جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه فقه حماة الوحی
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 158)

وأنّهم مطّلعون على خفايا الأُمور ، ولكن ما مدى هذا الإطّلاع والعلم ، وكيف يتأتّى لهم هذا العلم؟
لا يمكن الاستدلال بهذه الآيات في هذا الخصوص ، ولكن ما يمكن الجزم بقوله هو أنّ علمهم بكيفيّة تؤدّي إلى هدايتهم إلى الصراط المُستقيم وإلى سبل السلام ، وأن تكون هدايتهم صائبة صحيحة تماماً ، فهم الهُداة إلى الحقّ والحقائق المسلّمة ، وذلك بفعل استنادهم إلى الغيب ، وليس هنالك من سبيل إلى خطأ هذه الهداية ، وبالتالي فشل وهلاك الاُمّة {أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَى}(1) .
كما نعلم من جانب آخر أنّ هؤلاء زعماء إلى الأبد ، وقد تقدّم هذا البحث وثبت في حينه أنّ العالم الإسلامي لابدّ أن يخضع ـ وإلى قيام الساعة ـ في قيادته لمثل هؤلاء الزُعماء .
وبناءً على هذه النتيجة والمقدّمتين فإنّ علمهم بالحوادث الخفيّة وما ستواجهه الأُمّة الإسلامية في المستقبل ، ولاسيّما الحوادث ذات الصلة بكيان الإسلام والمسلمين إنّما تثبت وتوضّح أمرين ، هما:
1 ) أنّ الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) هم الزعماء والقادة إلى الأبد .
2 ) أنّ زعامتهم وبالاستناد إلى المدد الغيبي والعناية الإلهية هي عين الصواب والتي تتضمّن الهداية المطلقة إلى الحقّ .
وأمّا ثمرة هاتين المقدّمتين ; فهي أنّ الأئـمّة الأطهار (عليهم السلام) عالمون بالحوادث الخفيّة وما ستواجهه الاُمة الإسلامية إلى يوم القيامة ، وذلك لأنّه لا يمكنهم أن يكونوا زُعماء إلى الأبد ما لم يكونوا عالمين . وإن قُلنا بأنّهم زعماء إلى الأبد ، ولكن ليس من الضروري أن يكونوا عالمين بجميع الحوادث ، فإنّ هذا ينقض الفرض

  • (1) سورة يونس : الآية 35  .

(الصفحة 159)

القائل بأنّ زعامتهم هي عين الصواب .
إذن ، فالعلم والإطّلاع من مستلزمات خلود زعامتهم . كما أنّ ملزوم هدايتهم المطابقة للواقع والبعيدة عن الفساد هو علمهم بجميع الحوادث .
وهنا يبرز هذا السؤال: أيمكن أن تكون توجيهات وهداية الزعيم صائبة ودون شائبة في حين ليس له من علم بالحوادث ، وأنّه يقود الأُمّة إلى سبل السلام ويهديها إلى الصراط المستقيم حين تعترضها بعض الأحداث التي لم يتكهّن بها؟
كيف يمكن الاعتقاد بأنّ الأئـمّة (عليهم السلام) هم الزعماء إلى الأبد ، وأنّ الاُمّة تحذو حذوهم بينما يجهلون عواقب الاُمور والأحداث! وكيف لنا أن نتصور أنّ هدايتهم عين الواقع إلى الأبد وهم جاهلون بالوقائع؟! وعليه : فإنّ افتراض عدم علم الأئـمّة (عليهم السلام) إنّما يستلزم إنكار أصلين قرآنيين مسلّمين ، وهما:
1 ـ الزعامة الأبديّة للإمام .
2 ـ الهداية الواقعية التي تأبى الفساد {أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى}(1) . فكأن مفهوم الآية هو أنّ مَن يهدي إلى الحقّ وليس للباطل من سبيل إليه هو الإمام الأبدي ، والإمام الأبدي لن يخطئ ; لأنّ الإتّباع ورد مطلقاً في الآية ، وعليه : فالإمامة دائمة أيضاً ، أمّا نفي العلم بالحوادث المستقبلية عن الإمام الأبدي ذي الهداية الواقعية الصائبة إنّما هو مكابرة وجدل فارغ .

علائم الإمام (عليه السلام) :

بغضّ النظر عن الشرائط التي بحثت في الآيات الماضية التي تكشف النقاب عن علائم الإمام وشرائط الإمام من وجهة نظر القرآن الكريم ، فقد اتّضحت

  • (1) سورة يونس : الآية 35  .

(الصفحة 160)

الأبعاد العلمية للإمام في ما يلي:
1 ـ أنّ الإمام يمارس زعامته من خلال الاعتماد على الغيب .
2 ـ الزعامة الروحية ـ الأشمل من الإمامة والنبوّة ـ ليست سوى المعرفة بالغيب ، ولم تجر المشيئة الإلهية أن يطّلع الناس على الغيب دون الوسيط العالم بسبل السعادة والفلاح ، بل لا يتحقّق هذا الهدف إلاّ في ظلّ صفوة ربّانية ، وهذه هي إرادة الله في أنّه «لاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَسُول»(1) .
3 ـ أنّ أئـمّة الدين عالمون بالغيب خبيرون بما حُجِب عن الأبصار .
4 ـ هدايتهم بالنظر لاعتمادهم على الغيب مطابقة للواقع تأبى الخطأ والانحراف .
5 ـ حدّ الهداية والإرشاد هو المسيرة التأريخية للبشرية ، وعليه : فهم عالمون بحوادث البشرية وعاقبتها .
6 ـ كلّ هذه الاُمور من الفيوضات الغيبية والعنايات الإلهية ، وإلاّ فهم لا يتجاوزون الإمكان العلمي في الحدود الإنسانية .

التصدّي للانحراف :

لقد أشار القرآن في أكثر من آية إلى روح اللجاجة والعناد وعدم التسليم التي تحكم روح الإنسان طيلة عصور الأنبياء  (عليهم السلام) ، لكن أحياناً يخرج عن حالة التسليم الطبيعي ليقع في مستنقع الضلال . فالقرآن يُشير إلى هذا الأمر ، وأنّ هناك طائفة لم تؤمن بنبوّة عيسى (عليه السلام) حتّى همّت بقتله ، بينما ذهبت طائفة اُخرى وسلّمت لأُلوهيّة نبي الله عيسى (عليه السلام)  ، ولذلك جهد القرآن في محاربة هذه الأفكار الضالّة المنحرفة ، والواقع هو أنّ هذا الضلال الذي شمل ملايين النصارى الروم إنّما كان معلولاً

  • (1) اقتباس من سورة الجنّ : الآيتان 26 ـ 27 .

(الصفحة 161)

لولادته من الاُمّ دون وجود الأب ، أي الولادة من غير المسير الطبيعي الإنساني ، وقد ركّز القرآن الكريم على أنّ الولادة الطبيعية خاضعة لإرادة الله تابعة لقدرته ، وإن كان هناك من وليد دون أب ; فإنّه لا يعني أنّه خارج عن الولادة الإنسانية الطبيعية وأ نّه فوق الإنسان الطبيعي ، وذلك لأنّ القدرة والإرادة الإلهية أعظم من هذه الأُمور ، فالله هو الذي يخلق من العدم ، كما يخلق آدم من تراب ، وعليه : فعيسى (عليه السلام) ليس خارجاً عن دائرة الإمكان ، فهو كسائر المخلوقات التي اكتسبتها المشيئة الإلهية حقيقة الوجود .

هدف الآيات النافية لعلم الغيب :

لا يبدو مستبعداً على ضوء الآيات التي وردت بشان علم النبيّ وأئمّة المسلمين أن يكون الهدف من نفي علم الغيب عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) هو الأمر المهمّ الذي ذكرناه سابقاً ، فقد ترعرع النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) في بيئة تتّصف بالجهل والخرافة وآلاف العيوب وعدم التعرّف على العالم الإنساني ، وقد سطع نوره في ظلمات القلوب ، فلعلّ هناك بعض الأفراد الذين يفقدون باصرتهم إثر تركيزهم على رؤية الشمس ، فقد كانت لشخصية النبيّ (صلى الله عليه وآله) وقدرته العلمية وسموّه ورفعته أثرها في نفوس البعض الذي يخشى عليه من الاضطراب ، كما يمكن أن يصل بعض المؤمنين إلى المغالاة في الحقّ بالنسبة للنبي (صلى الله عليه وآله) ; وبالتالي يُصابون بما اُصيب به النصارى فيقولون باُلوهية محمّد (صلى الله عليه وآله)  ، ولهذا جهد القرآن على إضفاء حالة الاعتدال لدى المسلمين وعدم الانحراف عن الصراط .
ولذلك نرى القرآن الكريم لا ينفك يؤكّد ما معناه أنّ محمّداً ليس إلاّ بشراً مثل سائر الأفراد ، كما أنّ شعار الإسلام الذي يكمن في الشهادة قد تضمّن التأكيد على عبودية محمّد لله «وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله» ، فالقرآن سعى من خلال نفيه
(الصفحة 162)

علم النبي (صلى الله عليه وآله) بالغيب لإبعاد التصوّر الذي قد يسود الأذهان بأنّه فوق البشر ، ولا يغفلوا عن كونه عبداً من عبيد الله ليبلغ الوحي والرسالة .
ومن هنا لابدّ من القول بأنّ الآيات النافية لعلم الغيب إنّما تجرّده من العلم الذاتي للغيب ، فهو ليس بذاته محيط بالأسرار والخفايا ، ليتصوّر بأنّه إله في الأرض ، وأنّ الله سبحانه بعنايته ولطفه وفيضه إنّما يرفع عنه حجب الغيب ويطلعه على المكنونات ، فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) كالمرآة التي تعكس نور الله سبحانه .
ولذلك تطالعنا أيضاً ـ وفي إطار الهدف المذكور ـ بعض الآيات التي تسلبه القدرة الذاتيّة على هداية الاُمّة ، بل أبعد من ذلك أنّ بعض الآيات سلبته بعض الأفعال الاختيارية {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}(1) ، كما سلبته الهداية إلى الصراط المُستقيم تحقيقاً لذلك الهدف {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ}(2) .
نعم ، لقد تنوّعت الأساليب والخطابات القرآنية التي تروم تفادي الانحراف الفكري والغلوّفي شخص النبي (صلى الله عليه وآله) بفعل الكمالات العالية التي اشتملت عليها شخصيته ، وأحياناً ترد بعض الآيات القرآنية على لسانه {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ}(3) ، وكلّ ذلك بالطبع يهدف إلى عدم ضلالة القوم وتورّطهم كتورّط النصرانية في نسبتها المسيح للربوبية ، وإلاّ فمحمد (صلى الله عليه وآله) لم يسلك وادياً ولم يهد إلى سبيل إلاّ من خلال الغيب ، أو هناك تفسير سوى الغيب لهذه الفصاحة القرآنية والمعارف العلمية والحقائق الاجتماعيّة والسياسية والمدنية والبلاغية التي أتى بها بشر اُمّي؟

  • (1) سورة الأنفال : الآية 17  .
  • (2) سورة القصص : الآية 56  .
  • (3) سورة الكهف: الآية 110 .