وعليه : فهي من اُصول الأديان وشرائطها مؤثّرة في تحقيق وتثبيت أصل الإمامة ، ومن هنا فإنّ الشروط المذكورة في زعامة بني إسرائيل معتبرة هي الاُخرى في